المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث عشر: الكفارات الواردة في القرآن تكفر ذنوبها: - مكفرات الذنوب والخطايا وأسباب المغفرة من الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: مفهوم مكفرات الذنوب

- ‌المبحث الثاني: مُكفِّرات الذنوب من القرآن الكريم

- ‌أولاً: الإيمان والعمل الصالح يُكفِّرُ السيئات وتُغفَر به الذنوب:

- ‌ثانياً: الصبر والعمل الصالح تغفر بهما الذنوب ويضاعف الأجر:

- ‌ثالثاً: الإيمان والتقوى تكفر بهما الذنوب:

- ‌رابعاً: التقوى الكاملة تكفّر جميع السيئات وتغفر بها جميع الذنوب:

- ‌خامساً: إخفاء الصدقة وإعطاؤها الفقراء تكفر بها السيئات:

- ‌سادساً: محبة اللَّه واتّباع النبي صلى الله عليه وسلم تُغفر بها الذنوب:

- ‌سابعاً: اجتناب الكبائر يكفر السيئات:

- ‌ثامناً: الاستغفار تغفر به الذنوب، ويدخل الجنة:

- ‌تاسعاً: التوبة النصوح تبدل بها السيئات حسنات:

- ‌عاشراً: العفو والصفح تغفر بذلك الذنوب:

- ‌الحادي عشر: التجارة بالأعمال الصالحة تنجي من عذاب الله وتغفر وتكفر بها الذنوب:

- ‌الثاني عشر: التقوى والقول السديد تصلح به الأعمال وتغفر به الذنوب:

- ‌الثالث عشر: الكفارات الواردة في القرآن تكفر ذنوبها:

- ‌الرابع عشر: يغفر اللَّه للمسلمين والمسلمات والذاكرين اللَّه كثيراً والذاكرات:

- ‌الخامس عشر: يغفر اللَّه لمن يشاء مادون الشرك:

- ‌السادس عشر: الحسنات يذهبن السيئات:

- ‌المبحث الثالث: مكفرات الذنوب من السنة المطهرة الصحيحة

- ‌أولاً: لا إله إلا اللَّه تكفر بها السيئات وترفع بها الدرجات:

- ‌ثانياً: التوحيد يكفر الذنوب، وترفع به الدرجات، وتغفر به السيئات:

- ‌ثالثاً: الإخلاص تُغفر به جميع الذنوب، وتُضاعف به الحسنات:

- ‌رابعاًً: الحسنات تمحو السيئات:

- ‌ثالثاً: إسباغ الوضوء كما أمر اللَّه يكفر الخطايا والسيئات:

- ‌سادساً: إسباغ الوضوء ثم الصلاة بعده ركعتين يغفر اللَّه بها ما تقدم من الذنوب:

- ‌سابعاً: إسباغ الوضوء ثم الصلاة به الفريضة يكفر الذنوب:

- ‌ثامناً: المؤذن يُغفر له مدّ صوته، والأذان تُغفر به الذنوب ويدخل الجنة:

- ‌تاسعاً: متابعة الأذان تدخل الجنة، وتغفر به الذنوب:

- ‌عاشراً: المشي إلى الصلاة تحط به الخطايا وترفع به الدرجات وتُكتب به الحسنات وتغفر به الذنوب:

- ‌الحادي عشر: الصلوات الخمس تكفر الخطايا وتغسلها، وترفع بها الدرجات، وتُكتب بها الحسنات:

- ‌الثاني عشر: الأذكار أدبار الصلوات المفروضة تحط الخطايا:

- ‌الثالث عشر: صلوات التطوع تكمل بها الفرائض، وتغفر بها الذنوب:

- ‌الرابع عشر: صلاة التوبة مع الوضوء والاستغفار تغفر بها الذنوب:

- ‌الخامس عشر: قيام رمضان، وقيام ليلة القدر يغفر بذلك ما تقدم من الذنوب:

- ‌السادس عشر: قيام الليل ترفع به الدرجات، وتغفر به الذنوب والسيئات:

- ‌السابع عشر: صلاة الجمعة تكفر بها الخطايا، وتغفر بها الذنوب:

- ‌الثامن عشر: الصبر على البلاء والمصائب يحط السيئات ويرفع الدرجات:

- ‌التاسع عشر: تغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه تكفر به السيئات، وتضاعف الحسنات:

- ‌العشرون: الصدقة تكمل بها الفريضة وتكفر السيئات وتطفئ الخطايا، وتطفئ غضب الرب

- ‌الحادي والعشرون: الصيام يكفر السيئات وتغفر به الذنوب:

- ‌الثاني والعشرون: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما

- ‌الثالث والعشرون: مجالس الذكر تغفر بها الذنوب:

- ‌الرابع والعشرون: ذكر الله تغفر به الذنوب، وتكفر به السيئات

- ‌الخامس والعشرون: تغفر الذنوب بسقي الماء على شدة العطش:

- ‌السادس والعشرون: تغفر الذنوب بالتجاوز عن المعسرين:

- ‌السابع والعشرون: تغفر الذنوب بالمصافحة بين المسلمين:

- ‌الثامن والعشرون: تغفر الذنوب بالسماحة في البيع والشراء

- ‌التاسع والعشرون: ثواب البكاء من خشية الله تعالى:

- ‌الثلاثون: الكفارات في السنة تكفر ذنوبها:

- ‌الحادي والثلاثون: العفو، والصفح تغفر به الذنوب:

- ‌الثاني والثلاثون: الشيب في الإسلام تكفر به السيئات:

- ‌الثالث والثلاثون: الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين

- ‌الرابع والثلاثون: التوبة النصوح تمحو جميع الذنوب والخطايا:

- ‌الخامس والثلاثون: دعاء كفارة المجلس يكفر الذنوب:

- ‌السادس والثلاثون: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكفر السيئات وترفع بها الدرجات وتكتب بها الحسنات:

الفصل: ‌الثالث عشر: الكفارات الواردة في القرآن تكفر ذنوبها:

{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} أي: يعطيكم علماً وهدى ونوراً تمشون به في ظلمات الجهل، ويغفر لكم السيئات.

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فلا يستكثر هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم، الذي عم فضله أهل السموات والأرض، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك» (1).

‌الثالث عشر: الكفارات الواردة في القرآن تكفر ذنوبها:

1 -

التصدق بالنفس، والجروح، والسن وما يصيبه، قال اللَّه تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2).

{فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ} أي: بالقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف والجروح، بأن عفا عمن جنى، وثبت له الحق قبله.

{فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} أي: كفّارة للجاني؛ لأن الآدمي عفا عن حقه. واللَّه تعالى أحقّ وأولى بالعفو عن حقّه، وكفّارة أيضاً عن العافي، فإنه كما عفا عمّن جنى عليه، أو على من يتعلّق به، فإن اللَّه يعفو عن

(1) تيسير الكريم الرحمن، ص 994.

(2)

سورة المائدة، الآية:45.

ص: 33

زلاّته وجناياته» (1).

2 -

كفارة اليمين، قال اللَّه تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2).

{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} أي: في أيمانكم التي صدرت على وجه اللغو، وهي الأيمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه، فبان بخلاف ذلك، {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ} أي: بما عزمتم عليه، وعقدت عليه قلوبكم، كما قال في الآية الأخرى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ، {فَكَفَّارَتُهُ} أي: كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} .

وذلك الإطعام {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} أي: كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة، {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا

(1) تيسير الكريم الرحمن، ص 257.

(2)

سورة المائدة، الآية:89.

ص: 34

الموضع، فمتى فعل واحداً من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} واحداً من هذه الثلاثة {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ} المذكور {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} تُكَفِّرها وتمحوها وتمنع من الإثم.

{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} عن الحلف باللَّه كاذباً، وعن كثرة الأيمان، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيراً، فتمام الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} المبينة للحلال من الحرام، الموضحة للأحكام، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} اللهَ حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون. فعلى العباد شكر الله تعالى على ما منَّ به عليهم، من معرفة الأحكام الشرعية وتبيينها» (1).

3 -

كفارة قتل الصيد، قال اللَّه عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (2).

(1) تيسير الكريم الرحمن، ص 268.

(2)

سورة المائدة، الآية:95.

ص: 35

«

صرّح اللَّه بالنهي عن قتل الصيد في حال الإحرام، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي: محرمون في الحج والعمرة، والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قُتل أو صيد لأجله، وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام.

وقوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} أي: قتل صيداً عمداً {فـ} عليه {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي: الإبل، أو البقر، أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئاً من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به. والاعتبار بالمماثلة أن {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش -على اختلاف أنواعه- بقرة، وهكذا كل ما يشبه شيئاً من النعم، ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئاً ففيه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات، وذلك الهدي لا بد أن يكون {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي: يذبح في الحرم.

{أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} أي: كفّارة ذلك الجزاء طعام مساكين، أي: يجعل مقابلة المثل من النعم، طعام يطعم المساكين.

قال كثير من العلماء: يقوم الجزاء، فيشترى بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاع من غيره. {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ} الطعام

ص: 36

{صِيَامًا} أي: يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، {لِيَذُوقَ} بإيجاب الجزاء المذكور عليه {وَبَالَ أَمْرِهِ} {وَمَنْ عَادَ} بعد ذلك {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} وإنما نص اللَّه على المتعمد لقتل الصيد، مع أن الجزاء يلزم المتعمد والمخطئ، كما هو القاعدة الشرعية -أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة، فإنه يضمنها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق؛ لأن اللَّه رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمّد. وأما المخطئ فليس عليه عقوبة، إنما عليه الجزاء، [هذا جواب الجمهور من هذا القيد الذي ذكره اللَّه. وطائفة من أهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد وهو ظاهر الآية. والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والأموال في هذا الموضع الحق فيه للَّه، فكما لا إثْمَ، لَا جَزاءَ لإتلافه نفوس الآدميين وأموالهم.

ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري، استثنى تعالى الصيد البحري فقال:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (1)» (2).

4 -

كفارة الظهار، قال اللَّه عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ

(1) سورة المائدة، الآية:96.

(2)

تيسير الكريم الرحمن، ص 270 - 271.

ص: 37

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1).

«{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} اختلف العلماء في معنى العود، فقيل: معناه العزم على جماع من ظاهر منها، وأنه بمجرد عزمه تجب عليه الكفارة المذكورة، ويدلّ على هذا أن اللَّه تعالى ذكر في الكفّارة أنها تكون قبل المسيس، وذلك إنما يكون بمجرد العزم، وقيل: معناه حقيقة الوطء، ويدل على ذلك أن اللَّه قال:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} والذي قالوا إنما هو الوطء.

وعلى كل من القولين إذا وجد العود، صار كفارة هذا التحريم {تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} مُؤْمِنَةٍ كما قيدت في آية أخرى، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون سالمة من العيوب المضرة بالعمل.

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي: يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها حتى يكفر برقبة.

{ذَلِكُمْ} الحكم الذي ذكرناه لكم، {تُوعَظُونَ بِهِ} أي: يُبَيِّنُ لكم حكمه مع الترهيب المقرون به؛ لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب، فالذي يريد أن يظاهر، إذا ذُكِر أنه يجب عليه عتق رقبة كف نفسه عنه، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيجازي

(1) سورة المجادلة، الآيتان: 3 - 4.

ص: 38

كل عامل بعمله.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} رقبة يعتقها، بأن لم يجدها أو [لم] يجد ثمنها عليه {صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} الصيام {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} .

إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم، كما هو قول كثير من المفسرين، وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، مما يجزي في الفطرة، كما هو قول طائفة أخرى.

ذلك الحكم الذي بيناه لكم، ووضحناه لكم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام، والعمل به.

فإن التزام أحكام اللَّه، والعمل بها من الإيمان، [بل هي المقصودة] ومما يزيد به الإيمان ويكمل وينمو.

{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} التي تمنع من الوقوع فيها، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها.

{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي هذه الآيات، عدة أحكام:

منها: لطف اللَّه بعباده، واعتناؤه بهم، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، وأزالها ورفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام، لكل من ابتلي بمثل هذه القضية.

ومنها: أن الظهار مختص بتحريم الزوجة؛ لأن اللَّه قال: {مِنْ نِسَائِهِمْ} فلو حرم أمته، لم يكن [ذلك] ظهاراً، بل هو من جنس

ص: 39

تحريم الطعام والشراب، تجب فيه كفارة اليمين فقط.

ومنها: أنه لا يصحّ الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها؛ لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار، كما لا يصح طلاقها، سواء نجَّز ذلك أو علقه.

ومنها: أن الظهار محرم؛ لأن اللَّه سمّاه منكراً [من القول] وزوراً.

ومنها: تنبيه اللَّه على وجه الحكم وحكمته؛ لأن اللَّه تعالى قال: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} .

ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته، ويسميها باسم محارمه، كقوله:«يا أمي» ، و «يا أختي» ، ونحوه؛ لأن ذلك يشبه المحرم.

ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود؛ لما قال المظاهر، على اختلاف القولين السابقين، لا بمجرد الظهار.

ومنها: أنه يجزئ في كفارة الرقبة، الصغير والكبير، والذكر والأنثى؛ لإطلاق الآية في ذلك.

ومنها: أنه يجب إخراجها إن كانت عتقاً أو صياماً قبل المسيس، كما قيده اللَّه بخلاف كفارة الإطعام؛ فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها.

ومنها: أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس، أن

ص: 40