المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْجِهَادِ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا: ــ ‌ ‌[منح - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٣

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْجِهَادِ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا: ــ ‌ ‌[منح

‌بَابُ الْجِهَادِ

فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا:

ــ

[منح الجليل]

[بَابُ الْجِهَادِ]

بَابٌ فِي الْجِهَادِ (الْجِهَادُ) أَيْ قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حُضُورِهِ لَهُ أَوْ دُخُولِهِ أَرْضَهُ لَهُ فَخَرَجَ قِتَالُ ذِمِّيٍّ مُحَارِبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ لِلْعَهْدِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي أَنَّ الْقِتَالَ لِلْغَنِيمَةِ وَإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَ جِهَادًا فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَنِيمَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَا أَفَادَهُ عج أَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الْإِعْلَاءِ شَهَادَةُ الْآخِرَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَيَدْخُلُ فِي إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ قِتَالُ الْعَوَامّ الْكَافِرَ لِكُفْرِهِ، وَمَحَلُّ نِيَّتِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ لَهُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ وَلِأَنَّ سَاعَةَ الْقِتَالِ سَاعَةُ دَهْشَةٍ وَغَفْلَةٍ وَيَكُونُ (فِي أَهَمِّ جِهَةٍ) فَإِنْ اسْتَوَتْ الْجِهَاتُ فِي الْخَوْفِ فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ وَإِلَّا وَجَبَ جِهَادُ الْجَمِيعِ (كُلَّ سَنَةٍ) إنْ لَمْ يَخَفْ مُحَارِبًا بَلْ (وَإِنْ خَافَ) الْمُجَاهِدُ (مُحَارِبًا) أَيْ مُسْلِمًا قَاطِعَ طَرِيقٍ، وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ الْآتِي فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْ لَا يُسْقِطُ فَرْضِيَّةَ الْجِهَادِ خَوْفُ مُحَارِبٍ أَوْ لِصٍّ فِي طَرِيقِ الْجِهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ فِي جِهَةٍ وَالْعَدُوُّ فِي جِهَةٍ وَخِيفَ مِنْ الْمُحَارِبِ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْكُفْرِ لَا يَعْدِلُهُ فَسَادٌ.

قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ ذِكْرِ مُسْقِطَاتِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمُتَلَصِّصِينَ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ أَهَمُّ، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ وَقَطَعَةُ الطَّرِيقِ مُخِيفُوا السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْجِهَادِ مِنْ الرُّومِ، أَيْ فَإِذَا كَانَ قِتَالُهُمْ نَفْسَ الْجِهَادِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ مُسْقِطًا لَهُ فَمُقَاتِلُهُمْ مُؤَدٍّ

ص: 135

كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ:

ــ

[منح الجليل]

مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ، وَنَسَجَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مِنْوَالِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيِّ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى: الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ وَإِنْ خَافَ مِنْ الْمُتَلَصِّصِينَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّظَائِرَ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَفِيهَا جِهَادُ الْمُحَارِبِينَ جِهَادٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قِتَالُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ. ابْنُ نَاجِي الْمَشْهُورُ لَيْسَ أَفْضَلَ.

وَشَبَّهَ الْفَرْضِيَّةَ كُلَّ سَنَةٍ فَقَالَ (كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ إقَامَةِ مَوْسِمِ الْحَجِّ لَا بِطَوَافٍ فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ وَأَفْرَدَ هَذَا عَنْ نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ لِمُشَارَكَتِهِ الْجِهَادَ فِي وُجُوبِهِ كُلَّ سَنَةٍ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْقِطُهَا خَوْفُ الْمُحَارِبِينَ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمْنٌ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَيْنِيّ، وَمَا هُنَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَيْ يُخَاطَبُ كُلُّ النَّاسِ بِقِتَالِ الْمُحَارِبِ وَإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ لَا أَهْلُ قُطْرٍ فَقَطْ كَحِجَازٍ، فَإِنْ أَقَامَهُ جَمْعٌ وَلَحِقَهُمْ شَخْصٌ بِعَرَفَةَ فَقَدْ دَخَلَ مَعَهُمْ قِيَاسًا عَلَى مُدْرِكِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّهُ يَنْوِي الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْقِيَامُ بِفَرْضِ كِفَايَتِهَا إلَّا بِسَلَامِهَا.

وَخَبَرُ الْجِهَادِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) نَقَلَ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مُطْلَقًا. وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ نَافِلَةٌ مَعَ الْأَمْنِ. الْمِسْنَاوِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَوْ مَعَ الْأَمْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ إنْ كَانَ مَعَ وَالٍ عَدْلٍ بَلْ (وَلَوْ مَعَ وَالٍ) أَيْ أَمِيرِ جَيْشٍ (جَائِرٍ) لَا يَضَعُ الْخُمُسَ مَوْضِعَهُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ مَعَهُ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكَهُ مَعَهُ خِذْلَانٌ لِلْإِسْلَامِ، وَنُصْرَةُ الدَّيْنِ وَاجِبَةٌ، وَكَذَا مَعَ ظَالِمٍ فِي أَحْكَامِهِ أَوْ فَاسِقٍ بِجَارِحَةٍ لَا مَعَ غَادِرٍ يَنْقُضُ الْعَهْدَ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ بِوَلَوْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُغَازِي مَعَهُ وَصِلَةُ فَرْضٍ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ) شَمِلَ الْكَافِرَ بِنَاءً عَلَى خِطَابِهِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ حَتَّى الْجِهَادِ، وَقِيلَ إلَّا الْجِهَادَ

ص: 136

كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ

ــ

[منح الجليل]

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ذِمِّيٍّ فَيَجِبُ جِهَادُهُ الْحَرْبِيَّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهِ كَأَدَاءِ دَيْنٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ، وَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ اسْتِعَانَتِنَا بِهِ، لَكِنْ عَدَّ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامَ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَقَدْ يُقَالُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ رُشْدٍ الْوُجُوبُ الَّذِي يُطَالِبُ الْإِمَامُ بِسَبَبِهِ وَوُلَاةُ الْأُمُورِ الْكُفَّارَ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا بِخِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا عَذَابًا زَائِدًا عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ قَالَهُ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ.

وَشَبَّهَ فِي فَرْضِيَّةِ الْكِفَايَةِ لَا بِقَيْدِ كُلِّ سَنَةٍ فَقَالَ (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ غَيْرَ مَا يَجِبُ عَيْنًا وَهُوَ مَا يَحْتَاجُهُ الشَّخْصُ فِي نَفْسِهِ وَمُعَامَلَتِهِ مِنْ فِقْهٍ وَأُصُولِهِ وَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ وَعَقَائِدَ وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَنَحْوٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ وَبَيَانٍ وَمَعَانٍ وَمِمَّا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَنْطِقُ لِقَوْلِ شَارِحِ الْمَطَالِعِ وَلِأَمْرٍ مَا أَصْبَحَ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ الَّذِينَ تَلَأْلَأَتْ فِي ظُلُمَاتِ اللَّيَالِي قَرَائِحُهُمْ الْوَقَّادَةُ وَاسْتَنَارَ عَلَى صَفَحَاتِ الْأَيَّامِ آثَارُ خَوَاطِرِهِمْ الْمُنْقَادَةِ يَحْكُمُونَ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ عِلْمِ الْمَنْطِقِ، بَلْ قَالَ السَّيِّدُ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ شَعَائِرِ الدَّيْنِ بِحِفْظِ عَقَائِدِهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ لَا ثِقَةَ بِعِلْمِهِ وَسَمَّاهُ مِعْيَارَ الْعُلُومِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهَا حِفْظُهَا وَإِقْرَاؤُهَا وَقِرَاءَتُهَا وَتَحْقِيقُهَا وَتَهْذِيبُهَا وَتَعْمِيمُهَا إنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَتَخْصِيصُهَا كَذَلِكَ، وَتَعْبِيرُهُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَعَمُّ لِزِيَادَةِ الْعَقَائِدِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُنَاهَلَةِ مِنْهُنَّ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَنِسَاءٌ تَابِعِيَّاتٌ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ التَّقْصِيرَ ظَهَرَ فِي أَكْثَرِهِنَّ اهـ.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ غَيْرَ مَا يَجِبُ عَيْنًا إلَخْ الْوَاجِبُ عَيْنًا لَا يَنْحَصِرُ فِي بَابٍ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ

ص: 137

وَالْفَتْوَى وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ،

ــ

[منح الجليل]

عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْ؛ لِأَنَّ شَارِحَ الْمَطَالِعِ وَهُوَ الْقُطْبُ الرَّازِيّ وَمُحْشِيَةُ السَّيِّدِ لَيْسَا مَالِكِيَّيْنِ، بَلْ، وَلَا مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَجُّ عَلَى وُجُوبِهِ بِكَلَامِهِمَا. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْعَقَائِدِ عَلَيْهِ وَتَوَقُّفِ إقَامَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلَى أَنَّ عِلْمَ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ بِدْعَةٌ وَحَرَامٌ، وَأَنَّ الْعَبْدَ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِكُلِّ ذَنْبٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ اهـ.

وَنَهَى عَنْ قِرَاءَةِ الْمَنْطِقِ الْبَاجِيَّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعِيَاضٌ وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ فِي الْقَضَايَا الشَّرْعِيَّةِ إنَّ عِلْمَ الْمَنْطِقِ مُنَافٍ لَهَا؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تُوضَعْ إلَّا عَلَى الشَّرِيعَةِ الْأُمِّيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ سبحانه وتعالى لَا تَحْصُلُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ بَلْ يَكَادُ الْكَلَامُ يَكُونُ حِجَابًا عَنْهَا وَمَانِعًا مِنْهَا، وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ عَقَائِدِ الدَّيْنِ إلَّا الْعَقِيدَةُ الَّتِي يُشَارِكُ فِيهَا الْعَوَامَّ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُمْ بِصَنْعَةِ الْمُجَادَلَةِ اُنْظُرْ سُنَنَ الْمُهْتَدِينَ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْطِقُ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِلْإِمَامَةِ وَالِاجْتِهَادِ فَطَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ الْقَابِلِيَّةُ، وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ. ابْنُ نَاجِي وَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ الْمَذْهَبَ قَائِلًا: لَا أَعْرِفُ خِلَافَهُ.

(وَ) الْقِيَامُ بِ (الْفَتْوَى) أَيْ الْإِخْبَارِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَفْظًا أَوْ كَتْبًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ (وَ) الْقِيَامُ بِدَفْعِ (الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) وَنُسْخَةُ " غ " وَالدَّرْءُ مَصْدَرُ دَرَأَ أَيْ الدَّفْعُ أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا لِتَقْدِيرٍ وَيَلْحَقُ بِالْمُسْلِمِينَ مَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالدَّفْعُ بِإِطْعَامِ جَائِعٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ حَيْثُ لَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ، وَلَا بَيْتُ الْمَالِ بِذَلِكَ، وَإِذَا أَخَذَ لِصٌّ مَالَ غَيْرِك وَسَلَّمَ مَالَك فَعَلَيْك مُعَاوَنَتُهُ وَوَرَدَ فِي مُنْتَقَمٍ مِنْهُ، «قَالَ: لَعَلَّهُ رَأَى مَظْلُومًا فَلَمْ يَنْصُرْهُ» ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ مَضَرَّةٍ ابْنُ عَرَفَةَ خَوْفُ الْعَزْلِ مِنْ الْخِطَّةِ لَيْسَ مَضَرَّةً.

ص: 138

وَالْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالْإِمَامَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ،

ــ

[منح الجليل]

وَ) الْقِيَامُ بِ (الْقَضَاءِ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ (وَ) الْقِيَامُ بِ (الشَّهَادَةِ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً إنْ اُحْتِيجَ لَهُ إنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ وَإِلَّا تَعَيَّنَ عَلَى النِّصَابِ (وَ) الْقِيَامُ بِ (الْإِمَامَةِ) بِالصَّلَاةِ حَيْثُ كَانَتْ إقَامَتُهَا بِالْبَلَدِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ وَاحِدًا. الْمَازِرِيُّ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ النَّظَرُ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إرْسَالُ نَائِبٍ عَنْهُ فَيَجُوزُ تَعَدُّدٌ.

(وَ) الْقِيَامُ بِ (الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ، وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مَفْسَدَةً، وَأَنْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ وَإِلَّا وَلِأَنَّ شَرْطَانِ لِلْجَوَازِ أَيْضًا فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا.

وَالثَّالِثُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْإِفَادَةَ فَلَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ إنْ لَمْ يَتَأَذَّ فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ الثَّانِي وَشَرْطُ الْمُنْكَرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ ضَعْفُ مُدْرَكِ الْقَائِلِ بِحِلِّهِ، فَيَجِبُ نَهْيُ الْحَنَفِيِّ عَنْ شُرْبِ النَّبِيذِ وَإِنْ قَالَ بِحِلِّهِ أَبُو حَنِيفَةَ " رضي الله عنه " لِضَعْفِ مُدْرَكِهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ إنْ عُلِمَ أَنَّ مُرْتَكِبَهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ بِتَقْلِيدِهِ مَنْ قَالَ بِهَا فَلَا يُنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُعْتَقِدٌ تَحْرِيمَهُ فَيُنْهَى عَنْهُ لِانْتِهَاكِهِ الْحُرْمَةَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

زَرُّوقٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْحِلَّ وَلَا الْحُرْمَةَ وَمُدْرَكُهُمَا مُتَوَازٍ أُرْشِدَ لِلتَّرْكِ بِرِفْقٍ بِلَا إنْكَارٍ، وَلَا تَوْبِيخٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَرَعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ، وَلَا عَدَالَةُ الْآمِرِ أَوْ النَّاهِي عَلَى الْمَشْهُورِ لِخَبَرِ عَامِرٍ «مُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْهُ» وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] ، فَخَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ عَنْ نِسْيَانِ النَّفْسِ لَا أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ، وَشَرْطُهُ ظُهُورُ الْمُنْكَرِ بِلَا تَجَسُّسٍ وَلَا اسْتِرَاقِ سَمْعٍ، وَلَا اسْتِنْشَاقِ رِيحٍ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ لِمُنْكَرٍ، وَلَا يَبْحَثُ عَمَّا أُخْفِيَ بِيَدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ حَانُوتٍ أَوْ دَارٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّهْيِ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقْوَى مَرَاتِبِهِ الْيَدُ ثُمَّ اللِّسَانُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ ثُمَّ بِقَلْبِهِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَنْ ضَلَّ، قِيلَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ

ص: 139

وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ وَرَدِّ السَّلَامِ،

ــ

[منح الجليل]

اللَّفْظِيَّيْنِ بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِمَا بِاللِّسَانِ وَنَحْوِهِ كَالْيَدِ لَا النَّفْسِيَّيْنِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ لَيْسَ هُوَ النَّهْيَ اللَّفْظِيَّ قَطْعًا، وَلَا يَتَضَمَّنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ، أَوْ اقْتِضَاءُ كَفٍّ بِلَفْظِ كَفٍّ وَالنَّهْيُ اقْتِضَاءُ الْكَفِّ عَنْ فِعْلٍ بِغَيْرِ لَفْظِ كَفٍّ.

وَقِيلَ يَتَضَمَّنُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ اُسْكُنْ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَتَحَرَّك أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ السُّكُونُ بِدُونِ الْكَفِّ عَنْ التَّحَرُّكِ. وَحَمْلُ الْأَمْرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يَشْمَلُ النَّهْيَ بِأَنْ يُعْرَفَ بِأَنَّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ وَلَوْ كَفًّا بِلَفْظِ كَفٍّ أَوْ بِغَيْرِ لَفْظِ كَفٍّ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَلَا قَرِينَةَ فِي كَلَامِهِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ اللَّفْظِيَّيْنِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْمُرَادُ هُنَا النَّفْسِيَّانِ فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ اقْتِضَاءُ فِعْلِهِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ أَمْرًا اصْطِلَاحِيًّا أَوْ نَهْيًا، فَنَحْوُ لَا تَفْعَلْ أَمْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ يَسْتَلْزِمُهُ، وَهُوَ وَالْبَحْثُ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ.

(وَ) الْقِيَامُ بِ (الْحِرَفِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ جَمْعُ حِرْفَةٍ أَيْ الصَّنَائِعُ (الْمُهِمَّةُ) الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ صَلَاحُ مَعَاشِ النَّاسِ إلَّا بِهَا كَخِيَاطَةٍ وَحِيَاكَةٍ وَغَزْلٍ وَبِنَاءٍ وَبَيْعٍ لَا غَيْرِهَا كَقَصْرِ قُمَاشٍ وَنَقْشٍ (وَ) الْقِيَامُ بِ (رَدِّ السَّلَامِ) وَلَوْ عَلَى قَارِئِ قُرْآنٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِدَلِيلِ سُنِّيَّةِ السَّلَامِ عَلَيْهِ أَوْ مُصَلٍّ، لَكِنْ بِإِشَارَةٍ وَلَعَلَّهُ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ بَصِيرًا مَعَ الضَّوْءِ، وَلَا يُطْلَبُ بِرَدِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ بَقِيَ الْمُسْلِمُ، وَعَلَى آكِلٍ لَا عَلَى مُلَبٍّ وَمُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ وَسَامِعِ خُطْبَةٍ وَقَاضِي حَاجَةٍ وَوَاطِئٍ حَالَ تَلَبُّسِ كُلٍّ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ إنْ اسْتَمَرَّ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا إلَى فَرَاغِهِمْ، وَيَجِبُ إسْمَاعُهُ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ لَمْ يُنْهَ عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَنَّ حَالَ الْأَخِيرَيْنِ يُنَافِي الذِّكْرَ الَّذِي مِنْهُ رَدُّ السَّلَامِ، وَيُشْتَرَطُ إسْمَاعُ الْمُسْلِمِ الْحَاضِرِ السَّمِيعِ وَإِلَّا فَلَا كَرَدِّ سَلَامٍ مَكْتُوبٍ، وَيَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْ جَمَاعَةٍ قُصِدُوا بِالسَّلَامِ بِرَدِّ أَحَدِهِمْ وَالْأَوْلَى رَدُّ جَمِيعِهِمْ، وَهَلْ لِغَيْرِ الرَّادِّ ثَوَابٌ أَمْ؟ لَا، تَرَدُّدٌ. ثَالِثُهَا إنْ نَوَاهُ وَتَرَكَهُ لِرَدِّ غَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ

ص: 140

وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَفَكِّ الْأَسِيرِ، وَتَعَيَّنَ بِفَجْئِ الْعَدُوِّ

ــ

[منح الجليل]

أَنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَحْصُلُ لِغَيْرِ فَاعِلِهِ مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ الطَّلَبِ عَنْهُ وَثَوَابُ نَفْسِ الْفِعْلِ لِفَاعِلِهِ فَقَطْ وَإِنْ قُصِدَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ بِالسَّلَامِ تَعَيَّنَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ جَمَاعَةٌ دَفْعَةً عَلَى وَاحِدٍ كَفَاهُمْ رَدٌّ وَاحِدٌ.

وَيَجِبُ رَدُّ سَلَامِ صَبِيٍّ وَلَا يَكْفِي رَدُّهُ عَنْ بَالِغِينَ لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْفَرْضِ. وَلَا تُسَلِّمُ شَابَّةٌ عَلَى مُحَرَّمِهَا، وَلَا هُوَ عَلَيْهَا. وَهَلْ يَجِبُ رَدُّ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِمَا لَا يَحِلُّ، وَهَلْ الرَّدُّ أَفْضَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِابْتِدَاءُ؟ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فَتَكُونُ السُّنَّةُ أَفْضَلَ مِنْ الْفَرْضِ، كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ الَّذِي هُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ، وَكَالْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِذَا عَلِمَ اسْتِثْقَالَ سَلَامِهِ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ. وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عليه السلام جَازَ لَهُ تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى. وَفِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى آكِلٍ تَقَدَّمَ عَنْ الْحَطّ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْآكِلِ، وَلَا يَرُدُّ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ إلَخْ غَيْرُ صَوَابٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ كَمُلَبٍّ عَطْفٌ عَلَى الْمَكْرُوهِ لَا عَلَى الْجَائِزِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ التَّنْقِيحِ لَا مَعْنَى لَهُ وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى النِّيَّةِ إذَا نَوَى الرَّدَّ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَرَافِيُّ نَصُّهُ: الْفَاعِلُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا يُسَاوِي غَيْرَ الْفَاعِلِ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ لَا فِي الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، فَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ " ز " مُحَرَّفٌ. وَقَوْلُهُ كَمَا أَنَّ إبْرَاءَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْمُعْسِرِ وَالْوُضُوءَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مَعًا فَلَيْسَ فِيهِمَا فَضْلُ مَنْدُوبٍ عَلَى وَاجِبٍ.

(وَ) الْقِيَامُ بِ (تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ بِالتَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَافِرُ يُتْرَكُ لِلْكُفَّارِ إلَّا أَنْ يُخَافَ ضَيْعَتُهُ فَيُوَارَى فَقَطْ (وَ) الْقِيَامُ بِ (فَكِّ الْأَسِيرِ) إنْ كَانَ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ بِمَالِهِ أَوْ بِالْفَيْءِ فَلَيْسَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَإِنْ احْتَاجَ فَكُّهُ لِقِتَالٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ.

الْقَرَافِيُّ يَكْفِي فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ (وَتَعَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ صَارَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ (بِفَجْئِ) أَيْ هُجُومِ (الْعَدُوِّ) أَيْ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ عَلَى قَوْمٍ بَغْتَةً وَلَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى

ص: 141

وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ، وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا، وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ.

وَسَقَطَ: بِمَرَضٍ، وَصِبًا، وَجُنُونٍ، وَعَمًى، وَعَرَجٍ،

ــ

[منح الجليل]

دَفْعِهِ أَوْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ دَارِهِمْ فَيَلْزَمُ كُلَّ قَادِرٍ عَلَى الْقِتَالِ الْخُرُوجُ لَهُ وَقِتَالُهُ إنْ تَوَقَّفَ دَفْعُهُ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ.

بَلْ (وَأَيْ عَلَى امْرَأَةٍ) وَرَقِيقٍ وَصَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ. الْجُزُولِيُّ وَيُسْهَمُ حِينَئِذٍ لِلرَّقِيقِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ (وَ) تَعَيَّنَ الْجِهَادُ (عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ) أَيْ مَنْ فَجَأَهُمْ الْعَدُوُّ (إنْ عَجَزُوا) أَيْ مَنْ فَجَأَهُمْ الْعَدُوُّ عَنْ دَفْعِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ غَيْرُ الْمَفْجُوئِينَ مَعَرَّةً عَلَى نِسَائِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ مِنْ عَدُوٍّ بِتَشَاغُلِهِمْ بِالدَّفْعِ عَمَّنْ فَجَأَهُمْ الْعَدُوُّ، وَإِلَّا تَرَكُوا إعَانَتَهُمْ (وَ) تَعَيَّنَ الْجِهَادُ (بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ) عَبَّ وَلَوْ لِصَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي النَّوَادِرِ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ مَدِينٍ فَيَخْرُجُونَ وَلَوْ مَنَعَهُمْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَالْأَبَوَانِ وَرَبُّ الدَّيْنِ اهـ.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ لِصَبِيٍّ إلَخْ إنَّمَا عَزَاهُ الْمَوَّاقُ لِلنَّوَادِرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، نَعَمْ لَمَّا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَا نَصُّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ أَمْ لَا كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُمَا يَلْزَمُهُمَا حِينَئِذٍ الْجِهَادُ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ شَاسٍ اهـ. قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ابْنَ شَاسٍ إنَّمَا ذَكَرَ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فِي نُزُولِ الْعَدُوِّ، وَلَا فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ هُنَا فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ تَوَجُّهَ الْوُجُوبِ إلَى الصَّبِيِّ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الدُّسُوقِيُّ الْمُرَادُ بِتَعَيُّنِهِ عَلَى الصَّبِيِّ بِفَجْئِ الْعَدُوِّ، وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ إلْجَاؤُهُ إلَيْهِ وَجَبْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا يُلْزَمُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ حَالِهِ لَا بِمَعْنَى عِقَابِهِ عَلَى تَرْكِهِ، كَذَا ذَكَرَ طفي، فَلَا يُقَالُ: إنَّ تَوَجُّهَ الْوُجُوبِ لِلصَّبِيِّ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.

مُسْقِطَاتُ الْجِهَادِ (وَسَقَطَ) الْجِهَادُ (بِمَرَضٍ) شَدِيدٍ مَانِعٍ بَعْدَ التَّعَيُّنِ بِفَجْئِ عَدُوٍّ أَوْ تَعْيِينِ إمَامٍ (وَصِبًا) مَانِعٍ مِنْ إطَاقَتِهِ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ (وَجُنُونٍ وَعَمًى وَعَرَجٍ) وَفِي تَعَلُّقِ السُّقُوطِ بِالصَّبِيِّ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَجْنُونِ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُمْ،

ص: 142

وَأُنُوثَةٍ، وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ، وَرِقٍّ، وَدَيْنٍ حَلَّ كَوَالِدِينَ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ:

ــ

[منح الجليل]

فَاسْتَعْمَلَ سَقَطَ فِي حَقِيقَتِهِ فِي الْأَوَّلِ وَمَجَازِهِ فِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى عَدَمِ لُزُومِهِ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ فَاعِلُ سَقَطَ عَائِدٌ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَأَمَّا فَرْضُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْأُنُوثَةِ، وَلَا بِالرِّقِّ، وَلَا بِالصِّبَا وَإِنْ سَقَطَ بِغَيْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأُنُوثَةٍ وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ) مِنْ سِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ وَنَفَقَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَيُعْتَبَرُ مَا يُرَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ ضَيَاعًا لِشِدَّةِ الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ (وَرِقٍّ) وَلَوْ فِيهِ شَائِبَةَ حُرِّيَّةٍ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ (وَدَيْنٍ حَلَّ) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ وَإِلَّا خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَلَوْ كَانَ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ وَكَّلَ مَنْ يَقْضِيه عَنْهُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ لَمْ يُوَكِّلْ لِعَدَمِ مَا يَقْضِيهِ بِهِ الْآنَ وَحُصُولِهِ بِبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعَ مَدِينِهِ مِنْ سَفَرِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ، وَقُيِّدَ بِمَا تَقَدَّمَ وَاسْتُشْكِلَ سُقُوطُهُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ بِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ وَفَاءَهُ مَطْلًا تَرَكَ فَرْضَ الْجِهَادِ وَفَرْضَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ وَفَاءً فَلَا وَجْهَ لِسُقُوطِ الْجِهَادِ.

وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى غَيْبَةِ رَبِّ الدَّيْنِ وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وَكِيلٍ وَحَاكِمٍ عَدْلٍ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِبَيْعِ عُرُوضِهِ وَقَبْضِ دُيُونِهِ مَثَلًا.

وَشَبَّهَ فِي السُّقُوطِ فَقَالَ (كَ) مَنْعِ (وَالِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ مَاتَ أَوْ أَجَازَ (فِي) كُلٍّ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) جِهَادًا أَوْ عِلْمًا كِفَائِيًّا أَوْ غَيْرَهُمَا فَلَا يَخْرُجُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُفِيدُهُ وَإِلَّا خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إنْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ: لَوْ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَمَرَاتِبِهِ وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا بِبَلَدِهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِلَّا خَرَجَ، وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاعْتَرَضَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ طَاعَةَ الْأَبَوَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ فَلَا تَسْقُطُ لِأَجْلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ.

وَفِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ غَازِيٍّ: وَسَفَرُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ لَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ فَإِنْ كَانَ فَرْضَ

ص: 143

بِبَحْرٍ، أَوْ خَطَرٍ؛ لَا جَدٍّ، وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ.

وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ،

ــ

[منح الجليل]

كِفَايَةٍ فَلْيَتْرُكْهُ فِي طَاعَتِهِمَا (بِبَحْرٍ) ابْنُ غَازِيٍّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ بِبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ كَتَجْرٍ بِبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ بِالْكَافِ الدَّاخِلَةِ عَلَى تَجْرٍ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَالْجِيمِ مِنْ التِّجَارَةِ ثُمَّ الْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى بَحْرٍ ضِدِّ الْبَرِّ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ شَاسٍ وَلِلْوَالِدَيْنِ الْمَنْعُ مِنْ رُكُوبِ الْبِحَارِ وَالْبَرَارِي الْمُخْطِرَةِ لِلتِّجَارَةِ وَحَيْثُ لَا خَطَرَ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الْمَنْعُ (أَوْ) بَرٍّ (خَطِرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَخُوفٍ عَلَى النَّفْسِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ أَيْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْ رُكُوبِ بَحْرٍ وَمِنْ سَفَرٍ فِي بَرٍّ خَطِرٍ لِلتِّجَارَةِ لِمَعَاشِهِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْجِهَادِ.

فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَهُمَا مَنْعُهُ مُطْلَقًا، وَبَيْنَ التِّجَارَةِ لِمَعَاشِهِ لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهَا بِبَحْرٍ أَوْ بَرٍّ خَطِرٍ. أَجَابَ عج بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَمَّا كَانَ يَقُومُ بِهِ الْغَيْرُ كَانَ لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ الَّذِي لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهُ حَتَّى فِي الْبَرِّ إلَّا مِنْ خُصُوصِ الْجِهَادِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ فِي الْبَرِّ الْآمِنِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى تَصْوِيبِ " غ "، فَلَوْ قَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ إنْ كَانَ جِهَادَ عَدُوٍّ وَأَنْ يَبْرَأَ مَنْ لَا غَيْرُهُ بِهِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا اهـ.

(لَا) يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِمَنْعِ (جَدٍّ) وَلَوْ الْأَقْرَبَ (وَ) الشَّخْصُ (الْكَافِرُ) أَبًا أَوْ أُمًّا (كَغَيْرِهِ) أَيْ الْوَالِدِ الْمُسْلِمِ (فِي) تَرْكِ كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ (غَيْرِهِ) أَيْ الْجِهَادِ لَا فِي تَرْكِ الْجِهَادِ لِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِهِ بِمَنْعِ وَلَدِهِ مِنْهُ تَوْهِينَ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْمَوَّاقِ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِعِلْمِهِ أَنَّ مَنْعَهُمَا لِكَرَاهَةِ إعَانَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لِشَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ، لَكِنْ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْجِهَادِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْعَهُ لِتَوْهِينِ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ تَفْصِيلَ سَحْنُونٍ مُقَابَلٌ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوَاهِرِ.

(وَدُعُوا) بِضَمِّ الدَّالِ وَالْعَيْنِ أَيْ الْكُفَّارُ قَبْلَ الْقِتَالِ (لِلْإِسْلَامِ) إجْمَالًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ بِلُغَتِهِمْ الدَّعْوَةُ أَمْ لَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ

ص: 144

ثُمَّ جِزْيَةٍ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا؛ إلَّا الْمَرْأَةَ؛ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا، وَالصَّبِيَّ

ــ

[منح الجليل]

الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَتُكَرَّرُ الدَّعْوَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ. وَقِيلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ وَيُقَاتَلُونَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِلَا دَعْوَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ مَا يُخْرَجُ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ كَالشَّهَادَتَيْنِ لِمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِمَضْمُونِهِمَا وَعُمُومِ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِمُنْكِرِ عُمُومِهَا، فَتُدْعَى كُلُّ فِرْقَةٍ لِلْخُرُوجِ عَمَّا كَفَرَتْ بِهِ.

(ثُمَّ) إنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعُوا إلَى أَدَاءِ (جِزْيَةٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ مُجْمَلَةً إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ (بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَدْرِ الْكُفَّارِ فِيهِ رَاجِعٌ لِدُعَائِهِمْ لِلْإِسْلَامِ وَلِدُعَائِهِمْ لِلْجِزْيَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا لِلْجِزْيَةِ أَوْ أَجَابُوا لَهَا لَكِنْ بِمَحَلٍّ لَا تَنَالُهُمْ فِيهِ أَحْكَامُنَا وَلَمْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا أَوْ خِيفَ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ أَنْ يُعَاجِلُونَا بِالْقِتَالِ (قُوتِلُوا) أَيْ أُخِذَ فِي قِتَالِهِمْ (وَ) إذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ (قُتِلُوا) أَيْ جَازَ قَتْلُهُمْ (إلَّا) سَبْعَةً فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ (الْمَرْأَةَ) فَلَا تُقْتَلُ فِي حَالٍ (إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا) فَتُقْتَلُ إنْ قَتَلَتْ بِسِلَاحٍ أَوْ حِجَارَةٍ أُسِرَتْ أَمْ لَا. وَتُقْتَلُ أَيْضًا إنْ قَاتَلَتْ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ كَالرِّجَالِ أُسِرَتْ أَمْ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ قَاتَلَتْ بِرَمْيِ حِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تُقْتَلُ بَعْدَ أَسْرِهَا اتِّفَاقًا، وَلَا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا عَلَى الرَّاجِحِ، فَالْأَقْسَامُ غَانِيَّةٌ فَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا هَذَانِ الْأَخِيرَانِ فَقَطْ.

وَتَجْرِي الْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ فِي قَوْلِهِ (وَ) إلَّا (الصَّبِيَّ) الْمُطِيقَ لِلْقِتَالِ فَيُقَالُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَكَالْمَرْأَةِ ابْنُ عَرَفَةَ يُقْتَلُ كُلُّ مُقَاتِلٍ حِينَ قِتَالِهِ. ابْنُ سَحْنُونٍ وَلَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا وَسَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْمَوَّاقُ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إلَّا فِي قِتَالِهِمَا لَأَجَادَ. الرَّجْرَاجِيُّ الصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ كَالنِّسَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوا اهـ. وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُرَاهِقِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، قَالَ يَحْيَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ الْعَدُوِّ يُقَاتِلَانِ مَعَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُؤْسَرَانِ أَنَّ قَتْلَهُمَا بَعْدَ أَسْرِهِمَا حَلَالٌ جَائِزٌ كَمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْقِتَالِ وَالْمُكَابَرَةِ قَبْلَ الْأَسْرِ، وَلَا يُتْرَكَانِ

ص: 145

وَالْمَعْتُوهَ: كَشَيْخٍ فَانٍ، وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى، وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ

ــ

[منح الجليل]

«لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوْجَبَا الْقَتْلَ بِقِتَالِهِمَا.

ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يُتْرَكَانِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ لَا يُتْرَكُ قَتْلُهُمَا تَحَرُّجًا إذْ لَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمَا. لَا أَنَّ قَتْلَهُمَا وَاجِبٌ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ قَتْلَهُمَا حَلَالٌ جَائِزٌ اهـ (وَ) إلَّا (الْمَعْتُوهَ) أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ. سَحْنُونٌ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُخْتَلَّ الْعَقْلِ وَشِبْهَهُمْ، وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ الْقَتْلِ فَقَالَ (كَشَيْخٍ فَانٍ) أَيْ لَا بَقِيَّةَ فِيهِ لِلْقِتَالِ، وَلَا لِلتَّدْبِيرِ (وَزَمِنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُقْعَدٍ أَوْ أَشَلَّ أَوْ مَفْلُوجٍ أَوْ مُجَزَّمٍ أَوْ نَحْوِهِمْ (وَأَعْمَى) وَأَعْرَجَ (وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ) عَنْ الْكُفَّارِ (بِدَيْرٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (أَوْ صَوْمَعَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ لِاعْتِزَالِهِمْ أَهْلَ دِينِهِمْ وَتَرْكِهِمْ مَعُونَتَهُمْ بِيَدٍ أَوْ رَأْيٍ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لِاعْتِزَالِهِمْ أَهْلَ دِينِهِمْ عَنْ مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِفَضْلِ تَبَتُّلِهِمْ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْقَتْلِ الرَّاهِبَةُ.

وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الِاسْتِذْكَارِ كَانَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ إتْلَافِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ وَمَنْ لَا يُقَاتِلُ، وَلَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ فِي الْعَادَةِ لَيْسَ فِي إحْدَاثِ الْمَفْسَدَةِ كَالْمُقَاتِلِينَ فَرَجَعَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ.

(بِلَا رَأْيٍ) قَيْدٌ فِي مَنْعِ قَتْلِ الشَّيْخِ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَلِذَا فَصَلَهُ بِالْكَافِ عَمَّا قَبْلَهُ. وَمَفْهُومُ بِدَيْرٍ إلَخْ أَنَّ الرَّاهِبَ الْمُنْعَزِلَ بِكَنِيسَةٍ يُقْتَلُ كَمُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ وَلَهُ رَأْيٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السَّبْعَةِ يُفِيدُ قَتْلَ أُجَرَائِهِمْ وَزُرَّاعِهِمْ وَأَهْلِ صِنَاعَاتِهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ يُؤْسَرُونَ، وَلَا يُقْتَلُونَ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي دِينِهِمْ كَالْمُسْتَضْعَفِينَ. وَصَرَّحَ الْقَلْشَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَائِلًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، وَلِذَا أَدْخَلَهُمْ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ الزَّمْنَى وَالشَّيْخُ الْفَانِي

ص: 146

وَتُرِكَ لَهُمْ الْكِفَايَةُ فَقَطْ، وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ: كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، وَإِنْ حِيزُوا فَقِيمَتُهُمْ، وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ حُرَّانِ.

ــ

[منح الجليل]

وَنَحْوُهُمْ، قَالَ مُرَادُهُ بِنَحْوِهِمْ الْفَلَّاحُونَ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ.

(وَتُرِكَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (لَهُمْ) أَيْ مَنْ لَا يُقْتَلُونَ (الْكِفَايَةُ فَقَطْ) مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ لِظَنِّ يَسْرَتِهِمْ وَيُقَدَّمُ مَالُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُمْ قَالَ فِيهَا وَيُتْرَكُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ بِهِ، وَلَا تُؤْخَذُ كُلُّهَا فَيَمُوتُونَ (وَاسْتَغْفَرَ) أَيْ تَابَ (قَاتِلُهُمْ) أَيْ الشَّيْخُ وَمَنْ بَعْدَهُ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِمْ غَنِيمَةً، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ وَكُلُّ مَنْ لَا يُقْتَلُ يُسْبَى إلَّا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ.

وَشَبَّهَ فِي الِاسْتِغْفَارِ فَقَالَ (كَ) قَاتِلِ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ) وَلَوْ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابِ نَبِيِّهِ وَنَصُّ التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُوتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَهَا فَقَتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ فَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُمْ. وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابِهِ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بَعْثَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَفِيهِ الدِّيَةُ اهـ.

(وَإِنْ) قُتِلَ مَنْ يُؤْسَرُ وَهُوَ مَنْ عَدَا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ بَعْدَ أَنْ (حِيزُوا) وَصَارُوا مَغْنَمًا (فَ) عَلَى قَاتِلِهِمْ (قِيمَتُهُمْ) يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ فِي الْغَنِيمَةِ (وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ) الْمُنْعَزِلَانِ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ (حُرَّانِ) فَلَا يُؤْسَرَانِ وَلَا يُسْتَرَقَّانِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ سَحْنُونٌ تُسْتَرَقُّ الرَّاهِبَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ تَرَهَّبَ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ لِأَرْضِ الْحَرْبِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيُسْتَصْحَبُ لَهُ ذَلِكَ الْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَعَلَى قَاتِلِهِمَا دِيَتُهُمَا إذَا قُتِلَا بَعْدَ أَنْ صَارَا فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي قَتْلِ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا فِي الْمَغْنَمِ. سَحْنُونٌ وَمَنْ قَتَلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ فَإِنْ قَتَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي الْمَغْنَمِ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَغْنَمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ فِي الْمَغْنَمِ يَعْنِي فِي غَيْرِ الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ فِيهِمَا الدِّيَةَ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ عَلَى قَاتِلِهِمَا قَبْلَ صَيْرُورَتِهِمَا

ص: 147

بِقَطْعِ مَاءٍ وَآلَةٍ وَبِنَارٍ؛ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ،

ــ

[منح الجليل]

فِي الْمَغْنَمِ الدِّيَةَ. قَالَ طفي لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا، وَلَا وَجْهَ لَهُ وَاَلَّذِي رَأَيْته لِلْبَاجِيِّ خِلَافَهُ وَذَكَرَ نَصَّ الْمُنْتَقَى فَانْظُرْهُ.

وَصْلَةُ قُوتِلُوا (بِقَطْعِ مَاءٍ) عَنْهُمَا لِيَمُوتُوا عَطَشًا أَوْ عَلَيْهِمْ لِيَمُوتُوا غَرَقًا (وَ) بِ (آلَةٍ) لِقَتْلٍ كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَنَبْلٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَلَوْ خِيفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ كَمَا «فَعَلَ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِ الطَّائِفِ» (وَ) قُوتِلُوا (بِنَارٍ) تُرْسَلُ عَلَيْهِمْ لِتُحْرِقَهُمْ (إنْ) خِيفَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّفَاقًا وَ (لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا) أَيْ النَّارُ لِتَحَصُّنِهِمْ بِمَا لَا يُفِيدُ فِيهِ غَيْرُهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُقَاتَلُونَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُهُمْ إذَا انْفَرَدَ الْمُقَاتِلَةُ وَلَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُمْ إلَّا بِهَا، فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ. ابْنُ رُشْدٍ الْحُصُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْمُقَاتِلَةُ أَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ.

(وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ فَلَا يُقَاتَلُونَ بِهَا اتِّفَاقًا بَرًّا أَوْ بَحْرًا وَلَوْ خِيفَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ اهـ تَوْضِيحٌ. وَبَالَغَ عَلَى جَوَازِ قِتَالِهِمْ بِالنَّارِ بِالشَّرْطَيْنِ

ص: 148

وَإِنْ بِسُفُنٍ، وَبِالْحِصْنِ

ــ

[منح الجليل]

الْمَذْكُورَيْنِ فَقَالَ (وَإِنْ) كُنَّا وَإِيَّاهُمْ أَوْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ (بِسُفُنٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْفَاءِ جَمْعُ سَفِينَةٍ وَيَصِحُّ رُجُوعُهَا لِلْمَفْهُومِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الرَّاجِحَ جَوَازُ قِتَالِهِمْ بِهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ، وَكُنَّ وَإِيَّاهُمْ بِسُفُنٍ سَوَاءٌ أَمْكَنَ غَيْرُهَا أَمْ لَا أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ رُجُوعُهَا لِلْمَنْطُوقِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ بِهَا فِي السُّفُنِ مَعَ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْحِصْنِ فَلَا مَحَلَّ لِلْمُبَالَغَةِ، وَبِهَذَا اعْتَرَضَهَا الشَّارِحُ فَالصَّوَابُ رُجُوعُهَا لِلْمَفْهُومِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ. وَنَصُّ ابْنِ رُشْدٍ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ قَتْلُ الْعَدُوِّ وَمَا لَا يَجُوزُ وَتَلْخِيصُهُ أَنَّ الْحُصُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْمُقَاتِلَةُ فَأَجَازَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْحَضْرَمِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ تَغْرِيقِهِمْ بِالْمَاءِ وَرَمْيِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا الْمُقَاتِلَةُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ وَيُغَرَّقُوا بِالْمَاءِ وَيُرْمَوْا بِالْمَجَانِيقِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْمَوْا بِالْمَجَانِيقِ وَيُغَرَّقُوا بِالْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْمَوْا بِالْمَجَانِيقِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَرَّقُوا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ أَسِيرٌ فَلَا يُرْمَوْا بِالنَّارِ، وَلَا يُغَرَّقُوا بِالْمَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي قَطْعِهِ عَنْهُمْ وَرَمْيِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ حَاكِيًا عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ. وَأَمَّا السُّفُنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَسِيرٌ فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

(وَ) قُوتِلُوا (بِالْحِصْنِ) أَتَى بِهِ مُعَرَّفًا تَنْبِيهًا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ وَعَلَى

ص: 149

بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرِّيَّةٍ، وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا؛ إلَّا لِخَوْفٍ، وَبِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدْ التُّرْسُ؛ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ.

ــ

[منح الجليل]

احْتِرَامِ الذُّرِّيَّةِ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ (بِغَيْرِ تَغْرِيقٍ وَتَحْرِيقٍ) أَمْكَنَ غَيْرُهُمَا أَمْ لَا وَهَذَا كَالتَّخْصِيصِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ بِقَطْعِ مَاءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَلَيْهِمْ حَالَ كَوْنِهِمْ (مَعَ ذُرِّيَّةٍ) أَوْ نِسَاءٍ وَأَوْلَى مَعَ مُسْلِمٍ فَيُتْرَكُونَ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ يُرْمَوْنَ بِالْمَنْجَنِيقِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ الْجِيمِ وَلَوْ مَعَ ذُرِّيَّةٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ مُسْلِمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ.

(وَإِنْ تَتَرَّسُوا) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْحَرْبِيُّونَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِمْ بِحِصْنٍ (بِذُرِّيَّةٍ) لَهُمْ أَوْ نِسَائِهِمْ أَيْ جَعَلُوهَا تُرْسًا يَتَوَقَّوْنَ بِهِ (تُرِكُوا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ بِلَا قِتَالٍ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِخَوْفٍ) مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيُقَاتَلُونَ وَظَاهِرُهُ كَابْنِ بَشِيرٍ وَإِنْ قَلَّ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ خِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ (وَ) إنْ تَتَرَّسُوا (بِمُسْلِمٍ) قُوتِلُوا وَ (لَمْ يُقْصَدْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الصَّادِ (التُّرْسُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ بِالرَّمْيِ وَإِنْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ لَا يُبَاحُ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ (إنْ لَمْ يُخَفْ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ (عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ) شَرْطٌ لِلْأَخِيرَةِ وَلِقَوْلِهِ وَبِنَارٍ، وَلِقَوْلِهِ وَبِالْحِصْنِ إلَخْ فَإِنْ خِيفَ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ قِتَالُهُمْ وَسَقَطَتْ حُرْمَةُ التُّرْسِ، سَوَاءٌ كَانَ ذُرِّيَّتَهُمْ أَوْ مُسْلِمًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَتَرُّسِهِمْ بِمُسْلِمٍ وَتَتَرُّسِهِمْ بِذُرِّيَّتِهِمْ أَنَّ نُفُوسَ الْمُسْلِمِينَ مَجْبُولَةٌ عَلَى بُغْضِ الْكَافِرِينَ، فَلَوْ أُبِيحَ قِتَالُهُمْ حَالَ تَتَرُّسِهِمْ بِذُرِّيَّتِهِمْ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ التُّرْسِ لَأَدَّى لِقَتْلِ ذُرِّيَّتِهِمْ لِعَدَمِ تَحَرُّزِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ لِبُغْضِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ قِتَالِهِمْ حَالَ تَتَرُّسِهِمْ بِمُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْجَوَاهِرِ إذْ قَوْلُهُ وَبِمُسْلِمٍ إلَخْ صَادِقٌ بِعَدَمِ الْخَوْفِ أَصْلًا وَبِخَوْفٍ يَسِيرٍ بِدَلِيلِ الشَّرْطِ بَعْدَهُ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَهُ. وَحُمِلَ أَحَدُ قَوْلِهِ وَبِمُسْلِمٍ عَلَى الْخَوْفِ مِنْهُمْ.

أَيْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا وَخِيفَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يُرْمَوْنَ، وَلَا يُقْصَدْ التُّرْسُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى أَكْثَرِ

ص: 150

وَحَرُمَ نَبْلٌ سُمَّ وَاسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ إلَّا لِخِدْمَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

الْمُسْلِمِينَ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ عَدَمِ قَصْدِ التُّرْسِ وَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا الْخَوْفُ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ فَيُقَاتَلُونَ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ أَوْ بِذُرِّيَّةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ قَصْدِ التُّرْسِ، ثَانِيًا الْخَوْفُ مِنْهُمْ عَلَى أَقَلِّ الْمُسْلِمِينَ فَيُقَاتَلُونَ إنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ وَلَا يُقْصَدُ التُّرْسُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ فَيُقَاتَلُونَ، وَلَا يُعْتَبَرُ التُّرْسُ، ثَالِثُهَا أَنْ لَا يُخَافَ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ قُوتِلُوا أَوْ لَا يُقْصَدُ التُّرْسُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا عَلَى الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى تَقْرِيرِ أَحْمَدَ يُتْرَكُونَ فِيهِمَا.

(وَحَرُمَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ (نَبْلٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مَعْنَاهُ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ مُؤَنَّثٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (سُمَّ) بِضَمِّ السِّينِ وَشَدِّ الْمِيمِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ ضَمِيرُ النَّبْلِ، فَالْمُنَاسِبُ سُمَّتْ أَيْ جُعِلَ فِيهَا السُّمُّ الْقَاتِلُ أَيْ حَرُمَ عَلَيْنَا رَمْيُهُمْ بِهَا، وَاَلَّذِي فِي النَّوَادِرِ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُسَمَّ النَّبْلُ وَالرِّمَاحُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ، فَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْحُرْمَةِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْعَدُوِّ نَبْلٌ مَسْمُومٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ، وَكَرِهَ سَحْنُونٌ جَعْلَ سُمٍّ فِي قِلَالِ خَمْرٍ لِيَشْرَبَهَا الْعَدُوُّ وَهِيَ عَلَى بَابِهَا وَلَوْ كَانَ فِي الْقَتْلِ بِهَا مُثْلَةٌ وَتَعْذِيبٌ لِجَوَازِهَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِأَيِّ قِتْلَةٍ وَحُرْمَةُ الْمُثْلَةِ الْآتِيَةِ خَاصَّةٌ بِمَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.

(وَ) حَرُمَ عَلَيْنَا (اسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ) أَيْ كَافِرٍ فِي الصَّفِّ وَالزَّحْفِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ. لِلطَّلَبِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُمْنَعُ أَشَدَّ الْمَنْعِ، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ غَزْوُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ قَبْلَ إسْلَامِهِ. عج وَفِيهِ شَيْءٌ. عب لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ صَفْوَانَ كَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَجَازَهُ لِلتَّأَلُّفِ لَا لِخُرُوجِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَيَدُلُّ لِأَصْبَغَ ظَاهِرُ خَبَرِ مُسْلِمٍ «ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَهُ لِيَهُودِيٍّ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ» . وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ وَهُوَ بَدْرٌ بِدَلِيلِ غَزْوِ صَفْوَانَ مَعَهُ فِي حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْبِيرِهِ بِمُشْرِكٍ الْحَدِيثَ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ الْمُصْطَفَى بِهِ لِرَدِّ الْكِتَابِيِّ فَلَا يُقَالُ عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي جَوَازَهَا بِكِتَابِيٍّ مَعَ مَنْعِهَا أَيْضًا (إلَّا لِخِدْمَةٍ) مِنْهُ لَنَا كَحَفْرٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ رَمْيٍ بِمَنْجَنِيقٍ أَوْ صَنْعَةٍ فَلَا تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِيهَا.

ص: 151

وَإِرْسَالُ مُصْحَفٍ لَهُمْ، وَسَفَرٌ بِهِ لِأَرْضِهِمْ: كَمَرْأَةٍ إلَّا فِي جَيْشٍ آمِنٍ

وَفِرَارٌ؛ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا

ــ

[منح الجليل]

(وَ) حَرُمَ (إرْسَالُ مُصْحَفٍ) وَلَوْ طَلَبَهُ الطَّاغِيَةُ لِيَتَدَبَّرَهُ خَشْيَةَ إهَانَتِهِمْ (لَهُ) أَوْ إصَابَةِ نَجَاسَةٍ، وَأَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ كَآيَةٍ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ بَعْدُ فَلَا يُقَالُ مَفْهُومُ مُصْحَفٍ أَنَّ مَا دُونَهُ وَلَوْ الْجُلُّ لَا يَحْرُمُ إرْسَالُهُ وَهُوَ يُعَارِضُ مَفْهُومَ قَوْلِهِ الْآتِي فِيمَا يَجُوزُ وَبُعِثَ كِتَابٌ فِيهِ كَآيَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ طَلَبَك كَافِرٌ أَنْ تُعَلِّمَهُ قُرْآنًا فَلَا تَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْفِقْهَ. وَكَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إعْطَاءَهُمْ دِرْهَمًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى اُنْظُرْ الْحَطّ.

(وَ) حَرُمَ (سَفَرٌ بِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ (لِأَرْضِهِمْ) أَيْ بِلَادِ الْكُفَّارِ تَنَازَعَ فِيهِ إرْسَالٌ وَسَفَرٌ وَلَوْ مَعَ جَيْشٍ كَثِيرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُتُبَ الْحَدِيثِ كَالْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ. وَشَبَّهَ فِي الْحُرْمَةِ فَقَالَ (كَ) سَفَرٍ بِ (امْرَأَةٍ) لِأَرْضِهِمْ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ زَوْجَةٍ لِمُسْلِمٍ فَيَحْرُمُ (إلَّا فِي جَيْشٍ آمِنٍ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ فَيَجُوزُ السَّفَرُ بِالْمَرْأَةِ خَاصَّةً، وَلِذَا فَصَلَ بِالْكَافِ؛ لِأَنَّهَا تُنَبِّهُ عَلَى نَفْسِهَا وَالْمُصْحَفُ قَدْ يَسْقُطُ، وَلَا يُشْعَرُ بِهِ، وَقَدْ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُقْرِعُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي سَفَرِ الْغَزْوِ؛ لِأَنَّ جَيْشَهُ آمِنٌ» .

(وَ) حَرُمَ (فِرَارٌ) مِنْ عَدُوٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْجِهَادُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ مَنْدُوبًا (إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ) الَّذِينَ مَعَهُمْ سِلَاحٌ (النِّصْفَ) مِنْ عَدَدِ الْكُفَّارِ كَمِائَةٍ مِنْ مِائَتَيْنِ وَلَوْ فَرَّ الْأَمِيرُ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورِ الْعَدَدُ لَا الْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَتَخْتَصُّ الْحُرْمَةُ بِمَنْ فَرَّ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَبْلُغُوا النِّصْفَ فَلَا يَحْرُمُ (وَلَمْ يَبْلُغُوا) أَيْ الْمُسْلِمُونَ (اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) عَطْفٌ عَلَى مَفْهُومٍ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ، وَقَيَّدَ فِيهِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا النِّصْفَ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا جَازَ الْفِرَارُ أَوْ الْحَالُ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ

ص: 152

إلَّا تَحَرُّفًا

ــ

[منح الجليل]

عَشَرَ أَلْفًا، فَإِنْ بَلَغُوهَا حَرُمَ وَلَوْ كَثُرَ الْكُفَّارُ جِدًّا مَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا جَازَ لِخَبَرِ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ» ، وَمَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا جَازَ. وَفِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ مَحَلُّ الْحُرْمَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذَلِكَ وَظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقْتُلُونَهُمْ جَازَ الْفِرَارُ انْتَهَى.

فَإِنْ كَانَ ظَنُّ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ رُجِعَ لِلتَّقْيِيدِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لِشَجَاعَتِهِمْ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ، وَالْفِرَارُ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَارِّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ. ابْنُ عَرَفَةَ تَظْهَرُ تَوْبَتُهُ بِثُبُوتِهِ فِي زَحْفٍ آخَرَ، وَنَازَعَهُ الْآبِي قَائِلًا: بَلْ هِيَ بِالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَسَبَهُ لِأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَسَلَّمَهُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِهِ وَأَقَرَّاهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَنَسَبَهُ لِلْعِرَاقِيِّينَ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَوَّلَ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ.

وَقَوْلُ " ز " مَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ، وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَنَصُّهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحِلُّ فِرَارُ مِائَةٍ مِنْ ضَعْفِهَا وَلَوْ كَانَ أَشَدَّ سِلَاحًا وَقُوَّةً وَجَلَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ فَفِي التَّوْلِيَةِ سِعَةٌ اهـ. وَأَمَّا الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَا يَفِرُّونَ وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِمْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَقَوْلُ " ز " وَنَازَعَهُ الْآبِي إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَقُلْ إنَّ حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي زَحْفٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا قَالَ ظُهُورُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ.

(إلَّا تَحَرُّفًا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً لِقِتَالٍ بِأَنْ يُظْهِرَ الْهَزِيمَةَ

ص: 153

وَتَحَيُّزًا إنْ خِيفَ

وَالْمُثْلَةُ، وَحَمْلُ رَأْسٍ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ

وَخِيَانَةُ أَسِيرٍ ائْتُمِنَ طَائِعًا وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ،

ــ

[منح الجليل]

لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ وَهُوَ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ.

(وَ) إلَّا تَحَيُّزًا إلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ إلَى فِئَةٍ فَيَتَقَوَّى بِهِمْ، وَشَرْطُ جَوَازِهِمَا كَوْنُ الْمُتَحَرِّفِ وَالْمُتَحَيِّزِ غَيْرَ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا هُمَا فَلَيْسَ لَهُمَا التَّحَرُّفُ، وَلَا التَّحَيُّزُ لِحُصُولِ الْخَلَلِ وَالْمَفْسَدَةِ بِهِ وَاَلَّذِي مِنْ خَصَائِصِهِ عليه الصلاة والسلام وُجُوبُ مُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ وَالْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مَا هُنَا (إنْ خِيفَ) الْعَدُوُّ أَيْ خَافَ مِنْهُ الْمُتَحَيِّزُ أَنْ يَقْتُلَهُ خَوْفًا بَيِّنًا إنْ كَانَ انْحِيَازُهُ إلَى فِئَةٍ خَرَجُوا مَعَهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ بَلَدِ الْأَمِيرِ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدِهِ فَلَا يَكُونُ فِئَةً لَهُمْ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ قَالَهُ الْحَطّ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحِلُّ الْفِرَارُ مِنْ الضَّعْفِ إلَّا انْحِرَافًا لِلْقِتَالِ أَوْ مُتَحَيِّزًا لِفِئَةٍ كَالِانْحِيَازِ لِلْجَيْشِ الْعَظِيمِ أَوْ سَرِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِمُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ رِوَايَةً لَا يَنْحَازُ إلَّا لِخَوْفٍ بَيِّنٍ.

(وَ) حَرُمَ (الْمُثْلَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ التَّمْثِيلُ بِالْكُفَّارِ بِقَطْعِ أَطْرَافِهِمْ وَقَلْعِ أَعْيُنِهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُمَثِّلُوا بِمُسْلِمٍ فَيَجُوزُ حَالَ الْقِتَالِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْدَ تَمْثِيلِهِمْ بِمُسْلِمٍ قَالَهُ الْبَاجِيَّ فِي أَسِيرٍ كَافِرٍ عِنْدَنَا وَقَدْ مَثَّلُوا بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ.

(وَ) حَرُمَ (حَمْلُ رَأْسٍ) مِنْ عَدُوٍّ وَمِنْ بَلَدِ قَتْلِهِ (لِبَلَدٍ) آخَرَ (أَوْ) لِ (وَالٍ) أَيْ أَمِيرِ جَيْشٍ فِي بَلَدِ الْقِتَالِ وَيَجُوزُ حَمْلُهَا فِي بَلَدِ الْقِتَالِ لِغَيْرِ وَالٍ وَاسْتُظْهِرَ جَوَازُ حَمْلِهَا لِبَلَدٍ آخَرَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَاطْمِئْنَانِ الْقُلُوبِ بِالْجَزْمِ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ حُمِلَ رَأْسُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ.

(وَ) حَرُمَ (خِيَانَةُ) مُسْلِمٍ (أَسِيرٍ) فِي بَلَدِ الْعَدُوِّ (ائْتُمِنَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ ائْتَمَنَهُ كَافِرٌ صَرَاحَةً نَحْوُ أَمَّنَّاك عَلَى أَمْوَالِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَنِسَائِنَا أَوْ ضِمْنًا كَإِعْطَائِهِ شَيْئًا يَصْنَعُهُ حَالَ كَوْنِ الْأَسِيرِ (طَائِعًا) فِي ائْتِمَانِهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ بَلْ (وَلَوْ) ائْتُمِنَ (عَلَى نَفْسِهِ) بِعَهْدٍ مِنْهُ أَنْ لَا يَهْرُبَ، وَلَا يَخُونَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِغَيْرِ عَهْدٍ بِيَمِينٍ فِيهِمَا أَوْ بِغَيْرِهَا وَمَفْهُومُ ائْتُمِنَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ تَجُوزُ خِيَانَتُهُ، وَمَفْهُومُ طَائِعًا أَنَّهُ إنْ ائْتُمِنَ مُكْرَهًا

ص: 154

وَالْغُلُولُ، وَأُدِّبَ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ

وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ: نَعْلًا، وَحَرَامًا، وَإِبْرَةً، وَطَعَامًا وَإِنْ نَعَمًا، وَعَلَفًا:

ــ

[منح الجليل]

تَجُوزُ خِيَانَتُهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ حَلَّفُوهُ يَمِينًا عَلَى عَدَمِهَا.

فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ طَوْعُهُ وَهُوَ أَسِيرٌ. قُلْت يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ أَحَبُّوهُ وَظَنُّوا فِيهِ الْأَمَانَةَ وَأَطْلَقُوهُ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ فِي بِلَادِهِمْ فَأَعْجَبَتْهُ لِكَثْرَةِ زِينَةِ الدُّنْيَا مَثَلًا.

(وَ) حَرُمَ (الْغُلُولُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الْجَارِي بَيْنَ الشَّجَرِ، ثُمَّ نُقِلَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا لِإِدْخَالِ الْغَالِّ مَا يَأْخُذُهُ بَيْنَ مَتَاعِهِ لِيُخْفِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ أَخْذُ مَا لَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ حَوْزِهَا أَيْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْسِمُ الْغَنِيمَةَ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً وَإِلَّا جَازَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَخَذَ عَيْنَ شَيْئِهِ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ أَيْ إنْ أَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً.

(وَأُدِّبَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً أَيْ الْغَالُّ (إنْ ظُهِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ اُطُّلِعَ (عَلَيْهِ) ، وَلَا يَمْنَعُهُ سَهْمُهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَمَفْهُومُ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ جَاءَ تَائِبًا فَلَا يُؤَدَّبُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَتَفَرُّقِ الْجَيْشِ وَإِلَّا أُدِّبَ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ وَمَنْ تَابَ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَافْتِرَاقِ الْجَيْشِ أُدِّبَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الشَّاهِدِ يَرْجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ افْتِرَاقَ الْجَيْشِ كَنُفُوذِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْغُرْمِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَعَجْزِهِ عَنْهُ فِي الْجَيْشِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا بَعْدَ حَوْزِهَا فَسَرِقَةٌ وَسَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَحُدَّ زَانٍ وَسَارِقٌ إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ.

(وَجَازَ أَخْذُ) شَخْصٍ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ يُسْهَمُ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ (مُحْتَاجٍ) ظَاهِرُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ لِلْمَيْتَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْهَمُ لَهُ فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ وَمَفْعُولُ أَخْذٍ الْمُضَافُ لِفَاعِلِهِ قَوْلُهُ (نَعْلًا وَحِزَامًا وَإِبْرَةً وَطَعَامًا) إنْ لَمْ يَكُنْ نَعَمًا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (نَعَمًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ أَيْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا يُذَكِّيهِ وَيَأْكُلُ لَحْمَهُ وَيَرُدُّ جِلْدَهُ لِلْغَنِيمَةِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا وَلَوْ نَهَاهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ اضْطَرُّوا إلَيْهِ جَازَ لَهُمْ أَكْلُهُ. أَبُو الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذْ ذَاكَ عَاصٍ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَعَلَفًا) لِدَابَّتِهِ.

ص: 155

كَثَوْبٍ، وَسِلَاحٍ، وَدَابَّةٍ لِيَرُدَّ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إنْ كَثُرَ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَمَضَتْ الْمُبَادَلَةُ بَيْنَهُمْ

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ فَقَالَ (كَثَوْبٍ وَسِلَاحٍ وَدَابَّةٍ لِيَرُدَّ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ الثَّوْبَ وَالسِّلَاحَ وَالدَّابَّةَ لِلْغَنِيمَةِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا فَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ، وَلِذَا فَصَلَهُ بِهَا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ نَحْوِ الثَّوْبِ بِلَا نِيَّةٍ وَظَاهِرُهَا جَوَازُهُ فَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ أَخْذُهُ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ (وَرَدَّ) الْآخِذُ لِلْغَنِيمَةِ (الْفَضْلَ) أَيْ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ جَمِيعِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ مِمَّا قَبْلَ الْكَافِ وَمَا بَعْدَهَا (إنْ كَثُرَ) أَيْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْيَسِيرَ وَهُوَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا لَا يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهَا، وَهَذَا فِيمَا قَبْلَ الْكَافِ فَقَطْ دُونَ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْنِهِ كَالدَّابَّةِ وَالسِّلَاحِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فِيمَا يُرَدُّ بِعَيْنِهِ قَالَهُ الْبُنَانِيُّ، فَإِنْ أَقْرَضَ الْكَثِيرَ أَوْ بَاعَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عِوَضِهِ مِنْ الْمُقْتَرِضِ، وَلَا ثَمَنِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْجَيْشِ إنْ كَانَ الْمُقْتَرِضُ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَلَا يَرُدُّهُ إنْ احْتَاجَ لَهُ وَإِلَّا يَرُدَّهُ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ) رَدَّ مَا وَجَبَ رَدُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا قَبْلَ الْكَافِ أَوْ مِمَّا بَعْدَهَا لِسَفَرِ الْإِمَامِ وَتَفَرُّقِ الْجَيْشِ (تَصَدَّقَ) مَنْ هُوَ بِيَدِهِ (بِهِ) كُلِّهِ بِلَا تَخْمِيسٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّوْضِيحِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُتَصَدَّقُ مِنْهُ حَتَّى يَبْقَى الْيَسِيرُ فَلَهُ إبْقَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْيَسِيرَ يُغْتَفَرُ مُنْفَرِدًا لَا مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَا فَضَلَ مِنْ طَعَامٍ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ يَتَصَدَّقُ بِكَثِيرِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ يَسِيرَهُ. اللَّخْمِيُّ وَالْبَاجِيِّ إنَّمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا افْتَرَقَ الْجَيْشُ وَإِلَّا رَدَّهُ لِلْقَسْمِ. ابْنُ بَشِيرٍ هُوَ كَمَالٍ مَجْهُولٍ مَالِكُهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ.

(وَ) إنْ أَخَذَ شَخْصَانِ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُمَا مُحْتَاجَانِ صِنْفَيْ طَعَامٍ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَفَضَلَ عَنْ حَاجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِمَّا أَخَذَهُ، وَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَا فَضَلَ بِيَدِ الْآخَرِ فَتَبَادَلَا بِتَفَاضُلٍ كَصَاعٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (مَضَتْ الْمُبَادَلَةُ) قَبْلَ الْقَسْمِ الْوَاقِعَةُ (بَيْنَهُمْ) أَيْ الْمُجَاهِدِينَ وَتَجُوزُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَأَنَّهُ رَدَّ مَا فَضَلَ عَنْهُ لِلْغَنِيمَةِ وَأَخَذَهُ

ص: 156

وَبِبَلَدِهِمْ إقَامَةُ الْحَدِّ وَتَخْرِيبٌ وَقَطْعُ نَخْلٍ، وَحَرْقٌ: إنْ أَنْكَى،

ــ

[منح الجليل]

الْآخَرُ مِنْهَا فَلَا مُبَادَلَةَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ تَبَادَلَا بَعْدَ الْقَسْمِ بِتَفَاضُلٍ فُسِخَ. وَكَذَا إنْ تَبَادَلَا بِهِ مَعَ عَدَمِ احْتِيَاجِ كُلٍّ لِفَاضِلِ الْآخَرِ لِوُجُوبِ رَدِّهِ لِلْغَنِيمَةِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَعْبِيرِهِ بِمَضَتْ وَوَجَّهَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِإِفَادَتِهِ عَدَمَ جَبْرِهِ عَلَى دَفْعِ الْعِوَضِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ كَعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ إنْ اقْتَرَضَهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ رَدُّ الْعِوَضِ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الْآخَرِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى رَدَّ الْعِوَضَ فِي الْمُبَادَلَةِ فَإِنَّهُ يُمْضَى كَرَدِّهِ فِي الْقَرْضِ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَى مُقْتَرِضِ طَعَامٍ مِمَّنْ أَصَابَهُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ لِمُقْرِضِهِ. اللَّخْمِيُّ لَوْ كَانَ الطَّعَامُ قَدْرَ حَاجَتِهِ أَيَّامًا فَأَقْرَضَهُ بَعْضَهُ لِيَأْخُذَهُ وَقْتَ حَاجَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى الْمَعْرُوفِ لَوْ رَدَّهُ مُقْتَرِضُهُ لِظَنِّ لُزُومِهِ مِنْ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ، فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ بِشَرْطِ قِيَامِهِ أَوْ مُطْلَقًا نَقْلًا. عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ الْجَارِي بِمَجَالِسِ بَلَدِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهَا مَنْ أَثَابَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِظَنِّ لُزُومِهِ، وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُفَرِّقًا بِأَنَّ رَدَّ الطَّعَامِ بِالْجَبْرِ لِمَكَانِ شَرْطِهِ وَعَدَمَ الْجَبْرِ فِي الصَّدَقَةِ لِعَدَمِهِ وَصَوَّبَ الصِّقِلِّيُّ الْأَوَّلَ وَعَبْدُ الْحَقِّ الثَّانِي وَلَوْ رَدَّهُ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْجَيْشِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ مُطْلَقًا. وَفِي جَوَازِ بَدَلِ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ مُتَفَاضِلًا نَقْلَا اللَّخْمِيِّ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ أَبِي الْعُمَرِيِّ.

الْمَازِرِيُّ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ مَنَعَ الرِّبَا، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِمَنْعِ مَنْ بِيَدِهِ قَمْحٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ عَسَلٌ مَا بِيَدِهِ آخَرَ بِيَدِهِ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِيَدِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعْطِيَهُ ذَلِكَ مُبَادَلَةً، وَمَفْهُومٌ بَيْنَهُمْ امْتِنَاعُهَا بَيْنَ بَعْضِ الْجَيْشِ وَآخَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهَا رِبًا وَإِلَّا جَازَتْ.

(وَ) جَازَ أَيْ أُذِنَ لِلْإِمَامِ (بِبَلَدِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (إقَامَةُ الْحَدِّ) الشَّرْعِيِّ لِزِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ حِرَابَةٍ عَلَى مَنْ فَعَلَ مُوجِبَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَيُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْمُفِيدِ لِلِاخْتِصَاصِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُقِيمُهُ إلَّا بِبَلَدِهِمْ فَلَا يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَرْجِعَ لِبَلَدِهِ.

(وَ) جَازَ (تَخْرِيبٌ) لِدِيَارِهِمْ (وَقَطْعُ نَخْلٍ وَحَرْقٌ) لِزَرْعِهِمْ وَشَجَرِهِمْ (إنْ أَنْكَى)

ص: 157

أَوْ لَمْ تُرْجَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ: كَعَكْسِهِ، وَوَطْءُ أَسِيرٍ: زَوْجَةً، أَوْ أَمَةً سَلِمَتَا، وَذَبْحُ حَيَوَانٍ، وَعَرْقَبَتُهُ وَأُجْهِزَ عَلَيْهِ،

ــ

[منح الجليل]

أَيْ مَا ذُكِرَ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ لِلْكُفَّارِ وَرُجِيَتْ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ) لَمْ يُنْكِ وَ (لَمْ تُرْجَ) لَهُمْ فَالْجَوَازُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنْ أَنْكَى وَلَمْ تُرْجُ تَعَيَّنَ التَّخْرِيبُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ الْحَرْقُ وَإِنْ لَمْ يُنْكِ وَرُجِيَتْ وَجَبَ الْإِبْقَاءُ فَلَا تَدْخُلُ هَاتَانِ الصُّورَتَانِ فِي كَلَامِهِ.

(وَالظَّاهِرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّخْرِيبِ وَالْقَطْعِ (مَنْدُوبٌ) إنْ لَمْ يُرْجَ لِنِكَايَتِهِمْ. وَشَبَّهَ فِي النَّدْبِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ (كَعَكْسِهِ) وَهُوَ الْإِبْقَاءُ مَنْدُوبٌ إنْ رُجِيَ لِلْمُسْلِمِينَ. الْبُنَانِيُّ إنَّمَا تَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى صُورَتَيْنِ إذَا أَنْكَى وَلَمْ تُرْجَ فُضِّلَ الْقَطْعُ، وَإِنْ رُجِيَتْ فُضِّلَ الْإِبْقَاءُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا سِوَاهُمَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مُنْكِيًا.

(وَ) جَازَ (وَطْءُ) مُسْلِمٍ (أَسِيرٍ) فِي بَلَدِ الْعَدُوِّ (زَوْجَةً وَأَمَةً) لَهُ مَسْبِيَّتَيْنِ مَعَهُ إنْ أَيْقَنَ أَنَّهُمَا (سَلِمَتَا) مِنْ وَطْءِ سَابِيهِمَا؛ لِأَنَّ سَبْيَهُمْ الْمُسْلِمَةَ لَا يَهْدِمُ نِكَاحَهَا إنْ كَانَتْ زَوْجَةً، وَلَا يُبْطِلُ مِلْكَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَقَوْلُهُ وَهَدَمَ السَّبْيُ النِّكَاحَ فِي سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ نِسَاءَ الْكَافِرِينَ وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ عَدَمَ حُرْمَتِهِ إذْ هُوَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَكْرَهُ ذَلِكَ لِمَا أَخَافُ مِنْ بَقَاءِ ذُرِّيَّتِهِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ. وَمَفْهُومُ سَلِمَتَا يَقِينًا حُرْمَتُهُ إنْ تَيَقَّنَ وَطْأَهَا أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَتَيَقُّنُ السَّلَامَةِ بِعَدَمِ غَيْبَةِ الْكَافِرِ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا، وَلَا تُصَدَّقُ فِي عَدَمِهِ

(وَ) جَازَ (ذَبْحُ حَيَوَانٍ) مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ عَجَزَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَيْ قَطْعِ حُلْقُومِهِ وَوَدَجَيْهِ (وَعَرْقَبَتُهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ أَوْ قَطْعُ عُرْقُوبَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ لَا نِكَايَةَ فِيهِ وَيُرْجَى لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ فِعْلِ مَا ذُكِرَ بِهِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالتَّخْرِيبِ (وَأُجْهِزَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (عَلَيْهِ)

ص: 158

وَفِي النَّحْلِ إنْ كَثُرَتْ وَلَمْ يُقْصَدْ عَسَلُهَا: رِوَايَتَانِ، وَحُرِقَ إنْ أَكَلُوا الْمَيْتَةَ

ــ

[منح الجليل]

أَيْ الْحَيَوَانِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَيْ أَوْ فُعِلَ بِهِ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ وَلَوْ غَيْرَ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ. فِي التَّوْضِيحِ إذَا عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ حَمْلِ مَالِ الْكُفَّارِ أَوْ عَنْ حَمْلِ بَعْضِ مَتَاعِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُتْلِفُونَهُ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهِ الْعَدُوُّ، وَسَوَاءٌ الْحَيَوَانُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْمَشْهُورِ.

اُخْتُلِفَ بِمَاذَا يُتْلَفُ الْحَيَوَانُ قَالَ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يُعَرْقَبُ أَوْ يُذْبَحُ أَوْ يُجْهَزُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْهُمْ يُجْهَزُ عَلَيْهِ وَكَرِهُوا عَرْقَبَتَهُ وَذَبْحَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُثْلَةٌ وَالْعَرْقَبَةَ تَعْذِيبٌ. اهـ وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ دَرَجَ عَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ أَوَّلًا وَثَانِيًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ اجْتِمَاعَ الثَّلَاثَةِ، وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا إذْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لَهُ فَقَوْلُ الشُّرَّاحِ وَأُجْهِزَ عَلَيْهِ عَقِبَ عَرْقَبَتِهِ إلَخْ غَيْرُ صَوَابٍ.

طفي مَا هُوَ إلَّا تَهَافُتٌ إذْ لَوْ كَانَ يُجْهَزُ عَلَيْهِ فَمَا فَائِدَةُ عَرْقَبَتِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَبَثٌ فَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَيَجُوزُ الْإِجْهَازُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى ذَبْحٍ وَإِنْ كَانَ تَغْيِيرُهُ الْأُسْلُوبَ يُشْعِرْ بِمَا قَالُوهُ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَا لِيُطَابِقَ النَّقْلَ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي إتْلَافِهَا بِالْعَقْرِ دُونَ ذَبْحٍ، وَلَا نَحْرٍ أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَسْرِيحِهَا سَالِمَةً. رَابِعُهَا ذَبْحُهَا أَحْسَنُ. وَخَامِسُهَا يُكْرَهُ كَعَرْقَبَتِهَا مِنْ الْجَهْدِ عَلَيْهَا. وَفِي الشَّامِلِ فَيُجْهَزُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكْرَهُ ذَبْحُهُ وَعَرْقَبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

(وَفِي) جَوَازِ إتْلَافِ (النَّحْلِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ بِحَرْقٍ وَنَحْوِهِ (إنْ كَثُرَتْ) لِنِكَايَتِهِمْ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُقْصَدْ) بِإِتْلَافِهَا (عَسَلُهَا) أَيْ أَخْذُهُ وَكَرَاهَتُهُ (رِوَايَتَانِ) وَمَفْهُومُ إنْ كَثُرَتْ إنْ كَانَتْ قَلِيلَةً وَلَمْ يُقْصَدْ عَسَلُهَا كُرِهَ إتْلَافُهَا، وَمَفْهُومُ لَمْ يُقْصَدْ عَسَلُهَا أَنَّهُ إنْ قُصِدَ عَسَلُهَا فَلَا يُكْرَهُ إتْلَافُهَا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ (وَحُرِقَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمَذْبُوحُ وَالْمُعَرْقَبُ وَالْمُجْهَزُ عَلَيْهِ وُجُوبًا (إنْ أَكَلُوا) أَيْ اسْتَحَلَّ الْكُفَّارُ فِي دِينِهِمْ أَنْ يَأْكُلُوا (الْمَيْتَةَ) وَلَوْ

ص: 159

كَمَتَاعٍ عُجِزَ عَنْ حَمْلِهِ وَجَعْلُ الدِّيوَانِ،

ــ

[منح الجليل]

ظَنًّا لِئَلَّا يَنْتَفِعُوا بِهِ. تت وَالْأَظْهَرُ حَرْقُهُ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَكْلِهِمْ إيَّاهُ حَالَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ.

وَشَبَّهَ فِي الْحَرْقِ فَقَالَ (كَمَتَاعٍ) لَهُمْ أَوْ لِمُسْلِمٍ (عُجِزَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (عَنْ حَمْلِهِ) لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيُحْرَقُ لِئَلَّا يَنْتَفِعُوا بِهِ (وَ) جَازَ (جَعْلٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ اتِّخَاذٌ وَوَضْعٌ وَضَمُّهَا أَيْ مَالِ (الدِّيوَانِ) بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفَتْحِهَا عَلَى خِلَافِهِ أَيْ الدَّفْتَرِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ دِيوَانًا أَيْ دَفْتَرًا يَجْمَعُ فِيهِ أَسْمَاءَ الْجُنْدِ وَعَطَاءَهُمْ. وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ الَّذِي رَتَّبَهُ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى خُرُوجِهِ لِلْجِهَادِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَتَبَهُ لَهُ فِي الدِّيوَانِ.

أَبُو الْحَسَنِ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ حَلَالًا وَيُزَادُ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا لَهُ وَكَوْنُهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ الْمُعْتَادَةِ لِأَمْثَالِهِ لَا أَزْيَدَ مِنْهَا فَيَحْرُمُ، بِخِلَافِ مُرَتَّبِ تَدْرِيسٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ لِمَنْ هُوَ عَالَمٌ وَقَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَخْذُهُ وَلَوْ غَنِيًّا لِقَصْدِ الْوَاقِفِ إعْطَاءَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا دُونَ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مُحْتَاجٌ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُرَتَّبًا لِغَيْرِهِ وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ رَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ هَذَا مُطْلَقًا قَرَّرَهُ عج أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَيُزَادُ إلَخْ، لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ فَانْظُرْهُمَا، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ نَصُّهُ سَمِعَ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا أَرَى قَبُولَ سِلَاحٍ أَوْ فَرَسٍ أُعْطِيَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُحْتَاجِ.

ابْنُ رُشْدٍ قَبُولُ الْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُوَّةِ عَلَى الْجِهَادِ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْغَنِيِّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ عَلَى الْجِهَادِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَإِنْ أَرَادَ " ز " أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي الْكَمَالِ ظَهَرَ كَلَامُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت فَرَضَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْجِهَادَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ فَقَالَ {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَكُلُّ مُحْتَاجٍ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُحْتَاجِينَ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَهَذَا مَشْهُورٌ بَيْنَ

ص: 160

وَجُعَلٌ مِنْ قَاعِدٍ لِمَنْ يَخْرُجُ عَنْهُ، إنْ كَانَا بِدِيوَانٍ،

ــ

[منح الجليل]

الْفُقَهَاءِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُ " ز " وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ مَا يَشْتَرِي مُطْلَقًا قَرَّرَهُ عج. . . إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ غَيْرُ صَوَابٍ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ حَرَامٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي اسْمٍ مَكْتُوبٍ فِي الْعَطَاءِ فَأَعْطَى أَحَدُهُمَا إلَى آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يَبْرَأَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَعْطَى الدَّرَاهِمَ إنْ كَانَ صَاحِبَ الِاسْمِ فَقَدْ أَخَذَ الْآخَرُ مَا يَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخَذَ الدَّرَاهِمَ هُوَ صَاحِبُ الِاسْمِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا بَاعَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَلَا يَدْرِي مَا تَبْلُغُ حَيَاةُ صَاحِبِهِ فَهَذَا غَرَرٌ، وَلَا يَجُوزُ اهـ. قُلْت إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِنَقْدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُرَتَّبِ فَفِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ وَإِلَّا فَالثَّانِي فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَجُعَلٌ مِنْ قَاعِدٍ لِمَنْ يَخْرُجُ عَنْهُ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجِهَادِ (وَ) جَازَ (جُعَلٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ قَدْرٌ مِنْ الْمَالِ أَيْ إعْطَاؤُهُ (مِنْ) شَخْصٍ (قَاعِدٍ) أَيْ مُتَخَلِّفٍ عَنْ الْجِهَادِ (لِمَنْ يَخْرُجُ) لِلْجِهَادِ نَائِبًا (عَنْهُ) أَيْ الْقَاعِدِ فِي الْخُرُوجِ لَهُ (إنْ كَانَا) أَيْ الْقَاعِدُ وَالْخَارِجُ (بِدِيوَانٍ) وَاحِدٍ. فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ سَدَّ الثُّغُورِ وَرُبَّمَا خَرَجَ لَهُمْ وَرُبَّمَا لَمْ يَخْرُجْ، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُجْعَلَ لِمَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي دِيوَانٍ لِيَغْزُوَ عَنْهُ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِمَنْ فِي السَّبِيلِ إجَارَةَ فَرَسِهِ لِمَنْ يُرَابِطُ عَلَيْهِ أَوْ يَغْزُو عَلَيْهِ، فَهَذَا إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَكَأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ لِلْجَهْلِ وَأُجِيزَتْ إذَا كَانَا بِدِيوَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ فَلَيْسَ إجَارَةً حَقِيقِيَّةً اهـ. اللَّقَانِيُّ، أَيْ مَجْهُولَةَ الْعَمَلِ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ لِقَاءٌ أَمْ لَا وَلَا كَمْ مَرَّةً اللِّقَاءُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْجُعَلِ مِنْ الْعَطَاءِ أَوْ مِنْ عِنْدِ الْجَاعِلِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْعَمَلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُ الْخُرُوجِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. احْتِرَازًا عَنْ الِاتِّفَاقِ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ خَرَجَ نَائِبًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِقُوَّةِ الْغَرُورِ وَأَنْ لَا يُعَيِّنَ الْإِمَامُ الْجَاعِلَ بِشَخْصِهِ بِأَنْ عَيَّنَهُ بِوَصْفِهِ بِأَنْ قَالَ أَصْحَابُ فُلَانٍ أَوْ أَهْلُ النَّوْبَةِ الصَّيْفِيَّةِ أَوْ

ص: 161

وَرَفْعُ صَوْتِ مُرَابِطٍ بِالتَّكْبِيرِ.

وَكُرِهَ التَّطْرِيبُ، وَقَتْلُ عَيْنٍ،

ــ

[منح الجليل]

الشِّتْوِيَّةِ مَثَلًا وَهُوَ مِنْهُمْ، فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، فَإِنْ عَيَّنَهُ بِشَخْصِهِ كَزَيْدٍ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهَا.

وَقَالَ التُّونُسِيُّ إنَّمَا تَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَجُنْدُ مِصْرَ أَهْلُ دِيوَانٍ وَاحِدٍ، وَجُنْدُ الشَّامِ أَهْلُ دِيوَانٍ آخَرَ وَاحِدٍ فَلَا يَنُوبُ مِصْرِيٌّ عَنْ شَامِيٍّ وَلَا عَكْسُهُ، وَأَنْ تَكُونَ النِّيَابَةُ إذَا خَافَ الْخُرُوجَ وَسَهْمُ الْغَنِيمَةِ لِلْقَاعِدِ لَا لِلْخَارِجِ. الصِّقِلِّيُّ بِذَا أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَيُنْدَبُ لِلْخَارِجِ أَنْ لَا يَنْوِيَ بِغَزْوِهِ الْجُعَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ وَدَفَعَ بِقَوْلِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ سَدَّ الثُّغُورِ إيهَامَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ عَلَى الْجِهَادِ فَكَيْفَ تَجُوزُ فَأَبْطَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ سَدَّ الثُّغُورِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ كَالْإِمَامِ إذَا أَحْدَثَ، فَإِنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَازَ الْجُعَلُ فِي الْبُعُوثِ وَهُوَ غَرَرٌ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ لَهُ الْعَطَاءُ أَمْ لَا وَإِذَا خَرَجَ هَلْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ فَأَبْطَلَ هَذَا بِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ رُبَّمَا خَرَجَ الْعَطَاءُ وَرُبَّمَا لَمْ يَخْرُجْ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَطَاءَ الَّذِي يَخْرُجُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً هُوَ مَا أَعْطَاهُ الْقَاعِدُ لِلْخَارِجِ، فَإِنْ كَانَ الْعَطَاءُ الْمَكْتُوبُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ وَهُوَ تَبَعٌ فَلَا غَرَرَ اهـ.

وَرَفْعُ صَوْتِ مُرَابِطٍ بِالتَّكْبِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَ) جَازَ بِرَاجِحِيَّةٍ (رَفْعُ صَوْتِ مُرَابِطٍ) وَحَارِسِ بَحْرٍ (بِالتَّكْبِيرِ) فِي حَرَسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَذَا رَفْعُهُ بِتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالسِّرُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ أَفْضَلُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِرَافِعِي أَصْوَاتِهِمْ بِالدُّعَاءِ إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ بَيْنَ أَكْنَافِكُمْ» قَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا بَأْسَ بِالتَّكْبِيرِ فِي الرِّبَاطِ وَالْحَرَسِ عَلَى الْبَحْرِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. اهـ. وَفِي الْمَدْخَلِ يُسْتَحَبُّ، وَكِلَاهُمَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يُؤْذِيَ النَّاسَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ صَلَاةٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ.

(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (التَّطْرِيبُ) أَيْ التَّغَنِّي بِالتَّكْبِيرِ (وَقُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ شَخْصٍ (عَيْنٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ جَاسُوسٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُطْلِعُ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْقُلُ أَخْبَارَهُمْ إلَيْهِمْ وَهُوَ رَسُولُ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ

ص: 162

وَإِنْ أُمِّنَ وَالْمُسْلِمُ كَالزِّنْدِيقِ، وَقَبُولُ الْإِمَامِ هَدِيَّتَهُمْ، وَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِكَقَرَابَةٍ، وَفَيْءٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ، إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ

ــ

[منح الجليل]

رَسُولُ الْخَيْرِ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْجَاسُوسُ ذِمِّيًّا عِنْدَنَا أَوْ حَرْبِيًّا (أُمِّنَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ عَيْنًا، وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ: وَنُقِلَ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ رَأَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ فَهُوَ لَهُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ شَرَّهُ (وَالْمُسْلِمُ) الْعَيْنُ (كَالزِّنْدِيقِ) أَيْ الَّذِي أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَخْفَى الْكُفْرَ فِي تَعَيُّنِ قَتْلِهِ وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بَعْدَ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ وَقَبُولِ تَوْبَتِهِ إنْ أَظْهَرَهَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا.

(وَ) جَازَ (قَبُولُ الْإِمَامِ) حَقِيقَةً أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ (هَدِيَّتَهُمْ) إنْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ لَا إنْ ضَعُفُوا وَأَشْرَفَ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِمْ فَقَصَدُوا التَّوْهِينَ بِهَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ (وَهِيَ) أَيْ الْهَدِيَّةُ (لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ خَاصَّةً (إنْ كَانَتْ) الْهَدِيَّةُ (مِنْ بَعْضٍ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لِلْإِمَامِ (لِكَقَرَابَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَوْ مُكَافَأَةٍ لَهُ أَوْ لِرَجَاءِ بَدَلِهَا أَوْ نَحْوِهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بَلَدَ الْعَدُوِّ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِلْإِمَامِ لَا لِكَقَرَابَةٍ فَفَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا تَخْمِيسٍ إنْ كَانَتْ قَبْلَ دُخُولِ بَلَدِهِمْ وَإِلَّا فَغَنِيمَةٌ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَهُ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِغَيْرِهِ لِكَقَرَابَةٍ فَيَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ دَخَلَ بَلَدَهُمْ أَمْ لَا، وَيَبْعُدُ كَوْنُهَا مِنْ بَعْضٍ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا لِكَقَرَابَةٍ وَانْظُرْ مَا حُكْمُهَا إنْ اتَّفَقَتْ.

(وَ) هِيَ (فَيْءٌ) أَيْ لِمَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (إنْ كَانَتْ) الْهَدِيَّةُ (مِنْ الطَّاغِيَةِ) أَيْ مَلِكِهِمْ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ قَبْلُ وَلِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَدْخُلْ) الْإِمَامُ (بَلَدَهُ) أَيْ الْعَدُوِّ كَانَتْ لِقَرَابَةٍ أَمْ لَا، فَإِنْ دَخَلَ بَلَدَهُ فَغَنِيمَةٌ كَانَتْ لِكَقَرَابَةٍ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ مُرَاعَاةِ كَوْنِ هَدِيَّةِ الطَّاغِيَةِ لِكَقَرَابَةٍ كَوْنُ الْغَالِبِ فِيهَا الْخَوْفَ مِنْ الْمَلِكِ وَجَيْشِهِ، فَلِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قَالَهُ أَحْمَدُ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ عج دُونَ مَا لِجَدِّهِ، وَأَرَادَ بِالطَّاغِيَةِ هُنَا مَلِكُ

ص: 163

وقِتَالُ رُومٍ وَتُرْكٍ كُفَّارٍ وَقِتَالُ رُومٍ وَتُرْكٍ، وَاحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ وَبَعْثُ كِتَابٍ فِيهِ كَالْآيَةِ

وَإِقْدَامُ الرَّجُلِ عَلَى كَثِيرٍ،

ــ

[منح الجليل]

الْكُفَّارِ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَلِكَ الرُّومِ خَاصَّةً، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَدِيَّةِ الطَّاغِيَةِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ وَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ لِكَقَرَابَةٍ دَخَلَ الْإِمَامُ بَلَدَ الْعَدُوِّ أَمْ لَا.

فَإِنْ كَانَتْ لِوَجَاهَةٍ وَنَفَاذِ كَلِمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيُفَصَّلُ فِيهَا تَفْصِيلُ الْهَدِيَّةِ لِلْإِمَامِ مِنْ الطَّاغِيَةِ أَفَادَهُ عب. وَاَلَّذِي فِي حَاشِيَةِ جَدَّ عج وَارْتَضَاهُ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ إنَّمَا فَرَّقَ فِي الْبَيَانِ بَيْنَ كَوْنِهَا لِقَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا إذَا دَخَلَ بَلَدَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَهِيَ فَيْءٌ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ أَوْ غَيْرِهِ. فَلَوْ قَالَ وَهِيَ فَيْءٌ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ إنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِكَقَرَابَةٍ وَغَنِيمَةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاغِيَةِ لَوَفَى بِهَذَا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْحَطّ.

(وَ) جَازَ (قِتَالُ رُومٍ وَتُرْكٍ) كُفَّارٍ أَيْ أُذِنَ فِيهِ فَيَصْدُقُ بِوُجُوبِهِ وَفِي نُسْخَةٍ نُوَبٍ بَدَلَ رُومٍ وَيُرَادُ بِهِمْ الْحَبَشَةُ وَإِنْ كَانَ النُّوَبُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَهُمْ وَهِيَ صَوَابٌ كَمَا فِي الْحَطّ، وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَا الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ حَدِيثَيْ «اُتْرُكُوا الْحَبَشَةَ حَيْثُمَا تَرَكُوكُمْ» «وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» لَيْسَ مَعْمُولًا بِهِمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا مِنْ وُجُوبِ التَّرْكِ، وَحُرْمَةِ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ فِيهِمَا الْإِرْشَادُ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي الْجَوَازَ، فَلِذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّ قِتَالَ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْلَى أَوْ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ تِلْكَ الْآثَارُ، وَأَمَّا الرُّومُ فَلَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَنْ قِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْتَنَى بِالنَّصِّ عَلَى جَوَازِ قِتَالِهِمْ.

(وَ) جَازَ (احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِقُرْآنٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَثُرَ إنْ أَمِنَ سَبَّهُمْ لَهُ وَلِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَرُمَ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِجَاجِ تِلَاوَتُهُ عَلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لَا الْمُحَاجَّةُ الَّتِي يَقُولُ الْخَصْمُ بِالْحُجِّيَّةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِهِ حَالَ تِلَاوَتِهِ عَلَيْهِمْ.

(وَ) جَازَ (بَعْثُ كِتَابٍ) لِلْعَدُوِّ (فِيهِ كَالْآيَةِ) وَالْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ. وَعَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْآيَاتِ فَيَشْمَلُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَكَذَا فِيهِ حَدِيثٌ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ إنْ أُمِنَ سَبُّهُمْ وَامْتِهَانُهُمْ لَهُ

(وَ) جَازَ (إقْدَامُ الرَّجُلِ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَلَى) قِتَالٍ عَدَدٍ (كَثِيرٍ) مِنْ

ص: 164

إنْ لَمْ يَكُنْ لِيُظْهِرَ شَجَاعَةً عَلَى الْأَظْهَرِ

وَانْتِقَالٌ مِنْ مَوْتٍ لِآخَرَ، وَوَجَبَ إنْ رَجَا حَيَاةً أَوْ طُولَهَا: كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى: بِقَتْلٍ، أَوْ مَنٍّ، أَوْ فِدَاءٍ، أَوْ جِزْيَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

الْكَافِرِينَ (إنْ لَمْ يَكُنْ) إقْدَامُهُ (لِيُظْهِرَ) بِهِ (شَجَاعَةً) بِأَنْ كَانَ يَقْصِدُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ رَاجِعٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الْمَوَّاقِ لَا إلَى الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ. فَشَرْطُ الْجَوَازِ قَصْدُ الْإِعْلَاءِ وَالتَّقَرُّبِ لَا مَا يُعْطِيهِ لَفْظُهُ الشَّامِلُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ تَأْثِيرَهُ فِيهِمْ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ وَلَوْ عَلِمَ ذَهَابَ نَفْسِهِ.

(وَ) جَازَ لِمَنْ تَيَقَّنَ الْمَوْتَ وَتَعَارَضَتْ عَلَيْهِ أَسْبَابُهُ (انْتِقَالٌ مِنْ) سَبَبِ (مَوْتٍ) كَحَرْقِ مَرْكَبٍ هُوَ بِهَا (لِ) سَبَبٍ (آخَرَ) كَطَرْحِ نَفْسِهِ فِي بَحْرٍ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ عَوْمٍ (وَوَجَبَ) الِانْتِقَالُ (إنْ رَجَا) بِهِ وَلَوْ شَكًّا (حَيَاةً) مُسْتَمِرَّةً (أَوْ طُولَهَا) أَيْ الْحَيَاةِ وَلَوْ يَحْصُلُ لَهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْمَوْتِ الْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ أَوْ كَانَ مَنْفُوذَ مَقْتَلٍ، وَأَقَامَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ هَذِهِ مَا فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ قَطْعِ مَنْ أَكَلَتْ الْأَكَلَةُ بَعْضَ كَفِّهِ خَوْفَ أَكْلِهَا جَمِيعَهُ مَا لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ مِنْ قَطْعِهِ. أَحْمَدُ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ فَعَلَ بِهِ مَا لَا يَعِيشُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ سَقْيُهُ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ وَمِثْلُ سَقْيِهِ ضَرْبُهُ بِنَحْوِ مُدْيَةٍ فِي لِيَّتِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْمُخَوْزَقِ وَالْمُكَسَّرِ مَا لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُمْ قِصَاصًا وَحَدُّهُمْ السَّيْفُ، فَفُعِلَ بِهِمْ مَا ذُكِرَ ظُلْمًا فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ. اهـ. عب.

وَشَبَّهَ فِي الْوُجُوبِ فَقَالَ (كَالنَّظَرِ) مِنْ الْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (فِي الْأَسْرَى) الصَّالِحِينَ لِلْقِتَالِ مِنْ الْكُفَّارِ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ (بِقَتْلٍ) لِمَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ (أَوْ مَنٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ النُّونِ، أَيْ عِتْقٍ وَتَخْلِيَةِ سَبِيلٍ لِمَنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ وَتُحْسَبُ مِنْ الْخُمُسِ (أَوْ فِدَاءً) بِمَالٍ مِنْ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ وَتُحْسَبُ قِيمَتُهُ مِنْ الْخُمُسِ، وَيُجْعَلُ الْفِدَاءُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يُفْدَى بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ.

(أَوْ) ضَرْبِ (جِزْيَةٍ) عَلَى مَنْ يَصِحُّ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ وَتُحْسَبُ قِيمَتُهُ مِنْ الْخُمُسِ هَذَا

ص: 165

أَوْ اسْتِرْقَاقٍ، وَلَا يَمْنَعُهُ حَمْلٌ بِمُسْلِمٍ، وَرُقَّ إنْ حَمَلَتْ بِهِ بِكُفْرٍ، وَالْوَفَاءُ بِمَا فَتَحَ لَنَا بِهِ بَعْضُهُمْ، وَبِأَمَانِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا

ــ

[منح الجليل]

هُوَ الَّذِي صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ بِهِ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيُجْعَلُ الْفِدَاءُ فِي الْغَنِيمَةِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (أَوْ اسْتِرْقَاقٍ) فِيمَنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْخَمْسَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ، وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ وَالْمُفَادَاةُ، فَمَنْ قُتِلَ فَمِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ رُقَّ يُقْسَمْ، وَمَنْ فُدِيَ أَوْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ مُنَّ عَلَيْهِ فَمِنْ الْخُمُسِ أَفَادَهُ الْحَطّ. عج مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ الْخُمُسِ أَنَّ قِيمَةَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تُحْسَبُ مِنْ الْخُمُسِ الْمُعَدِّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ مِنْهُ وَتَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَأَنَّ الْفِدَاءَ يُجْعَلُ فِي الْغَنِيمَةِ فَيُخَمَّسُ (وَلَا يَمْنَعُهُ) أَيْ اسْتِرْقَاقُ الْأَسِيرَةِ الْكَافِرَةِ (حَمْلٌ) مِنْهَا (بِ) جَنِينٍ (مُسْلِمٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا كِتَابِيَّةً مُسْلِمٌ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ حَامِلًا مِنْهُ أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا الْكَافِرُ وَسُبِيَتْ حَامِلًا، وَقَدْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَتُرَقُّ فِي جَمِيعِهَا (وَرُقَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الْقَافِ أَيْ الْحَمْلُ (إنْ حَمَلَتْ) أُمُّهُ (بِهِ بِكُفْرٍ) مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ أَسْلَمَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْوُسْطَى لَا إنْ حَمَلَتْ بِهِ حَالَ إسْلَامِ أَبِيهِ كَمَا فِي الطَّرَفَيْنِ.

(وَ) وَجَبَ (الْوَفَاءُ بِمَا) أَيْ الشَّرْطِ الَّذِي (فُتِحَ لَنَا) الْحِصْنُ أَوْ الْبَلَدُ (بِ) سَبَبِ اشْتِرَاطِ (هـ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُحَارِبِينَ كَأَفْتَحَ عَلَى أَنْ تُؤَمِّنُونِي عَلَى فُلَانٍ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَالرَّأْسُ مَعَ الْقَائِلِ آمِنَانِ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُ الْأَمَانَ لِغَيْرِهِ إلَّا مَعَ طَلَبِهِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا عَلَى أَهْلِي أَوْ عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِي فَإِنْ قَالَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي أَخَذَهَا مِنْ مَالِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ قَالَ مِنْ دَرَاهِمِي، وَلَا دَرَاهِمَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَالُهُ فَيْءٌ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ.

(وَ) وَجَبَ الْوَفَاءُ (بِأَمَانِ الْإِمَامِ) وَفَاءً (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِبَلَدِ السُّلْطَانِ

ص: 166

كَالْمُبَارِزِ مَعَ قِرْنِهِ، وَإِنْ أُعِينَ بِإِذْنِهِ، وَقُتِلَ مَعَهُ،

ــ

[منح الجليل]

الْمُؤَمِّنِ فَيَكُونُ مُؤَمَّنًا فِي بِلَادِ جَمِيعِ سَلَاطِينِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَخْتَصُّ بِبِلَادِ الْمُؤَمِّنِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِ حُكْمِهِ مَعَ سُلْطَانٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي أَمَّنَهُ كَاَلَّذِي أَمَّنَهُ، وَكَوْنُهُ حَلَالًا لَهُ مُطْلَقًا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا، وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ مَعَ الصِّقِلِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَسَوَاءٌ قَيَّدَ الْإِمَامُ صُلْحَهُ أَوْ أَطْلَقَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَالْمَوَّاقَ، وَيَكْفِي إخْبَارُ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ آمِنٌ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُشْتَرَطُ شَهَادَةُ بَيِّنَةٍ عَلَى تَأْمِينِهِ.

وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ فَقَالَ (كَ) الْمُسْلِمِ (الْمُبَارِزِ) لِكَافِرٍ عَلَى شُرُوطٍ فَيَجِبُ وَفَاؤُهُ بِالشُّرُوطِ (مَعَ قِرْنِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مِثْلِهِ فِي الْقُوَّةِ وَتَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ. ابْنُ عَرَفَةَ سَحْنُونٌ قَالَ لِي مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إنْ دَعَا الْعَدُوُّ لِلْمُبَارَزَةِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُبَارِزَهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ ابْنُ حَبِيبٍ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ رُبَّ رَجُلٍ ضَعِيفٍ يُقْتَلُ فَيَهُدُّ النَّاسَ. الْحَطّ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ زُونَانَ وُجُوبُ اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَزَةِ وَالْقِتَالِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ، وَلَا يَقْتُلُهُ غَيْرُ مَنْ بَارَزَهُ لِأَنَّ مُبَارَزَتَهُ كَالْعَهْدِ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ إلَّا مَنْ بَارَزَهُ، لَكِنْ لَوْ سَقَطَ الْمُسْلِمُ وَأَرَادَ الْحَرْبِيُّ الْإِجْهَازَ عَلَيْهِ مَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ بِغَيْرِ قَتْلِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فِيهِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَالشَّارِحُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعَانُ بِحَالٍ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَضَّدَ الْمُبَارِزُ إنْ خِيفَ قَتْلُهُ. وَقِيلَ لَا لِأَجْلِ الشَّرْطِ، وَلَا يُعْجِبُنَا؛ لِأَنَّ الْعِلْجَ إنْ أَسَرَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنَّ نَسْتَنْقِذَهُ مِنْهُ. الْمَوَّاقُ هَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى فِي الْمَشَارِقِ، الْقِرْنُ بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُهُ أَقْرَانٌ الَّذِي يُقَارِنُك فِي بَطْشٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ عِلْمٍ، فَأَمَّا الَّذِي فِي السِّنِّ فَقَرْنٌ بِالْفَتْحِ وَقَرِينٌ وَجَمْعُهُ قُرَنَاءُ.

(وَإِنْ أُعِينَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْكَافِرُ الْمُبَارِزُ لِمُسْلِمٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْكَافِرِ الْمُبَارِزِ (قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمُعَانُ (مَعَهُ) أَيْ مُعِينُهُ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ قُتِلَ

ص: 167

وَلِمَنْ خَرَجَ فِي جَمَاعَةٍ لِمِثْلِهَا، إذَا فَرَغَ مِنْ قِرْنِهِ: الْإِعَانَةُ وَأُجْبِرُوا

ــ

[منح الجليل]

الْمُعِينُ وَحْدَهُ وَتُرِكَ الْمُعَانُ مَعَ قِرْنِهِ عَلَى مَا دَخَلَ مَعَهُ عَلَيْهِ (وَلِمَنْ) أَيْ الْمُسْلِمِ الَّذِي (خَرَجَ) لِلْمُبَارَزَةِ حَالَ كَوْنِهِ (فِي جَمَاعَةٍ) مُسْلِمِينَ (لِمِثْلِهَا) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَخْصٍ لِآخَرَ وَبَرَزَ عِنْدَ مُنَاشَبَةِ الْقِتَالِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَافِرِينَ.

(فَإِذَا فَرَغَ) أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ (مِنْ قِرْنِهِ) بِقَتْلِهِ فَتَجُوزُ لَهُ (الْإِعَانَةُ) لِمُسْلِمٍ آخَرَ عَلَى قِرْنِهِ نَظَرًا لِخُرُوجِ الْجَمَاعَةِ لِلْجَمَاعَةِ فَكَانَتْ كُلُّ جَمَاعَةٍ بِمَنْزِلَةِ قِرْنٍ وَاحِدٍ وَلِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَتَلَ عَلِيٌّ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَتَلَ حَمْزَةُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأَمَّا شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَضَرَبَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَكَّرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ فَاسْتَنْقَذَاهُ مِنْ شَيْبَةَ وَقَتَلَاهُ قَالَهُ تت وَسَالِمٌ، وَاَلَّذِي فِي السِّيرَةِ أَنَّ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَّلِبُ عَمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَاجِعْ غَزْوَةَ بَدْرٍ فَلَوْ عُيِّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ إعَانَةُ غَيْرِهِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِهِ فَقَطْ، وَهَذِهِ دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ كَالْمُبَارِزِ مَعَ قِرْنِهِ لِشُمُولِهِ مُبَارَزَةَ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ فَقَطْ، وَجَمَاعَةٍ لِجَمَاعَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ ابْنُ حَجَرٍ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ أَيُّهُمَا لِعُبَيْدَةَ وَحَمْزَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ شَيْبَةَ لِعُبَيْدَةَ وَعُتْبَةَ لِحَمْزَةَ وَعَكْسُهُ لِابْنِ إِسْحَاقَ، وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ رِوَايَةِ الْبَزَّارِ أَنَّ عَلِيًّا بَارَزَ شَيْبَةَ وَعُبَيْدَةَ بَارَزَ الْوَلِيدَ خِلَافُ مَا لِلْأَكْثَرِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ السِّيرَةِ مِنْ أَنَّ عُبَيْدَةَ مُطَّلِبِيٌّ لَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ وَابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْفَتْحِ، قَالَ فَالثَّلَاثَةُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالثَّلَاثَةُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ؛ لِأَنَّ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعُتْبَةَ هُوَ أَخُوهُ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأُجْبِرُوا) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْكُفَّارُ الْمُتَحَصِّنُونَ بِحِصْنٍ وَمَدِينَةٍ أَوْ

ص: 168

عَلَى حُكْمِ مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَعَرَفَ الْمَصْلَحَةَ وَإِلَّا نَظَرَ الْإِمَامُ: كَتَأْمِينِ غَيْرِهِ إقْلِيمًا،

ــ

[منح الجليل]

الْقَادِمُونَ أَرْضَ الْإِسْلَامِ بِنَحْوِ تِجَارَةٍ إذَا نَزَلُوا بِأَمَانٍ عَلَى حُكْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَحَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمٍ فَأَبَوْهُ فَيُجْبَرُونَ (عَلَى) تَنْفِيذِ (حُكْمِ مَنْ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي (نَزَلُوا) أَيْ الْكُفَّارُ مِنْ حِصْنِهِمْ أَوْ بَلَدِهِمْ أَوْ سَفِينَتِهِمْ (عَلَى حُكْمِهِ) فِيهِمْ إذَا أَنْزَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى حُكْمِ أَحَدٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءً «وَإِنْزَالُ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حُكِّمَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خُصُوصِيَّةً لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الْأَنْصَارِ الْأَوْسِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَوَالِيَهُمْ» عَلَى أَنَّ الْحَطّ نَقَلَ عَنْ عِيَاضٍ جَوَازَ إنْزَالِهِمْ عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُنْزِلُهُمْ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ.

(إنْ كَانَ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (عَدْلًا) فِي الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ فِي كُلِّ حَاكِمٍ عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ حَكَّمُوا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا عَاقِلِينَ عَالَمِينَ بِهِمْ لَمْ يَجُزْ وَحُكِّمَ الْإِمَامُ. وَقَالَ عِيَاضٌ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالدِّيَانَةِ (وَعَرَفَ) مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ (الْمَصْلَحَةَ) لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عَارِفًا الْمَصْلَحَةَ، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا الْمَصْلَحَةَ صَحَّ حُكْمُهُ وَ (نَظَرَ الْإِمَامُ) فِيهِ فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ، وَيُحَكَّمُ الْإِمَامُ فَالْعَدَالَةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْفِسْقِ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الصِّحَّةِ، وَبِمَعْنَى الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ مَعًا، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُجْمَلٌ. وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ حَكَّمُوا فَاسِقًا صَحَّ ثُمَّ يَنْظُرُ الْإِمَامُ، وَإِنْ حَكَّمُوا عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ.

وَشَبَّهَ فِي نَظَرِ الْإِمَامِ فَقَالَ (كَتَأْمِينِ غَيْرِهِ) أَيْ الْإِمَامِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ (إقْلِيمًا) أَيْ عَدَدًا كَثِيرًا لَا يَنْحَصِرُ إلَّا بِعُسْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ وَهِيَ الْهِنْدُ وَالْحِجَازُ وَمِصْرُ، وَمِنْهَا الشَّامُ وَالْمَغْرِبُ بِدَلِيلِ اتِّحَادِ الْمِيقَاتِ وَالدِّيَةِ وَبَابِلَ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالصِّينِ.

ص: 169

وَإِلَّا فَهَلْ يَجُوزُ؟ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، أَوْ يَمْضِي

ــ

[منح الجليل]

وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْ غَيْرُ الْإِمَامِ إقْلِيمًا بِأَنْ أَمَّنَ عَدَدًا مَحْصُورًا (فَهَلْ يَجُوزُ) تَأْمِينُهُ ابْتِدَاءً وَيَمْضِي، وَلَا نَظَرَ لِلْإِمَامِ فِيهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ جَوَازِهِ ابْتِدَاءً (الْأَكْثَرُ) مِنْ شَارِحِيهَا (أَوْ) لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَلَكِنْ (يُمْضَى) إنْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ. طفي ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا فِيمَنْ سِوَى الْإِمَامِ وَلَوْ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِ التَّأْمِينِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا ذَكَرًا، وَذَكَرَهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ فِيهِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لَازِمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى تَأْمِينِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَنَصَّهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَانُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَا عِنْدِي أَمَانُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إذَا عَقَلَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ اهـ أَبُو الْحَسَنِ. ابْنُ يُونُسَ أَصْحَابُنَا حَمَلُوا قَوْلَ الْغَيْرِ وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى وِفَاقِ قَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ فَبَانَ أَنَّهُمَا لَيْسَا عَامَّيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا فِي خُصُوصِ مُسْتَوْفِي الشُّرُوطِ كَمَا فِي تَوْضِيحِهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُمَا هَلْ يَمْضِي ابْتِدَاءً وَيَلْزَمُ، أَوْ يَمْضِي إنْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُمَا هَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً، أَوْ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ يَمْضِي إنْ وَقَعَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ، وَقَدْ عَزَا الْبَاجِيَّ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ لُزُومَ أَمَانِ الْعَبْدِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَصَرَّحُوا فِي تَأْوِيلِ الْوِفَاقِ بِأَنَّهُ بِالتَّخْيِيرِ.

فَإِنْ قُلْت فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ لَا. قُلْت عَبَّرَتْ الْمُدَوَّنَةُ بِالْجَوَازِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامُهَا مُحْتَمَلٌ لِإِرَادَةِ الْجَوَازِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا إبَاحَةِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مُحْتَمَلٌ. ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِ الْإِمَامِ التَّأْمِينُ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَ نَظَرُ الْإِمَامِ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِاقْتِضَاءِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ جَوَازُهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فَفِيهَا: وَيَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَمْضِي إنْ وَقَعَ وَاخْتُلِفَ فِي كَلَامِ

ص: 170

مِنْ مُؤْمِنٍ مُمَيِّزٍ وَلَوْ صَغِيرًا، أَوْ امْرَأَةً أَوْ رِقًّا، أَوْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ حَبِيبٍ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَوْ مُخَالِفٌ لَهَا اهـ، وَبِهَذَا قَرَّرَ الشَّارِحُ فِي صَغِيرِهِ وَصَدَّرَ بِهِ الْحَطّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الشَّامِلِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَهُوَ ظَاهِرُهَا أَوْ لَا تَأْوِيلَانِ. اهـ. وَهَذَا أَمْثَلُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ أَرَ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِغَيْرِهِ. اهـ. الْبُنَانِيُّ.

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ تَقْرِيرَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْحَطّ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إشَارَةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَانُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَا عِنْدِي أَمَانُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إذَا كَانَ يَعْقِلُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ. ابْنُ يُونُسَ جَعَلَ عَبْدُ الْوَهَّابِ قَوْلَ الْغَيْرِ خِلَافًا وَجَعَلَهُ غَيْرُهُ وِفَاقًا، وَيَرِدُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَمْرَانِ،

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا فِي تَأْمِينِ مَنْ سِوَى الْإِمَامِ وَلَوْ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِنَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ. وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ الْمَشْهُورُ أَنَّ مِنْ كَمُلَتْ فِيهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ، فَتَأْمِينُهُ كَتَأْمِينِ الْإِمَامِ. اهـ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَاهُمَا هَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَوْ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَعْنَاهُمَا هَلْ يَمْضِي ابْتِدَاءً أَوْ لَا يَمْضِي إلَّا بِإِمْضَاءِ الْإِمَامِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِجَوَازِهِ وَعَدَمِهِ.

وَأَمَّا تَعْبِيرُهَا بِالْجَوَازِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُضِيَّ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا إبَاحَةَ الْإِقْدَامِ ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقْبَلُ هَذَا. وَالتَّقْرِيرُ الثَّانِي أَنَّهُ أَشَارَ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّأْمِينُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً أَوْ هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهَا يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إنْ عَقَلَ الْأَمَانَ، وَيُحْتَمَلُ يَجُوزُ إنْ وَقَعَ، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ هَلْ هُوَ وِفَاقٌ لَهَا أَوْ خِلَافٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَوَازُ التَّأْمِينِ أَوْ مُضِيُّهُ إذَا كَانَ (مِنْ مُؤَمِّنٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمِيمِ مَكْسُورَةً (مُمَيِّزٍ) كَذَلِكَ أَيْ عَاقِلِ الْأَمَانِ إنْ كَانَ بَالِغًا ذَكَرًا حُرًّا مُطِيعًا الْإِمَامَ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رِقًّا أَوْ خَارِجًا عَلَى الْإِمَامِ) الْعَدْلِ وَكَانَ

ص: 171

لَا ذِمِّيًّا خَائِفًا مِنْهُمْ؟ تَأْوِيلَانِ

وَسَقَطَ الْقَتْلُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ: بِلَفْظٍ، أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ،

ــ

[منح الجليل]

مُسْلِمًا وَغَيْرَ خَائِفٍ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (لَا) إنْ كَانَ (ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى سُوءِ نَظَرِهِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَ) لَا إنْ كَانَ (خَائِفًا مِنْهُمْ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ (تَأْوِيلَانِ) فَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ لَا فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَقْتَضِي أَنَّ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ فِيهِ الْخِلَافُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَذَا الْخَارِجُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَعَرَفَ الْمَصْلَحَةَ، وَإِلَّا نَظَرَ الْإِمَامُ. وَأَمَّا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ خَارِجًا فَيَجُوزُ تَأْمِينُهُ وَيَمْضِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ خَسِيسًا لَا يُسْأَلُ عَنْهُ إنْ غَابَ، وَلَا يُشَاوَرُ إنْ حَضَرَ

(وَسَقَطَ الْقَتْلُ) عَنْ الْحَرْبِيِّ بِتَأْمِينِهِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمْضَاهُ قَبْلَ الْفَتْحِ بَلْ (وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ) هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ لِمُؤَمِّنِهِ قَتْلُهُ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ، فَالْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ بِالتَّأْمِينِ بَعْدَ الْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُؤَمِّنِ. وَأَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْحَطّ، وَمُقْتَضَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَأْمِينِ غَيْرِ الْإِمَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَتْلِ، وَكَذَا غَيْرُ الْقَتْلِ إنْ كَانَ التَّأْمِينُ قَبْلَ الْفَتْحِ لَا بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ الْقَتْلُ فَقَطْ لَا الْفِدَاءُ أَوْ الْجِزْيَةُ أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ فَيَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ فِيهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ حَيْثُ وَقَعَ التَّأْمِينُ قَبْلَ الْفَتْحِ لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، إذْ لَا يَسْقُطُ حِينَئِذٍ إلَّا هُوَ دُونَ غَيْرِهِ.

ثُمَّ الْأَمَانُ يَكُونُ (بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) أَيْ شَأْنُهَا فَهْمُ الْعَدُوِّ الْأَمَانَ مِنْهَا وَإِنْ قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا ضِدَّهُ كَفَتْحِنَا الْمُصْحَفَ، وَحَلِفِنَا أَنْ نَقْتُلَهُمْ فَظَنُّوهُ تَأْمِينًا فَهُوَ صِلَةُ تَأْمِينٍ فَيُفِيدُ فَائِدَتَيْنِ كَوْنَهُ بِلَفْظٍ إلَخْ، وَسُقُوطُ الْقَتْلِ بِهِ وَتَعْلِيقُهُ بِسُقُوطٍ لَا يُفِيدُ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ تَنَازُعُهُمَا فِيهِ وَإِعْمَالُ الثَّانِي فِي لَفْظِهِ لِقُرْبِهِ، وَالْأَوَّلُ فِي ضَمِيرِهِ وَحَذْفِهِ؛ لِأَنَّهُ فَضْلَةٌ.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ ضِدَّهُ إلَخْ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ حَرْبِيٌّ إلَخْ، وَمَعْنَى

ص: 172

إنْ لَمْ يَضُرَّ.

وَإِنْ ظَنَّهُ حَرْبِيٌّ فَجَاءَ أَوْ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ فَعَصَوْا أَوْ نَسُوا أَوْ جَهِلُوا، أَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُ

ــ

[منح الجليل]

كَوْنِهِ تَأْمِينًا أَنَّهُ يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ لَكِنْ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ لِمَأْمَنِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا فِي التَّوْضِيحِ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِهِ، وَمَا فِي الْمَوَّاقِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ بِحَمْلِ مَا فِي التَّوْضِيحِ عَلَى التَّأْمِينِ الْمُنْعَقِدِ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَلَى مَا يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَتَعْلِيقُهُ يَسْقُطُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ يُفِيدُ الْأَوْلَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ الْمَذْكُورَ ثَمَرَةُ التَّأْمِينِ وَنَتِيجَتُهُ.

وَشَرْطُ جَوَازِ التَّأْمِينِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مُضِيِّهِ (إنْ لَمْ يَضُرُّ) التَّأْمِينُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَصْلَحَةٌ، وَلَا مَضَرَّةٌ فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِأَمَانِ الْإِمَامِ إلَخْ، فَفِي الْجَوَاهِرِ وَشَرْطُ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَرًا فَلَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا أَوْ طَلِيعَةً أَوْ مَنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْمَصْلَحَةُ بَلْ عَدَمُ الْمَضَرَّةِ، ثُمَّ قَالَ فَلَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ بِأَنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ جَاسُوسًا أَوْ طَلِيعَةً أَوْ مَنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ.

وَأَمَّا تَمْثِيلُ الشَّارِحِينَ الْمَضَرَّةَ بِقَوْلِهِمْ كَإِشْرَافِهِمْ عَلَى فَتْحِ حِصْنٍ إلَخْ، فَهُوَ لِسَحْنُونٍ عَزَاهُ جَمِيعُ مَنْ وَقَفْنَا عَلَيْهِ لَهُ وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ التَّأْمِينَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ صِحَّتِهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ بَعْدَهُ فَأَحْرَى قَبْلَهُ، لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي حُكْمِهِ بَعْدَ الْإِشْرَافِ هَلْ هُوَ كَمَا بَعْدَ الْفَتْحِ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ فَقَطْ أَوْ تَأْمِينًا مُطْلَقًا وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي. ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا ذَكَرَ الْأَمَانَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْأَمَانُ قَبْلَ الْفَتْحِ وَمَا دَامَ الَّذِي أُمِّنَ مُتَمَنِّعًا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي شُرُوطِهِ وَكَوْنُهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ أَفَادَهُ طفي.

(وَإِنْ ظَنَّهُ) أَيْ التَّأْمِينَ (حَرْبِيٌّ) مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ مِنَّا وَلَمْ نَقْصِدْهُ كَقَوْلِنَا لِرَئِيسِ مَرْكَبِ الْعَدُوِّ أَرْخِ قَلْعَك أَوْ مَتَرْسْ أَيْ لَا تَخَفْ فَظَنَّهُ تَأْمِينًا (فَجَاءَ) الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا مُعْتَمِدًا عَلَى ظَنِّهِ (أَوْ نَهَى) الْإِمَامُ (النَّاسَ عَنْهُ) أَيْ التَّأْمِينِ (فَعَصَوْا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَالَفُوا نَهْيَ الْإِمَامِ وَأَمَّنُوا (أَوْ نَسُوا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ النَّاسُ نَهْيَ الْإِمَامِ وَأَمَّنُوا (أَوْ جَهِلُوا) أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا نَهْيَهُ أَوْ وُجُوبَ امْتِثَالِهِ وَحُرْمَةَ مُخَالِفَتِهِ فَأَمَّنُوا.

(وَ) أَمَّنَ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا وَ (جَهِلَ) الْحَرْبِيُّ (إسْلَامَهُ) أَيْ اعْتَقَدَ إسْلَامَ الذِّمِّيِّ الَّذِي

ص: 173

لَا إمْضَاءَهُ: أُمْضِيَ أَوْ رُدَّ لِمَحَلِّهِ

وَإِنْ أُخِذَ مُقْبِلًا بِأَرْضِهِمْ، وَقَالَ: جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ، أَوْ بِأَرْضِنَا، وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ لَا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ، أَوْ بَيْنَهُمَا، رُدَّ لِمَأْمَنِهِ،

ــ

[منح الجليل]

أَمَّنَهُ، هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُمْ فَيْءٌ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ (لَا) إنْ عَلِمَ الْحَرْبِيُّ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ وَجَهِلَ أَيْ اعْتَقَدَ (إمْضَاءَهُ) أَيْ تَأْمِينَ الذِّمِّيِّ فَلَا يَمْضِي وَيَكُونُ فَيْئًا. وَجَوَابُ إنْ ظَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (أُمْضِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ التَّأْمِينُ أَيْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ الْحَرْبِيُّ (لِمَحَلِّهِ) أَيْ التَّأْمِينِ الَّذِي كَانَ بِهِ حَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَلَا اسْتِرْقَاقُهُ. ابْنُ رَاشِدٍ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ لَا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لِمَأْمَنِهِ لِصِدْقِهِ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّأْمِينِ بِمَحَلِّ خَوْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ لِحَيْثُ يَأْمَنُ بَلْ لِمَحَلِّهِ قَبْلَ التَّأْمِينِ.

طفى نُصُوصُ الْمَذْهَبِ كُلُّهَا عَلَى الرَّدِّ لِمَأْمَنِهِ مِثْلُ نَصِّ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْبَاجِيَّ حَيْثُ قَالَ لَعَلَّ هَذَا تَجَوُّزٌ مِمَّنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُرَدَّ إلَى مِثْلِ حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّأْمِينِ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ خَالَفَ فِيهِ قَوْلَ الْأَصْحَابِ اهـ الْبُنَانِيُّ. قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَاجِيَّ فَهِمَ عِبَارَةَ الْأَئِمَّةِ عَلَى التَّجَوُّزِ وَهُوَ مُتَّبَعٌ فِي فَهْمِهِ.

(وَإِنْ أُخِذَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْحَرْبِيُّ حَالَ كَوْنِهِ (مُقْبِلًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ حَالَةَ إقْبَالِهِ إلَيْنَا وَصِلَةُ أُخِذَ (بِأَرْضِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (وَقَالَ) الْحَرْبِيُّ الْمَأْخُوذُ بِأَرْضِهِمْ (جِئْت) لَكُمْ (أَطْلُبُ الْأَمَانَ) مِنْكُمْ (أَوْ) أُخِذَ (بِأَرْضِنَا) وَمَعَهُ سِلَعٌ وَدَخَلَهَا بِلَا تَأْمِينٍ (وَقَالَ) الْحَرْبِيُّ الْمَأْخُوذُ بِأَرْضِنَا جِئْت لِأَتَّجِرَ وَ (ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَعَرَّضُونَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حُذِفَتْ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ لِلتَّخْفِيفِ (لِتَاجِرٍ أَوْ) أُخِذَ (بَيْنَهُمَا) أَيْ أَرْضَيْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ. وَقَالَ جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ (رُدَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةً الْحَرْبِيُّ (لِمَأْمَنِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزٌ سَاكِنٌ أَيْ مَحَلٍّ يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي الْمَسَائِلِ

ص: 174

وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ، فَعَلَيْهَا، وَإِنْ رُدَّ بِرِيحٍ، فَعَلَى أَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ، وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا؛ فَمَالُهُ فَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ،

ــ

[منح الجليل]

الثَّلَاثَةِ. وَكَذَا إنْ أُخِذَ بِأَرْضِهِمْ مُقْبِلًا إلَيْنَا بِسِلَعٍ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّكُمْ لَا تَتَعَرَّضُونَ لِتَاجِرٍ بِالْأَوْلَى.

وَلَوْ أُخِذَ بِأَرْضِنَا وَقَالَ: جِئْت لِلْأَمَانِ أَوْ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِلْفِدَاءِ فَقِيلَ يُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ إنْ أُخِذَ بَحَدَثَانِ مَجِيئِهِ وَإِلَّا فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ عج اُنْظُرْ مَا وَجْهُ رَدِّهِ لِمَأْمَنِهِ إذَا قَالَ جِئْت لِلْإِسْلَامِ وَلِمَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ فَإِنْ أَبَاهُ خُيِّرَ فِيهِ الْإِمَامُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى لِعَرْضِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ هَلْ يُسْلِمُ أَمْ لَا.

(وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ) عَلَى صِدْقِهِ كَوُجُودِ سِلَعٍ دُونَ سِلَاحٍ مَعَهُ أَوْ عَلَى كَذَا كَعَكْسِهِ (فَعَلَيْهَا) أَيْ الْقَرِينَةِ يُعْمَلُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ رُدَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا الْحَرْبِيُّ الْمُؤَمَّنُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ لِبَلَدِهِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ (بِرِيحٍ) وَكَذَا إنْ رَجَعَ مُخْتَارًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ (فَ) هُوَ (عَلَى أَمَانِهِ) السَّابِقِ (حَتَّى يَصِلَ) لِبَلَدِهِ أَوْ لِمَأْمَنِهِ وَلَهُ نُزُولُهُ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إلْزَامُهُ الذَّهَابَ. وَقِيلَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَنْزَلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، فَإِنْ رُدَّ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَقِيلَ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ هُوَ فَيْءٌ، وَقِيلَ إنْ رُدَّ غَلَبَةً خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ. وَإِنْ رَجَعَ اخْتِيَارًا فَهُوَ حِلٌّ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ رَجَعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَأْمَنَهُ فَفِي قَوْلِهِ حِلًّا لِمَنْ أَخَذَهُ أَوْ تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي إنْزَالِهِ أَمْنًا وَرَدِّهِ ثَالِثًا إنْ رَجَعَ اخْتِيَارًا اهـ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْأَمَانِ شَرَعَ فِي مُتَعَلَّقَاتِ الِاسْتِئْمَانِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَأْمِينُ حَرْبِيٍّ يَنْزِلُ لِأَمْرٍ يَنْصَرِفُ بِانْقِضَائِهِ فَقَالَ (فَإِنْ مَاتَ) الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ، وَلَا أَسْرٍ (عِنْدَنَا فَمَالُهُ) أَيْ الْحَرْبِيُّ وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ (فَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ الْحَرْبِيُّ (وَارِثٌ) لَهُ بِبَلَدِنَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ لَهُ عِنْدَهُمْ بِقَوْلِ أَسَاقِفَتِهِمْ وَلَوْ زَوْجَةً أَوْ بِنْتًا أَوْ ذَا رَحِمٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ فَهُمَا لَهُ سَوَاءٌ دَخَلَ عَلَى التَّجْهِيزِ أَمْ لَا (وَلَمْ يَدْخُلْ) الْحَرْبِيُّ بَلَدَنَا (عَلَى التَّجْهِيزِ) أَيْ شِرَاءِ أَمْتِعَةٍ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى الْإِقَامَةِ أَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً لَهُمْ، أَوْ جَهِلَ

ص: 175

وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ

ــ

[منح الجليل]

مَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَلَا عَادَةَ لَهُمْ أَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِالْعُرْفِ بَعْدَ دُخُولِهِ عَلَى التَّجْهِيزِ، أَوْ اعْتِيَادِهِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْخَمْسَةِ مَالُهُ وَدِيَتُهُ فَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا فِيهَا إنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ بِلَا أَسْرٍ.

فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ عِنْدِنَا وَأُسِرَ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) إنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَحَارَبَ فَقَتَلُوهُ فَمَالُهُ (لِقَاتِلَهُ إنْ أُسِرَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْحَرْبِيُّ حَيًّا (ثُمَّ قُتِلَ) وَلَمْ يُقْتَلْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِآسِرِهِ، وَحَذْفُ لَفْظِ قَاتِلِهِ ثُمَّ قُتِلَ لِمِلْكِهِ بِأَسْرِهِ رَقَبَتَهُ " غ " وَالصَّوَابُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ عَنْ قَوْلِهِ قَوْلَانِ، لِأَنَّهَا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا إلَخْ، وَفِي قَوْلِهِ وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ لِوَارِثِهِ وَفِي قَوْلِهِ كَوَدِيعَتِهِ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَحَلَّاتِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَنَّهَا مَحْذُوفَةٌ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لِقَاتِلِهِ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ وَغَيْرُ الْمُسْتَنَدِ لَهُ وَإِلَّا فَيُخَمَّسُ كَسَائِرِ الْقَسِيمَةِ اهـ عب.

وَنَصَّ " غ " وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا فَمَالُهُ فَيْءٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ لِوَارِثِهِ كَوَدِيعَتِهِ وَهَلْ وَإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ أَوْ فَيْءٍ قَوْلَانِ، وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ يَقَعُ هَذَا الْكَلَامُ فِي النُّسَخِ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ عَلَى خِلَافِ هَذَا التَّرْتِيبِ وَالصَّوَابُ مَا رَسَمْت لَك يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ اهـ الْبُنَانِيُّ. الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمُوتَ عِنْدَنَا وَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ فِي بَلَدِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْسَرَ وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ فِي مَعْرَكَةٍ.

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ إلَخْ وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ كَوَدِيعَتِهِ، فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ كَمَا فِي س وخش يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْآتِي خِلَافًا لز وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ وَلِقَاتِلِهِ إنْ أُسِرَ فَهُوَ قَسِيمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ فَلَا يُتَوَهَّمُ رُجُوعُهُ لَهُمَا كَمَا تَوَهَّمَهُ " ز " وَشَيْخُهُ.

وَأَشَارَ إلَى الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ وَإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ قَوْلَانِ هَذَا تَحْقِيقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ص: 176

وَإِلَّا أُرْسِلَ مَعَ دِيَتِهِ لِوَارِثِهِ: كَوَدِيعَتِهِ، وَهَلْ وَإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ، أَوْ فَيْءٌ قَوْلَانِ وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ: اشْتِرَاءُ سِلَعِهِ،

ــ

[منح الجليل]

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ تَعْلَمُ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ز مِنْ الْخَلَلِ. ابْنُ عَرَفَةَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ حُكْمُ مَالِهِ عِنْدَنَا فِي مَوْتِهِ بِبَلَدِهِ كَمَوْتِهِ عِنْدَنَا وَمَالُهُ فِي مَوْتِهِ بَعْدَ أَسْرِهِ لِمَنْ أَسَرَهُ. وَلَوْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فَفِي كَوْنِهِ لِوَارِثِهِ أَوْ فَيْئًا لَا يُخَمَّسُ نَقْلُ الصِّقِلِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ نَقْلِهِ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ. اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَوَدِيعَتِهِ الْمَالُ الْمَتْرُوكُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ لَا خُصُوصُ الْوَدِيعَةِ الْعُرْفِيَّةِ، وَلِذَا عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِلَفْظِ مَالٍ وَعَمَّمَ فِي الْقَوْلَيْنِ، وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحَانِ فَقَوْلُ " ز ".

وَكَذَا يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْآتِيَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى التَّجْهِيزِ بِنَصٍّ أَوْ عَادَةٍ وَلَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ فِيهِمَا (أُرْسِلَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ السِّينِ مَالُهُ الَّذِي عِنْدَنَا (مَعَ دِيَتِهِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ ظُلْمًا فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ (لِوَارِثِهِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ فِي دِيَتِهِ فَهَذَا مَفْهُومٌ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ.

وَشَبَّهَ فِي الْإِرْسَالِ لِلْوَارِثِ فَقَالَ (كَوَدِيعَتِهِ) أَيْ مَالِ الْحَرْبِيِّ الْمَتْرُوكِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ وَدِيعَةً عُرْفِيَّةً أَمْ لَا وَقَدْ مَاتَ بِبَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ عِنْدَنَا فَيُرْسَلُ لِوَارِثِهِ بِبَلَدِهِ (وَهَلْ) تُرْسَلُ وَدِيعَتُهُ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ بِبَلَدِنَا أَوْ قُتِلَ ظُلْمًا بَلْ (وَإِنْ قُتِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْحَرْبِيُّ (فِي مَعْرَكَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا أَسْرٍ (أَوْ) إنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فَهِيَ (فَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَا تُرْسَلُ لِوَارِثِهِ، وَلَا تُخَمَّسُ فِيهِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا، الثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَوَّلُ لِابْنِ الْمَوَّازِ حَكَاهُمَا ابْنُ يُونُسَ.

(وَ) إنْ نَهَبَ حَرْبِيٌّ سِلَعًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَذَهَبَ بِهَا لِأَرْضِهِ ثُمَّ رَجَعَ بِهَا لِبِلَادِنَا بِأَمَانٍ (كُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَبُو الْحَسَنِ تَنْزِيهًا (لِغَيْرِ) الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ (الْمَالِكِ) لِلسِّلَعِ الَّتِي قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِهَا بِأَمَانٍ (اشْتِرَاءُ سِلَعِهِ) أَيْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لَهُمْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَتَقْوِيَةٌ لَهُمْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُهَا عَلَى مَالِكِهَا.

ص: 177

وَفَاتَتْ بِهِ وَبِهِبَتِهِمْ لَهَا، وَانْتُزِعَ مَا سُرِقَ، ثُمَّ عِيدَ بِهِ لِبَلَدِنَا عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لَا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ، وَمَلَكَ بِإِسْلَامِهِ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ،

ــ

[منح الجليل]

(وَ) إنْ اشْتَرَاهَا غَيْرُ مَالِكِهَا (فَاتَتْ) السِّلَعُ عَلَى مَالِكِهَا (بِهِ) أَيْ شِرَاءُ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا جَبْرًا بِالثَّمَنِ، وَلَا بِغَيْرِهِ (وَ) فَاتَتْ أَيْضًا (بِهِبَتِهِمْ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ بِأَرْضِنَا بَعْدَ دُخُولِهَا بِأَمَانٍ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ قَبُولِ هِبَتِهِمْ، وَعِلَّةُ التَّفْوِيتِ تَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ فِيهِ أَقُولُ (لَهَا) أَيْ سِلَعِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ وَهَبُوهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، إمَّا؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ يُحَقِّقُ مِلْكَهُمْ أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَتْ لَهُ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِي الْمُقَاسِمِ، أَوْ بَاعُوهُ أَوْ وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ فَلَا يَفُوتُ عَلَى رَبِّهِ فَيَأْخُذُ الْمَوْهُوبَ مَجَّانًا وَالْمَبِيعَ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ (وَانْتُزِعَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الزَّاي مِنْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَوْ الَّذِي ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ (مَا) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي (سُرِقَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فِي زَمَنِ الْعَهْدِ أَوْ غُصِبَ وَلَوْ رَقِيقًا وَذُهِبَ بِهِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ.

(ثُمَّ عِيدَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ رُجِعَ (بِهِ) لِبَلَدِنَا فَيُنْتَزَعُ (عَلَى الْأَظْهَرِ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ سَوَاءٌ عَادَ بِهِ سَارِقُهُ أَوْ غَيْرُهُ وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إنْ عَادَ بِهِ كَقَتْلِ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا حَالَ تَأْمِينِهِ ثُمَّ هَرَبَ إلَى أَرْضِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا، وَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ تَأْمِينَهُ (لَا) يُنْزَعُ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِينَ (أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ) أَسَرُوهُمْ ثُمَّ (قَدِمُوا بِهِمْ) بِأَمَانٍ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ وَطْءِ الْإِنَاثِ وَالرُّجُوعِ بِهِمْ إلَى بِلَادِهِمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ هَكَذَا إنَاثُهُمْ لَا إمَاؤُهُمْ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ: إنَّهُ تُنْزَعُ الْإِنَاثُ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِنَّ دُونَ الذُّكُورِ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُمْ يُنْزَعُونَ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِمْ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبِهِ الْعَمَلُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ.

(وَمَلَكَ) الْحَرْبِيُّ سَوَاءٌ قَدِمَ بِلَادَنَا بِأَمَانٍ حَالَ كُفْرِهِ أَمْ لَا (بِإِسْلَامِهِ) بِأَرْضِنَا أَوْ بِأَرْضِهِمْ، ثُمَّ قَدِمَ بِلَادَنَا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ فَيْءٌ جَمِيعُ مَا غَصَبَهُ أَوْ نَهَبَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ (غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) مِنْ رَقِيقٍ وَلَوْ مُسْلِمًا وَذِمِّيٍّ وَأَمَتِهِ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَا مَسْرُوقٍ، وَلَا حَبْسٍ

ص: 178

وَفُدِيَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، وَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ سَيِّدِهِ، وَمُعْتَقٌ لِأَجَلٍ بَعْدَهُ، وَلَا يُتَّبَعُونَ بِشَيْءٍ، وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ.

ــ

[منح الجليل]

مُحَقَّقٍ كَوْنُهُ حَبْسًا وَفِي مِلْكِهِ مَا احْتَمَلَهُ كَفَرَسٍ فِي فَخِذِهِ لِلسَّبِيلِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُبُ الرَّجُلُ ذَلِكَ لِيَمْنَعَهُ مِنْ النَّاسِ وَعَدَمِهِ قَوْلَانِ، وَلَا مَا تَسَلَّفَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ لَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ مِنْهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ تَعَامَلَا بِأَرْضِ الْحَرْبِ، كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ كُلُّ مَا رَضِيَ بِهِ حَالَ كُفْرِهِ.

(وَفُدِيَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (أُمُّ الْوَلَدِ) لِحُرٍّ مُسْلِمٍ أَسَرَهَا حَرْبِيٌّ ثُمَّ قَدِمَ بِهَا أَوْ أَسْلَمَ فَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا فِدَاؤُهَا مِنْهُ بِقِيمَتِهَا لِقُرْبِهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ وَيَدْفَعُهَا حَالَّةً إنْ كَانَ مَلِيئًا وَيُتْبَعُ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ مُعْدَمًا وَتُقَوَّمُ قِنًّا، فَإِنْ مَاتَتْ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا سَقَطَتْ قِيمَتُهَا.

(وَ) إنْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ وَبِيَدِهِ مُدَبَّرٌ لِمُسْلِمٍ بَقِيَ بِيَدِهِ إلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ فَإِنْ مَاتَ (عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ) مَالِ (سَيِّدِهِ) إنْ حَمَلَهُ فَإِنْ حَمَلَ بَعْضَهُ رَقَّ بَاقِيهِ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ (وَ) إنْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ وَبِيَدِهِ (مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ) لِمُسْلِمٍ بَقِيَ بِيَدِهِ إلَى غَايَةِ الْأَجَلِ وَعَتَقَ (بَعْدَهُ) أَيْ الْأَجَلِ (وَلَا يُتَّبَعُونَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَفَتْحٍ ثَانٍ أَيْ الْمُدَبَّرُ الَّذِي عَتَقَ جَمِيعُهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ الَّذِي عَتَقَ بَعْدَ الْأَجَلِ أَيْ لَا يَتْبَعُهُمْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِمْ (بِشَيْءٍ) مِنْ قِيمَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا خِدْمَتُهُمْ إلَى مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ تَمَامِ الْأَجَلِ كَمَالِكِهِمْ الْأَصْلِيِّ، وَجُمِعَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ بِاعْتِبَارِ رُجُوعِهِ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا.

(وَ) إنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ الْمُدَبَّرَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ رُقَّ مُقَابِلَ الدَّيْنِ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ ثُلُثُ بَاقِيهِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ عَلَى حَقِّ أَرْبَابِ الدُّيُونِ فِيمَا تَسْتَغْرِقُهُ دُيُونُهُمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ و (لَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ) لِلسَّيِّدِ فِيمَا رُقَّ مِنْ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ إسْلَامِهِ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَفِدَائِهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ كَمَالِهِ، هَذَا فِي الْمُدَبَّرِ الْجَانِي لِأَنَّ السَّيِّدَ هُنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ، فَكَذَا وَارِثُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِوُضُوحِ حُكْمِهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُؤَدِّي النُّجُومَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ حُرًّا وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الْأَصْلِيِّ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا رُقَّ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ.

ص: 179

وَحُدَّ زَانٍ وَسَارِقٌ

وَإِنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ:

ــ

[منح الجليل]

وَحُدَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا (زَانٍ) مِنْ الْجَيْشِ بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ ذَاتِ مَغْنَمٍ قَلَّ الْجَيْشُ أَوْ كَثُرَ (وَ) قُطِعَ (سَارِقٌ) نِصَابًا فَمَا فَوْقَهُ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ هُنَا فَلَمْ تَدْرَأْ الْحَدَّ. وَقِيلَ إنْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا. الْبُنَانِيُّ الصَّوَابُ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُحَدُّ الزَّانِي بِذَاتِ الْمَغْنَمِ لِلشُّبْهَةِ، وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ حَتَّى يَسْرِقَ نِصَابًا فَوْقَ حَظِّهِ قف عَلَى الْحَطّ

(إنْ حِيزَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ جُمِعَ (الْمَغْنَمُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْغَنِيمَةُ فِي مَكَان بِالْفِعْلِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُعَيَّنًا بَيْنَ أَيْدِي الْمُجَاهِدِينَ قَبْلَ قَسْمِهِ، فَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ قَبْلَ حَوْزِهِ فَلَا يُقْطَعُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلسَّارِقِ فَقَطْ، وَأَمَّا الزَّانِي فَيُحَدُّ مُطْلَقًا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الزِّنَا.

(وَوُقِفَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُبِسَتْ (الْأَرْضُ) غَيْرُ الْمَوَاتِ وَهِيَ الْأَرْضُ الصَّالِحَةُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَالْمَبْنِيَّةُ دُورًا وَنَحْوُهَا أَيْ صَارَتْ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا بِلَا صِيغَةٍ مِنْ الْإِمَامِ، فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَقْفِ بِحُبِسَتْ وَوُقِفَتْ إلَخْ، وَأَمَّا الْمَوَاتُ فَلِلْإِمَامِ تَمْلِيكُهَا لِمَنْ يَشَاءُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ أَرْضُ الدُّورِ لِلْغَانِمِينَ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي وَقْفِهَا وَقَسْمِهَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُؤْخَذُ لَهَا كِرَاءٌ، بِخِلَافِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ الْمَشْهُورُ مَنْعُ كِرَائِهَا لِفَتْحِهَا عَنْوَةً وَمَا يَقَعُ مِنْ الْقَضَاءِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَعُقُودِ الْإِيجَارَاتِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفُعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ قَسْمَهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. وَالْقَاعِدَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إنْ اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، فَإِذَا قَضَى حَاكِمٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَتَعَيَّنَ مَا حَكَمَ بِهِ، وَهَذَا يَطَّرِدُ عَنْ مَكَّةَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا، وَالدُّورُ الْمَوْقُوفَةُ هِيَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ وَبَقِيَتْ مَبْنِيَّةً فَإِنْ تَهَدَّمَتْ وَبُنِيَتْ مُلِكَتْ وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَوْلُ الْإِمَامِ رضي الله عنه لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ أَرَادَ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ وَالْيَوْمَ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحُكَّامِ

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

فِيهَا بِذَلِكَ خَطَأً. نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَرْضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا إلَى الْأَبَدِ، وَإِذَا جُهِلَ الْأَمْرُ انْتَفَعَ الْحَائِزُ بِحِيَازَتِهِ إذَا جُهِلَ أَصْلُ مَدْخَلِهِ فِيهَا. وَهَلْ يُطَالَبُ بِبَيَانِ سَبَبِ مِلْكِهِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ، وَقَالَ غَيْرُهُ يُطَالَبُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلٌ لِمِلْكِ الْمُدَّعِي فَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ بَيَانِ أَصْلِ مِلْكِهِ وَإِلَّا سُئِلَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ عَتَّابٍ لَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ)

لَا تُقْسَمُ الْأَرْضُ كَغَيْرِهَا لِتَكُونَ فِي أُعْطِيَاتِ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قَسَمَهَا بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ مَضَى، وَلَا يُنْقَضُ. اللَّخْمِيُّ بِلَا خِلَافٍ اهـ عب. طفي قَوْلُ تت وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِهَا هَلْ يَقْسِمُهَا كَغَيْرِهَا، أَوْ يَتْرُكُهَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَى وَقْفِهَا تَرْكُهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ لَا الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّحْبِيسُ، وَسَرَى لَهُ مَا قَالَ مِنْ قَوْلِ الْبِسَاطِيِّ أَيْ كَمَا حَكَمَ عُمَرُ " رضي الله عنه " فِي أَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْسِمْهَا.

وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهَا وَقْفٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ أَوْ طِيبِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ. اهـ. وَذَا حَسَنٌ أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ هَلْ أَوْقَفَهَا عُمَرُ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَطْيِيبِ نُفُوسِ الْمُجَاهِدِينَ فِي الْبَيَانِ، قِيلَ إنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ بَعْدَ تَطْيِيبِ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ فَمَنْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ نَصِيبِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَحْ أَعْطَاهُ الْعِوَضَ. اهـ. فَفُهِمَ مِنْهُ تت غَيْرُ مُرَادِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى كَلَامَهُ فِي كَبِيرِهِ قَالَ مَا قَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. قَالَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوُقِفَتْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى تُوقَفَ. اهـ. فَفُهِمَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنَّهُ الَّذِي شَهَرَهُ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَلَمْ يَنْتَبِهْ لِقَوْلِهِ هَلْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْهُ إلَخْ فَلَفْظُ الْحُكْمِ يَنْفِي مَا قَالَ فَافْهَمْ. اهـ. وَأَقَرَّهُ الْبُنَانِيُّ.

ص: 181

كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. وَخُمِّسَ غَيْرُهَا إنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ،

ــ

[منح الجليل]

شَيْخُ مَشَايِخِنَا الدُّسُوقِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مُرَادُ تت بِوَقْفِهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُتْرَكُ لِلْمَصَالِحِ، وَلَا مَعْنَى لِلْوَقْفِ وَالتَّحْبِيسِ إلَّا ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ إنَّ هَذَا الْوَقْفَ لَا يَحْتَاجُ لِصِيغَةٍ.

(كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ) عج وَأَمَّا مَا يَقَعُ بِمِصْرَ مِنْ شِرَاءِ بَعْضِ سَلَاطِينِهَا وَكُبَرَائِهَا بِلَادًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَجْعَلُونَهَا وَقْفًا عَلَى مَا يَبْنُونَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ مَثَلًا، فَإِنَّمَا يُحَكِّمُونَ فِيهَا مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَا أَهْلَ مَذْهَبِنَا (وَخُمِّسَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مُثَقَّلَةً أَيْ قُسِمَ (غَيْرُهَا) أَيْ الْأَرْضِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ مِثْلِيَّاتٍ أَوْ مُقَوَّمَاتٍ يُجْعَلُ خُمُسٌ مِنْهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ لِلْغَانِمِينَ (إنْ أُوجِفَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ قُوتِلَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ أَيْ إبِلٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْخَيْلِ بِالْكُرَاعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَهُرُوبِهِمْ قِيلَ مُقَاتَلَتُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ بِلَادَهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ.

وَأَمَّا لَوْ هَرَبُوا قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَمَا انْجَلَوْا عَنْهُ فَيْءٌ مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَا يُخَمَّسُ، وَأَمَّا لَوْ هَرَبُوا بَعْدَ خُرُوجِ الْجَيْشِ وَقَبْلَ نُزُولِهِ بِلَادَهُمْ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ فَيْءٌ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَتَوَقَّفَ فِي هَذَا الْقِسْمِ قَائِلًا تَعَارَضَ فِيهِ مَفْهُومَا نَقْلِ اللَّخْمِيِّ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْهَبُ لَا يُخَمَّسُ إلَّا مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ الْمَازِرِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُخَمَّسُ، وَأَمَّا مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ دُونَ قِتَالٍ فَعِنْدَنَا لَا يُخَمَّسُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يُخَمَّسُ كَالْغَنِيمَةِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ الْآبِي فَأَنْتَ تَرَى الْمَازِرِيَّ لَمْ يَعْزُ التَّخْمِيسَ إلَّا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مَعَ سَعَةِ حِفْظِهِ.

وَأَمَّا حِكَايَةُ اللَّخْمِيِّ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ عَلَى نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْهُ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ فِي كَوْنِهِ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ قَوْلَانِ، وَلَمْ يَعْزُهُمَا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ إنْ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فَمُرَادُهُمْ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ

ص: 182

فَخَرَاجُهَا، وَالْخُمُسُ، وَالْجِزْيَةُ، لِآلِهِ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ؛ وَبُدِئَ بِمَنْ

ــ

[منح الجليل]

فِي غَيْرِهِ نَبَّهُوا عَلَيْهِ، لَكِنَّ اللَّخْمِيُّ خَالَفَهُمْ فِي، حِكَايَةِ الْخِلَافِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: احْذَرُوا أَحَادِيثَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَإِجْمَاعَاتِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاتِّفَاقَاتِ ابْنِ رُشْدٍ وَخِلَافَاتِ اللَّخْمِيِّ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ كَانَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى أَدْخَلَ الْبَاجِيَّ فِيهِ يَحْتَمِلُ وَيَحْتَمِلُ، حَتَّى جَعَلَ اللَّخْمِيُّ ذَلِكَ كُلَّهُ خِلَافًا قَالَهُ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ الْغَنِيمَةِ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ، وَلَازِمُهُ تَخْمِيسُهُ. اهـ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ مَا أُخِذَ مِنْ، حَيْثُ يُقَاتَلُ كَمَا يَقْرُبُ مِنْ قُرَاهُمْ كَمَا قُوتِلَ عَلَيْهِ. اهـ. فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتَلُ عَلَيْهِ أَيْ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْقِتَالُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ خِلَافًا لِلرَّصَّاعِ حَيْثُ أَدْخَلَ فِي التَّعْرِيفِ نُزُولَ الْجَيْشِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي مَسْأَلَةِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَهُ طفي فِي أَجْوِبَتِهِ.

(فَخَرَاجُهَا) أَيْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ جُزْءُ الْخَارِجِ مِنْهَا إنْ سَاقَى عَلَيْهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (وَالْخُمُسُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ رِكَازٍ (وَالْجِزْيَةُ) الْعَنْوِيَّةُ وَالصُّلْحِيَّةُ وَالْفَيْءُ وَعُشُورُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَخَرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ وَمَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْحَرْبِيِّينَ وَمَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَمَالٌ جُهِلَ مَالِكُهُ مَحَلُّهَا بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّاظِرُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بِصَرْفِهَا بِاجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِهِمْ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَسْوَارِ وَالْحُصُونِ وَالْمَرَاكِبِ، وَالْخَاصَّةِ كَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَفِدَاءِ أَسِيرٍ وَقَضَاءِ دَيْنِ مُعْسِرٍ وَتَزْوِيجِ عَازِبٍ وَنَفَقَةِ فَقِيرٍ وَنُدِبَ بَدْؤُهُ بِالصَّرْفِ (لِآلِهِ) أَيْ النَّبِيِّ (عليه الصلاة والسلام) الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ.

(ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَصْلَحَةٍ وَمِنْهَا نَفْسُ الْإِمَامِ وَعِيَالُهُ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَلَوْ اُسْتُغْرِقَ جَمِيعُهُ بِالْمَعْرُوفِ (وَبُدِئَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وُجُوبًا مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي بَعْدَ آلِهِ صلى الله عليه وسلم فَالْبَدْءُ هُنَا إضَافِيٌّ، وَالْمُتَقَدِّمُ حَقِيقِيٌّ (بِمَنْ) أَيْ

ص: 183

فِيهِمْ الْمَالُ، وَنُقِلَ لِلْأَحْوَجِ الْأَكْثَرِ،

ــ

[منح الجليل]

مَصَالِحَ مَنْ جُمِعَ (فِيهِمْ الْمَالُ) كَبِنَاءِ مَسَاجِدِهِمْ وَقَنَاطِرِهِمْ وَعِمَارَةِ ثُغُورِهِمْ وَأَرْزَاقِ قُضَاتِهِمْ وَمُؤَذِّنِيهِمْ وَقَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَعَقْلِ جِنَايَاتِهِمْ وَتَزْوِيجِ عُزَّابِهِمْ وَيُعْطَوْنَ كِفَايَةَ سَنَةٍ.

(وَنُقِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وُجُوبًا (لِلْأَحْوَجِ) مِمَّنْ جُبِيَ الْمَالُ فِيهِمْ (الْأَكْثَرِ) وَأُبْقِيَ الْأَقَلُّ لِمَنْ جُبِيَ فِيهِمْ الْمَالُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ لِسَنَةٍ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِيهَا أَيُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ قَالَ، قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه يُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ حَتَّى يُغْنَوْا وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا أَحَقُّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِقَوْمٍ حَاجَةٌ فَيُنْقَلُ إلَيْهِمْ مِنْهَا بَعْدَ إعْطَاءِ أَهْلِهَا مَا يُغْنِيهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ. ابْنُ حَبِيبٍ مَالُ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَهُ رِزْقًا لِعِبَادِهِ مَالَانِ: زَكَاةٌ لِأَصْنَافٍ مُعَيَّنَةٍ، وَفَيْءٌ سَاوَى فِيهِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.

قُلْت فِي مُجَرَّدِ الْأَخْذِ فِي مُعَيَّنَةٍ قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَرَوَى مُطَرِّفٌ يُعْطِي الْإِمَامُ مِنْهُ أَقْرِبَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْرَ مَا يَرَى مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه يَخُصُّ وَلَدَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُلَّ عَامٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ سِوَى مَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. ابْنُ حَبِيبٍ سِيرَةُ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ فِي الْفَيْءِ وَشِبْهِهِ أَنْ يَبْدَءُوا بِسَدِّ خَلَلِ الْبَلَدِ الَّذِي جُبِيَ مِنْهُ أَوْ فِيءَ مِنْهُ وَسَدِّ حُصُونِهِ وَالزِّيَادَةِ فِي كُرَاعِهِ وَسِلَاحِهِ وَيَقْطَعَ مِنْهُ رِزْقَ عُمَّالِهِ وَقُضَاتِهِ وَمُؤَذِّنِيهِ وَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يُخْرِجَ عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ لِلْعِيَالِ وَالذُّرِّيَّةِ.

قُلْتُ ظَاهِرُهُ تَبْدِئَةُ الْعُمَّالِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَيَأْتِي لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَكْسُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ. ابْنُ حَبِيبٍ ثُمَّ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ وَيَبْدَأُ بِالْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ فَمَا فَضَلَ رَفَعَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ يَقْسِمُهُ فَيَبْدَأُ فِيهِ بِمِثْلِ مَا بَدَأَ بِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْفُقَرَاءَ وَالْأَغْنِيَاءَ آثَرَ الْفُقَرَاءَ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِبَلَدٍ شِدَّةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يُذْهِبُهَا فَلْيَعْطِفْ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهَا بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ أَبْقَى مِنْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا يَعْزُو مِنْ نَوَّائِهِمْ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَفَكِّ أَسِيرٍ وَغَزْوٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَمُؤْنَةٍ فِي عَقْلِ حَرَجٍ وَتَزْوِيجٍ وَإِعَانَةِ حَاجٍّ.

اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ أَرْضِ صُلْحٍ فَلَا يُصْرَفُ فِي إصْلَاحِ ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْكُفَّارِ

ص: 184

وَنَفَّلَ مِنْهُ السَّلَبَ لِمَصْلَحَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ إنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ السَّلَبُ»

ــ

[منح الجليل]

وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُسْلِمُونَ فُقَرَاءُ أُعْطُوا مِنْهُ. ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَبْدَأُ فِي الْفَيْءِ الَّذِي يَصِيرُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِإِعْطَاءِ الْمُقَاتِلِينَ مِنْ جَمِيعِ الْبُلْدَانِ يَعُدُّ فِيهِمْ مَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَا يَحْتَاجُونَ فِي الْعَامِ، وَيُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ التَّفَرُّقِ بَعْدَهُ ثُمَّ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَأَلْزَمْنَا لِقِوَامِ عَامِهِمْ وَالْأَعْرَابُ وَالْبَوَادِي كَالذُّرِّيَّةِ، وَمَا فَضَلَ عَمَّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ فَقِيرَهُمْ وَغَنِيَّهُمْ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَإِنْ قَلَّ آثَرَ الْفُقَرَاءَ بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ رضي الله عنه يَبْدَأُ فِي الْفَيْءِ بِالْفُقَرَاءِ فَمَا بَقِيَ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ بِالسَّوِيَّةِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ حَبْسَهُ لِنَوَائِبِ الْإِسْلَامِ.

ابْنُ الْقَاسِمِ عِرِّيفُهُمْ وَمَوْلَاهُمْ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " حَدَّثَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " رضي الله عنه " خَطَبَ فَقَالَ إنِّي عَمِلْت عَمَلًا وَعَمِلَ صَاحِبِي عَمَلًا وَإِنْ بَقِيت لِقَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ بِأَعْلَاهُمْ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ، وَلَوْ كَانَ رَاعِيًا أَوْ رَاعِيَةً بِعَدَنَ فَأَعْجَبَ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَحَبَّ.

(وَنَفَّلَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ مُثَقَّلَةً أَيْ زَادَ الْإِمَامُ (مِنْهُ) أَيْ خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ (السَّلَبَ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَا يُسْلَبُ مِنْ الْقَتِيلِ وَيُسَمَّى نَفْلًا كُلِّيًّا، وَأَمَّا النَّفَلُ الْجُزْئِيُّ فَشَيْءٌ مُعَيَّنٌ كَفَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ سِلَاحٍ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ لِبَعْضِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْخُمُسِ أَيْضًا، فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ السَّلَبَ لَشَمِلَهُمَا مَعَ الِاخْتِصَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى جَوَازِ تَنْفِيلِ السَّلَبِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْعِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَنْفِيلِ الْجُزْئِيِّ بِالْأَوْلَى وَشَرْطُ جَوَازِ التَّنْفِيلِ كَوْنُهُ (لِمَصْلَحَةِ) الْمُسْلِمِينَ كَشَجَاعَةِ الْمُنَفِّلِ وَتَدْبِيرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ النَّفَلُ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحِقَّهَا لِمَصْلَحَةٍ وَهُوَ جُزْئِيٌّ وَكُلِّيٌّ، فَالْأَوَّلُ مَا يَثْبُتُ بِإِعْطَائِهِ بِالْفِعْلِ، وَالثَّانِي مَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» .

(وَلَمْ يَجُزْ) لِلْإِمَامِ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ فَأَبْقَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْمَنْعِ (إنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ) صَادِقٌ بِأَثْنَائِهِ وَقَبْلَهُ، وَفَاعِلُ لَمْ يَجُزْ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»

ص: 185

وَمَضَى إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ؟ وَلِلْمُسْلِمِ فَقَطْ سَلَبٌ اُعْتِيدَ؛ لَا سِرَارٌ، وَصَلِيبٌ، وَعَيْنٌ، وَدَابَّةٌ،

ــ

[منح الجليل]

أَيْ هَذَا اللَّفْظُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ مَنْ جَاءَنِي بِشَيْءٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ خَيْلٍ فَلَهُ رُبُعُهُ مَثَلًا، أَوْ مَنْ صَعِدَ مَوْضِعَ كَذَا أَوْ قَلْعَةَ كَذَا، أَوْ وَقَفَ فِي مَكَانِ كَذَا فَلَهُ كَذَا، لِإِفْسَادِ نِيَّاتِهِمْ بِالْقِتَالِ لِلْمَالِ وَلِتَأْدِيَتِهِ إلَى تَحَامُلِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تُقَدِّمُوا جَمَاجِمَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْحُصُونِ فَلَمُسْلِمٌ أَسْتَبْقِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حِصْنٍ أَفْتَحُهُ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا الْجُعَلُ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ السَّلَبِ، وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ.

(وَمَضَى) أَيْ نَفَذَ قَوْلُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا إلَخْ، وَعُمِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا؛ لِأَنَّهُ كَحُكْمٍ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ لِإِجَازَتِهِ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ) أَيْ الْإِمَامُ قَوْلُهُ مَنْ قَتَلَ إلَخْ (قَبْلَ حَوْزِ الْمَغْنَمِ) بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ أَصْلًا أَوْ أَبْطَلَهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ قَبْلَهُ أَيْ أَظْهَرَ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَهُ اُعْتُبِرَ إبْطَالُهُ فِيمَا يَقْتُلُ بَعْدَهُ لَا فِيمَا قَتَلَ قَبْلَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ إبْطَالُهُ بَعْدَهُ فَيَسْتَحِقُّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَسْبَابِ مَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ حَيْثُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ أَوْ أَطْلَقَ فَمِنْهُ فَفِي الْمَوَّاقِ سَحْنُونٌ كُلُّ شَيْءٍ يَبْذُلُهُ الْإِمَامُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَلَا يَنْبَغِي عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ إنْ نَزَلَ وَقَالَ ذَلِكَ أَمْضَيْنَاهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.

وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كُلُّ قَاتِلٍ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بَيَّنَ الْمُصَنِّفِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَقَالَ (وَلِلْمُسْلِمِ فَقَطْ) أَيْ لَا لِلذِّمِّيِّ. ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ لَهُ الْإِمَامُ (سَلَبٌ) مِنْ حَرْبِيٍّ (اُعْتِيدَ) وُجُودُهُ مَعَ الْمَقْتُولِ حَالَ الْحَرْبِ كَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَدَابَّتِهِ الْمَرْكُوبَةِ لَهُ أَوْ الْمَمْسُوكَةِ بِيَدِهِ، أَوْ يَدِ غُلَامِهِ لِلْقِتَالِ (لَا سِرَارٌ) بِيَدِ الْحَرْبِيِّ أَوْ مَعَهُ وَطَوْقٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ مَعَهُ (وَصَلِيبٌ) مِنْ عَيْنٍ (وَعَيْنٌ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَاجٍ وَقُرْطٍ وَنَحْوِهَا مِنْ عَيْنٍ أَوْ جَوْهَرٍ (وَدَابَّةٌ) جَنِيبٌ أَمَامَهُ لِلزِّينَةِ، وَهَذِهِ مَفْهُومُ اُعْتِيدَ ابْنُ حَبِيبٍ فَرَسُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَمْسُوكُ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ مِنْ السَّلَبِ لَا مَا تَجَنَّبَ أَوْ أَفْلَتَ مِنْهُ إنْ سَمِعَ الْمُسْلِمُ قَوْلَ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ إلَخْ.

ص: 186

وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَوْ تَعَدَّدَ؛ إنْ لَمْ يَقُلْ قَتِيلًا، وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ.

وَلَمْ يَكُنْ لِكَمَرْأَةٍ، إنْ لَمْ تُقَاتِلْ: كَالْإِمَامِ، إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ، أَوْ يَخُصَّ نَفْسَهُ، وَلَهُ الْبَغْلَةُ؛ إنْ قَالَ عَلَى بَغْلٍ؛

ــ

[منح الجليل]

بَلْ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ) قَوْلَ الْإِمَامِ لِبُعْدٍ أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ صَمَمٍ إذَا سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْجَيْشِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ فَلَغْوٌ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْقَتِيلُ (أَوْ تَعَدَّدَ) الْقَتِيلُ (إنْ لَمْ يَقُلْ) الْإِمَامُ (قَتِيلًا) وَاحِدًا، وَصَوَابُهُ، إنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَاتِلًا؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ. مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ تُقَدَّرْ صِفَتُهُ الْمَحْذُوفَةُ فَالتَّعْيِينُ إمَّا لِلْقَاتِلِ أَوْ لِلْمَقْتُولِ بِالْوَحْدَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَيَّنَ قَاتِلًا بِأَنْ قَالَ إنْ قَتَلْت يَا زَيْدُ قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ (فَالْأَوَّلُ) مِنْ الْمَقْتُولِينَ لَهُ سَلَبُهُ دُونَ غَيْرِهِ حَيْثُ تَعَدَّدَ مَقْتُولُهُ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: أَنْ لَا يَأْتِيَ الْإِمَامُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الشُّمُولِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ بِأَنْ قَالَ مَنْ قَتَلْته يَا زَيْدُ فَلَكَ سَلَبُهُ فَلَهُ سَلَبُ جَمِيعِ مَقْتُولِيهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ الْأَوَّلَ مِنْ مَقْتُولِيهِ فَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ نِصْفُ كُلٍّ وَقِيلَ لَهُ أَقَلُّهُمَا. ثَالِثُهَا أَنْ يَقْتُلَهُمَا مُرَتَّبَيْنِ، فَإِنْ قَتَلَهُمَا مَعًا فَقِيلَ لَهُ سَلَبُهُمَا. وَقِيلَ أَكْثَرُهُمَا وَإِنْ قَالَ إذَا أَصَبْت أَسِيرًا فَهُوَ لَك فَأَصَابَ اثْنَيْنِ فَلَهُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ قِيلَ أَكْثَرُهُمَا، وَقِيلَ لَهُ الْجَمِيعُ.

(وَلَمْ يَكُنْ) السَّلَبُ (لِكَمَرْأَةٍ) اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ، كَسَمِعْت لَهُ صُرَاخًا، أَيْ مَنْ قَتَلَ امْرَأَةً فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهَا (إنْ لَمْ تُقَاتِلْ) بِسِلَاحٍ كَالرِّجَالِ وَلَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا، فَإِنْ قَاتَلَتْ بِسِلَاحٍ أَوْ قَتَلَتْ أَحَدًا فَسَلَبُهَا لِقَاتِلِهَا، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الصَّبِيَّ وَالشَّيْخَ الْفَانِي وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى وَالرَّاهِبَ الْمُنْعَزِلَ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ.

وَشَبَّهَ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فَقَالَ (كَالْإِمَامِ) إذَا قَتَلَ قَتِيلًا فَيَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ الْمُعْتَادَ (إنْ لَمْ يَقُلْ) الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا (مِنْكُمْ) بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْمُتَكَلِّمِ فِي كَلَامِهِ الْعَامِّ إنْ كَانَ خَبَرًا لَا أَمْرًا (أَوْ) إنْ لَمْ (يَخُصَّ) الْإِمَامُ (نَفْسَهُ) فَإِنْ قَالَ مِنْكُمْ أَوْ خَصَّ نَفْسَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِإِخْرَاجِ نَفْسِهِ فِي الْأَوَّلِ وَمُحَابَاتِهَا فِي الثَّانِي (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ الْقَاتِلِ حَرْبِيًّا (الْبَغْلَةُ) الَّتِي رَكِبَهَا الْحَرْبِيُّ أَوْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ أَمْسَكَهَا لَهُ غُلَامُهُ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهَا (إنْ قَالَ) الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا (عَلَى بَغْلٍ) فَهُوَ لَهُ وَالْحِمَارَةُ إنْ قَالَ عَلَى حِمَارٍ وَالنَّاقَةُ إنْ قَالَ عَلَى جَمَلٍ أَوْ

ص: 187

لَا إنْ كَانَتْ بِيَدِ غُلَامِهِ

وَقَسَمَ الْأَرْبَعَةَ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حَاضِرٍ: كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا، أَوْ خَرَجَ بِنِيَّةِ غَزْوٍ؛

ــ

[منح الجليل]

بَعِيرٍ لِإِطْلَاقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْجَمَلِ وَالْبَعِيرِ عَلَى الْأُنْثَى، وَهَذَا عُرْفٌ قَدِيمٌ تُنُوسِيَ، وَالْعُرْفُ الْآنَ قَصْرُهُمَا عَلَى الذَّكَرِ، وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْعُرْفِ لَا يُفْتَى بِهَا بَعْدَ تَنَاسِيهِ، وَتَجَدُّدِ غَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُفْتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ الْمُتَجَدِّدُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَزَمَنٍ وَلَوْ قَالَ عَلَى بَغْلَةٍ أَوْ حِمَارَةٍ أَوْ نَاقَةٍ فَلَا تَشْمَلُ الذَّكَرَ فَلَوْ قَالَ عَلَى كَبَغْلٍ لَكَانَ أَشْمَلَ.

(لَا) يَسْتَحِقُّ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ دَابَّةَ مَقْتُولِهِ (إنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ مَمْسُوكَةً (بِيَدِ غُلَامِهِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ لِغَيْرِ الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَقَتَلَهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا غَيْرَهَا فَلَا حَقَّ لِقَاتِلِهِ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَمْسُوكَةً لِيُقَاتِلَ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بِيَدِ الْمَقْتُولِ أَوْ رُبِطَ بِمِنْطَقَتِهِ

(وَقَسَمَ) الْإِمَامُ الْأَخْمَاسَ (الْأَرْبَعَةَ) الْبَاقِيَةَ بَعْدَ الْخُمُسِ الْمَعْدُودِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حَاضِرٍ) الْقِتَالَ ذَكَرٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ الْخَمْسَةِ مُذَكَّرَةً صَحِيحٍ أَوْ مَرِيضٍ شَهِدَ الْقِتَالَ أَوْ ذِي رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَهُ رُبُعُ سَهْمٍ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ نِصْفُ سَهْمٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَهُ سَهْمٌ فَيُعْطَى كَمِيرَاثِهِ وَشَبَّهَ فِي الْإِسْهَامِ فَقَالَ (كَتَاجِرٍ) تِجَارَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْجَيْشِ أَمْ لَا (وَأَجِيرٍ) لِمَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ كَرَفْعِ الصُّوَارِ وَالْأَحْبُلِ وَتَسْوِيَةِ الطُّرُقِ أَوْ خَاصَّةٍ بِمُعَيَّنٍ كَخِدْمَةِ شَخْصٍ (إنْ قَاتَلَا) أَيْ الْأَجِيرُ وَالتَّاجِرُ فَلَا يَكْفِي شُهُودُهُمَا صَفَّ الْقِتَالِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. وَقِيلَ يَكْفِي فِيهِمَا شُهُودُ الْقِتَالِ كَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ وَلَوْ قَاتَلَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَفِي التَّاجِرِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُهُ الْإِسْهَامُ لَهُمَا فِي جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ. وَلَوْ قَاتَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ مِرَارٍ وَهُوَ الَّذِي فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ. وَقِيلَ إنْ قَاتَلَا الْأَكْثَرَ أُسْهِمَ لَهُمَا فِي الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَفِيمَا حَضَرَاهُ فَقَطْ قَالَهُ يَحْيَى وَهُوَ أَحْسَنُ.

(أَوْ) لَمْ يُقَاتِلَا (خَرَجَا) أَيْ التَّاجِرُ وَالْأَجِيرُ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ (بِنِيَّةِ غَزْوٍ) ، سَوَاءٌ اسْتَوَتْ النِّيَّتَانِ أَوْ تَبِعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لِتَكْثِيرِهِمَا عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ

ص: 188

لَا ضِدِّهِمْ وَلَوْ قَاتَلُوا، إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ

، وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ: كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ وَأَعْمَى، وَأَعْرَجَ، وَأَشَلَّ، وَمُتَخَلِّفٍ لِحَاجَةٍ، إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْجَيْشِ،

ــ

[منح الجليل]

فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَبَعِيَّةِ نِيَّةِ الْغَزْوِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِاسْتِوَائِهِمَا أَوْ كَوْنِ نِيَّةِ الْغَزْوِ وَمَتْبُوعِهِ (لَا) يُسْهَمُ لِ (ضِدِّهِمْ) أَيْ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْحَاضِرِ الذَّكَرِ مِنْ عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَغَائِبٍ عَنْ الْقِتَالِ وَمَرْأَةٍ إنْ لَمْ يُقَاتِلُوا.

بَلْ (وَلَوْ قَاتَلُوا) إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْجِهَادُ بِفَجْئِ الْعَدُوِّ فَيُسْهَمُ لَهُمْ، وَهَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ إنْ عَيَّنَهُمْ الْإِمَامُ أَمْ لَا وَهَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ (إلَّا الصَّبِيَّ فَفِي) إسْهَامِ (هـ إنْ أُجِيزَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ أَذِنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ (وَقَاتَلَ) الْكُفَّارَ بِالْفِعْلِ وَعَدَمِهِ (خِلَافٌ) الْبُنَانِيُّ أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ فَلَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَقَيَّدْ بِالْمَشْهُورِ. نَعَمْ شَهَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ إنْ حَضَرَ صَفَّ الْقِتَالِ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ تَشْهِيرِهِ تَشْهِيرُ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلَا يُرْضَخُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَإِعْجَامِ الضَّادِ وَالْخَاءِ أَيْ لَا يُعْطَى لِمَنْ لَا يُسْهَمُ (لَهُ) شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ مَوْكُولٌ تَقْدِيرُهُ لِلْإِمَامِ مِنْ الْخُمُسِ كَالنَّفْلِ، وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْإِسْهَامِ وَعَدَمِ الرَّضْخِ فَقَالَ (كَمَيِّتٍ) آدَمِيٍّ أَوْ فَرَسٍ (قَبْلَ اللِّقَاءِ) أَيْ الْقِتَالِ فَلَا يُسْهَمُ وَيُرْضَخُ لَهُ (وَأَعْمَى وَأَعْرَجَ) إلَّا أَنْ يُقَاتِلَا رَاكِبَيْنِ أَوْ رَاجِلَيْنِ (وَأَشَلَّ) كَذَلِكَ وَالْفَرَسُ كَذَلِكَ وَأَقْطَعَ يَدًا وَرَجِلٍ وَمَقْعَدٍ وَيَابِسِ شِقٍّ، فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ مَنْفَعَةٌ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) كَ (مُتَخَلِّفٍ) بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ (لِحَاجَةٍ إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْجَيْشِ) بِأَنْ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِمْ مِنْهَا نَفْعٌ وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْلِمِينَ فَإِنْ عَادَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ مِنْهَا نَفْعٌ أُسْهِمَ لَهُ فَالْأَوَّلُ كَإِقَامَةِ سُوقٍ وَحَشْرٍ وَإِصْلَاحِ طَرِيقٍ «لِقَسْمِهِ صلى الله عليه وسلم لِطَلْحَةَ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُمَا بِالشَّامِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَا إلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ لِمَصْلَحَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْجَيْشِ» . وَالثَّانِي «كَقَسْمِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ وَقَدْ خَلَفَهُ عَلَى ابْنَتِهِ لِتَجْهِيزِهَا وَدَفْنِهَا» .

ص: 189

وَضَالٍّ بِبَلَدِنَا، وَإِنْ بِرِيحٍ، بِخِلَافِ بَلَدِهِمْ، وَمَرِيضٍ شَهِدَ:

ــ

[منح الجليل]

(وَ) كَ (ضَالَّ) أَيْ تَائِهِ عَنْ الْجَيْشِ (بِبَلَدِنَا) وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ حَتَّى غَنِمُوا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لِلْجَيْشِ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ إنْ ضَلَّ بِغَيْرِ رِيحٍ بَلْ (وَإِنْ) رُدَّ (بِرِيحٍ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلضَّالِّ بِبَلَدِنَا وَالْمَرْدُودِ بِرِيحٍ، فَإِنْ رَجَعَ اخْتِيَارًا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُمْ يُسْهَمُ لَهُمْ مَعَ أَصْحَابِهِمْ الَّذِينَ وَصَلُوا وَاغْتَنَمُوا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا وَلَوْ ضَلَّ رَجُلٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى غَنِمُوا فَلَهُ سَهْمُهُ، كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الَّذِينَ رَدَّتْهُمْ الرِّيحُ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْإِسْهَامُ لَهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ خِلَافَ مَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ تَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَلَكِنْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ تَشْهِيرَ ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا ذَكَرْنَا.

(بِخِلَافِ) ضَالٍّ (بِبَلَدِهِمْ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ فَيُسْهَمُ لَهُ وَكَذَا يُسْهَمُ لِأَسَارَى مُسْلِمِينَ ظَفِرْنَا بِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا فِي الْحَدِيدِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا دَخَلُوا أَوَّلًا لِلْقِتَالِ وَغُلِبُوا عَلَيْهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.

(وَ) بِخِلَافِ (مَرِيضٍ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ ابْتِدَاءَ الْقِتَالَ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِلُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضُهُ عَنْ الْقِتَالِ فَيُسْهَمُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيٍ كَمُقْعَدٍ أَوْ أَعْرَجَ أَوْ أَشَلَّ أَوْ أَعْمَى لَهُ رَأْيٌ اهـ عب. الْبُنَانِيُّ لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَرِيضُ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ يُسْهَمُ لَهُ اتِّفَاقًا. وَكَذَا مَنْ شَهِدَ اللِّقَاءَ مَرِيضًا اهـ.

وَشَرَحَ الثَّانِيَةَ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا يُسْهَمُ لِمَنْ ابْتَدَأَ الْقِتَالَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إلَى أَنْ هُزِمَ الْعَدُوُّ. اهـ. وَبِهَذَا يَنْبَغِي تَقْرِيرُ كَلَامِهِ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ، فَيَشْمَلُ الصُّوَرَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي جَعَلَهَا " ز " مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ وَتَكُونُ الصُّورَةُ الَّتِي قَرَّرَهُ بِهَا " ز " تَبَعًا

ص: 190

كَفَرَسٍ رَهِيصٍ، أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ

ــ

[منح الجليل]

لِلْحَطِّ مَأْخُوذَةً مِنْهُ بِالْأَحْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الَّذِي مَرَّ لَهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَشَبَّهَ فِي الْإِسْهَامِ فَقَالَ (كَفَرَسٍ رَهِيصٍ) أَيْ مَرِيضٍ فِي بَاطِنِ حَافِرِهِ مِنْ مَشْيِهِ عَلَى حَجَرٍ أَوْ شِبْهِهِ كَوَقْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الصَّحِيحِ فَيُرْهِبُ الْعَدُوَّ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِكَرٍّ عَلَيْهِ، وَلَا فِرَارٍ مِنْهُ (أَوْ مَرِضَ) الْفَرَسُ، أَوْ الْفَارِسُ أَوْ الرَّاجِلُ (بَعْدَ أَنْ) قَاتَلَ حَتَّى (أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ) هَذَا مُسْتَفَادُ الْإِسْهَامِ لَهُ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى وَذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَيْهَا بِأَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ قَبْلَ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقِتَالِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ، وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا فِي الثَّلَاثِ لَكِنَّهُ قَاتَلَ فِيهَا حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ.

(فَقَوْلَانِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْإِسْهَامِ لَهُ نَظَرًا لِقِتَالِهِ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى مَرَضِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَعَدَمِهِ، هَذَا عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْحَطّ، وَأَمَّا عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْقَلْشَانِيُّ مِنْ أَنَّ مَرَضَهُ مَنَعَهُ مِنْ حُضُورِ الْقِتَالِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَمَرِيضٍ شَهِدَ ظَاهِرٌ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَلْشَانِيُّ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالْإِسْهَامِ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِلَّا مَنْ حَضَرَ

ص: 191

وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ،

ــ

[منح الجليل]

الْقِتَالَ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْهَامَ لَهُ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَرِيضٍ شَهِدَ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا صُوَرُ زَوَالِ الْمَانِعِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ قَبْلَ دُخُولِ بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُمَا، وَقَبْلَ الْإِشْرَافِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ فِيهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي حُصُولِ الْمَانِعِ لَا فِي زَوَالِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي مَرَضِ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ اهـ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ هَذَا مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى إلَخْ نَحْوُهُ فِي الْحَطّ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ وَأَمَّا عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْقَلْشَانِيُّ إلَخْ مَا أَفَادَهُ الْقَلْشَانِيُّ نَحْوُهُ لِابْنِ غَازِيٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحِ. فَقَوْلُهُ أَوْ مَرِضَ عَطْفٌ بِأَوْ عَلَى شَهِدَ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ لِمَرِيضٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ حَضَرَ الْقِتَالَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ لَهُ مَرَضٌ أَوْ وَجَبَ مَغِيبُهُ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى التَّمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَتْ هَذِهِ أَحْرَوِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَطّ، بَلْ هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ الْأُولَى. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْمَرِيضُ الْقِتَالَ، وَلَا مَرِضَ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ فَقَوْلَانِ كَمَا قَرَّرَهُ " غ " فَهُوَ فِي صُوَرِ الْخِلَافِ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ بَلْ حَضَرَ بَلَدَ الْحَرْبِ فَقَطْ.

وَأَمَّا إنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ مَرَضِهِ فَيُسْهَمُ لَهُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَتَدْخُلُ أَيْضًا تَحْتَ قَوْلِهِ وَمَرِيضٍ شَهِدَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَإِلَّا إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ إلَّا مَعَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ، وَتَوَهُّمُهُ أَنَّ الْإِسْهَامَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْأُولَى غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَمْ يَشْهَدْ فِيهَا الْقِتَالَ بَعْدَ مَرَضِهِ وَالْأُولَى شَهِدَ الْقِتَالَ فِيهَا مَرِيضًا نَعَمْ لَوْ صَحَّ مَا قَرَّرَهُ " ز " أَوَّلًا تَبَعًا لل " ح "، لَكَانَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ظَاهِرًا، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ

(وَ) يُسْهَمُ (لِلْفَرَسِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِصْبَاحِ فَحْلٌ أَوْ خَصِيٌّ (مِثْلَا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُثَنًّى مِثْلُ كَذَلِكَ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ سَهْمَ (فَارِسِهِ) إمَّا لِعِظَمِ مُؤْنَتِهِ أَوْ لِقُوَّةِ مَنْفَعَتِهِ، وَلِذَا لَا يُسْهَمُ لِبَغْلٍ وَنَحْوِهِ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الْفَارِسِ فَارِسًا كَوْنُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْقِتَالِ وَلَوْ أَوْجَفَ رَاجِلًا. ابْنُ الْقَاسِمِ

ص: 192

وَإِنْ بِسَفِينَةٍ، أَوْ بِرْذَوْنًا، وَهَجِينًا وَصَغِيرًا يُقْدَرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ

وَمَرِيضٍ رُجِيَ،

ــ

[منح الجليل]

يُسْهَمُ لِخَيْلٍ غُزَاةٍ قَاتَلُوا عَلَى أَرْجُلِهِمْ وَخَيْلِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا. ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَجَعْلُهُ السَّهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا وَلَوْ كَانَ رَاكِبُهُ عَبْدًا أَوْ يَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَدُ التَّرَدُّدَيْنِ وَالْآخَرُ هُمَا لِلْفَارِسِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ فِي هَذِهِ وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ إنْ كَانَ بِبَرٍّ.

بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْفَرَسُ أَوْ الْقِتَالُ (بِسَفِينَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَمْلِ الْخَيْلِ فِي الْجِهَادِ إرْهَابُ الْعَدُوِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَهَلْ يُقَيَّدُ الْإِسْهَامُ لَهَا فِي السَّفِينَةِ بِمَا إذَا اُحْتُمِلَ قِتَالُهُمْ بِبَرٍّ وَلَوْ بِبَعْضِ مَكَان كَمَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ أَوَّلًا كَمُسَافِرٍ مَالْطَاةَ عَالِمًا بِعَدَمِ قِتَالِهِمْ بِبَرٍّ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِاحْتِمَالِ احْتِيَاجِهِمْ لِلْقِتَالِ عَلَيْهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (أَوْ) كَانَ الْفَرَسُ (بِرْذَوْنًا) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَظِيمَ الْخِلْقَةِ غَلِيظَ الْأَعْضَاءِ إنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعِرَابُ ضُمَّرٌ رَقِيقَةُ الْأَعْضَاءِ (وَهَجِينًا) مِنْ الْخَيْلِ أَيْ أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ نَبَطِيَّةٌ لَا مِنْ الْإِبِلِ إذْ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَعَكْسُ الْهَجِينِ اسْمُهُ مُقْرِفٌ اسْمُ فَاعِلِ أَقْرَفَ وَهُوَ مَا أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ نَبَطِيٌّ أَيْ رَدِيءٌ (صَغِيرًا) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُمَا الْإِمَامُ (يُقْدَرُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (بِهَا) أَيْ الْبِرْذَوْنُ وَالْهَجِينُ وَالصَّغِيرُ (عَلَى الْكَرِّ) عَلَى الْعَدُوِّ (وَالْفَرِّ) مِنْهُ وَقْتَ الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَقْتَ دُخُولِ أَرْضِهِمْ.

(وَ) يُسْهَمُ لِفَرَسٍ (مَرِيضٍ رُجِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ (بُرْؤُهُ) وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا أَعْجَفَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ ابْتِدَائِهِ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَأَمَّا إنْ مَرِضَ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ إلَى انْقِضَائِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شُهُودُ الْقِتَالِ بَلْ الْفَرَسُ إذَا رُجِيَ بُرْؤُهُ يُسْهَمُ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

ص: 193

وَمُحَبِّسٍ وَمَغْصُوبٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ، وَمِنْهُ لِرَبِّهِ، لَا أَعْجَفَ، أَوْ كَبِيرٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَغْلٍ، وَبَعِيرٍ، وَأَتَانٍ

ــ

[منح الجليل]

قَالَ الْبَاجِيَّ فَأَمَّا الْفَرَسُ الْمَرِيضُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي سَهْمِهِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُسْهَمُ لَهُ. أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُسْهَمُ لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ أَنَّهُ عَلَى حَالَةٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيُتَرَقَّبُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَاَلَّذِي يُصِيبُهُ الشَّيْنُ الْخَفِيفُ.

وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ الْآنَ فَأَشْبَهَ الْكَبِيرَ. اهـ. فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ الْقِتَالُ عَلَيْهِ، أَوْ قُوتِلَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ يُسْهَمُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْإِنْسَانِ، وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ. وَحَمَلَ الْمَوَّاقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَعَلَيْهِ فَالْإِسْهَامُ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ فَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى فَرَسٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى بِرْذَوْنًا وَهُوَ أَوْلَى وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

(وَ) يُسْهَمُ لِفَرَسٍ (مُحَبَّسٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةُ مُثَقَّلَةٌ أَيْ مَوْقُوفٍ لِلْجِهَادِ عَلَيْهِ وَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ لَا لِمُحَبِّسِهِ وَلَا فِي مَصَالِحِهِ كَعَلَفِهِ وَسَهْمَا الْفَرَسِ الْمُعَارِ، قِيلَ لِلْمُسْتَعِيرِ وَقِيلَ لِلْمُعِيرِ (وَ) يُسْهَمُ لِفَرَسٍ (مَغْصُوبٍ) وَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ إنْ غُصِبَ (مِنْ الْغَنِيمَةِ) وَقُوتِلَ عَلَيْهِ فِي غَنِيمَةٍ أُخْرَى وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِلْجَيْشِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَخَذَ فَرَسًا لِعَدُوٍّ قَبْلَ الْقِتَالِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمَاهُ وَعَلَيْهِ لِلْجَيْشِ أُجْرَتُهُ (أَوْ) غَصَبَهُ (مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ) فَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ (وَ) سَهْمَا الْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْهَارِبِ (مِنْهُ) أَيْ الْجَيْشِ (لِرَبِّهِ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى رَاكِبِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ رَبِّهِ غَيْرُهُ فَسَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ وَالْمُكْتَرِي فَرَسَهُ سَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ (لَا) يُسْهَمُ لِفَرَسٍ (أَعْجَفَ) أَيْ شَدِيدِ الْهُزَالِ (أَوْ) فَرَسٍ (كَبِيرٍ) فِي السِّنِّ جِدًّا إذَا كَانَ (لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ الْأَعْجَفِ وَالْكَبِيرِ. وَأَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَذَكَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

(وَبَغْلٍ) وَحِمَارٍ (وَبَعِيرٍ) وَفِيلٍ (وَ) فَرَسٍ (أَتَانٍ) لِمَنْ مَعَهُ فَرَسَانِ وَأَوْلَى أَكْثَرُ

ص: 194

وَالْمُشْتَرَكُ لِلْمُقَاتِلِ. وَدَفَعَ أَجْرَ شَرِيكِهِ

وَالْمُسْتَنَدُ لِلْجَيْشِ: كَهُوَ، وَإِلَّا فَلَهُ: كَمُتَلَصِّصٍ؛ وَخَمَّسَ مُسْلِمٌ وَلَوْ عَبْدًا عَلَى الْأَصَحِّ لَا ذِمِّيٌّ، وَمَنْ عَمِلَ سَرْجًا، أَوْ سَهْمًا

ــ

[منح الجليل]

(وَ) الْفَرَسُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ سَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (وَدَفَعَ) الْمُقَاتِلُ عَلَيْهِ (أَجْرَ) حِصَّةِ (شَرِيكِهِ) وَإِنْ تَدَاوَلَا الْقِتَالَ، وَعَلَيْهِ فَبَيْنَهُمَا إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مَا حَضَرَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَتِهِ

(وَ) الْمُسْلِمُ الْغَائِبُ عَنْ الْجَيْشِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ مُتَعَدِّدًا (الْمُسْتَنَدُ لِلْجَيْشِ) فِي دُخُولِهِ أَرْضَ الْعَدُوِّ (كَهُوَ) أَيْ الْجَيْشِ فِي الْقَسْمِ فَيَقْسِمُ الْجَيْشُ عَلَيْهِ مَا غَنِمُوهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَقْسِمُ الْجَيْشُ مَا غَنِمَهُ فِي غَيْبَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَصَّلَ لَهُ بِسَبَبِهِ وَقُوَّتِهِ وَلِخَبَرِ «يَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» . وَأَفَادَ التَّشْبِيهُ أَنَّهُ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُسْهَمُ لَهُ كَعَبْدٍ وَذِمِّيٍّ فَلِلْجَيْشِ، مَا غَنِمَهُ الْمُسْتَنَدُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ غَنِيمَةِ الْجَيْشِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا لِلْجَيْشِ فِي الْقُوَّةِ أَوْ هُوَ الْأَقْوَى فَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ نِصْفَيْنِ قَبْلَ تَخْمِيسِهَا نِصْفٌ لِلْجَيْشِ وَيُخَمَّسُ وَنِصْفٌ لِلْمُسْتَنَدِ يُخَمَّسُ أَيْضًا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَإِلَّا فَلَا.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِلْجَيْشِ الْغَائِبِ عَنْهُ وَلَمْ يَتَقَوَّ بِهِ بِأَنْ دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ وَحْدَهُ (فَلَهُ) مَا غَنِمَهُ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْجَيْشِ فَلَا يُنَافِي تَخْمِيسَهُ. وَشَبَّهَ فِي الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ (كَمُتَلَصِّصٍ) أَيْ دَاخِلٍ أَرْضَ الْحَرْبِ خِفْيَةً وَأَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ شَيْئًا فَيَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْجَيْشِ (وَخَمَّسَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ قَسَّمَ (مُسْلِمٌ) مَا غَنِمَهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَوَضَعَ أَحَدَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتَصَّ بِالْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ إنْ كَانَ حُرًّا.

بَلْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلِمُ (عَبْدًا عَلَى الْأَصَحِّ) ابْنُ عَاشِرٍ لَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لِلْغَزْوِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِخُرُوجِهِ لَهُ (لَا) يُخَمِّسُ (ذِمِّيٌّ) اسْتَنَدَ لِلْجَيْشِ أَمْ لَا مَا أَخَذَهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ (وَ) لَا يُخَمِّسُ (مَنْ عَمِلَ) مِنْ الْجَيْشِ (سَرْجًا أَوْ سَهْمًا) مِنْ الْغَنِيمَةِ مَا عَمِلَهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ لَفْظُ التَّهْذِيبِ مَنْ نَحَتَ سَرْجًا أَوْ بَرَى سَهْمًا أَوْ

ص: 195

وَالشَّأْنُ الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ، وَهَلْ يَبِيعُ لِيَقْسِمَ؟ قَوْلَانِ: وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ إنْ أَمْكَنَ

ــ

[منح الجليل]

صَنَعَ مِشْجَبًا بِبَلَدِ الْعَدُوِّ فَهُوَ لَهُ، وَلَا يُخَمَّسُ إذَا كَانَ يَسِيرًا. أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الْأُمَّهَاتِ إذْ كَانَ يَسِيرًا وَإِنَّمَا فِيهَا لَا يُخَمَّسُ، قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ، وَلِذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْمِشْجَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ آلَةٌ مِنْ أَعْوَادِ ثَلَاثَةٍ مَقْرُونَةٍ مِنْ أَعْلَاهَا مُفَرَّجَةٍ مِنْ أَسْفَلِهَا تُنْشَرُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَتُعَلَّقُ فِيهَا الْقِرَبُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَمِلَ أَنَّ مَا يَكُونُ مَعْمُولًا وَأَصْلَحَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ.

(وَالشَّأْنُ) أَيْ السُّنَّةُ الَّتِي فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمِلَ السَّلَفُ بِهَا (الْقَسْمُ) لِغَنَائِمِ الْكُفَّارِ بِحُكْمِ حَاكِمٍ (بِبَلَدِهِمْ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ تَعْجِيلًا لِمَسَرَّةِ الْغَانِمِينَ وَذَهَابِهِمْ لِأَوْطَانِهِمْ وَنِكَايَةً لِلْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ لِبَلَدِ الْإِسْلَامِ «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَرْجِعْ مِنْ غَزْوَةٍ فِيهَا مَغْنَمٌ إلَّا خَمَّسَهُ، وَقَسَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ كَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحُنَيْنٍ وَخَيْبَرَ» ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ.

(وَهَلْ) يَنْبَغِي أَنْ (يَبِيعَ) الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْغَنِيمَةَ (لِيَقْسِمَ) ثَمَنَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَيَجْعَلَ أَحَدَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى الْجَيْشِ بِالسَّوِيَّةِ لِلرَّجُلِ سَهْمٌ وَلِلْفَرَسِ سَهْمَانِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، أَوْ يُخَيَّرَ فِيهِ وَفِي قَسْمِ الْأَعْيَانِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) فَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْخُمُسِ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ نَقْلُ الْمَوَّاقِ وَبَحَثَ فِي بَيْعِهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ بِأَنَّهُ ضَيَاعٌ؛ لِرُخْصِهَا بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْغَانِمِينَ لِأَنَّهُمْ الْمُشْتَرُونَ. ابْنُ عَرَفَةَ مَسْنُونٌ يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِمَامِ عُرُوضَ الْغَنِيمَةِ بِالْعَيْنِ ثُمَّ يَقْسِمُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي الْعُرُوضَ قَسَمَهَا أَخْمَاسًا ثَمَّ عَلَى الْغَانِمِينَ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَقْسِمُ الْإِمَامُ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يُسْهِمُ عَلَيْهَا فَيَبِيعُ لِلنَّاسِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ أَوْ يَبِيعُ الْجَمِيعَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَيُخْرِجُ خُمُسَ الثَّمَنِ اهـ. وَفِي الْمُنْتَقَى ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ رَأَى أَنْ يَقْسِمَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَقْسِمَ الْأَثْمَانَ فَذَلِكَ.

(وَأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ) مِنْ الْغَنِيمَةِ وُجُوبًا وَقُسِمَ أَخْمَاسًا (إنْ أَمْكَنَ) قَسْمُهُ شَرْعًا

ص: 196

عَلَى الْأَرْجَحِ

وَأَخَذَ مُعَيَّنٌ وَإِنْ ذِمِّيًّا: مَا عُرِفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّانًا،

ــ

[منح الجليل]

وَحِسًّا بِأَنْ اتَّسَعَ وَجَازَ تَفْرِيقُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ حِسًّا لِضِيقِهِ أَوْ شَرْعًا لِحُرْمَةِ تَفْرِيقِهِ كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا دُونَ إثْغَارٍ وَحُلِيٍّ فِي قَسْمِهِ إضَاعَةُ مَا ضُمَّ لِغَيْرِهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) مِثْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاعْتَرَضَهُ الْمَوَّاقُ وَنَصُّهُ لَمْ يُرَجِّحْ ابْنُ يُونُسَ هُنَا شَيْئًا وَإِنَّمَا رَجَّحَ هَذَا الْبَاجِيَّ غ الَّذِي اخْتَارَ هَذَا هُوَ اللَّخْمِيُّ لَا ابْنُ يُونُسَ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ اُخْتُلِفَ فِي السِّلَعِ فَقِيلَ تَجْمَعُ فِي الْقَسْمِ ابْتِدَاءً. وَقِيلَ إنْ حَمَلَ كُلُّ صِنْفٍ الْقَسَمَ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يُجْمَعُ وَإِلَّا جُمِعَ وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقَلُّ غَرَرًا. اهـ. فَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا. وَفِي التَّوْضِيحِ وَهْمٌ أَوْ تَصْحِيفٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. طفي وَهُوَ صَوَابٌ إذْ ابْنُ يُونُسَ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا.

(وَأَخَذَ) شَخْصٌ (مُعَيَّنٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ مُثَقَّلَةً أَيْ مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ حَاضِرٌ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (ذِمِّيًّا) لِعِصْمَةِ مَالِهِ فَيَأْخُذُ (مَا) أَيْ الشَّيْءَ الَّذِي (عُرِفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَنَّهُ (لَهُ) أَيْ الْمَعْصُومُ وَلَوْ ذِمِّيًّا (قَبْلَهُ) أَيْ الْقَسْمِ صِلَةُ عُرِفَ فَيَأْخُذُهُ (مَجَّانًا) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَضَبْطُ مُعَيَّنٍ اسْمُ مَفْعُولٍ أَوْلَى مِنْ ضَبْطِهِ بِكَسْرِ الْيَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ، أَيْ أَخَذَ مَنْ عَيَّنَ شَيْئًا مَا عَيَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْغَائِبَ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ قِسْمًا مِمَّا هُنَا، وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا بِيعَ لَهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ عُرِفَ الَّذِي تَبِعَ فِيهِ الْمُدَوَّنَةَ، وَعَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ثَبَتَ مَا عُرِفَ بِبَيِّنَةٍ وَبِغَيْرِهَا كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَسْكَرِ كَمَا قَالَ الْبَرْقِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَا يُقْسَمُ مَا عَرَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ أَنَّهُ لِمُعَيَّنٍ مَعْصُومٍ، قَالَا: وَإِنْ وُجِدَ أَحْمَالُ مَتَاعٍ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا هَذَا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَعُرِفَ بَلَدُهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ وَوُقِفَ حَتَّى يُبْعَثَ لِذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُكْشَفَ عَنْ اسْمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عُرِفَ فَلَا قَسْمَ وَإِلَّا قُسِمَ.

وَنَصُّ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْقَسْمِ فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا رُدَّ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ قُسِمَ وَلَمْ يُوقَفْ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

ص: 197

وَحَلَفَ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَحُمِلَ لَهُ إنْ كَانَ خَيْرًا، وَإِلَّا بِيعَ لَهُ، وَلَمْ يُمْضَ قَسْمُهُ إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ، لَا إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ،

ــ

[منح الجليل]

هَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِعِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَهِيَ إنْ عُرِفَ رَبُّهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الثُّبُوتِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ، وَلَفْظُ الْمَعْرِفَةِ وَالِاعْتِرَافِ فِيمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَا أَدْرَكَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك الْحَقَّ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ إلَخْ مُخَالِفَةً لِعِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنْ عُرِفَ رَبُّهُ إلَخْ، وَشَمِلَ أَيْضًا الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ لِأَجَلٍ وَالْمُكَاتَبَ فَيَأْخُذُ كُلًّا رَبُّهُ الْمُعَيَّنُ، وَلَا تَسَلُّطَ لِلْجَيْشِ عَلَى خِدْمَةِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَا عَلَى كِتَابَةِ الثَّالِثِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَحَلَفَ) الْمُعَيَّنُ (أَنَّهُ) أَيْ مَا عَرَفَ لَهُ (مِلْكَهُ) لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ إلَى حِينِ إرَادَةِ أَخْذِهِ (وَ) إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ (حُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ مَا عُرِفَ (أَنَّهُ إنْ كَانَ) حَمْلُهُ (خَيْرًا) لَهُ مِنْ بَيْعِهِ بِمَحَلِّ الْقَسْمِ لِرُخْصِهِ بِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ حَمْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ خَيْرًا مِنْ بَيْعِهِ بِأَنْ كَانَ بَيْعُهُ خَيْرًا أَوْ اسْتَوَيَا (بِيعَ) مَا عُرِفَ لِمُعَيَّنٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَحُمِلَ (لَهُ) أَيْ الْمُعَيَّنُ ثَمَنُهُ (وَ) إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ مَا عُرِفَ لِمُعَيَّنٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَائِبٍ عَنْ الْجَيْشِ (لَمْ يُمْضَ قَسْمُهُ) فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ بِلَا عِوَضٍ فِي كُلِّ حَالٍ.

(إلَّا) قَسْمُهُ (لِتَأَوُّلٍ) أَيْ تَقْلِيدٍ لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَالْأَوْزَاعِيِّ: إنَّ الْحَرْبِيَّ يَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ قَهْرًا فَيُمْضِي قَسْمَهُ (عَلَى الْأَحْسَنِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ إلَّا بِثَمَنِهِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَبِعْ وَلَمْ يُمْضَ قَسْمُهُ تَعَمُّدًا لِلْبَاطِلِ أَوْ جَهْلًا مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْقَوْلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ جَهْلًا أَوْ قَصْدًا لِلْبَاطِلِ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَإِنْ وَافَقَ قَوْلًا فَيَجِبُ نَقْضُهُ قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَسَيُشِيرُ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ وَجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ.

(لَا) يُوقَفُ مَا عُرِفَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) رَبُّهُ أَيْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ، وَلَا

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

نَاحِيَتِهِ كَمُصْحَفٍ وَكِتَابِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ فَيُقْسَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ، وَالنَّقْلُ جَوَازُ قَسْمِهِ ابْتِدَاءً. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تُفِيدُهُ سَوَاءٌ أَخْرَجْته مِنْ قَوْلِهِ أَخَذَ مُعَيَّنٌ أَمْ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُمْضَ قَسْمُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا غُنِمَ مِمَّا مَلَكَهُ كَافِرٌ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ كُرْهًا إنْ حَضَرَ رَبُّهُ قَبْلَ قَسْمِهِ أَخَذَهُ مَجَّانًا. ابْنُ حَارِثٍ اتِّفَاقًا وَإِنْ عُرِفَ وَغَابَ فَطُرُقُ الشَّيْخِ عَنْ سَحْنُونٌ يُوقَفُ لَهُ وَلَوْ كَانَ بِالصِّينِ. مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ خَيْرًا لِرَبِّهِ بَعْثُهُ بِكِرَاءٍ وَنَفَقَةٍ فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا وَقَفَ لَهُ ثَمَنَهُ وَلَزِمَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ نَظَرًا.

اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ نُقِلَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَإِنْ أَتَى أَجْرُ حَمْلِهِ عَلَى أَكْثَرِهِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْمِلُهُ بَعَثَ لَهُ بِثَمَنِهِ وَإِلَّا أَكْرَى لَهُ عَلَيْهِ. ابْنُ بَشِيرٍ فِي بَيْعِهِ وَبَعْثِهِ فِي الرِّوَايَاتِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَنْظُرُ الْإِمَامُ لِرَبِّهِ الْأَصْلَحَ. الْبَاجِيَّ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِيمَا غَابَ رَبُّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَهُ قُسِمَ. اللَّخْمِيُّ لَوْ عُلِمَ الْبَلَدُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَسْمُهُ الْبَرْقِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ إنْ وُجِدَ عَلَيْهِ هَذَا لِفُلَانٍ ابْنِ فُلَانٍ كَكَتَّانِ مِصْرَ وُقِفَ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ بِبَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رَبُّهُ قُسِمَ وَلَوْ عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَا يُقْسَمُ.

قُلْت عَزَا الشَّيْخُ الْأَوَّلَ لِنَصِّ سَحْنُونٍ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَلَوْ جُهِلَ عَيْنُ رَبِّهِ فَفِي قَسْمِهِ وَوَقْفِهِ رَجَاءَ أَنْ يُعْرَفَ كَاللُّقَطَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قُسِمَ ثَالِثُهَا حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهُ، ثُمَّ قَالَ، وَفِي أَخْذِهِ رَبُّهُ إنْ حَضَرَ بِمُوجِبِ الِاسْتِحْقَاقِ طُرُقُ مُقْتَضًى. نَقْلِ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُحَمَّدٌ بَعْثُهُ لِرَبِّهِ الْغَائِبِ عَدَمُ يَمِينِهِ. الْمَازِرِيُّ كَالِاسْتِحْقَاقِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَيَمِينِهِ. ابْنُ بَشِيرٍ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَأَخْذِهِ إيَّاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى مِلْكِ الْغَنِيمَةِ بِالْقَسْمِ لَا قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَاعَ الْإِمَامُ مَا عُرِفَ رَبُّهُ فَقَالَ الشَّيْخُ إنْ بَاعَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا فَفِي أَخْذِهِ مَجَّانًا أَوْ بِثَمَنِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ قَضَاهُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ إنْ بَاعَهُ جَهْلًا أَوْ تَأَوُّلًا فَفِي أَخْذِهِ رَبُّهُ مَجَّانًا أَوْ بِثَمَنِهِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُحْتَجًّا بِمَا تَقَدَّمَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ جَهْلًا أَوْ قَصْدًا لِلْبَاطِلِ يُوجِبُ نَقْضَهُ وَإِنْ

ص: 199

بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ

ــ

[منح الجليل]

وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا. الصِّقِلِّيُّ عَنْ أَشْهَبَ مَا عُلِمَ رَبُّهُ وَقُدِرَ عَلَى إيصَالِهِ دُونَ كَثِيرِ مُؤْنَةٍ كَعَبْدٍ وَسَيْفِ فَبَاعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا. وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا بِيعَ وَرَبُّهُ مَعْرُوفٌ لِغَيْبَةٍ أَخَذَهُ مَجَّانًا وَمَا أَدْرَكَهُ بَيْعٌ أَوْ قَسْمٌ لِجَهْلِهِ، فَفِي أَوْلَوِيَّةِ رَبِّهِ بِهِ بِعِوَضِهِ وَفَوْتِهِ مَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ.

وَنَقَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ رِوَايَةَ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْبَاجِيَّ مَا قُسِمَ دُونَ بَيْعٍ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِقِيمَتِهِ. قُلْت يَوْمَ قَسْمِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَالُ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ (بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ) تُوجَدُ عِنْدَهُمْ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذَلِكَ أَوْ يَجِدُهَا أَحَدٌ مِنْ الْجَيْشِ بِبَلَدِهِمْ فَلَا تُقْسَمُ، وَتُوقَفُ اتِّفَاقًا. ثُمَّ إنْ عُرِفَ رَبُّهَا بِعَيْنِهِ حُمِلَتْ لَهُ إنْ كَانَ خَيْرًا. الْبُنَانِيُّ هَذَا تَقْرِيرُ الشَّارِحِ. طفي وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَمُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْحَرْبِيُّونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ لَهُمْ، سَوَاءٌ أَخَذُوهُ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا فَإِنَّهَا تُوقَفُ، فَالْمُرَادُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ الْآتِيَةِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ غَيْرُهُ مُعَيَّنٌ فِيهِمَا.

وَقَالُوا بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْإِيقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْإِيقَافِ فِي اللُّقَطَةِ الْآتِيَةِ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْجُمْلَةِ فَهَلْ يُقْسَمُ أَوْ يُوقَفُ لِصَاحِبِهِ كَاللُّقَطَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْغَانِمِينَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْذُ أَهْلِ الشِّرْكِ لِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ شُبْهَةُ مِلْكٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَمْلِكُونَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَمْلِكَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَهُ وَيُصَحِّحُهُ إسْلَامُهُ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللُّقَطَةَ الَّتِي الْتَقَطُوهَا تَدْخُلُ فِي هَذَا، فَإِذَا غَنِمْنَا أَمْوَالَهُمْ فَهِيَ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَإِنْ عُلِمَتْ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ قُسِمَتْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ عَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَبِقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ فَإِنْ عُرِفَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَا يُقْسَمُ وَيُوقَفُ لَهُ إنْ غَابَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رَبُّهُ

ص: 200

وَبِيعَتْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَمُدَبَّرٍ،

ــ

[منح الجليل]

بِعَيْنِهِ وَعُرِفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قُسِمَ. اهـ. فَالْآبِقُ لَمْ يَأْخُذْهُ الْحَرْبِيُّ بِالْقَهْرِ وَجُعِلَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ.

وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ مَالِكًا بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبِقَ وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ. اهـ. وَعَارَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ انْطَلَقَ مِنْ مَرْبِطِهِ وَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ، هَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ بِأَيْدِي الْحَرْبِيِّينَ أَمَّا مَا الْتَقَطَهُ أَحَدُ الْجَيْشِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ يُعْلَمْ اسْتِقْرَارُ أَيْدِي الْكُفَّارِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِثْلُهَا الْحَبْسُ الثَّابِتُ تَحْبِيسُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَقَطْ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ قَسْمِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكْتُبُ ذَلِكَ عَلَى شَيْئِهِ لِمَنْعِهِ مِمَّنْ يُرِيدُ غَصْبَهُ مِنْهُ وَلِمَنْ فَعَلَ هَذَا بِشَيْئِهِ بَيْعُهُ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَحْبِيسَهُ عَلَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَاللَّخْمِيِّ.

(وَبِيعَتْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (لِأَجَلٍ وَ) خِدْمَةُ (مُدَبَّرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وُجِدَا فِي الْغَنِيمَةِ وَعُرِفَا لِمُسْلِمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ قُسِمَ تَأْوِيلًا أَوْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُمَا خَيْرًا لَهُ ثُمَّ إنْ قَدِمَ بِهِمَا الْمُشْتَرِي فَلِسَيِّدِهِمَا فِدَاؤُهُمَا فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَهُ فِدَاءُ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ وَمُدَبَّرٍ إلَخْ، فَهُوَ كَالْمُفَرَّعِ عَلَى مَا هُنَا وَلَيْسَ لَهُ فِدَاؤُهُمَا فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ وَإِذَا بِيعَتْ خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ مُشْتَرِيهِ لِلْأَجَلِ خَرَجَ حُرًّا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ مُعْتِقُهُ بَعْدَ خِدْمَتِهِ نِصْفَ الْأَجَلِ مَثَلًا خَيْرٌ فِي فِدَائِهِ بِمَا بَقِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ لِلُزُومِهِ لَهُ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ خِدْمَةُ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَا تُبَاعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ بِيعَتْ رَقَبَتُهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ فَلَهُ فِدَاؤُهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ صَارَ حَقُّ مُشْتَرِيهِ فِي خِدْمَتِهِ بِحِسَابِهِ بِهَا مِنْ ثَمَنِهِ وَيَخْرُجُ حُرًّا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ وَتَرْكُهُمَا مُسَلِّمًا لِخِدْمَتِهِمَا وَلَوْ حَلَّ أَجَلُ عِتْقِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ خَرَجَ حُرًّا، وَلَا يَتْبَعُهُ مُشْتَرِيهِ بِبَقِيَّةِ ثَمَنِهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ مِنْهَا قَبْلَ أَجَلِهِ بَقِيَتْ خِدْمَتُهُ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ إلَيْهِ، وَلَا تَرْجِعُ لِمُعْتِقِهِ عَلَى الرَّاجِحِ.

ص: 201

وَكِتَابَةٌ لَا أُمِّ وَلَدٍ، وَلَهُ بَعْدَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ وَبِالْأَوَّلِ إنْ تَعَدَّدَ،

ــ

[منح الجليل]

وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَيْعُ جَمِيعِ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِحَيَاةِ سَيِّدِهِ، وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْغَايَةِ. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَاجِرَ زَمَنًا مَحْدُودًا بِمَا تُظَنُّ حَيَاةُ سَيِّدِهِ إلَيْهِ بِدُونِ زِيَادَةٍ عَلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَعَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، ثُمَّ مَا زَادَ مِنْ خِدْمَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ عَاشَ الْمُدَبَّرُ وَسَيِّدُهُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَكَاللُّقَطَةِ لِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ وَعَدَمِ تَعَيُّنِ مُسْتَحَقِّهَا فَيُوضَعُ خَرَاجُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ. (وَ) بِيعَتْ (كِتَابَةٌ) لِمُكَاتَبٍ فَإِنْ أَدَّى نُجُومَهَا لِمُشْتَرِيهَا عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ عِلْمِ عَيْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ لِمُشْتَرِيهَا وَإِنْ عُلِمَ سَيِّدُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ عَادَ، وَلَاؤُهُ لَهُ (لَا) تُبَاعُ خِدْمَةُ (أُمِّ وَلَدٍ) لِمُسْلِمٍ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ وُجِدَتْ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا إذْ لَيْسَ لِسَيِّدِهَا فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ، وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِمْتَاعُ لَا يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ وَيَسِيرُ الْخِدْمَةِ لَغْوٌ فَيُنَجَّزُ عِتْقُهَا قَالَهُ سَالِمٌ وَتَبِعَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يُفَوِّتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا إنْ ظَهَرَ فَالظَّاهِرُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا عَلَى حَالِهَا. اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِأَجَلٍ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِيلَادُ بِأَنْ يَقُولَ الشَّاهِدَانِ أَشْهَدَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّ سَيِّدَهُ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لِأَجَلٍ أَوْ أَوْلَدَهَا، وَلَمْ نَسْأَلْهُمَا عَنْ اسْمِهِ أَوْ سَمَّيَاهُ وَنَسِينَاهُ.

(وَلَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ الَّذِي عُرِفَ بِعَيْنِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَيْعُ مَا عُرِفَ لَهُ أَوْ قَسْمُهُ تَأَوُّلًا أَوْ جَهْلًا بِأَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ أَوْ عَلِمَا بِأَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (أَخْذُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَقْسُومِ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ جَبْرًا عَلَيْهِ (بِثَمَنِهِ) الَّذِي بِيعَ بِهِ، وَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَسْمِهِ إنْ قُسِمَ بِلَا بَيْعٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. خَلِيلٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الْمَبِيعُ أَوْ الْمَقْسُومُ مَعَ مَعْرِفَةِ رَبِّهِ بِعَيْنِهِ جَهْلًا أَوْ تَعَمُّدًا لِلْبَاطِلِ فَلَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا (وَ) لَهُ أَخْذُهُ (بِ) الْعِوَضِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي بِيعَ أَوْ قُوِّمَ بِهِ فِي حَالِ الْقَسْمِ (إنْ تَعَدَّدَ) الْعَقْدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَخْذَهُ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ سَقَطَ حَقُّهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَأْخُذْ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ

ص: 202

وَأُجْبِرَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الثَّمَنِ، وَاتُّبِعَ بِهِ إنْ أَعْدَمَ، إلَّا أَنْ تَمُوتَ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا، وَلَهُ فِدَاءُ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ، وَمُدَبَّرٍ لِحَالِهِمَا،

ــ

[منح الجليل]

سَلِمَ صِحَّةُ مِلْكِ آخِذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَزِمَهُ صِحَّةُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ وَالشَّفِيعُ إذَا سَلَّمَ لِلْأَوَّلِ صَارَ شَرِيكَهُ، فَاسْتَحَقَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنْ يَتَجَدَّدُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ.

(وَأُجْبِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ السَّيِّدُ (فِي أُمِّ الْوَلَدِ) لَهُ إذَا بِيعَتْ أَوْ قُوِّمَتْ جَهْلًا بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ فَيُجْبَرُ (عَلَى) فِدَائِهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ بِ (الثَّمَنِ) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مَلِيًّا (وَاتُّبِعَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مُشَدَّدَةً وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ السَّيِّدُ (بِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (إنْ أُعْدِمَ) السَّيِّدُ أَيْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وَأَمَّا لَوْ بِيعَتْ أَوْ قُسِمَتْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ مُسْلِمٍ فَيَأْخُذُهَا مَجَّانًا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ تَمُوتَ هِيَ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ عِلْمِ سَيِّدِهَا كَمَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ وَالنَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ، أَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَهُ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْبَاجِيَّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ سَحْنُونٍ أَيْضًا فَيَسْقُطُ عَنْ سَيِّدِهَا إذْ الْقَصْدُ تَخْلِيصُهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا.

(أَوْ) يَمُوتُ (سَيِّدُهَا) قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى تَرِكَتِهِ، وَلَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ فِدَاؤُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيصٌ لَهَا وَقَدْ خَلَصَتْ بِمَوْتِهِ (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (فِدَاءُ) رِقِّ (مُعْتَقٍ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (لِأَجَلٍ وَ) فِدَاءُ رِقِّ (مُدَبَّرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِيعَتْ رَقَبَتُهَا جَهْلًا بِحَالِهِمَا، عَلَى هَذَا حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَتَأَتَّى عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي مِنْ الِاتِّبَاعِ بِمَا بَقِيَ، وَالْخِلَافُ فِي تَسْلِيمِ الْخِدْمَةِ تَمْلِيكًا أَوْ عَلَى التَّقَاضِي، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي بَيْعِ رَقَبَتِهِمَا جَهْلًا بِحَالِهِمَا وَعَلَيْهِ يَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ.

الْبُنَانِيُّ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا يَشْمَلُ بَيْعَ خِدْمَتِهِمَا أَيْضًا، وَهَذِهِ يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ سَابِقًا وَلَهُ بَعْدَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا ثَانِيًا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ مُسْلِمًا لِخِدْمَتِهِمَا لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَإِذَا فُدِيَا رَجَعَا (لِحَالِهِمَا) الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِتْقُ لِأَجَلٍ فِي

ص: 203

وَتَرْكُهُمَا مُسَلِّمًا لِخِدْمَتِهِمَا، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، فَحُرٌّ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ: كَمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قُسِمَا وَلَمْ يُعْذَرْ فِي سُكُوتِهِمَا بِأَمْرٍ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْضُهُ رُقَّ بَاقِيهِ،

ــ

[منح الجليل]

الْمُعْتَقِ لَهُ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمُدَبَّرِ.

(وَ) لَهُ (تَرْكُهُمَا) أَيْ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُدَبَّرِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا لِخِدْمَتِهِمَا) لِمَنْ هُمَا بِيَدِهِ إلَى الْأَجَلِ فِي الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَإِلَى مَوْتِ السَّيِّدِ فِي الْمُدَبَّرِ تَمْلِيكًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوْفَى ثَمَنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِمَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ وَمَوْتِ السَّيِّدِ فَلَا يَرْجِعُ لِسَيِّدِهِ فَيَمْلِكُ خِدْمَتَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَلَا يَتْبَعُ الْمُعْتَقَ لِأَجَلٍ بِشَيْءٍ بَعْدَهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَتَقَاضَيَا عِنْدَ سَحْنُونٍ وَعَلَيْهِ فَتَرْجِعُ الْخِدْمَةُ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَالْأَجَلُ بَاقٍ أَوْ السَّيِّدُ حَيٌّ وَإِنْ تَمَّ الْأَجَلُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ خَرَجَ حُرًّا وَأَتْبِعَ بِمَا بَقِيَ.

(فَإِنْ مَاتَ) السَّيِّدُ (الْمُدَبِّرُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) لِلثَّمَنِ مِنْ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ (فَ) هُوَ (حُرٌّ إنْ حَمَلَ) قِيمَتْ (هـ) أَيْ الْمُدَبَّرِ (الثُّلُثُ) لِتَرِكَةِ سَيِّدِهِ (وَاتُّبِعَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُدَبَّرِ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ ثَمَنِهِ فَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ بِتَسْلِيمِهِ تَقَاضِيًا، وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ الْمُدَبَّرِ بِمَا بَقِيَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.

وَشَبَّهَ فِي الْإِتْبَاعِ فَقَالَ (كَ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قُسِمَا) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فِي الْغَنِيمَةِ جَهْلًا بِحَالِهِمَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُمَا (لَمْ يُعْذَرَا) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ (فِي سُكُوتِهِمَا) حَالَ قَسْمِهِمَا عَنْ بَيَانِ حَالِهِمَا أَوْ صِلَةُ يُعْذَرَا (بِأَمْرٍ) كَصِغَرٍ وَبَلَهٍ وَعُجْمَةٍ فَيُتْبَعَانِ بِمَا وَقَعَا بِهِ فِي الْقَسْمِ مَعَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِمَا اتِّفَاقًا، فَإِنْ عُذِرَا فِيهِ بِأَمْرٍ فَلَا يُتْبَعَانِ بِشَيْءٍ.

(وَإِنْ حَمَلَ) الثُّلُثُ (بَعْضَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ (عَتَقَ) الْبَعْضُ الَّذِي حَمَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ الْمُدَبَّرِ (وَرُقَّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَشَدِّ الْقَافِ (بَاقِيهِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَهَلْ

ص: 204

وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أَدَّى الْمَكَاتِبُ ثَمَنَهُ، فَعَلَى حَالِهِ، وَإِلَّا فَقِنٌّ أُسْلِمَ أَوْ فُدِيَ.

وَعَلَى الْآخِذِ إنْ عَلِمَ بِمِلْكٍ مُعَيَّنٍ: تَرْكُ تَصَرُّفٍ لِيُخَيِّرَهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ مَضَى

ــ

[منح الجليل]

يَتْبَعُهُ بِمَا يَنُوبُ الْبَعْضَ الَّذِي عَتَقَ أَوْ لَا قَوْلَانِ (وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ) لِلسَّيِّدِ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ لِتَرْكِهِ سَيِّدَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ شَيْئًا مِنْهُ رُقَّ جَمِيعُهُ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْوَارِثِ.

(بِخِلَافِ) حُصُولِ (الْجِنَايَةِ) مِنْ الْمُدَبَّرِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ فِي أَرْشِهَا وَمَاتَ وَثُلُثُهُ يَحْمِلُ بَعْضَهُ فَيُخَيَّرُ وَارِثُهُ فِيمَا رُقَّ مِنْهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ رِقًّا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَفِدَائِهِ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِهَا؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَسْلَمَ خِدْمَتَهُ فَخُيِّرَ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ آلَ إلَى خِلَافِ مَا أَسْلَمَهُ السَّيِّدُ (وَإِنْ أَدَّى) الشَّخْصُ (الْمُكَاتَبُ) الَّذِي بِيعَتْ رَقَبَتُهُ جَهْلًا بِحَالِهِ (ثَمَنَهُ) لِمَنْ اشْتَرَاهُ (فَ) يَرْجِعُ مُكَاتَبًا (عَلَى حَالِهِ) وَأَمَّا إنْ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ فَأَدَّاهَا فَيَخْرُجُ حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ بِيعَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ فَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبُ ثَمَنَهُ وَعَجَزَ (فَ) هُوَ (قِنٌّ) أَيْ رِقٌّ خَالِصٌ مِنْ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ سَوَاءٌ (أُسْلِمَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ (أَوْ فُدِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ فَدَاهُ سَيِّدُهُ بِمَا اشْتَرَى بِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِسَيِّدِهِ الْخِيَارُ ابْتِدَاءً فِي إسْلَامِهِ وَفِدَائِهِ لِإِحْرَازِهِ نَفْسَهُ بِالْكِتَابَةِ.

(وَعَلَى الْآخِذِ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ (إنْ عَلِمَ) الْآخِذُ بَعْدَ أَخْذِهِ أَنَّهُ جَارٌ (بِمِلْكٍ) مَالِكٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (مُعَيَّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالْمُثَنَّاةُ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ فَعَلَيْهِ (تَرْكُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ (تَصَرُّفٍ) فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهَا بِوَجْهٍ مُسَوِّغٍ لِأَخْذِهِ كَعَدَمِ تَعَيُّنِ رَبِّهِ عِنْدَ أَمِيرِ الْجَيْشِ فَيَتْرُكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ (لِيُخَيِّرَهُ) أَيْ الْأَخْذُ الْمُعَيَّنُ فِي أَخْذِهِ بِثَمَنِهِ أَوْ تَرْكِهِ لَهُ (وَإِنْ تَصَرَّفَ) الْآخِذُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (مَضَى) تَصَرُّفُهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ.

ص: 205

كَالْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ بِاسْتِيلَادٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى

ــ

[منح الجليل]

وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ لِلتَّخْيِيرِ وَمُضِيِّهِ إنْ وَقَعَ فَقَالَ (كَالْمُشْتَرِي) مِلْكَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُعَيَّنٍ (مِنْ حَرْبِيٍّ) فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يُخَيَّرَ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ مَضَى تَصَرُّفُهُ وَصِلَةُ تَصَرَّفَ (بِاسْتِيلَادٍ) وَأَحْرَى بِعِتْقٍ نَاجِزٍ، وَمِثْلُ الِاسْتِيلَادِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ لِأَجَلٍ، وَمَفْهُومُ بِاسْتِيلَادٍ أَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِبَيْعٍ فَلَا يَمْضِي وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِالْأَوَّلِ إنْ تَعَدَّدَ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ فَيَمْضِي تَصَرُّفُهُ وَلَوْ بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَسَيُشِيرُ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِعِوَضٍ بِهِ إنْ لَمْ يُبَعْ فَيَمْضِي. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ أُخِذَ مِنْ الْعَدُوِّ قَهْرًا عَنْهُ فَكَانَ أَقْوَى فِي رَدِّهِ إلَى رَبِّهِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْ دَارِ الْحَرْبِ دَفَعَهُ الْحَرْبِيُّ طَوْعًا. وَلَوْ شَاءَ مَا دَفَعَهُ فَهُوَ أَقْوَى فِي إمْضَاءِ مَا فُعِلَ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ، فَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْمُضِيِّ فِيهَا وَمَا وَجَدَهُ السَّيِّدُ قَدْ فَاتَ بِعِتْقٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى رِقِّهِ أَخَذَهُمْ مَنْ كَانُوا بِيَدِهِ فِي مَغْنَمٍ، أَوْ بِابْتِيَاعٍ مِنْ حَرْبِيٍّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، أَوْ أَبْقَوْا إلَيْهِ وَيَمْضِي عِتْقُهُمْ وَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِمَنْ وَلَدَتْ لَهُ.

ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ تَعَدَّدَ بَيْعُ مَارٍّ بِهِ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ فَطُرُقُ ابْنِ مُحْرِزٍ وَالشَّيْخِ فِي أَخْذِهِ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ أَوْ بِالْأَوَّلِ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ سَحْنُونٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ بِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ فِيمَا غَنِمَ مَنَعَهُ اللَّخْمِيُّ يَتَخَرَّجُ فَوْتُهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي عَلَى فَوْتِهِ بِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَرْبِيٍّ بِبَلَدِهِ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ.

قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا غَنِمَ، ثُمَّ رَأَيْت لِعَبْدِ الْحَقِّ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بِأَنَّ مَا بِيعَ فِي الْمَقَاسِمِ أُخِذَ مِنْ الْعَدُوِّ قَهْرًا فَكَانَ أَقْوَى فِي رَدِّهِ لِرَبِّهِ، بِخِلَافِ مَا أُخِذَ مِنْهُ طَوْعًا وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ ابْنِ رُشْدٍ فِي قَصْرِ حَقِّ رَبِّهِ عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ وَأَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الْأَخِيرِ أَوْ بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ. رَابِعُهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَطَالَ، وَإِنَّمَا يَمْضِي تَصَرُّفُ الْآخِذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِاسْتِيلَادٍ وَنَحْوِهِ.

(إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ) أَيْ الْآخِذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ الْمَتَاعَ الْمَعْرُوفَ لِمُعَيَّنٍ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَلَى) نِيَّةِ

ص: 206

رَدِّهِ لِرَبِّهِ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَفِي الْمُؤَجَّلِ: تَرَدُّدٌ

وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ: أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ مَجَّانًا، وَبِعِوَضٍ بِهِ، إنْ لَمْ يُبَعْ فَيَمْضِي،

ــ

[منح الجليل]

رَدِّهِ) أَيْ الْمَتَاعِ (لِرَبِّهِ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْغَنِيمَةِ فَقَطْ. الَّذِي قَبْلَ الْكَلَفِ لَا لِلْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ الَّذِي بَعْدَهَا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتِهِ الْأَغْلَبِيَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُوَّةُ تَسَلُّطِ الْمَالِكِ فِي الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ أَخْذِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ مَجَّانًا بِخِلَافِ الثَّانِي.

وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِبَيَانِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَقَالَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ أَخَذَهُ بِنِيَّةٍ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَحْوِ اسْتِيلَادٍ (فَ) فِي مُضِيِّ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِهِ (قَوْلَانِ) أَرْجَحُهُمَا عَدَمُهُ وَهُوَ لِابْنِ الْكَاتِبِ، وَالْأَوَّلُ لِلْقَابِسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَفِي) إمْضَاءِ (الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ) مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَعَدَمِهِ (تَرَدُّدٌ) لِلَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ الرَّاجِحُ مِنْهُ الْأَوَّلُ بِالْأَوْلَى مِنْ التَّدْبِيرِ، وَهَذَا إذَا أَخَذَهُ لِيَتَمَلَّكَهُ لَا لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ فَحَقُّهُ التَّقْدِيمُ عَلَى قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَخْ وَقَدْ قَدَّمَهُ خش عَلَيْهِ وَهُوَ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ النُّسَخِ.

(وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ) أَيْ الْحَرْبِيُّونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (بِدَارِهِمْ) أَيْ الْحَرْبِيِّينَ أَوْ بِدَارِنَا قَبْلَ تَأْمِينِهِمْ إذَا قَدِمَ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَيْنَا (مَجَّانًا) تَنَازَعَ فِيهِ أَخَذَ وَوَهَبَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ الْأَوْلَى كَوْنُهُ مَعْمُولًا لِأَخَذَ لَا مُتَنَازَعًا فِيهِ إذْ يُبْعِدُهُ عَطْفُ قَوْلِهِ (وَ) مَا وَهَبُوهُ أَوْ بَاعُوهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِدَارِهِمْ (بِعِوَضٍ) مِثْلِيٍّ أَوْ مُقَوَّمٍ يَأْخُذُهُ مَالِكُهُ (بِهِ) أَيْ مِثْلِ الْعِوَضِ مُقَوَّمًا كَانَ أَوْ مِثْلِيًّا كَمَنْ أَسْلَفَ مُقَوَّمًا فَلَهُ مِثْلُهُ فِي بَلَدِ السَّلَفِ، وَنَصُّ التَّوْضِيحِ إنَّمَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا دَفَعَ مِثْلَهُ حَيْثُ لَقِيَهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا غَيْرَ الْعَيْنِ أَوْ عَرَضًا دَفَعَ إلَيْهِ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ إنْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ كَمَنْ أَسْلَفَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُهُ فِي مَوْضِعِ السَّلَفِ، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مَا يَجُوزُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ فِي بَلَدِنَا قِيمَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ.

(إنْ لَمْ يُبَعْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِبَلَدِهِمْ بِعِوَضٍ أَوْ بِلَا عِوَضٍ أَيْ لَمْ يَبِعْهُ آخِذُهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ فَإِنْ بِيعَ لِغَيْرِهِ (فَيَمْضِي) بَيْعُهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ

ص: 207

وَلِمَالِكِهِ الثَّمَنُ أَوْ الزَّائِدُ وَالْأَحْسَنُ فِي الْمَفْدِيِّ مِنْ لِصٍّ: أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ.

وَإِنْ أُسْلِمَ لِمُعَاوِضٍ مُدَبَّرٌ وَنَحْوُهُ اُسْتُوْفِيَتْ خِدْمَتُهُ،

ــ

[منح الجليل]

مِمَّنْ اشْتَرَاهُ (وَلِمَالِكِهِ) الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ (الثَّمَنُ) الَّذِي بِيعَ بِهِ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ مَجَّانًا (أَوْ الزَّائِدُ) عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِنْ الْحَرْبِيِّ إنْ أَخَذَ مِنْهُ بِعِوَضٍ، فَإِنْ بِيعَ بِأَنْقَصَ مِمَّا أَخَذَ بِهِ مِنْ الْحَرْبِيِّ أَوْ بِمُسَاوٍ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لِمَالِكِهِ عَلَى آخِذِهِ بِشَيْءٍ (وَالْأَحْسَنُ) عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ مَنْ يَرْضَى مِنْ شُيُوخِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مَجَّانًا نَسُدُّ هَذَا الْبَابَ مَعَ كَثْرَةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ أَخْذِ اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِمْ. ابْنُ نَاجِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ (فِي) الْمَالِ (الْمَفْدِيِّ مِنْ يَدِ لِصٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ (مِنْ) يَدِ (لِصٍّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الصَّادِ أَيْ سَارِقٍ أَوْ مُحَارِبٍ أَوْ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ كُلِّ آخِذٍ مَالًا بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ (أَخْذُهُ) أَيْ الْمَفْدِيِّ مِنْ فَادِيهِ (بِ) مِثْلِ (الْفِدَاءِ) إنْ لَمْ يُمْكِنْ خَلَاصُهُ بِدُونِهِ وَلَمْ يَفْدِهِ لِيَتَمَلَّكَهُ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ مَجَّانًا أَوْ بِمَا يَتَوَقَّفُ خَلَاصُهُ عَلَيْهِ إنْ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ.

وَقَيَّدَ وَلَمْ يَفْدِهِ لِتَمَلُّكِهِ لِابْنِ هَارُونَ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ لَفْظِ الْمَفْدِيِّ. ابْنُ نَاجِي الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَالَ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا أَرَادَ مِمَّنْ تَمَلَّكَهُ فَيُوَافِقُ الْأَحْسَنَ وَهَلْ يَجُوزُ الْأُجْرَةُ لِلْفَادِي فِي التَّوْضِيحِ لَا شَكَّ فِي مَنْعِهَا إنْ دَفَعَ الْفِدَاءَ مِنْ عِنْدِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ غَيْرَهُ فَفِيهَا مَجَالٌ لِلنَّظَرِ.

(وَإِنْ أُسْلِمَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ (لِمُعَاوِضٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا عَلَى عَبْدٍ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَنَائِبُ فَاعِلِ أُسْلِمَ (مُدَبَّرٌ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ فِي كَوْنِهِ ذَا شَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا عَاوَضَ بِهِ عَلَيْهِ (اُسْتُوْفِيَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقٍ وَكَسْرِ الْفَاءِ (خِدْمَتُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّ الْمُعَاوَضَ يَمْلِكُ جَمِيعَ خِدْمَتِهِ إلَى مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ أَجَلِ الْعِتْقِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي عَاوَضَ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يَرْجِعُ الزَّائِدُ لِلسَّيِّدِ.

ص: 208

ثُمَّ هَلْ يُتَّبَعُ إنْ عَتَقَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَوْلَانِ وَعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ: حُرٌّ إنْ فَرَّ، أَوْ بَقِيَ حَتَّى غُنِمَ، لَا إنْ خَرَجَ

ــ

[منح الجليل]

(ثُمَّ) إنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ أَوْ حَلَّ أَجَلُ الْعِتْقِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْ الْخِدْمَةِ تَحَرَّرَ الْمُدَبَّرُ إنْ حَمَلَهُ ثُلُثُ مَالِ سَيِّدِهِ وَعَتَقَ الْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ وَاخْتُلِفَ (هَلْ يُتْبَعُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا لِأَجَلٍ (إنْ عَتَقَ) الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَحَمَلَ قِيمَتَهُ ثُلُثَ مَالِ سَيِّدِهِ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ بِحُلُولِ أَجَلِ عِتْقِهِ وَصِلَةُ يُتْبَعُ (بِالثَّمَنِ) كُلِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِلْكًا فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا اسْتَوْفَاهُ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةٌ وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ.

(أَوْ) يُتْبَعُ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ ثَمَنِهِ بَعْدَ مُحَاسَبَةِ مُسْتَلِمِهِ بِمَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ تَقَاضِيًا فِي الْجَوَابِ (قَوْلَانِ) لَمْ يَطَّلِعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ أَحَدِهِمَا، وَمُقْتَضَى ابْنِ الْحَاجِبِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِتَصْدِيرِهِ بِهِ، وَحِكَايَةُ الثَّانِي بِقِيلِ، وَمُقْتَضَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ تَرْجِيحُ الثَّانِي. الدَّمِيرِيُّ وَالطِّخِّيخِيُّ اُنْظُرْ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَخَذَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ وَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ وَمَاتَ أَوْ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ، فَإِنَّهُ يُتْبَعُ بِمَا بَقِيَ فَقَطْ قَوْلًا وَاحِدًا، فَفَرَّقَ أَحْمَدُ بِأَنَّ السَّابِقَ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ، وَهَذَا عَاوَضَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَشَدُّ فَلِذَا جَرَى فِيهِ قَوْلٌ بِاتِّبَاعِهِ بِالْجَمِيعِ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ خَاصًّا بِمَنْ وَقَعَ فِي السَّهْمِ إذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَتِمُّ الْفَرْقُ، فَلَوْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرِي بِدَارِ الْحَرْبِ أَتَمُّ رُبَّمَا كَانَ أَسْلَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفَرَّقَ الْحَطّ بِأَنَّ الْمُعَاوَضَ بِدَارِ الْحَرْبِ دَخَلَ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَاَلَّذِي عَاوَضَ فِي الْمَقَاسِمِ دَخَلَ عَلَى الْخِدْمَةِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ هَذَا دَخَلَ عَلَى الرَّقَبَةِ لِجَهْلِ حَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ عَاوَضَ لِيَتَمَلَّكَ لَا شَيْءَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُسْلِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (حُرٌّ إنْ فَرَّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّ الرَّاء أَيْ هَرَبَ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ إلَيْنَا قَبْلَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ وَلَوْ اسْتَمَرَّ كَافِرًا عِنْدَنَا وَأَسْلَمَ سَيِّدُهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَدِمَ إلَيْنَا بِمَالٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَا يُخَمَّسُ (أَوْ) لَمْ يَفِرَّ إلَيْنَا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَ (بَقِيَ) الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِأَرْضِ الْحَرْبِ (حَتَّى غُنِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ فَحُرٌّ أَيْضًا (لَا) يَكُونُ الْعَبْدُ الَّذِي أَسْلَمَ حُرًّا (إنْ خَرَجَ) الْعَبْدُ الَّذِي أَسْلَمَ

ص: 209

بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ أَوْ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ

ــ

[منح الجليل]

مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا فَارًّا مُسْلِمًا (بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ) بِمُدَّةٍ فَهُوَ رِقٌّ لِسَيِّدِهِ.

(أَوْ) خَرَجَ الْعَبْدُ إلَيْنَا مُسْلِمًا (بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ) أَيْ السَّيِّدِ فَلَا يَكُونُ حُرًّا، فَقَوْلُهُ إنْ فَرَّ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ فِرَارِهِ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ بِمُدَّةٍ، وَفِرَارِهِ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ، وَفِرَارِهِ قَبْلَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ، أَخْرَجَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ لَا إنْ خَرَجَ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ، وَالثَّانِيَ بِقَوْلِهِ أَوْ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ، فَقَوْلُهُ أَوْ بِمُجَرَّدِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ أَفَادَهُ عب تَبَعًا لتت. طفي لَا تَخْفَى رَكَاكَتُهُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعَبْدِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّرُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِ فِرَارٍ، وَلَا غَنِيمَةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَزُولُ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ، بَلْ حَتَّى يَفِرَّ أَوْ يُغْنَمَ، فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ حُرًّا خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ.

وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَا مَعًا وَخَرَجَ الْعَبْدُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ لَا إنْ خَرَجَ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ شَمِلَ تَقَدُّمَ إسْلَامِ السَّيِّدِ أَوْ الْعَبْدِ وَإِسْلَامَهُمَا مَعًا، فَهُوَ كَقَوْلِهَا وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَتَرَكَ سَيِّدَهُ مُسْلِمًا فَهُوَ رِقٌّ لَهُ إنْ أَتَى، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ " ظ " تَقَدَّمَ إسْلَامُ الْعَبْدِ عَلَى إسْلَامِ السَّيِّدِ أَمْ لَا، هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يَرَى أَنَّ إسْلَامَ الْعَبْدِ لَا يُزِيلُ مِلْكَ سَيِّدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الَّذِي يَرَى أَنَّ إسْلَامَ الْعَبْدِ يُزِيلُ مِلْكَ سَيِّدِهِ عَنْهُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ رِقًّا إذَا تَقَدَّمَ إسْلَامُ السَّيِّدِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُ الْعَبْدِ فَهُوَ حُرٌّ بِنَفْسِ إسْلَامِهِ اهـ.

الْبُنَانِيُّ فَقَوْلُهُ أَوْ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ عُطِفَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ خَرَجَ لَا عَلَى بَعْدُ أَيْ لَا بِخُرُوجِهِ، وَلَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ فَرَّ إلَيْنَا إلَخْ، لَكِنْ أَتَى بِهِ لِنُكْتَةِ خِلَافِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ أَوْ بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ فَعَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ صَادَفَ مَحَلًّا وَصَحَّ بَيْعُهُ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ، وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ. وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ عِتْقُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ مَوَالِيهِ مُسْلِمًا وَهُمْ يُعَذِّبُونَهُ فِي إسْلَامِهِ، وَكَانَ، وَلَاؤُهُ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.

ص: 210

وَهَدَمَ السَّبْيُ النِّكَاحَ إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ بَعْدَهُ وَوَلَدُهُ وَمَالُهُ

ــ

[منح الجليل]

(وَهَدَمَ) بِإِهْمَالِ الدَّالِ أَيْ أَسْقَطَ وَنَقَضَ وَإِعْجَامُهَا أَيْ قَطَعَ بِسُرْعَةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ (السَّبْيُ) مِنَّا لِزَوْجَيْنِ كَافِرَيْنِ (النِّكَاحَ) بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ سُبِيَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبَيْنِ وَهَذَا قِسْمٌ، أَوْ سُبِيَتْ هِيَ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَقُدُومِهِ بِأَمَانٍ أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَبَعْدَ قُدُومِهِ بِأَمَانٍ أَوْ سُبِيَ هُوَ فَقَطْ، فَفِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ يَنْهَدِمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا. وَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ لَا عِدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً تَحِلُّ لِسَابِيهَا بِحَيْضَةٍ، وَسَوَاءٌ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ حَصَلَ إسْلَامُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بَيْنَ سَبْيِهِمَا إذَا تَرَتَّبَ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ فِي الثَّانِيَةِ بَقِيَا عَلَى كُفْرِهِمَا أَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ سَبْيِهِمَا وَلَوْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ عَلَى إسْلَامِهَا، وَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ مِلْكٌ لِلسَّابِي، وَيُقَرُّ عَلَيْهَا فِي الثَّالِثِ إنْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ أَوْ عَتَقَتْ فِي عِدَّتِهَا وَأَقَرَّ عَلَيْهَا فِي الرَّابِعِ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهَا إنْ لَمْ تُسْلِمْ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِيهِمَا إذْ هِيَ حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدِ السَّابِي، وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ وَهُوَ سَبْيُهَا وَإِسْلَامُهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ.

وَلَمَّا دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ السَّابِقِ اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (تُسْبَى) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ (وَتُسْلِمَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ (بَعْدَ) الْإِسْلَامِ مِنْهُ أَيْ زَوْجِهَا الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى مَرْجِعِ هَذَا الضَّمِيرِ وَتَنَازَعَ فِي بَعْدِ تُسْبَى وَتُسْلِمَ فَلَا يَهْدِمُ سَبْيُنَا نِكَاحَهُمَا، وَيُقَرَّانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ، لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سَبْيٌ وَبِإِسْلَامِهَا قَبْلَ حَيْضَةٍ وَبِعَدَمِ الْبُعْدِ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا، وَمِثْلُ إسْلَامِهَا عِتْقُهَا، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُ ضَمِيرِ بَعْدَهُ عَلَى السَّبْيِ مُرَادًا بِهِ سَبْيُ الرَّجُلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إذَا سُبِيَا انْهَدَمَ النِّكَاحُ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا عَوْدُهُ لِقُدُومِهِ بِأَمَانٍ لِمَا عَلِمْت أَيْضًا أَنَّهَا إذَا سُبِيَتْ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَبَعْدَ قُدُومِهِ بِأَمَانٍ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا بِحَالٍ اهـ عب.

(وَوَلَدُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ، الَّذِي أَسْلَمَ وَفَرَّ إلَيْنَا أَوْ بَقِيَ فِي بَلَدِهِ حَتَّى غَزَاهَا الْمُسْلِمُونَ فَغَنِمُوا وَلَدَهُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَرُقَّ إنْ حَمَلَتْ بِهِ بِكُفْرٍ (وَمَالُهُ)

ص: 211

فَيْءٌ مُطْلَقًا، لَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِكِتَابِيَّةٍ سُبِيَتْ، أَوْ مُسْلِمَةٍ وَهَلْ كِبَارُ الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ، أَوْ إنْ قَاتَلُوا " تَأْوِيلَانِ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ لِمَالِكِهَا.

ــ

[منح الجليل]

أَيْ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ كَذَلِكَ (فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ لِلْجَيْشِ الَّذِي دَخَلَ بَلَدَهُ فَالْأَوْلَى غَنِيمَةٌ وَاَلَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ حُرٌّ اتِّفَاقًا وَزَوْجَتُهُ غَنِيمَةٌ اتِّفَاقًا. وَكَذَا مَهْرُهَا فَقِيلَ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ لِمِلْكِهِ جُزْأَهَا، وَقِيلَ لَا (مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا جَاءَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْنَا وَتَرَكَ وَلَدَهُ بِبَلَدِهِ أَمْ لَمْ يَجِئْ (لَا) يَكُونُ فَيْئًا (وَلَدٌ صَغِيرٌ) وُلِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ (لِكِتَابِيَّةٍ) أَوْ مَجُوسِيَّةٍ فَالْأَوْلَى ذِمِّيَّةٌ حُرَّةٌ (سُبِيَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ سَبَاهَا حَرْبِيٌّ مِنْ بَلَدِ الْإِسْلَامِ إلَى بَلَدِهِ وَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ (أَوْ) وَلَدٌ صَغِيرٌ (لِمُسْلِمَةٍ) حُرَّةٍ سُبِيَتْ وَوَطِئَهَا سَابِيهَا فَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ الْحَرْبِيَّ وَالْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ أَوْ الْمُسْلِمَةَ وَأَوْلَادَهُمَا الصِّغَارَ فَهُمْ أَحْرَارٌ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ، وَمَفْهُومُ صَغِيرٍ أَنَّ الْكَبِيرَ لِكِتَابِيَّةٍ فَيْءٌ.

(وَهَلْ كِبَارُ) الْحُرَّةِ (الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ) وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا (أَوْ) فَيْءٌ (إنْ قَاتَلُوا) الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْحَرْبِيِّينَ فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا فَهُمْ أَحْرَارٌ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) فِي قَوْلِهَا وَأَمَّا الْكِبَارُ إذَا بَلَغُوا وَقَاتَلُوا فَهُمْ فَيْءٌ، فَحَمَلَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى ظَاهِرِهَا وَرَأَى ابْنُ شَبْلُونَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ كَوْنُهُمْ بِحَالٍ يُمْكِنُهُمْ فِيهِ الْقِتَالُ (وَوَلَدُ الْأَمَةِ) الَّتِي سَبَاهَا حَرْبِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَأَوْلَدَهَا غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ مَعَ وَلَدِهَا (لِمَالِكِهَا) صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَفِي شَرْحِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ وَابْنِ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ.

ص: 212