المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما خص به النبي بوجوب الضحى والأضحى والتهجد والوتر] - منح الجليل شرح مختصر خليل - جـ ٣

[محمد بن أحمد عليش]

الفصل: ‌[باب ما خص به النبي بوجوب الضحى والأضحى والتهجد والوتر]

(بَابٌ)

ــ

[منح الجليل]

[بَاب مَا خَصَّ بِهِ النَّبِيّ بِوُجُوبِ الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ]

(بَابٌ) فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ وَابْتَدَأَهُ بِخَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ مُعْتَمِدًا نَقْلَ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَلَهُ وَلِلْمُصَنِّفِ بَعْضُ زِيَادَاتٍ عَلَى مَا فِي الْأَحْكَامِ قَالَهُ " غ " عب ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ بِصَدَدِ بَيَانِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَأَحْكَامِ الْخَصَائِصِ قَدْ مَضَتْ بِمَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم لِلتَّنْوِيهِ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلِئَلَّا يَتَأَسَّى بِهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا فَذِكْرُهَا مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ.

وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِي وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ وَمُحَرَّمٌ وَمُبَاحٌ. وَالْأَوَّلُ: قِسْمَانِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْثِيرًا لِثَوَابِهِ، فَإِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ التَّطَوُّعِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَإِنْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْقُدْسِيُّ «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْت عَلَيْهِ» . وَوَاجِبٌ عَلَيْنَا لَهُ صلى الله عليه وسلم تَشْرِيفًا لَهُ صلى الله عليه وسلم. وَالثَّانِي: قِسْمَانِ أَيْضًا حَرَامٌ عَلَيْهِ وَحَرَامٌ عَلَيْنَا لَهُ.

(فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُنُونٌ وَلَوْ قَلَّ زَمَنُهُ وَلَا إغْمَاءٌ طَوِيلٌ جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا عَمًى كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ، فَلَمْ يَعْمَ نَبِيٌّ قَطُّ، وَمَا رُوِيَ فِي شُعَيْبٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَثْبُتْ وَيَعْقُوبُ عليه الصلاة والسلام كَانَتْ بِهِ غِشَاوَةٌ وَزَالَتْ، أَوْ إنَّهُ اسْتَحَالَ السَّوَادُ بَيَاضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84] ، وَكَانَ يُبْصِرُ بِهِمَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف: 96] ، أَيْ مِنْ حَالَةِ الْبَيَاضِ وَقِيلَ عَمِيَ سِتَّ سِنِينَ.

ص: 242

خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوُجُوبِ: الضُّحَى وَالْأَضْحَى، وَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ بِحَضَرٍ، وَالسِّوَاكِ وَتَخْيِيرِ نِسَائِهِ فِيهِ

ــ

[منح الجليل]

خُصَّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (النَّبِيُّ) مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ وَمِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ أَنَّهُ خُصَّ بِمَجْمُوعِهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ شَارَكُوهُ فِي بَعْضِهَا (بِوُجُوبِ) صَلَاةِ (الضُّحِي) عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِخَبَرِ «كُتِبَ عَلَيَّ رَكْعَتَا الضُّحَى وَهُمَا لَكُمْ سُنَّةٌ» ، وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيّ كَمَا فِي الْأُنْمُوذَجِ «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ الْفَجْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» ، وَكَذَا فِي الْحَطّ. وَفِي تت التَّهَجُّدُ بَدَلُ الْفَجْرِ، وَالضُّحَى بَدَلُ رَكْعَتَا الضُّحَى، وَهَذَا شَاذٌّ،

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ» ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ صَلَّاهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَكِنَّهُ رَغَّبَ فِيهَا بِقَوْلِهِ «مَنْ صَلَّاهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» كَمَا فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ وَالْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ، وَمِنْ فَوَائِدِهَا إجْزَاؤُهَا عَنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي تُصْبِحُ عَلَى الْمَفَاصِلِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَيُجْزِي عَنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الضُّحَى الْقَرَافِيُّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَا اشْتَهَرَ بَيْنَ الْعَوَامّ أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِتَرْكِهَا أَصْلًا لَا أَصْلَ لَهُ، بَلْ هُوَ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لِيُحَرِّمَهُمْ.

(وَ) بِوُجُوبِ (الْأَضْحَى) أَيْ الضَّحِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا وَإِلَّا فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْهَدْيِ كَغَيْرِهِ (وَ) بِوُجُوبِ (التَّهَجُّدِ) أَيْ نَفْلِ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] الْإِسْرَاءُ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ وَهُوَ صَلَاةٌ بَعْدَ نَوْمٍ عَلَى الْمُخْتَارِ (وَ) بِوُجُوبِ (الْوِتْرِ بِحَضَرٍ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَدَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ عَلَيْهِ بِسَفَرٍ فِعْلُهُ فِيهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ (وَ) بِوُجُوبِ (السِّوَاكِ) لِكُلِّ صَلَاةٍ حَضَرًا وَسَفَرًا (وَ) بِوُجُوبِ (تَخْيِيرِ نِسَائِهِ) صلى الله عليه وسلم (فِيهِ) أَيْ الْمَقَامِ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم طَلَبًا لِلْآخِرَةِ وَمُفَارَقَتِهِ عليه الصلاة والسلام طَلَبًا لِلدُّنْيَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّخْيِيرَ الَّذِي يُوقِعُ فِيهِ الثَّلَاثَ كَمَا ظَنَّ قَوْمٌ،

ص: 243

وَطَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ

ــ

[منح الجليل]

أَبُو الْحَسَنِ هَذَا سُوءُ ظَنٍّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخَيَّرَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ. وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «حِينَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَدَأَ بِهَا فَاخْتَارَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَتَبِعَهَا بَقِيَّتُهُنَّ عَلَى ذَلِكَ» ، وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ وَفِي عِصْمَتِهِ التِّسْعُ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ. (تَتِمَّةٌ) بَقِيَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَأَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَامِلَةً لَا خَلَلَ فِيهَا، وَإِتْمَامُ كُلِّ تَطَوُّعٍ شَرَعَ فِيهِ وَدَفْعُهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَتَكْلِيفُهُ وَحْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا كُلِّفَ النَّاسُ جَمِيعهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِمُشَاهَدَةِ الْحَقِّ مَعَ مُشَاهَدَةِ الْخَلْقِ بِالنَّفْسِ وَالْكَلَامِ وَاسْتِغْفَارِهِ سَبْعِينَ لِلْغَيْنِ عَلَى قَلْبِهِ، وَوُضُوءُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِرَدِّ السَّلَامِ، وَالْكَلَامُ وَهَذَانِ نُسِخَا

(وَ) خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوُجُوبِ (طَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ) عَلَيْنَا أَيْ طَلَاقُنَا الزَّوْجَةَ الَّتِي رَغِبَ فِي نِكَاحِهَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم لَوْ وَقَعَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَغِبَ فِي تَزَوُّجِ زَوْجَةِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمَا عَامًّا لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَأَمَّا تَزَوُّجُهُ صلى الله عليه وسلم زَوْجَةَ غَيْرِهِ بَعْدَ طَلَاقِهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ وَقَعَ فِي زَيْنَبَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَإِنَّمَا كَانَتْ رَغْبَتُهُ فِي بَقَائِهَا زَوْجَةً لِزَيْدٍ تَحَاشِيًا مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، وَقَدْ مَنَعَ النَّاسُ مِنْهُ لِتَبَنِّيه زَيْدًا.

وَاَلَّذِي أَخْفَاهُ إنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَ زَيْدٍ فَأَخْفَاهُ خَشْيَةَ تَطَرُّقِ الْأَلْسُنِ إلَيْهِ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ عليه الصلاة والسلام تَبَنَّى زَيْدًا فَكَانَ لِهَذَا الْمُوجِبِ يَقُولُ لَهُ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك خَشْيَةَ وُجُوبِ تَزَوُّجِهَا عَلَيْهِ إذَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] مَعْنَاهُ لِئَلَّا يَجِبَ عَلَيْك زَوَاجُهَا إذَا طَلَّقَهَا لَا مَحَبَّتُهَا مَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ ذَلِكَ حِينَ شَكَا زَيْدٌ لَهُ مِنْهَا وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِك مَا أُمِرْت بِهِ مِنْ تَزَوُّجِهَا بَعْدَ طَلَاقِ زَيْدٍ لَا حُبُّهَا مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أَيْ مُظْهِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ تَزَوُّجِك إيَّاهَا، وَتَخْشَى النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ لِمَا أَرَادَ مِنْ إبْطَالِ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حُرْمَةِ تَزَوُّجِ

ص: 244

وَإِجَابَةِ الْمُصَلِّي، وَالْمُشَاوَرَةِ

ــ

[منح الجليل]

زَوْجَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَفَادَهُ السَّنُوسِيُّ وَنَحْوُهُ لِلسَّيِّدِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَزَادَ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ إخْفَاءَهُ عَزِيمَةَ تَزَوُّجِ زَيْنَبَ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ خَوْفًا مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ الصَّغَائِرِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ غَايَتُهُ تَرْكُ الْأَوْلَى بَلْ وَكَذَا مَيَلَانُ الْقَلْبِ. اهـ. أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ لَوْ وَقَعَ.

(وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (إجَابَةِ الْمُصَلِّي) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي إجَابَتُهُ صلى الله عليه وسلم إذَا دَعَاهُ وَهُوَ فِيهَا وَأَحْرَى غَيْرُ الْمُصَلِّي. وَعُمُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ أَوْ وَجَبَ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى يَقْضِي بِبُطْلَانِ صَلَاةٍ مُجِيبَةٍ، لِمَنْ قَالَ الشَّارِحُ فِي صَغِيرِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهَا وَعَزَاهُ السَّفَاقِسِيُّ لِابْنِ كِنَانَةَ. قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَهَذِهِ الْخِصِّيصَةُ يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. الْعَجْمَاوِيُّ مِثْلُ الْإِجَابَةِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءُ الْمُصَلِّي النَّبِيَّ بِالْخِطَابِ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَوْ سَلَامٌ عَلَيْك قَالَهُ النَّوَوِيُّ. عج وَالظَّاهِرُ قَصْرُهُ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ كَمِثَالِهِ لَا مَا كَانَ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا.

وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِإِجَابَتِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إجَابَتِهِ بِنَحْوِ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. أَوْ بِنَحْوِ مَا فَعَلْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ جَوَابًا لِقَوْلِهِ عليه السلام لَهُ عَلَى فِعْلَتِهِ، هَذَا فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا وَقَعَ لِأُبَيٍّ. وَانْظُرْ إنْ وَقَعَتْ بَعْدَهَا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ لِبَقَاءِ خُصُوصِيَّةِ الْحَيَاةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَيَاتِهِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ عب.

(وَ) مِمَّا خُصَّ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم (الْمُشَاوَرَةِ) لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنْ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْآرَاءِ فِي الْحُرُوبِ تَطْبِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَأْلِيفًا لَهُمْ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ عِلْمًا، فَالْخُصُوصِيَّةُ لَهُ عليه السلام مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ كَامِلَ الْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُشَاوَرَةُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُشَاوِرُ فِي الْحُرُوبِ وَفِيمَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ الْأَحْكَامُ فَلَا يُشَاوِرُ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهَا إنَّمَا يُلْتَمَسُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] الْآيَةَ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْأَحْكَامِ فَرُبَّمَا رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ أَوْ سَمِعُوا بِآذَانِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ، وَيَجِبُ

ص: 245

وَقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ، وَإِثْبَاتِ عَمَلِهِ، وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

ــ

[منح الجليل]

عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ وَفِيمَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَوُجُوهِ الْكِتَابِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَعِمَارَتِهَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ ابْنِ عَطِيَّةَ الشُّورَى مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَعَزَائِمِ الْأَحْكَامِ وَمَنْ لَا يَسْتَشِيرُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ.

(وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ) الْمُسْلِمِ مِنْ مَالِهِ صلى الله عليه وسلم الْخَاصِّ بِهِ عليه السلام، وَأَمَّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ جَمِيعُ الْوُلَاةِ إذَا عَجَزَ عَنْ وَفَائِهِ وَتَدَايُنِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَابَ، وَأَحَادِيثُ الْحَبْسِ عَنْ الْجَنَّةِ بِالدَّيْنِ مَنْسُوخَةٌ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ قَبْلَ الْفُتُوحَاتِ. (وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (إثْبَاتِ عَمَلِهِ) أَيْ عَدَمِ تَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَسْخِهِ لَا أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعَهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا، وَكَذَا فِي الصَّوْمِ كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ فَيُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَيَصُومُ.

(وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (مُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ) الزَّائِدُ عَلَى الضَّعْفِ وَلَوْ أَهْلَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أَيْ مِنْ قَتْلِهِمْ لَك فَلَا يُنَافِي شَجَّ وَجْهِهِ وَكَسْرَ رُبَاعِيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم.

(وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ) عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَيْنًا بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّ سُكُونَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ تَشْرِيعٌ لَهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(وَ) خُصَّ (بِحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ) الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ (عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم صِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ عَنْ أَوْسَاخِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَكَوْنُ يَدِهِمْ هِيَ الْعُلْيَا وَيَدُهُ السُّفْلَى، وَقَدْ أَبْدَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا الْفَيْءَ الْمَأْخُوذَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الدَّالِّ عَلَى عِزِّ آخِذِهِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (وَعَلَى آلِهِ) صلى الله عليه وسلم أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ فَقَطْ وَلَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ. ابْن عَبْدَ الْبَرِّ زَوْجَاتُهُ صلى الله عليه وسلم كَآلِهِ

ص: 246

وَأَكْلِهِ كَثُومٍ، أَوْ مُتَّكِئًا، وَإِمْسَاكِ كَارِهَتِهِ، وَتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ، وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ،

ــ

[منح الجليل]

صلى الله عليه وسلم وَالرَّاجِحُ جَوَازُهُمَا لِمَوَالِيهِ وَعَدَمُ حُرْمَةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى آلِهِ. وَشَرْطُ حُرْمَةِ الْفَرْضِ عَلَيْهِمْ غِنَاهُمْ أَوْ إعْطَاؤُهُمْ كِفَايَتَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَهُمْ أَضَرَّ بِهِمْ الْفَقْرُ أَوْ بَلَغُوا إبَاحَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَإِعْطَاؤُهُمْ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، وَمِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم تَطَلُّعُهُ إلَى مَا مُنِعَ بِهِ النَّاسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] الْآيَةَ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (أَكْلِ كَثُومٍ) وَبَصَلٍ وَفُجْلٍ وَسَائِرِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ إذَا كَانَ نِيئًا لِمُنَاجَاتِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ تُؤْذِيهِمْ، فَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ (أَوْ) أَكْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُتَّكِئًا) أَيْ مُتَرَبِّعًا قَالَهُ عِيَاضٌ وَالْخَطَّابِيُّ أَوْ مَائِلًا عَلَى جَنْبِهِ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ أَوْ مُسْتَنِدًا بِلَا مَيْلٍ قَالَهُ أَحْمَدُ

(وَ) خُصَّ حُرْمَةُ (إمْسَاكِ كَارِهَتِهِ) صلى الله عليه وسلم لِغَيْرَتِهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ الْجِبِلِّيَّةِ الَّتِي لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى تَرْكِهَا لَا لِذَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِصْمَتِهِ لِخَبَرِ «الْعَائِذَةِ الْقَائِلَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَهَا لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ، وَقِيلَ مُلَيْكَةُ اللَّيْثِيَّةُ فَإِنْ كَرِهَتْهُ لِذَاتِهِ كَفَرَتْ فَبَانَتْ، قَوْلُهُ مَعَاذٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَكَان قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، أَيْ تَحَصَّنَتْ بِمَلَاذٍ وَمَلْجَأٍ. وَضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِضَمِّهَا أَيْ الَّذِي يُسْتَعَاذُ بِهِ وَقَوْلُهُ الْحَقِي هَمْزَةٌ لِلْوَصْلِ مِنْ لَحِقَ كَفَرِحَ وَأَجَازَ الْقَسْطَلَّانِيُّ قَطْعَهَا مِنْ أَلْحَقَ لُغَةً فِي لَحِقَ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (تَبَدُّلِ) أَيْ تَبْدِيلِ (أَزْوَاجِهِ) اللَّاتِي خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] الْآيَةَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَيْ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِك وَتَنْكِحَ غَيْرَهَا وَهَذَا لَمْ يُنْسَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (نِكَاحِ) الْحُرَّةِ (الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ) الْمُسْلِمَةِ أَحْمَدُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ جَوَازَهُ لِغَيْرِهِ مَشْرُوطٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةٌ وَهُمَا مَنْفِيَّانِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم -

ص: 247

وَمَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ وَنَزْعِ لَأْمَتِهِ حَتَّى يُقَاتِلَ، وَالْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ

ــ

[منح الجليل]

لِعِصْمَتِهِ وَإِبَاحَةِ تَزَوُّجِهِ بِلَا مَهْرٍ وَتَسَرِّيهِ بِكِتَابِيَّةٍ مُبَاحٌ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (مَدْخُولَتِهِ) صلى الله عليه وسلم الَّتِي مَاتَ عَنْهَا (لِغَيْرِهِ) أَيْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا. وَكَذَا الَّتِي مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا فَلَا مَفْهُومَ لِمَدْخُولَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْتِ، وَأَمَّا مُطَلَّقَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُمْ عُمَرُ " رضي الله عنه " بِرَجْمِ الْمُسْتَعِيذَةِ إذْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ وَتَرَكَهَا لَمَّا أُخْبِرَ بِمُفَارِقِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَا تَحْرُمُ مُطَلَّقَتُهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ بِنَائِهِ وَقَبْلَ مَسِّهِ الَّتِي وَجَدَ بَيَاضًا بِكَشْحِهَا وَتَحْرُمُ سَرِيَّتُهُ وَأُمُّ وَلَدٍ

ابْنُ الْعَرَبِيِّ زَوْجَاتُهُ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ عَشْرَةَ عَقَدَ عَلَى خَمْسٍ وَبَنَى بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ، وَفِي بَقَاءِ نِكَاحِهِنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَانْقِطَاعِهِ خِلَافٌ، وَفِي وُجُوبِ عِدَّتِهِنَّ خِلَافٌ. وَجْهُ الثُّبُوتِ أَنَّهُنَّ مُتَوَفًّى عَنْهُنَّ وَهِيَ عِبَادَةٌ. وَوَجْهُ النَّفْيِ أَنَّهُنَّ لَا يَنْتَظِرْنَ إبَاحَةً فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ، وَقَدْ وَرَدَ: الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ وَنَظَمَ تت أَسْمَاءَ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ بِقَوْلِهِ:

تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ

إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ تُنْسَبُ

فَعَائِشَةُ مَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةُ

وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدُ وَزَيْنَبُ

جُوَيْرِيَةُ مَعَ رَمْلَةَ ثُمَّ سَوْدَةَ

ثَلَاثٌ وَسِتٌّ نَظْمُهُنَّ مُهَذَّبُ

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (نَزْعِ لَأْمَتِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ جَمْعُهَا لَأْمٍ بِسُكُونِهَا أَيْ آلَةِ حَرْبِهِ كَخُوذَةٍ وَدِرْعٍ (حَتَّى يُقَاتِلَ) فِيهِ مُسَامَحَةً، وَالْأَوْلَى حَتَّى يُلَاقِيَ الْعَدُوَّ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ اُحْتِيجَ لَهُ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (الْمَنِّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ النُّونِ أَيْ إعْطَائِهِ شَيْئًا (لِيَسْتَكْثِرَ) أَيْ يَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أَيْ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتَطْلُبَ أَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ لَا تُعْطِ الْأَغْنِيَاءَ فَتُصِيبَ مِنْهُمْ أَضْعَافَهَا، أَوْ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً تَنْتَظِرُ ثَوَابَهَا، أَوْ لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك أَوْ لَا تَمْنُنْ عَلَى النَّاسِ بِنُبُوَّتِك فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ أَجْرًا، أَوْ لَا تَضْعُفْ عَنْ الْخَيْرِ أَنْ تَسْتَكْثِرَ

ص: 248

وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ

ــ

[منح الجليل]

مِنْهُ، أَوْ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً مُسْتَكْثِرًا لَهَا بِأَنْ تَعُدَّهَا كَثِيرَةً أَيْ لَا تَسْتَكْثِرْ مَا تَمُنُّ بِهِ أَقْوَالٌ. (وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) أَيْ إظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي ضَمِيرِهِ، فَشُبِّهَ بِالْخِيَانَةِ فِي الْإِخْفَاءِ أَوْ الِانْخِدَاعِ عَمَّا وَجَبَ وَالْأَوَّلُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ الْحُرُوبِ، وَحَدِيثُ «إنَّا لَنَبَشُّ فِي وُجُوهِ قَوْمٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ» مِنْ قَبِيلِ الْحَرْبِ مَعْنَى وَنَبَشُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ إذَا أَرَادَ سَفَرَ الْغَزْوِ التَّوْرِيَةُ بِغَيْرِهِ حَذَرًا مِنْ إفْسَادِ الْمُنَافِقِينَ، فَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ حَالِ جِهَةِ غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ غَزْوَهَا لِيُخْفِيَ عَنْهُمْ الَّتِي أَرَادَهَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنُوا مِنْ إفْسَادِ مَا نَوَاهُ صلى الله عليه وسلم.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (الْحُكْمِ بَيْنَهُ) صلى الله عليه وسلم (وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) عليه السلام لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] .

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2] وَيَحْرُمُ رَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى حَدِيثِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرِضُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] الْآيَةَ وَكَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ وَلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ إلَّا فِي مَعَانٍ مُسْتَثْنَاةٍ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَعِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ. وَقِيَامُ قَارِئِ حَدِيثِهِ لِأَحَدٍ وَقِيلَ تُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (نِدَائِهِ) صلى الله عليه وسلم (مِنْ وَرَاءِ) أَيْ خَلْفِ (الْحُجْرَةِ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُحْتَجِبِ بِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ بِحَائِطٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَحْتَجِبُ فِي شُغْلِهِ الْمُهِمِّ فَحَرُمَ إزْعَاجُهُ وَقَطْعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَهَذَا يُقَيِّدُ أَنَّ نِدَاءَهُ مِنْ وَرَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْرُمُ كَأَنْ يُنَادِيَهُ مَنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِنِدَائِهِ إزْعَاجٌ كَخَادِمِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الحجرات: 5]

ص: 249

وَبِاسْمِهِ وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ وَدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَبِقِتَالٍ وَصَفِيِّ

ــ

[منح الجليل]

(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ نِدَائِهِ (بِاسْمِهِ) صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ أَمْ لَا غَيْرَ مَقْرُونٍ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ، فَفِي خَبَرِ ابْنِ فُدَيْكٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ قَالَ «بَلَغَنَا أَنَّ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّدُ سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا فُلَانُ لَا تَسْقُطُ لَك الْيَوْمَ حَاجَةٌ» ، وَكَنِدَائِهِ بِاسْمِهِ نِدَاؤُهُ بِكُنْيَتِهِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قَالَ تِلْمِيذُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ أَنَّ النِّدَاءَ بِالْكُنْيَةِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ مَمْنُوعٌ إذْ هِيَ تَعْظِيمٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلِهَذَا امْتَنَعَتْ تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ.

وَاحْتِيجَ لِلْجَوَابِ عَنْ حِكْمَةِ تَكْنِيَةِ عَبْدِ الْعُزَّى بِأَبِي لَهَبٍ فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] الْمَسَدُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ فَالْأَوْجَهُ جَوَازُ نِدَائِهِ بِكُنْيَتِهِ وَإِنْ كَانَ نِدَاؤُهُ بِوَصْفِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ أَعْظَمُ. وَرُدَّ بِأَنَّ مُقْتَضَى آيَةِ النُّورِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا يُنَادَى بِكُنْيَتِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِهَا بَعْضَهُمْ. وَالْحَافِظُ لَمْ يُعَلِّلْ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّعْظِيمِ حَتَّى يُتَّجَهَ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ زَكَرِيَّا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْخَصَائِصِ.

(وَ) خُصَّ صلى الله عليه وسلم (بِإِبَاحَةِ الْوِصَالِ) فِي الصِّيَامِ بِأَنْ يَصُومَ أَيَّامًا بِلَا فِطْرٍ بَيْنَهَا لَيْلًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَا لَسْت كَأَحَدِكُمْ، أَنَا أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» ، قِيلَ مِنْ طَعَامِ وَشَرَابِ الْجَنَّةِ وَهُمَا لَا يُفْطِرَانِ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّقْوِيَةِ وَالْإِعَانَةِ. (وَ) خُصَّ بِإِبَاحَةِ (دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَحَصْرِ عَدُوٍّ (وَ) خُصَّ بِإِبَاحَةِ دُخُولِهَا (بِقِتَالٍ) ثُمَّ نُسِخَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ (وَ) خُصَّ بِإِبَاحَةِ (صَفِيِّ) بِفَتْحِ

ص: 250

الْمَغْنَمِ وَالْخُمُسِ وَيُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ وَبِلَفْظِ الْهِبَةِ وَزَائِدٍ عَلَى أَرْبَعٍ

ــ

[منح الجليل]

الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَشَدِّ الْيَاءِ أَيْ مُخْتَارِ (الْمَغْنَمِ) لِنَفْسِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ، وَمِنْهُ كَانَتْ صَفِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

(وَ) خُصَّ بِإِبَاحَةِ (الْخُمُسِ) مِنْ الْمَغْنَمِ صَوَابُهُ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَنَصُّهُ مِنْ خَوَاصِّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيُّ الْمَغْنَمِ وَالِاسْتِبْدَادُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ الْخُمُسِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا الِاسْتِبْدَادُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ وَالثَّانِي الِاسْتِبْدَادُ بِجَمِيعِ الْخُمُسِ، فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ. وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ إنَّمَا وَالَى الْجَيْشَ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ لَهُ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِمْ. ابْنُ رُشْدٍ لَا حَقَّ لِلْإِمَامِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّفِيُّ مَخْصُوصٌ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ رَآهُ لِكُلِّ إمَامٍ وَكَذَا لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ إلَّا الِاجْتِهَادُ فِي قَسْمِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَا مِثْلُ هَذَا إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» .

(وَ) خُصَّ بِأَنَّهُ (يُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ) وَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَلَوْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا وَلَكِنْ إذَا كَرِهَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِقَامَةَ حَرُمَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا فِي عِصْمَتِهِ (وَ) يُزَوِّجُ (مَنْ شَاءَ) مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَ) يُزَوِّجُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ (بِلَفْظِ الْهِبَةِ) بِلَا ذِكْرِ صَدَاقٍ (وَ) خُصَّ بِجَوَازِ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ (بِزَائِدٍ عَلَى أَرْبَعٍ) مِنْ النِّسْوَةِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ.

ص: 251

وَبِلَا مَهْرٍ وَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَبِإِحْرَامٍ وَبِلَا قَسْمٍ وَيَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَيَحْمِي لَهُ وَلَا يُورَثُ.

ــ

[منح الجليل]

وَ) خُصَّ بِأَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَمَنْ شَاءَ (بِلَا مَهْرٍ) يُدْفَعُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (وَ) بِلَا (وَلِيٍّ) لِلْمَرْأَةِ (وَ) بِلَا (شُهُودٍ وَبِإِحْرَامٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَكَحَ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ رضي الله عنها وَهُوَ مُحْرِمٌ» ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَعَنْهَا " رضي الله عنها " فِي مُسْلِمٍ «تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ» (وَبِلَا) وُجُوبِ (قَسْمٍ) عَلَيْهِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ. وَخُصَّ بِإِبَاحَةِ مُكْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا وَعَدَمِ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِنَوْمِهِ وَلَا بِلَمْسَةٍ (وَيَحْكُمُ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لِنَفْسِهِ) عَلَى خَصْمِهِ لِعِصْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجَوْرِ (وَ) يَحْكُمُ (لِوَلَدِهِ) صلى الله عليه وسلم عَلَى خَصْمِهِ لِذَلِكَ وَيَشْهَدُ عَلَى خَصْمِهِ وَخَصْمِ وَلَدِهِ لِذَلِكَ (وَيَحْمِي) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ يَمْنَعُ النَّبِيُّ غَيْرَهُ مِنْ رَعْيِ الْكَلَأِ فِي الْمَوَاتِ (لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأُنْمُوذَجِ وَيَحْمِي الْمَوَاتَ وَلَا يُنْقَضُ مَا حَمَاهُ.

(وَلَا يُورَثُ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» بِرَفْعِ صَدَقَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مَا. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَرِثُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ أُمَّ أَيْمَنَ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ وَبَعْضَ غَنَمٍ» وَغَيْرَهُمَا وَبَحَثَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى إرْثًا لِأَنَّهُ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ نُبُوَّتِهِ فَمَا حَصَلَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَهَا مُوَافِقٌ لِمَا حَصَلَ بَعْدَهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ رَأَيْت كَلَامًا لِلْعُلَمَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ أَيْضًا. اهـ. وَهَذَا لَا يُعَادِلُ الْأَوَّلَ فِي الْجَوَاهِرِ. الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ذَكَرْته فِي قِسْمِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَارَبَ الْمَوْتَ فَقَدَ أَكْثَرَ مَالِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ وَبَقِيَ مِلْكُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام.

ص: 252