المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابٌ) الْيَمِينُ: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٣

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌ ‌(بَابٌ) الْيَمِينُ: تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ

(بَابٌ) الْيَمِينُ:

تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ:

ــ

[منح الجليل]

[بَابٌ الْيَمِين]

(بَابٌ) فِي الْيَمِينِ (الْيَمِينُ) أَيْ حَقِيقَتُهَا شَرْعًا (تَحْقِيقُ) أَيْ تَقْرِيرُ وَتَقْوِيَةُ (مَا) أَيْ شَيْءٌ (لَمْ يَجِبْ) وُقُوعُهُ عَقْلًا وَلَا عَادَةً بِأَنْ كَانَ مُمْكِنًا فِيهِمَا كَدُخُولِ الدَّارِ، وَلَوْ وَجَبَ شَرْعًا كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ امْتَنَعَ شَرْعًا كَشُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ فِي الْعَقْلِ دُونَ الْعَادَةِ كَشُرْبِ الْبَحْرِ وَيَحْنَثُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْعَزْمُ عَلَى الضِّدِّ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ، أَوْ مُمْتَنِعًا فِيهِمَا كَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ، وَيَحْنَثُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِهَا أَيْضًا لِذَلِكَ. وَخَرَجَ الْوَاجِبُ فِيهِمَا كَتَحَيُّزِ الْجُرْمِ أَوْ فِي الْعَادَةِ فَقَطْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَتَحْقِيقُ جِنْسٍ، وَإِضَافَتُهُ لِمَا لَمْ يَجِبْ فَصْلٌ مُخْرِجٌ تَحْقِيقَ الْوَاجِبِ عَقْلًا وَعَادَةً أَوْ عَادَةً فَقَطْ.

وَصِلَةُ تَحْقِيقٍ (بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) وَإِضَافَةُ اسْمِ اللَّهِ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ أَيْ كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى، سَوَاءٌ وُضِعَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ كَاَللَّهِ أَوْ لَهَا وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَنِ وَالْحَيِّ وَالْخَالِقِ (أَوْ) بِذِكْرِ اسْمِ (صِفَتِهِ) النَّفْسِيَّةِ كَوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ السَّلْبِيَّةِ كَوَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى. عج وَشَمِلَتْ الْقِدَمَ وَالْوَحْدَانِيَّةَ مِنْ صِفَاتِ السَّلْبِ، وَانْظُرْ هَلْ تَشْمَلُ بَقِيَّةَ صِفَاتِ

ص: 3

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

السَّلْبِ. اهـ. وَاَلَّذِي لِابْنِ عَاشِرٍ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، فَفِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ يَمِينٌ.

ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُمَا صِفَتَيْنِ لَهُ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّهُ بَاقٍ لِنَفْسِهِ وَقَدِيمٌ لِنَفْسِهِ لَا لِمَعْنًى مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِهِ وَإِنَّ مَعْنَى الْقَدِيمِ الَّذِي لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ، وَمَعْنَى الْبَاقِي الْمُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ فَكَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَقَالَ أَخَافُ إلَخْ نَظَرًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَذَهَبَ أَصْبَغُ إلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: إنَّهُ يَمِينٌ، وَمِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ أَوْ الذَّاتِيَّةُ كَحَيَاتِهِ تَعَالَى لَا الْفِعْلِيَّةُ كَالْخَلْقِ، وَهَذَا فَصْلٌ مُخْرِجٌ لِتَحْقِيقِ غَيْرِ الْوَاجِبِ بِتَعْلِيقِ نَحْوِ عِتْقٍ أَوْ نَحْوِ طَلَاقٍ فَلَا يُسَمَّى يَمِينًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.

وَأَرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ فِيهَا الصِّيَغُ الصَّرِيحَةُ فِي الْقَسَمِ إذَا نَوَاهُ بِهَا كَأَحْلِفُ وَأُقْسِمُ وَأَشْهَدُ إنْ قَدَّرَ عَقِبَهَا كُلِّهَا بِاَللَّهِ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ إلَخْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: مَعْنَاهَا ضَرُورِيٌّ لَا يُعْرَفُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَالْيَمِينُ قَسَمٌ أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ. اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ إنَّ التَّعْلِيقَ مِنْ الْيَمِينِ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ النَّذْرُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ دِينَارٌ صَدَقَةً، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْقُرْبَةُ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ نَحْوُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ

ص: 4

كَبِاللَّهِ، وَهَاللَّهِ، وَأَيْمُ اللَّهِ، وَحَقِّ اللَّهِ، وَالْعَزِيزِ، وَعَظَمَتِهِ، وَجَلَالِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَكَفَالَتِهِ، وَكَلَامِهِ، وَالْقُرْآنِ، وَالْمُصْحَفِ.

ــ

[منح الجليل]

فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ، وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ صِفَةُ الْتِزَامٍ.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ نَحْوُ ثَوْبِي صَدَقَةٌ مَثَلًا عَلَى فُلَانٍ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءِ الْمَنْدُوبِ نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ إلَّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ فَيُقَيَّدُ بِمَا لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ، وَقَوْلُهُ مُعَلَّقٌ إلَخْ بِالرَّفْعِ صِفَةُ مَا يَجِبُ لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ.

وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِلْيَمِينِ فَقَالَ (كَبِاللَّهِ) وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَمِثْلُهُ الِاسْمُ الْمُجَرَّدُ مِنْ حَرْفِ الْقَسَمِ كَاَللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ (وَهَاللَّهِ) بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ أَيْ الْوَاوِ وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ (وَأَيْمُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِهِ، وَكَذَا أَمْ وَكَذَا أَصْلُهُمَا وَهُوَ أَيْمُنُ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَمُ وَمُنْ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ فِيهِمَا فَهَذِهِ ثِنْتَا عَشْرَةَ لُغَةً كُلٌّ مِنْهَا يَمِينٌ كَمَا صَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَمَعْنَاهَا الْبَرَكَةُ الْقَدِيمَةُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَادِثُ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَفِي كَلَامِ الْآبِي مَا يُفِيدُ أَنَّهَا يَمِينٌ.

(وَحَقِّ اللَّهِ) إنْ أَرَادَ عَظَمَتَهُ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ الْأُلُوهِيَّةَ أَوْ حُكْمَهُ أَوْ تَكْلِيفَهُ أَوْ لَمْ يُرَدْ شَيْءٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُقُوقُ الَّتِي لَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ (وَالْعَزِيزِ) مِنْ عَزَّ يَعَزُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمُضَارِعِ أَيْ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " رضي الله عنه " الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ أَوْ بِكَسْرِهَا أَيْ الَّذِي لَا يَكَادُ يُوجَدُ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَلْ فِيهِ لِلْكَمَالِ أَيْ الْكَامِلِ الْعِزَّةِ، وَيَصِحُّ جَعْلُهَا لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ، وَهَذَا مَا لَمْ يُرِدْ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزِيزًا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ.

(وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ) إذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَعْنَى الْقَدِيمُ وَهُوَ وَصْفُهُ تَعَالَى الْقَدِيمُ الْبَاقِي، فَإِنْ أُرِيدَ عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ اللَّذَانِ خَلَقَهُمَا فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ. فَلَيْسَتَا بِيَمِينٍ (وَإِرَادَتِهِ) تَعَالَى وَلُطْفِهِ وَغَضَبِهِ وَرِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَمِيثَاقِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحَادِثَ فِي الْخَلْقِ (وَكَفَالَتِهِ) أَيْ الْتِزَامِهِ تَعَالَى وَيَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي.

(وَكَلَامِهِ وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ) إنْ نَوَى الْمَعْنَى الْقَدِيمَ الَّذِي لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ

ص: 5

وَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَثِقْت بِاَللَّهِ، ثُمَّ ابْتَدَأْت لَأَفْعَلَنَّ دُيِّنَ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَإِنْ نَوَى الْمُنْزَلَ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْحُرُوفِ بِالْكَلَامِ وَالْقُرْآنِ وَبِالْمُصْحَفِ الْأَوْرَاقَ وَالْكِتَابَةَ وَالْجِلْدَ الْجَامِعَ لَهَا فَلَيْسَتْ يَمِينًا، وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي الْحَلِفِ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَةِ الْمُنْزَلِ الْمُؤَلَّفِ قُرْآنًا وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ الْقَدِيمِ بِهِ وَأَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ مُصْحَفًا

(وَإِنْ قَالَ) شَخْصٌ بِاَللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَقِيلَ لَهُ انْعَقَدَتْ عَلَيْك الْيَمِينُ وَلَزِمَك التَّرْكُ أَوْ الْفِعْلُ لِلْبِرِّ فَقَالَ لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنِّي (أَرَدْت) بِقَوْلِي بِاَللَّهِ (وَثِقْت) أَوْ اعْتَصَمْت (بِاَللَّهِ ثُمَّ ابْتَدَأْت) وَاسْتَأْنَفْت قَوْلِي (لَأَفْعَلَنَّ) أَوْ لَا فَعَلْت وَلَمْ أَجْعَلْهُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ (دُيِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ وُكِلَ لِدِينِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ.

وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ ثُمَّ ابْتَدَأْت لَأَفْعَلَنَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبْتَدِ بِشَيْءٍ بَعْدَ بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ بِالْأَوْلَى حَيْثُ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ. وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ وَثِقْت بِاَللَّهِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ دُونَ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَهَاللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ بِاَللَّهِ بِالرَّحْمَنِ مَثَلًا، وَيُفِيدُ هَذَا قَوْلَ ابْنِ شَاسٍ أَوْ بِالرَّحْمَنِ وَبَحَثَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ جَوَابًا لِقَسَمٍ. أَمَّا فِي مِثْلِ لَأَفْعَلَنَّ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مَا ادَّعَاهُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ لَأَفْعَلَنَّ جَوَابُ قَسَمٍ

ص: 6

لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ. وَكَعِزَّةِ اللَّهِ، وَأَمَانَتِهِ، وَعَهْدِهِ، وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ؛ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَخْلُوقَ،

ــ

[منح الجليل]

مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِيَمِينٍ كَالْكَعْبَةِ.

وَأُخْرِجَ مِنْ مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ دُيِّنَ أَيْ وَلَمْ تَلْزَمْهُ يَمِينٌ

فَقَالَ (لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ) إلَى الْيَمِينِ فَتَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَلَيْسَ مُخْرَجًا مِنْ قَوْلِهِ دُيِّنَ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَالْيَمِينُ لَازِمَةٌ لَهُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَى نِيَّةٍ كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ، وَفَائِدَةُ قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ تَعَمَّدْت الْحَلِفَ عَلَى كَذَا فَحَلَفَ أَنَّهُ سَبَقَهُ لِسَانُهُ فَيُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ الثَّانِيَةِ، وَلَا تَلْزَمُهُ لِأَجْلِهَا كَفَّارَةٌ فَالْمُرَادُ بِسَبْقِ لِسَانِهِ غَلَبَتُهُ وَجَرَيَانُهُ لَا انْتِقَالُهُ مِنْ لَفْظٍ لِآخَرَ، فَإِنَّ هَذَا يُعْذَرُ بِهِ كَسَبْقِهِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ. ابْنُ غَازِيٍّ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِسَبْقِ اللِّسَانِ أَنْ يَسْبِقَ اللَّفْظُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَبَلَى وَاَللَّهِ لَا وَاَللَّهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَغْوٍ. وَذَهَبَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَالْأَبْهَرِيُّ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَالْعَبْدُوسِيُّ، فَحَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِرَدِّ النَّفْيِ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِرَدِّ النَّفْيِ لِقَوْلِهِ بِذِكْرِ اللَّهِ لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ بَعْدُ عَلَى تَفْسِيرِ اللَّغْوِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، فَظَهَرَ نَفْيُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَكَعِزَّةِ اللَّهِ) إنْ أَرَادَ بِهَا صِفَتَهُ تَعَالَى الْقَدِيمَةَ الْبَاقِيَةَ الَّتِي هِيَ مَنَعَتُهُ وَقُوَّتُهُ (وَأَمَانَتُهُ) أَيْ تَكْلِيفُهُ الرَّاجِعُ لِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ (وَعَهْدِهِ) وَكَلَامُهُ الْقَدِيمُ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ خَلْقَهُ، وَمَحَلُّ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ أَمَانَتِهِ وَعَهْدِهِ يَمِينًا إنْ أَتَى مَعَهُ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ بِأَنْ قَالَ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ، وَعَهْدِ اللَّهِ فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الصِّيَغِ الَّتِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا.

(وَعَلَى عَهْدِ اللَّهِ أَنْ يُرِيدَ) بِعِزَّةِ اللَّهِ وَمَا بَعْدَهُ الْمَعْنَى (الْمَخْلُوقَ) لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180]، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] الْآيَةَ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 125] ، فَلَا تَنْعَقِدُ بِهَا يَمِينٌ وَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ. الْبِسَاطِيُّ لَا يَرْجِعُ

ص: 7

وَكَأَحْلِفُ، وَأُقْسِمُ، وَأَشْهَدُ؛ إنْ نَوَى وَأَعْزِمُ؛ إنْ قَالَ بِاَللَّهِ، وَفِي أُعَاهِدُ اللَّهَ: قَوْلَانِ، لَا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، أَوْ أُعْطِيك عَهْدًا، وَعَزَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ

ــ

[منح الجليل]

الِاسْتِثْنَاءُ لِعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَ عَلَيَّ وَإِضَافَةَ الْعَهْدِ إلَى اللَّهِ يَمْنَعَانِ إرَادَةَ الْمَخْلُوقِ، وَيَنْبَغِي رُجُوعُهُ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ إلَخْ كَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ فِيهَا بِعَدَمِ إرَادَةِ الْحَادِثِ.

(وَكَأَحْلِفُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَأُقْسِمُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (وَأَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَمَاضِيهَا كَذَلِكَ (إنْ نَوَى) أَيْ قَدَّرَ (بِاَللَّهِ) عَقِبَهَا، وَأَوْلَى إنْ نَطَقَ بِهِ أَوْ بِصِفَتِهِ لِقَصْدِهِ إنْشَاءَ الْيَمِينِ حِينَئِذٍ. وَمَفْهُومُ إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِالنَّبِيِّ مَثَلًا أَوْ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فِي الْمَاضِي بِأَنَّهُ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ، أَوْ قَصَدَ بِمُضَارِعِهَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْكُتْ مُخَاطِبُهُ يَحْلِفُ لَا يَفْعَلُ أَوْ لَيَفْعَلَنَّ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَطَقَ بِاَللَّهِ.

(وَأَعْزِمُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَكَذَا عَزَمْت (إنْ قَالَ بِاَللَّهِ) لَا إنْ نَوَاهُ لِأَنَّ مَعْنَى أَعْزِمُ أَقْصِدُ وَأَهْتَمُّ، وَتَقْيِيدُهُ بِاَللَّهِ يُفِيدُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْقَسَمِ (وَفِي) انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ (أُعَاهِدُ اللَّهَ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِهِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

وَجْهُ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ بِهِ مَا قَصَدَ حُصُولَهُ أَوْ عَدَمَهُ دَلَّ عَلَى قَصْدِ الْحَلِفِ بِهِ، وَالثَّانِي بِأَنَّ الْعَهْدَ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ أُبَايِعُ اللَّهَ عَلَى أُعَاهِدُ اللَّهَ (لَا) تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ (بِ) قَوْلِهِ (لَك عَلَيَّ عَهْدٌ) لَا فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ (أَوْ) قَوْلِهِ (أُعْطِيك) بِضَمِّ الْهَمْزِ (عَهْدًا) عَلَى تَرْكِ كَذَا أَوْ فِعْلِهِ وَهَذَا بَعْضُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ وَمِثْلُهُمَا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدَ اللَّهِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا لَفُهِمَ مَا ذَكَرَهُ بِالْأَوْلَى. (وَ) لَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ (عَزَمْت) أَوْ أَعْزِمُ (عَلَيْك بِاَللَّهِ) لَا تَفْعَلْ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ وَأَعْزِمُ بِاَللَّهِ السَّابِقَةَ الَّتِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا لَيْسَ فِيهَا عَلَيْك وَحَلَفَ بِهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ سَأَلَ بِهَا غَيْرَهُ وَأَقْسَمْت أَوْ حَلَفْت عَلَيْك بِاَللَّهِ لَا تَفْعَلْ أَوْ لَتَفْعَلَنَّ يَمِينٌ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَسَمِ فَلَمْ

ص: 8

وَحَاشَ اللَّهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ، وَاَللَّهُ رَاعٍ أَوْ كَفِيلٌ،

ــ

[منح الجليل]

يَصْرِفْهُ عَنْهُ، قَوْلُهُ عَلَيْك، بِخِلَافِ عَزَمْت فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْقَسَمِ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّأْكِيدَ وَهُوَ يَكُونُ بِالْقَسَمِ فَفِيهَا شَائِبَتُهُ، فَإِنْ تَرَكَ مَعَهَا عَلَيْك صَارَتْ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا.

(وَ) لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ (حَاشَا اللَّهَ) مَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَنْزِيهًا مِنَّا لَهُ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ الدَّالُّ عَلَى تَنَزُّهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، لَكِنَّهُ مَجَازٌ يَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ وَنِيَّةٍ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا وَلَوْ أَتَى قَبْلَهُ بِوَاوِ الْقَسَمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَالْوَاوُ الَّتِي فِي الْمَتْنِ لِلْعَطْفِ.

(وَ) لَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ (مَعَادَ اللَّهِ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْعَوْدِ أَيْ الرُّجُوعِ مِنَّا لِلَّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، أَوْ الْمُعْجَمَةِ أَيْ التَّحَصُّنِ مِنَّا وَالِاعْتِصَامِ بِهِ سبحانه وتعالى لِذَلِكَ. وَمَحَلُّ كَوْنِ حَاشَا اللَّهَ وَمَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتَا يَمِينًا إنْ أَرَادَ الْحَادِثَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا. فَإِنْ أَرَادَ بِالْأُولَى كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَ الدَّالَّ عَلَى تَنَزُّهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ بِمَعَادَ الذَّاتَ وَأَضَافَهُ لِلْبَيَانِ فَهُمَا يَمِينٌ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ النَّوَادِرِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْيَمِينَ. وَقِيلَ فِي مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا لِلَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ بِحَالٍ. (وَ) لَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ (اللَّهُ رَاعٍ) أَيْ حَافِظٌ (أَوْ كَفِيلٌ) أَيْ ضَامِنٌ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ إنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْكَرِيمَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إخْبَارٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ التُّونُسِيُّ فِي اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ بِنَصَبِ الْجَلَالَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى حَرْفَ الْقَسَمِ، وَنَصَبَ بِحَذْفِهِ فَيَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَلَا: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَمِينَ. وَأَمَّا إنْ جَرَّهُ لَحْنًا وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ فَغَيْرُ يَمِينٍ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِهِ، فَإِنْ قَصَدَ جَرَّهُ بِحَرْفِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ فَيَمِينٌ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَسَمَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ فَصَّلَ بَيْنَ وَاَللَّهِ وَبَيْنَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِجُمْلَةٍ وَهِيَ رَاعٍ أَوْ كَفِيلٌ، وَمُبْتَدَؤُهُ الْمُقَدَّرُ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ يَمِينًا. وَمِثْلُ اللَّهُ كَفِيلٌ عَلِمَ اللَّهُ. الشَّيْخُ سَالِمٌ عَدَّ صَاحِبَ الْخِصَالِ مِمَّا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ يَعْلَمُ اللَّهُ وَفِي الْبَيَانِ إذَا قَالَ يَعْلَمُ اللَّهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ

ص: 9

وَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ، وَكَالْخَلْقِ، وَالْإِمَاتَةِ، أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ

ــ

[منح الجليل]

الْكَفَّارَةُ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ. سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ.

(وَ) لَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَ (النَّبِيِّ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ (وَ) لَا بِقَوْلِهِ وَ (الْكَعْبَةِ) مَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ وَالْحَجَرِ وَالْبَيْتِ وَالْمَقَامِ وَمَكَّةَ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، وَخَاتَمِ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى فَمِ الْعِبَادِ، وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُعَظَّمٍ شَرْعًا. وَفِي حُرْمَةِ الْحَلِفِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَشَهَّرَهُ فِي الشَّامِلِ، وَكَرِهْتُهُ وَشَهَّرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ قَوْلَانِ، مَحَلُّهُمَا إنْ كَانَ صَادِقًا وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا. بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِالنَّبِيِّ كُفْرًا لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ قَالَهُ الْحَطّ. لَا يُقَالُ تَعْلِيلُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَابٌّ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَاهُ يُفِيدُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا أَنَّهُ قَصَدَهُ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِمَا لَيْسَ بِمُعَظَّمٍ شَرْعًا كَالدُّمَى وَالْأَنْصَابِ وَحَيَاةِ أَبِي وَرَأْسِ أَبِي وَتُرْبَةِ أَبِي فَلَا شَكَّ تَحْرِيمُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ؛ قَالَهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فِي سَفَرٍ فَمَا حَلَفَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

(وَ) لَا تَنْعَقِدُ بِصِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ (كَالْخَلْقِ) وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ (وَالْإِمَاتَةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَبِمُثَنَّاتَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ آخِرَهُ ضِدُّ الْإِحْيَاءِ. ابْنُ يُونُسَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَأَمَّا الْقَائِلُ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالْمُحْيِي وَالْمُمِيتِ فَهَذَا حَالِفٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ دَلَّتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ عَلَى صِفَاتِ أَفْعَالِهِ.

(أَوْ) أَيْ لَا تَنْعَقِدُ إنْ قَالَ (هُوَ) أَيْ الْحَالِفُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ دَفْعًا لِشَنَاعَةِ إسْنَادِ الْخَبَرِ الْآتِي لِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ (يَهُودِيٌّ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَارِقٌ أَوْ زَانٍ أَوْ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ وَلَعْنَةُ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا، أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ثُمَّ حَنِثَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا يَرْتَدُّ وَلَوْ كَذَبَ فِي كَلَامِهِ لِقَصْدِهِ إنْشَاءَ الْيَمِينِ لَا الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، وَلِذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَمِينٍ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَلَوْ جَاهِلًا أَوْ هَازِلًا، وَخَبَرُ «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ

ص: 10

وَغَمُوسٌ: بِأَنْ شَكَّ، أَوْ ظَنَّ، وَحَلَفَ بِلَا تَبَيُّنِ صِدْقٍ،

ــ

[منح الجليل]

غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مُوَاقَعَةِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَا يَرْتَدُّ مَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ لِيَغْتَرَّ بِهِ يَهُودِيَّةً لِيَتَزَوَّجَهَا مَثَلًا.

(وَ) لَا كَفَّارَةَ فِي يَمِينٍ (غَمُوسٍ) مُتَعَلِّقَةٍ بِمَاضٍ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ شَكَّ) الْحَالِفُ فِيمَا أَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ كَمَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا (أَوْ ظَنَّ) الْحَالِفُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَمَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ وَأَوْلَى إنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ (وَحَلَفَ) عَلَى شَكِّهِ أَوْ ظَنِّهِ الضَّعِيفِ أَوْ تَعَمُّدِهِ الْكَذِبَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ (بِلَا تَبَيُّنِ صِدْقٍ) بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ أَوْ ظَنِّهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ فَلَيْسَتْ غَمُوسًا. وَكَذَا إنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا وَسَيَقُولُ وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ، وَكَذَا إنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ فِي ظَنِّي فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِحَالٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ كُفِّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ بِلَا تَبَيُّنِ صِدْقٍ مَفْهُومُهُ لَوْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ لَمْ تَكُنْ يَمِينٌ غَمُوسٌ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَقِيت فُلَانًا أَمْسِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَلَقِيَهُ أَمْ لَا ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ بَرَّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَثِمَ. وَكَانَ كَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ، وَعَلَى هَذَا الْمُتَبَادَرِ حَمَلَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ عَتَّابٍ لَفْظَ الْعُتْبِيَّةِ فِيمَا يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ، وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ وَافَقَ الْبِرَّ فِي الظَّاهِرِ لَا أَنَّ إثْمَ جُرْأَتِهِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْحَلِفِ شَاكًّا سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تُزِيلُهُ إلَّا التَّوْبَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْفِقْهِ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ. وَمِمَّنْ حَمَلَهَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْبِرِّ لَا نَفْيِ إثْمِ الْحَلِفِ عَلَى الشَّكِّ وَإِنْ كَانَ دُونَ إثْمِ الْمُتَعَمِّدِ. أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْحَالِفِ عَلَى شَكٍّ أَوْ ظَنٍّ إنْ صَادَفَ صِدْقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ خَاطَرَ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ آثِمٌ وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ، وَقِيلَ فِي الْإِثْمِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَاصِلٌ أَيْ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْغَمْسِ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُحَقَّقًا، إذْ فَاعِلُ الذَّنْبِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا تَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ. وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَغْمِسُهُ فِي النَّارِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا

ص: 11

وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَإِنْ قَصَدَ بِكَالْعُزَّى: التَّعْظِيمَ، فَكُفْرٌ.

وَلَا لَغْوٍ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ نَفْيُهُ؛

ــ

[منح الجليل]

بِسَبَبِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهَا دُخُولُهَا.

(وَلْيَسْتَغْفِرْ) الْقَائِلُ هُوَ يَهُودِيٌّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَمَا بَعْدَهُ (اللَّهَ) أَيْ يَتُبْ وُجُوبًا بِأَنْ يَنْدَمَ وَيُقْلِعَ وَيَعْزِمَ عَلَى عَدَمِ عَوْدِهِ لِمِثْلِهِ، هَذِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِغْفَارِ (وَإِنْ قَصَدَ) الْحَالِفُ (بِكَالْعُزَّى) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى كَاللَّاتِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْر (التَّعْظِيم) لِلْمَحْلُوفِ بِهِ مِنْهُمْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَعْبُودًا أَوْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فِعْلٌ كَالْأَزْلَامِ (فَ) حَلِفُهُ (كُفْرٌ) لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ خَاصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِشْرَاكٌ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْظِيمًا فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا فِي الْأَصْنَامِ، وَعَلَى خِلَافٍ سَبَقَ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَكُلِّ مُعَظَّمٍ شَرْعًا وَالْأَزْلَامُ وَاحِدُهَا زَلَمٌ كَجَمَلٍ خَشَبَةُ السَّهْمِ بِلَا نَصْلٍ كَانُوا إذَا قَصَدُوا أَمْرًا كَتَبُوا عَلَى وَاحِدٍ أَمَرَنِي رَبِّي وَعَلَى آخَرَ نَهَانِي رَبِّي وَعَلَى آخَرَ غَفَلَ، وَخَلَطُوهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَخْرَجُوا وَاحِدًا فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ أَمَرَنِي رَبِّي فَعَلُوا وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ نَهَانِي رَبِّي كَفُّوا، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ غَفَلَ أَعَادُوا الضَّرْبَ.

عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ نَفْيُهُ يَحْلِفُ (وَلَا) كَفَّارَةَ فِي يَمِينٍ (لَغْوٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ يَحْلِفُ (عَلَى مَا) أَيْ شَيْءٍ (يَعْتَقِدُهُ) أَيْ يَجْزِمُ بِهِ حَالَ حَلِفِهِ (فَظَهَرَ) بَعْدَ حَلِفِهِ (نَفْيُهُ) أَيْ مُخَالَفَتُهُ لِاعْتِقَادِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَاضِيًا اتِّفَاقًا أَوْ حَالًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتُهَا فَالْغَمُوسُ وَاللَّغْوُ إنْ تَعَلَّقَتَا بِمَاضٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِمُسْتَقْبَلٍ كُفِّرَتَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِحَالٍ كُفِّرَتْ الْغَمُوسُ دُونَ اللَّغْوِ. عج:

كَفِّرْ غَمُوسًا بِلَا مَاضٍ تَكُونُ كَذَا

لَغْوٌ بِمُسْتَقْبَلٍ لَا غَيْرُ فَامْتَثِلَا

الْبُنَانِيُّ هَذَا مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ فِي اللَّغْوِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ فِي الْغَمُوسِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمَعْرُوفُ لَا لَغْوٌ وَلَا غَمُوسٌ فِي مُسْتَقْبَلٍ، وَتَعْلِيقُ ابْنِ الْحَاجِبِ اللَّغْوَ بِهِ لَا أَعْرِفُهُ وَقَبُولُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي

ص: 12

وَلَمْ ولَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ:

ــ

[منح الجليل]

وَالْحَالِ وَأَكْثَرُ كَلَامِ الشُّيُوخِ فِيهِمَا يَرِدُ بِأَنَّ شَأْنَ الْعِلْمِ الْحَادِثِ تَعَلُّقُهُ بِمَا وَقَعَ لَا بِالْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ غَيْبٌ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْكَفَّارَةِ فِي حَلِفِهِ عَلَى مَا وَقَعَ تَرْكُهَا فِي حَلِفِهِ جَزْمًا عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ لِعُذْرِ الْأَوَّلِ وَجُرْأَةِ الثَّانِي. التُّونُسِيُّ الْأَشْبَهُ فِي مُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَوَاللَّهِ لَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدًا أَنَّهُ غَمُوسٌ.

قُلْت هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ الصِّقِلِّيُّ مَنْ حَلَفَ مُهَدِّدًا بَعْضَ أَهْلِهِ مُجْمِعًا عَلَى الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ الْوَفَاءِ بِيَمِينِهِ لَمْ يَأْثَمْ. قُلْت ظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُهَدِّدٍ أَثِمَ اهـ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ هُوَ الْمَاضِي لَكِنْ اخْتَارَ التُّونُسِيُّ أَنْ تَكُونَ الْغَمُوسُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْمُمْتَنِعِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً اُنْظُرْ الْحَطّ.

(وَلَمْ يُفِدْ) لَغْوُ الْيَمِينِ (فِي) الْحَلِفِ بِ (غَيْرِ اللَّهِ) تَعَالَى وَالنَّذْرُ الْمُبْهَمُ وَالْيَمِينُ وَالْكَفَّارَةُ مِنْ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَحَجٍّ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُوجِبُ الْحِنْثَ فِيهِ غَيْرَ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ وَظَهَرَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ لَقَدْ دَفَعَ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ لِبَائِعِهَا فَبَانَ أَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ لِأَخِيهِ فَقَالَ: مَا كُنْت ظَنَنْت أَنِّي دَفَعْته إلَّا لِلْبَائِعِ، قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَحْنَثُ اهـ. بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَيُفِيدُ اللَّغْوَ فِيهَا لِأَنَّهَا الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] ، وَهِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ فَلَيْسَتْ أَيْمَانًا شَرْعِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ الْتِزَامَاتٌ، وَلِذَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا حُرُوفُ الْقَسَمِ وَكَانَ الْحَلِفُ بِهَا مَمْنُوعًا وَمِثْلُهَا النَّذْرُ الْمُبْهَمُ أَيْ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ مَخْرَجُهُ كَحَلِفِهِ بِهِ عَلَى شَخْصٍ مُقْبِلٍ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ إنْ

ص: 13

كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ، إنْ قَصَدَهُ: كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ يُرِيدَ، أَوْ يَقْضِيَ: عَلَى الْأَظْهَرِ،

ــ

[منح الجليل]

لَمْ يَكُنْ زَيْدًا فَعَلَيَّ نَذْرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَمْرٌو فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَشَبَّهَ فِي الْإِفَادَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَعَدَمِهَا فِي غَيْرِهَا فَقَالَ (كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَهُ إلَى آخِرِ شُرُوطِهِ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (إنْ قَصَدَهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْ حَلَّ الْيَمِينُ فَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ إلَيْهِ أَوْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ فَلَا يُفِيدُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَيْضًا. وَإِنْ قَالَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَنِثَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَصَدَهُ.

وَشَبَّهَ فِي الْإِفَادَةِ فِي اللَّهِ وَعَدَمِهَا فِي غَيْرِهِ فَقَالَ (كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ يُرِيدَ أَوْ يَقْضِيَ) فَيُفِيدُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَلَا يُفِيدُ فِي غَيْرِهَا (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ فِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَوْ يَقْضِيَ وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ مِنْ رُجُوعِهِ لِلثَّلَاثَةِ. ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ يُرِيدَ أَوْ يَقْضِيَ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَيْ فِي الْأَخِيرَيْنِ، أَشَارَ بِهِ لِمَا فِي رَسْمٍ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ. وَمَنْ حَلَفَ لَا فَعَلَ كَذَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ أَوْ يُرِيدَ غَيْرَهُ، فَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً. عِيسَى هُوَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءٌ. ابْنُ عَرَفَةَ فَحَمَلَهُ ابْنُ حَارِثٍ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَاخْتَارَ قَوْلَ عِيسَى.

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَظَاهِرُ النَّوَادِرِ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ خِلَافًا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِسَمَاعِهِ إيَّاهُ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ. مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلَهُ حَنِثَ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَشْهَبَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالنَّظَرُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ قَدَرِهِ أَوْ مَشِيئَتِهِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّهُ يَنْفَعُهُ فِي الْمَشِيئَةِ فَقَطْ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ نَفَعَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَهَلْ الِاسْتِثْنَاءُ رَافِعٌ لِلْكَفَّارَةِ فَقَطْ أَوْ حَلٌّ لِلْيَمِينِ مِنْ أَصْلِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ

ص: 15

وَأَفَادَ بِكَإِلَّا فِي الْجَمِيعِ، إنْ اتَّصَلَ، إلَّا لِعَارِضٍ، وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَصَدَ.

ــ

[منح الجليل]

مَعَ الْقَاضِي وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ مَا حَلَفَ وَفِيمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ فِيهِمَا عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَفِّرُ فَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا.

(وَأَفَادَ) الِاسْتِثْنَاءُ (بِكَإِلَّا) وَخَلَا وَعَدَا وَحَاشَا وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ شَرْطٍ وَصْفَةٍ كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَغَايَةٍ وَبَدَلِ بَعْضٍ، نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إلَّا يَوْمَ كَذَا، أَوْ إنْ ضَرَبَنِي أَوْ ابْنُ عَمْرٍو أَوْ إلَى وَقْتِ كَذَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ الرَّجُلَ ابْنَ عَمْرٍو (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ جَمِيعُ مُتَعَلِّقَاتِ الْيَمِينِ مُسْتَقْبَلَةٌ وَمَاضِيَةٌ كَانَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً أَوْ غَمُوسًا، كَذَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْبَحْرَ أَوْ يَحْمِلُ الْجَبَلَ أَوْ يُمِيتُ الْمَيِّتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَحَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَيْمَانِ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا وَاحِدَةً نَفَعَهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ (إنْ اتَّصَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا وَالْمُعْتَبَرُ اتِّصَالُهُ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَ بِالْمُقْسَمِ بِهِ أَيْ بِعَدَدِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ نَحْوُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً لَا يَفْعَلُ، كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ أَوْ يَكْتَفِي بِاتِّصَالِهِ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ نَحْوُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لَا يَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ إلَّا وَاحِدَةً خِلَافٌ، فَإِنْ انْفَصَلَ لَمْ يُفِدْ كَانَ مَشِيئَةً أَوْ غَيْرَهَا.

(إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ (لِعَارِضٍ) لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَسُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ انْقِطَاعِ نَفَسٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَوْ تَثَاؤُبٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ أَوْ تَكَرَّرَتْ لَا رَدٍّ لِسَلَامٍ وَحَمْدِ عَاطِسٍ وَتَشْمِيتِهِ فَيَضُرُّ (وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ) أَيْ النُّطْقُ بِهِ لَا إنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ بَلْ سَهْوًا فَلَا يُفِيدُ مَشِيئَةً أَوْ غَيْرَهَا (وَقَصَدَ) بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ مِنْ أَوَّلِ النُّطْقِ

ص: 16

وَنَطَقَ بِهِ وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانٍ؛ إلَّا أَنْ يَعْزِلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا: كَالزَّوْجَةِ فِي: " الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ "

ــ

[منح الجليل]

بِاَللَّهِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِلَا فَصْلٍ وَلَوْ بِتَذْكِيرٍ، كَقَوْلِ شَخْصٍ لِلْحَالِفِ قُلْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيَقُولُهَا عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِلَا فَصْلٍ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ احْتِرَازًا مِنْ قَصْدِ التَّبَرُّكِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ لِشَيْءٍ. وَلَيْسَ مَا هُنَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا إنْ قَصَدَهُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَيَّدَ فِي عَدَمِ الْإِفَادَةِ فِي غَيْرِ اللَّهِ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ أَحْرَى، وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْإِفَادَةِ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا.

(وَنَطَقَ بِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ جَهْرًا بَلْ (وَإِنْ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ) إنْ لَمْ يَحْلِفْ فِي حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٍ فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدِ بَيْعٍ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْهُ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَوَّازِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَهُوَ لَا يَرْضَى بِاسْتِثْنَائِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَاسْتَثْنَى مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ وَلَا يَكْفِي فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ النِّيَّةُ أَوَّلًا الَّتِي لَمْ يَصْحَبْهَا لَفْظُ اسْتِثْنَاءٍ فَقَالَ (إلَّا أَنْ يَعْزِلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ أَيْ ابْتِدَاءً قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ فَتَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ أَمْ لَا إلَّا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ فَلَا يَنْفَعُهُ الْعَزْلُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّيْخِ سَالِمٍ وَلَمَّا كَانَ الْمُخَصَّصُ اسْتِثْنَاءً يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّطْقُ كَمَا مَرَّ وَمُحَاشَاةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النُّطْقُ، بَلْ النِّيَّةُ فِيهَا كَافِيَةٌ أَخْرَجَهَا مِنْ شَرْطِ النُّطْقِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْزِلَ الْحَالِفُ شَيْئًا بِنِيَّتِهِ فِي يَمِينِهِ أَيْ يُخْرِجُهُ ثُمَّ يُصْدِرُهَا عَلَى مَا سِوَاهُ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ الْعَزْلُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِأَشَدِّ الْأَشْيَاءِ فَقَالَ (كَ) عَزْلِ (الزَّوْجَةِ) أَوَّلًا (فِي) الْحَلِفِ بِ (الْحَلَالِ) أَوْ كُلِّ حَلَالٍ (عَلَيَّ حَرَامٌ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، ثُمَّ فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ فِي الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ إخْرَاجٌ لِمَا دَخَلَ فِي الْيَمِينِ أَوَّلًا فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا مِنْ طَرَيَان نِيَّةِ الْعَزْلِ بَعْدَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ

ص: 17

وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ

ــ

[منح الجليل]

نُطْقًا مُتَّصِلًا وَقَصْدُ حِلِّ الْيَمِينِ بِهِ وَنِيَّةُ مَا عَدَاهَا لَا تُوجِبُ تَحْرِيمًا لِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَيَقُولُ وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَغْوٌ (وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ) أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهِيَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْحَلَالِ وَأَرَادَ بِهِ مَا عَدَا الزَّوْجَةَ فَلَمْ يُرِدْ عُمُومَهُ لَا تَنَاوُلًا وَلَا حُكْمًا فَهُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الَّذِي عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا لِقَرِينَةِ التَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَالْقَوْمُ فِي قَوْلِنَا قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ حَتَّى زَيْدٍ وَالْحُكْمُ بِالْقِيَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا عَدَاهُ فَلَا يُقَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إخْبَارٌ عَنْ زَيْدٍ بِأَنَّهُ قَامَ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ. فَإِنْ قُلْت مَا الْمَانِعُ مِنْ انْدِرَاجِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ فَالْحَلَالُ فِي قَوْلِهِ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ حَتَّى الزَّوْجَةِ، وَالْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا عَدَاهَا كَمَا فِي قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا. قُلْت عَدَمُ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا، وَالنِّيَّةُ خَفِيَّةٌ فَلَيْسَتْ قَرِينَةً لَفْظِيَّةً أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ مَا فَسَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْمُحَاشَاةَ أَصْلُهُ لِابْنِ مُحْرِزٍ وَتَبِعَهُ اللَّخْمِيُّ وَفَسَّرَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُدَوَّنَةَ وَقَبِلَهُ ابْنُ نَاجِي عَلَيْهَا وَنَقَلَهُ الْحَطّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَصِّصَةَ إنْ كَانَتْ أَوَّلًا نَفَعَتْ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَثْنَاءِ لَمْ تَنْفَعْ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لَفْظًا وَتَعَقَّبَهُ مُصْطَفَى بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ الْأَوَّلِيَّةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَالنِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ. الْقَرَافِيُّ الْمُحَاشَاةُ هِيَ التَّخْصِيصُ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَلَيْسَتْ شَيْئًا غَيْرَ التَّخْصِيصِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ شَرْطُ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ حُصُولُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْيَمِينِ فَهِيَ بَعْدَهَا وَلَوْ وَصَلَتْ بِهَا لَغْوٌ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَفْصِيلَ ابْنِ مُحْرِزٍ ثَالِثًا مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ، وَنَسَبَهُ ابْنُ هَارُونَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَسَلَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ فَعَلَى الْمُصَنِّفِ اعْتِمَادُ الْمَشْهُورِ وَإِسْقَاطُ لَفْظِ أَوَّلًا.

ثَانِيهِمَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا خَاصَّةٌ

ص: 18

وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ،

ــ

[منح الجليل]

بِمَسْأَلَةِ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فِي النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَالُوا فِي الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ تُقْبَلُ الْمُحَاشَاةُ وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، وَلَفَرَّقَ الْبَاجِيَّ بَيْنَ قَبُولِ الْمُحَاشَاةِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ التَّفْصِيلِ فِي النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ بِأَنَّ مَا يُحْلَفُ بِهِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، لِأَنَّ أَصْلَ الْأَيْمَانِ هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ عز وجل، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ الْحَالِفُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَجَازَ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت وَاحِدَةً، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا كَلَّمْت رَجُلًا حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَيْضًا الْبَاجِيَّ أَجْرَى إخْرَاجَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالنِّيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُحَاشَاةِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ، فَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً مُطَّرِدَةً مَا احْتَاجَ إلَى هَذَا الْإِجْزَاءِ اهـ. الْبُنَانِيُّ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْبَاجِيَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ. طفي مِنْ التَّخْصِيصِ بَلْ عَلَى أَنَّهَا قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي كُلِّ مَحْلُوفٍ بِهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ دُونَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْإِجْزَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ اسْتِوَاءَ الْحُكْمِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا لَا يَأْبَى ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ الْقِيَاسُ لَا يُصَدِّقُ الْقَائِلَ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ ادَّعَى مُحَاشَاةَ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لِادِّعَائِهِ خِلَافَ، ظَاهِرِ لَفْظٍ كَحَالِفٍ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا، وَتَصْدِيقُهُ فِي الزَّوْجَةِ اسْتِحْسَانٌ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ. اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُفِيدُ قَبُولَ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ كُلِّ يَمِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَفَادَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا قَالَ لِإِطْلَاقِهِمْ قَبُولَ الْمُحَاشَاةِ وَتَفْصِيلِهِمْ فِي النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ، وَأَنَّ مَا ادَّعَاهُ طفي مِنْ تَخْصِيصِهَا بِ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَإِنْ ادَّعَى اطِّرَادَهَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَاجِيَّ لَمْ يَبْعُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَفِي النَّذْرِ) أَيْ الْتِزَامِ الْمَنْدُوبِ (الْمُبْهَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْ النَّاذِرُ فِيهِ نَوْعَ الْعِبَادَةِ الَّذِي يُوَفِّي نَذْرَهُ مِنْهُ كَلِلَّهِ عَلَيْهِ نَذْرًا وَإِنْ فَعَلْت أَوْ

ص: 19

الْيَمِينِ، وَالْكَفَّارَةِ، وَالْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ بِإِنْ فَعَلْت، وَلَا فَعَلْت، أَوْ حِنْثٍ بِلَأَفْعَلَن أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ؛

ــ

[منح الجليل]

إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَعَلَيْهِ نَذْرٌ، أَوْ إنْ فَعَلَ أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ نَذْرٌ (وَ) فِي الْتِزَامِ (الْيَمِينِ) كَلِلَّهِ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ إنْ فَعَلَ أَوْ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَوْ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ. ابْنُ عَاشِرٍ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَجْرِيَ الْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ جَرَى بِهِ لَزِمَ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا فِي بَلَدِنَا فَاسَ اهـ. الْبُنَانِيُّ وَالطَّلَاقُ اللَّازِمُ بِهَا رَجْعِيٌّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَالْقَصَّارُ وَعَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُمْ.

(وَ) فِي الْتِزَامِ (الْكَفَّارَةِ) كَلِلَّهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَوْ إنْ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلَّهِ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ (وَ) فِي الْيَمِينِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا (الْمُنْعَقِدَةُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْغَمُوسِ الْمَاضِيَةِ وَاللَّغْوِ الْمَاضِيَةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ (عَلَى بِرٍّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدَّ الرَّاءِ أَيْ عَدَمِ فِعْلِ وَتَرْكِ الْمُصَوَّرَةِ (بِإِنْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ لَا (فَعَلْت) أَيْ أَفْعَلُ (وَ) بِمَعْنَى أَوْ (لَا فَعَلْت) أَيْ أَفْعَلُ وَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا إلَى صِيغَةِ الْحِنْثِ بِتَقْدِيرِ التَّرْكِ كَوَاللَّهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ لَا كَلَّمْتُهُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ بِهِ إلَيْهَا بِنَحْوِ لَأَتْرُكَنَّ كَلَامَهُ، وَيُعْتَبَرُ رَدُّهَا إلَيْهَا بِتَقْدِيرِ غَيْرِهِ كَوَاللَّهِ إنْ عَفَوْت أَوْ لَا عَفَوْت عَنْ زَيْدٍ أَوْ إنْ أَقَمْت أَوْ لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْبَلَدِ مَثَلًا فَهِيَ صِيغَةُ حِنْثٍ، إذْ مَعْنَاهَا فِي الْأَوَّلِ لَأُطَالِبَنَّهُ، وَفِي الثَّانِي لَأَنْتَقِلَنَّ نَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.

فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ تَقْدِيرُ التَّرْكِ فِي هَذَيْنِ أَيْضًا أَيْ لَأَتْرُكَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَلَأَتْرُكَنَّ الْإِقَامَةَ بِهِ فِي الثَّانِي فَمَا الْمُرَجِّحُ لِتَقْدِيرِ غَيْرِهِ. قُلْت الْمُرَجِّحُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَأَنْتَقِمَنَّ فِي الْأَوَّلِ وَلْأَنْتَقِلَنَّ فِي الثَّانِي مُسْتَفَادَةٌ مِنْ لَفْظِ إنْ عَفَوْت وَإِنْ أَقَمْت وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَعْنَى، وَأَيْضًا إمْكَانُ الرَّدِّ بِالتَّرْكِ لَا يُعْتَبَرُ لِعُمُومِهِ فِي كُلِّ صِيغَةِ بِرٍّ، وَالْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ إمْكَانُ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ كَانَتْ الصِّيغَةُ حِنْثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى (حِنْثٍ) أَيْ فِعْلِ الْمُصَوَّرَةِ (بِلَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ) وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا رَدُّهَا إلَى صِيغَةِ الْبِرِّ بِتَقْدِيرِ لَفْظِ تَرْكٍ وَغَيْرِهِ عَلَى ظَاهِرِ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ، وَإِنْ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ نَافِيَةٌ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا جَوَابٌ، وَمَعْنَاهَا فِي الْحِنْثِ حِينَئِذٍ لَأَفْعَلَنَّ

ص: 20

إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ: إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ: لِكُلٍّ مُدٌّ،

ــ

[منح الجليل]

لِأَنَّهَا نَافِيَةٌ وَلَمْ نَافِيَةٌ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَإِنْ ذُكِرَ لَهَا جَوَابٌ فَشَرْطِيَّةٌ فِيهِمَا.

وَقَيَّدَ صِيغَتَيْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) الْحَالِفُ يَمِينَهُ بِأَنْ أَطْلَقَهَا نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُكَلِّمَنَّ زَيْدًا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَوْتِ، فَإِنْ أَجَّلَ فَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إلَخْ، وَالتَّأْجِيلُ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا بِأَنْ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ بِأَنْ جَعَلَ وُقُوعَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَتَتَّفِقُ الصُّورَتَانِ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِهَا فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فِي الْأَجَلِ الَّذِي جَعَلَهُ ظَرْفًا أَوْ جَعَلَ حُصُولَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ.

وَتَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ فِعْلَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ يَبَرُّ بِهِ وَإِذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْهُ حَنِثَ وَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ وُجُودِ زَمَنِهِ الْمُعَلَّقِ فِعْلُهُ عَلَى وُجُودِهِ، فَإِذَا مَضَى مُنِعَ مِنْ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ مُنِعَ مِنْهَا أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ هَذَا نَحْوُ تَمْثِيلِ التَّوْضِيحِ الْمُؤَجَّلَةِ بِلَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَنَازَعَهُ سَالِمٌ فِي تَمْثِيلِهِ بِهِ وَالصَّوَابُ لِأَضْرِبَنَّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ قَبْلَ شَهْرِ كَذَا، وَهُوَ نِزَاعٌ حَسَنٌ قَالَهُ طفي فِي أَجْوِبَتِهِ، وَمُبْتَدَأٌ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ إلَخْ. (إطْعَامُ) أَيْ تَمْلِيكٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ تَبَرُّكًا بِمَادَّةِ الْآيَةِ وَعَدَلَ عَنْهُ فِي الظِّهَارِ إلَى تَمْلِيكٍ تَفَنُّنًا (عَشْرَةِ مَسَاكِينَ) أَيْ لَا يَمْلِكُونَ قُوتَ عَامٍ فَشَمِلُوا الْفُقَرَاءَ أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَتُدْفَعُ لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا الْفَقِيرَيْنِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ

وَالْمُعْتَبَرُ مَسَاكِينُ مَحَلِّ الْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَا بَلَدُ الْحَالِفِ (لِكُلِّ) مِنْهُمْ (مُدٌّ) نَبَوِيٌّ مِلْءُ حِفَانٍ مُتَوَسِّطٍ لَا مَقْبُوضٍ وَلَا مَبْسُوطٍ مِمَّا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَا تُشْتَرَطُ غَرْبَلَتُهُ إلَّا إذَا زَادَ غَلَّتُهُ عَلَى ثُلُثِهِ وَيُجْزِئُ الدَّقِيقُ بِرِيعِهِ اهـ عب. طفي هَذَا فِي الْبُرِّ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ أَخْرَجَ الشَّعِيرَ أَوْ التَّمْرَ أَوْ الذُّرَةَ أَوْ غَيْرَهَا فَلْيُخْرِجْ وَسَطَ الشِّبَعِ مِنْهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ قَدْرَ وَسَطِ الشِّبَعِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ قَدْرَ مَبْلَغِ شِبَعِ الْبُرِّ قَوْلَانِ لِلَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالْبَاجِيِّ مَعَ النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَوْلُ س ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْبُرِّ مِثْلُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ.

ص: 21

وَنُدِبَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ: زِيَادَةُ ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ، أَوْ رِطْلَانِ خُبْزًا بِأُدْمٍ: كَشِبَعِهِمْ

ــ

[منح الجليل]

وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ شَمِلَ مَكَّةَ إذْ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهَا قَنَاعَةٌ كَقَنَاعَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُفِيدُهُ أَيْضًا وَعَلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ لِقَنَاعَتِهَا وَنَائِبُ نُدِبَ (زِيَادَةُ ثُلُثِهِ) أَيْ الْمُدِّ عِنْدَ أَشْهَبَ (أَوْ نِصْفِهِ) عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فَأَوْ لِلْخِلَافِ لَا التَّنْوِيعِ وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالِاجْتِهَادِ. طفي هَذَا كَقَوْلِ الرِّسَالَةِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَوْ زَادَ عَلَى الْمُدِّ مِثْلَ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفِ مُدٍّ وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ وَسَطَ عَيْشِهِمْ فِي غَلَاءٍ أَوْ رُخْصٍ وَمَنْ أَخْرَجَ مُدًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَجْزَأَهُ. ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الْحَسَنِ أَحَبُّ إلَيْنَا يَعْنِي الْمُؤَلِّفَ نَفْسَهُ وَظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْصَارِ فَإِنَّ لَهُمْ عَيْشًا غَيْرَ عَيْشِنَا فَلْيُخْرِجُوا وَسَطًا مِنْ عَيْشِهِمْ، وُجُوبُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ، فَانْظُرْ لِمَ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِهَا إلَى اخْتِيَارِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَدْ أَبْقَى أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا.

وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُمَا أَخْرَجَ الْمُدَّ أَجْزَأَهُ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ فِي تَوْضِيحِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ كَقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَحُدَّ الزِّيَادَةَ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ سِوَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مِصْرَ وَمَا قَارَبَهَا فِي سَعَةِ الْقُوتِ، وَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلْخِلَافِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (أَوْ رِطْلَانِ) بَغْدَادِيَّانِ (خُبْزًا) تَمْيِيزٌ لِرِطْلَيْنِ (بِأُدْمٍ) يَكْفِي الرِّطْلَيْنِ عَادَةً وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا الْمُدُّ بِإِدَامٍ نَدْبًا وَظَاهِرُهُ أَيْ إدَامٌ فَيَشْمَلُ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ وَالزَّيْتَ وَالْبَقْلَ وَالْقُطْنِيَّةَ وَالتَّمْرَ.

وَشَبَّهَ فِي الْإِجْزَاءِ فَقَالَ (كَشِبَعِهِمْ) مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْحَطّ وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ مَرَّتَيْنِ بِجَعْلِهِ قَسِيمَ الرِّطْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُؤْكَلَانِ فِي مَرَّتَيْنِ غَالِبًا سَوَاءٌ تَوَالَتْ الْمَرَّتَانِ أَمْ لَا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا أَمْ

ص: 22

أَوْ كِسْوَتُهُمْ: لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ، وَلَوْ غَيْرَ وَسَطِ أَهْلِهِ، وَالرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا،

ــ

[منح الجليل]

لَا مُجْتَمَعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْأَكْلِ أَمْ لَا شِبَعًا مُتَوَسِّطًا، وَيَكْفِي شِبَعُهُمْ مَرَّتَيْنِ وَلَوْ دُونَ الْأَمْدَادِ كَمَا فِي الشَّامِلِ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ الْعَشَرَةَ مَسَاكِينَ جَدِيدًا أَوْ لَبِيسًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ خِيَاطَتُهُ (لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ) سَاتِرٌ جَمِيعَ جَسَدِهِ كَمَا فِي الْحَطّ فَلَا يَكْفِي عِمَامَةٌ وَحْدَهَا وَلَا إزَارٌ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الِالْتِحَافَ بِهِ وَإِلَّا كَفَى عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقَوْلُهَا يُجْزِئُ فِي صَلَاتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ (وَالْمَرْأَةُ دِرْعٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ قَمِيصٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَكْفِي مَا يَسْتُرُ بَدَنَهَا كُلَّهُ قَمِيصًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (وَخِمَارٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ شَيْءٌ تَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهَا وَعُنُقَهَا إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ مِنْ وَسَطِ كِسْوَةِ أَهْلِهِ.

بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (غَيْرَ وَسَطٍ) كِسْوَةُ (أَهْلِهِ) أَيْ الْمُكَفِّرِ لِإِطْلَاقِهَا فِي الْآيَةِ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا مِنْ وَسَطِ كِسْوَةِ الْأَهْلِ. ابْنُ فَرْحُونٍ يُعْطَى الرَّجُلُ ثَوْبًا وَفِي مَعْنَى الثَّوْبِ الْإِزَارُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاشْتِمَالُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ. اللَّخْمِيُّ وَالْمُرَاعَى فِي الْكِسْوَةِ الْفَقِيرُ نَفْسُهُ فَيُكْسَى الرَّجُلُ ثَوْبًا تَامًّا يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَالْمَرْأَةُ ثَوْبًا وَخِمَارًا، ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْكِسْوَةَ مِثْلَ كِسْوَةِ الْمُكَفِّرِ وَأَهْلِهِ وَلَا مِثْلَ كِسْوَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ اهـ.

(وَ) الشَّخْصُ (الرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا) أَيْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِصِنْفَيْهِ الْمُدِّ وَالرِّطْلَيْنِ بِشَرْطِ أَكْلِهِ الطَّعَامَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّامِلِ فَيُعْطَى كِسْوَةَ كَبِيرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَوْ مُدًّا أَوْ رِطْلَيْنِ خُبْزًا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ إلَّا فِي مَرَّاتٍ وَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي جَعْلِ الصَّغِيرِ كَالْكَبِيرِ فِيمَا يُعْطَاهُ قَوْلَانِ التَّوْضِيحِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالْكَبِيرِ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ، وَالْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الصَّغِيرِ لِأَشْهَبَ، وَكَوْنُ طَعَامِ الرَّضِيعِ كَالْكَبِيرِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَفِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْهَا يُطْعِمُ الرَّضِيعَ مِنْ الْكَفَّارَةِ إذَا كَانَ قَدْ أَكَلَ طَعَامًا وَيُعْطَى مَا يُعْطَى الْكَبِيرُ اهـ.

ص: 23

أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ: كَالظِّهَارِ، ثُمَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ

ــ

[منح الجليل]

وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا بِأَنَّ الصَّغِيرَ يُعْطَى مَا يَكْفِيهِ خَاصَّةً. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إعْطَاءُ الصَّغِيرِ مَا يَكْفِيهِ لَا أَعْرِفُهُ، بَلْ تَوْجِيهُ الْبَاجِيَّ كَوْنَ كِسْوَتِهِ كَكَبِيرٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَوْنِ طَعَامِهِ كَذَلِكَ دَلِيلُ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي الطَّعَامِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَ الصِّغَارَ وَيُعَشِّيَهُمْ.

(أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَ) الرَّقَبَةِ الَّتِي تُعْتَقُ فِي كَفَّارَةِ (الظِّهَارِ) فِي شُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فِي بَابِهِ فِي قَوْلِهِ لَا جَنِينَ وَعَتَقَ بَعْدَ وَضْعِهِ مُؤْمِنَةً. وَفِي الْأَعْجَمِيِّ تَأْوِيلَانِ: سَلِيمَةٌ عَنْ قَطْعِ إصْبَعٍ وَعَمًى وَجُنُونٍ وَبَكَمٍ وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ وَقَطْعِ أُذُنٍ وَصَمَمٍ وَهَرَمٍ، وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ وَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَفَلَجٍ بِلَا شَوْبِ عِوَضٍ لَا مُشْتَرِي الْمُعْتَقِ مُحَرَّرَةً لَهُ لَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَفِي إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي تَأْوِيلَانِ إلَخْ.

(ثُمَّ) إذَا عَجَزَ حِينَ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا يُبَاعُ عَلَى مُفْلِسٍ (صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَنُدِبَ تَتَابُعُهَا (وَلَا تُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ (مُلَفَّقَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْفَاءِ

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

مِنْ نَوْعَيْنِ كَعِتْقِ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامِ خَمْسَةٍ أَوْ كِسْوَتِهِمْ وَكَإِطْعَامِ خَمْسَةٍ وَكِسْوَةِ خَمْسَةٍ، وَأَمَّا مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ فَتُجْزِئُ كَتَمْلِيكِ خَمْسَةِ أَمْدَادٍ لِخَمْسَةٍ وَعَشْرَةِ أَرْطَالٍ لِخَمْسَةٍ، وَكَذَا مُلَفَّقَةٌ مِنْ أَصْنَافِ الطَّعَامِ الثَّلَاثَةِ: الْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ وَالْإِشْبَاعِ، وَهَذَا فِي كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فَأَطْعَمَ عَشْرَةً وَكَسَا عَشْرَةً وَأَعْتَقَ رَقَبَةً وَنَوَى أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا عَنْ يَمِينٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، سَوَاءٌ عَيَّنَ كُلَّ كَفَّارَةٍ لِيَمِينٍ أَمْ لَا.

وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمَانِعُ التَّشْرِيكُ بِجَعْلِ الْعِتْقِ عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ فَلَا يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْهَا قَالَهُ عج وَغَيْرُهُ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَلَا يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْهَا قَالَهُ عج وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَالَهُ عج إذْ الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالْحَطّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ إنْ شَرَكَ الثَّلَاثَةَ فَالْعِتْقُ لَا يُجْزِئُ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ لَا يَتَبَعَّضُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ فَعَلَى التَّلْفِيقِ يُبْنَى عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ قَدْ نَابَ كُلَّ كَفَّارَةٍ ثَلَاثَةُ وَثُلُثٌ مِنْ الطَّعَامِ وَمِثْلُهَا مِنْ الْكِسْوَةِ وَإِلَّا ثَلَاثَ لَا تُجْزِئُ فَتُلْغَى، وَعَلَى عَدَمِ التَّلْفِيقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَبْنِي عَلَى سِتَّةٍ ثَلَاثَةً مِنْ الطَّعَامِ وَثَلَاثَةً مِنْ الْكِسْوَةِ، ثُمَّ يَكْسُو سَبْعَةً وَيُطْعِمُ سَبْعَةً وَيُكَفِّرُ عَنْ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ بِمَا شَاءَ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَبْنِي عَلَى تِسْعَةٍ إمَّا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ الْكِسْوَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ نَابَهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ مِنْ الطَّعَامِ وَمِنْ الْكِسْوَةِ فَيُلْغِي الثُّلُثَ وَيَبْنِي عَلَى تِسْعَةٍ الْمُوَضِّحُ، وَعَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ جَمِيعُ الشُّيُوخِ، وَكَانَ شَيْخُنَا يُوَجِّهُ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ بِأَنَّ قَاعِدَتَهُ لَا تَبْتَدِئُ كَفَّارَةٌ مِنْ نَوْعِ الْأُولَى قَبْلَ تَكْمِيلِهَا وَلَوْ قَصَدَ التَّشْرِيكَ فِي كُلِّ مِسْكِينٍ لَمْ يَصِحَّ

ص: 25

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ عج عَلَى هَذَا صَحَّ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ.

ص: 26

وَمُكَرَّرٌ لِمِسْكِينٍ وَنَاقِصٌ: كَعِشْرِينَ لِكُلٍّ نِصْفٌ، إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ، وَهَلْ إنْ بَقِيَ؟ تَأْوِيلَانِ، وَلَهُ نَزْعُهُ، إنْ بَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) يُجْزِئُ شَيْءٌ (مُكَرَّرٌ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (لِمِسْكِينٍ) كَإِطْعَامِ خَمْسَةٍ كُلَّ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ أَوْ كِسْوَةِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبَيْنِ قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لِتَصْرِيحِ الْآيَةِ بِالْعَدَدِ، وَلِتَوَقُّعِ وَلِيٍّ فِيهِمْ تُسْتَجَابُ دَعَوْته وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إعْطَاءَهَا وَاحِدًا قَائِلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ لَا مَحَلِّهَا اهـ عب.

(وَ) لَا يُجْزِئُ طَعَامٌ (نَاقِصٌ) عَنْ الْمُدِّ أَوْ الرِّطْلَيْنِ (كَعِشْرِينَ) مِسْكِينًا (لِكُلٍّ نِصْفٌ) مِنْ مُدٍّ أَوْ رِطْلٍ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْمُكَفِّرُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ فَيُكَمِّلُ فِي التَّلْفِيقِ عَلَى نَوْعٍ مُلْغِيًا غَيْرَهُ، وَفِي التَّكْرَارِ بِإِعْطَاءِ مَنْ يُكَمِّلُ الْعَشَرَةَ وَفِي النَّاقِصِ بِالتَّكْمِيلِ عَلَى النِّصْفِ أَوْ الرِّطْلِ لِعَشْرَةٍ مِنْ الْعِشْرِينَ، وَلَا يَصِحُّ التَّكْمِيلُ فِي الْعِتْقِ إذْ شَرْطُهُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ كُلِّهَا فِي صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ نِصْفِهَا فِي وَقْتٍ ثُمَّ عِتْقُ نِصْفِهَا الْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ.

(وَهَلْ) شَرْطُ إجْزَاءِ تَكْمِيلِ النَّاقِصِ (إنْ بَقِيَ) النِّصْفُ أَوْ الرِّطْلُ الْمُكَمِّلُ عَلَيْهِ بِيَدِ الْمِسْكِينِ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْ يَدِهِ فَلَا يُجْزِئُ التَّكْمِيلُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمُكَمَّلِ عَلَيْهِ بِيَدِهِ فَيُجْزِئُ التَّكْمِيلُ بَعْدَ ذَهَابِهِ مِنْ يَدِهِ فِيهِ (تَأْوِيلَانِ) وَأَمَّا التَّكْمِيلُ فِي التَّلْفِيقِ وَالتَّكْرَارِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبَقَاءُ اتِّفَاقًا. عِيَاضٌ الرَّاجِحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ بِيَدِهِ لِوَقْتِ التَّكْمِيلِ كَمَا يُفِيدُهُ إجْزَاءُ الْغَدَاءِ وَالْعِشَاءِ.

(وَلَهُ) أَيْ الْمُكَفِّرِ (نَزْعُهُ) أَيْ النَّوْعِ الَّذِي لَمْ يُرِدْ التَّكْمِيلَ عَلَيْهِ فِي التَّلْفِيقِ وَالزَّائِدُ عَلَى مُدٍّ أَوْ رِطْلَيْنِ فِي التَّكْرَارِ وَمَا دَفَعَهُ لِزَائِدٍ عَلَى عَشْرَةٍ فِي النَّقْصِ (إنْ) بَقِيَ مَا أُرِيدَ نَزْعُهُ مِنْ الْمِسْكِينِ بِيَدِهِ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْهُ فَلَا يَغْرَمُ عِوَضَهُ وَكَانَ الْمُكَفِّرُ (بَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا وَقْتَ الدَّفْعِ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيَكُونُ النَّزْعُ فِي مَسْأَلَةِ النَّاقِصِ (بِالْقُرْعَةِ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَلَا يَحْتَاجُ لَهَا فِي الْمُكَرَّرِ لِأَخْذِهِ مِنْ الْجَمِيعِ وَلَا فِي التَّلْفِيقِ فِي أَخْذِ مَا لَمْ يُرِدْ الْبِنَاءَ

ص: 27

وَجَازَ لِثَانِيَةٍ إنْ أَخْرَجَ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَإِنْ كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ، وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ،

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ إذْ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا يَبْنِي عَلَيْهِ وَمَحَلُّ الْقُرْعَةِ فِي النَّاقِصِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْأَخْذَ بَعْدَ الْعَشَرَةِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ بِلَا قُرْعَةٍ قِيَاسًا عَلَى بَحْثِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إذَا أَعْطَاهَا لِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا مِنْ قَوْلِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْأَخْذَ بَعْدَ السِّتِّينَ تَعَيَّنَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ.

(وَجَازَ) التَّكْرَارُ لِمِسْكِينٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ (لِ) يَمِينٍ (ثَانِيَةٍ) فَيَدْفَعُهَا لِمَسَاكِينِ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى (إنْ) كَانَ (أَخْرَجَ) الْكَفَّارَةَ الْأُولَى قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْأُولَى أَوْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ حِنْثِهِ فِي الثَّانِيَةِ (كُرِهَ) دَفْعُ الثَّانِيَةِ لِمَسَاكِينِ الْأُولَى لِئَلَّا تَخْتَلِطَ النِّيَّةُ فِي الْكَفَّارَتَيْنِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، فَإِنْ نَوَى كُلًّا عَلَى حِدَتِهَا جَازَ وَصَوَّبَهُ أَبُو عِمْرَانَ. ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظُ ظَاهِرِهَا يَأْبَاهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ لِيَمِينٍ بَلْ (وَإِنْ) اخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا (كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ وَأَجْزَأَتْ) الْكَفَّارَةُ أَيْ إخْرَاجُهَا (قَبْلَ حِنْثِهِ) أَيْ الْحَالِفِ فِي الْيَمِينِ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ بِعِتْقِ مُعَيَّنٍ أَوْ بَتَاتٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِمُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى حِنْثٍ أَوْ بِرٍّ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِمَشْيٍ إلَى مَكَّةَ أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِعِتْقٍ كَذَلِكَ أَوْ بِطَلَاقٍ دُونَ غَايَتِهِ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ لَا إنْ كَانَتْ صِيغَةَ بِرٍّ وَحِنْثٍ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ فَلَا يُجْزِئُ تَكْفِيرُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا.

فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا فِي الْحِنْثِ قَبْلَهُ وَإِخْرَاجُهَا عَزْمٌ عَلَى الضِّدِّ وَهُوَ حِنْثٌ؟ .

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

قُلْت: يُصَوَّرُ بِإِخْرَاجِهَا مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ يَجْزِمُ بِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قَالَهُ عج. وَأَمَّا إنْ عَيَّنَ زَمَنَ الصَّوْمِ أَوْ الْمَشْيِ فِي أَيَّامٍ وَمَضَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ كَعَلَيْهِ صَوْمُ الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَجَبٍ أَوْ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ فِيهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ كَلَّمَهُ فِي شَعْبَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ مَجِيئِهَا لَزِمَهُ صَوْمُهَا وَصُورَةُ الطَّلَاقِ الْبَالِغِ الْغَايَةِ قَوْلُهُ إنْ دَخَلَ الدَّارَ فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ تَمَّمَهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِطْلَاقُ التَّكْفِيرِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ بِمَعْنَى أَنْ لَا تَعُودَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْعِصْمَةِ الْجَدِيدَةِ. بِخِلَافِ طَلَاقِهَا دُونَ الْغَايَةِ وَعَادَتْ إلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ فَتَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ حَنِثَ اهـ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إلَخْ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ بِصِيغَةِ حِنْثٍ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا وَمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ.

ص: 29

وَوَجَبَتْ بِهِ

ــ

[منح الجليل]

وَقَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُخْرِجُهَا إلَخْ الْمُرَادُ هُنَا بِالْحِنْثِ الَّذِي يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَهُ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ هُوَ فَوْتُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى الضِّدِّ فَلَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ، قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ النُّذُورِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يُرْجِعْهَا فَتَزُولَ يَمِينُهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَرْثٍ اتَّفَقُوا فِي ذَاتِ الْحِنْثِ عَلَى جَوَازِهَا قَبْلَهُ إنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْبِرِّ. اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ سُقُوطَ مَا ذَكَرَهُ عب عَنْ عج مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.

(وَوَجَبَتْ) الْكَفَّارَةُ (بِهِ) أَيْ الْحِنْثِ عَلَى الْفَوْرِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُوجِبَهَا الْحِنْثُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ أَنَّ مُوجِبَهَا الْيَمِينُ فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ قَالَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ إلَخْ فَتُصَوَّرُ لِأَنَّ كَوْنَهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ طَوْعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَإِجْزَاؤُهَا قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا وَهِيَ

ص: 30

إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ

ــ

[منح الجليل]

الْيَمِينَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقُ وتت كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ، وَلَهَا نَظَائِرُ.

وَوُجُوبُهَا بِالْحِنْثِ (إنْ لَمْ يُكْرَهْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْحَالِفُ عَلَى الْحِنْثِ (بِ) يَمِينِ (بِرٍّ) بِأَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ وَحِنْثٍ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَلَى بِرٍّ وَحِنْثٍ طَائِعًا فَتَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ مَنْطُوقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ فِي صِيغَةِ بِرٍّ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ كَدَابَّةٍ جَمَحَتْ بِرَاكِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى رَدِّهَا وَلَا عَنْ النُّزُولِ عَنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِسِتَّةِ قُيُودٍ أَنْ لَا يَعْلَمَ حَالَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ وَأَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا، وَأَنْ لَا تَكُونَ يَمِينُهُ لَا أَفْعَلهُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ بَعْدَ زَوَالِ إكْرَاهِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ عَلَى شَخْصٍ هُوَ الْمُكْرِهَ لَهُ وَإِلَّا حَنِثَ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ الْحِنْثِ بِالْإِكْرَاهِ فِي يَمِينِ الْبِرِّ وَبَيْنَ الْحِنْثِ بِالْإِكْرَاهِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ أَنَّ حِنْثَهُ فِيهَا بِالتَّرْكِ وَالْبِرِّ حِنْثُهُ فِيهَا بِالْفِعْلِ، وَأَسْبَابُ التَّرْكِ كَثِيرَةٌ فَضَيَّقَ فِيهِ، وَأَسْبَابُ الْفِعْلِ قَلِيلَةٌ ضَعِيفَةٌ فَوَسَّعَ فِيهِ. (تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى نَقِيضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَبَرُّ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ نَوَى فِعْلَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى فَقَطْ، وَكَذَا الْحَالِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَلَيَقُومَنَّ زَيْدٌ وَأَكْرَهَهُ الْحَالِفُ عَلَى الْقِيَامِ فَلَا يَبَرُّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لَيُوجَدَنَّ مِنْهُ الْقِيَامُ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى فَقَطْ.

(الثَّانِي) مِنْ الْإِكْرَاهِ يَبَرُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهِ لَا خَرَجَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ فَأَتَاهَا سَيْلٌ أَوْ هَدْمٌ أَوْ أَمْرٌ لَا قَرَارَ لَهَا مَعَهُ أَوْ أَخْرَجَهَا أَهْلُ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ مُدَّةً انْقَضَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي خُرُوجِهَا وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فِي الدَّارِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَيْهَا.

(الثَّالِثُ) يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ حُكْمُ نَازِلَةٍ وَهِيَ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَا خَرَجَتْ

ص: 31

وَفِي عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ: بَتِّ مَنْ يَمْلِكُ وَعِتْقُهُ، وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِهِ، وَمَشْيٌ بِحَجٍّ، وَكَفَّارَةٌ

ــ

[منح الجليل]

إلَّا بِإِذْنِي وَسَافَرَ وَنُودِيَ بِفَتْحِ كَنِيفٍ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٍ فَخَرَجَتْ لِخَوْفِهَا عَلَى جَنِينِهَا أَوْ وَلَدِهَا أَنَّهُ لَا بِحِنْثِ لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ لَا قَرَارَ لَهَا مَعَهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الِالْتِزَامِ فَقَالَ (وَ) اللَّازِمُ (فِي) قَوْلِ شَخْصٍ (عَلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (أَشَدُّ) أَيْ أَصْعَبُ وَأَغْلَظُ (مَا) أَيْ يَمِينٌ (أَخَذَ) هَا (أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) لَا فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ وَتَرَكَهُ (بَتُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الْمُثَنَّاةِ أَيْ: قَطْعُ عِصْمَةٍ (مَنْ) أَيْ زَوْجَةٍ (يَمْلِكُ) هَا الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (وَعِتْقُهُ) أَيْ مَنْ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حِينَ الْيَمِينِ فِيهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا أَوْ الَّذِي يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ. ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ رَقِيقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ خِلَافُ قَوْلِ الْبَاجِيَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ يَلْزَمُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِقَوْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقَبِلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ زَرْقُونٍ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِ) مَالِ (هـ) أَيْ الْقَائِلِ عَلَيْهِ أَشَدُّ إلَخْ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فِيمَا بَقِيَ (وَمَشْيٌ بِحَجٍّ) لَا عُمْرَةٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ أَوْ عَبُهَا؛ وَلِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْحَجَّ مَاشِيًا دُونَ الْعُمْرَةِ، وَالطَّلَاقَ ثَلَاثًا دُونَ الْوَاحِدَةِ، وَنَقَلَ فِي الْبَيَانِ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ الشُّيُوخِ الْمَشْيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَكَفَّارَةٍ) لِيَمِينٍ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لَمْ يُخْرِجْ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ، فَإِنْ أَخْرَجَهُمَا وَلَوْ بِالنِّيَّةِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَيُصَدَّقُ فِي إخْرَاجِهِمَا وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ إلَّا لِمُرَافَعَةٍ إلَخْ، إذْ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الْيَمِينِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَيُخَصِّصُ مُتَعَلِّقَهَا وَبَيْنَ كَوْنِهَا تَشْمَلُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ الْمُعَيَّنِ وَتُخَصِّصُ بِغَيْرِهِمَا، وَمَا هُنَا مِنْ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ صَدَقَةٌ بِثُلُثِهِ وَلَا مَشْيٌ بِحَجٍّ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِهِمَا لِلْحَالِفِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ. وَأَشْعَرَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَلَا صَوْمُ سَنَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَحَكَى عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الِاتِّفَاقَ.

ص: 32

وَزِيدَ فِي الْأَيْمَانِ: يَلْزَمنِي صَوْمُ سَنَةٍ إنْ اُعْتِيدَ حِلْفٌ بِهِ، وَفِي لُزُومِ شَهْرَيْ ظِهَارٍ:

ــ

[منح الجليل]

وَزِيدَ) بِكَسْرِ الزَّايِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَتِّ وَالْعِتْقِ إلَخْ (فِي) قَوْلِهِ (الْأَيْمَانُ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ جَمْعُ يَمِينٍ (تَلْزَمُنِي) أَوْ الْأَيْمَانُ اللَّازِمَةُ أَوْ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَنَائِبُ فَاعِلِ زِيدَ (صَوْمُ سَنَةٍ إنْ اُعْتِيدَ) أَيْ غَلَبَ (حَلِفٌ بِهِ) أَيْ صَوْمِ السَّنَةِ كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ. ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ اُعْتِيدَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَادَةُ بِلَادِ الْحَالِفِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا عَادَةُ الْحَالِفِ فَقَطْ كَمَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَأَتْبَاعُهُ وَإِلَّا وَجَبَ طَرْدُهُ فِي بَقِيَّتِهَا. وَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ وَمَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِصَوْمِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. اهـ. وَهَذَا شَرْطٌ فِيمَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ بِتَمَامِهِ لَا فِي صَوْمِ سَنَةٍ فَقَطْ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِالْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِحَلِفٍ بِعِتْقٍ كَمَا بَعْضِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ وَرِيفِ مِصْرَ وَكَالْحَلِفِ بِمَشْيٍ وَصَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَدْ بِمِصْرَ فَلَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ وَبَنَى اُعْتِيدَ لِلْمَجْهُولِ لِيَشْمَلَ اعْتِيَادَ الْحَالِفِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ وَاعْتِيَادِهِمْ دُونَهُ، سَوَاءٌ اعْتَادَ خِلَافَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْتَدْ شَيْئًا، وَاعْتِيَادُهُ هُوَ الْحَلِفُ بِهِ دُونَهُمْ وَلَا عَادَةَ لَهُمْ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَيَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ.

وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ عَادَةٌ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ بَلَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَكُلُّ هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَيْهَا وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ إلَخْ، وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ قَصَدَهُ بِكَاسْقِنِي الْمَاءَ أَوْ بِكُلِّ كَلَامٍ لَزِمَ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهَذِهِ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَبِالْمَشْيِ وَلَمْ أُرِدْ بِهَا طَلَاقًا وَعِتْقًا قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ لِأَنَّ الْآتِيَ تَلَفَّظَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ وَادَّعَى التَّخْصِيصَ فِي مُتَعَلِّقِهِ أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عُمُومُهُ عِنْدَهَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ عُمُومَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَمَا هُنَا لَمْ يَلْفِظْ بِهِ وَإِنَّمَا لَفَظَ بِمَا يُشِيرُ لَهُ شَرْعًا فَقُبِلَ قَوْلُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِّ كَالْمُحَاشَاةِ (وَفِي لُزُومِ) صَوْمِ (شَهْرَيْ ظِهَارٍ) لِأَنَّ مَا حَلَفَ بِهِ يُشْبِهُ الْمُنْكَرَ مِنْ الْقَوْلِ، وَيَلْزَمُ

ص: 33

تَرَدُّدٌ

وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ: لَغْوٌ

تَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ،

ــ

[منح الجليل]

إذَنْ أَنْ يَعْتَزِلَ الزَّوْجَةَ وَأَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَعْزِمَ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَاجِيَّ، وَعَدَمُ لُزُومِهِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ زَرْقُونٍ وَابْنِ عَاتٍ وَابْنِ رَاشِدٍ قَائِلًا: إنَّمَا لَزِمَ فِي الظِّهَارِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمُنْكَرٍ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٍ وَهُوَ هُنَا لَمْ يَنْطِقْ بِذَلِكَ (تَرَدُّدٌ) لِهَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ مُعْتَادًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الطُّرْطُوشِيُّ لَيْسَ لِمَالِكٍ " رَضٍ " فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يَلْزَمُهُ الِاسْتِغْفَارُ فَقَطْ، وَقِيلَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقِيلَ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا وَإِلَّا لَزِمَهُ. وَقِيلَ: بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ وَعِتْقُهُ وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَشْيٌ بِحَجٍّ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَصَوْمُ سَنَةٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا فِي الْبَدْرِ وَالْمَوَّاقِ.

(وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ) كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَالْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ فَالشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ عَلَيْهِ حَرَامٌ (فِي) كُلِّ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَفْرَدَ أَوْ جَمَعَ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] ، وَقَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] ، (غَيْرَ الزَّوْجَةِ وَ) فِي (الْأَمَةِ لَغْوٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَحْرُمُ بِهِ شَيْءٌ عَلَيْهِ مِنْ أَمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحْرِمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفًا تَحْرِيمُهُ لَغْوٌ، بِخِلَافِ مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ كَالزَّوْجَةِ فَلَا يَكُونُ تَحْرِيمُهَا لَغْوًا بَلْ طَلَاقًا ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يُحَاشِهَا، فَإِنْ حَاشَاهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ يَمِينِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَالْأَمَةُ إنْ قَصَدَ بِتَحْرِيمِهَا عِتْقَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا وَكَلَامُهُ يُوهِمُ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا عَلَى عَطْفِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَيَصِحُّ عَطْفُهَا عَلَى غَيْرِ كَمَا قَرَّرْنَا أَيْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ فِي الْأَمَةِ لَغْوٌ، وَيُقَيَّدُ حِينَئِذٍ بِعَدَمِ قَصْدِ عِتْقِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَغْوًا.

(وَتَكَرَّرَتْ) الْكَفَّارَةُ (إنْ قَصَدَ) الْحَالِفُ (تَكَرُّرَ الْحِنْثِ) بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ

ص: 34

أَوْ كَانَ الْعُرْفُ: كَعَدَمِ تَرْكِ الْوِتْرِ، أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ، أَوْ قَالَ لَا وَلَا،

ــ

[منح الجليل]

لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَنَوَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَلَّمَهُ يَحْنَثُ فَتَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ كَلَامِهِ، وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ وَطَلُقَتْ وَاحِدَةً وَرَاجَعَهَا وَخَرَجَتْ ثَانِيًا بِغَيْرِ إذْنِهِ طَلُقَتْ أَيْضًا وَاحِدَةً، فَإِنْ رَاجَعَهَا وَخَرَجَتْ بِلَا إذْنِهِ طَلُقَتْ أَيْضًا إنْ كَانَ نَوَى كُلَّمَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِي إلَى تَمَامِ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ غَيْرُ الْأُولَى، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَكَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ نَاوِيًا تَكَرُّرَ الْحِنْثِ، وَكَلَّمَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَتَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِعَدَدِ التَّكْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلَا تَتَعَدَّدُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(أَوْ كَانَ) تَكَرُّرُ الْحِنْثِ (الْعُرْفَ) أَيْ كَانَتْ دَلَالَةُ يَمِينِهِ عَلَى تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ مُسْتَفَادَةً مِنْ الْعُرْفِ لَا مِنْ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ النِّيَّةِ أَيْ أَنَّ الْعُرْفَ فِي مِثْلِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُرِيدَ قَصْرَ الْحِنْثِ عَلَى مَرَّةٍ (كَ) عَلَّقَهُ عَلَى (عَدَمِ تَرْكِ) شَيْءٍ مُتَكَرِّرٍ كَ (الْوِتْرِ) وَالْفَجْرِ وَالضُّحَى وَدَرْسِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ حِينَ عِتَابِهِ عَلَى تَرْكِهِ فَكُلَّمَا يَتْرُكُهُ مَرَّةً تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ (أَوْ) كَرَّرَ الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَ (نَوَى كَفَّارَاتٍ) بِعَدَدِ الْأَيْمَانِ الَّتِي كَرَّرَهَا وَحَنِثَ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهَا.

(أَوْ قَالَ) الْحَالِفُ: وَاَللَّهِ (لَا) بَاعَ سِلْعَتَهُ مِنْ فُلَانٍ مَثَلًا فَقَالَ آخَرُ: وَأَنَا فَقَالَ مُكَرَّرَ الْقَسَمِ وَاَللَّهِ (وَلَا) أَنْتَ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَقَالَهُ وَبَاعَهَا لِلْآخَرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُهَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهَا لَهُمَا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ السُّؤَالَ لَمَّا وَقَعَ وَسَطًا وَتَعَدَّدَ الْمَحْلُوفُ بِهِ كَانَتَا يَمِينَيْنِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ شُمُولَهَا، وَكَذَا إنْ سَأَلَهُ الثَّانِي وَلَمْ يُكَرِّرْ الْيَمِينَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي جَوَابٍ وَعَدَمِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ وُقُوعَهُ فِيهِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ وَالْمَدَارُ عَلَى تَكَرُّرِ الْقَسَمِ، وَاخْتِلَافِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فَفِيهَا مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَا أَضْرِبُ فُلَانًا وَفَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ،

ص: 35

أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْنَثَ، أَوْ بِالْقُرْآنِ، وَالْمُصْحَفِ، وَالْكِتَابِ، أَوْ دَلَّ، لَفْظُهُ بِجَمْعٍ، أَوْ بِكُلَّمَا، أَوْ مَهْمَا، لَا مَتَى مَا،

ــ

[منح الجليل]

وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَعَلَيْهِ هَا هُنَا لِكُلِّ صِنْفٍ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٌ بِاَللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ قَالَ لَا وَاَللَّهِ وَلَا، وَأَمَّا لَا وَلَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

(أَوْ) حَلَفَ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَ (حَلَفَ أَنْ لَا يَحْنَثَ) وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةٌ لِلْيَمِينِ الْأُولَى وَكَفَّارَةٌ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ (أَوْ) حَلَفَ (بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ إنْ لَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ مَدْلُولِ الثَّلَاثَةِ كَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى فَإِنْ حَلَفَ بِهَا كُلِّهَا عَلَى شَيْءٍ وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّوْكِيدَ أَوْ التَّأْسِيسَ، وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا مَا لَمْ يَقْصِدْ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ أَوْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ.

(أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ) أَيْ الْحَالِفِ عَلَى تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ (بِ) سَبَبِ (جَمْعٍ) لِلْمَحْلُوفِ بِهِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ أَيْمَانٌ أَوْ كَفَّارَاتٌ أَوْ نُذُورٌ وَحَنِثَ فَتَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ نَوَيْت بِهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْجَمْعَ نَصٌّ فِي الْمُتَعَدِّدِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالْوَاحِدِ (أَوْ) دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى التَّكَرُّرِ (بِ) سَبَبِ إتْيَانِهِ فِي الْيَمِينِ بِصِيغَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّكَرُّرِ كَقَوْلِهِ (كُلَّمَا أَوْ مَهْمَا) فَعَلْت كَذَا أَوْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ نَذْرٌ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ فِعْلٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (لَا) تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ إنْ عَلَّقَ بِأَدَاةٍ لَمْ تُوضَعْ لَهُ كَإِنْ وَإِذَا وَمَتَى (مَتَى مَا) وَحَنِثَ فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا.

إنْ قِيلَ مَا وَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَتَى مَا مَعَ أَنَّهُ إنْ نَوَى تَكَرُّرَ الْكَفَّارَةِ تَكَرَّرَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَدَاةُ " إنْ " أَوْ " إذَا " أَوْ " مَتَى مَا " أَوْ " مَتَى " وَإِلَّا فَلَا قِيلَ وَجْهُهُ أَنَّ مَتَى مَا قَرِيبَةٌ مِنْ كُلَّمَا فَإِذَا

ص: 36

وَوَاَللَّهِ، ثُمَّ وَاَللَّهِ وَإِنْ قَصَدَهُ، وَالْقُرْآنِ، وَالتَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ،

ــ

[منح الجليل]

قَصَدَ بِمَتَى مَا مَعْنَى كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ، وَلَيْسَ غَيْرَهَا كَذَلِكَ وَهَذَا غَيْرُ نِيَّةِ التَّكْرَارِ أَشَارَ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(وَ) لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ إنْ قَالَ (وَلِلَّهِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ (ثُمَّ) قَالَ وَلَوْ بِمَجْلِسٍ آخَرَ (وَاَللَّهِ) لَا أَفْعَلُهُ أَوْ لَا أَفْعَلَنَّهُ وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْيَمِينِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا بَلْ (وَإِنْ) لَمْ يَقْصِدْهُ وَ (قَصَدَهُ) أَيْ تَكْرِيرَ الْيَمِينِ وَإِنْشَاءَ يَمِينٍ ثَانِيَةٍ دُونَ نِيَّةِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ إنْشَائِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ إذْ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ تَأْكِيدَ الْأُولَى، بِخِلَافِ قَصْدِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فَيَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْإِنْشَاءِ فَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سَابِقًا: أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ. وَمِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الظِّهَارُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ إذَا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْسِيسِ حَتَّى يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ. أَبُو الْحَسَنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ فِي اللَّهِ وَالظِّهَارِ أَوَّلًا هُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ ثَانِيًا، وَالطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ وَاحِدًا مَعْنَاهُ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُضَيِّقُ الْعِصْمَةَ وَالثَّانِي يَزِيدُهَا ضِيقًا وَالثَّالِثُ يُتِمُّهَا.

(أَوْ) حَلَفَ بِ (الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ

ص: 37

وَلَا كَلَّمَهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ غَدًا

ــ

[منح الجليل]

كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ سَحْنُونٍ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَسْمَاءٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِهَا، وَبِهِ عُلِمَ ضَعْفُ مَا سَبَقَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِهَا. ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ أَوْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ قَطَعَ هُنَا بِتَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، قَالَ لِاخْتِلَافِ التَّسْمِيَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَاحِدًا وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِهَا.

قَوْلُهُ وَالْقُرْآنُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ قَطَعَ هُنَا بِعَدَمِ التَّعَدُّدِ، وَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ سَمَاعِ عِيسَى الَّذِي فَوْقَهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ يُونُسَ فِي الْفَرْعَيْنِ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ آخِرَ كَلَامِهِ: لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِاتِّفَاقٍ.

فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ تَفْرِيقِ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: كَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى الْمَنْصُوصَ فِي الثَّانِيَةِ الِاتِّحَادَ لَمْ يُمْكِنْهُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَعَوَّلَ فِي الْأُولَى عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ خَالَفَ نَصَّ غَيْرِهِ لِتَقْدِيمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ مَدْرَكَ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا التَّبَقِّي لِلْفُرُوعِ مَعْرُوضَةٌ لِلنَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ جُزْءَ مُتَعَلِّقِ الْيَمِينِ الْأُولَى كَحَلِفِهِ بِاَللَّهِ (لَا كَلَّمَهُ) أَيْ الْحَلِفُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (غَدًا وَبَعْدَهُ) أَيْ الْغَدِ (ثُمَّ) حَلَفَهُ ثَانِيًا لَا كَلَّمَهُ (غَدًا) ثُمَّ كَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ، أَوْ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ عَكْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِ الْآخَرِ حَيْثُ يَقْصِدُ تَعَدُّدَهَا، وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَلِفُهُ لَا كَلَّمَهُ غَدًا ثُمَّ حَلِفُهُ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ، فَإِنْ كَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَتَانِ ثُمَّ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ غَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَلَّمَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ غَدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَقَلَهُ تت عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَلُزُومُ كَفَّارَتَيْنِ فِي غَدٍ فِي هَذِهِ لِوُقُوعِهِ ثَانِيًا مَعَ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَمَسْأَلَةُ

ص: 38

وَخُصِّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ،

ــ

[منح الجليل]

الْمُصَنِّفِ وَقَعَ فِيهَا الْغَدُ ثَانِيًا وَحْدَهُ فَكَانَ كَالتَّأْكِيدِ لِلْأَوَّلِ.

(وَخَصَّصَتْ) أَيْ قَصَرَتْ (نِيَّةُ) الشَّخْصِ (الْحَالِفِ) لَفْظَهُ الْعَامَّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ بِلَا حَصْرٍ، أَيْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا يَصْلُحُ هُوَ لَهُ دَفْعَةً وَبِهَذَا خَرَجَ الْأَعْلَامُ وَمِنْهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُطْلَقُ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَأَسَدٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا حَصْرِ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُ مَا تَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً مَعَ حَصْرِهِ فَهِيَ نَصٌّ فِي مَعْنَاهَا فَلَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَةً وَقَالَ نَوَيْت تِسْعَةً مَثَلًا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ، وَتَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ عَشْرَةٍ إلَّا تِسْعَةً مَثَلًا وَطَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَمَعْنَى تَخْصِيصِ النِّيَّةِ الْعَامَّ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ صِفَةً، كَلَا أُكَلِّمُ زَيْدًا نَاوِيًا فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ جَاهِلًا.

وَلِلْعَامِّ صِيَغٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الْمَوْصُولَاتُ وَأَسْمَاءُ الشُّرُوطِ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ. ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ قَيْدٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ يُغْنِي عَنْ قَيْدٍ بِلَا حَصْرٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ الْمَعْرُوفِ دَلَالَةُ الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْئِيَّاتِ مَعْنَاهُ وَدَلَالَةُ اسْمِ الْعَدَدِ عَلَى آحَادِهِ الَّتِي تَأَلَّفَ، هُوَ مِنْهَا دَلَالَةَ كُلٍّ عَلَى أَجْزَائِهِ. الْقَرَافِيُّ: الْأَلْفَاظُ قِسْمَانِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ، فَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ، وَالظَّوَاهِرُ تَقْبَلُهُمَا، وَالنُّصُوصُ قِسْمَانِ: أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ كَالْعَشَرَةِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْدَادِ، فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ. وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ

ص: 39

وَقَيَّدَتْ إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ

ــ

[منح الجليل]

رَأَيْت عَشْرَةً ثُمَّ تُبَيِّنُ أَنَّك أَرَدْت خَمْسَةً، وَالتَّخْصِيصُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْعَامِّ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ إذْ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُسَمَّى كَرَأَيْت بَحْرًا فِي الْجَامِعِ، فَإِذَا قُلْت رَأَيْت إخْوَتَك مُرِيدًا نِصْفَهُمْ فَهُوَ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ، وَإِنْ أَرَدْت مَسَاكِنَهُمْ فَهُوَ مَجَازٌ لَا تَخْصِيصٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّصِّ الْأَلْفَاظُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ إجْمَاعًا.

(وَقَيَّدَتْ) أَيْ صَرَفَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَفْظَهُ الْمُطْلَقَ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ الَّتِي يَحْتَمِلُهَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ، وَالنَّكِرَةُ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهَا بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ كَرَجُلٍ، فَاللَّفْظُ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ سُمِّيَ مُطْلَقًا وَاسْمَ جِنْسٍ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً وَعَدَّ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيُّ الْمُطْلَقَ وَالنَّكِرَةَ وَاحِدًا. ابْنُ السُّبْكِيّ وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَنَاطِقَةُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَانَ ذَكَرَيْنِ فَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ نَظَرًا لِلتَّنْكِيرِ الْمُشْعِرِ بِالْوَحْدَةِ. وَقِيلَ تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى الْجِنْسِ وَالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ كَعَائِشَةَ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ مِسْمَاتَانِ بِعَائِشَةَ وَكَحَلِفِهِ لَا يَنْظُرُ لِعَيْنٍ مُرِيدًا أَحَدَ مَعَانِيهَا (إنْ نَافَتْ وَسَاوَتْ) .

ابْنُ غَازِيٍّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَلَقٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي تُنِيفُ أَيْ تَزِيدُ وَاَلَّتِي تُسَاوِي أَيْ تُطَابِقُ لَيْسَتْ مُخَصِّصَةً وَلَا مُقَيِّدَةً وَإِنَّمَا الْمُخَصِّصَةُ وَالْمُقَيِّدَةُ الَّتِي تَنْقُصُ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: وَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ إنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ وَإِلَّا خُصِّصَتْ وَقُيِّدَتْ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي تَلْقِينِهِ بِعَمَلٍ عَلَى النِّيَّةِ

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

إذَا كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ كَانَتْ مُطَابِقَةً لَهُ أَوْ زَائِدَةً فِيهِ أَوْ نَاقِصَةً عَنْهُ بِتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ أَوْ تَخْصِيصِ عَامِّهِ، ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ كَالْحَالِفِ لَا آكُلُ رُءُوسًا أَوْ بَيْضًا أَوْ لَا أَسْبَحُ فِي نَهْرٍ أَوْ غَدِيرٍ، فَإِنْ قَصَدَ مَعْنًى عَامًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ أَوْ مَعْنًى خَاصًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ حُكِمَ بِنِيَّتِهِ إذَا قَارَنَهَا عُرْفُ التَّخَاطُبِ كَالْحَالِفِ لَا أَشْرَبُ لِفُلَانٍ مَاءً يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَنِّ مِنْهُ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ زَوْجَتِهِ بِقَصْدِ قَطْعِ الْمَنِّ دُونَ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِحُسْنِ عِبَارَةِ التَّلْقِينِ انْتَحَلَهَا صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ إعْجَابًا بِهَا وَحَوْلَ دَنِّهَا دَنْدَنَ.

ابْنُ عَرَفَةَ إذْ قَالَ: وَالنِّيَّةُ إنْ وَافَقَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ خَالَفَتْهُ بِأَشَدَّ اُعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَطُرُقٌ إلَخْ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَقَيَّدَتْ كَأَنْ نَافَتْ أَوْ سَاوَتْ بِزِيَادَةِ الْكَافِ وَالْعَطْفِ بِأَوْ لَكَانَ أَمْثَلَ.

فَإِنْ قُلْت: لَعَلَّ نَافَتْ مِنْ بَابِ الْمُنَافَاةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّفْيِ فَيَرْجِعُ لِمَعْنَى النَّقْصِ وَتَكُونُ الزَّائِدَةُ وَالْمُطَابَقَةُ أَحْرَى بِالِاعْتِبَارِ وَالْمُسَاوَاةِ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْمُعَادَلَةِ فِي الِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، أَيْ أَمْكَنَ أَنْ يَقْصِدَ بِاللَّفْظِ الصَّادِرِ عَنْهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهُ وَأَمْكَنَ أَنْ لَا يَقْصِدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ وَيَشْفَعُ لَهُ مُحَاذَاةُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا قُبِلَتْ، وَيُنْعِشُهُ عَطْفُ سَاوَتْ بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنْ خَالَفَتْ كَأَنْ لَمْ تُسَاوِ.

قُلْت لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ إلَّا اسْتِعْمَالُ نَافٍ فِي الْمُنَافَاةِ الَّتِي هِيَ الْمُضَادَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ كَافِيًا فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ السَّآمَةِ لَطَرَقْنَا فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ. عب إنْ نَافَتْ رَاجِعٌ لَخَصَّصَتْ مِنْ الْمُنَافَاةِ أَيْ خَالَفَتْ نِيَّتُهُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، وَأَصْلُهُ نَافَيَتْ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلْفًا ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالَهُ الْحَطّ، أَيْ شَرْطُ الْمُخَصِّصِ كَوْنُهُ مُنَافِيًا لِلْعَامِّ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ ضَأْنٍ فَإِنَّ نِيَّتَهُ لَا تُخَصِّصُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِلْعَامِّ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ، وَإِنْ نَوَى إخْرَاجَ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ لِيَأْكُلَهُ نَافَتْ نِيَّتُهُ الْعَامَّ فَخَصَّصَتْهُ، وَعَلَى هَذَا الْقَرَافِيُّ

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَالْمُقْرِي وَابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمْ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا، وَالْأَقْرَبُ تَوَجُّهُهَا احْتِيَاطًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.

فَإِنْ قُلْت: الْحَالِفُ فِي الْحَالَتَيْنِ قَصْدُهُ عَدَمُ أَكْلِ سَمْنِ الضَّأْنِ وَأَكْلِ غَيْرِهِ فَلِمَ افْتَرَقَتْ نِيَّةُ سَمْنِ الضَّأْنِ مِنْ نِيَّةِ إخْرَاجِ سَمْنِ غَيْرِهِ. قُلْت أَشَارَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْفَرْقِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ نِيَّةَ إخْرَاجِ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ نِيَّةٌ مُنَافِيَةٌ وَنِيَّةَ سَمْنِ الضَّأْنِ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ. وَشَرْطُ الْمُخَصِّصِ الْمُنَافَاةُ. الْبُنَانِيُّ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ ز كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَصْلُهُ لِلْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَاسُوا التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ عَلَى التَّخْصِيصِ بِاللَّفْظِ فِي شَرْطِ الْمُنَافَاةِ، قَالَ الْأُصُولِيُّونَ لَا يُخَصِّصُ كَلَامٌ كَلَامًا إلَّا إذَا كَانَ مُنَافِيًا لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَافٍ لَهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ، مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ بِجِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلِذَا قَالُوا ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فَبَنَى الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ جَاعِلًا النِّيَّةَ كَاللَّفْظِ فِي تَفْصِيلِهِ زَاعِمًا أَنَّ أَكْثَرَ مُفْتِي عَصْرِهِ جَهِلُوهُ فِيمَنْ قَالَ لَا آكُلُ بَيْضًا وَنَوَى بَيْضَ الدَّجَاجِ، فَإِنْ نَوَى إخْرَاجَ بَيْضِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إخْرَاجَهُ وَنَوَى بِالْبَيْضِ بَيْضَ الدَّجَاجِ حَنِثَ بِالْجَمِيعِ وَهُمْ قَالُوا: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ يُونُسَ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمْ، فَفِي التَّلْقِينِ فَإِنْ قَصَدَ مَعْنًى عَامًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ أَوْ مَعْنًى خَاصًّا وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ حُكِمَ بِنِيَّتِهِ اهـ.

وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْحَقُّ وَقَدْ رَدَّ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ مُبَارَكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ قِيَاسَ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يَصِحُّ لِظُهُورِ الْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَصَّصَ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَفْظِيٌّ لَمْ يُقَارِنْ مُخَصِّصَهُ فِي الزَّمَانِ لِاسْتِحَالَةِ النُّطْقِ بِهِمَا دَفْعَةً، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ فَبَقِيَ ذَلِكَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى خَصَّصَهُ الْمُخَصِّصُ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ فِيهِ هِيَ النِّيَّةُ وَمُقَارَنَتُهَا مُمْكِنَةٌ بَلْ وَاجِبَةٌ إذْ لَوْ تَأَخَّرَتْ مَا

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

أَفَادَتْ، وَإِذَا قَارَنَتْ أَوْ تَقَدَّمَتْ لَمْ يَبْقَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يُخَصَّصَ بِهَا فَلَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا الْمَنْوِيَّ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ فَبَطَلَ قَوْلُهُ النِّيَّةُ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا تَنْفِي الْحُكْمَ عَنْ غَيْرِهِ اهـ.

وَرَدَّ أَيْضًا بِأَنَّ النِّيَّةَ أَوَّلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الْيَمِينِ ثُمَّ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ، فَإِذَا اقْتَضَى السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ تَقْيِيدَهَا أَوْ تَخْصِيصَهَا لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى قَصْدِ التَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ، فَاعْتِبَارُ التَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تُخَصِّصُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنْ لَا تُرَتَّبَ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ، وَالْمَقْصُودُ وَمَا لَيْسَ مَنْوِيَّا وَلَا مَقْصُودًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. ابْنُ الشَّاطِّ لَمْ يَحْمِلْ شِهَابُ الدِّينِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذَا إلَّا تَوَهُّمَهُ أَنَّ حُكْمَ النِّيَّاتِ كَحُكْمِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ السَّبْتِيُّ فِي اخْتِصَارِ الْفُرُوقِ يَرِدُ عَلَى الْقَرَافِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ نَاوِيًا لَكَانَ غَافِلًا عَنْ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا كَتَّانًا غَافِلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَحْنَثُ فِيهِ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ.

ابْنُ مَرْزُوقٍ رَدَّ عَلَى الْقَرَافِيِّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ أَلَّفَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُمْ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو مُوسَى الْإِمَامُ بِمَا يَطُولُ جَلْبُهُ وَتَأَمَّلْ كَثْرَةَ مَا وَقَعَ مِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ مَا نَوَى وَلَمْ يُقَيِّدُوهَا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَعَرَّضَ عِنْدَ نِيَّةِ مَا نَوَى مِنْ الْأَفْرَادِ إلَى إخْرَاجِ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ، وَيُقَالُ نِيَّةُ الْحَالِفِ بَعْضَ الْأَفْرَادِ عِنْدَ الْيَمِينِ تَسْتَلْزِمُ

ص: 43

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

إخْرَاجَ غَيْرِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَنَوَى شَهْرًا أَوْ لَا أَكَلَتْ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ بَقَرٍ اهـ. فَتَبَيَّنَ ضَعْفُ طَرِيقَةِ الْقَرَافِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ الْحَطّ وز، وَلَا سِيَّمَا الْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى فَيُفَسِّرُ نَافَتْ بِخَالَفَتْ، وَهِيَ إشَارَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِصُورَةٍ أَوْ صُوَرٍ وَالنِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ تَنْفِيهِ عَنْهَا. اهـ. فَالْقَيْدُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ كَاشِفٌ لِصُورَةِ التَّخْصِيصِ إذْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهَا ذَلِكَ فَالشَّرْطُ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو زَيْدٍ وَبَابَا وطفي وَغَيْرُهُمْ.

طفي هَذَا أَمْثَلُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ فِيهِ قُبْحُ اسْتِعْمَالِ الْمُنَافَاةِ وَهِيَ الْمُضَادَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى لِقَوْلِ الْحَطّ لَا قُبْحَ فِيهِ لِوُقُوعِهِ فِي عِبَارَةِ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا. قُلْت وَفِي اعْتِرَاضِ الْحَطّ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَرَافِيَّ اسْتَعْمَلَ الْمُنَافَاةَ فِي الْمُضَادَّةِ فِي الْحُكْمِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا الْمُخَالَفَةَ الصَّادِقَةَ بِمَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَعَ فَقْدِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُجَارَاةِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَيْدًا كَاشِفًا فَهِيَ بِمَعْنَى الْمُضَادَّةِ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لَزِمَهَا نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَا الْمَنْوِيِّ، وَهَذَا مُضَادٌّ لِحُكْمِ الْعَامِّ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ غَازِيٍّ وَمَا انْبَنَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عب وَسَاوَتْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقَيَّدَتْ أَيْ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْمُطْلَقِ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ وَغَيْرَهُ عَلَى السَّوَاءِ، فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ كَأَحَدِ عَبِيدِي حُرٌّ، وَيُرِيدُ نَاصِحًا مَثَلًا، وَفِي تَعْيِينِ أَحَدِ مَحَامِلِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ كَعَائِشَةَ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ كِلْتَاهُمَا اسْمُهَا عَائِشَةُ، وَقَالَ أَرَدْت بِنْتَ فُلَانٍ وَكَلَا نَظَرْت عَيْنًا وَأَرَادَ الذَّهَبَ.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَقَيَّدَتْ إلَخْ هَذَا ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ، وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ وَالتَّحْقِيقُ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ وَأَحْمَدُ، أَصْلُهُ لِابْنِ غَازِيٍّ وَالْحَطّ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ مَعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ إلَخْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْمَنْوِيِّ وَظَاهِرِ اللَّفْظِ إمَّا بِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارَيْ اللُّغَةِ

ص: 44

فِي لِلَّهِ غَيْرِهَا: كَطَلَاقٍ: كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ:

ــ

[منح الجليل]

وَالْعُرْفِ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ، وَإِمَّا فِي الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَبْيِينِ الْمُشْتَرَكِ.

وَتَنَازَعَ خَصَّصَتْ وَقَيَّدَتْ (فِي) الْيَمِينِ بِ (اللَّهِ وَغَيْرِهَا) وَمَثَّلَ لِلْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ (كَطَلَاقٍ) وَعِتْقٍ وَمَشْيٍ لِمَكَّةَ وَصَوْمِ سَنَةٍ، وَمَثَّلَ لِتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ فَقَالَ (كَ) نِيَّةِ (كَوْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا (مَعَهُ) أَيْ الْحَالِفِ فِي عِصْمَتِهِ (فِي) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ لِمَكَّةَ أَوْ صَدَقَةٍ بِثُلُثِ مَالِهِ (لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ الْمَحْلُوفَ لَهَا ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ وَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَقَالَ نَوَيْت حَيَاتَهَا مَعِي فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَكَوْنُ الْمَحْلُوفِ بِهِ طَلَاقُ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ عِتْقُ رَقِيقٍ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا زَوْجَةُ غَيْرِ الْحَالِفِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا إذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَتَزَوَّجَ الْحَالِفُ وَقَالَ نَوَيْت مَا دَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَرُفِعَ لِلْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ قَالَهُ الْحَطّ أَيْ وَتَعَذَّرَ تَسَرِّيهِ.

الْبُنَانِيُّ النِّيَّةُ الْمُخَصِّصَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ لَكِنْ إنْ عَضَّدَهَا عُرْفٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ مِنْ الْمُجْمَلِ الَّذِي اسْتَوَى مَحْمِلَاهُ مَثَلًا لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالْمُخْتَارُ فِيهِ أَنَّهُ مُجْمَلٌ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَنَصُّهُ، وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ. ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ مُجْمَلٌ. اهـ. لِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَجْهٍ فَتُقْبَلُ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ إلَخْ.

وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ التَّخْصِيصِ فَقَالَ (كَأَنْ خَالَفَتْ) نِيَّةُ الْحَالِفِ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي نَوَاهُ بِالْعَامِّ (ظَاهِرَ لَفْظِهِ) أَيْ الْحَالِفُ الْعَامُّ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ الْعَامُّ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ بِالْمُخَالَفَةِ بَعْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَنْوِيِّ مِنْ الْعَامِّ فَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَسَاوَتْ.

وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ قِسْمَانِ: بَعِيدَةٌ عَنْ الْعُرْفِ، وَلَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا سَيَقُولُ لَا إرَادَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ وَقَرِيبَةٌ، أَمَّا مُوَافِقَةٌ لِلْعُرْفِ فَتُقْبَلُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي لَا يَتَزَوَّجُ حَيَاتَهَا. وَأَمَّا مُخَالِفَةٌ لَهُ قَرِيبَةٌ فَتُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا،

ص: 45

كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي: لَا آكُلُ سَمْنًا، أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ، وَكَتَوْكِيلِهِ فِي: لَا يَبِيعُهُ، أَوْ لَا يَضْرِبُهُ، إلَّا لِمُرَافَعَةٍ وَبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ،

ــ

[منح الجليل]

وَفِي الْقَضَاءِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا.

وَمَثَّلَ لَهَا بِقَوْلِهِ (كَ) نِيَّةِ (سَمْنِ ضَأْنٍ فِي) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهَا (لَا آكُلُ) بِضَمِّ الْكَافِ عَقِبَ الْهَمْزِ الْمَمْدُودِ (سَمْنًا) فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ سَمْنِ الضَّأْنِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ يُونُسَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ. عج إذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْمُنَافَاةِ فِي قَوْلِهِ إنْ نَافَتْ مَا يَشْمَلُ الْمُخَالَفَةَ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لَكِنْ يَكُونُ شَرْطُ الْمُنَافَاةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، أَيْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ يَصِيرُ التَّخَالُفُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ضَرُورِيًّا (أَوْ لَا أُكَلِّمُهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا مَثَلًا أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ فَظَاهِرُ يَمِينِهِ الْعُمُومُ وَادَّعَى مَا يُخَصِّصُهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا وَالْقَضَاءِ إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ.

(وَكَتَوْكِيلِهِ) أَيْ الْحَالِفِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الضَّرْبِ (فِي) حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهَا (لَا يَبِيعُهُ) أَيْ الْحَالِفُ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ (أَوْ لَا يَضْرِبُهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْعَبْدَ مَثَلًا ثُمَّ وَكَّلَ مَنْ بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ ضَرَبَهُ، وَقَالَ نَوَيْت لَا أُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِي فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا مُطْلَقًا وَفِي الْقَضَاءِ (إلَّا لِمُرَافَعَةٍ) أَيْ رَفْعٍ مِنْ غَيْرِ الْحَالِفِ لِلْقَاضِي فَإِنْ ذَهَبَ الْحَالِفُ لِلْقَاضِي بِدُونِ رَفْعِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَهِيَ فَتْوَى كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ.

(وَبَيِّنَةٌ) شَهِدَتْ عَلَى الْحَالِفِ بِحَلِفِهِ وَحِنْثِهِ فِيهِ أَيْ مَعَهَا إنْ أَنْكَرَ الْحَلِفَ (أَوْ إقْرَارٌ) بِالْحَلِفِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ الْمُخَالِفَةُ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ (فِي) حَلِفِهِ بِ (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) مُعَيَّنٍ (فَقَطْ) وَأَمَّا الْعِتْقُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَتُقْبَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الرَّفْعِ، وَدَخَلَ بِالْكَافِ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ لَيَعْتِقَنَّ عَبِيدَهُ وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي، أَوْ أَرَدْت بِالْعِتْقِ الْبَيْعَ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ الْمِلْكُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ الْإِخْرَاجُ

ص: 46

أَوْ اسْتَحْلَفَ مُطْلَقًا فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ، لَا إرَادَةِ مَيِّتَةٍ، أَوْ كَذِبٍ فِي:

ــ

[منح الجليل]

عَنْهُ وَحَلِفُهُ بِاَللَّهِ لَيَعْتِقَنَّ مِنْ عَبِيدِهِ ثَلَاثَةً، وَقَالَ أَرَدْت بَيْعَ ثَلَاثِ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّي وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَقَالَ أَرَدْت طَلَاقَهَا لِلْوِلَادَةِ وَقَوْلُهُ نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَقَالَ أَرَدْت ثَلَاثًا مُعَيَّنَةً، فَيَنْوِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي الْفُتْيَا لَا فِي مُرَافَعَةٍ وَبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ نِسَائِهِ طَوَالِقُ ثُمَّ قَالَ اسْتَثْنَيْت أَوْ حَاشَيْت فُلَانَةَ نَفَعَهُ فِي الْفَتْوَى لَا إنْ قَالَ نَوَيْت مَا عَدَا فُلَانَةَ، وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ رَاجَعْتهَا ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا وَقَالَ نَوَيْت مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ صُدِّقَ فِي الْفَتْوَى، وَلَوْ قَالَ حَلِيمَةُ طَالِقٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ تُسَمَّيَانِ بِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَمَتِي صُدِّقَ مُسْتَفْتِيًا، وَأَكْثَرُ هَذِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(أَوْ اُسْتُحْلِفَ) حَلِفًا (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي الْقَضَاءِ، أَوْ كَوْنِ الطَّلَاقِ مُنْجَزًا وَكَذَا الْعِتْقُ وَسَوَاءٌ كَانَ كَامِلًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ آيِلًا إلَيْهِ كَالتَّدْبِيرِ إذَا كَانَ فِي رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَصِلَةُ اُسْتُحْلِفَ (فِي وَثِيقَةٍ) أَيْ تَوَثَّقَ فِي (حَقٍّ) وَلَوْ بِغَيْرِ كِتَابَةٍ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إلَّا لِمُرَافَعَةٍ، أَيْ إلَّا إنْ رُفِعَ أَوْ اُسْتُحْلِفَ فِي حَقٍّ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَلَوْ حَذَفَ السِّينَ وَالتَّاءَ وَوَثِيقَةً بِأَنْ قَالَ أَوْ حَلَفَ مُطْلَقًا فِي حَقٍّ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِ حَلِفِهِ أَوْ طَلَبِ سَبَبِ حَلِفِهِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي عِنْدَهُ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ حَقٌّ وَمِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِوَثِيقَةِ حَقٍّ أَمْ لَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ وَأَنْكَرَهَا، وَحَلَفَ لَيْسَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَوَى حَاضِرَةً، وَنَوَى رَبُّهَا الْإِطْلَاقَ وَحَلِفُهُ لِرَبِّ الْحَقِّ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُحَاشِيًا الزَّوْجَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا وَلَمْ يُحَاشِهَا رَبُّ الْحَقِّ، وَعَقْدُ نِكَاحٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَسَرَّى ثُمَّ تَسَرَّى حَبَشِيَّةً وَقَالَ نَوَيْت مِنْ غَيْرِ الْحَبَشِ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُعْتَبِرُ نِيَّةُ الْمَحْلُوفِ لَهُ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.

(لَا) تُقْبَلُ (إرَادَةُ) أَيْ نِيَّةُ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (مَيِّتَةٍ) أَوْ مُطَلَّقَةٍ وَمُعْتَقَةٍ (أَوْ) إرَادَةُ (كَذِبٍ) ضِدِّ الصِّدْقِ أَيْ إخْبَارٌ بِخِلَافِ مَا عَلِمَهُ الْمُتَكَلِّمُ (فِي) قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ

ص: 47

طَالِقٌ وَحُرَّةٌ، أَوْ حَرَامٌ، وَإِنْ بِفَتْوَى

ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ،

ــ

[منح الجليل]

أَفْعَلْ كَذَا فَفُلَانَةٌ (طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ أَوْ حَرَامٌ) وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ فِي الْحِنْثِ أَوْ أَجَّلَهُ بِزَمَنٍ انْقَضَى بِلَا فِعْلٍ فِيهِ وَقَالَ أَرَدْت فُلَانَةَ الْمَيِّتَةَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، أَوْ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُعْتَقَةَ فِي الثَّانِي وَكَذَّبَهَا فِي حَرَامٍ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ رُفِعَ لِلْقَاضِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ.

بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (بِفَتْوَى) حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُصَدِّقُهُ فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ مَا ذَكَرَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا كَكَوْنِهَا حَيَّةً حِينَ يَمِينِهِ ثُمَّ مَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ بِهَا.

(تَكْمِيلٌ)

كَمَا تُخَصِّصُ النِّيَّةُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ تُعَمِّمُ الْخَاصَّ وَالْمُطْلَقَ مِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ الْآتِي وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ وَمِنْ الثَّانِي وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ نَاوِيًا بِهِ جَمِيعَ إخْوَتِكَ (ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ أَوْ ضَبَطَهَا خَصَّصَ الْعَامَّ أَوْ قَيَّدَ الْمُطْلَقَ (بِسَاطٌ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَقَامُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا فِيهَا أَوْ لَا فَيُخَصَّصُ الْعَامُّ مَثَلًا إذَا قِيلَ لِشَخْصٍ: لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ كَمَا وَرَدَ فَلَا تَأْكُلْهُ يُؤْذِك فَحَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَمْ يَقْصِدْ تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا، فَيُخَصَّصُ اللَّحْمُ فِي يَمِينِهِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ غَيْرِهِ. وَكَمَنْ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ تُزَكِّي الشُّهُودَ بِشَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَحَلَفَ لَا يُزَكِّي وَلَا يَنْقُلُهُ فَتُخَصَّصُ الزَّكَاةُ فِي يَمِينِهِ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا بِتَزْكِيَةِ الْمَالِ.

ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ يَبْتَاعُ لِأَهْلِهِ لَحْمًا فَوَجَدَ زِحَامًا عَلَى الْجَزَّارِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ إنْ اشْتَرَاهُ لَهُمْ فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَعَاتَبُوهُ فَخَرَجَ فَاشْتَرَى كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا أَرَاهُ إلَّا وَقَدْ حَنِثَ وَأَرَى هَذَا لَحْمًا. ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا إذَا كَانَتْ كَرَاهِيَتُهُ لِلزِّحَامِ عَلَى الْمَجْزَرَةِ وَوَجَدَ لَحْمًا أَوْ كَبْشًا فِي غَيْرِهَا فَاشْتَرَاهُ فَأَرَى أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ لَمْ يُرَاعِ الْإِمَامُ الْبِسَاطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَاعَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ حَمْلِ الْيَمِينِ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ إلَّا عِنْدَ الْبِسَاطِ. وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يَنْوِيَ فِيهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ كَرَاهِيَةً لِلزِّحَامِ وَلَا يَمِيزُ عَلَيْهِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ أَوْ اسْتَفْتَى، وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ لَهُمْ لَحْمًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَقَالَ كُنْت

ص: 48

ثُمَّ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ ثُمَّ مَقْصِدٌ لُغَوِيٌّ،

ــ

[منح الجليل]

حَلَفْت لِلزِّحَامِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ الْبَيِّنَةُ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ مَعَ مُرَافَعَةٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ لَكِنْ بِشَرْطِ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْبِسَاطِ يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ (عُرْفٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ اصْطِلَاحٌ (قَوْلِيٌّ) أَيْ عَادَةُ عَامَّةِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَوْ الْمُطْلَقِ، فَيُحْمَلُ الْعَامُّ أَوْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي جَرَى عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْحَالِفِ غَالِبًا. وَلِأَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ بِلُغَةٍ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَعْمِلُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ فِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، كَاخْتِصَاصِ الدَّابَّةِ بِالْحِمَارِ بِمِصْرَ وَبِأُنْثَاهُ فِي قَنْصَةَ وَبِالْفَرَسِ فِي الْعِرَاقِ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحِمَارُ مِنْ مَرَاكِبِهِ إذْ الْفَرْضُ عَدَمُ النِّيَّةِ دُونَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَاخْتِصَاصُ الْمَمْلُوكِ بِالْأَبْيَضِ وَالدِّرْهَمِ بِفَلْسِ النُّحَاسِ، وَقُدِّمَ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ عَلَى الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِخِ اللُّغَوِيِّ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ.

وَاحْتَرَزَ بِالْقَوْلِيِّ عَنْ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَعْنَاهُ إلَى فِعْلِهِمْ عِنْدَهُمْ كَحَلِفِهِ لَا آكُلُ خُبْزًا وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَخْبُوزٍ فِي عُرْفِهِمْ، فَإِذَا كَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ لَا يَصْنَعُونَ الْخُبْزَ إلَّا مِنْ الْقَمْحِ فَلَا يُخَصِّصُ عُرْفُهُمْ الْخُبْزَ فِي الْيَمِينِ بِخُبْزِ الْقَمْحِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْ كُلِّ مَخْبُوزٍ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَفِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ فِعْلِيًّا، وَنَقَلَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا وَمُقَيِّدًا؛ قَالَ وَبِهِ يُرَدُّ مَا زَعَمَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِهِ. وَفِي الْقَلْشَانِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ فِي ظَاهِرِ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ. وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا الْقَوْلِيُّ.

(ثُمَّ) إنْ عُدِمَ مَا ذَكَرَ يُخَصِّصُ الْعَامَّ وَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ (مَقْصَدٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَنَحْوُهُ فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ مَقْصُودٌ (لُغَوِيٌّ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلَتْ الْعَرَبُ اللَّفْظَ فِيهِ كَحَلِفِهِ لَا رَكِبَ دَابَّةً، وَلَيْسَ لِأَهْلِ بَلَدِهِ عُرْفٌ بِإِطْلَاقِهَا عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ فَتُحْمَلُ عَلَى

ص: 49

ثُمَّ شَرْعِيٌّ

وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَلَا بِسَاطٌ

ــ

[منح الجليل]

مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ كُلُّ مَا دَبَّ أَيْ مَشَى فَيَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ وَالطَّيْرِ وَالتِّمْسَاحِ وَكُلِّ مَا دَبَّ، وَكَحَلِفِهِ لَا يُصَلِّي وَلَا عُرْفَ لَهُمْ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَيَحْنَثُ بِالدُّعَاءِ. فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلَّفْظِ كَالْمُشْتَرَكِ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِ مَعَانِيهِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي مُجْتَهِدٍ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ أَدِلَّةٌ بِلَا تَرْجِيحٍ، فَقِيلَ يَأْخُذُ بِالْأَثْقَلِ وَقِيلَ بِالْأَخَفِّ، وَقِيلَ بِمَا شَاءَ، فَالْمُرَادُ بِالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ هُنَا مُطْلَقُ الْحَمْلِ لَا الْمَعْنَيَانِ السَّابِقَانِ لِانْتِفَائِهِمَا هُنَا.

(ثُمَّ) إنْ عُدِمَ مَا ذَكَرَ خَصَّصَ الْعَامَّ وَقَيَّدَ الْمُطْلَقَ مَقْصَدٌ (شَرْعِيٌّ) ابْنُ فَرْحُونٍ إنْ كَانَ الْحَالِفُ صَاحِبَ شَرْعٍ أَوْ الْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ شَرْعِيٍّ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ أَوْ لِيَتَوَضَّأَنَّ وَكَحَلِفِهِ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ صَبِيٍّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُ الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ، بَلْ وَعَلَى الْمَقْصَدِ الْعُرْفِيِّ كَمَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ. وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ، وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ مَعْنًى شَرْعِيٍّ بِدُونِ مَعْنًى لُغَوِيٍّ إذْ الشَّرْعِيُّ فَرْدُ اللُّغَوِيِّ غَالِبًا أَوْ مُسَاوٍ لَهُ كَالظُّلْمِ فَإِنَّهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ لُغَةً وَشَرْعًا.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُعَرَّبَ وَهُوَ لَفْظٌ غَيْرُ عَلَمٍ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِيمَا وُضِعَ هُوَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ لَهُ مَدْلُولٌ شَرْعِيٌّ لَيْسَ لَهُ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ لَا مَا وَضَعَهُ أَهْلُ الشَّرْعِ فَإِذَا حَلَفَ لَا وَزْنَ بِالْقِسْطَاسِ حَنِثَ بِوَزْنِ الْمِيزَانِ إذْ هُوَ مَعْنَى الْقِسْطَاسِ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ لُغَةً لَا يُقَالُ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ مَدْلُولٌ عُرْفِيٌّ فَيَتَكَرَّرُ مَعَهُ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْعُرْفِ الْخَاصِّ كَالشَّرْعِيِّ وَالنَّحْوِيِّ وَعَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الثَّانِي.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ مِنْ النِّيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا شَرَعَ فِي فُرُوعٍ تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أُصُولٌ أَيْضًا، وَقَاعِدَتُهُ غَالِبًا الْإِتْيَانُ بِالْبَاءِ لِلْحِنْثِ وَبِ لَا لِعَدَمِهِ فَقَالَ (وَحَنِثَ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ (إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (نِيَّةٌ) تُخَصِّصُ لَفْظَهُ الْعَامَّ وَتُقَيِّدُ لَفْظَهُ الْمُطْلَقَ (وَلَا) لِيَمِينِهِ (بِسَاطٌ) أَيْ قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ

ص: 50

بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سَرِقَةٍ، لَا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ مُقَيِّدَةٌ. وَصِلَةُ حَنِثَ (بِ) سَبَبِ (فَوْتِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَصْدَرِ فَاتَ أَيْ انْتِفَاءِ (مَا) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي (حَلَفَ) الْمُكَلَّفُ (عَلَيْهِ) لِغَيْرِ مَانِعٍ بَلْ (وَلَوْ) فَاتَ (لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) كَحَيْضٍ فِي حَلِفِهِ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَيَحْنَثُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَحُمِلَ مِنْهُ فِي لَيَبِيعَنَّ الْأَمَةَ.

(أَوْ) فَاتَ لِمَانِعٍ عَادِيٍّ كَ (سَرِقَةِ) حَمَامٍ فِي حَلِفِهِ لَيَذْبَحَنَّهُ (لَا) يَحْنَثُ إنْ فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ (كَمَوْتِ حَمَامٍ) فِي حَلِفِهِ (لَيَذْبَحَنَّهُ) إنْ أَقَّتَ أَوْ بَادَرَ فَإِنْ فَرَّطَ حَتَّى حَصَلَ فَيَحْنَثُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَانِعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْيَمِينِ، وَأَمَّا إنْ تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، فَأَقْسَامُ الْمَانِعِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَقَّتَ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا وَهُوَ الشَّرْعِيُّ، وَقِسْمٌ لَا يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْعَقْلِيُّ وَالْعَادِيُّ الْمُتَقَدِّمَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَقَّتَ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا وَقِسْمٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ الْعَقْلِيُّ وَالْعَادِيُّ الْمُتَأَخِّرَانِ عَنْهَا فَالْعَادِيُّ يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا وَقَّتّ أَوْ لَا فَرَّطَ أَوْ لَا، وَالْعَقْلِيُّ يَحْنَثُ بِهِ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَفَرَّطَ لَا إنْ وَقَّتَ أَوْ بَادَرَ، وَنَظَمَ هَذَا عج فَقَالَ:

إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ

فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا

كَعَقْلِيِّ أَوْ عَادِيِّ إنْ يَتَأَخَّرَا

وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَكَ الْبَقَا

وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ

فَحِنْثُهُ بِالْعَادِيِّ لَا غَيْرُ مُطْلَقَا

وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا

فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا

وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ وَسَحْنُونٌ بِعَدَمِهِ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ عَدَمَهُ فِي الْعَادِيِّ الْمُتَأَخِّرِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ إذَا قَيَّدَ بِاللَّيْلَةِ مَثَلًا فَاسْتَغْرَقَهَا الْحَيْضُ، قَالَ طفي لَمْ يَذْكُرُوا الْحَيْضَ إلَّا فِي الْمُوَقَّتَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ غَيْرُ الْمُوَقَّتَةِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِيهَا بِطُرُوئِهِ فِي قَوْلِهِ لَأَطَأَنَّهَا، وَيَنْتَظِرُ رَفْعَهُ إذْ لَا تَعَذُّرَ فَافْهَمْ، وَحَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ مَعَهُ بِخِلَافِهِمَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبَرُّ بِفِعْلِهِ مَعَهُ.

ص: 51

وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ

ــ

[منح الجليل]

وَ) حَنِثَ (بِعَزْمِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (عَلَى ضِدِّهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْحِنْثِ لَا فِي يَمِينِ الْبِرِّ خِلَافًا للِشَّارِحِ قَالَهُ عب. طفي لَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْعَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلِذَا كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ شُرَّاحِهِ إنَّمَا فَسَّرُوهُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَالشَّارِحِ وَابْنِ غَازِيٍّ وَالْمَوَّاقِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ قَالَ فِي مَدَارِكِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ. السَّادِسُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، وَهِيَ عَلَى حِنْثٍ. اهـ. وَجَرَى عَلَى هَذَا فِي كِفَايَةِ اللَّبِيبِ فِي كَشْفِ غَوَامِضِ التَّهْذِيبِ، فَاسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعْهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ.

وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ. قَوْلَهُ فَأَرَادَ إلَخْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّزْوِيجِ فَالطَّلَاقُ الْمُعَجَّلُ لَا يَحِلَّ الْيَمِينَ، وَإِنَّمَا مَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الزَّوَاجِ فَعَزْمُهُ هَذَا هُوَ حِنْثُهُ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ بِحِنْثِهِ لَا أَنَّهُ يُنْشِيهَا، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَعَدَمِ الْفِعْلِ. فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ، أَوْ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ التَّزْوِيجِ، فَجَعَلَ الْعَزْمَ يَقُومُ مَقَامَ تَعَذُّرِ الْفِعْلِ، فَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ طَلَّقَهَا مَعْنَاهُ تَسَبَّبَ فِي طَلَاقِهَا لِعَزْمِهِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا مُعْتَمَدَ لَهُ سِوَى كَلَامِ الْجَوَاهِرِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَدْ تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَأَبْقَى ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا أَوْ نَقَلَ كَلَامَهَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ حِنْثًا، وَلَوْ كَانَ يُوجِبُهُ مَا احْتَاجُوا إلَى تَحْنِيثِهِ بِتَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا، وَعِبَارَاتُهُمْ كُلُّهُمْ: لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُطَلِّقَهَا فَيَلْزَمُ الْقَرَافِيُّ أَنْ يَسْتَشْكِلَ جَمِيعُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.

وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْقَلْشَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ بِعَزْمِهِ أَوْ لَا عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ أَوْ لَا، نَقَلَ

ص: 52

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ حِنْثَهُ بِعَزْمِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةً مَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ حَيْثُ كَانَتْ عِبَارَاتُهُمْ مَا ذُكِرَ فَذَاكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَحْنِيثِهِ نَفْسَهُ إلَّا عَزْمَهُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ، فَالْعَزْمُ حِنْثٌ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ ابْنِ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي ذَاتِ الْحِنْثِ عَلَى جَوَازِهَا قَبْلَهُ إنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْبِرِّ، وَفِي ذَاتِ الْبِرِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا عَنْهُ. مُحَمَّدٌ مَعْنَى إجْزَائِهَا قَبْلَهُ أَنَّهُ حِنْثٌ بِعَزْمٍ اهـ طفي. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْحِنْثِ يَجُوزُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مُطْلَقًا كَانَتْ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ، وَفِي غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ آخِرَ الثَّلَاثِ أَوْ الْعِتْقُ فِي مُعَيَّنٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِيهَا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَتَزُولُ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى مَذْهَبَهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ جَوَازَ التَّحْنِيثِ قَبْلَ الْفِعْلِ إذَا لَمْ يُؤَجِّلْ وَإِلَّا فَلَا كَصِيغَةِ الْبِرِّ، هَذَا فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَأَمَّا هِيَ فَلَهُ التَّكْفِيرُ فِي الْبِرِّ قَبْلَ الْحِنْثِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ، وَفِي الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ وَإِلَّا فَلَا.

وَلَمَّا نَقَلَ الْمَوَّاقُ كَلَامَ التَّهْذِيبِ الْمُتَقَدِّمَ وَنَقَلَ أَيْضًا قَوْلَهُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَأَمَّا فِي يَمِينِهِ لَا أَفْعَلُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا فِي يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَقَوْلِهِ لَأَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَأُكَلِّمَنَّهُ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ أَجَّلَ فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ اهـ. قَالَ فَحَصَلَ أَنَّ مَذْهَبَهَا أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ عَلَى بِرٍّ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ حِنْثِهِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ،

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَإِنْ لَمْ يُؤَجِّلْ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَإِنْ أَجَّلَ فَلَا حَتَّى يَمْضِيَ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهَا وَأَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَا أَبُو الْحَسَنِ قَائِلًا فِي قَوْلِهَا مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ أَجَّلَ فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ. اهـ. الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقِيلَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ بِكَلَامِهَا فَتُوَافِقُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ النَّاقِلُونَ.

وَقَدْ لَخَّصَ الْحَطّ مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَنَظَّمَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْصِيلَهَا وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ بِحَالٍ وَقَدْ حَقَّقْنَا لَك الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَيَّدَ الْحَطّ وَسَالِمٌ وَعِجْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ وَأَبْقَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ تَقْلِيدًا مِنْهُمْ لِلْقَرَافِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا قَالُوهُ وَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لَا بِتَقْلِيدِ الرِّجَالِ، وَقَدْ تَوَرَّكَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَاَلَّذِي فِيهَا وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ.

بَعْضُ شُيُوخِنَا وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَزْمِ فِي الطَّلَاقِ فَأَوْلَى الْيَمِينُ بِاَللَّهِ اهـ. الْبُنَانِيُّ نَعَمْ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْعَزْمِ لِمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ هُنَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ: اُنْظُرْ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْمَشْيِ وَالصَّدَقَةِ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا. ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَرَادَ إذَا حَلَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيُطَلِّقَ وَاحِدَةً لِيَرْتَجِعَ وَيَطَأَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَرَّ بِالتَّزْوِيجِ قَبْلَ الْمَوْتِ سَقَطَ عَنْهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى مَاتَ فَالصَّدَقَةُ فِي ثُلُثِهِ لِأَنَّ حِنْثَهُ إنَّمَا وَجَبَ بِمَوْتِهِ اهـ.

وَلِمَا فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ لِيُحِلَّ الْيَمِينَ فَابْتَدَأَ الْكَفَّارَةَ، فَلَمَّا صَامَ أَيَّامًا أَرَادَ أَنْ يَبَرَّ بِالتَّزْوِيجِ عَلَيْهَا قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، هَذَا كَلَامُ السَّمَاعِ وَمِثْلُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْعَزْمِ إذْ لَوْ حَنِثَ بِهِ مَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِالتَّزْوِيجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 54

وَبِالنِّسْيَانِ إنْ أَطْلَقَ، وَبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَفَعَلَهُ نَاسِيًا حَنِثَ (بِالنِّسْيَانِ) أَيْ يَفْعَلُهُ نَاسِيًا (إنْ أَطْلَقَ) الْحَالِفُ يَمِينَهُ أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِعَدَمِ النِّسْيَانِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِعَدَمِ النِّسْيَانِ بِأَنْ قَالَ: مَا لَمْ أَنْسَ أَوْ إلَّا نَاسِيًا فَلَا يَحْنَثُ بِالنِّسْيَانِ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ الْخَطَأُ وَالْجَهْلُ مِثَالُ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ حَلِفُهُ لَا دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا فَيَحْنَثُ. وَفِي الْقَوْلِ حَلَفَ لَا يَذْكُرُ فُلَانًا فَذَكَرَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ اسْمُ غَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَيَحْنَثُ. وَمِثَالُ الْجَهْلِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ وَقْتَ كَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ.

(وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ ذِي أَجْزَاءٍ حَنِثَ (بِ) فِعْلِ (الْبَعْضِ) مِنْهُ كَحَلِفِهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ لُقْمَةً مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَالَ كُلَّهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَأَيَّدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالْأَجْزَاءِ وَهَذَا حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ شَرْطَ إفَادَةِ كُلٍّ الْكُلِّيَّةَ أَنْ لَا تَكُونَ فِي حَيِّزِ نَفْيٍ وَإِلَّا فَلَا تَسْتَغْرِقُ غَالِبًا كَقَوْلِهِ:

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ

تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ

وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] ، إلَّا أَنْ يُقَالَ رُوعِيَ فِي الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى الْوُجُوهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. وَأَرَادَ بِالْبَعْضِ جُزْءَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ جُزْءَ شَرْطٍ فَفِيهَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ، وَفِيهَا أَيْضًا مَا يُنَاقِضُ هَذَا وَهُوَ إذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ أَوْ زَوْجَتَيْهِ إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ أَوْ طَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَعْتِقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. اهـ. وَقَدْ حَصَلَ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ جُزْءِ الشَّرْطِ، وَحُمِلَ هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهَا لِمَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّرِّ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عِتْقَهُمَا مَعًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا تَعْتِقُ الدَّاخِلَةُ وَحْدَهَا وَقَالَهُ أَشْهَبُ.

(عَكْسٌ) أَيْ خِلَافُ (الْبِرِّ) فِي يَمِينِ الْحِنْثِ فَلَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَى

ص: 55

وَبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لَا آكُلُ، لَا مَاءٍ

وَلَا بِتَسَحُّرٍ فِي لَا أَتَعَشَّى، وَذَوَاقٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ، وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ لَا أَقَلَّ

ــ

[منح الجليل]

فِعْلِهِ كَحَلِفِهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَلَا يَبَرُّ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ كُلَّهُ (وَ) حَنِثَ (بِ) شُرْبِ (سَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي) حَلِفِهِ (لَا آكُلُ) إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَجْوِيعِهَا لِأَنَّهُمَا يُشْبِعَانِ، فَإِنْ قَصَدَ خُصُوصَ الْأَكْلِ فَلَا يَحْنَثُ. وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ وَلَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ فَشَرِبَ سَوِيقًا أَوْ لَبَنًا حَنِثَ إذَا قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَرْكِ الْغِذَاءِ وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ لَمْ يَحْنَثْ اهـ. وَقَصْدُ التَّضْيِيقِ نِيَّةٌ مُعَمِّمَةٌ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ إلَى آخِرِ الْبَابِ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا مَا تَقَدَّمَ. وَذِكْرُ بَعْضِ الْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَعْضِهَا تَبَرُّعٌ وَزِيَادَةُ إيضَاحٍ وَتَذْكِيرٌ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَنْزِيلِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ نَوْعَ خَفَاءٍ وَمَظِنَّةَ نِزَاعٍ (لَا) يَحْنَثُ بِشُرْبِ (مَاءٍ) وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، وَإِنْ قَامَ مَقَامَهُ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ وَشَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ بِنِيَّةِ الشِّبَعِ حَنِثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا) يَحْنَثُ (بِتَسَحُّرٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ أَكْلٍ آخِرَ اللَّيْلِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَتَعَشَّى) مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّضْيِيقَ بِتَرْكِ الْأَكْلِ فِي لَيْلَتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ (وَ) لَا يَحْنَثُ بِ (ذَوَاقٍ) لِطَعَامٍ أَوْ مَاءٍ بِلِسَانِهِ وَ (لَمْ يَصِلْ) الْمَذُوقُ (جَوْفَهُ) أَيْ الذَّائِقِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ أَوْ لَا أَشْرَبُ كَذَا، وَمَفْهُومُهُ حِنْثُهُ إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَبِالْبَعْضِ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) سَبَبِ (وُجُودِ) عَدَدٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا فِي جَيْبِهِ أَوْ كِيسِهِ مَثَلًا (أَكْثَرَ) مِنْ عَدَدٍ ذَكَرَهُ فِي يَمِينِهِ (فِي) حَلِفِهِ بِمَا لَا لَغْوَ فِيهِ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ عَلَى أَنَّهُ (لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ) أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّالِبُ (لِ) شَخْصٍ (مُتَسَلِّفٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ سَائِلٍ أَوْ مُقْتَضٍ لِحَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ بِمَا يُفِيدُ فِيهِ اللَّغْوُ كَاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْيَقِينِ قَرِيبًا (لَا) يَحْنَثْ بِوُجُودِ عَدَدٍ

ص: 56

وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ وَلُبْسِهِ فِي: لَا أَرْكَبُ وَأَلْبَسُ، لَا فِي كَدُخُولِهِ، وَبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ

ــ

[منح الجليل]

أَقَلَّ) مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي يَمِينِهِ وَلَوْ فِيمَا لَا يُفِيدُ فِيهِ اللَّغْوُ لِتَخْصِيصِ الْبِسَاطِ غَيْرَهُ بِالْأَكْثَرِ.

(وَ) حَنِثَ (بِدَوَامِ) أَيْ إدَامَةِ (رُكُوبِهِ) دَابَّةً (وَ) إدَامَةِ (لُبْسِهِ) ثَوْبًا وَإِدَامَةِ سُكْنَاهُ دَارًا مَعَ إمْكَانِ تَرْكِهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَرْكَبُ) هَذِهِ الدَّابَّةَ (وَ) لَا (أَلْبَسُ) هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ لَابِسٌ أَوْ سَاكِنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَيَبَرُّ بِهِ فِي الْحِنْثِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بَلْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ بِنُزُولِهِ لَيْلًا مَثَلًا وَلَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَلَا بِنَزْعِ الثَّوْبِ لَيْلًا أَوْ فِي قَائِلَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (لَا) يَحْنَثُ بِدَوَامِ مُكْثِهِ فِي دَارٍ مَثَلًا (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمٍ (كَدُخُولِهِ) أَيْ الْحَالِفِ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا، فَإِنْ حَلَفَ حَالَ دُخُولِهَا عَلَى عَدَمِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُهَا، وَكَالدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا. وَدَخَلَ بِالْكَافِ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ وَالْحَمْلُ وَالنَّوْمُ فَلَا يَحْنَثُ بِدَوَامِهِ فِي حَلِفِهِ عَلَى حَائِضٍ أَوْ طَاهِرٍ أَوْ حَامِلٍ أَوْ نَائِمَةٍ بِقَوْلِهِ إنْ حِضْت أَوْ طَهُرْت أَوْ حَمَلْت أَوْ نِمْت فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهَا عَلَى حَالِهَا، فَلَا يُعَدُّ دَوَامُهُ كَابْتِدَائِهِ بَلْ بِمُسْتَأْنَفٍ مِنْ أَحَدِهَا بِخِلَافِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُنْجَزُ قَالَهُ تت. وَفِي الْمَوَّاقِ وَتَبِعَهُ جَدّ عج لَا يُنْجَزُ وَذَكَرَ الْحَطّ فِيهَا قَوْلَيْنِ.

(وَ) حَنِثَ بِانْتِفَاعِهِ (بِدَابَّةِ عَبْدِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْحَالِفَ أَوْ غَيْرَهُ (فِي) حَلِفِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِ (دَابَّتِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْحَالِفَ أَوْ غَيْرَهُ فَضَمِيرُ عَبْدِهِ يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْحَالِفِ وَلَهُ حِينَئِذٍ صُورَتَانِ: حَلِفُهُ لَا أَرْكَبُ دَابَّتِي أَوْ لَا يَرْكَبُهَا فُلَانٌ فَيَرْكَبُ هُوَ أَوْ فُلَانٌ دَابَّةَ عَبْدِ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ فِيهِمَا لِأَنَّ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعَ مَالِهِ وَيَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَيْ حَلَفَ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِ زَيْدٍ فَيَحْنَثُ لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِيهَا وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ

ص: 57

وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ فِي لَأَضْرِبَنهُ كَذَا، وَبِلَحْمِ الْحُوتِ، وَبَيْضِهِ، وَعَسَلِ الرُّطَبِ فِي مُطْلَقِهَا وَبِكَعْكٍ، وَخُشْكَنَانٍ،

ــ

[منح الجليل]

تَلْحَقُهُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ عَبْدِهِ كَمَا تَلْحَقُهُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ يَقَعُ بِأَقَلِّ الْأَشْيَاءِ، وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَالْمُكَاتَبُ كَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فَلَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ مُكَاتَبِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَشْيَاخُ عج مُرَاعَاةُ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ فَيَحْنَثُ بِدَابَّةِ مُكَاتَبِهِ مُرَاعَاةً لِلثَّانِيَةِ وَمُرَاعَاتُهَا كَافِيَةٌ فِي الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهِ. وَمَفْهُومُ عَبْدِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ دَابَّةِ وَلَدِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لِلْوَالِدِ اعْتِصَارُهَا أَفَادَهُ عج، وَقَالَ سَالِمٌ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ بِأَشْهَبَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ حِنْثُهُ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ أَيْ إنْ كَانَ لِوَالِدِهِ اعْتِصَارُهَا.

(وَ) لَا يَبَرُّ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مَثَلًا مِائَةَ سَوْطٍ (بِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ) الْمِائَةِ وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً (فِي) حَلِفِهِ (لَأَضْرِبَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ مَثَلًا (كَذَا) أَيْ مِائَةً مَثَلًا وَلَا يُحْتَسَبُ بِالضَّرْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا إنْ لَمْ تُؤْلِمْ كَإِيلَامِ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا حُسِبَتْ وَاحِدَةً وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ بِرِّهِ بِجَمْعِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ سَوْطٍ مُنْفَرِدًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ مَسْكِهِ، وَيُؤْلِمُ إيلَامَ الْمُنْفَرِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَإِلَّا فَيَبَرُّ بِجَمْعِهَا، وَمِثْلُ جَمْعِهَا فِي عَدَمِ الْبِرِّ بِهِ ضَرْبُهُ الْعَدَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِخِفَّةٍ، وَكَذَا ضَرْبُهُ نِصْفَ الْعَدَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِسَوْطٍ لَهُ رَأْسَانِ لَكِنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهِ قَالَهُ التُّونُسِيُّ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (لَحْمِ الْحُوتِ) وَالطَّيْرِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ يَشْمَلُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]، وَقَالَ تَعَالَى {وَلَحْمِ طَيْرٍ} [الواقعة: 21] إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ (وَ) حَنِثَ بِأَكْلِ (بَيْضِهِ) أَيْ الْحُوتِ كَتُرْسٍ وَتِمْسَاحٍ (وَ) حَنِثَ بِأَكْلِ (عَسَلِ الرُّطَبِ فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (مُطْلَقِهَا) أَيْ اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالْعَسَلِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا لِنَعَمٍ وَدَجَاجٍ وَنَحْلٍ وَقَصَبٍ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ، فَإِنْ قُيِّدَتْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (كَعْكٍ وَخُشْكَنَانٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ

ص: 58

وَهَرِيسَةٍ وَإِطْرِيَةٍ فِي خُبْزٍ، لَا عَكْسِهِ، وَبِضَأْنٍ وَمَعْزٍ وَدِيَكَةٍ، وَدَجَاجَةٍ فِي غَنَمٍ، وَدَجَاجٍ، لَا بِأَحَدِهِمَا، فِي آخَرَ، وَبِسَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ فِي سَوِيقٍ، وَبِزَعْفَرَانٍ فِي طَعَامٍ لَا بِكَخَلٍّ طُبِخَ،

ــ

[منح الجليل]

الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ كَعْكٌ مَحْشُوٌّ بِسُكَّرٍ (وَهَرِيسَةٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ طَعَامٌ مُتَّخَذٌ مِنْ قَمْحٍ وَلَحْمٍ بِطَبْخِهِمَا حَتَّى يَمْتَزِجَا ثُمَّ يَعْرُكُونَهُمَا بِعَصًا غَلِيظَةِ الرَّأْسِ حَتَّى يَصِيرَا كَالْعَصِيدَةِ وَيَأْكُلُونَهَا بِالسَّمْنِ وَمَنْ شَبِعَ مِنْهَا يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَشْتَهِي طَعَامًا (وَإِطْرِيَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ تَلِيهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مُخَفَّفَةٌ طَعَامٌ كَالْخُيُوطِ مِنْ دَقِيقٍ قِيلَ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي زَمَنِنَا بِالشَّعِيرِيَّةِ وَقِيلَ بِالرِّشْتَةِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (خُبْزٍ) وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ بِلَحْمِ الْحُوتِ وَمَا بَعْدَهُ لَا يَجْرِي عَلَى عُرْفِنَا الْآنَ وَالْجَارِي عَلَيْهِ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَا ذُكِرَ (لَا) يَحْنَثُ فِي (عَكْسِهِ) وَهُوَ حَلِفُهُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَاصَّةِ وَيَأْكُلُ الْخُبْزَ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ لَحْمِ (ضَأْنٍ وَ) لَحْمِ (مَعْزٍ وَ) لَحْمِ (دِيَكَةٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ دِيكٍ ذَكَرُ الدَّجَاجِ (وَ) لَحْمِ (دَجَاجَةٍ) أُنْثَى (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ لَحْمِ (غَنَمٍ) رَاجِعٌ لِضَأْنٍ وَمَعْزٍ (وَ) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ لَحْمِ (دَجَاجٍ) رَاجِعٌ لِدِيَكَةٍ وَدَجَاجٍ (لَا) يَحْنَثُ (بِ) أَكْلِ لَحْمِ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ أَوْ الدِّيَكَةِ وَالدَّجَاجَةِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (الْآخَرِ وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (سَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ (فِي سَوِيقٍ) أَيْ دَقِيقِ حَبٍّ مَقْلِيٍّ لُتَّ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ سَمْنًا فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لُتَّ بِسَمْنٍ حَنِثَ وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَمْ لَا اهـ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِابْنِ مُيَسِّرٍ لَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (زَعْفَرَانٍ) اُسْتُهْلِكَ (فِي طَعَامٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ زَعْفَرَانًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَلِكَ (لَا) يَحْنَثُ (بِ) أَكْلِ (كَخَلٍّ) وَلَامُونٍ وَنَارِنْجٍ (طُبِخَ)

ص: 59

وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لَا قَبَّلْتُك أَوْ قَبَّلْتنِي، وَبِفِرَارِ غَرِيمِهِ فِي لَا فَارَقْتُك، أَوْ فَارَقْتنِي إلَّا بِحَقِّي، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ أَحَالَهُ، وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ لَا الْعَكْسِ

ــ

[منح الجليل]

بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي طَعَامٍ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ خَلًّا أَوْ لَامُونًا أَوْ نَارِنْجًا فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا الْخَلَّ مَثَلًا حَنِثَ بِأَكْلِهِ مُسْتَهْلَكًا فِي طَعَامٍ (وَ) حَنِثَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ (بِاسْتِرْخَاءٍ) أَيْ تَمْكِينٍ (لَهَا) أَيْ حَلِيلَتِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ تَقْبِيلِهَا مِنْ تَقْبِيلِهَا لَهُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا قَبَّلْتُكِ) وَقَبَّلَتْهُ عَلَى فَمِهِ فَقَطْ فَإِنْ قَبَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ قَبَّلَهَا حَنِثَ سَوَاءٌ قَبَّلَهَا عَلَى فَمِهَا أَوْ غَيْرِهِ إلَّا لِنِيَّةِ الْفَمِ (أَوْ) حَلِفِهِ (لَا قَبَّلْتِنِي) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ حِنْثُهُ بِتَقْبِيلِهَا لَهُ فِي هَذِهِ سَوَاءٌ اسْتَرْخَى لَهَا أَمْ لَا قَبَّلَتْهُ عَلَى فَمِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِاسْتِرْخَاءٍ تَفْصِيلًا وَهُوَ عَدَمُ حِنْثِهِ لَا فِي قَبَّلْتُك وَحِنْثُهُ فِي لَا قَبَّلْتِنِي.

(وَ) حَنِثَ (بِفِرَارِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ هُرُوبِ (غَرِيمِهِ) أَيْ مَدِينِ الْحَالِفِ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِ حَقِّهِ مِنْهُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا فَارَقْتُك أَوْ) لَا (فَارَقْتنِي إلَّا بِ) دَفْعِ (حَقِّي) أَوْ قَبْضِهِ أَوْ اسْتِيفَائِهِ مِنْك إنْ فَرَّطَ الْحَالِفُ حَتَّى فَرَّ غَرِيمُهُ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) الْحَالِفُ وَيَحْنَثُ بِفِرَارِهِ إنْ لَمْ يُحِلْهُ بَلْ (وَإِنْ أَحَالَهُ) أَيْ الْغَرِيمَ الْحَالِفُ بِحَقِّهِ عَلَى مَدِينٍ لِلْغَرِيمِ بِمِثْلِ حَقِّ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ، وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْمُحِيلِ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ إلَّا بِأَخْذِ حَقِّي مِنْك، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ.

وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا فَارَقْتُك أَوْ فَارَقْتنِي وَلِي عَلَيْك حَقٌّ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْحَوَالَةِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ بِحَضْرَتِهِ دُونَ الرَّهْنِ لَا يُقَالُ فِرَارُ إكْرَاهٍ وَهَذِهِ صِيغَةُ بِرٍّ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِرَارَ إكْرَاهٌ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا صِيغَةُ بِرٍّ بَلْ صِيغَةُ حِنْثٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَأَلْزَمَنَّكَ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (الشَّحْمِ) فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (اللَّحْمِ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ اللَّحْمِ وَكَالْفَرْعِ لَهُ وَلِدُخُولِ تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِي تَحْرِيمِ لَحْمِهِ (لَا) يَحْنَثُ بِ (الْعَكْسِ)

ص: 60

وَبِفَرْعٍ فِي، لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ، أَوْ هَذَا الطَّلْعَ،

ــ

[منح الجليل]

بِأَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَيْسَ جُزْءَ الشَّحْمِ بَلْ أَصْلَهُ الَّذِي انْقَلَبَ إلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَحْمًا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ شَحْمًا وَلَمْ يُحَرِّمْ لَحْمًا.

(وَ) حَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ (بِ) أَكْلِ (فَرْعٍ) مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْيَمِينِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ أَصْلِهِ إنْ أَتَى فِي يَمِينِهِ بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ كَحَلِفِهِ (لَا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَوَّلُ أَطْوَارِ ثَمَرِ النَّخْلِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ نَشَأَ مِنْهُ كَبُسْرِهِ وَرُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَعَجْوَتِهِ وَعَسَلِهِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْقَمْحَ وَاللَّبَنَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ كُلِّ أَصْلٍ، فَإِنْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ فَيَحْنَثُ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وَخُبْزِهِ وَكَعْكِهِ وَأَطْرَيْته وَخَشْكِنَانِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ. وَإِنْ قَالَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ حَنِثَ بِزُبْدِهِ وَسَمْنِهِ وَجُبْنِهِ وَأَقْطِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ فُرُوعِهِ. فَإِنْ قَالَ مِنْ طَلْعِ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ لَبَنِ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ كُلُّ فَرْعٍ لَهَا مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُتَأَخِّرٌ.

(أَوْ) حَلِفِهِ لَا آكُلُ كَ (هَذَا الطَّلْعَ) بِإِسْقَاطِ مِنْ وَالْإِتْيَانِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ لَهُ كَإِتْيَانِهِ بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ إلَّا فِي صُورَةِ الْإِتْيَانِ بِهِمَا مَعًا. وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ اعْتَرَضَ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَبِعَهُ هُنَا، وَنَصَّهُ عَقِبَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَوْ قَالَ هَذَا الطَّلْعَ وَهَذَا الرُّطَبَ وَهَذَا اللَّحْمَ حَنِثَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ غَيْرَ ابْنِ بَشِيرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَعْزُوٌّ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَاَلَّذِي لِأَبِي الْحَسَنِ خِلَافُهُ، لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ أَقْيَسُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،

وَحَاصِلُ تَحْصِيلِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحِنْثُ فِي مِنْ هَذَا فَقَطْ لَا فِي هَذَا بِدُونِ مِنْ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَمَا ذَكَرَهُ هُنَا اعْتَمَدَ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَعْتَمِدْ بَحْثَهُ لَكِنْ ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ قَالَ بِالْحِنْثِ مُطْلَقًا مِثْلَ مَا فِيهِ مِنْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا قَالَ بِالْحِنْثِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَصْلِ جِدًّا إلَّا فِيمَا بَعُدَ اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْمَوَّاقِ.

ص: 61

أَوْ طَلْعًا إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ، وَمَرَقَةَ لَحْمٍ، أَوْ شَحْمَهُ، وَخُبْزَ قَمْحٍ وَعَصِيرَ عِنَبٍ وَبِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ إنْ نَوَى الْمَنَّ، لَا لِرَدَاءَةٍ أَوْ لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ

ــ

[منح الجليل]

لَا) يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ (الطَّلْعَ) بِإِسْقَاطِ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعَ التَّعْرِيفِ (وَ) حَلِفِهِ لَا آكُلُ (طَلْعًا) بِحَذْفِهِمَا مَعَ التَّنْكِيرِ، وَكَذَا مِنْ الطَّلْعِ أَوْ مِنْ طَلْعٍ بِالْإِتْيَانِ بِمِنْ وَإِسْقَاطِ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا، وَأَمَّا حِنْثُهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ بِنَفْسِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَاسْتَثْنَى خَمْسَ مَسَائِلَ يَحْنَثُ فِيهَا بِمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ حَذْفِ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ لِقُرْبِهَا مِنْ أَصْلِهَا قُرْبًا قَوِيًّا فَقَالَ (إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ) فَيَحْنَثُ بِشُرْبِهِ فِي لَا آكُلُ الزَّبِيبَ أَوْ زَبِيبًا (وَمَرَقَةَ لَحْمٍ) فَيَحْنَثُ بِشُرْبِهَا فِي لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا (أَوْ شَحْمَهُ) فِي لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا فَيَحْنَثُ بِهِ وَأَعَادَ هَذِهِ لِجَمْعِ النَّظَائِرِ (وَ) إلَّا (خُبْزَ قَمْحٍ) فِي لَا آكُلُ الْقَمْحَ أَوْ قَمْحًا (وَ) إلَّا (عَصِيرَ عِنَبٍ) فِي لَا آكُلُ الْعِنَبَ أَوْ عِنَبًا وَهَذِهِ تُفْهَمُ مِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ قُرْبِ النَّبِيذِ إلَى زَبِيبِهِ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) أَكْلِ (مَا) أَيْ الْقَمْحِ الَّذِي (أَنْبَتَتْ) هـ (الْحِنْطَةُ) الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا سَوَاءٌ أَتَى بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا أَوْ أَسْقَطَهُمَا مَعًا، أَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَأَسْقَطَ الْآخَرَ عَرَّفَ أَوْ نَكَّرَ، وَكَذَا مَا اشْتَرَى بِثَمَنِهَا (إنْ نَوَى) بِيَمِينِهِ أَنْ يَقْطَعَ (الْمَنَّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ النُّونِ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَوْلَا أَنَا أُطْعِمُك مَا عِشْت (لَا) يَحْنَثُ بِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ أَوْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا (لِرَدَاءَةٍ) فِيهَا (أَوْ) حَلَفَ عَلَى عَدَمِ أَكْلِهَا (لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ) فَجُوِّدَ لَهُ فَأَكَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَحَلِفِهِ لِلرَّدَاءَةِ أَوْ سُوءِ الصَّنْعَةِ حَلِفُهُ بِلَا نِيَّةٍ. وَشَمِلَ الثَّلَاثَةَ مَفْهُومُ إنْ نَوَى الْمَنَّ فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالنَّابِتِ، وَلَوْ أَتَى بِمِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ مَعًا لِأَنَّ النَّابِتَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِذَهَابِهِ فِي الْأَرْضِ، وَيَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَبِفَرْعٍ إلَخْ.

ص: 62

وَبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْت، أَوْ دَارِ جَارِهِ، أَوْ بَيْتِ شَعَرٍ، كَحَبْسٍ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) حَنِثَ (بِ) دُخُولِ (الْحَمَّامِ) بِشَدِّ الْمِيمِ أَيْ الْبَيْتِ الْمُعَدِّ لِلْحُمُومِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ (الْبَيْتِ) أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحَمَّامَ لِخَبَرِ «اتَّقُوا بَيْتًا يُقَالُ لَهُ الْحَمَّامُ» . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ بَيْتُ الْقَهْوَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْحَانُوتِ وَالْفُرْنِ وَالْمَعْصَرَةِ وَالْمَجْبَسَةِ إذَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِتَخْصِيصِ الْبَيْتِ بِمَوْضِعِ السُّكْنَى بِالزَّوْجَاتِ، وَهَذَا عُرْفُ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ.

(أَوْ) بِدُخُولِ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي (دَارِ جَارِهِ) أَيْ الْحَالِفِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا، وَنَصُّ الْأُمَّهَاتُ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ الْحَالِفُ عَلَى جَارٍ لَهُ بَيْتَهُ فَإِذَا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟ قَالَ نَعَمْ يَحْنَثُ. اهـ. وَالْجَارُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ إذْ يَحْنَثُ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَهُ فِي ظِلِّ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بُغْضًا لَهُ أَوْ لِسُوءِ عِشْرَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ حَبِيبٍ وَبِوُقُوفِهِ مَعَهُ فِي صَحْرَاءَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. قِيلَ وَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ خِلَافًا فِيمَنْ نَوَى ذَلِكَ وَيَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ فَدَخَلَ دَارَ جَارِهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ لِلْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ بَيْتُهُ بَيْتَهُ وَلِأَنَّ الْجَارَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دَارِ جَارِهِ غَالِبًا.

(أَوْ) بِدُخُولٍ أَوْ سُكْنَى (بَيْتِ شَعْرٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فِي حَلِفِهِ لَا دَخَلَ أَوْ سَكَنَ بَيْتًا، بَدْوِيًّا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ حَضَرِيًّا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ شَعْرٍ فَيَحْنَثُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا} [النحل: 80] إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ يَخُصُّهُ بِبَيْتِ الْبِنَاءِ كَسَمَاعِهِ بِانْهِدَامِ بَيْتٍ عَلَى قَوْمٍ فَقَتَلَهُمْ لَا يَحْنَثُ بِبَيْتِ الشَّعْرِ.

وَشَبَّهَ فِي الْحِنْثِ فَقَالَ (كَ) دُخُولِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي (حَبْسٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ مَوْضِعٍ مُعَدٍّ لِلسَّجْنِ (أُكْرِهَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ الْحَالِفُ (عَلَى) دُخُولِ (هـ بِحَقٍّ)

ص: 63

لَا بِمَسْجِدٍ، وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ، لَا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُجَامَعَةَ، وَبِتَكْفِينِهِ فِي لَا نَفَعَهُ حَيَاتَهُ

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنْ تَوْفِيَتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا لِأَنَّ إكْرَاهَ الشَّرْعِ طَوْعٌ، وَكَذَا إنْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِ حَبْسٍ بِحَقٍّ (لَا) يَحْنَثُ (بِ) دُخُولِ (مَسْجِدٍ) عَامٍّ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبًا بِدُخُولِهِ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْحَالِفِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَحْجُورًا حَنِثَ بِدُخُولِهِ.

(وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (مَيِّتًا) قَبْلَ دَفْنِهِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي (بَيْتٍ يَمْلِكُهُ) ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً، أَوْ حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا حَيَاتَهُ أَوْ أَبَدًا أَوْ مَا عَاشَ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا يَجْرِي مَجْرَى الْمِلْكِ وَهُوَ تَجْهِيزُهُ بِهِ إلَّا لِنِيَّةِ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَإِنْ دُفِنَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ.

(لَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ (بِدُخُولِ) شَخْصٍ (مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) عَلَى الْحَالِفِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دُخُولًا مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا فِي كَدُخُولٍ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَجْلِسَ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ، وَصَارَ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ قِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا فَجَعَلَ عِلْمَهُ وَتَرَكَهَا إذْنًا مِنْهُ. الْحَطّ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاسْتِمْرَارِهِ فِي الدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُهَا وَكَذَلِكَ هُنَا إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الدُّخُولِ (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ أَنْ يَقْطَعَ (الْمُجَامَعَةَ) أَيْ الِاجْتِمَاعَ مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ، وَإِلَّا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ دُخُولِهِ عَلَيْهِ.

(وَ) حَنِثَ (بِتَكْفِينِهِ) أَيْ إدْرَاجِ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي كَفَنِهِ وَأَوْلَى بِإِتْيَانِهِ لَهُ بِكَفَنٍ مِنْ مَالِهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا نَفَعَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (حَيَاتَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفِ

ص: 64

وَبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا؛ فِي لَا أَكَلْت طَعَامَهُ إنْ أَوْصَى، أَوْ كَانَ مَدِينًا،

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ أَوْ مَا عَاشَ أَوْ أَبَدًا أَوْ لَا أَدَّى إلَيْهِ حَقًّا مَا عَاشَ. وَمِثْلُ تَكْفِينِهِ تَغْسِيلُهُ وَتَخْلِيصُهُ مِمَّنْ يَشْتُمُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ نِكَاحٍ أَرَادَ نَفْعَهُ بِهِ، لَا إنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ فِيهِ لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِبَقِيَّةِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرَ وَلَا بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَفْعِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْآخِرَةِ. فَإِنْ حَلَفَ لَا نَفَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقِيَّةِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ بَلْ الظَّاهِرُ حِنْثُهُ بِهَا وَأَنَّ جَمِيعَهَا مِنْ تَوَابِعِ الْحَيَاةِ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْ حَيْثُ مَثَّلُوا بِالتَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَسَكَتُوا عَمَّا عَدَاهُمَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُتَمَسَّكُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ حِنْثِهِ بِتَخْلِيصِهِ مِمَّنْ شَتَمَهُ صَوَابُهُ مِمَّنْ تَشَبَّثَ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ. ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَوْ نَهَى عَنْهُ شَاتِمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَيَحْنَثُ بِتَخْلِيصِهِ مِمَّنْ وَجَدَهُ مُتَشَبِّثًا بِهِ.

(وَ) حَنِثَ (بِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَبْلَ قَسْمِهَا) بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَكَلَتْ طَعَامَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ) كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (أَوْصَى) بِمَعْلُومٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ لِبَيْعِ تَرِكَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (مَدِينًا) لِوُجُوبِ وَقْفِهَا لِلدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ شَائِعٍ كَرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِبَيْعٍ أَوْ أَكَلَ الْحَالِفُ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَقَبْلَ قَسْمِ بَاقِيهَا فَلَا يَحْنَثُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ فِي الشَّائِعِ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا عَلَى ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، بَلْ مِنْ شَائِعٍ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ وَهُمَا حَيَّانِ، وَبَعْدَ تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ تَعَلُّقٌ بِالتَّرِكَةِ وَمَحِلُّ تَفْصِيلِ الْمُصَنِّفِ فِي حَلِفِهِ لِغَيْرِ قِطَاعِ مِنْ فَإِنْ كَانَ لِقَطْعِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ لِخُبْثِ مَالِهِ حَنِثَ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا مُعَيَّنًا إذْ لَا يَحِلُّهُ إرْثُهُ، فَإِنْ أَحَلَّهُ كَمَا لَوْ نَشَأَ عَنْ مُعَامَلَاتٍ فَاسِدَةٍ فَقَدْ زَالَ عَنْ الْمَالِ خُبْثُهُ بِإِرْثِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ أَفَادَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ.

ص: 65

وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ أَوْ رَسُولٍ، فِي لَا كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) حَنِثَ (بِكِتَابٍ) كَتَبَهُ الْحَالِفُ أَوْ أَمْلَاهُ أَوْ أَمَرَ بِكَتْبِهِ ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ بِعَرَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِمَنْ شَأْنُهُ فَهْمُهُ (إنْ وَصَلَ) لِلْكِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَالِفِ وَلَوْ حُكْمًا كَعِلْمِهِ بِذَهَابِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَسُكُوتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَى إرْسَالِهِ لَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ كِتَابَةِ صِيغَتِهِ عَازِمًا عَلَيْهِ لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُكَالَمَةِ، وَكَذَا إنْ وَصَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

ابْنُ حَبِيبٍ لَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِلرَّسُولِ: قَطِّعْ كِتَابِي أَوْ رُدَّهُ إلَيَّ فَعَصَاهُ وَأَعْطَاهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَقَرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ رَمَاهُ رَاجِعًا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَهُ فَقَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ وَصَلَ بِإِذْنِهِ وَلَوْ حُكْمًا حَنِثَ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَحْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمُذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمُذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا بِاللَّفْظِ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْحَالِفِ أَمْ لَا.

(أَوْ) بِإِرْسَالِ (رَسُولٍ) بِكَلَامٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا كَلَّمَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَبَلَّغَ الرَّسُولُ الْكَلَامَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكِتَابَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ. أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَلَوْ لَمْ يُبَلِّغْهُ الرَّسُولُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُ فَيَحْنَثُ (وَلَمْ يُنَوَّ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ النُّونِ، وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ لَا تَقْبَلُ نِيَّةُ الْحَالِفِ الْمُشَافَهَةَ بِقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ (فِي) صُورَةِ إرْسَالِ (الْكِتَابِ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِ (الْعِتْقِ) لِرَقِيقٍ مُعَيَّنٍ (وَ) حَلِفِهِ بِ (الطَّلَاقِ) مَعَ رَفْعِهِ لِلْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ لِمُخَالَفَةِ نِيَّتِهِ ظَاهِرَ لَفْظِهِ مِنْ شُمُولِ كَلَامِهِ لِلْمُشَافَهَةِ وَالْكِتَابَةِ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ مُجَانَبَتُهُ وَالْكِتَابَةُ تُنَافِيهَا. وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَالطَّلَاقِ فَيُنَوَّى فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَيُنْوَى فِي الْجَمِيعِ. وَمَفْهُومٌ

ص: 66

وَبِالْإِشَارَةِ لَهُ، بِكَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، لَا قِرَاءَتِهِ بِقَلْبِهِ،

ــ

[منح الجليل]

فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الرَّسُولِ وَلَوْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الرَّفْعِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ لِمُوَافَقَةِ نِيَّتِهِ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، وَيَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ وَالرِّقِّ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ دُيِّنَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَلَوْ حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ فَلَا يَبَرُّ بِرَسُولٍ وَلَا كِتَابٍ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ وَالْحِنْثُ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ.

(وَ) حَنِثَ (بِالْإِشَارَةِ) مِنْ الْحَالِفِ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ ثُمَّ أَشَارَ الْحَالِفُ (لَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ كَوْنَهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ هُوَ سَوَاءٌ فَهِمَ الْمُشَارُ إلَيْهِ الْإِشَارَةَ أَمْ لَا، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَهُ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ فَقَطْ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارُ لَهُ سَمِيعًا أَوْ أَصَمَّ وَشَمِلَ الْإِشَارَةَ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ وَلَا حِنْثَ بِالْإِشَارَةِ لِأَعْمَى حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ. وَاَلَّذِي فِي الْحَطّ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْإِشَارَةِ إذْ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ إيلَائِهَا. وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي حِنْثِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ. ثَالِثُهَا بِاَلَّتِي يُفْهَمُ بِهَا عَنْهُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلِسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِهِ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ ظَاهِرِ إيلَائِهَا وَلِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(وَ) حَنِثَ (بِكَلَامِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهُ عَادَةً وَسَمِعَهُ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْحَالِفِ لِمَانِعٍ كَنَوْمٍ أَوْ صَمَمٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهُ عَادَةً لِبُعْدِهِ فَلَا يَحْنَثُ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ أَوْ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا أَوْ هَذَا الْكِتَابَ بِ (قِرَاءَتِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (بِقَلْبِهِ) فَلَيْسَ لِهَذِهِ تَعَلُّقٌ بِمَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ إذْ الْحِنْثُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الْكِتَابِ. اهـ. عب.

الْبُنَانِيُّ مَعْنَاهُ الْمُطَابِقُ لِسِيَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَلَا يَحْنَثُ بِكِتَابٍ وَصَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَرَأَ بِقَلْبِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمُذْهَبِ لَكِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ إذْ ظَاهِرُهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَلِذَا عَدَلَ الزَّرْقَانِيُّ عَنْهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا أَقْرَأُ كِتَابًا إلَخْ مَعَ بُعْدِهِ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَذَكَرَ غ وح أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيمَا

ص: 67

أَوْ قِرَاءَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ بِلَا إذْنٍ، وَلَا بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ، وَلَا كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَ عَلَى الْأَصْوَبِ وَالْمُخْتَارِ، وَبِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ،

ــ

[منح الجليل]

تَقَدَّمَ وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ وَقَرَأَ وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ مَا هُنَا، لَكِنْ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (أَوْ قِرَاءَةُ أَحَدٍ) كِتَابَ الْحَالِفِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهِ وَوَصَلَهُ كِتَابُ الْحَالِفِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْحَالِفِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَلَوْ قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ ز مِثْلُهُ فِي غ وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَحْرَى مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ الشَّيْخُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يَقِفْ غ عَلَى هَذَا.

(وَلَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا (بِسَلَامِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (بِصَلَاةٍ) إنْ طَلَبَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا يُسَلِّمُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَسْمَعَهُ أَوْ لَمْ يُسْمِعْهُ. وَلَا يَخْلُو مِنْ نِزَاعٍ فِي بَعْضِهَا. عج ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ السَّلَامَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا مُعْتَقِدًا إتْمَامَهَا، فَإِنْ قَصَدَ خِطَابَهُ حَاضِرًا حَنِثَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَفَادَهُ عب.

(وَلَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا بِوُصُولِ (كِتَابِهِ) أَيْ مَكْتُوبِ (الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) إلَى الْحَالِفِ إنْ لَمْ يَقْرَأْهُ بَلْ (وَلَوْ قَرَأَ) الْحَالِفُ كِتَابَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَصْوَبِ) عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ (وَالْمُخْتَارُ) لِلَّخْمِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ.

(وَ) حَنِثَ (بِسَلَامِهِ) أَيْ الْحَالِفِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِ الْحَالِفِ (مُعْتَقِدًا) أَيْ جَازِمًا (أَنَّهُ) أَيْ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ (غَيْرُهُ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ وَأَوْلَى ظَانًّا أَوْ شَاكًّا أَوْ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ اللَّغْوِ

ص: 68

أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ، وَبِفَتْحٍ عَلَيْهِ، وَبِلَا إذْنِهِ فِي لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي

وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي

ــ

[منح الجليل]

لِأَنَّهُ الِاعْتِقَادُ حَالَ الْيَمِينِ، وَهَذَا حَالُ فِعْلِ غَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْحِنْثِ كَالنِّسْيَانِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ مَعَ طَلَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا طَلَبٌ لِخُصُوصِ التَّحِيَّةِ وَذَاكَ لَا لِخُصُوصِهَا بَلْ لِلصَّلَاةِ، فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِخُصُوصِهِ بِالتَّحِيَّةِ.

(أَوْ) بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (فِي جَمَاعَةٍ) فَيَحْنَثُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) أَيْ يُخْرِجَ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَرَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنْ أَتَمَّ السَّلَامَ قَبْلَ مُحَاشَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَاشَاتِهِ بِاللَّفْظِ بِشُرُوطِهِ، وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ.

(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا كَلَّمَهُ (بِفَتْحٍ) أَيْ إرْشَادٍ مِنْ الْحَالِفِ لِلصَّوَابِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْقِرَاءَةِ إذَا وَقَفَ أَوْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ لِأُخْرَى بِقِرَاءَةِ الْحَالِفِ مَا غَلِطَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِ وَإِسْمَاعِهِ لِيَهْتَدِيَ إلَى الصَّوَابِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَ الْفَتْحُ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْحَالِفِ بِأَنْ صَلَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إمَامًا لِلْحَالِفِ وَغَلِطَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مُخَاطَبَتِهِ بِقُلْ أَوْ اقْرَأْ كَذَا.

(وَ) حَنِثَ بِخُرُوجِهَا مِنْ الدَّارِ بَعْدَ إذْنِهِ لَهَا فِيهِ (بِلَا عِلْمِ) هَا بِ (إذْنِهِ) أَيْ الْحَالِفِ لَهَا فِيهِ (فِي) حَلِفِهِ (وَلَا تَخْرُجِي) مِنْ الدَّارِ (إلَّا بِإِذْنِي) ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِيهِ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا، وَلَمْ تَعْلَمْ بِإِذْنِهِ، وَخَرَجَتْ فَيَحْنَثُ وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى إلَّا بِإِذْنِي إلَّا بِسَبَبِ إذْنِي وَقَدْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا إذَا أَذِنْت وَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِهِ فَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ لِوُجُودِ إذْنِهِ قَبْلَ خُرُوجِهَا، وَفِي قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي حَذَفَ نُونَ الرَّفْعِ لِغَيْرِ جَازِمٍ وَلَا نَاصِبٍ عَلَى لُغَةٍ شَاذَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ جَوَابَ قَسَمٍ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ خَبَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) لَا يَبَرُّ (بِعَدَمِ) أَيْ تَرْكِ (عِلْمِهِ) أَيْ إعْلَامِ الْحَالِفِ الْمَحْلُوفَ لَهُ بِالْأَمْرِ (فِي)

ص: 69

لَأُعْلِمَنَّهُ، وَإِنْ بِرَسُولٍ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ: تَأْوِيلَانِ. أَوْ عَلِمَ وَالٍ ثَانٍ فِي حَلِفه لِأَوَّلَ فِي نَظَرٍ، وَبِمَرْهُونٍ فِي لَا ثَوْبَ لِي

ــ

[منح الجليل]

حَلِفِهِ (لَأُعْلِمَنَّهُ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَحْلُوفِ لَهُ بِكَذَا، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِهِ بَرَّ إنْ أَعْلَمَهُ بِنَفْسِهِ بَلْ (وَإِنْ رَسُولٌ) مِنْ الْحَالِفِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَفْهُومِ وَبَرُّهُ بِالْكِتَابِ أَحْرَى (وَهَلْ) يَحْنَثُ بِتَرْكِ إعْلَامِهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يُعْلِمَ) الْحَالِفَ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهُ (عَلِمَ) بِالْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ لِتَنْزِيلِ عِلْمِ الْحَالِفِ بِعِلْمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ إعْلَامِهِ هُوَ أَوْ يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَلِمَ بِعِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَالثَّانِي لِأَبِي عِمْرَانَ.

(أَوْ) تَرْكُ (عِلْمِ) أَيْ إعْلَامِ (وَالٍ) أَيْ مُتَوَلٍّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ (ثَانٍ) عَقِبَ عَزْلِ أَوْ مَوْتِ وَالٍ أَوَّلٍ (فِي) حَلِفِهِ طَائِعًا (لِ) وَالٍ (أَوَّلٍ) لَيُعْلِمَنَّهُ بِكَذَا إنْ عَلِمَهُ فَعُزِلَ الْأَوَّلُ أَوْ مَاتَ وَعَلِمَ الْحَالِفُ بِالْأَمْرِ فَلَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْوَالِي الثَّانِي الَّذِي تَوَلَّى فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ إذَا كَانَ حَلِفُهُ (فِي نَظَرٍ) أَيْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ خَاصَّةً بِالْوَالِي الْأَوَّلِ بَرَّ بِإِعْلَامِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ وَلَوْ بِرَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ، وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعْلَامُ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ قَالَهُ أَشْهَبُ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) مِلْكِ ثَوْبٍ (مَرْهُونٍ) فِي حَقٍّ (فِي) حَلِفِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ إعَارَةَ ثَوْبٍ (لَا ثَوْبٍ لِي) ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ. وَذَكَرَ الْحَطّ أَنَّ الرِّوَايَاتِ وَالْأَجْوِبَةَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ نَقَلَ تَحْصِيلَهَا عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ وَنَصُّهُ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى نِيَّةً أَنَّهُ لَا ثَوْبَ لِي أَقْدِرُ عَلَى إعَارَتِهِ مَثَلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَرْهُونِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَوْ كَانَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى فَكِّهِ لِعُسْرِهِ أَوْ كَوْنِ الدَّيْنِ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَقَدَرَ عَلَى فَكِّهِ فَقَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةُ التَّهْذِيبِ حِنْثُهُ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا.

ص: 70

وَبِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي لَا أَعَارَهُ، وَبِالْعَكْسِ، وَنُوِّيَ، إلَّا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ

وَبِبَقَاءٍ وَلَوْ لَيْلًا فِي لَا سَكَنْت،

ــ

[منح الجليل]

وَ) حَنِثَ (بِالْهِبَةِ) لِغَيْرِ ثَوَابٍ (وَالصَّدَقَةِ) وَالنِّحْلَةِ وَالْإِعْمَارِ وَالْإِسْكَانِ وَالتَّحْبِيسِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَعَارَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ شَيْئًا (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ فِي حَلِفِهِ لَا وَهَبَهُ شَيْئًا أَوْ لَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ، لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى حِنْثُهُ بِالصَّدَقَةِ فِي حَلِفِهِ لَا وَهَبَهُ وَبِالْعَكْسِ (وَنُوِّيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ قُبِلَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ ثَوْبًا غَيْرَ الْمَرْهُونِ مُطْلَقًا، وَنِيَّةُ خُصُوصِ الْإِعَارَةِ فِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِهَا ثُمَّ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ إلَّا لِرَفْعٍ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فِي إطْلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ (إلَّا فِي صَدَقَةٍ) تَصَدَّقَ بِهَا الْحَالِفُ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِوَضًا (عَنْ هِبَةٍ) حَلَفَ لَا وَهَبَهَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى خُصُوصَ الْهِبَةِ تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَأَعَارَ وَادَّعَى نِيَّةَ خُصُوصِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ وَادَّعَى نِيَّةَ الصَّدَقَةِ خَاصَّةً فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَخِيرَةَ بِكَوْنِهِ لَهُ اعْتِصَارُ الْهِبَةِ.

(وَ) حَنِثَ (بِبَقَاءٍ) فِي الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا بَعْدَ يَمِينِهِ مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى مَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ فِيهِ نَهَارًا بَلْ (وَلَوْ لَيْلًا فِي) حَلِفِهِ (لَا سَكَنْت) هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ بَقِيَ بِهَا وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ لِعَدَمِ مَنْ يَنْقُلُ لَهُ مَتَاعَهُ أَوْ خَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ سَارِقٍ وَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَهُوَ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ لِكَثْرَتِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ نَقْلِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَادَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ

ص: 71

لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ، وَلَا بِخَزْنٍ، وَانْتَقَلَ فِي لَا سَاكَنَهُ

ــ

[منح الجليل]

كَالْمَقْصُودِ بِالْيَمِينِ وَلَيْسَ غُلُوُّ الْكِرَاءِ وَعَدَمُ مُنَاسَبَةِ الْمَسْكَنِ لِحَالِهِ عُذْرًا فَيَنْتَقِلُ وَلَوْ لِبَيْتِ شَعْرٍ، وَإِذَا انْتَقَلَ مِنْهَا فَلَا يَعُودُ لَهَا أَبَدًا لِعُمُومِ يَمِينِهِ السُّكْنَى فِيهَا أَبَدًا بِخِلَافِ حَلِفِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ. وَنُدِبَ كَمَا لَهُ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقِيمَ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَيْهِمَا.

(لَا) يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَ الْيَمِينِ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَنْتَقِلَنَّ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَيُؤْمَرُ بِالِانْتِقَالِ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ فَلَا يَطَأُ الْمَحْلُوفَ بِطَلَاقِهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ حَنِثَ بِمُضِيِّهِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ وَهُوَ عَلَى بِرٍّ إلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ فِي حَمْلِ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْنَثُ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَحْنَثُ بِهِ قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ حَكَى الصَّرْصَرِيُّ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ إنْ بَقِيت فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَا بَقِيتُ أَوْ مَا نَبْقَى هَلْ يُرَدُّ إلَى لَأَنْتَقِلَنَّ فَلَا يَحْنَثُ إذَا رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَالُصُوتِيُّ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْقَصَّارُ أَوْ يُرَدُّ إلَى لَا سَكَنْت فَيَحْنَثُ مَتَى رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْقَارِي قَالَ: لِأَنَّ تَفْسِيرَ النَّفْيِ بِالنَّفْيِ أَوْلَى. اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ السُّكْنَى فِي دَارٍ (بِخَزْنٍ) فِيهَا إذْ لَا يُعَدُّ سُكْنَى إذَا انْفَرَدَ وَإِنَّمَا عَدَّ ابْنُ الْقَاسِمِ بَقَاءَ الْمَتَاعِ سُكْنَى إذَا كَانَ تَبَعًا لِسُكْنَى الْأَهْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحِنْثُ بِالْخَزْنِ وَاسْتَظْهَرَ فِي التَّوْضِيحِ خِلَافَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا مَطَامِيرَ فَهَلْ يَنْقُلُ مَا فِيهَا نَظَرَ فِيهِ التُّونُسِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي إنْ كَانَتْ الْمَطَامِيرُ لَا تَدْخُلُ فِي كِرَاءِ الدَّارِ إلَّا بِشَرْطٍ وَاكْتَرَاهَا وَحْدَهَا لِخَزْنِ الطَّعَامِ فَلَا تَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ وَلَهُ إبْقَاءُ مَا فِيهَا سَوَاءٌ اكْتَرَاهَا قَبْلَ اكْتِرَاءِ الدَّارِ أَوْ بَعْدَهُ، إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ الْخَزْنُ بِهَا إلَّا وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ فَيَنْبَغِي نَقْلُ مَا فِيهَا. وَفِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ خَزَنَ فِيهَا فَلَا يَحْنَثُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مَخْزُونٌ وَأَبْقَاهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ

(وَانْتَقَلَ) الْحَالِفُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا سَاكَنَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِدَارٍ أَوْ

ص: 72

عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ، أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا، وَلَوْ جَرِيدًا بِهَذِهِ الدَّارِ،

ــ

[منح الجليل]

حَارَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَيَبَرَّ بِانْتِقَالِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا (عَمَّا) أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي (كَانَا) أَيْ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ سَاكِنَيْنِ (عَلَيْهِ) انْتِقَالًا يَزُولُ مَعَهُ اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ سَاحَةً هُمَا بِهَا أَوْ هِيَ بَيْتٌ هُمَا بِهِ أَوْ ذَاتُ بُيُوتٍ كُلٌّ بِبَيْتٍ، وَانْتَقَلَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لِحَارَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُسَاكِنُهُ أَوْ بِهَذِهِ الْحَارَةِ، وَأَمَّا لَا أُسَاكِنُهُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ بِبَلْدَةٍ فَيَنْتَقِلُ لِأُخْرَى عَلَى فَرْسَخٍ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ إنْ صَغُرَتْ.

فَإِنْ كَبُرَتْ كَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِرُّهُ عَلَى انْتِقَالِهِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْكِ مُقَارَبَتِهِ وَسُكْنَاهُ مَعَهُ، هَذَا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا أُسَاكِنُهُ بِدَارٍ أَوْ حَارَةٍ أَوْ حَارَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ لَا أُسَاكِنُهُ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ بِبَلْدَةٍ فَالظَّاهِرُ انْتِقَالُهُ لِأُخْرَى عَلَى فَرْسَخٍ، وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ وَكُلٌّ بِقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَمَعْنَى انْتِقَالِهِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا بِسَاطَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَعَهُ فِي مَسْقًى أَوْ مُحْتَطَبٍ أَوْ مَسْرَحٍ بَلْ يَتَبَاعَدَ عَنْهُ، فَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلْدَتَانِ وَحَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ فَلَا يَقْرَبُ مِنْهُ عُرْفًا.

وَلَمَّا شَمِلَ كَلَامُهُ مَنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ أَوْ دَارٍ وَأَفَادَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مُخْرِجٌ مِنْ الْحِنْثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَانَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ فِي الدَّارِ وَجْهٌ آخَرُ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ ضَرْبًا) أَيْ وَضَعَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا (جِدَارًا) أَيْ شَرَعَا فِي بِنَائِهِ بِأَثَرِ الْيَمِينِ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَضْرِبَ فَقَدْ يَكُونُ ضَرْبُهُ أَسْرَعَ مِنْ الِانْتِقَالِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَثِيقًا بِطُوبٍ أَوْ بِحَجَرٍ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْجِدَارُ (جَرِيدًا) فِي حَلِفِهِ لَا أُسَاكِنُهُ بِدُونِ تَعْيِينِ الدَّارِ بَلْ، وَلَوْ عَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ لَا أُسَاكِنُهُ (بِهَذِهِ الدَّارِ) ابْنُ غَازِيٍّ عَطَفَهُ بِأَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ فِي دَارٍ فَالْحَالِفُ مُخَيَّرٌ فِي الِانْتِقَالِ وَضَرْبِ الْجِدَارِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَأَمَّا مَالِكٌ " رضي الله عنه " فَكَرِهَ الْجِدَارَ فِيهَا.

وَأَشَارَ بِلَوْ لِخِلَافَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْحَاجِزِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَثِيقًا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ جَرِيدٍ وَشِبْهِهِ. وَالثَّانِي الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْحَاجِزِ إذَا عَيَّنَ الدَّارَ فَقَالَ بِهَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا الْجِدَارُ فَبِالْجَرِيدِ فَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ الْمُدَوَّنَةَ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ.

ص: 73

وَبِالزِّيَادَةِ إنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ، لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ، إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا، وَمَبِيتٍ بِلَا مَرَضٍ

ــ

[منح الجليل]

وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ قَوْلِهَا سَمَّاهَا أَمْ لَا إجْزَاءُ الْحَاجِزِ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ لَوْ عَيَّنَ الدَّارَ وَلَمْ يَبَرَّ بِالْجِدَارِ وَقَدْ سَبَقَهُمَا لِهَذَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَزَادَ إذْ الْمُسَاكَنَةُ يُزِيلُهَا الْجِدَارُ خِلَافُ السُّكْنَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَشَرْطُ كِفَايَةِ ضَرْبِ الْجِدَارِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَحَلٍّ مَرْفِقٌ وَمَدْخَلٌ عَلَى حِدَةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ فَإِنْ كَانَ لِكَرَاهَةِ جِوَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِقَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَوْلَانِ وَجَمِيعُ مَا مَرَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْعَمُودِ، وَأَمَّا هُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ نَقْلَةً بَيِّنَةً حَتَّى يَنْقَطِعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ خُلْطَةِ الْعِيَالِ وَالصَّبِيَّانِ وَلَا يَنَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْعَارِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَصِيغَةُ الْيَمِينِ لَا يُجَاوِرُهُ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ عَنْهُ، وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا أُسَاكِنُهُ بِسَفَرِهِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّنَحِّيَ. وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُمَا إنْ كَانَا بِمَحَلٍّ وَفَوْقَهُ مَحَلٌّ فَانْتَقَلَ أَحَدُهُمَا إلَيْهِ كَفَى قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ هَذَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَجْلِ الْمَاعُونِ، فَإِنْ كَانَ الْعَدَاوَةُ فَلَا يَكْفِي.

(وَ) حَنِثَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ (وَبِالزِّيَارَةِ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (إنْ قَصَدَ) الْحَالِفُ بِلَا أُسَاكِنُهُ (التَّنَحِّيَ) أَيْ الْبُعْدَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا مُوَاصَلَةٌ وَقُرْبٌ (لَا) إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّنَحِّيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ بِأَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ (لِدُخُولِ) شَيْءٍ بَيْنَ (عِيَالٍ) أَيْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ لَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ بِهَا.

وَكَذَا إنْ كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ بِشَرْطَيْنِ أَفَادَهُمَا بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا) أَيْ الزَّائِرُ مِنْهُمَا الزِّيَارَةُ (نَهَارًا وَمَبِيتٍ) عَطْفٌ عَلَى يُكْثِرْ فَهُوَ مَجْزُومٌ وَمَنْفِيٌّ (بِلَا مَرَضٍ) فَمَنْطُوقُهُ صُورَتَانِ وَهُمَا انْتِفَاءُ إكْثَارِهَا نَهَارًا مَعَ انْتِفَاءِ الْبَيَاتِ وَمَعَ الْبَيَاتِ بِمَرَضٍ وَلَا حِنْثَ فِيهِمَا. وَمَفْهُومُهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ إكْثَارُهَا نَهَارًا وَلَمْ يَبِتْ أَوْ بَاتَ لِمَرَضٍ أَوْ بَاتَ بِلَا مَرَضٍ وَعَدَمُ إكْثَارِهَا مَعَ الْبَيَاتِ بِلَا مَرَضٍ فَيَحْنَثُ فِيهَا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابَا: الثَّابِتُ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ مَبِيتٍ بِأَوْ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ

ص: 74

وَسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لَأُسَافِرَنَّ وَمَكَثَ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ، كَأَنْتَقِلَنَّ

ــ

[منح الجليل]

لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الطُّولِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الزَّائِرُ فِي مَعْنَى السَّاكِنِ عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّ الطُّولَ أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ بِالنَّهَارِ أَوْ يَبِيتَ فِي غَيْرِ مَرَضٍ إلَّا أَنْ يَشْخَصَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ عَلَى غَيْرِ مَرَضٍ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ مَرَضٍ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَأَوْ هُنَا لِكَوْنِهَا وَاقِعَةً بَعْدَ نَفْيٍ تُفِيدُ نَفْيَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَمَا فِي الرِّضَى وَالْمَغْنَى.

فَإِذَا قُلْت لَمْ يَجِئْ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو فَالْمَعْنَى لَمْ يَجِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَمَنْطُوقُ الْمَتْنِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ نَفْيُهُمَا مَعًا وَهِيَ صُورَةُ عَدَمِ الْحِنْثِ، وَمَفْهُومُهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ وَثُبُوتُ أَحَدِهِمَا وَهِيَ صُوَرِ الْحِنْثِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ عج مُقْتَضَى كَوْنِ الْيَمِينِ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالزِّيَارَةِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا نَهَارًا وَبَاتَ بِلَا مَرَضٍ. عب لِعِلَّةِ أَنَّ إكْثَارَهَا نَهَارًا وَبَيَاتَهُ بِلَا مَرَضٍ وَسِيلَةٌ لِمَجِيءِ أَوْلَادِهِ فَيَقَعُ بَيْنَ الْعِيَالِ مَا حَلَفَ لِزَوَالِهِ.

(وَسَافَرَ) الْحَالِفُ (الْقَصْرَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الصَّادِ أَيْ الْمَسَافَةَ الَّتِي تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهَا شَرْعًا وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ لِيَبَرَّ (فِي) حَلِفِهِ (لَأُسَافِرَنَّ) وَبَرَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الصَّلَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ قَصْدِهَا دَفْعَةً أَوْ لِعِصْيَانِهِ بِهِ مَثَلًا (وَمَكَثَ) أَيْ لَا يَرْجِعُ الْحَالِفُ بَعْدَ سَفَرِهِ الْقَصْرَ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ (نِصْفُ شَهْرٍ) سَوَاءٌ أَقَامَ فِي بَلَدٍ خَارِجٍ عَنْ أَرْبَعَةِ الْبُرُدِ أَوْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا مِنْ بَلَدٍ لِبَلَدٍ خَارِجَهَا حَتَّى أَتَمَّ نِصْفَ شَهْرٍ.

(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (كَمَالُهُ) أَيْ الشُّهُورِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا وَشَبَّهَ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ نِصْفَ شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ فَقَالَ (كَ) الْحَالِفِ لَ (أَنْتَقِلَنَّ) مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً أَوْ بِسَاطًا، وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْحَارَةِ كَذَلِكَ فَيَكْفِيهِ الِانْتِقَالُ لِأُخْرَى وَمُكْثُهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَنُدِبَ كَمَالُهُ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا إذَا قَصَدَ إرْهَابَ جَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ مُجَاوَرَتَهُ فَلَا يُسَاكِنُهُ أَبَدًا، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْمِنَّةِ

ص: 75

وَلَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ لَا بِكَمِسْمَارٍ، وَهَلْ إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ؟

ــ

[منح الجليل]

أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ حَنِثَ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْحَطّ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ.

وَبَالَغَ عَلَى الْحِنْثِ بِالْبَقَاءِ فِي لَا سَكَنْت وَعَدَمِ الْبِرِّ بِعَدَمِ الِانْتِقَالِ فِي لَأَنْتَقِلَنَّ فَقَالَ (وَلَوْ) كَانَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ لَا سَكَنْت أَوْ عَدَمِ انْتِقَالِهِ بَعْدَ حَلِفِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ (بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ) أَيْ مَتَاعِ الْحَلِفِ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ طَلَبِهِ لَوْ تَرَكَهُ، وَالْحِنْثُ فِي الْأُولَى بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَقْلِهِ فَسَادٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادٌ كَثَمَرِ شَجَرٍ بِدَارٍ لَمْ يَطِبْ فَلَا يَحْنَثُ بِإِبْقَائِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَحْلًا حَقِيقَةً وَأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ لِقَطْعِ مَنِّهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِيرَانِهِ مِنْ مَشَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَأَنْ يُبْقِيَهُ بِمَحَلِّ السُّكْنَى أَوْ مُلْحَقٍ بِهِ مِمَّا دَخَلَ فِي عَقْدِ إجَارَتِهِ بِلَا شَرْطٍ، وَأَمَّا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِشَرْطٍ كَالْمَطَامِيرِ فَلَا يَحْنَثُ بِإِبْقَائِهِ مَا خَزَنَ بِهَا قَالَهُ التُّونُسِيُّ، وَمِثْلُ الْمَطَامِيرِ الصَّهَارِيجُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَإِنْ أَبْقَى رَحْلَهُ فِي الْمَطَامِيرِ أَوْ الصَّهَارِيجِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ أَكْرَاهَا مُنْفَرِدَةً عَنْ مَحَلِّ سَكَنِهِ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً حَالَ انْتِقَالِهِ عَنْهَا.

وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ أَوْصَى عَنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ فَانْتَقَلَ وَتَرَكَ مِنْ السَّقْطِ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ رَافِضًا لَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ، وَاخْتُلِفَ إنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ نَاسِيًا، وَأَمَّا إنْ تَرَكَهُ عَلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الَّذِي قَالَ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ مَتَاعِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ. اهـ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ بِالتَّفْصِيلِ وَمُقَابِلُهَا طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ السَّقْطِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ (لَا) يَحْنَثُ (بِ) إبْقَاءِ شَيْءٍ تَافِهٍ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ طَلَبِهِ لَوْ تَرَكَهُ (كَمِسْمَارٍ) وَوَتِدٍ وَخَشَبَةٍ إهْمَالًا أَوْ نِسْيَانًا (وَهَلْ) عَدَمُ حِنْثِهِ.

(إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ أَيْ كَالْمِسْمَارِ، فَإِنْ نَوَى عَوْدَهُ لَهُ حَنِثَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، أَوْ عَدَمُ حِنْثِهِ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ نَوَى عَوْدَهُ لَهُ أَوْ عَدَمَهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ يُونُسَ

ص: 76

تَرَدُّدٌ

وَبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ، أَوْ عَيْبِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ،

ــ

[منح الجليل]

تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَوْرَدَ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْتَضِي حِنْثَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بِأَنَّهُ نَسِيَهُ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَدَمُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، فَلَوْ قَالَ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَوْدَهُ لَهُ تَرَدُّدٌ كَانَ أَوْلَى فَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ فَإِنْ نَوَى عَدَمَهُ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا اهـ عب.

الْبُنَانِيُّ: التَّرَدُّدُ هُنَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ السَّقْطِ مِثْلَ الْوَتِدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. هَلْ يُفِيدُ بِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ إنْ نَوَى عَوْدَهُ إلَيْهِ حَنِثَ أَوْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ دُونَ التَّأْوِيلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَاسْتَحَقَّ الْمُقْتَضَى كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ يَدِهِ أَوْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ حَنِثَ (بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ وَأَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعِهِ وَلَوْ وَفِي الْبَعْضِ الْبَاقِي بِالدَّيْنِ (أَوْ) ظُهُورِ (عَيْبِهِ) الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لِرَدِّهِ وَقَامَ الْمَحْلُوفُ لَهُ بِحَقِّهِ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَصِلَةُ اسْتِحْقَاقٍ (بَعْدَ) مُضِيِّ (الْأَجَلِ) الْمَحْلُوفِ عَلَى الدَّفْعِ فِيهِ فَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُشْكِلُ التَّوْضِيحِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يُمَاطِلَ وَقَدْ فَعَلَ اللَّخْمِيُّ، الْحِنْثَ عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ، وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يَمُدَّ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الرَّدَّ أَوْ لَمْ يَقُمْ الْمَحْلُوفُ لَهُ بِحَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ.

وَالْقَيْدُ الثَّانِي يَجْرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَلَا يُنَافِيهِ حِنْثُهُ مَعَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ وَقَدْ يُقَالُ: يَحْنَثُ بِالْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ وَسَيَأْتِي حِنْثُهُ بِهَا، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ نَقْصُ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ فِيمَا يَتَعَامَلُ بِهِ وَزْنًا وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الْمَحْلُوفُ لَهُ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَهُ وَأَجَازَ فَلَا حِنْثَ أَوْ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَإِلَّا حَنِثَ.

ص: 77

وَبَيْعٍ فَاسِدٍ فَاتَ قَبْلَهُ، إنْ لَمْ تَفِ، كَأَنْ لَمْ يَفُتْ، عَلَى الْمُخْتَارِ.

ــ

[منح الجليل]

(وَ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا (بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ بَاعَهُ لَهُ وَقَاصَمَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ وَ (فَاتَ) الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ (قَبْلَهُ) أَيْ الْأَجَلِ الْمَحْلُوفِ إلَيْهِ، وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ بَقِيَّةَ حَقِّهِ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ فَإِنْ أَكْمَلَ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ وَقْتَ الْقِيمَةِ بِالدَّيْنِ فَلَا حِنْثَ فَقَوْلُهُ (إنْ لَمْ تَفِ) يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ وَضَبْطُهُ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ أَيْ الْبَائِعُ، وَالْمُرَادُ بِالْحِنْثِ عَدَمُ الْبِرِّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ فَاتَ وَقِيمَتُهُ كَالدَّيْنِ بَرَّ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ إنْ فَاتَ وَهِيَ أَقَلُّ وَوَفَاءُ تَمَامِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ بَرَّ، وَخَرَجَ بِالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَيَبَرُّ بِهِ مُطْلَقًا لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ فَكَلَامُهُ فِيمَا يَمْضِي بِالْقِيمَةِ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْبِرِّ إنْ لَمْ تَفِ وَالْبِرُّ إنْ وَقَّتَ فَقَالَ (كَأَنْ لَمْ يَفُتْ) الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَفَاتَ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ وَفَّتْ بَرَّ (عَلَى الْمُخْتَارِ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ فَالْحِنْثُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ سَحْنُونًا قَالَ بِالْحِنْثِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ بِعَدَمِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ بِالثَّانِي إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حَصَلَ بِيَدِهِ عِوَضُ حَقِّهِ، فَاخْتِيَارُهُ مِنْ نَفْسِهِ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَفْصِيلَهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُخْتَارًا مِنْ خِلَافٍ. اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَاتَ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارَ فِيمَا إذَا لَمْ يَفُتْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فَاتَ بَعْدَهُ أَوْ لَا.

وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءً نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ. وَقَدْ شَرَحَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَاشِرٍ مَفْهُومُ قَبْلِهِ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ لَمْ يَفُتْ لِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ أَصْلًا وَمَا فَاتَ بَعْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ فَوْتِهِ وَبَقَائِهِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ.

ص: 78

وَبِهِبَتِهِ لَهُ، أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ عَنْهُ، وَإِنْ مِنْ مَالِهِ، أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِالْقَضَاءِ إلَّا بِدَفْعِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ

ــ

[منح الجليل]

(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا (بِهِبَتِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (لَهُ) أَيْ الْمَدِينِ وَقَبِلَهُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ وَسُقُوطِ الْحَقِّ عَنْهُ فَتَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَبَرُّ بِدَفْعِهِ لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ الْأَجَلِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَوَفَّاهُ فِي الْأَجَلِ وَإِلَّا فَلَا أَفَادَهُ عب. وَفِي التَّوْضِيحِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ قَبُولِ الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ أَوْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ قَضَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بَرَّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - اهـ.

الْحَطّ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَفِي كَبِيرِ تت عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَالصَّوَابُ حَمْلُ الْمَتْنِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِدَفْعِهِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رُجُوعِهِ لِهَذِهِ أَيْضًا أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ.

(أَوْ دَفَعَ قَرِيبٌ) لِلْحَالِفِ غَيْرُ وَكِيلِ قَضَاءٍ وَتَفْوِيضٍ أَوْ سُلْطَانٍ الدَّيْنَ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ نِيَابَةً (عَنْهُ) أَيْ الْحَالِفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (مِنْ مَالِهِ) أَيْ الْحَالِفِ فَلَا يَبَرُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِدَفْعِهِ عَنْهُ وَيَرْضَى بِهِ فَيَبَرُّ بِهِ سَوَاءٌ دَفَعَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ، كَدَفْعِ قَرِيبِهِ وَهُوَ وَكِيلُ قَضَاءٍ أَوْ تَفْوِيضٍ كَوَكِيلِ تَقَاضٍ دَيْنًا أَوْ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ قَالَهُ الْمَوَّاقُ، وَيَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَرْضَى وَلَا يَبَرُّ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيَرْضَى قَبْلَهُ (أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ) لَهُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ (بِالْقَضَاءِ) وَلَوْ زُكِّيَتْ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهَا أَوْ تَذَكَّرَ الطَّالِبُ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (إلَّا بِدَفْعِهِ) أَيْ الْحَالِفِ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ عِلْمِهِ بِدَفْعِ غَيْرِهِ عَنْهُ رِضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ.

وَقَوْلُهُ (ثُمَّ أَخَذَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَدْفُوعَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَرُدَّ الْهِبَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحُكْمِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ إلَّا بِهِ، وَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ دُونَ الْبِسَاطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ عج، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُهُ فِيمَا هُنَا بِخُصُوصِهِ وَلَا غَرَابَةَ فِي بِنَاءٍ مَشْهُورٍ

ص: 79

لَا إنْ جُنَّ، وَدَفَعَ الْحَاكِمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَقَوْلَانِ.

وَبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ، فِي لَأَقْضِيَنَّك غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ. لَا إنْ قَضَى قَبْلَهُ،

ــ

[منح الجليل]

عَلَى ضَعِيفٍ. وَمِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَى وَفَائِهِ عِوَضَ عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ أَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ وَرَدَّهُ فَلَا يَبَرُّ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. ابْنُ عَاشِرٍ أَيْ إنْ قَبِلَ الْمَحْلُوفُ لَهُ قَبْضَ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَيَقَعُ الْحِنْثُ اهـ.

الْبُنَانِيُّ قُلْت لَهُ أَنْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي الْحَطّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ لَهُ حَاضِرًا فَالسُّلْطَانُ يُحْضِرُهُ وَيُجْبِرُهُ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ كَعَارِيَّةٍ غَابَ عَلَيْهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهِ بِرَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ.

(لَا إنْ جُنَّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشَدِّ النُّونِ الْحَالِفِ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ، أَوْ سَكِرَ بِحَلَالٍ كَذَا يَظْهَرُ فِي الْجَمِيعِ وَانْظُرْ الْفَقْدَ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (دَفَعَ الْحَاكِمُ) الْحَقَّ عَنْهُ لِرَبِّهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَحْنَثُ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لِمَنْ جُنَّ، وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ بِدَفْعِ الْحَاكِمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ.

(وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ) الْحَاكِمُ الْحَقَّ عَنْ الْمَجْنُونِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَدَفَعَهُ بَعْدَهُ (فَقَوْلَانِ) بِالْحِنْثِ وَعَدَمِهِ لِأَصْبَغَ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، أَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ وَالْحَالِفُ وَارِثُهُ اُسْتُحْسِنَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ فَيَقْضِيَهُ ثُمَّ يَرُدَّ لَهُ وَعَنْهُ الْوِرَاثَةُ كَالْقَضَاءِ.

(وَ) حَنِثَ (بِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي) حَلِفِهِ (لَأَقْضِيَنَّكَ) حَقَّك (غَدًا) يَوْمَ الْجُمُعَةِ (وَ) الْحَالُ (لَيْسَ هُوَ) أَيْ الْغَدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِلَفْظِ غَدٍ لَا بِتَسْمِيَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدًا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَوَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمُنَافَاةِ نِيَّتِهِ لِقَوْلِهِ غَدًا (لَا) يَحْنَثُ (إنْ قَضَى قَبْلَهُ) أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الْقَضَاءِ فِيهِ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ إلَّا لِقَصْدِ

ص: 80

بِخِلَافِ لَآكُلَنَّهُ، وَلَا إنْ بَاعَهُ بِهِ عَرَضًا

وَبَرّ إنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ، أَوْ مُفَوَّضٍ،

ــ

[منح الجليل]

مَطْلِهِ بِالتَّأْخِيرِ لَهُ إلَى غَدٍ مَثَلًا فَيَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْمَطْلِ وَالْحِنْثِ.

(بِخِلَافِ) حَلِفِهِ عَلَى طَعَامٍ (لَآكُلَنَّهُ) غَدًا فَأَكَلَهُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَوْمُ وَالْقَصْدُ فِي الْقَضَاءِ عَدَمُ الْمَطْلِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ مَرِيضًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ قَبْلَ غَدٍ الْمَحْلُوفِ أَنْ يَأْكُلَهُ فِيهِ لَدَلَالَةِ بِسَاطِ يَمِينِهِ عَلَى قَصْدِ عَدَمِ تَأْخِيرِهِ، فَتَقْدِيمُ أَكْلِهِ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَزِيَادَةٌ.

(وَلَا) يَحْنَثُ (إنْ بَاعَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ لَهُ (بِهِ) أَيْ الدَّيْنَ الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ فِي أَجَلِ كَذَا (عَرَضًا) وَهُوَ عَيْنٌ وَقَصَدَ بِحَلِفِهِ مُطْلَقَ التَّوْفِيَةِ لَا دَفْعَ خُصُوصِ الْعَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ قَدْرَ الْعَيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَبَرَّ وَلَوْ بَاعَهُ لَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ جَازَ الْغَبْنُ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ فَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عَيْنًا فَلَا يَبَرُّ بِبَيْعِهِ بِهَا عَرَضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مُطْلَقَ الْقَضَاءِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ أَوْ دَرَاهِمَهُ وَفِي كُلٍّ، إمَّا أَنْ يَقْصِدَهُ مُطْلَقَ الْوَفَاءِ أَوْ عَيْنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ، فَإِنْ قَصَدَ مُطْلَقَ الْوَفَاءِ بَرَّ بِبَيْعِ الْعَرَضِ الَّذِي نَفَى قِيمَتَهُ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِالْحَقِّ أَوْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ نَوَى دَفْعَ الْعَيْنِ لَمْ يَبَرَّ بِهِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بَرَّ بِهِ إنْ كَانَ عَبَّرَ بِالْحَقِّ لَا بِالدَّرَاهِمِ أَفَادَهُ عب. وَقَالَ اللَّقَانِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِي بِرِّهِ مُسَاوَاةُ قِيمَةِ الْعَرَضِ الدَّيْنَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَتَقْيِيدُ تت لَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَنَقَلَهُ الْعَدَوِيُّ وَأَقَرَّهُ.

(وَبَرَّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءُ مُشَدَّدَةٌ الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ عِنْدَ أَجَلِ كَذَا (إنْ غَابَ) الْمَحْلُوفُ لَهُ أَوْ تَغَيَّبَ وَاجْتَهَدَ الْحَالِفُ فِي طَلَبِهِ لِيَقْضِيَهُ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَيَبَرُّ (بِقَضَاءِ) أَيْ دَفْعِ الْحَقِّ لِ (وَكِيلِ) الْمَحْلُوفِ لَهُ عَلَى (تَقَاضٍ) أَيْ قَبْضٍ لِدَيْنٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ (أَوْ) قَضَاءِ وَكِيلٍ (مُفَوَّضٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ أَيْ تَفْوِيضٌ مِنْ الْمَحْلُوفِ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ فَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ كَمَفْتُونٍ فِي قَوْله تَعَالَى {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] ،

ص: 81

وَهَلْ ثُمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ أَوْ إنْ عُدِمَ الْحَاكِمُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ: تَأْوِيلَانِ. وَبَرِئَ فِي الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ، وَإِلَّا بَرَّ كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ

ــ

[منح الجليل]

أَيْ الْفِتْنَةُ لَا اسْمُ مَفْعُولٍ لِإِضَافَةِ وَكِيلٍ إلَيْهِ لِعَطْفِهِ عَلَى تَقَاضٍ، نَعَمْ إنْ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَكَذَا إنْ عُطِفَ عَلَى وَكِيلٍ وَجُعِلَ مِنْ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ صِفَتِهِ مَقَامَهُ وَالْأَصْلُ أَوْ وَكِيلٌ مُفَوَّضٌ.

(وَهَلْ ثَمَّ) عِنْدَ عَدَمِ وَكِيلِ التَّقَاضِي وَالْوَكِيلِ الْمُفَوَّضِ يَبَرُّ بِقَضَاءِ (وَكِيلِ ضَيْعَةٍ) أَيْ عَقَارٍ أَوْ نَفَقَةٍ لِلْعِيَالِ مِنْ لَحْمٍ وَخُضَارٍ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ وُجِدَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لَمْ يُوجَدْ (أَوْ) مَحَلُّ بِرِّهِ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ (إنْ عُدِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ لَمْ يُوجَدْ (الْحَاكِمُ) الشَّرْعِيُّ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا يَبَرُّ بِقَضَاءِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الْحَاكِمِ (الْأَكْثَرُ) مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ لُبَابَةَ فَهُمَا هَلْ الْحَاكِمُ وَوَكِيلُ الضَّيْعَةِ سَوَاءٌ فِي بِرِّ الْحَالِفِ بِالدَّفْعِ لِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ الْحَاكِمِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَكِيلِ الضَّيْعَةِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ لُبَابَةَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ. ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا بَرَّ بِدَفْعِهِ لِلسُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَضُ دَيْنٌ غَائِبٌ إلَّا الْمَفْقُودُ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلْحَالِفِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَبِرِّهِ فِي يَمِينِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْبِرُّ مِنْ الْيَمِينِ حَاصِلًا بِقَضَاءِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الدَّيْنِ حَاصِلَةٌ بِالْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ.

وَفِيهَا فِي الرَّابِعِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَبَرِئَ) الْحَالِفُ مِنْ الدَّيْنِ (فِي) دَفْعِهِ إلَى (الْحَاكِمِ) عِنْدَ عَدَمِ وَكِيلِ التَّقَاضِي وَوَكِيلِ التَّفْوِيضِ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ السُّلْطَانَ وَالْقَاضِيَ وَالْوَالِيَ (إنْ لَمْ يُحَقِّقْ) الْحَالِفُ (جَوْرَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ بِأَنْ عَلِمَ عَدْلَهُ أَوْ جَهِلَهُ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ عِنْدَ النَّاسِ، وَهَذَا عَلَى أَنْ يُحَقِّقَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَقَّقْ جَوْرُهُ أَوْ يُنْظَرْ لِشُهْرَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ حُقِّقَ جَوْرُهُ (بَرَّ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَبَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ لِوَكِيلِ الضَّيْعَةِ.

وَشَبَّهَ فِي الْبِرِّ دُونَ الْبَرَاءَةِ فَقَالَ (كَ) الدَّفْعِ لِ (جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) حَيْثُ لَا حَاكِمَ أَوْ جَارٍ

ص: 82

يُشْهِدُهُمْ، وَلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ، أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ:

ــ

[منح الجليل]

أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكِيلٌ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهُمْ عَلَى وَكِيلِ الضَّيْعَةِ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْحَاكِمِ (يُشْهِدُهُمْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ الْحَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إحْضَارِهِ الدَّيْنَ وَعَلَى عَدَدِهِ، وَوَزْنِهِ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ وَيُخْبِرُهُمْ بِاجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَعَدَمُ وُجُودِهِ لِسَفَرِهِ أَوْ تَغَيُّبِهِ وَيَدْفَعُهُ لِعَدْلٍ مِنْهُمْ أَوْ يُبْقِيهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَحْلُوفُ لَهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَطْلِهِ بِهِ إذَا حَضَرَ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَظَاهِرُهُ بِرُّهُ بِإِشْهَادِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ بِحَيْثُ يُخَافُ الْحِنْثُ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ. وَفِي ابْنِ بَشِيرٍ مَا يُقَيِّدُ اشْتِرَاطَهُ، وَأَرَادَ بِالْجَمَاعَةِ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدٍ إنْ كَانُوا عُدُولًا وَإِلَّا فَالْجَمْعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ جَمَاعَةً أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي وَاَلَّذِي فِي الْحَطّ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْحَقَّ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى يَدِهِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَقِّ وَكِيلٌ وَلَا سُلْطَانٌ، وَمِثْلُهُ فِي الشَّارِحِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَفْهُومِ.

(وَ) يُوسَعُ (لَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) مِنْ الشَّهْرِ التَّالِي لِلشَّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ (فِي) حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي (رَأْسِ) أَيْ أَوَّلِ (الشَّهْرِ) الْفُلَانِيِّ كَرَجَبٍ فَلَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي أَضَافَ الرَّأْسَ إلَيْهِ كَرَجَبٍ، وَالْأَوْلَى لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ لِسَبْقِ اللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لِسَبْقِ لَيْلَةِ الْهِلَالِ، وَلِإِبْهَامِ تَقْدِيمِ الْيَوْمِ أَنَّ لَهُ لَيْلَةً بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ) أَيْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ) الشَّهْرُ الْفُلَانِيُّ. عج وَكَذَا فِي رَأْسِ الْعَامِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ، وَمِثْلُ مَا إذَا كَرِهَ الْمُصَنِّفُ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ عِنْدَ انْسِلَاخِ رَمَضَانَ أَوْ إذَا انْسَلَخَ رَمَضَانُ فَلَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ شَوَّالٍ فِي الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الِانْسِلَاخُ لُغَةً: الْفَرَاغُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] .

(وَ) إنْ قَالَ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك (إلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ) أَيْ رَمَضَانَ أَوْ إلَى رُؤْيَةِ

ص: 83

شَعْبَانَ

وَبِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءً، أَوْ عِمَامَةً فِي لَا أَلْبَسُهُ، لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ، وَلَا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ،

ــ

[منح الجليل]

هِلَالَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ انْسِلَاخٍ عَقِبَ إلَى فَلَهُ (شَعْبَانَ) فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ تَحْتَمِلُ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ وَإِلَى ابْتِدَائِهِ، فَحُمِلَ عَلَى الثَّانِي احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ وَخَوْفًا مِنْ الْحِنْثِ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَلِعَدَمِ دُخُولِ الْمُغَيَّا بِإِلَى فِيمَا قَبْلَهُ، وَمِثْلُهُ إلَى اسْتِهْلَالِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ فَضَعِيفٌ فَإِنَّ مُفَادَ الشَّارِحِ وَالْأَقْفَهْسِيِّ أَنَّ لَهُ لَيْلَةً وَيَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي إدْخَالِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ، فَإِنَّ ذِكْرَ لَفْظِ انْسِلَاخِ عَقِبَ إلَى أَوْ اللَّامِ كَقَوْلِهِ إلَى انْسِلَاخِ رَمَضَانَ أَوْ لِانْسِلَاخِهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِفَرَاغِهِ قَالَهُ عب، وَنَصُّهَا: وَإِنْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِهِ فَإِذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ اهـ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ الْقَاسِمِ كَذَلِكَ كُلَّمَا ذَكَرَ فِيهِ إلَى فَهُوَ يَحْنَثُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَقَوْلِهِ إلَى الْهِلَالِ أَوْ إلَى مَجِيئِهِ أَوْ إلَى رُؤْيَتِهِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَى وَذَكَرَ اللَّامَ أَوْ عِنْدَ أَوْ إذَا فَلَهُ لَيْلَةَ يُهِلُّ الْهِلَالُ وَيَوْمَهَا كَقَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ لِدُخُولِهِ لِاسْتِهْلَالِهِ أَوْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، أَوْ إذْ اسْتَهَلَّ أَوْ إذَا دَخَلَ اهـ وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَلِذَا اعْتَرَضَ الْحَطّ وَمَنْ تَبِعَهُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ.

(وَ) حَنِثَ (بِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَا) بِفَتْحِ الْقَافِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا أَيْ مُفْرَجًا مِنْ أَمَامٍ (أَوْ عِمَامَةٍ) أَوْ سَرَاوِيلَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَلْبَسُهُ) أَيْ الثَّوْبَ وَلَبِسَهُ عَلَى حَالٍ مِنْهَا وَكَذَا إذَا أَدَارَهُ عَلَيْهِ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ جَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُرَادُهُ مُجَرَّدَ الْجَعْلِ بِلَا لُبْسٍ (لَا) يَحْنَثُ بِجَعْلِهِ قَبَا أَوْ عِمَامَةً (إنْ كَرِهَهُ) أَيْ الْحَالِفُ الثَّوْبَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ (لِضِيقِهِ) أَوْ لِسُوءِ صَنَعْته إذَا كَانَ الثَّوْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِمَّا يُلْبَسُ بِأَنْ كَانَ قَمِيصًا أَوْ قَبَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَا يُلْبَسُ بِوَجْهٍ بِأَنْ كَانَ شَقَّةً فَفَصَلَهَا وَلَبِسَهَا حَنِثَ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ أَنَّهُ كَرِهَ ضِيقَهَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ. (وَلَا) يَحْنَثُ إنْ (وَضَعَهُ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَلْبَسُهُ (عَلَى فَرْجِهِ) بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ لَمْ يَلُفَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَنِثَ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهَا وَلَوْ

ص: 84

وَبِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ، فِي لَا أَدْخُلُهُ إنْ لَمْ يُكْرَهْ ضِيقُهُ، وَبِقِيَامِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَبِمُكْتَرًى فِي لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ بَيْتًا، وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ

ــ

[منح الجليل]

جَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ عَلَى فَرْجِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَأْتَزِرَ بِهِ. اهـ. لِأَنَّ قَوْلَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا مَفْهُومَ لَهُ. أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ اللُّبْسُ اهـ.

(وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ) أَيْ الْحَالِفِ الدَّارَ الَّتِي حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا (مِنْ بَابٍ غُيِّرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْبَابِ عَنْ حَالِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ سُدَّ وَفُتِحَ غَيْرُهُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَدْخُلُهُ) أَيْ مِنْهُ الدَّارَ نَاوِيًا تَجَنُّبَهَا أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَكْرَهْ) الْحَالِفُ (ضِيقَهُ) أَيْ الْبَابِ وَاطِّلَاعَهُ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ أَوْ مُرُورَهُ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَرِهَ ضِيقَهُ وَنَحْوَهُ وَغُيِّرَ بِمَا أَرَادَ كَرَاهَتَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ مِنْهُ.

(وَ) حَنِثَ (بِقِيَامِهِ) أَيْ اسْتِقْرَارِ الْحَالِفِ (عَلَى ظَهْرِهِ) أَيْ الْبَيْتِ الَّذِي حَلَفَ لَا يَدْخُلُهُ (وَ) حَنِثَ (بِ) دُخُولِ بَيْتٍ (مُكْتَرًى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا دَخَلَ لِفُلَانٍ بَيْتًا) لِمِلْكِهِ مَنْفَعَتَهُ وَنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا أَدْخُلُ مَنْزِلَ أَوْ بَيْتَ فُلَانٍ فَأَكْرَاهُ فُلَانٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ الْحَالِفُ فَلَا يَحْنَثُ.

وَمِثْلُ الْمُكْتَرَى الْمُعَارُ (وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ (بِأَكْلِ) شَيْءٍ (مِنْ) يَدِ (وَلَدٍ) لِلْحَالِفِ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ فُلَانٍ (دَفَعَ) الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَهُ الْحَالِفُ (لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ شَخْصٌ (مَحْلُوفٌ عَلَى) تَرْكِ أَكْلِ طَعَامِ (هـ) وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ لَهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، هَذَا عَلَى ضَبْطِ دَفَعَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ ضُبِطَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمَحْلُوفٌ نَائِبُ فَاعِلِهِ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلطَّعَامِ شَمِلَ الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ بِدَفْعِ الطَّعَامِ لِلْوَلَدِ، بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ بِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَهُ الطَّعَامُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ) أَيْ وَلَدِ الْحَالِفِ وَاجِبَةً (عَلَيْهِ) أَيْ الْحَالِفِ لِيُسْرِهِ وَفَقْرِ وَلَدِهِ مَعَ صِبَاهُ، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ الِاكْتِسَابِ

ص: 85

وَبِالْكَلَامِ أَبَدًا، فِي لَا كَلَّمَهُ الْأَيَّامَ، أَوْ الشُّهُورَ، وَثَلَاثَةً فِي كَأَيَّامٍ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي لَأَهْجُرَنَّهُ، أَوْ شَهْرٌ: قَوْلَانِ. وَسَنَةٌ فِي حِينٍ، وَزَمَانٍ، وَعَصْرٍ، وَدَهْرٍ

ــ

[منح الجليل]

إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ لِلْوَلَدِ يَسِيرًا وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ رَدُّ الْكَثِيرِ الْمُعْطَى لِوَلَدِهِ.

بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْأَبِ رَدُّهُ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْيَسِيرُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَعَبْدُهُ كَوَلَدِهِ لَكِنْ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دُفِعَ لَهُ وَلَوْ كَثُرَ إذْ لَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَدِينًا بِمَا لَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا وُهِبَ لَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَأَمَّا وَالِدُهُ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دُفِعَ لَهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَسِيرًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذْ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَكَذَا وَلَدُ وَلَدِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ.

(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا مَثَلًا الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ أَوْ السِّنِينَ (بِالْكَلَامِ) مَثَلًا مِنْ الْحَالِفِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَبَدًا) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الزَّمَانِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أُكَلِّمُهُ) مَثَلًا أَيْ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ) أَوْ الْأَشْهُرَ أَوْ السِّنِينَ لِحَمْلِ أَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لِلْحَالِفِ (وَ) لَزِمَ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ تَرْكُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِيهَا (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِهِ (كَأَيَّامٍ) وَشُهُورٍ وَسِنِينَ مُنَكَّرًا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمُ الْحَلِفِ إنْ سُبِقَ بِالْفَجْرِ، لَكِنْ لَا يَفْعَلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ حَنِثَ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُ مَا فِي نُذُورِهَا تَرْجِيحُ عَدَمِ إلْغَاءِ الْمَسْبُوقِ بِهِ وَتَكْمِيلُ الْيَوْمِ مِنْ تَالِي الْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ.

(وَهَلْ كَذَلِكَ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ أَيَّامًا فِي لُزُومِ تَرْكِهِ ثَلَاثَةً (فِي) حَلِفِهِ (لَأَهْجُرَنَّهُ) حَمْلًا عَلَى الْهَجْرِ الْجَائِزِ (أَوْ) يَلْزَمُهُ (شَهْرٌ) حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا، الْأَوَّلُ لِلْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ (وَ) لَزِمَ الْحَالِفَ (سَنَةٌ) مِنْ يَوْمِ حَلَفَ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (فِي حِينٍ) أَوْ الْحِينِ (وَزَمَانٍ وَعَصْرٍ وَدَهْرٍ) فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِهِ قَبْلَ تَمَامِهَا حَنِثَ، وَإِنْ

ص: 86

وَبِمَا يُفْسَخُ، أَوْ بِغَيْرِ نِسَائِهِ، فِي لَأَتَزَوَّجَن

وَبِضَمَانِ الْوَجْهِ، فِي لَا أَتَكَفَّلُ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْغُرْمِ، وَبِهِ لِوَكِيلٍ،

ــ

[منح الجليل]

تَمَّتْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ حَنِثَ، فَإِنْ عَرَفَ الزَّمَانَ وَمَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْأَبَدُ رَعْيًا لِلْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ الْحِينُ بِمَعْنَى الزَّمَانِ لُغَةً، وَلَعَلَّ هَذَا إذَا اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهَا عُرْفًا فِي السَّنَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً.

(وَ) حَنِثَ أَيْ لَا يَبَرُّ (بِمَا) أَيْ عَقْدِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (يُفْسَخُ) قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ (أَوْ) بِتَزَوُّجِهِ (بِ) مَرْأَةٍ (غَيْرِ نِسَائِهِ) أَيْ أَدْنَى مِنْهُنَّ عُرْفًا كَكِتَابِيَّةٍ وَدَنِيَّةٍ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَتَزَوَّجَنَّ) وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَجَلٍ، فَإِنْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ وَعَقَدَ فِيهِ مَا يُفْسَخُ أَبَدًا أَوْ عَلَى مَنْ لَا تُشْبِهُ نِسَاءَهُ وَمَضَى حَنِثَ حَقِيقَةً وَلَا يَبَرُّ إلَّا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ عَلَى مُشْبِهَةِ نِسَائِهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ بِرِّهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَى لَائِقَةٍ بِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ وَتَزَوَّجَ فِيهِ وَبَنَى بَعْدَهُ حَنِثَ، وَاشْتَرَطَ الْمُغِيرَةُ أَنْ تُشْبِهَهُ وَتُشْبِهَ زَوْجَتَهُ الَّتِي حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَغِيظُهَا وَالْمُشَابَهَةُ فِي الْقَدْرِ وَالرِّفْعَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ نِكَاحِهِ نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَنَسَبٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ إبْرَارِ يَمِينِهِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

(وَ) حَنِثَ (بِضَمَانِ الْوَجْهِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَتَكَفَّلُ) بِمَالٍ لِأَنَّهُ يَئُولُ لِغُرْمِ الْمَالِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِ الْمَضْمُونِ، وَقَرِينَةُ تَقْيِيدِهِ بِالْمَالِ قَوْلُهُ (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) الْحَالِفُ فِي ضَمَانِ الْوَجْهِ (عَدَمَ الْغُرْمِ) لِلْمَالِ الْمَضْمُونِ فِيهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ الْمَضْمُونِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَمَانَ طَلَبٍ وَهُوَ لَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَفَّلُ بِمَالٍ أَوْ وَجْهٍ، لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ لِغُرْمِ الْمَالِ، وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ فَيَحْنَثُ بِأَنْوَاعِ الضَّمَانِ كُلِّهَا، وَإِنْ قَيَّدَ بِالْوَجْهِ حَنِثَ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِمَّا سُمِّيَ.

(وَ) مَنْ حَلَفَ لَا يَضْمَنُ لِزَيْدٍ حَنِثَ (بِهِ) أَيْ الضَّمَانِ (لِ) شَخْصٍ (وَكِيلٍ) عَنْ

ص: 87

فِي لَا أَضْمَنُ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَهَلْ إنْ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ. وَبِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي لِمُخْبِرٍ، فِي لَيُسِرَّنَّهُ

وَبِاذْهَبِي الْآنَ

ــ

[منح الجليل]

زَيْدٍ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ لَهُ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ الْوَكِيلَ لِزَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ بِوَكَالَتِهِ عَنْهُ فِيهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَضْمَنُ لَهُ) أَيْ زَيْدٍ (إنْ كَانَ) الْوَكِيلُ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ عَنْ زَيْدٍ (مِنْ نَاحِيَتِهِ) أَيْ مُنَاسَبَةِ زَيْدٍ بِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ إجَارَةٍ لِخِدْمَةِ أَوْ رِقٍّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

(وَهَلْ) مَحَلُّ حِنْثِ الْحَالِفِ (إنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ يَحْنَثُ مُطْلَقًا فِيهِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحِي قَوْلِهَا: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ. اهـ. وَسَبَبُهُمَا قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ قَيَّدَ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْحِنْثَ بِعِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَحَمَلَهَا ابْنُ يُونُسَ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهَا عِيَاضٌ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِوَكِيلٍ وَفِي قَوْلِهِ لَهُ لِلتَّعْدِيَةِ لَا زَائِدَةٍ.

(وَ) مَنْ أَعْلَمَ زَيْدًا مَثَلًا بِشَيْءٍ وَحَلَّفَهُ لَيَكْتُمَنَّهُ أَوْ لَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ عَمْرًا مَثَلًا فَحَكَاهُ عَمْرٌو لِزَيْدٍ الْحَالِفِ لَيَكْتُمَنَّهُ فَقَالَ زَيْدُ لِعَمْرٍو مَا ظَنَنْتُهُ قَالَهُ لِغَيْرِي حَنِثَ زَيْدٌ (بِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْتُهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهُ (قَالَهُ) أَيْ الْخَبَرَ أَوْ أَسَرَّهُ (لِغَيْرِي) أَوْ لِأَحَدٍ غَيْرِي أَوْ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرِي (لِمُخْبِرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ فَتْحِهَا صِلَةَ قَوْلِهِ (فِي) حَلِفِهِ لِمُخْبِرِهِ الْأَوَّلِ (لَيُسِرَّنَّهُ) أَيْ لَيَكْتُمَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا تَنْزِيلًا لِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ إلَخْ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ قَالَهُ لِي، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ، لِدَلَالَتِهِ عُرْفًا عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَا أَظُنُّهُ يَقُولُ هَذَا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ أَسَرَّهُ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ.

(وَ) حَنِثَ (بِ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا (اذْهَبِي) أَوْ افْعَلِي (الْآنَ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ

ص: 88

إثْرَ لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي، وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَا أُبَالِي، بَدْءًا لِقَوْلٍ آخَرَ، لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي، وَبِالْإِقَالَةِ، فِي لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ تَفِ، لَا إنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ عَلَى الْمُخْتَارِ

ــ

[منح الجليل]

اللَّامِ وَمَدِّ الْهَمْزِ الثَّانِي ظَرْفُ اذْهَبِي (إثْرَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ عَقِبَ ظَرْفٍ لِلْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ حَلِفُهُ (لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَفْعَلِي) كَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ اذْهَبِي كَلَامٌ قَبْلَ الْفِعْلِ (وَلَيْسَ قَوْلُهُ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهِ (لَا أُبَالِي) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ لَا أَهْتَمُّ وَلَوْ كَرَّرَهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي (بَدْءًا) يُعْتَدُّ بِهِ فِي حِلِّ الْيَمِينِ (لِقَوْلٍ) أَيْ كَلَامِ شَخْصٍ (آخَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْخَاءُ مَمْدُودًا حَلَفَ (لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي) فَإِنْ كَلَّمَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ لَا أُبَالِي حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْكَلَامِ احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ فِي الْحِنْثِ وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ.

فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَفَ لِآخَرَ بِالطَّلَاقِ لَا كَلَّمْتُكَ حَتَّى تَبْدَأَنِي فَقَالَ الْآخَرُ إذَنْ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي فَلَيْسَ ذَلِكَ تَبْدِئَةً اهـ.

(وَ) حَنِثَ بَائِعُ سِلْعَةٍ لِشَخْصٍ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ وَسَأَلَهُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ بَعْضَهُ فَحَلَفَ لَا تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا فَاسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ فَيَحْنَثُ (بِالْإِقَالَةِ) أَيْ قَبُولِ رَدِّ سِلْعَتِهِ إلَيْهِ بِثَمَنِهَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ تَفِ) قِيمَةُ السِّلْعَةِ بِثَمَنِهَا بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْهُ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَقَدْ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِيَ وَهُوَ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْإِسْقَاطِ، فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِثَمَنِهَا لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِهِ وَأَتَمَّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِعَدَمِ تَرْكِهِ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ فِيهِمَا (لَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (إنْ أَخَّرَ) بِفَتَحَاتِ مُثَقَّلًا (الثَّمَنَ) أَيْ أَجَّلَهُ بَعْدَ حُلُولِهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) عِنْدَ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَعِدُهُ حُسْنَ مُعَامَلَةٍ وَلَا يَعِدُهُ وَضِيعَةً لِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يُخَفِّفُ عَلَيْهِ تَرْكَ الْيَسِيرِ. الْأَقْفَهْسِيُّ وَالْأَجَلُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَقَعَ ابْتِدَاءً حِينَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ الثَّمَنِ فَلَا. ابْنُ رُشْدٍ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُنْظِرَهُ فَوَضَعَ عَنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِلَا خِلَافٍ.

ص: 89

وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْتِيهِ، وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا فِي لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلَا عِلْمٍ

ــ

[منح الجليل]

وَلَا) يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (إنْ دَفَنَ مَالًا) أَوْ وَضَعَهُ بِلَا دَفْنٍ، عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ ثُمَّ طَلَبَهُ (فَلَمْ يَجِدْهُ) لِنِسْيَانِهِ الْمَكَانَ الَّذِي دَفَنَهُ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ فَاتَّهَمَ زَوْجَتَهُ مَثَلًا بِأَخْذِهِ وَحَلَفَ لَقَدْ أَخَذَتْهُ (ثُمَّ) طَلَبَهُ ثَانِيًا فَ (وَجَدَهُ مَكَانَهُ) فَلَا يَحْنَثُ (فِي) حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا أَوْ غَيْرِهِ لَقَدْ (أَخَذَتْهُ) جَازِمًا بِأَخْذِهَا إيَّاهُ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ ذَهَبَ فَأَنْتِ أَخَذْته وَأَوْلَى إنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ وَجَدَهُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَلَغْوٌ وَإِلَّا حَنِثَ.

(وَ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَرَكَهَا عَالِمًا بِخُرُوجِهَا (بِتَرْكِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ خَارِجَةً بِلَا إذْنِهِ حَالَ كَوْنِهِ (عَالِمًا) بِخُرُوجِهَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا خَرَجْت) مِنْ الْبَيْتِ (إلَّا بِإِذْنِي) إذْ لَيْسَ عِلْمُهُ بِخُرُوجِهَا وَتَرْكِهَا إذْنًا احْتِيَاطًا لِلْبِرِّ فَأَحْرَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ، وَمَنَعَهَا فَلَمْ تُطَاوِعْهُ. اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَرَآهَا تَخْرُجُ فَلَمْ يَمْنَعْهَا حَنِثَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. اهـ. وَمِنْ هُنَا فَتْوَى بَعْضِ الشُّيُوخِ بِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِهِ فَسَافَرَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ (لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ فِي خُرُوجِهَا إلَّا لِزِيَارَةِ وَالِدِيهَا مَثَلًا (إنْ أَذِنَ) الزَّوْجُ لَهَا فِي الْخُرُوجِ (لِأَمْرٍ) مُعَيَّنٍ كَزِيَارَةِ وَالِدَيْهَا (فَزَادَتْ) الزَّوْجَةُ حَالَ خُرُوجِهَا عَلَى الْأَمْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِأَنْ ذَهَبَتْ لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ (بِلَا عِلْمٍ) مِنْ الزَّوْجِ حَالَ الزِّيَادَةِ أَوْ الِاقْتِصَارِ بِهَا، فَإِنْ عَلِمَهَا حَالَهَا حَنِثَ تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِ مَنْزِلَهُ إذْنِهِ فِي الْحِنْثِ لِوُقُوعِهِ بِأَدْنَى سَبَبٍ. وَأَمَّا عِلْمُهُ بِهَا بَعْدَ فِعْلِهَا فَلَا يُوجِبُ حِنْثَهُ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُتَمِّمَةً مَا قَبْلَهَا، وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ وَأَحْمَدُ وَالْمَوَّاقُ وَهُوَ نَصُّهَا.

وَأَمَّا إنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي وَأَذِنَ لَهَا فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ وَزَادَتْ عَلَيْهِ أَوْ اقْتَصَرَتْ

ص: 90

وَبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكٍ آخَرَ فِي لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ، لَا دَارَ فُلَانٍ،

ــ

[منح الجليل]

عَلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِيهِ أَوْ قَدَّمَتْهُ فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ عَلِمَ حَالَ فِعْلِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ هَذِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَقْيِيدِهِ الْحِنْثَ بِالْعِلْمِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، فَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ اُخْرُجِي حَيْثُ شِئْت فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي انْحَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجِي إلَى مَوْضِعٍ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ تَنْحَلَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَالْحَطّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ بِإِلَى مَوْضِعٍ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إذْنًا خَاصًّا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا كَذَلِكَ الصِّيغَةُ الْأُولَى.

(وَ) حَنِثَ (بِعَوْدِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (لِ) سُكْنَا (هَا) أَيْ الدَّارِ الَّتِي حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَصِلَةُ عَوْدِهِ (بَعْدُ) بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةُ مَعْنَاهُ أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَخُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَهِيَ (بِمِلْكِ) شَخْصٍ (آخَرَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ غَيْرَ الْحَالِفِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ) وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهَا وَسَكَنَهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي قَالَهُ الْعِلْمِيُّ. قِيلَ وَفِي ذِكْرِ الْعَوْدِ نَظَرٌ، إذْ لَا يَتَقَيَّدُ حِنْثُهُ بِتَقَدُّمِ سُكْنَاهُ ثُمَّ عَوْدِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعَوْدَ بِمَعْنَى الدُّخُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13] أَيْ لَتَدْخُلُنَّ أَيْ وَبِدُخُولِهِ عَلَى وَجْهِ السُّكْنَى.

(أَوْ) حَلِفِهِ لَا سَكَنْت (دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ) فَبَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَحْنَثُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ (مَا دَامَتْ) الدَّارُ مِلْكًا (لَهُ) أَيْ فُلَانٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى مَا دَامَتْ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِغَيْرِ الْحَالِفِ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ سُكْنَى تِلْكَ الدَّارِ فَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْيَمِينُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ لِفُلَانٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْحَالِفِ فَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْعِلْمِيِّ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي. (لَا) يَحْنَثُ بِسُكْنَى الدَّارِ فِي مِلْكِ آخَرَ فِي حَلِفِهِ لَا سَكَنْت (دَارَ فُلَانٍ) مِنْ غَيْرِ

ص: 91

وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ،

ــ

[منح الجليل]

إشَارَةٍ إلَيْهَا فَبَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ فِي مِلْكِ مُشْتَرِيهَا إنْ لَمْ يَنْوِ عَيْنَهَا (وَلَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ (إنْ) دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ (خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا) الْعِلْمِيُّ وَالْبِسَاطِيُّ وَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا بَعْدَ خَرَابِهَا وَصَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا فِي حَلِفِهِ لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ، وَالْأَوَّلُ فَرْضُ الْمُدَوَّنَةِ. أَحْمَدُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ وَصُورَةُ سُكْنَاهَا بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا بِضَرْبِ خِبَاءٍ أَوْ خُصٍّ فِيهَا، وَظَاهِرُ فَرْضِ الْمُدَوَّنَةِ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِهَا أَوْ كَرَاهَةً فِيهَا وَقَصَرَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ وَإِنْ كَانَ كَرَاهَةً فِي الدَّارِ خَاصَّةً فَلَا يَمُرُّ بِهَا. أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا. اهـ. وَمِثْلُ صَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا بِنَاؤُهَا مَسْجِدًا، فَإِنْ بُنِيَتْ بَيْتًا بَعْدَ خَرَابِهَا وَصَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا حَنِثَ بِدُخُولِهَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(إنْ لَمْ يَأْمُرْ) الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ التَّخْرِيبَ وَتَصْيِيرَهَا طَرِيقًا لِيَدْخُلَهَا وَلَا يَحْنَثُ، فَإِنْ أَمَرَ بِهِ حَنِثَ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَإِلَّا فَاسْمُ الدَّارِ زَالَ عَنْهَا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلسَّاحَةِ مَعَ الْبُنْيَانِ، هَذَا ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا بَعْدَ بِنَائِهَا فَقَالَ وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَتَهَدَّمَتْ وَخَرِبَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا وَإِنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ فَيَقُولَ: احْمِلُونِي فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْهَدْمِ وَالتَّخْرِيبِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. الْحَطّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّيْخَ فَهِمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. قُلْت: لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْهَمَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ وَلَا يُظَنُّ بِهِ مَعَ قَوْلِهَا فَيَقُولَ احْمِلُونِي فَفُعِلَ بِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بِحَالٍ، وَلِعِلَّةٍ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ

ص: 92

وَفِي لَا بَاعَ مِنْهُ، أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت فَقَالَ هُوَ لِي ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ لَهُ حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي،

ــ

[منح الجليل]

ابْنَ غَازِيٍّ إذْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) حَنِثَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا بَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (مِنْهُ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا (أَوْ) حَلِفِهِ لَا بَاعَ (لَهُ) أَيْ زَيْدٍ فَيَحْنَثُ (بَا) لشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ (لِوَكِيلٍ) لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ كَانَ) الْوَكِيلُ (مِنْ نَاحِيَتِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَقَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَمْ لَا. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا عَلِمَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَهَلْ هُوَ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ تَأْوِيلَانِ مَحَلُّهُمَا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ الْوَكَالَةَ وَإِلَّا حَنِثَ إنْ لَمْ يَقُلْ الْحَالِفَ حِين الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت لَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ وَأَخَافُ أَنَّك وَكِيلُهُ إلَخْ.

بَلْ (وَإِنْ قَالَ) الْحَالِفُ (حِينَ الْبَيْعِ) لِوَكِيلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَنَا حَلَفْت) أَنْ لَا أَبِيعَ لِفُلَانٍ وَأَخْشَى أَنَّك وَكِيلُهُ فِي الشِّرَاءِ لَهُ (فَقَالَ) الْوَكِيلُ (هُوَ) أَيْ الشِّرَاءُ (لِي) لَا لِفُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (ثُمَّ صَحَّ) أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ (لَهُ) أَيْ فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِوَكَالَتِهِ عَنْهُ لَا بِقَوْلِ الْوَكِيلِ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ (حَنِثَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ) الْحَالِفَ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَقُلْ الْحَالِفُ إنْ ثَبَتَ شِرَاؤُك لِفُلَانٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ لَهُ وَثَبَتَ شِرَاؤُهُ لِفُلَانٍ فَلِلْبَائِعِ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا الَّذِي يَبْطُلُ فِيهِ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي هَذِهِ ابْتِدَاءً وَانْعَقَدَ ابْتِدَاءً فِي الْآتِيَةِ (وَ) مَنْ حَلَفَ لِغَرِيمِهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّكَ لِأَجَلِ كَذَا إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي وَمَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ وَأَخَّرَ وَارِثُهُ الْحَالِفَ (أَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ) الرَّشِيدِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ الْحَالِفَ فَلَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ دَفْعِ الْحَقِّ فِي الْأَجَلِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَأَقْضِيَنَّكَ دَيْنَك إلَى أَجَلِ كَذَا (إلَّا أَنْ

ص: 93

لَا فِي دُخُولِ دَارٍ وَتَأْخِيرِ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ وَلَا دَيْنَ، وَتَأْخِيرَ غَرِيمٍ إنْ أَحَاطَ وَأَبْرَأ

ــ

[منح الجليل]

تُؤَخِّرَنِي) فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَأَخَّرَ وَارِثُهُ الْحَالِفَ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَرِثَهُ عَنْ الْمَحْلُوفِ لَهُ. ابْنُ نَاجِي بَعْضُ شُيُوخِنَا ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ الْوَارِثُ يَحْنَثُ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ لَوْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّكَ إلَى أَجَلِ كَذَا فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَقَضَى وَرَثَتُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَعَلَّهُ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ. (لَا) يُجْزِئُ إذْنُ الْوَارِثِ (فِي دُخُولِهِ دَارًا) حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكِهَا فَمَاتَ زَيْدٌ فَلَا يَكْفِي إذْنُ وَارِثِهِ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ حَقًّا يُورَثُ، فَإِنْ دَخَلَ مُسْتَنِدًا لِإِذْنِ الْوَارِثِ حَنِثَ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَفَى إذْنُ وَارِثِهِ لِانْتِقَالِهِ بِالْإِرْثِ. ابْنُ غَازِيٍّ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يَقْضِيَهُ حَقَّهُ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ فَمَاتَ مُحَمَّدٌ لَمْ يُجْزِهِ إذْنُ وَارِثِهِ، إذْ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ فَإِنْ دَخَلَ أَوْ قَضَاهُ حَنِثَ.

(وَ) أَجْزَأَ (تَأْخِيرُ) شَخْصٍ (وَصِيٍّ) عَلَى يَتِيمٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ حَالَ كَوْنِ التَّأْخِيرِ (بِالنَّظَرِ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَحْجُورِ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا أَوْ خَوْفًا مِنْ جَحْدِ الْحَالِفِ أَوْ خِصَامِهِ وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ حُمِلَ عَلَى النَّظَرِ، فَإِنْ أَخَّرَ الْوَصِيُّ الْحَالِفَ بِلَا نَظَرٍ بَرَّ الْحَالِفُ أَيْضًا وَأَجْزَأَهُ. وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَنْبَغِي أَخْذُ الدَّيْنِ حَالًا فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ الْوَصِيِّ بِالنَّظَرِ لِجَوَازِهِ ابْتِدَاءً لَا لِإِجْزَائِهِ، فَلِذَا قِيلَ لَوْ حَذَفَهُ لَوَافَقَ النَّقْلَ.

وَقَيَّدَ إجْزَاءَ تَأْخِيرِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ بِقَوْلِهِ (وَ) الْحَالُ (لَا دَيْنَ) مُحِيطَ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُحِيطٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَالْحَقُّ لِلْغَرِيمِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) أَجْزَأَ (تَأْخِيرُ غَرِيمٍ) لِلْمَحْلُوفِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ (إنْ أَحَاطَ) الدَّيْنُ بِمَالِهِ (وَأَبْرَأَ) الْغَرِيمُ ذِمَّةَ الْمَدِينِ الْمَحْلُوفِ لَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي أَخَّرَ الْحَالِفُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ الْحَالِفِ، وَقَيَّدَهُ أَبُو عِمْرَانَ بِكَوْنِ الْحَقِّ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ الْغَرِيمِ حَتَّى تَكُونَ حَوَالَةً جَائِزَةً وَإِلَّا فَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. أَبُو الْحَسَنِ وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَتَجَانَسْ الدَّيْنَانِ هَلْ هُوَ مِثْلُ تَأْخِيرِ الْوَصِيِّ أَوْ مِثْلُ الْقَضَاءِ

ص: 94

وَفِي بِرِّهِ فِي لَأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضًا، وَفِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطِفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وَأُكِلَتْ، أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلَانِ، إلَّا أَنْ تَتَوَانَى،

ــ

[منح الجليل]

الْفَاسِدِ، وَمَفْهُومُ إنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ فَلَا يُجْزِئُ تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ وَتَقَدَّمَ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ.

(وَفِي بِرِّهِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْحَالِفِ (فِي) حَلِفِهِ بِصِيغَةِ حِنْثٍ نَحْوُ (لَأَطَأَنَّهَا) أَيْ حَلِيلَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ (فَوَطِئَهَا) وَطْئًا حَرَامًا لِكَوْنِهَا (حَائِضًا) مَثَلًا حَمْلًا لِلَفْظِهِ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً وَعَدَمِ بِرِّهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى مَدْلُولِهِ شَرْعًا قَوْلَانِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فِيهِ لِحَيْضِهَا مَثَلًا حَنِثَ، وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُهُمَا، وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى حَصَلَ الْحَيْضُ وَكَانَتْ يَمِينُهُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَالْقِيَاسُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحِنْثِ فِي هَذِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَا وَطِئَهَا وَوَطِئَهَا حَائِضًا حَنِثَ قَالَهُ ابْنُ حَارِثٍ. الْمُصَنِّفُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ.

(وَفِي) بِرِّهِ فِي حَلِفِهِ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا عَلَى قِطْعَةِ لَحْمٍ (لَتَأْكُلَنَّهَا) أَيْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ (فَخَطِفَتْهَا) أَيْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ بِكَسْرِ الطَّاءِ هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ (هِرَّةٌ) وَبَلَعَتْهَا (فَشُقَّ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْقَافِ (جَوْفُهَا) أَيْ الْهِرَّةِ عَاجِلًا وَأُخْرِجَتْ مِنْهُ الْقِطْعَةُ قَبْلَ تَحَلُّلِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ (وَأُكِلَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ أَكَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا الْقِطْعَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحِنْثُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ إنْ تَوَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ يَمِينِهِ وَخَطْفِ الْهِرَّةِ قَدْرُ مَا تَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا لِنَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ هَذَا فَهُوَ عَدَمُ التَّوَانِي، هَذَا هُوَ الَّذِي فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَأَرْجَحُهُمَا حِنْثُهُ، فَإِنْ لَمْ تَتَوَانَ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يُشَقَّ جَوْفُ الْهِرَّةِ.

(أَوْ) لَمْ تَخْطَفْهَا الْهِرَّةُ وَأَخَّرَتْهَا حَتَّى فَسَدَتْ وَأَكَلَتْهَا (بَعْدَ فَسَادِهَا) فَهَلْ يَبَرُّ بِهِ أَمْ لَا (قَوْلَانِ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ فَقَالَ (إلَّا أَنْ تَتَوَانَى) الْمَرْأَةُ فِي أَكْلِ اللَّحْمَةِ حَتَّى فَسَدَتْ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَرْجِعُ لِلْأُولَى لِعَدَمِ

ص: 95

وَفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا فِي لَا كِسْوَتِهَا وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ، وَاسْتُشْكِلَ.

ــ

[منح الجليل]

تَأَتِّي رُجُوعِهِ لَهَا، وَلَا لِلثَّانِيَةِ لِتَقْيِيدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا بِتَوَانِيهَا.

فَإِنْ قُلْت الْفَسَادُ يَسْتَلْزِمُ التَّوَانِي فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَفْسُدُ بِسُقُوطِ شَيْءٍ فِيهِ حِينَ حَلِفِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأَخِيرَةِ، وَلَفْظُ التَّوْضِيحِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فَتَرَكَهُ حَتَّى فَسَدَ ثُمَّ أَكَلَهُ قَوْلَيْنِ. اهـ. فَحَكَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ التَّوَانِي لَا مَعَ عَدَمِهِ وَالصَّوَابُ رُجُوعُهُ لِمَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ لَكِنْ لَا بِمَعْنَاهُ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ عَدَمِ التَّوَانِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ عَدَمُ الْحِنْثِ حِينَئِذٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

كَمَا اعْتَرَضَ بِهَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ الشَّارِحُ وَالْحَطّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا التَّوَانِي فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيهَا إذَا لَمْ تَتَوَانَ الْبَضْعَةُ فِي جَوْفِ الْهِرَّةِ حَتَّى تَحَلَّلَ بَعْضُهَا وَإِلَّا حَنِثَ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْبَيَانِ وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إنْ اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ بَطْنِ الْهِرَّةِ صَحِيحَةً كَمَا هِيَ بِحَدَثَانِ مَا بَلَعَتْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا شَيْءٌ مِنْهَا فَأَكَلَتْهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. اهـ. فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَالْحَطّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ إنْ لَمْ تَتَوَانَ فِي أَخْذِهَا لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا وَتَوَانَتْ فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ حَنِثَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا وَلَمْ تَتَوَانَ فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ فَالْقَوْلَانِ.

(وَفِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا وَنَوَى أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَسَاهَا إحْدَاهُمَا (الْحِنْثُ) بِكِسْوَتِهَا (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الثَّوْبَيْنِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا كَسَوْتُهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ إيَّاهُمَا وَفِي نُسْخَةٍ لَا كَسَوْتُهُمَا بِضَمِيرِ تَثْنِيَةٍ (وَ) الْحَالُ (نِيَّتُهُ) أَيْ الْحَالِفِ (الْجَمْعُ) أَيْ لَا يَكْسُوَهَا الثَّوْبَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ وَلَا مُفْتَرِقَيْنِ.

(وَاسْتُشْكِلَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْكَافِ تَحْنِيثُهُ بِكِسْوَةِ أَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنِيَّتِهِ وَقَوْلُهُمْ يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْجَمِيعَ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ

ص: 96