المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: البحث العلمي وأصوله - مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث

[السيد رزق الطويل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌الباب الأول: البحث العلمي وأصوله

- ‌الباب الثاني: التعريف بالمكتبة الإسلامية

- ‌الفصل الأول: دراسة تاريخية وميدانية للمكتبة الإسلامية

- ‌تمهيد:

- ‌أشهر المكتبات في تاريخ الإسلام:

- ‌أشهر المكتبات في العصر الحديث:

- ‌الفصل الثاني: من مصنفات التراث "أهم المصادر والمراجع

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: القرآن الكريم وعلومه

- ‌المبحث الثاني: الحديث الشريف وعلومه

- ‌المبحث الثالث: السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والتراجم والطبقات

- ‌المبحث الرابع: علوم اللسان العربي

- ‌المبحث الخامس: العقيدة والفلسفة والفرق والفكر الإسلامي

- ‌المبحث السادس: أصول الفقه وتاريخ التشريع

- ‌المبحث السابع: الفقه ومذاهبه

- ‌المبحث الثامن: حضارة الإسلام

- ‌المبحث التاسع: دراسات إسلامية عامة في مجالات متنوعة

- ‌الباب الثالث: التراث وتحقيقه ونشره

- ‌الفصل الأول: التراث والجهود المبذولة في نشره

- ‌الفصل الثاني: المخطوطات ومظانها في مكتبات العالم

- ‌الفصل الثالث: تحقيق التراث

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مصادر البحث ومراجعه:

- ‌فهرس تحليلي لموضوعات هذا الكتاب:

الفصل: ‌الباب الأول: البحث العلمي وأصوله

‌الباب الأول: البحث العلمي وأصوله

دراسة من فصل واحد تتحدث عن أصول البحث العلمي وقواعده

قيمة البحث العلمي:

ما دام الإنسان يؤدي رسالة الخلافة على الأرض التي أرادها له الله يسعى حثيثًا لكشف المخبوء من قوانين الكون، وأسرار الحياة؛ طلبًا للعلم والمعرفة.

وقد أكد الإسلام أن طلب العلم من أشرف المقاصد، وأسمى الغايات التي ينبغي أن يسعى إليها الإنسان، وبخاصة الإنسان المسلم، يقول الله تبارك وتعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: آية 9] ويقول جل شأنه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: آية 11] ويقول سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: آية 28] كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة" كما قال عليه الصلاة والسلام: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

إن البحث العلمي، والسعي وراء اكتساب المعارف من أعظم الوسائل للرقي الفكري والمادي، كما أنه المؤكد للكرامة والفضل اللذين منحهما الله للإنسان من بين مخلوقاته، ولأجل أن يتحقق هذا الهدف سخر الله للإنسان كل ما في الوجود، يسعى في مناكب الأرض، ويسبح في أجواز الفضاء، ويغوص في أعماق البحار، وقد صدق رب العالمين إذ قال وقوله الحق:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: آية 13] كما قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: آية 7] .

وما دام الإنسان يسعى وراء المعارف يتسع أفقه، وتنمو مداركه، وتتعاظم خبراته، فإذا ظن الإنسان أنه قد وصل إلى درجة كافية من العلم والبحث، فمن هنا يبدأ مرحلة جديدة يتورط فيها في ظلمات الجهالة.

ص: 11

وقد صحت الحكمة القديمة التي تقول: إن المرء ليعلم ما دام يطلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.

وقد جاء في كتاب أدب الدنيا والدين نصيحة عبد الملك بن مروان لبنيه: "تعلموا العلم؛ فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطًا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم".

وقد أثر عن بعض السلف قوله: من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجلد أثله، أو علم حصله، فقد عقَّ يومه، وظلم نفسه.

تعريف البحث العلمي:

عرض الباحثون تعريفات شتى للبحث العلمي، وهم في كل تعريف يصدر الواحد منهم عن منظور خاص، وتصور شخصي يصعب معه الشمول، كما نرى بعضهم حدد معنى البحث على أساس ميدانه، فالبحث في العلوم التجريبية له تعريف محدد، والبحث الأدبي له منحى معين، والبحث الديني قد يكون له مفهوم يختلف عنها جميعًا.

ومع ذلك أستطيع أن أقول: إن البحث العلمي عمل جاد، موضوعي يرمي إلى الوصول إلى حقيقة معينة، أو تجلية قضية، أو حسم الأمر في مشكلة من مشكلات المعرفة الإنسانية.

هذا على سبيل التقريب.

لكن الأمر يتحدد تماما إذا جلينا نقطتين.

أولاهما: صور البحث ومجالاته.

والأخرى: الخُلق العلمي للباحث.

ص: 12

صور البحث ومجالاته:

أ- الوصول إلى مجهول:

وذلك بأن يتناول الباحث عددًا من المقدمات، والدراسات، والقضايا يضم بعضها إلى بعض في إطار فكري متناسق ليصل إلى أمر مجهول يريد كشفه وإثباته.

مثال ذلك: كتابة بحث عن: نظرة الإسلام إلى شركات التأمين.

أو كتابة بحث عن: المصالح المرسلة وتوظيفها في معالجة القضايا المستجدة.

أو كتابة بحث عن: العنصر الموسيقي في صوتيات اللغة العربية.

أو كتابة بحث عن: التوهم في الدرس النحوي، والتصريفي.

ب- جمع متفرق:

وقد تكون هناك مسائل علمية متفرقة في بطون الكتب، موزعة في مصادر التراث، وتحتاج إلى بحث واستقراء دقيقين ليصل الباحث إلى تصور شامل لما تفرق في صورة قضية واحدة متكاملة الأطراف والعناصر، وهذا لون من البحث وإن لم يأت بجديد لكنه جهد مفيد مثمر، ييسر للأجيال التالية أن تخطو على أساسه خطوات واسعة.

وذلك مثل كتابة بحث عن: قضية الخيار في الفقه الإسلامي.

أو مثل كتابة بحث عن: أسلوب النفي في النحو العربي.

أو مثل كتابة بحث عن: أساليب الاستغراق والشمول في النحو.

أو مثل كتابة بحث عن: الخيال في الشعر الجاهلي.

جـ- إكمال ناقص:

قد تعالج بعض القضايا في عصور سابقة معالجة لا تستوفي عناصر الموضوع نظرًا لأن المراجع، وأدوات البحث لم تكن متوافرة حينذاك، فيأتي باحث معاصر يكتشف عناصر أخرى يكتمل بها الموضوع، وتتوافر له أدوات لم تكن متاحة من قبل،

ص: 13

فيعيد دراسة الموضوع ليستوفي ما كان ناقصًا، وليعرض وجهة نظر جديدة؛ مما يعود بالإثراء على البحث العلمي.

وقد بحث أسلافنا الأوائل في قضايا.

وأعدنا في عصرنا الحاضر دراستها، فكانت النتيجة أن وجدنا جديدًا ومفيدًا.

وقد كتب كثيرون في القديم والحديث بحوثا عن المتنبي، لكن البحث الذي كتبه الشيخ محمود شاكر بما فيه من عمل تحليلي متميز شد انتباه لجنة التحكيم لجائزة الملك فيصل، ومنحت الشيخ الجائزة.

د- تفصيل مجمل:

قد يكون هذا الأمر في مجال البحث ليس بذي شأن كبير، لكنه على كل حال جهد مفيد ونافع، ويدفع صاحبه إلى الغوص في بطون الكتب لاستخراج المسائل التي يفصل بها ما أجمله غيره.

وفي تراثنا شواهد كثيرة لهذا اللون من البحث، وأقرب شاهد لذلك المتون والشروح.

والمتون وهي تضم رءوس المسائل، لا تغني -كما نعلم- عن الشروح.

وأحيانا يقوم بالشرح صاحب المتن، وأحيانا يقوم بذلك غيره.

وأعظم متن في تراثنا حظي بكثرة الشروح هو ألفية ابن مالك في النحو.

هـ- تهذيب المطول:

وهناك ألوان من البحوث تعمد إلى المطولات، فتستبعد منها ما عسى أن يكون من حشو وفضول، ومعارف يمكن أن يستغنى عنها في تعليم المبتدئين، وتسمى بالتهذيب.

وهو لون من البحث شائع في تراثنا، مثل: تهذيب الأغاني، وتهذيب السعد، وتهذيب التوضيح.

ص: 14

وقيمته العلمية أنه كسابقه يمكن أن يستفاد به في مجال التعليم.

و التعقيبات والنقائض:

هذا لون من البحث يعتمد على التعقيب على بحوث سابقة، أو نقض ما فيها من قضايا، وكشف ما فيها من زيف، أو تخطئة ما ورد فيها من آراء واجتهادات.

مثل: تهافت الفلاسفة للغزالي، وتهافت التهافت لابن رشد، والرد على النحاة لابن مضاء القرطبي.

ومنها كتاب مناهج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية لابن تيمية.

ومن البحوث الحديثة: ما يقال عن الإسلام للأستاذ عباس محمود العقاد.

وكتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، والرد على هانوتو للشيح محمد عبده.

ز- وهناك بحوث تتناول بالدراسة أحد أعلام العلماء في أي علم من العلوم، بحيث يدرس الباحث حياته، وبيئته، وثقافته، وشيوخه، وتلاميذه، ونتاجه العلمي، وما له من إضافات فيه، ومنزلته بين نظرائه من أعلام عصره.

وأهمية هذا البحث أن الباحث المتوفر على ذلك تتاح له فرصة تتبع نتاج هذا العالم وإبراز ما خفي منه، وكما يمكنه أن يستخرج من كتبه الآراء الجديدة والمفيدة التي تكون عاملا في تطوير هذا العلم الذي برز فيه.

وهذا اللون الشائع في عصرنا الحاضر؛ لأنه ميسور للباحثين من أجل الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه.

وقيمة هذا الموضوع تظهر في طبيعة البحث نفسه، وخطة الباحث، وجهده المبذول فيه، وفطنته.

ص: 15

ح- تحقيق النصوص:

وهذا مجال اتجه إليه الباحثون في عصرنا الحاضر، ولعلهم وجدوه ميسورًا كسابقه، إذ لا يكلف الواحد منهم سوى البحث عن مخطوط لم ينشر، أو نشر غير محقق فيقوم بتحقيقه، وضبط نصوصه وتحريرها.

ولا أريد أن أدخل في أصول التحقيق؛ لأني سأعالجه في باب خاص من هذا الكتاب.

والعيب في هذا المجال من مجالات البحث أن كثيرًا ممن يلجون بابه من طلاب العلم يفعلون ذلك بدون خبرة كافية، وتحقيق النصوص بالدرجة الأولى خبرة وفطنة أكثر منه معارف.

ولأجل هذا، فإن البحث في تحقيق النصوص تعظم قيمته إذا اقترن به دراسة جادة لمؤلف المخطوط، تكشف عن جهده العلمي وآرائه التي تفرد بها.

وهذه المجالات المتعددة تختلف -بلا ريب- من حيث القيمة العلمية، وأعلاها أولها، ويليها الثاني، وكذا بحوث التعقيبات والنقائض.

لكن الذي أريد أن أؤكده أن قدرة الباحث، وفطنته، وتمكنه من مادته يجعل لبحثه قيمة عالية، ولو كانت طبيعة البحث من هذا اللون الوصفي الذي لا يتطلب جهدًا كبيرًا، أو إمعانًا في النظر والتحري والتمحيص.

عدة الباحث وخلقه العلمي:

لا بد لمن يلج ميدان البحث العلمي أن يتوافر فيه عدد من الخصائص والسلوكيات، حتى يخرج بحثه على الصورة المرجوة التي تثري المعرفة الإنسانية، وتضيف إليها الجديد والمفيد:

1-

غزارة العلم، وسعة المعرفة، والخبرة الواسعة بالميدان الذي يبحث فيه حتى يمكنه استخراج ما هو محتاج إليه من بطون المراجع، والموسوعات العلمية.

ص: 16

وأن يقرأ كل ما يتصل ببحثه من مؤلفات، قديمها وحديثها.

وأن يحس فهم ما يقرأ، ويدرسه دراسة فاحصة متأنية حتى لا يقع في الخطأ أو الوهم.

2-

ألا يأخذ ما يقرأ مما انتهى إليه غيره قضية مسلمة لا تقبل المراجعة مهما كانت شخصية هذا الباحث، وليضع في اعتباره هذه الحقيقة: يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.

3-

الموضوعية، ومعنى هذا أن يكون جهد الباحث منصبًّا على الموضوع الذي يبحث فيه بصرف النظر عمن بحثوا في هذا الموضوع، ويمكن أن يأخذ ما تبين له أنه حق مهما قيل في صاحب هذا الرأي من اتهامات، وأن يرد ما رآه باطلًا، ولو كان صاحبه معظمًا في عيون الناس، فالحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّى وجدها.

فلا أرد رأيا حسنا في القضية للزمخشري -مثلًا- لأنه معتزلي، ولا رأيا وجيها لنافع بن الأزرق؛ لأنه من الخوارج.

بل أطلب الحق حيث وجد، وللحق مقاييس معروفة في مقدمتها الموافقة لكتاب الله، والسنة الصحيحة، والعقل الصريح، والواقع المحس.

ولا بد من اتزان الأسلوب، فلا يكون إنشائيا مفعما بالمشاعر، متأثرا بالعواطف، يثير الشعور، ولا يقنع العقول.

بل لا بد من الأناة والروية والتعقل والحيدة التامة.

4-

النزاهة، وتعني البعد عن الهوى والتعصب في عرض الآراء ومناقشتها، والبعد عن التحامل، فيعرض رأي الغير وفكره كما يعرض آراءه الشخصية.

5-

الأمانة العلمية، وتتطلب من الباحث الدقة في النقل، وعدم التسامح في لفظ أو عبارة، أو حرف واحد مما ينقل، وذلك إذا كان الأمر في مجال الاستشهاد بنص معين، أما إذا كان المراد مجرد عرض رأي أو فكر علم من الأعلام فلا يلزم النقل النصي، ويشير فقط إلى المصدر الذي عرف منه الباحث هذا الرأي.

ص: 17

6-

احترام رأي الآخرين، فليس من حق الباحث أن يهون من رأي غيره، ولكن له أن ينقده بالدليل والبرهان في غير تجريح، ولا اتهام.

7-

الاهتمام بتوثيق النقل، بذكر المصادر وافية البيانات.

8-

إذا أراد الباحث الترجمة للأعلام الذين يرد ذكرهم في بحثه، فليكن ذلك بإيجاز مفيد، وليكن مقصورًا على غير المشهورين منهم، الذي يحتاج القارئ المتوسط التعرف عليهم.

9-

الاهتمام بالفهرسة، ولنا حديث مفصل فيما بعد عن المراجع، والفهارس بعون الله وحده.

10-

لا بد للباحث أن يكون متمتعا بالراحة الجسمية، بعيدًا عن التوتر والآلام النفسية، حاضر العقل والبديهة، مهيئًَا للتفكير السليم.

مراحل البحث:

البحث العلمي يحتاج إلى مراحل محددة لا بد أن يمر بها الباحث ليصل إلى ما يريد من بحثه، وأن يحصل نتائج صحيحة تسهم في بناء معارف صحيحة. وسنتناول بالترتيب المنطقي هذه المراحل.

1-

اختيار الموضوع:

هذه في تقديري أهم مراحل البحث، وأكثرها جهدًا ومشقة؛ إذ يكون الباحث الذي هو بصدد الاختيار أمام بحر لجي من المعارف والمؤلفات والأفكار التي طرحت في الميدان الذي يبحث فيه، ولا سيما أن تراث أمتنا في كل المعارف عظيم الثراء، وهذا يضاعف من الصعوبة التي يجدها الباحث.

والباحث الجاد الصادق يحس بمسئولية أعظم؛ لأنه لا يريد كتابة أي بحث يوصله للدرجة التي يريدها، ولكنه يريد بحثًا يحقق فيه نتائج يذكرها له معاصروه، والباحثون من بعده.

ص: 18

واختيار الموضوع يدل دلالة واضحة على عقل صاحبه، وعلمه، وخبرته بتراث قومه، فهو حصيلة جهد ومثابرة، واطلاع واسع، وخبرة باحتياجات الفن الذي يبحث فيه.

وهناك عوامل عدة تسهم في نجاح الموضوع، وتدل على مدى التوفيق في اختياره.

ومن ذلك:

أ- الصياغة الدقيقة لعنوان الموضوع أو ترجمته.

ب- حجم الدراسة فيه كمًّا وكيفًا.

جـ- طرافته وجدته.

د- صلته بالمطالب الحيوية للمجتمع الذي ينتظر أن تسهم المعرفة في رقيه عقليا وماديا.

هـ- صلته بميول الطالب ومعارفه.

و مراجع الموضوع ومدى توافرها، ولا نعني كثرتها؛ لأن الكثرة قد تكون مشكلة تدفع الطالب إلى نقول كثيرة تغيب معها شخصيته.

على أن الطالب الواعي يستطيع أن يعالج ذلك بمهارة، وحسن تصرف.

وقضية التعامل مع المراجع لها حديث آخر.

الخطة الأولية للموضوع:

عندما يوفق الباحث في اختيار بحثه عليه أن يرسم خطة أولية لمعالجة هذا الموضوع، والخطة الأولية تعني التصور العاجل والسريع للموضوع الذي ينقدح في ذهن الباحث أول الأمر، ويرفد هذه الخطة حصيلة المعارف والاطلاعات التي اكتسبها، والتي هي زاده على طريق بحثه، ولا يعقل أن يبدأ باحث معالجة موضوع معين وهو خالي الذهن تمامًا عن كل معرفة تتصل به.

ص: 19

وسأقدم على سبيل المثال خطة لموضوع ما يهتدي بها أي باحث من أبنائنا طلاب العلم.

وسأقدم لهم خطتي الأولى للموضوع الذي حصلت به على درجة الدكتوراه في النحو وهو: الخلاف بين البصريين والكوفيين وأثره في تطور الدراسات النحوية حتى نهاية القرن السادس الهجري.

وكان هذا البحث من بابين يسبقهما مقدمة وتمهيد، ويعقبهما خاتمة.

أما المقدمة، فذكرت فيها تعريفًا موجزًا بنفسي ودراساتي السابقة، ثم اختياري للموضوع وأسباب هذا الاختيار، وتحدثت عن مراجعي وتعاملي معها والصعوبات، وكيف ذللت مع شكر للمشرف ولمن بذلوا لي مساعدة لإنجاح العمل وإنجازه، كل هذا في اقتصاد، ودون مبالغة أو تزيد.

وأما التمهيد، فتحدثت فيه حديثًا موجزًا عن نشأة الدراسة النحوية حتى بداية عصر الخلاف.

وأما الباب الأول: فقد تناولت فيه بالدراسة الخلاف بين المدرستين: البصرية والكوفية بالوصف والتحليل، والتاريخ الدقيق، وعرضت ذلك في فصول ثلاثة:

الفصل الأول: قصرت الحديث فيه على دراسة تاريخية للخلاف، تحدد ظهوره، وتحلل أسبابه، وتصف بيئته، وتشرح المؤثرات التي حوله، وتذكر أنماطه، كما تبين مظاهره.

وفي الفصل الثاني: تناولت مسائل الخلاف بين المدرستين، وجعلت لها هذا التصنيف:

أ- مسائل أصولية: مثل القياس، والسماع، والعلة، والعامل.

ب- موضوعات نحوية: مثل الضمائر، والمشتقات، والتضمين.

جـ- مسائل جزئية: لإحصاء مسائل الخلاف في أشهر كتب النحو، وأوسعها.

ص: 20

وفي الفصل الثالث: تحدثت عن الباحثين في الخلاف من قدماء النحاة، كالأنباري والعكبري ونحوهما.

وأما الباب الثاني: فجعلته لتقويم الخلاف، وكشف آثاره.

وجعلته في فصول ثلاثة:

الفصل الأول: تقويم القدماء والمحدثين للخلاف بين المدرستين.

والفصل الثاني: قصرته على محاولتي الشخصية لتقويم الخلاف، وتصورت أسسا معينة أقيم عليها عملية التقويم.

والفصل الثالث: كان لتتبع نتائج الخلاف وآثاره في الدراسات النحوية حتى نهاية القرن السادس الهجري، مشيرًا إلى ما ظهر من مدارس متعددة بعد ذلك في بغداد ومصر والأندلس.

والخاتمة:

كانت لتسجيل النتائج التي أُصلت إليها من البحث.

هذه الخطة المبدئية لم تتغير في الممارسة العملية تغيرًا يذكر، لعل ذلك يرجع لأني كنت مستوعبًا لعناصر الموضوع في ذهني ومعايشتي له أول الأمر بالقراءة في كتب الخلاف، لكن هذا غير لازم، بل في أكثر الأحيان تتغير الخطة عند الممارسة ولا عيب في ذلك؛ ولذا درجنا دائما عند تقديم خطتنا لأي بحث أن نقول: والخطة قابلة للتعديل، حسب مقتضيات البحث.

أسوق هذا لعل فيه هداية لكل باحث، أو نموذجًا يحذو حذوه الباحثون، والكمال في كتاب الله وحده:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: آية 82] .

ص: 21

2-

كيف تتم عملية التبويب؟

إن الباحث وهو يضع الخطة الأولى لبحثه وله معرفة عامة به، يلقي نظرة على عنوانه من خلال الأهداف التي يوحي بها، والجهود التي يحتمها، فيجعل هذه الأساسيات أبوابًا.

ثم يمسك بكل باب على حدة، ويضع له العنوان المأخوذ من العنوان العام للرسالة، فيلقي عليه نظرة واعية يستخرج بها النقاط التي يلزم الحديث عنها في هذا الباب، فيجعل من هذه النقاط فصولًا.

ثم يعمد إلى كل فصل فيتأمل القضايا التي يمكن أن يعالجها فيجعلها مباحث.

وهكذا حتى يفرغ من تخطيط الرسالة تخطيطًا أوليًّا، وكما قلنا: إن التعديل في هذا التخطيط وارد حسب مقتضيات البحث.

والخطة النموذجية التي قدمتها آنفًا تبين لنا بوضوح كيف يتم التبويب.

فإذا طلب منك -مثلًا- أن تكتب عن محمد بن الحسن الشيباني وجهوده الفقهية، فلا بد أن تكون الرسالة من بابين:

أولهما: عن محمد بن الحسن.

والآخر: عن جهوده الفقهية.

ثم تمسك بالباب الأول فتعرضه في عدة فصول:

الفصل الأول: حياته ودراسته وشيوخه.

الفصل الثاني: علاقته بالإمام أبي حنيفة.

الفصل الثالث: علاقته بالدولة الإسلامية في عصره.

وأما الباب الثاني: فتعرضه في عدة فصول:

ص: 22

أولها: آراؤه التي انفرد بها، وتأثيره في فقه الإمام أبي حنيفة ومنزلته بين فقهاء عصره.

ثانيها: أثر آرائه الفقهية في سياسة الدولة.

ثالثها: مؤلفاته، وتقويم هذه المؤلفات.

خاتمة: تسجل فيها النتائج.

وبالطبع نبدأ البحث بالمقدمة.

ويمكن أن نأتي بتمهيد.

نتحدث فيها بإيجاز عن الدراسة الفقهية حتى عصر محمد بن الحسن.

وهكذا يتم التبويب وعمل الخطة الأولى لأي بحث يريده الباحث.

3-

المصادر والمراجع:

بادئ الأمر نقول: هل هناك فرق بين المصدر والمرجع؟

بعض العلماء لا يفرق بينهما ويعدهما مترادفين، فسواء أكان الكتاب مصدرًا متوفرًا على هذه المعرفة بعينها أم يرجع إليه في اكتساب شيء منها.

وأكثر العلماء يفرق بينهما.

فالمصدر: كتاب يعالج موضوعًا بعينه، يتوفر عليه، ويعالجه معالجة شاملة تستقصي جميع جوانبه في تعمق ودرس، بحيث لا يستغني عنه باحث في هذا الموضوع أو دارس.

والمرجع: الكتاب الذي يستقى من غيره، فيتناول موضوعًا أو جانبًا من موضوع يذكر ما فيه من مسائل وقضايا.

فمن المصادر: الجامع الصحيح للبخاري، وصحيح مسلم في الحديث.

ص: 23

والكتاب لسيبويه في النحو.

والكامل للمبرد في الأدب.

والمغني لابن قدامة في الفقه الحنبلي.

وما أخذ من هذه المصادر فهو مرجع.

وذلك مثل الأربعين النووية في الحديث.

وعلى أي حال، فهذه أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها إذ اختلف في أمرها الباحثون.

إن الباحث مطالب بالرجوع إلى كل ما يقع تحت يده مما كتب في مادته من قديم أو حديث، كما أن عليه أن يسعى وراء ما هو بعيد عنه مما يقع في يد غيره، أو في المكتبات العامة، وكذا المخطوطات؛ إذ قد يكون فيها معارف لا توجد في المطبوعات.

وكما أن نجاح الباحث متوقف على الحصول على أكبر قدر من مصادره.

كذلك نراه متوقفًا على القدرة على الاستفادة من المراجع.

أما الأساس الأول، فعلى الطالب مراجعة ما يأتي:

1-

فهارس المكتبات الخاصة والعامة.

2-

الموسوعات العلمية المتخصصة في العلم الذي يبحث فيه.

3-

فهارس المصادر والمراجع التي لها صلة ما ببحثه، عله يجد بعض المسائل المساعدة في البحث، وكذلك الرسائل الجامعية التي كتبت في هذه المادة.

4-

المجلات العلمية المعتد بها.

5-

قوائم دور النشر والمكتبات؛ لمتابعة كل جديد في فنه، وما صدر من المخطوطات فيه.

ص: 24

6-

الرجوع إلى الشخصيات العلمية المبرزة في هذا المجال يستفيد من خبرتهم ويهتدي بإرشاداتهم التي هي حصيلة سنين في ميدان البحث والدرس.

وأما الأساس الثاني، فيدور حول أسلوب التعامل مع المراجع.

وذلك يتطلب ما يأتي:

أ- يجدر بالباحث أن يرتب مراجعه ترتيبًا زمنيًّا؛ ليقف على التطور التاريخي للعلم الذي يبحث فيه، لما يترتب على هذا من وقوف الباحث على أمور هامة في بحثه، كما يكشف له عن تأثير اختلاف البيئة الزمنية في بعض المعارف، ويتيح له فرصة المقارنة بين المتقدم والمتأخر.

ب- يبدأ التوثيق بالمراجع المتقدمة تاريخيًّا، ولا ينبغي أن يوثق نقلًا من مرجع متأخر، مع أن هذه المعلومة من مرجع متقدم.

ولا يعتمد على توثيق غيره، بل يأخذ من حيث أخذ.

جـ- عندما يمسك الباحث بالمرجع يكفيه أن يقرأ فهرس الموضوعات فيه إن كان مفهرسًا، ليقف على الموضوعات التي لها صلة ببحثه، فإذا كان غير مفهرس كان لا مفر له من قراءة المرجع قراءة سريعة حتى إذا وقع على مسألة لها صلة ببحثه قرأها بأناة، واستخرجها في البطاقة المعدة لذلك، ذاكرا الجزء والصفحة، واسم الكتاب والمؤلف، وسنة الطبع، والناشر، ومكان النشر، مثل الكتاب لسيبويه جـ1 ص220 تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة سنة 1962م.

د- ما ينقله بنصه من المرجع يوضع بين علامتي تنصيص، ويذكر في أسفل الصفحة المعارف الستة المتصلة بالمرجع والتي أشرنا إليها، أما إذا نقل الباحث ملخصًا لفكرة وجدت في المصدر أو المرجع، لا يضع هذا الملخص بين علامتي تنصيص، وعليه أن يشير في أسفل الصفحة إلى المرجع قائلًا: انظر كتاب كذا، جزء كذا، صفحة كذا

إلخ.

ص: 25

هـ- إذا اعترض النص المنقول بعض عبارات لا يعنى الباحث نقلها؛ لأنها بعيدة الصلة عن بحثه، فلا حرج عليه أن يضع مكانها عدة نقاط على هذا النحو "

".

4-

جمع المادة العلمية:

بعد التعامل مع المصادر والمراجع بالصورة التي ذكرناها، يستخرج ما يحتاج إليه من مادة علمية متبعًا إحدى طريقتين:

1-

طريقة البطاقات:

فيسجل على كل بطاقة النص الذي ينقله ذاكرًا في أسفلها المعلومات الكاملة عن المرجع، وإذا كان ما يريد نقله يستغرق أكثر من بطاقة والمرجع في متناول الباحث يكفي أن يثبت في البطاقة ملخصًا لما يريد نقله، ثم يذكر في أسفلها الصفحات التي تحتوي القضية كاملة، والحجم المناسب للبطاقة غالبًا "10x14سم".

ولا بأس أن يكتب النقل في عدة بطاقات إذا كان المرجع غير ميسور، على أن يضم هذه البطاقات بعضها البعض بمشبك أو نحوه.

2-

طريقة الملف:

بأن يكتب ما يستخرجه من مادة علمية في أوراق كبيرة يضمها ملف معين أو ملفات حسب حجم المادة التي تسنى له جمعها.

الدراسة والتصنيف:

فإذا فرغ من جمع المادة على إحدى الصورتين السابقتين يبدأ في دراسة ما جمعه دراسة دقيقة واعية، يخلص منها إلى عملية التصنيف.

فيعد الباحث صناديق على عدد فصول الكتاب.

وفي كل صندوق يضع بطاقات الفصل الخاصة به، ويكتب عليه -مثلًا- الباب الأول -مثلًا- أو يعد ملفات على عدد فصول البحث، يضع في كل ملف الأوراق التي جمعت فيها مادته.

ص: 26

ولي تجربة خاصة في هذا الصدد.

أسميها طريقة الكشكول المفهرس.

وقد اتبعتها في رسالتي في الدكتوراه.

بأن أنقل المادة العلمية لكل فصل في كشكول، وأعطي كل نقل عنوانًا خاصا به، يجعل من السهل ربطه بأي فصل من فصول الرسالة.

وفي آخر كل كشكول فهرس لكل ما ورد فيه من موضوعات.

فإذا قرأت الكشكول أخذت فكرة كاملة عن مواد هذا الفصل.

ويصبح من السهل ربطه بالخطه الأولى التي وضعتها، أو أعدل في الخطة تبعًا لما استجد لي من مواد علمية تتطلب هذا التغيير.

على أي طريق من هذه الطرق أسير فيه، تتضح أمامي معالم الموضوع، وفي الوقت نفسه تظهر وجهة نظري، أو تعقيباتي، أو حواري مع آراء الآخرين، فأبادر بذكر إشارة موجزة عند كل موضوع، أو نقل يبدو لي مناقشته، والوقوف عنده حتى لا أنساه عندما أبدأ في المرحلة التالية، وهي أهم المراحل، أعني: مرحلة الكتابة والإخراج.

ص: 27

مرحلة كتابة البحث وإخراجه:

هذه المرحلة تأتي بعد أن تتم دراسة الموضوع من خلال المصادر والمراجع، وتكتمل صورته في ذهن الباحث، ثم يبدأ في كتابة بحثه.

وحينذاك يصوغ الباحث موضوعه بعبارته وأسلوبه، طبقًا لما هو ماثل في ذهنه، ويعالج قضاياه من خلال تصوره حتى تبدو شخصيته فيما يكتب، وله أن يعرض أفكار غيره بعبارته، ويشير إلى المرجع بقوله: انظر كذا -كما أسلفنا- ولا يذكر كلام غيره بنصه إلا إذا كان المقام يفرض ذلك، ويحتمه الاستشهاد، أو أنه يريد مناقشة هذا النص بحرفه.

ولا بد أن يتسم في كتابته بالدقة والأناة والتواضع والبعد عن الإعجاب بالرأي أو الإمعان في تسفيه الآخرين.

وأنسب الأساليب للكتابة العلمية أسلوب المساواة، وهو عند البلغاء: أن تكون الألفاظ على قدر المعاني.

ويحسن الإيجاز في صياغة القوانين، والقواعد العامة، والتعريفات.

ومن آفات الكتابة في البحوث الإطناب في غير مناسبة، والتكرار -أعني: تكرار المعلومة في أكثر من موطن- والإحالة تغنيه عن ذلك.

ويراعى ترتيب الأفكار وترابطها، وأن تكون أحكامه مبنية على مقدمات صحيحة توصل إليها.

وإذا كان للباحث رأي في مسألة يخالف به من سبقوه من الأعلام، فلا بد أن يقدم البراهين الصحيحة التي أقام عليها رأيه.

وعلى الباحث أن يلتزم بعلامات الترقيم؛ لأنها وإن كانت من مبتكرات العصر

ص: 28

الحاضر، وينسب ابتكارها إلى أحمد زكي باشا شيخ العروبة، فإنها تلقي ظلالًا من الوضوح على ما يكتب، وتعين على الفهم، وتزيل كثيرا من الالتباس والوهم.

ونشير إليها هنا بإيجاز تتميما للفائدة:

. - النقطة، تكتب في نهاية فقرة اكتمل بها معنى.

: - النقطتان المتعامدتان، توضع بعد القول، ونحوه.

، - الفاصلة، توضع بين المفردات، والجمل المتعاطفة.

؛ - الفاصلة المنقوطة توضع حيث يكون ما بعدها علة لما قبلها.

- - - الشرطتان بينهما فراغ، توضع بينهما الجمل المعترضة.

" " - علامات التنصيص، توضع بينها ما نقل عن الغير، وكذا الأحاديث النبوية.

() - القوسان، يوضع بينهما العنوان، أو ما نقل من كتاب الله تعالى.

؟ - علامة الاستفهام، توضع حيث يكون الاستفهام بأي أداة من أدواته.

! - علامة التعجب، توضع بعد كلام يترتب عليه ما يدعو للدهشة والعجب.

ويمكن تكرارها إذا رأى الباحث أن الموقف يثير قدرًا كبيرًا من العجب.

وإذا بدا للباحث أن يترجم للأعلام فليفعل ذلك بإيجاز، وليقصر ذلك على غير المشهورين.

وتوثيق النقول قضية هامة يتوقف عليها صلاح البحث وقيمته.

فالآيات القرآنية يذكر في الهامش رقم السورة والآية.

والأحاديث النبوية لا بد من تخريجها.

والشعر ينسب لقائله إن عرف له قائل، وأقوى توثيق للشعر أن يذكر موضعه من ديوان الشاعر، أو في المجموعات الشعرية القديمة مثل المفضليات، والأصمعيات، ومختارات ابن الشجري، والحماسة لأبي تمام، والحماسة للبحتري.

ص: 29

وإن لم يتيسر هذا فيذكر مكانه في أي كتاب من كتب التراث المعتد بها.

وفي نسبة أقوال العلماء، أقوى توثيق لها أن تذكر مكان هذا النقل في كتاب من كتب هذا العالم الذي نقلت عنه، أو من كتاب عالم آخر قريب العهد منه، أو مكان هذا الرأي في كتاب عالم يعتد به، وإن كان بعيدًا في الزمن عن صاحب هذا الرأي.

ومن هنا تبدو لنا وظيفة الهوامش؛ إذ تخصص فيما يأتي:

أ- توضيح كلمة أو عبارة غامضة يقتضي البحث توضيحها.

ب- نسبة الشعر لقائله والترجمة له.

جـ- نسبة النقول إلى مصادرها.

د- الترجمة للأعلام.

هـ- تخريج الأحاديث.

و تخريج الآيات القرآنية.

ز- الإحالة إلى موضوع سابق، أو لاحق.

فإذا أكمل الباحث فصلا من فصول بحثه، راجعه مراجعة دقيقة، وقابل النقول بالبطاقات التي تحمل هذه النقول، وراجع الهوامش وأرقامها، كما يراجع المعلومات التي يكتبها عن كل مصدر.

ثم ينتقل إلى الفصل الذي يليه، وهكذا حتى يفرغ من البحث.

وهنا ملاحظة هامة إذا تصرف الباحث أي تصرف في النص المنقول لا بد أن يشير إلى أن ذلك "بتصرف" بعد ذكر بيانات المرجع المعروفة. وترتيب الفقرات بدءًا وختامًا، يدل على فهم الباحث لبحثه، ودرايته بما يكتب.

الفهارس:

تعد الفهارس من لوازم البحث الحديث؛ ذلك لأنها تؤدي مهمة جليلة القدر

ص: 30

على طريق البحث العلمي وبناء المعارف الإنسانية؛ إذ إنها توفر للباحثين الذين يستعينون بعمل غيرهم للوصول إلى عمل أكبر، أو إضافة لبنة إلى اللبنات التي أرساها سابقون، توفر عليهم وقتًا كبيرًا وجهدًا أكبر، وتيسر لطالب العلم في كل زمان ما يحتاج إليه من بحث غيره بحهد يسير ووقت وجيز.

والأعلام الكبار في تاريخ أمتنا عرفوا الفهرسة إلى حد ما، ووقفوا بها عند حدود الموضوعات والمباحث التي يعالجها الكتاب.

وفي العصر الحديث سار علماء أوروبا والمستشرقون منهم شوطًا بعيد المدى في مجال فهرسة البحوث؛ تيسيرًا للعلم على طلابه، فتعددت الفهارس التي صنعوها.

وكانت هذه بلا ريب واحدة من حسناتهم القليلة.

والفهرسة بهذا المعنى لم تعد مجرد شكل يجمل استيفاؤه، ولكني أقول: إن الإخلال بها، أو عدم استيفائها يحط من قدر العمل وإن كان عظيمًا.

ولقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن بعض الباحثين -وحسنًا فعلوا- يقومون بعمل فهارس لكتب التراث الكبيرة، وموسوعاته التي لم تتح الفرصة لطبعها طباعة حديثة لتتفتح مغاليقها أمام الباحث، ويستطيع أن يستخرج الدرر من كنوزها التي حال بينه وبينها عدم الفهرسة.

وقد تنوعت مجالات الفهرسة إمعانًا في خدمة طالب العلم، فأصبحت تشمل ما يأتي:

أ- فهرس الموضوعات:

وهو يقدم تفصيلًا للموضوعات التي تناولها البحث خلال الفصول والأبواب.

ب- فهرس المصادر والمراجع:

إما مرتبا ترتيبًا هجائيًّا حسب المؤلفين، كما هو متبع عند علماء أوروبا وأمريكا.

أو مرتبا ترتيبًا هجائيًّا حسب عنوان الكتاب على أن يبدأ على كل حال بالقرآن الكريم أصدق المراجع بلا مدافع.

ص: 31

جـ- فهرس الشواهد القرآنية.

د- فهرس الأحاديث النبوية.

هـ- فهرس الشعر.

و فهرس الأعلام.

ز- فهرس الأماكن والقبائل.

ويمكن للباحث حسب طبيعة بحثه أن يزيد فهارس أخرى، أو يختصر من الفهارس المذكورة.

مقدمة البحث:

قد يتبادر إلى ذهن الباحث أن المقدمة أول ما يكتب في البحث.

وفي الحقيقة أن الأولى والأقرب للمنهج الصحيح في البحث أن تكتب بعد الفراغ منه.

وذلك لأن المقدمة يتوفر فيها الباحث على الإشارة لاستعداده العلمي، ودراساته التي تؤهله لبحث الموضوع، ثم اختيار الموضوع، وأسباب الاختيار، والعقبات التي اعترضت الباحث، وكيف ذللها؟

والحديث عن هذا كله لا تتضح أبعاده إلا بعد الفراغ من البحث.

الفرق بين المقدمة والتمهيد:

أما التمهيد: فيتناول فيه الباحث أمورا لها صلة ما ببحثه وإن لم تكن من صلبه، أو ذات علاقة جوهرية به.

والمقدمة: حديث عن البحث، والباحث بعيد الصلة عن الناحية العلمية الموضوعية للبحث.

ص: 32

خاتمة البحث:

أما خاتمة البحث: فهي مخصصة لذكر النتائج التي انتهى إليها الباحث من بحثه، فهي خلاصة عمله وما انتهت إليه تجربته.

والبحث العلمي بمثابة عدة مقدمات متماسكة تنتهي بنتيجة هي: الخاتمة، فيبدأ الباحث التالي من حيث انتهى الباحث الأول.

وعلى هذا النحو يكتمل بناء المعارف الإنسانية، ونراها ثرية غنية، توفي ما تحتاج إليه حياة البشر على الأرض.

وهنا نخلص إلى المرحلة الأخيرة:

الطباعة والتجليد:

وعلى الباحث أن يتابع بحثه في طباعته بالمراجعة الدقيقة، وأن يضع في اعتباره أن الطابع ينقل ما أمامه كما يصوره ذهنه وفكره، فهو يتصرف بطريقة آلية تمامًا، ولا ينبغي أن تعتمد على فطنته في استدراك سهو وقعت فيه.

والخط الواضح يوفر على الباحث كثيرًا من الجهد والمعاناة.

وتجليد الرسالة أو البحث أمر ضروري للحفاظ عليها، وإظهارها بالمظهر اللائق بها، والذي يساير الجهد المبذول في إخراجها.

وأحيانًا يضر المظهر الرديء بالواقع الجيد.

فماذا على الباحث إذا حرص على سلامة الشكل حرصه على سلامة المضمون؟!

ملحظ آخر:

أشاهد كثيرًا من الطلاب الذين كلفنا بالحكم على رسائلهم بأن يكتبوا صفحة للإهداء للوالدين أو لأحدهما، أو لزوجه، أو لآخرين. وهذا لا صلة له بأساسيات الإخراج بحال من الأحوال، وهو مجرد نزعة عاطفية للباحث، إن ذكرها بطريقة متزنة قبلت، وإن بالغ نوقش في ذلك، وإن تركها فقد أراح واستراح.

ص: 33