المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌[فصل في النذر]

فَصْلٌ) النَّذْرُ أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا

النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ كُلِّفَ

ــ

[منح الجليل]

بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى يَمِينِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَرَفْعٌ، فَإِنْ اسْتَفْتَى فَيَنْبَغِي الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ حِنْثِهِ.

فَإِنْ قُلْت نِيَّتُهُ مُسَاوِيَةٌ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ قُلْت: لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّ الْمَعْنَى لَا كَسَوْتُهَا الثَّوْبَيْنِ مَعًا وَلَا كَسَوْتُهَا أَحَدَهُمَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَبَقِيَتْ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ فِي كَبِيرِ تت أَفَادَهُ عب. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا حِنْثُ مَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا بِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمْعَهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَفِيهَا مَنْ حَلَفَ لَا كَسَا امْرَأَتَهُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَنِيَّتُهُ لَا كَسَاهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا. التُّونُسِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَالصَّقَلِّيُّ يُرِيدُ جَمِيعًا فِي الْكِسْوَةِ لَا الزَّمَانَ، وَحَمَلَهُ أَشْهَبُ عَلَى مَعِيَّةِ الزَّمَانِ فَلَمْ يُحَنِّثْهُ بِأَحَدِهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الْمَعِيَّةَ فِي الْكِسْوَةِ، وَعَزَا عَبْدُ الْحَقِّ مَا لِلتُّونُسِيِّ لِلشَّيْخِ وَزَادَ عَنْهُ فَارَقَ جَوَابَهُ فِي تَنْوِيَتِهِ فِي لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا لِأَنَّ الْعُرْفَ جَمَعَهُمَا بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ لَيْسَ الْعُرْفُ جَمَعَهُمَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي النَّذْر]

(بَابٌ) فِي النَّذْرِ (النَّذْرُ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا (الْتِزَامُ) أَيْ إيجَابُ شَخْصٍ (مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ إنْ أَسْلَمَ (كُلِّفَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا لَا صَبِيٍّ، وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَمَفْعُولُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفٌ أَيْ قُرْبَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلنَّذْرِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ أَمْرًا فَيَعُمَّ الْمَنْدُوبَ وَغَيْرَهُ بِقَرِينَةِ حَذْفِهِ، وَتَعْقِيبُهُ، بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيفٌ لَهُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: النَّذْرُ الْأَعَمُّ مِنْ الْجَائِزِ إيجَابُ امْرِئٍ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْرًا لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . وَإِطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمُحَرَّمِ نَذْرًا، وَأَخَصُّهُ الْمَأْمُورُ بِأَدَائِهِ الْتِزَامُ طَاعَةٍ بِنِيَّةِ قُرْبَةٍ لَا لِامْتِنَاعٍ

ص: 97

وَلَوْ غَضْبَانَ،

ــ

[منح الجليل]

مِنْ أَمْرٍ، فَهَذَا يَمِينٌ حَسْبَمَا مَرَّ وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. اهـ. وَشَمِلَ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفَ الرَّقِيقَ. وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّيِّدِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْجِيلِ وَفَائِهِ، وَإِنْ ضَرَّ بِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ. أَبُو عُمَرَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ، وَأَمَّا الْمُؤَقَّتُ فَفِي سُقُوطِهِ عَنْهُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ وَلُزُومِ قَضَائِهِ قَوْلَانِ وَإِنْ نَذَرَ مَالًا فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ مَا دَامَ رَقِيقًا، فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ رَدَّ سَيِّدُهُ النَّذْرَ وَأَبْطَلَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ مِنْهَا. وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفَرَّقَ الْقَرَوِيُّونَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ أَحْسَنُهَا مَا لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ: وَالصَّوَابُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ اللُّزُومِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَدًّا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ رَدَّ سَيِّدُهُ نَذْرَهُ بَطَلَ، وَلَا يَلْزَمُ وَفَاؤُهُ إنْ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ بَلْ مَنَعَهُ الْوَفَاءَ فَقَطْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ عِتْقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَمِلَ أَيْضًا السَّفِيهَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَيَلْزَمُهُ نَذْرُ غَيْرِ الْمَالِ لَا الْمَالِ، فَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَعَلَى وَلِيِّهِ رَدُّهُ كُلِّهِ، وَإِنْ رَشَدَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَيُنْدَبُ لَهُ، وَشَمِلَ أَيْضًا بَقِيَّةَ الْمَحَاجِيرِ كَمَرِيضٍ وَزَوْجَةٍ رَشِيدَةٍ، وَلَوْ بِزَائِدِ الثُّلُثِ فِيهِمَا، لَكِنْ إنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ وَإِلَّا نَفَذَ ثُلُثُ الْمَرِيضِ، وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ نَذَرَتْ زَائِدًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَرُدُّ وَارِثُهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ نَذْرٍ بِثُلُثٍ، وَالزَّوْجَةُ إنْ رَدَّ زَوْجُهَا جَمِيعَ نَذْرِهَا يُمْكِنُهَا إنْشَاءُ نَذْرٍ بِثُلُثِهَا، وَشَمِلَ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ حَالَ سُكْرِهِ لَا بِحَلَالٍ فَكَالْمَجْنُونِ، وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَضْبَانَ.

بَلْ (وَلَوْ) كَانَ النَّاذِرُ (غَضْبَانَ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمِثْلُ نَذْرِ الْغَضْبَانِ فِي الْوُجُوبِ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ مَنْعُ النَّفْسِ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ وَمُعَاقَبَتُهَا وَإِلْزَامُهَا النَّذْرَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، وَكَذَا نَذْرُ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا

ص: 98

وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ، بِخِلَافِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ

ــ

[منح الجليل]

مِمَّا يُؤَدِّي لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِ مَا لَا يُطِيقُهُ فَإِنَّ نَذْرَهُ مَعْصِيَةٌ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَيَلْزَمُ النَّاذِرَ نَذْرُهُ.

(وَإِنْ قَالَ) الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ عَلَيَّ كَذَا (إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي) أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَالْمَشِيئَةُ لَا تُفِيدُ فِي النَّذْرِ غَيْرِ الْمُبْهَمِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْجَلَّابِ مِنْ قَوْلِهِ: تَنْفَعُهُ الْمَشِيئَةُ، وَأَمَّا الْمُبْهَمُ فَكَالْيَمِينِ فِي الْمَشِيئَةِ بِاَللَّهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ كَذَا إنْ شِئْت، فَظَاهِرُ كَلَامِ تت أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا، وَنَصُّهُ عَقِبَ قَوْلِهِ (أَوْ) : إلَّا أَنْ (أَرَى خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ النَّذْرِ خِلَافًا لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فِي قَوْلِهِ: يَنْفَعُهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ عَهِدَ التَّعْلِيقَ فِي الطَّلَاقِ، وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ الْبُنَانِيُّ.

وَحَاصِلُ مَا لَهُمْ فِي الطَّلَاقِ: أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْفَعُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا، نَحْوُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ الْغَيْرِ نَافِعٌ فِيهِ شَرْطًا كَانَ، نَحْوُ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ اسْتِثْنَاءً، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِعٍ فِيهِ إنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً، نَحْوُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَيَنْفَعُهُ إنْ كَانَ شَرْطًا، نَحْوُ إنْ شِئْت عَلَى مَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْحَطّ فِي الطَّلَاقِ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فِي بَابِ النَّذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الطَّلَاقِ يَجْرِي هُنَا فِي النَّذْرِ فَالْمَسْأَلَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ.

(بِخِلَافِ) عَلَيَّ كَذَا (إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) أَيْ فُلَانٍ مِنْ أَمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ، فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ بِرَدٍّ أَوْ إمْضَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ أَيْ الْحَيُّ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا حَالَ قَوْلِهِ لَزِمَهُ نَذْرُهُ لِتَلَاعُبِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ، وَعَلَى نَذْرٍ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ لَزِمَهُ لِهَزْلِهِ.

(وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ) أَيْ النَّذْرِ (مَا) أَيْ شَيْءٌ (نُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ طُلِبَ فِعْلُهُ

ص: 99

ك لِلَّهِ عَلَيَّ، أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ

ــ

[منح الجليل]

طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ. ابْنُ عَاشِرٍ يَعْنِي مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً

وَأَمَّا مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ تَارَةً قُرْبَةً وَتَارَةً غَيْرَهَا فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَنِكَاحٍ وَهِبَةٍ ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ التِّلِمْسَانِيُّ، فَشَمِلَ الرَّغِيبَةَ وَالسُّنَّةَ أَيْضًا بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ (كَ لِلَّهِ) تَعَالَى (عَلَيَّ) ضَحِيَّةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالنَّذْرِ عَلَى الصَّحِيحِ (أَوْ عَلَى ضَحِيَّةٍ) بِدُونِ لِلَّهِ، وَأَظْهَرَ مِمَّا نَدَبَ قُرْبَةً، وَمِنْهَا صَوْمُ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَعِتْقُ رَقِيقٍ كَذَلِكَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْقُرْبَةَ تَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ لِقَصْرِ السِّيَاقِ إيَّاهَا عَلَى مَا سِوَاهُ، إذْ فِي شُمُولِهَا إيَّاهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى تَمْثِيلِهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالذَّبْحِ فَإِنَّهُ فِي الْوُجُوبِ الَّذِي يُلْغَى الْعَيْبُ الطَّارِئُ بَعْدَهُ كَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَمَا هُنَا فِيمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمِنْ الْمَنْدُوبِ زِيَارَةُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَتَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ أَعْمَلَ فِيهَا الْمَطِيَّ وَحَدِيثُ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَذَا خَبَرُ:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الزِّيَارَةِ إذْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ الْمَسْجِدُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَسَاجِدَ وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاتِّصَالُ.

وَيَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَوْمُ رَابِعِ النَّحْرِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ إذْ هُمَا مَكْرُوهَانِ وَيَلْزَمَانِ بِنَذْرِهِمَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ مَنْدُوبَانِ لِذَاتِهِمَا مَكْرُوهَانِ لِوَقْتِهِمَا فَوَجَبَا بِالنَّذْرِ بِاعْتِبَارِ نَدْبِهِمَا لِذَاتِهِمَا، وَأُلْغِيَتْ كَرَاهَتُهُمَا لِوَقْتِهِمَا احْتِيَاطًا لِلنَّذْرِ، وَاحْتُرِزَ بِمَا نُدِبَ عَنْ الْوَاجِبِ فَلَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ، وَعَنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالنَّذْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَيَحْرُمُ نَذْرُ الْمُحَرَّمِ وَفِي كَوْنِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ كَذَلِكَ أَوْ مِثْلُهُمَا قَوْلُهُ الْأَكْثَرُ مَعَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّأِ وَالْمُقَدِّمَاتِ اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّحْرِيمِ قَلْبُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ. أَفَادَهُ عب. طفى أَتَى بِكَافِ التَّمْثِيلِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ صِيغَتِهِ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَلْزَمُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الِالْتِزَامِ فَفِيهَا إنْ قَالَ: دَارِي أَوَعَبْدِي أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ مِمَّا لَا يُهْدَى هَدْيٌ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ فَلْيَبِعْهُ وَيَبْعَثْ ثَمَنَهُ اهـ. وَقَالَ الْبَاجِيَّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا

ص: 100

وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ

وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ

ــ

[منح الجليل]

فَأَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا. اهـ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِي بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ آخِرَ الْهِبَةِ، وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَنَبَّهْت عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرٌ الْآنَ بَعْضُ النَّاسِ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَبِقَوْلِ الشَّارِحِينَ وَأَشَارَ لِصِيغَتِهِ وَهُوَ خَطَأٌ صُرَاحٌ وَنُصُوصُ الْمَالِكِيَّةِ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ بِالنِّيَّةِ.

(وَنُدِبَ) النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ غَيْرُ الْمُكَرَّرِ وَالْمُعَلَّقِ بِدَلِيلِ مَا يَلِيهِ بِأَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا حَصَلَ، كَمَنْ نَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُرْبَةٍ أَوْ شَفَى مَرِيضَهُ أَوْ رَزَقَهُ عِلْمًا أَوْ مَالًا أَوْ زَوْجَةً صَالِحَةً أَوْ وَلَدًا صَالِحًا فَنَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ حَجًّا أَوْ عِتْقًا، وَأَمَّا مَا لَيْسَ شُكْرًا عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ فَيُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَالْتِزَامُهُ بِدُونِ تَعْلِيقٍ، كَذَا فِي الْحَطّ وعب، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ.

(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ النَّذْرُ (الْمُكَرَّرُ) مُتَعَلِّقَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَاللَّامِ كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ لِنَفْلِ الْوَفَاءِ بِهِ فَيُؤَدِّيهِ مُتَكَرِّهًا وَلِخَوْفِ تَفْرِيطِهِ فِي وَفَائِهِ فَيَأْثَمُ (وَفِي كُرْهِ) بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ كَرَاهَةِ النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى شَيْءٍ مَحْبُوبٍ آتٍ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي كَذَا أَوْ نَجَّانِي مِنْ كَذَا، فَعَلَيَّ الصَّدَقَةُ بِدِينَارٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الْمُعَاوَضَةِ وَلِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَجْلِبُ الْخَيْرَ وَيَرُدُّ الشَّرَّ، وَلِذَا «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا «أَنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّ النَّذْرَ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ» . اهـ.

وَإِبَاحَتُهُ (تَرَدُّدٌ) الْكَرَاهَةُ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ شَاسٍ، وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ رُشْدٍ وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ حَيْثُ عَلَّقَهُ عَلَى مَحْبُوبٍ آتٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ

ص: 101

وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لَا غَيْرُ

ــ

[منح الجليل]

نَجَّانِي مِنْ كَذَا أَمَّا مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا، فَقَدْ وَافَقَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَهِيَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ مَكْرُوهَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا مُبْهَمًا فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَالْيَمِينَ بِاَللَّهِ سَوَاءٌ، لَا يُقَالُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ لَا فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّذْرِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ نَذْرٌ اُنْظُرْ طفى. عب مَحَلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ نَفْعَهُ وَإِلَّا حَرُمَ قَطْعًا، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ وَقَعَ كَالْمُكَرَّرِ وَيَقْضِي بِهِ إنْ كَانَ عِتْقُ مُعَيَّنٍ أَوْ صَدَقَةٌ لِمُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَلَا، وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْعِتْقِ، وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُقْضَ إلَّا بَيْتٌ مُعَيَّنٌ، وَفِي الْهِبَةِ وَإِنْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَى غَيْرِ الْمُحَرَّمِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَفِي التَّلْقِينِ أَنَّهُ لَازِمٌ إنْ وُجِدَ كَإِنْ زَنَيْت أَوْ إنْ لَمْ أَزْنِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ.

(وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ) أَيْ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِإِطْلَاقِهَا عَلَيْهِمَا فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ (بِنَذْرِهَا) بِلَفْظِ بَدَنَةٍ، فَإِنْ نَذَرَهَا بِلَفْظِ هَدْيٍ فَإِنْ نَوَى نَوْعًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ الْبَدَنَةُ.

(فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهَا (فَبَقَرَةٌ ثُمَّ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْبَقَرَةِ لَزِمَهُ (سَبْعُ شِيَاهٍ) وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشِّيَاهِ سِنُّ الضَّحِيَّةِ وَسَلَامَتُهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ حِينَ نَذْرِهِ صَغِيرَةً أَوْ مَعِيبَةً (لَا غَيْرُ) بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ يُحْتَمَلُ لَا غَيْرُ السَّبْعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ لَا غَيْرُ السَّبْعِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إطْعَامٍ فَيَصِيرُ إلَى وُجُودِ الْأَصْلِ أَوْ بَدَلِهِ أَوْ بَدَلِ بَدَلِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ ثُمَّ كَمَّلَهَا مَتَى أَيْسَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. اهـ. عب. الْبُنَانِيُّ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا أَعْرِفُ فِي هَذَا صَوْمًا إلَّا أَنْ يُحِبَّ الصَّوْمَ فَلْيَصُمْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ أَيْسَرَ يَوْمًا مَا كَانَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَهُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ الْمَوَّاقُ لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَصَامَ

ص: 102

وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ

وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ

ــ

[منح الجليل]

إنْ أَحَبَّ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا فِيهَا، وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ يُعَارِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَجَعَلَهُمَا الْخَرَشِيُّ مُتَقَابِلَيْنِ فَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوَّاقِ، وَنَقَلَ الثَّانِي عَنْ بَعْضٍ. وَيُجَابُ عَنْ " ز " بِأَنَّ مُرَادَهُ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَقَلِّ فَلَا يُنَافِي دَفْعَ الْأَقَلِّ مَعَ التَّكْمِيلِ إنْ أَيْسَرَ.

(وَ) لَزِمَ (صِيَامُ) نَذْرٍ فَعَلَهُ (بِثَغْرٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَلَدِ إسْلَامٍ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ يُخْشَى هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ كَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَدِمْيَاطَ، وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ بِمَوْضِعٍ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَكَّةَ كَمَا فِيهَا، وَمِثْلُ الصَّوْمِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ. وَقَالَ تت لَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ لِلصَّلَاةِ مِنْ مَكَّةَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ قَالَهُ عج. الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ طفى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِثَغْرٍ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً وَيَعُودُ مِنْ فَوْرِهِ فَلْيُصَلِّهَا بِمَوْضِعِهِ، وَلَا يَأْتِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. طفي. وَالظَّاهِرُ أَنْ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بِهَذَا فَغَيْرُهُمَا كَذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ صَلَوَاتٍ تُمْكِنُ الْحِرَاسَةُ مَعَهَا لَزِمَهُ إتْيَانُهُ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ وَلَوْ ذَكَرَ مَوْضِعًا غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عِبَادَةٌ تُخَصِّصُهُ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَرِبَاطِ وَجِهَادٍ نَاجِزٍ. اهـ. وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا نَسَبَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّاذِلِيِّ.

(وَ) لَزِمَ الْحَالِفَ بِمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّهُ وَحَنِثَ فَيَلْزَمُهُ (ثُلُثُهُ) أَيْ الْمَالِ مِنْ عَيْنٍ وَعَدَدَيْنِ أَوْ قِيمَتُهُ وَعَرَضٌ وَقِيمَةُ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ، فَإِنْ عَجَزَ وَزَادَتْ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ عَنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِ أَخْرَجَ ثُلُثَهَا وَأُجْرَةَ خِدْمَةِ مُدَبَّرٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ (حِينَ يَمِينِهِ) لَا مَا زَادَ بَعْدَهَا بِهِبَةٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ وِلَادَةٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ، فَلَوْ حَلَفَ، وَمَالُهُ أَلْفٌ وَحَنِثَ وَهُوَ أَلْفَانِ لَزِمَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَبِالْعَكْسِ ثُلُثُ الْأَلْفِ رِفْقًا بِهِ، وَأَفَادَ هَذَا بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَنْقُصَ) قَدْرُ الْمَالِ يَوْمَ حِنْثِهِ عَنْ قَدْرِهِ يَوْمَ يَمِينِهِ (فَ) يَلْزَمُهُ ثُلُثُ (مَا بَقِيَ) بَعْدَ إخْرَاجِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ

ص: 103

بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ الْجِهَادُ، وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ

ــ

[منح الجليل]

وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مَهْرَ زَوْجَتِهِ (بِ) قَوْلِهِ (مَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّه) أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ هَدْيٌ لِلْكَعْبَةِ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ غَيْرُ يَمِينٍ، أَوْ كَانَ يَمِينًا كَمَالِي صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْهُ وَحَنِثَ.

وَالْمَشْهُورُ فِيمَا نَقَصَ قَبْلَ الْحِنْثِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ نَقَصَ أَيْ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ. اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ مَا تَلِفَ بَعْدَ حِنْثِهِ دُونَ تَفْرِيطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَبِتَفْرِيطٍ فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ وَلُزُومُ ثُلُثِهِ قَوْلَ هِبَاتِهَا مَعَ الْوَاضِحَةِ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطَةِ، وَعَنْ دَلِيلِ مَا لَهُ فِيهَا. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ كَالزَّكَاةِ يُفَرِّطُ فِيهَا. قُلْت عَزَاهُ وَقِيَاسُهُ عَلَى الزَّكَاةِ. الْبَاجِيَّ لِسَحْنُونٍ وَمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ حِنْثِهِ فِي لَغْوِهِ وَلُزُومِ ثُلُثِهِ نَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَنَصُّهَا فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ وَإِنْ لَمْ يُخْرَجْ ثُلُثَ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ كُلُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَلَمْ يُخْرَجْ ثُلُثَهُ حَتَّى تَلِفَ جُلُّ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إخْرَاجُ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ. طفى ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حِينَ يَمِينِهِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ وَتَبِعَهُ عج، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَهُوَ) أَيْ سَبِيلُ اللَّهِ (الْجِهَادُ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُعْطَى لِمَنْ فِي مَوْضِعِهِ. ابْنُ رُشْدٍ لَا يُعْطَى مِنْهُ مُقْعَدٌ، وَلَا أَعْمَى، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا صَبِيٌّ وَلَوْ قَاتَلَ، وَلَا مَرِيضٌ مَيْئُوسٌ مِنْهُ، وَلَا مَفْلُوجٌ وَشِبْهُهُ، وَلَا أَقْطَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ الْيُسْرَى. اهـ (وَالرِّبَاطُ) أَيْ الْحِرَاسَةُ (بِمَحَلٍّ خِيفَ) هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ كَجُدَّةِ بِضَمِّ الْجِيمِ. الْبُنَانِيُّ فِي التَّمْثِيلِ بِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَاطٍ. ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ إذَا ارْتَفَعَ الْخَوْفُ عَنْ الثَّغْرِ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعَدُوِّ وَزَالَ حُكْمُ

ص: 104

وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ،

ــ

[منح الجليل]

الرِّبَاطِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ لَا يَجْعَلُهُ فِي جُدَّةَ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَدْ ذَهَبَ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ وَالْمَوَّاقُ.

قُلْتُ قَدْ عَادَ الْخَوْفُ الْآنَ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُقَامَ بِمَحَلٍّ خِيفَ رِبَاطٌ وَإِنْ كَانَ بِالْأَهْلِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ بِرِبَاطٍ.

(وَأَنْفَقَ) مُخْرِجٌ ثُلُثَ مَالِهِ فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ (عَلَيْهِ) أَيْ الثُّلُثَ الَّذِي لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَهُ لَا مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ اتِّفَاقًا. وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِي إخْرَاجُ جَمِيعِهِ فَلَمَّا خُفِّفَ عَنْهُ بِالثُّلُثِ وَجَبَ إخْرَاجُ جَمِيعِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ ثُلُثِ مَالِي. وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ لُزُومِ الثُّلُثِ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ (إلَّا لِتَصَدُّقٍ بِهِ) أَيْ مَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ (عَلَى مُعَيَّنٍ) بِشَخْصِهِ كَزَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ كَبَنِي زَيْدٍ (فَ) يَلْزَمُهُ (الْجَمِيعُ) حِينَ حَلَفَ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَالْبَاقِي وَيَتْرُكُ مَا يُتْرَكُ لِمُفْلِسٍ. ابْنُ غَازِيٍّ الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ لِلْمَالِ، وَهَذَا الْفَرْعُ فِي النَّوَادِرِ وَالنُّكَتِ، وَلَهُمَا عَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَتَصَدُّقٍ بِهِ بِالْكَافِ فَيَدْخُلَ تَحْتَهَا مَنْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَظَنَّ لُزُومَ جَمِيعِهِ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي ثُلُثَيْهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بِيَدِ غَيْرِهِ فَهُوَ شَبِيهُ التَّصَدُّقِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَهَذَا الْفَرْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ فَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَلَوْ أَخْرَجَهُ فَفِي مُضِيِّهِ قَوْلَانِ، وَعَضَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ. اهـ. وَلَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ إذَا أَخْرَجَ جَمِيعَهُ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ هَذَا شِبْهَ الْمُعَيَّنِ فِي الصُّورَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْكَافِ.

ص: 105

وَكَرَّرَ إنْ أَخْرَجَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ

{} وَمَا سَمَّى وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ

وَبَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ لِمَحَلِّهِ إنْ وَصَلَ وَإِنْ

ــ

[منح الجليل]

(وَكَرَّرَ) نَاذِرٌ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ الْحَالِفُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ الثُّلُثِ لِكُلِّ يَمِينٍ فَيُخْرِجُ ثُلُثَهُ لِلْيَمِينِ الْأُولَى ثُمَّ ثُلُثَ الْبَاقِي لِلثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا هَذَا (إنْ) كَانَ (أَخْرَجَ) الثُّلُثَ الْأَوَّلَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى بَعْدَ لُزُومِهِ وَقَبْلَ إنْشَاءِ الثَّانِي، وَقَوْلُنَا بَعْدَ لُزُومِهِ أَيْ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ بِلَفْظِهِ وَالْيَمِينَ بِالْحِنْثِ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْأَوَّلَ حَتَّى أَنْشَأَ الثَّانِيَ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا، وَفِيهَا صُورَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ إنْشَائِهَا وَقَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا أَوْ بَعْدَهُ (فَقَوْلَانِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ بِالتَّكْرَارِ وَالِاكْتِفَاءِ بِثُلُثٍ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، نَقَلَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ، وَسَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ مُحْتَمَلًا كَوْنُهُ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ ابْنِ كِنَانَةَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(وَ) لَزِمَ النَّاذِرَ (مَا سَمَّى) بِشَدِّ الْمِيمِ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ شَائِعًا كَرُبُعِهِ وَتِسْعَةِ أَعْشَارِهِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْمُسَمَّى (مُعَيَّنًا) بِفَتْحِ الْيَاءِ كَعَبْدِي أَوْ دَارِي سَوَاءٌ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَوْ (أَتَى) ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ (عَلَى الْجَمِيعِ) الْبُنَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ فِي كَلَامِهِ مُقَابِلُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ابْنِ غَازِيٍّ، فَقَوْلُهُ وَمَا سَمَّى يَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ، وَالْعَدَدُ كَمِائَةٍ وَأَلْفٍ، وَالْمُعَيَّنُ بِالذَّاتِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُمْكِنُ إتْيَانُهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ، فَلِذَا بَالَغَ عَلَيْهِمَا. وَتَقْرِيرُ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ وَمَا سَمَّى غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا لَمْ يَأْتِ عَلَى الْجَمِيعِ، بَلْ وَإِنْ مُعَيَّنًا أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ وَجَعَلَ الْمُعَيَّنَ غَايَةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إتْيَانُهُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَالْجُزْءُ وَلَوْ كَثُرَ أَحْرَى كَتِسْعَةِ أَعْشَارٍ وَيُتْرَكُ لَهُ فِي هَذَا، وَفِي قَوْلِهِ قَبْلُ فَالْجَمِيعُ قَدْرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَمَا يَصْرِفُهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ بِلَا سَرَفٍ، وَكَفَّارَةٍ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ سَابِقٍ وَمَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ.

(وَ) لَزِمَ (بَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ) نَذَرَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ حَلَفَ بِهِمَا فَحَنِثَ (لِمَحَلِّهِ) أَيْ الْجِهَادِ وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَإِخْرَاجُ قِيمَتِهِ (إنْ وَصَلَ) أَيْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ (وَإِنْ

ص: 106

لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ كَهَدْيٍ وَلَوْ مَعِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَهُ فِيهِ إذَا بِيعَ الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ، وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ، وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَأُهْدِيَ بِهِ

ــ

[منح الجليل]

لَمْ يَصِلْ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ لِعَارِضٍ أَوْ عَدَمِ مُوَصِّلٍ (بِيعَ وَعُوِّضَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا بِثَمَنِهِ فِي مَحَلِّهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ نَوْعِهِ مِنْ كُرَاعٍ وَهُوَ الْخَيْلُ أَوْ سِلَاحٍ مِمَّا فِيهِ إنْكَاءٌ لِلْعَدُوِّ فَإِنْ جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ بِفَرَسٍ وَآلَةِ حَرْبٍ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ بِيعَ، وَدُفِعَ ثَمَنُهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ وَشَبَّهَ فِي الْبَعْثِ إنْ وَصَلَ وَالْبَيْعِ وَالتَّعْوِيضِ إنْ لَمْ يَصِلْ فَقَالَ (كَهَدْيٍ) كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ لِمَكَّةَ فَيَلْزَمُهُ بَعْثُهَا لِمِنًى أَوْ مَكَّةَ إنْ كَانَتْ تَصِلُ وَإِلَّا بِيعَتْ وَأُرْسِلَ ثَمَنُهَا إلَى مِنًى أَوْ مَكَّةَ يُشْتَرَى بِهِ فِيهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَدَلُهَا، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَيَلْزَمُ بَعْثُ الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ إنْ كَانَ سَلِيمًا.

بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (مَعِيبًا) عَيْبًا مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ كَعَلَيَّ هَدْيُ هَذِهِ الْبَدَنَةِ وَهِيَ عَوْرَاءُ أَوْ عَرْجَاءُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُهْدَى؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وَعُوِّضَ سَلِيمًا (عَلَى الْأَصَحِّ) وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. الْحَطّ اُنْظُرْ مَنْ صَحَّحَهُ، وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُبَاعُ الْمُعَيَّنُ الْمَعِيبُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ سَلِيمٌ، وَاتَّفَقَا عَلَى لُزُومِ سَلِيمٍ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ كَعَلَيَّ هَدْيٌ أَعْوَرُ (وَلَهُ) أَيْ النَّاذِرِ (فِيهِ) أَيْ الْهَدْيُ سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا (إذَا بِيعَ) لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ (الْإِبْدَالُ) بِالنَّوْعِ (الْأَفْضَلِ) كَإِبْدَالِ كَبْشٍ بِبَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بِبَدَنَةٍ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ إبْدَالِ الْمَعِيبِ بِسَلِيمٍ (وَإِنْ كَانَ) الْمَنْذُورُ هَدْيُهُ مُعَيَّنًا مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُهْدَى (كَثَوْبٍ) وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ وَسِلَاحٍ (بِيعَ) وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ هَدْيٌ.

(وَكُرِهَ بَعْثُهُ) إمَّا لِإِيهَامِ تَغْيِيرِ سُنَّةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي النَّعَمِ فَبَعْثُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ يُوهِمُ بُطْلَانَ هَذَا الْحَصْرِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ فِي سِلْعَةٍ تُسَاوِي فِي مَوْضِعِهَا أَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِي بِمَكَّةَ (وَأُهْدِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِيَشْمَلَ فِعْلَ رَبِّ نَحْوِ الثَّوْبِ وَنَائِبِهِ، وَيَرْجِعَ لِلصُّورَتَيْنِ

ص: 107

وَهَلْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوْ لَا أَوْ لَا نَدْبًا، أَوْ التَّقْوِيمُ إذَا كَانَ بِيَمِينٍ؟ تَأْوِيلَاتٌ،

ــ

[منح الجليل]

قَبْلَهُ أَيْ قَوْلِهِ بِيعَ، وَقَوْلِهِ وَكُرِهَ بَعْثُهُ أَيْ فَإِنْ بَعَثَهُ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ، هَذَا ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا وَظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ حَجِّهَا وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ نُذُورِهَا: جَوَازُ تَقْوِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِخْرَاجِ قِيمَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُتْبِيَّةِ. وَإِلَى كَوْنِ مَا فِي حَجِّهَا مَعَ السَّمَاعِ، وَمَا فِيهَا هُنَا مُتَخَالَفَيْنِ أَوْ مُتَوَافِقَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهَلْ اُخْتُلِفَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ حُمِلَ مَا فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ، وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ اُخْتُلِفَ؟ فَقَالَ (هَلْ يُقَوِّمُهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُثَقَّلَةً أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ مَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ وَبَعْثِ ثَمَنِهِ لِيُهْدَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعٍ وَالْعُتْبِيَّةِ وَيَبْعَثُ قِيمَتَهُ لِيُهْدِيَ بِهَا (أَوْ لَا) يُقَوِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمَهُ بَيْعُهُ وَبَعْثُ ثَمَنِهِ كَمَا فِيهَا هُنَا؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ رُجُوعٌ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَقَابَلَ قَوْلَهُ اُخْتُلِفَ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَا يُحْمَلُ مَا فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ، بَلْ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إذَا قِيلَ بِالتَّوْفِيقِ فَتَرْكُ التَّقْوِيمِ الْوَاقِعِ فِيهَا هُنَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُحْمَلُ؟ فَقَالَ: عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُقَالَ يُتْرَكُ (نَدْبًا) لَا وُجُوبًا فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْجَوَازِ (أَوْ) يُقَالَ (التَّقْوِيمُ) الْمُجَوَّزُ فِي الْعُتْبِيَّةِ (إنْ كَانَ) الِالْتِزَامُ (بِيَمِينٍ) حَنِثَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قُرْبَةً فَلَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ «الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»

وَالْمَنْعُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ بِنَذْرٍ فَهُوَ مُتَصَدِّقٌ قَاصِدٌ الْقُرْبَةَ، فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ فِيهِ (تَأْوِيلَاتٌ) ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ بِالِاخْتِلَافِ وَاثْنَانِ بِالتَّوْفِيقِ، وَبِمَا قَرَّرْنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا، الْأَوْلَى عَدِيلَةُ هَلْ الثَّانِيَةِ وَأَوَّلًا الثَّانِيَةُ عَدِيلَةُ هَلْ الْأُولَى، وَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي التَّوْفِيقِ الثَّانِي عَلَى نَسَقِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَقَالَ أَوْ إنْ كَانَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَاسْمُ كَانَ عَلَى هَذَا الِالْتِزَامُ لَا التَّقْوِيمُ، وَكَانَ يَحْذِفُ قَوْلَهُ التَّقْوِيمُ. وَلَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ لَقَالَ: وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَفِيهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ لَهُ تَقْوِيمُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَلْ خِلَافُ أَوَّلًا فَيُبَاعُ نَدْبًا أَوْ عِنْدَ انْتِفَاءِ يَمِينٍ تَأْوِيلَاتٌ أَفَادَهُ عب تَبَعًا لِابْنِ غَازِيٍّ،

ص: 108

فَإِنْ عَجَزَ عُوِّضَ الْأَدْنَى، ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ، وَإِلَّا

ــ

[منح الجليل]

وَنَصُّهُ عَقِبَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَلَامٌ مُعَقَّدٌ كَرَّرَ فِيهِ هَلْ مَرَّتَيْنِ قَابَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوْ الْعَاطِفَةِ، وَلَا النَّافِيَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّلْفِيفِ، كَأَنَّهُ قَالَ وَهَلْ اخْتَلَفَ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ لَهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ؟ فَقَالَ هَلْ يُقَوِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إذَا قُلْنَا بِتَرْكِ التَّقْوِيمِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ؟ فَقَالَ: نَدْبًا ثُمَّ كَمَّلَ التَّأْوِيلَ الثَّالِثَ فَقَالَ: أَوْ التَّقْوِيمُ إنْ كَانَ بِيَمِينٍ. هَذَا مَا انْقَدَحَ لِي فِي تَمْشِيَتِهِ. وَلَعَلَّك يَنْقَدِحُ لَك أَعْلَى مِنْهُ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ أَوْ مُعَادِلَةً لِهَلْ فِيهِ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ، إلَّا أَنَّهُ شَائِعٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَهَذَا الْمُخْتَصَرُ مَشْحُونٌ بِهِ، وَبَعْدَ فَهْمِك اللَّفْظَ لَا يَخْفَاك تَنْزِيلُ كَلَامِ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ. وَجَعَلَ ابْنُ عَاشِرٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعَ تَأْوِيلَاتٍ، فَحَمْلُ أَوَّلًا الثَّانِيَةِ إشَارَةٌ إلَى التَّأْوِيلِ بِأَنَّ مَا فِي السَّمَاعِ، وَالْمَوْضِعِ الْآخَرِ تَفْسِيرٌ قَالَ، وَلَوْ أَرَادَ الْجَرْيَ عَلَى مُصْطَلَحِهِ لَقَالَ وَفِيهَا أَيْضًا التَّقْوِيمُ وَهَلْ خِلَافُ أَوْ لِجَوَازِهِمَا. أَوْ نُدِبَ الْبَيْعُ أَوْ التَّقْوِيمُ إنْ كَانَ بِيَمِينٍ.

(فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ الثَّمَنَ الْمَبْعُوثَ لِمَحَلِّ الْجِهَادِ وَالْهَدْيُ ثَمَنَ مِثْلِهِ (عُوِّضَ) بِضَمٍّ فَكَسْر مُثَقَّلًا الْمَبِيعُ بِ (الْأَدْنَى) مِنْهُ كَبَقَرَةٍ بَدَلَ بَدَنَةٍ أَوْ شَاةٍ بَدَلَ أَحَدِهِمَا إنْ أَمْكَنَ (ثُمَّ) إنْ عَجَزَ عَنْ الْأَدْنَى دَفَعَ ثَمَنَ آلَةِ الْجِهَادِ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يُشَارِكُ بِهِ فِي جُزْءٍ وَدَفَعَ ثَمَنَ الْهَدْيِ الَّذِي لَا يَصِلُ أَوْ مَا لَا يُهْدَى (لِخَزَنَةٍ بِ) فَتْحِ الزَّايِ جَمْعِ خَازِنٍ أَيْ خَادِمٍ وَهُمْ أُمَنَاءُ (الْكَعْبَةِ) وَأَصْحَابُ حِلِّهَا وَعَقْدِهَا، وَيُقَالُ لَهُمْ حَجَبَةٌ وَسَدَنَةٌ وَهُمْ بَنُو شَيْبَةَ (يُصْرَفُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (فِيهَا) أَيْ مَصَالِحُ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ. وَلَمَّا اُسْتُشْكِلَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ قَدْ لَا تَحْتَاجُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ وَيَأْتِيهَا مِنْ الطِّيبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَكَانِسُهَا خُوصٌ ثَمَنُهَا لَا بَالَ لَهُ وَبَعْدَ الْكَنْسِ يَزِيدُ عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهُ الْخَزَنَةُ. وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ أَشَارَ لِجَوَابِهِ بِمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِقَوْلِهِ (إنْ احْتَاجَتْ) الْكَعْبَةُ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ

ص: 109

تُصُدِّقَ بِهِ، وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام

وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلَاةٍ

ــ

[منح الجليل]

تُصُدِّقَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِيَشْمَلَ تَصَدُّقَ النَّاذِرِ وَنَائِبِهِ حَيْثُ شَاءَ (بِهِ) هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا. ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَصُرَ عَنْ التَّعْوِيضِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَفِيهَا أَيْضًا يَبْعَثُهُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ أَهْلُ الْحَرَمِ بِالثَّمَنِ. اهـ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَصْبَغَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ ابْتِدَاءً، لَكِنْ خَالَفَهُ بِتَخْصِيصِهِ الصَّدَقَةَ بِسَاكِنِي مَكَّةَ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتْبَعْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا أَصْبَغَ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا تَبِعَ الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِقَوْلِهِ إنْ احْتَاجَتْ.

(وَأَعْظَمَ) أَيْ اسْتَعْظَمَ وَمَنَعَ الْإِمَامُ (مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنْ يُشْرَكَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالرَّاءِ (مَعَهُمْ) أَيْ خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ (غَيْرُهُمْ) فِي خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ (لِأَنَّهَا) أَيْ خِدْمَةَ الْكَعْبَةِ (وِلَايَةٌ) لَهُمْ (مِنْهُ عليه الصلاة والسلام) قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ، وَلَازَمُوا الْأَدَبَ فِي خِدْمَتِهِ، وَإِلَّا جُعِلَ عَلَيْهِمْ مَشْرِقٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ أَخْذِهِمْ أُجْرَةً عَلَى فَتْحِ الْبَيْتِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِالْبَيْتِ مَا شَاءُوا قَالَهُ الْحَطّ. وَنَسَبَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ التَّشْرِيكَ نَوْعٌ مِنْ الِانْتِزَاعِ الْوَارِدِ فِي خَبَرِ هِيَ لَكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْتَزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ. وَعَطَفَ عَلَى الْبَدَنَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ

فَقَالَ (وَ) لَزِمَ (الْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ) مَنْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَلْ (وَلَوْ) حَلَفَ بِهِ أَوْ نَذَرَهُ (لِصَلَاةٍ) فِيهِ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ. اللَّخْمِيُّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ التَّضْعِيفَ الْوَارِدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ فِي الْفَرْضِ فَقَطْ خَارِجُ الْمَذْهَبِ، صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ آخِرَ الشِّفَاءِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَيَّدَهَا ابْنُ مُحْرِزٍ بِمَا

ص: 110

وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ كَمَكَّةَ، أَوْ الْبَيْتِ، أَوْ جُزْئِهِ لَا غَيْرُ،

ــ

[منح الجليل]

إذَا لَمْ يَلْحَقْهَا ضَرَرٌ يُظَنُّ بِهِ انْكِشَافُهَا وَلَمْ تُخْشَ الْفِتْنَةُ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهَا الْمَشْيُ بَلْ رُبَّمَا حَرُمَ عَلَيْهَا، وَارْتَضَاهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ. وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنُّسُكِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَيَرْكَبُ إنْ شَاءَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ، وَبِهِ اعْتَرَضَ الْمَوَّاقُ. الْمُصَنِّفَ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَقَالَ: وَلَوْ ذَكَرَ الْمَشْيَ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَسَوَّى بَيْنَهَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ لَكِنْ لَمَّا تَعَقَّبَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: كَلَامُ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ. اهـ. تَبِعَ هُنَا مَا لَهُ فِي التَّوْضِيحِ. طفى مَا هُنَا هُوَ الصَّوَابُ لِمَا فِي الْإِكْمَالِ، وَلِنَقْلِ الْآبِي عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِأَحَدِهَا مَاشِيًا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي نَذْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَنَصُّ الْآبِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثٍ» . الْمَازِرِيُّ اخْتَصَّتْ الثَّلَاثَةَ لِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِغَيْرِهَا وَنَذَرَ الصَّلَاةَ بِأَحَدِهَا أَتَاهَا، فَإِنْ قَالَ مَاشِيًا فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لَا يَلْزَمُهُ وَيَأْتِي رَاكِبًا فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْجَمِيعِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ. اهـ. قُلْت تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ تَشْهِيرُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ بِخِلَافِ. اهـ بُنَانِيٌّ

(وَخَرَجَ) إلَى الْحِلِّ (مَنْ) نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَهُوَ (بِهَا) أَيْ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ خَارِجَهُ، وَكَذَا مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ دَاخِلُهُ اتِّفَاقًا أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَالَ كَوْنِهِ خَارِجًا عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يَكْفِيهِ الْمَشْيُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِلْمَسْجِدِ، وَعُزِيَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَيْضًا (وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) مِنْ طَرَفِ الْحِلِّ مَاشِيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَالَ خُرُوجِهِ. وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ الْمَشْيِ فَقَالَ (كَ) نَاذِرِ الْمَشْيِ (لِمَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ) الْحَرَامِ أَيْ الْكَعْبَةِ (أَوْ جُزْئِهِ) أَيْ الْبَيْتِ الْمُتَّصِلِ بِهِ كَبَابِهِ وَرُكْنِهِ وَمُلْتَزَمِهِ وَشَاذَرْوَانِهِ وَحِجْرِهِ (لَا غَيْرُ)

ص: 111

إنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا مِنْ حَيْثُ نَوَى، وَإِلَّا حَلَفَ أَوْ مِثْلِهِ إنْ حَنِثَ بِهِ وَتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اُعْتِيدَ وَرَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ، وَلِحَاجَةٍ كَطَرِيقٍ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ،

ــ

[منح الجليل]

بِالضَّمِّ عِنْدَ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهُ أَيْ لَا مُلْتَزِمَ الْمَشْيِ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا لَيْسَ مُتَّصِلًا بِالْبَيْتِ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَزَمْزَمَ وَالْمَقَامِ وَالْمِنْبَرِ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَوْ خَارِجًا عَنْ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْمُلْتَزِمُ (نُسُكًا) بِضَمِّ النُّونِ وَالسِّينِ أَيْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَيَمْشِي مِنْ لَزِمَهُ الْمَشْيَ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (مِنْ حَيْثُ) أَيْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي (نَوَى) الْمُلْتَزِمُ الْمَشْيَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضِعَ الْتِزَامِهِ أَوْ غَيْرَهُ.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَشْيَ مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ فَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْ مَحَلٍّ فَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ (حَلَفَ) أَوْ نَذَرَ وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ حَنِثَ (أَوْ) مِنْ (مِثْلِهِ) أَيْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ فِي الْبُعْدِ لَا فِي الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ (إنْ حَنِثَ) الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ فِي الْمِثْلِ وَمَفْهُومُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ مَشَى مِنْ مِثْلِهِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ لَا يُجْزِيهِ، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا (وَتَعَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا لِابْتِدَاءِ مَشْيِ مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَفَاعِلُ تَعَيَّنَ (مَحَلٌّ اُعْتِيدَ) الْمَشْيُ مِنْهُ لِلْحَالِفِينَ سَوَاءٌ اُعْتِيدَ الْمَشْيُ مِنْهُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ نَوَاحِيهَا.

(وَرَكِبَ) أَيْ جَاوَزَ رُكُوبَ مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ (فِي) حَالِ إقَامَتِهِ فِي (الْمَنْهَلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ أَيْ مَكَانُ النُّزُولِ كَانَ بِهِ مَاءٌ أَمْ لَا (وَ) رَكِبَ (لِحَاجَةٍ) بِغَيْرِ الْمَنْهَلِ قَبْلَ نُزُولِهِ نَسِيَهَا فَعَادَ إلَيْهَا. وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (ك) مَشْيٍ فِي (طَرِيقٍ قُرْبَى اُعْتِيدَتْ) لِلْحَالِفِينَ سَوَاءٌ اُعْتِيدَتْ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا، فَإِنْ اُعْتِيدَتْ الْبُعْدَى لِلْحَالِفِينَ وَالْقُرْبَى لِغَيْرِهِمْ تَعَيَّنَتْ الْبُعْدَى وَإِنْ أُعِيدَتَا مَعًا لِلْحَالِفِينَ مَشَى مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ لَمْ تُعْتَدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَهُمْ تَعَيَّنَتْ الْبُعْدَى.

ص: 112

وَبَحْرًا اُضْطُرَّ لَهُ، لَا اُعْتِيدَ عَلَى الْأَرْجَحِ لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا.

وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ، أَوْ الْمَنَاسِكِ وَالْإِفَاضَةِ

ــ

[منح الجليل]

وَ) رَكِبَ (بَحْرًا اُضْطُرَّ لَهُ) بِأَنْ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِرُكُوبِهِ (لَا اُعْتِيدَ) رَكُوبُهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِلْحَالِفِينَ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَالِفِ رُكُوبُهُ (عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ. طفى ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ مَنَعَ رُكُوبَ الْبَحْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا اُعْتِيدَ لِلْحَجِّ أَوْ التَّجْرِ أَوْ الْحَلِفِ، وَإِنَّهُ اخْتَارَ هَذَا مِنْ خِلَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا، وَيَتَبَيَّنُ لَك ذَلِكَ بِالْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَجَازَ رُكُوبَ الْبَحْرِ الْمُعْتَادِ لِلْحُجَّاجِ مُطْلَقًا الْحَالِفِينَ وَغَيْرَهُمْ وَأَنَّ أَبَا عِمْرَانِ مَنَعَ رُكُوبَ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ، فَإِنْ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ، فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرَكُ فِي نِسْبَةِ إطْلَاقِ الْمَنْعِ لِابْنِ يُونُسَ وَتَعْبِيرِهِ عَنْ تَرْجِيحِهِ بِالِاسْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَمْشِي مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ (لِتَمَامِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) إنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ (وَ) لِتَمَامِ (سَعْيِهَا) أَيْ السَّعْيِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ الْقُدُومِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعُمْرَةِ وَيَفُوتُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ عَقِبَ الْقُدُومِ.

(وَ) إذَا لَزِمَ أَحَدًا الْمَشْيُ لِمَكَّةَ بِنَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ فَرَكِبَ بَعْضَ الطَّرِيقِ (رَجَعَ) وُجُوبًا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَأَ الرُّكُوبَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهِ (وَأَهْدَى) وُجُوبًا لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ وَيُؤَخِّرُ هَدْيَهُ لِعَامِ رُجُوعِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْجَابِرِ الْمَالِيِّ وَالنُّسُكِيِّ، فَإِنْ قَدَّمَهُ عَامَ مَشْيِهِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ. وَوُجُوبُ رُجُوعِهِ وَهَدْيِهِ (إنْ) كَانَ (رَكِبَ كَثِيرًا) فَإِنْ رَكِبَ قَلِيلًا فَيُهْدِي، وَلَا يَرْجِعُ وَالْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ مُعْتَبَرَةٌ (بِحَسَبِ) جَمِيعِ (الْمَسَافَةِ) الَّتِي لَزِمَهُ مَشْيُهَا صُعُوبَةً وَسُهُولَةً وَمِسَاحَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَثِيرًا بِحَسَبِ أَكْثَرِ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ الَّتِي رَكِبَهَا، وَاَلَّتِي مَشَاهَا لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ النِّصْفَ يَسِيرٌ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (أَوْ) رَكِبَ (الْمَنَاسِكَ) وَهِيَ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى مِنًى يَوْمَ الْعِيدِ (وَالْإِفَاضَةَ) أَيْ

ص: 113

نَحْوُ الْمِصْرِيِّ قَابِلًا فَيَمْشِي مَا رَكِبَ فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ، وَإِلَّا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ

ــ

[منح الجليل]

الرُّجُوعَ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ لِئَلَّا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ، فَإِنْ رَكِبَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِي رُكُوبِ الْمَنَاسِكِ لَا فِي رُكُوبِ الْإِفَاضَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بِقَوْلِهِ كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ، فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ هُنَا. هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ لَا رُجُوعَ عَلَى مَنْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ؛ لِأَنَّهُ بِوُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ بَرَّ وَإِلَيْهَا كَانَتْ يَمِينُهُ، اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ. وَفَاعِلُ رَجَعَ وَأَهْدَى (نَحْوُ الْمِصْرِيِّ) مِمَّنْ عَلَى شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَأَوْلَى نَحْوُ الْمَدَنِيِّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْبَعِيدِ جِدًّا فِي قَوْلِهِ وَكَافِرٌ بَقِيَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ بِلَا رُجُوعٍ فَاشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ: الْقَرِيبُ وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْبَعِيدُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ وَالْهَدْيُ يَرْجِعُ وَيُهْدِي زَمَنًا (قَابِلًا) سَوَاءٌ كَانَ فِي عَامِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ وَلِمَنْ قَرُبَ أَوْ فِي عَامٍ آخَرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعُدَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَابِلُ وَالِيًا لِلزَّمَنِ الَّذِي رَكِبَ فِيهِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَوْرًا كَقَضَاءِ الْمُفْسِدِ (فَيَمْشِي مَا) أَيْ الْمَكَانَ الَّذِي (رَكِبَ) هـ مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَيَمْشِي جَمِيعَ الْمَسَافَةِ وَيُحْرِمُ فِي حَالِ رُجُوعِهِ (فِي مِثْلِ) النُّسُكِ (الْمُعَيَّنِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فِي الْتِزَامِهِ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَرْجِعُ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ إنْ كَانَ عَيَّنَ حَجًّا اتِّفَاقًا لِنَقْصِ أَرْكَانِهَا عَنْ أَرْكَانِهِ، وَلَا بِحَجٍّ إنْ كَانَ عَيَّنَ عُمْرَةً عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حِينَ الْتِزَامِهِ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً وَصَرَفَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَرَكِبَ كَثِيرًا (فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ) لِمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا فِي زَمَانِ رُجُوعِهِ بِأَنْ يُحْرِمَ بِخِلَافِ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي مَنْعِهِ جَعْلَ الثَّانِي فِي عُمْرَةٍ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَجًّا، وَقَيَّدَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ الْمَشْهُورَ بِكَوْنِ رُكُوبِهِ فِي الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمَنَاسِكِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ جَعْلُ الثَّانِي فِي حَجٍّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَيْهَا، وَتَأَوَّلَهَا غَيْرُهُمَا عَلَى جَوَازِ جَعْلِهِ فِي عُمْرَةٍ وَلَوْ كَانَ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

ص: 114

إنْ ظَنَّ أَوَّلًا الْقُدْرَةَ، وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَرَكِبَ وَأَهْدَى فَقَطْ كَأَنْ قَلَّ وَلَوْ قَادِرًا كَالْإِفَاضَةِ

ــ

[منح الجليل]

وَذَكَرَ شَرْطَ الرُّجُوعِ فَقَالَ (إنْ ظَنَّ) أَوْ عَلِمَ بِالْأَوْلَى مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ وَمُنَوَّنًا أَيْ حِينَ خُرُوجِهِ الْأَوَّلِ (الْقُدْرَةَ) عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَابَ ظَنُّهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حِينَ خُرُوجِهِ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ مَعَ ظَنِّهَا حِينَ الْتِزَامِهِ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ الْعَجْزَ أَوْ شَكَّ لِطُرُوءِ مَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ خَرَجَ أَوَّلَ عَامٍ (وَمَشَى مَقْدُورَهُ) وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ (وَرَكِبَ) مَعْجُوزَهُ (وَأَهْدَى فَقَطْ) أَيْ بِلَا رُجُوعٍ لِمَشْيِ مَا رَكِبَهُ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ، فَإِنْ كَانَ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ الْتِزَامِهِ أَوْ نَوَى أَنْ يَمْشِيَ مَا يُطِيقُهُ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيَرْكَبُ مَعْجُوزَهُ، وَلَا رُجُوعَ، وَلَا هَدْيَ. وَإِنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ خُرُوجِهِ الثَّانِي عَنْ مَشْيِ مَا رَكِبَهُ فِي خُرُوجِهِ الْأَوَّلِ سَقَطَ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، قَالَ فِيهَا لَوْ عَلِمَ أَوَّلَ خُرُوجِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ كُلَّ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَوْ رَاكِبًا وَيَمْشِيَ وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ، ثُمَّ يَرْكَبَ وَيُهْدِيَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الْمَشْيِ قَعَدَ وَأَهْدَى وَأَجْزَأَهُ الذَّهَابُ الْأَوَّلُ.

وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ حِينَ الِالْتِزَامِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَمْشِي مَقْدُورَهُ، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَلَا هَدْيَ، وَإِنْ ظَنَّ حِينَهُ الْقُدْرَةَ فَإِنْ ظَنَّ حِينَ الْخُرُوجِ الْقُدْرَةَ ثُمَّ عَجَزَ رَجَعَ وَأَهْدَى وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ وَأَهْدَى، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ مَشْرُوطٌ بِظَنِّ الْقُدْرَةِ فِيهَا وَإِلَّا قَعَدَ وَأَهْدَى وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

وَشَبَّهَ فِي الْهَدْيِ بِلَا رُجُوعٍ فَقَالَ (كَأَنْ قَلَّ رُكُوبُهُ) بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَالٌ فِي نَفْسِهِ، هَذَا ظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ أَيْضًا فَيُهْدِي، وَلَا يَرْجِعُ فَهَذَا بَيَانٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ إنْ رَكِبَهُ عَاجِزًا عَنْ مَشْيِهِ، بَلْ (وَلَوْ) رَكِبَ الْقَلِيلَ حَالَ كَوْنِهِ (قَادِرًا) عَلَى مَشْيِهِ. وَشَبَّهَ فِي الْإِهْدَاءِ لَكِنْ نَدْبًا بِلَا رُجُوعٍ أَيْضًا فَقَالَ (كَ) رُكُوبِ (الْإِفَاضَةِ) أَيْ

ص: 115

فَقَطْ، وَكَعَامٍ عُيِّنَ وَلْيَقْضِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ وَكَإِفْرِيقِيٍّ وَكَإِنْ فَرَّقَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ،

ــ

[منح الجليل]

رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ رُكُوبَهُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمَنَاسِكِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى مِنًى، فَإِنْ رَكِبَ فِيهَا فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَيُنْدَبُ لَهُ الْهَدْيُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَدَلَ عَنْ الْعَطْفِ إلَى التَّشْبِيهِ لِيُفِيدَ الرُّجُوعَ فَقَطْ إلَى مَا بَعْدِ الْكَافِ. وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْهَدْيِ فَقَطْ مُشَبِّهًا فِيهِ فَقَطْ أَيْضًا فَقَالَ (وَكَعَامٍ عُيِّنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا الْحَجُّ فِيهِ مَاشِيًا، وَخَرَجَ فِيهِ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ أَوْ فَاتَهُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَرَكِبَ فِيهِ كَثِيرًا أَوْ مَشَى فِيهِ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ، وَفَاتَهُ الْحَجُّ لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ بِلَا رُجُوعٍ (وَلْيَقْضِهِ) أَيْ الْحَجَّ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ لَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ خَرَجَ لَهُ وَلَوْ مَاشِيًا وَفَاتَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَقْضِيهِ وَلَوْ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْعَامَ الْمُعَيَّنَ لِلْمَشْيِ فِيهِ قَدْ فَاتَ، وَمَحَلُّ لُزُومِ الرُّجُوعِ ثَانِيًا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ أَمَاكِنِ رُكُوبِهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ، بَلْ يَقْعُدُ وَيُهْدِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ وَفِيهِ الْهَدْيُ (أَوْ) ظَنَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ خَرَجَ (لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى مَشْيِ مَا رَكِبَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يَخْرُجُ وَيُهْدِي فَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ ظَنَّ الْعَجْزَ عِنْدَ الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ فَيَخْرُجُ وَيَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيُهْدِي وَمَا هُنَا ظَنَّهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ الثَّانِي فَلَا يَخْرُجُ وَيُهْدِي.

وَذَكَرَ قَسِيمَ نَحْوِ الْمِصْرِيِّ وَهُوَ مَنْ بَعُدَتْ بَلَدُهُ مِنْ مَكَّةَ جِدًّا مُشَبِّهًا لَهُ فِي الْإِهْدَاءِ فَقَطْ فَقَالَ (وَكَإِفْرِيقِيٍّ) نِسْبَةً لِإِفْرِيقِيَّةَ بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِهَا، فَإِنْ الْتَزَمَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَرَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ بِلَا رُجُوعٍ وَأَوْلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ كَفَاسِيٍّ وَسُوسِيٍّ (وَكَإِنْ فَرَّقَهُ) أَيْ الْمَشْيَ فِي الزَّمَانِ تَفْرِيقًا غَيْرَ مُعْتَادٍ وَمَشَى جَمِيعَ الْمَسَافَةِ لِعُذْرٍ، بَلْ (وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَيُهْدِي قَالَ الْحَطّ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الْهَدْيِ مَعَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْفَرْعُ الَّذِي قَبْلَهُ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ فِيهِ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ غَيْرَ ابْنِ غَازِيٍّ وَلَمْ يُجِزْ الْبُنَانِيُّ.

ص: 116

وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلَانِ،

ــ

[منح الجليل]

قُلْت نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ فِيهِمَا مَعًا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْبَيَانِ، أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِيهِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا إنْ كَثُرَ وَلَمْ يَكُنْ جُلَّ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ثَانِيَةً لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَ بِاتِّفَاقٍ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ قَرِيبًا كَالْمَدِينَةِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ بَعِيدًا كَمِصْرِ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَرْجِعُ.

وَأَمَّا إنْ بَعُدَ مَوْضِعُهُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيُجْزِيَهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مِنْ نَحْوِ الْأَنْدَلُسِ أَشَقُّ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الَّذِي رَكِبَ جُلَّ الطَّرِيقِ فَمَا قَرُبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ ثَانِيَةً رَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَبْسُوطَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا وَإِجْزَاءِ التَّفْرِيقِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ.

وَفِي التَّوْضِيحِ صَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْزَاءَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَهُ قَائِلًا؛ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ تَوَالِيهِ وَعَدَمُ تَفْرِيقِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْإِحْزَاءِ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ رَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا غَيْرَ مُتَتَابِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَشَارَ لِلتَّفْرِيقِ بِالرُّكُوبِ فَقَالَ (وَفِي لُزُومِ) مَشْيِ (الْجَمِيعِ) عِنْدَ رُجُوعِهِ لِبُطْلَانِ مَشْيِهِ (بِمَشْيِ عُقْبَةٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ (وَرُكُوبِ) عُقْبَةٍ (أُخْرَى) لِحُصُولِ الرَّاحَةِ التَّامَّةِ لَهُ بِمُعَادَلَةِ رُكُوبِهِ لِمَشْيِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا وَعَدَمُ لُزُومِ مَشْيَ الْجَمِيعِ بَلْ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَقَطْ (تَأْوِيلَانِ) سَبَبُهُمَا قَوْلُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ. اهـ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ مَا رَكِبَ مُتَنَاصِفًا مِثْلُ أَنْ يَمْشِيَ عُقْبَةً وَيَرْكَبَ أُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهَا. اهـ. فَجَعَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى مَنْ رَكِبَ دُونَ النِّصْفِ، وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ مَا

ص: 117

وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ، وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ، وَلَوْ أَفْسَدَ أَتَمَّهُ وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ،

ــ

[منح الجليل]

فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوَاضِعَ مَشْيِهِ مِنْ رُكُوبِهِ فَهُمَا تَأْوِيلَانِ كِلَاهُمَا بِالْوِفَاقِ الْأَوَّلِ لِأَبِي الْحَسَنِ، وَالثَّانِي لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ. طفى وَالظَّاهِرُ الْخِلَافُ.

(وَالْهَدْيُ) حَيْثُ قِيلَ بِهِ وَجَبَ مَعَهُ رُجُوعٌ أَمْ لَا (وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ) أَيْ رَكِبَ (الْمَنَاسِكَ) كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ الْإِفَاضَةَ أَوْ هُمَا (فَنُدِبَ وَلَوْ مَشَى) فِي رُجُوعِهِ (الْجَمِيعَ) مُبَالَغَةً فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَأَشَارَ بو لَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهُ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ مَشْيَهُ. ابْنُ بَشِيرٍ تَعَقَّبَهُ الْأَشْيَاخُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَسْقُطُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ وَمَثَّلُوهُ بِمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَسَهَا فِيهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَأَعَادَهَا ثَانِيَةً وَلَمْ يَسْجُدْ فَالسُّجُودُ مُتَقَرِّرٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ أَخْطَأَ فِي الْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، فَإِنْ أَعَادَهَا فَقَدْ أَتَى بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَمْ تُسْقِطْ إعَادَتُهُ مَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ وَفِي الْحَجِّ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْعَوْدَةِ، فَإِنْ عَادَ وَمَشَى فَقَدْ وَفَّى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَشْيِ فِي عَوْدَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا فَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ.

الْمَوَّاقُ فَانْظُرْ اقْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ مَعَ أَنَّ ابْنَ بَشِيرٍ تَرَدَّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَرْتَكِنْ فِيهَا. ابْنُ يُونُسَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ رَاكِبًا يُهْدِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْهَدْيِ مِثْلَ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ. ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ عَجْزًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ فِيهِ أَمْ لَا. ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ فِي الْمَشْيِ إذَا بَلَغَ مَكَّةَ وَطَافَ وَرَأَى أَنَّ مَشْيَهُ قَدْ تَمَّ، وَأَرْخَصَ لَهُ فِي الرُّكُوبِ إلَى عَرَفَةَ فَلِذَلِكَ عِنْدِي لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْهَدْيَ.

(وَلَوْ أَفْسَدَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَا أَحْرَمَ بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِوَطْءٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا كَوْنَهُ حَاجًّا (أَتَمَّهُ) وُجُوبًا فَاسِدًا وَلَوْ رَاكِبًا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ الْمُفْسَدِ (وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) الشَّرْعِيِّ إنْ

ص: 118

وَإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ وَرَكِبَ فِي قَضَائِهِ

وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ،

ــ

[منح الجليل]

كَأَنْ أَحْرَمَ مِنْهُ قَبْلَ الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِيهِ قَبْلَهُ مَشَى مِنْ مَوْضِعِ إحْرَامِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ فِيمَا قَبْلَهُ إذْ لَمْ يَتَسَلَّطْ الْفَسَادُ إلَّا عَلَى مَا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِلْفَسَادِ وَهَدْيٌ لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ فِي عَامَيْنِ؛ لِأَنَّ مَشْيَهُ فِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَسَادِ مُلْغًى، وَمَشْيَهُ قَبْلَهُ مُعْتَبَرٌ.

(وَإِنْ فَاتَهُ) أَيْ الْحَجُّ مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِنَذْرٍ مَشْيٍ مُبْهَمٍ أَوْ حِنْثِهِ فِي حَلِفِهِ بِهِ (جَعَلَهُ) أَيْ الْمَشْيَ (فِي عُمْرَةٍ) أَيْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِهَا وَمَشَى فِيهَا التَّمَامَ سَعْيَهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ وَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِيهَا ابْتِدَاءً وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثُمَّ يَقْضِي الْحَجَّ الَّذِي فَاتَهُ عَلَى حُكْمِ الْفَوَاتِ (وَرَكِبَ) أَيْ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ (فِي قَضَائِهِ) فَهَذَا فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ وَفَاتَهُ كَمَا فِيهَا.

وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا وَفَاتَهُ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ إذَا قَضَاهُ يَرْكَبُ إلَّا فِي بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَمْشِي فِيهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ نَحْوَ مَا لِعَبْدِ الْحَقِّ قَائِلًا: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. اهـ عب.

الْبُنَانِيُّ سِيَاقُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا وَلَوْ فَاتَهُ حَجُّهُ حَلَّ بِعُمْرَةٍ مَاشِيًا وَكَفَتْ وَحَجَّ قَابِلًا رَاكِبًا، وَفِي لُزُومِهِ مَشْيُ الْمَنَاسِكِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي الثَّانِيَةِ وَالظَّاهِرُ لُزُومُ مَشْيِ الْمَنَاسِكِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ.

(وَإِنْ حَجَّ) مُلْتَزِمُ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ مُطْلَقًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ أَوْ مُلْتَزِمُ الْحَجِّ مَاشِيًا وَهُوَ ضَرُورَةٌ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهِ (نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ) مَعًا حَالَ كَوْنِهِ (مُفْرِدًا) بِكَسْرِ الرَّاءِ (أَوْ) حَالَ كَوْنِهِ (قَارِنًا) الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ وَنَوَى الْقَارِنُ بِالْحَجِّ الَّذِي فِي ضِمْنِ قِرَانِهِ فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ مَعًا أَوْ نَوَى بِهِ فَرْضَهُ فَقَطْ وَبِالْعُمْرَةِ نَذْرَهُ (أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ)

ص: 119

وَهَلْ إنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا تَأْوِيلَانِ، وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ

ــ

[منح الجليل]

فَقَطْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَرْضِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.

(وَهَلْ) مَحَلُّ إجْزَائِهِ عَنْ النَّذْرِ (إنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْتِزَامِهِ بِأَنْ الْتَزَمَ مَشْيًا مُطْلَقًا وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ ضَرُورَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْتَزَمَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ النَّذْرِ أَيْضًا لِلتَّشْرِيكِ أَوْ يُجْزِئُ عَنْ النَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) : الْأَوَّلُ لِابْنِ يُونُسَ وَالثَّانِي لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهُمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ صُورَتَيْ الْقَارِنِ، وَلَا يَأْتِيَانِ فِي ثَانِيَتِهِمَا إذْ لَا يُمْكِنُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ إذَا عَيَّنَ الْحَجَّ فِي نَذْرِهِ وَجَعَلَ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ لِنَذْرِهِ تُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ وَقَدْ فَرَضَهَا عَبْدُ الْحَقِّ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأُولَى فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَكِنْ رَأَيْت ابْنَ عَرَفَةَ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَحَكَى التَّأْوِيلَيْنِ عَقِبَهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ.

(وَعَلَى) مُلْتَزِمِ الْمَشْيِ مُبْهَمًا (الصَّرُورَةِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ (جَعْلُهُ) أَيْ الْمَشْيِ الَّذِي الْتَزَمَهُ (فِي عُمْرَةٍ) يُوَفِّي بِهَا مَا الْتَزَمَهُ (ثُمَّ يَحُجُّ) بَعْدَ تَمَامِهَا (مِنْ مَكَّةَ) حِجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا (عَلَى الْفَوْرِ) وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ أَوْ بَعْضُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْضَ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَكَذَا عَلَى التَّرَاخِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ أَصَالَةً لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حِينَ أَتَى الْمِيقَاتَ لِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يُوَفِّي الْتِزَامَهُ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ وَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَوَّلًا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا، وَلَا نَذْرًا انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ انْتَهَى. الْبُنَانِيُّ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا وَإِنْ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي عُمْرَةٍ فَلَهُ إذَا حَلَّ مِنْهَا أَنْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ مَكَّةَ. اهـ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّخْيِيرَ. أَبُو الْحَسَنِ يَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي إذْ قَوْلُهُ لَهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ. اهـ طفى، فَلَا يَلِيقُ بِالْمُصَنِّفِ تَرْكُ النَّصِّ وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْهُ. اهـ. وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ الصَّرُورَةِ لِقَوْلِهَا بِحَجِّ الْفَرِيضَةِ، وَلَا فَرِيضَةَ عَلَى غَيْرِ الصَّرُورَةِ. قَوْلُهُ قَالَ بَعْضٌ أَيْ الْبِسَاطِيُّ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ

ص: 120

وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إنْ قَيَّدَ بِيَوْمٍ كَذَا كَالْعُمْرَةِ

ــ

[منح الجليل]

كَلَامِهِمْ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَا أَدْرِي مَا كَلَامُهُمْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ مَا قَالَ اُنْظُرْ طفى.

(وَ) مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ فَإِنْ صَرَّحَ أَوْ نَوَى فَوْرًا أَوْ تَرَاخِيًا عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا (عَجَّلَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ أَنْشَأَ الْمُلْتَزِمُ (الْإِحْرَامَ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (فِي) قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَ (أَنَا مُحْرِمٌ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (أَوْ) فَأَنَا (أُحْرِمُ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ (إنْ قَيَّدَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُلْتَزِمُ إحْرَامَهُ (بِيَوْمِ كَذَا) كَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مَكَانِ كَذَا كَمِصْرِ وَحَنِثَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ أَوْ تَرْكِهِ فِي الْحِنْثِ أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ بَرَكَةِ الْحَاجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْمَكَانِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ سَحْنُونٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ حِنْثِهِ أَوْ نَذْرِهِ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْمَكَان الَّذِي قَيَّدَ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ إحْرَامٍ فِي أَنَا مُحْرِمٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَقَدْ اتَّفَقَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ مُحْرِزٍ وَابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُمْ، هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ الْإِحْرَامَ فِي وَقْتِ الْتِزَامِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَبْلَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ، وَدَلِيلُ الْمُرَادِ كَلَامُ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ.

وَشَبَّهَ فِي وُجُوبِ تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ (كَ) نَاذِرِ الْإِحْرَامِ بِ (الْعُمْرَةِ) أَوْ الْحَالِفِ

ص: 121

مُطْلَقًا،

ــ

[منح الجليل]

بِهِ وَحَنِثَ حَالَ كَوْنِهِ (مُطْلِقًا) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدِ الْإِحْرَامِ بِهَا بِزَمَانٍ، وَلَا مَكَان كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ أَوْ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ بِهَا. طفى قَوْلُهُ كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِيَوْمٍ كَذَا مَعَ كَوْنِهَا مُقَيَّدَةً بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْإِحْرَامِ بَلْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ عُمْرَةٌ، أَوْ قَالَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمُطْلَقُ أَيْ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ بِيَوْمِ كَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُقَيَّدًا بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ قَالَ عَلَيَّ حَجٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَكَذَا فَرْضُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ كَالْعُمْرَةِ، وَكَذَا فِي الْجَوَاهِرِ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَحُومُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّذْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ كَيَوْمِ كَذَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمُقَيَّدٌ بِالْإِحْرَامِ فَقَطْ يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ فِي الْعُمْرَةِ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً وَفِي الْحَجِّ لِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ. وَغَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِحْرَامِ، وَلَا الزَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَجَدَ صَحَابَةً أَمْ لَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَتَلَقَّهُ بِالْيَمِينِ، وَشُدَّ عَلَيْهِ يَدَ الضَّنِينِ، وَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّا فِي كَلَامِ الشُّرُوحِ،، وَلَا يَصِحُّ فَتْحُ اللَّامِ مِنْ مُطْلِقًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قُيِّدَتْ بِزَمَنٍ أَمْ لَا، وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا بِغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ لِدُخُولِ الْمُقَيَّدَةِ فِيمَا قَبْلَهُ. وَأَيْضًا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً يَجْرِي فِي الْعُمْرَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالزَّمَانِ، وَمَا قَبْلَ الْكَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيهَا لِشُمُولِهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَتَنَاقَضَانِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْكَافِ خَاصًّا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً إنَّمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُقَيَّدَةِ وَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ كَسْرُ اللَّامِ. اهـ.

ص: 122

إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً لَا الْحَجِّ وَالْمَشْيَ فَلِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ عَلَى الْأَظْهَرِ

ــ

[منح الجليل]

بُنَانِيُّ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ (إنْ لَمْ يَعْدَمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالدَّالِ مُلْتَزِمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ (صَحَابَةً) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ رُفْقَةً يُسَافِرُ مَعَهُمْ، فَإِنْ عَدِمَ صَحَابَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالزَّمَانِ فَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا وَلَوْ عَدِمَ صُحْبَةً كَالْحَجِّ الْمُقَيَّدِ بِهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ ضَرَرًا مِنْ الْإِحْرَامِ.

وَعَطَفَ بِلَا عَلَى الْعُمْرَةِ فَقَالَ (لَا) مُلْتَزِمُ (الْحَجِّ) الْمُطْلَقِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهِ قَبْلَهَا (وَ) لَا مُلْتَزِمُ (الْمَشْيِ) لِمَكَّةَ الْمُطْلِقِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ وَعَنْ التَّقْيِيدِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّعْجِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ (فَ) يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِيهِمَا (لِأَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ أَيْ عِنْدَ اسْتِهْلَالِهَا (إنْ وَصَلَ) أَيْ إنْ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَصِلُ إلَى مَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ، لَكِنْ فِي الْتِزَامِ الْحَجِّ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ مَكَانِهِ، وَفِي الْتِزَامِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَهُ أَجْزَأَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ لِمَكَّةَ إنْ اسْتَمَرَّ فِي بَلَدِهِ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ وَيَفُوتُهُ الْحَجُّ فِي عَامِهِ (فَ) يُحْرِمُ (مِنْ حَيْثُ) أَيْ الزَّمَانُ الَّذِي (يَصِلُ) فِيهِ لِمَكَّةَ وَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي عَامِهِ، فَاسْتَعْمَلَ حَيْثُ فِي الزَّمَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَان دَائِمًا (عَلَى الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ. ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِابْنِ رُشْدٍ بَلْ لِابْنِ يُونُسَ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ قَالَ قَيَّدَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ بِمَا إذَا أَمْكَنَ وُصُولُهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ إنْ خَرَجَ فِي أَشْهُرِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَهُ التَّأْخِيرُ لِلْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَلِفِ فِي أَشْهُرِهِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مُحْرِمًا قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ يَخْرُجُ حَلَالًا، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُهُ أَحْرَمَ سَوَاءٌ وَصَلَ لِلْمِيقَاتِ أَمْ لَا

وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْقَابِسِيِّ. وَالظَّاهِرُ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ

ص: 123

، وَلَا يَلْزَمُ فِي: مَالِي فِي الْكَعْبَةِ، أَوْ بَابهَا، أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ

ــ

[منح الجليل]

هُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ لَا الْخُرُوجُ إلَيْهِمَا، فَإِذَا وَجَبَ تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ وَجَبَ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ. طفى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ فَمُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ وَالزَّمَانِ لَا يَجِبُ تَعْجِيلُهُ مُطْلَقًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْمَشْيَ غَيْرَهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ تت كَيْفَ أَقَرَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ لَا يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ، وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ التَّعْجِيلُ فَلِأَشْهُرِهِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ التَّرَاخِي. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَوْرُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الْمَنْصُوصِ. اهـ. وَحَمَلَ ابْنُ عَاشِرٍ الْمَشْيَ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَجَعَلَهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَأَطْلَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجُ بَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُمَا إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ بَعِيدٌ.

(وَلَا يَلْزَمُ) الْوَفَاءُ (فِي) قَوْلِهِ (مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) إنْ كَانَ أَرَادَ صَرْفَهُ فِي بِنَائِهَا إنْ نَقَضَتْ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، فَإِنْ أَرَادَ كِسْوَتَهَا وَطِيبَهَا وَنَحْوَهُمَا لَزِمَهُ ثُلُثُ مَالِهِ لِلْحَجَبَةِ يَصْرِفُونَهُ بِهَا إنْ احْتَاجَتْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمِثْلُ الْبَابِ الْحَطِيمُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْمَقَامِ وَلِابْنِ حَبِيبٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَطْمِهِ الذُّنُوبَ كَحَطْمِ النَّارِ الْحَطَبَ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ مَا ذَكَرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَدَلَهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

(أَوْ) قَالَ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَ (كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ) فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا أَوْ صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَحَنِثَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ قَيَّدَ بِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ كُلُّ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ حَلِفِهِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقِيَاسُ فَإِنْ كَانَ فِي نَذْرٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ، وَلَا بَلَدٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ نَذْرِهِ وَكُلُّ مَا أُفِيدَهُ مِثْلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، وَسَوَاءٌ قَيَّدَ فِي النَّذْرِ بِمُدَّةٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ لَا وَسَكَتَ عَنْ كُلِّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ، فَإِنْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ ثُلُثُ مَا عِنْدَهُ كَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ فِي النَّذْرِ. وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ كَكُلِّ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ وَحَنِثَ لَزِمَهُ ثُلُثُهُ إنْ أَطْلَقَ لِصِدْقِ مَا أَمْلِكُهُ عَلَى مَا مَلَكَهُ حَالَ الْيَمِينِ، وَإِنْ قَيَّدَ بِوَقْتٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ. ابْنُ رُشْدٍ إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا يُفِيدُهُ أَوْ يَكْسِبُهُ إلَى مُدَّةٍ مَا أَوْ فِي بَلَدٍ فَقَوْلَانِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ إلَى كَذَا صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لَفْظَةَ أَمْلِكُ تَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، فَعَلَى تَخْلِيصِهِ لِلِاسْتِقْبَالِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ. وَعَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ مَعًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِهِ السَّاعَةَ وَجَمِيعُ مَا يُفِيدُ إلَى الْأَجَلِ، وَالثَّانِي ثُلُثُهُمَا، وَالثَّالِثُ ثُلُثُ مَالِهِ السَّاعَةَ فَقَطْ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ.

وَأَمَّا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يُفِيدُهُ أَبَدًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يُفِيدُهُ إلَى أَجَلٍ أَوْ فِي بَلَدٍ لَزِمَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75]{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنُصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي هَذَا بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ، وَالْوَجْهُ حَمْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْيَمِينِ دُونَ النَّذْرِ، وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ فِي صَدَقَةِ الرَّجُلِ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي لُبَابَةَ وَقَدْ نَذَرَ أَنْ يَنْخَلِعَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ يُجْزِيك الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ» انْتَهَى، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَبِهِ يُفَسَّرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ.

ص: 125

أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ

ــ

[منح الجليل]

أَوْ) نَذَرَ (هَدْيٍ) بِلَفْظِهِ أَوْ بَدَنَةٍ بِلَفْظِهَا (لِغَيْرِ مَكَّةَ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيهِمَا لَا بَعْثُهُ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، وَلَا ذَكَاتُهُ بِمَوْضِعِهِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ فِي الصَّغِيرِ يُذَكِّيهِ بِمَوْضِعِهِ وَعَزَاهُ لَهَا فَفِي جَزْمِ الْبَدْرِ بِأَنَّهُ خَطَأٌ شَيْءٌ، فَإِنْ عَبَّرَ بِغَيْرِ هَدْيٍ وَبَدَنَةٍ فَإِنْ جَعَلَهُ لِمَكَّةَ فَكَالْفِدْيَةِ، وَإِنْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهَا كَقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْدَى وَعَبَّرَ عَنْهُ بِبَعِيرٍ أَوْ خَرُوفٍ أَوْ جَزُورٍ نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ بِمَوْضِعِهِ وَفَرَّقَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ وَأَخْرَجَ مِثْلَ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ وَمَنَعَ بَعْثَهُ وَلَوْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ لِقَوْلِهَا سَوْقُ الْهَدَايَا لِغَيْرِ مَكَّةَ ضَلَالٌ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُهْدَى كَثَوْبٍ وَدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْمُلَازِمِينَ لِلْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَرْسَلَهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ وَإِنْ قَصَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيْ الثَّوَابَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ بِمَوْضِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَيُنْظَرُ لِعَادَتِهِمْ اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَرْزَلِيُّ وعج، وَلَا يَلْزَمُ بَعْثُ سُتُرٍ، وَلَا شَمْعٍ، وَلَا زَيْتٍ يُوقَدُ عَلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَلَوْ نَذَرَ فَإِنْ بَعَثَهُ مَعَ شَخْصٍ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ فِعْلِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكْرُوهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ مَالِ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهُ كَوَضْعِ شَيْءٍ بِصُنْدُوقِ شَيْخٍ أَوْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ رُدَّ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ أَفَادَهُ عب.

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَخْ صَحِيحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَطّ لَكِنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ وَيُسْتَحَبُّ نَحْرُهُ فِيهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ نَذَرَهُ لِغَيْرِهَا بِلَفْظِ الْهَدْيِ أَوْ الْبَدَنَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي صَغِيرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُذَكِّيهِ بِمَوْضِعِهِ، وَعَزْوُهُ لَهَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا حُمِلَ عَلَى مَنْ نَذَرَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْهَدْيِ وَالْبَدَنَةِ إذْ هُوَ الَّذِي فِيهَا، وَقَوْلُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفِدْيَةِ أَيْ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان بَعْدَ بَعْثِهِ لِمَكَّةَ، بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ فَلَا يَجِبُ صَرْفُهَا لِمَكَّةَ، وَلِذَا قَالَ عج يَنْحَرُ بِمَكَّةَ.

ص: 126

أَوْ مَالُ غَيْرٍ؛ إنْ لَمْ يُرِدْ إنْ مَلَكَهُ، أَوْ عَلَى نَحْرِ فُلَانٍ وَلَوْ قَرِيبًا؛ إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ، أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ

ــ

[منح الجليل]

قَوْلُهُ وَمَنَعَ بَعْثَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْثِهِ إلَيْهِ شَبَهًا بِسَوْقِ الْهَدْيِ وَفِيهَا سَوْقُ الْهَدْيِ لِغَيْرِهَا مِنْ الضَّلَالِ، وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ مَسَاكِينِ أَيِّ بَلَدٍ طَاعَةٌ. «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلْيُطِعْهُ» . ابْنُ عَرَفَةَ وَنَذْرُ شَيْءٍ لِمَيِّتٍ صَالِحٍ مُعَظَّمٍ فِي نَفْسِ النَّاذِرِ لَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا، وَأَرَى أَنَّ قَصْدَ مُجَرَّدِ كَوْنِ الثَّوَابِ لِلْمَيِّتِ تَصَدَّقَ بِهِ بِمَوْضِعِ النَّاذِرِ وَإِنْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِقَبْرِهِ أَوْ زَاوِيَتَهُ تَعَيَّنَ لَهُمْ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ لَهُمْ.

(أَوْ) نَذَرَ (مَالَ غَيْرِهِ) كَعَبْدِهِ وَدَارِهِ وَبَعِيرِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (إنْ لَمْ يُرِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ يَنْوِي النَّاذِرُ (إنْ مَلَكَهُ) أَيْ النَّاذِرُ الشَّيْءَ الَّذِي نَذَرَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَلَكَهُ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ، عَبَّرَ بِلَفْظِ جَمِيعِ مَالِ الْغَيْرِ أَمْ لَا فَلَيْسَ كَنَذْرِهِ جَمِيعَ مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ نَاذِرَ مَالِ غَيْرِهِ أَبْقَى مَالَ نَفْسِهِ.

(أَوْ) قَالَ لِلَّهِ (عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ) أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَحَنِثَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي النَّذْرِ، وَلَا فِي الْيَمِينِ إنْ كَانَ فُلَانٌ أَجْنَبِيًّا، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (قَرِيبًا) لَلْمُلْتَزِمِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْصِيَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يَمْلِكُ شَرْعًا بِشِرَائِهِ مَثَلًا فَكَأَنَّهُ أَهْدَى ثَمَنَهُ بِخِلَافِ فُلَانٍ الْحُرِّ فَلَا يَمْلِكُ فَيُخَصُّ فُلَانٌ بِالْحُرِّ قَالَهُ سَالِمٌ، فَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَرُدَّ إنْ مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ (إنْ لَمْ يَلْفِظْ) نَاذِرٌ نَحْرَ فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْقَرِيبِ (بِالْهَدْيِ) فَإِنْ لَفَظَ بِهِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ نَحْرُهُ هَدْيًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ.

(أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ الْمُلْتَزِمُ نَحَرَ فُلَانٌ الْهَدْيَ فَإِنْ نَوَاهُ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ (أَوْ) لَمْ (يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) خَلِيلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَكَانًا مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي فِيهَا الْهَدْيُ وَهِيَ

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

مِنًى وَمَكَّةَ وَأَوْ بَعْدَ النَّفْيِ كَالْوَاوِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ نَفْيُ أَحَدِهَا الْمُبْهَمِ إلَّا بِنَفْيِهَا فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَعَدَمُ نِيَّةِ الْهَدْيِ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ نِيَّةُ حَقِيقَةِ النَّحْرِ وَعَدَمُ النِّيَّةِ وَالْمَشْهُورُ فِي الثَّانِيَةِ لُزُومُ الْهَدْيِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَالْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ قَضِيَّتُهُ مَعَ وَلَدِهِ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ ثُمَّ فُدِيَ لَا مَقَامُهُ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ الْمُتَّخَذِ مُصَلًّى، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِذِكْرِهِ أَوْ نِيَّتِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا نَوَى قَتْلَهُ وَلَوْ مَعَ ذِكْرِ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ مَحَلِّ ذَكَاةِ الْهَدْيِ فِيمَا يَظْهَرُ. فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ إنْ قَصَدَ الْهَدْيَ وَالْقُرْبَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِاتِّفَاقٍ، وَاخْتُلِفَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَالْمَشْهُورُ عَلَيْهِ هَدْيٌ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ حَقِيقِيَّةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْتِزَامِ هَدْيٍ. اهـ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ إلَخْ هَذَا الْفَرْقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُخْتَلٌّ مُنْزَلٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَأَصْلُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِهَا وَمَنْ قَالَ لِحُرٍّ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُهْدِيك إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَمَنْ قَالَ فَعَبْدُ فُلَانٍ أَوْ دَارُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ هَدْيٌ فَحَنِثَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَنَصُّ أَبِي الْحَسَنِ إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِحُرٍّ أَنَا أُهْدِيك وَقَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ هُوَ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَيَخْرُجُ عِوَضُهُ وَهُوَ قِيمَتُهُ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ مِلْكُهُ، وَلَا يَخْرُجُ عِوَضُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَدْيَ إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ. . اهـ. وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِلتُّونُسِيِّ فَكَانَ عَلَى " ز " ذَكَرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ بِأَنْ يَقُولَ فَإِنْ لَفَظَ بِالْهَدْيِ فِي الْحُرِّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، بِخِلَافِ إنْ لَفَظَ بِهِ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ، وَمَعَ هَذَا فَفِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ. الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ لَزِمَهُ الْهَدْيُ فِي الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيُّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيَّ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَخَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ بِالْقَرِيبِ لَكِنْ إنَّمَا فَصَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذِكْرِ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَنَحْوِهِ.

وَأَمَّا إذَا تَلَفَّظَ بِالْهَدْيِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ

ص: 128

وَالْأَحَبُّ حِينَئِذٍ كَنَذْرِ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ:

ــ

[منح الجليل]

وَالْأَجْنَبِيِّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ اُنْظُرْ طفى، وَقَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ تَبِعَ سَالِمٌ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا لَفَظَ بِالْهَدْيِ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يَلْفِظْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ " ز ". وَنَصُّ التَّوْضِيحِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ فُلَانًا فَالْمَشْهُورُ عَلَيْهِ هَدْيٌ. ابْنِ بَشِيرٍ إنْ قَصَدَ بِنَذْرِهِ الْمَعْصِيَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي عِمَارَةِ الذِّمَّةِ بِالْأَقَلِّ أَوْ بِالْأَكْثَرِ. خَلِيلٌ فَعَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ قَصَدَ الْهَدْيَ وَالْقُرْبَةَ لَزِمَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَاخْتُلِفَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَالْمَشْهُورُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ. اهـ. وَكَلَامُ " ز " آخِرًا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ الْحَطّ قَيَّدَ ابْنُ بَشِيرٍ مَسْأَلَةَ مَا إذَا ذَكَرَ الْهَدْيَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ الْمَعْصِيَةَ يَعْنِي ذَبْحَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ شَيْءٌ، وَتُقَيَّدُ بِهِ مَسْأَلَةُ نِيَّةِ الْهَدْيِ وَذِكْرُ الْمَقَامِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَارْتَضَى الْقَيْدَ فِي الشَّامِلِ وَأَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ الْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ هَذَا لِابْنِ هَارُونَ. ابْنُ فَرْحُونٍ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقَامُ الصَّلَاةِ.

(وَالْأَحَبُّ) أَيْ الْأَفْضَلُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَلْفِظُ بِالْهَدْيِ أَوْ يَنْوِيهِ أَوْ يَذْكُرُ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ يَنْوِيهِ. وَشَبَّهَ فِي الْأَحَبِّيَّةِ فَقَالَ (كَنَذْرِ الْهَدْيِ) الْمُطْلَقِ وَخَبَرُ الْأَحَبُّ (بَدَنَةٌ ثُمَّ) يَلِيهَا (بَقَرَةٌ) وَالْأَحَبُّ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ مُنْصَبٌّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ فَوَاجِبٌ بِقَيْدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَقَرَةِ فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ لَا سَبْعُ شِيَاهٍ لِأَنَّ هَذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ نَحْرِ فُلَانٍ وَمِنْ إفْرَادِهِ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ وَمَا سَبَقَ نَذْرُ بَدَنَةٍ بِلَفْظِهَا، فَإِذَا عَجَزَ

ص: 129

كَنَذْرِ الْحَفَاءِ أَوْ حَمْلَ فُلَانٍ إنْ نَوَى التَّعَبَ، وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجّ بِهِ بِلَا هَدْيٍ

ــ

[منح الجليل]

عَنْهَا لَزِمَهُ مَا يُقَارِبُهَا مِنْ الْبَقَرَةِ، أَوْ السَّبْعِ شِيَاهٍ.

وَشَبَّهَ فِي صِفَةِ الْهَدْيِ لَا فِي حُكْمِهِ فَقَالَ (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) بِالْمَدِّ وَإِهْمَالِ الْحَاءِ أَيْ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ بِلَا نَعْلٍ إذْ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ بِقَيْدِهِ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِي تَرْتِيبِهِ، وَأَمَّا فِي نَذْرِ الْحَفَاءِ فَالْهَدْيُ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ إنْ شَاءَ مُنْتَعِلًا وَإِنْ شَاءَ حَافِيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِي. . . إلَخْ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ، وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ الْمُقَدَّرِ دُخُولَهَا عَلَى الْحَفَاءِ الْحَبْوَ وَالزَّحْفَ وَالْقَهْقَرَى، وَحَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا ذَكَرَ فَيَمْشِي فِي نَذْرِ الْحَفَاءِ مُنْتَعِلًا إنْ شَاءَ وَفِي نَذْرِ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ، وَقَدْ «نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ الْقَهْقَرَى فَقَالَ مُرُوهُ لِيَمْشِ إلَى وَجْهِهِ» .

(أَوْ) نَذَرَ (حَمْلَ فُلَانٍ) عَلَى عُنُقِهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ (إنْ نَوَى التَّعَبَ) لِنَفْسِهِ بِحَمْلِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ هُوَ مَاشِيًا وَيُهْدِيَ نَدْبًا. وَقِيلَ وُجُوبًا، فَقَوْلُهُ الْآتِي بِلَا هَدْيٍ لَا يَرْجِعُ لِهَذَا، وَكَلَامُهُ لَا يُفِيدُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّعَبَ بِأَنْ نَوَى بِحَمْلِهِ إحْجَاجَهُ مَعَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ عَلَى مَا لِابْنِ يُونُسَ وَتَأَوَّلَ الْبَاجِيَّ الْمُوَطَّأَ

عَلَيْهِ (رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ) أَيْ فُلَانٌ إنْ رَضِيَ فَإِنْ أَبَى فَلَا شَيْءَ لَهُ وَحَجَّ هُوَ وَحْدَهُ (بِلَا هَدْيٍ) عَلَيْهِ فِيهِمَا، وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْ أُحِجُّهُ بِضَمِّ الْهَمْزِ وَإِلَّا لَزِمَهُ إحْجَاجُهُ فِي يَمِينٍ حَنِثَ فِيهَا كَمَا فِي الشَّامِلِ. وَكَذَا فِي نَذْرٍ كَمَا لِابْنِ الْمُنِيرِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه. وَنَصُّ الشَّامِلِ إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أُحِجُّهُ فَحَنِثَ أَحَجَّهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَأْبَى فَلَا شَيْءٍ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ بِهِ حَجَّ رَاكِبًا وَأَخَذَهُ فَلَوْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَمْلُ هَذَا الْعَمُودِ وَنَحْوُ لِمَلِكَةٍ قَاصِدًا بِهِ الْمَشَقَّةَ مَشَى فِي نُسُكٍ غَيْرَ حَامِلٍ شَيْئًا وَأَهْدَى، فَإِنْ رَكِبَ لِعَجْزِهِ فَهَدْيٌ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهِ رَكِبَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ فَلَوْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ أَيْ وَمِنْ غَيْرِ نَذْرٍ إذْ لَوْ قَالَهُ فِي نَذْرٍ لَزِمَهُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ أَفَادَهُ عب.

ص: 130

وَلَغَا: عَلَيَّ الْمَسِيرُ، وَالذَّهَابُ، وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ، وَمُطْلَقُ الْمَشْيِ، وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ؛

ــ

[منح الجليل]

الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ إنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَمَّا إذَا نَوَى إحْجَاجَهُ، فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَلْزَمُهُ حَجٌّ بَلْ يَدْفَعُ فَقَطْ إلَى الرَّحْلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَجِّ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَارَةً يَحُجُّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْمَشَقَّةَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ، وَتَارَةً يَحُجُّ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَحْدَهُ إذَا أَرَادَ حَمْلَهُ مِنْ مَالِهِ، وَتَارَةً يَحُجَّانِ جَمِيعًا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. ابْنُ عَاشِرٍ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ قَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ إنْ نَوَى إحْجَاجَهُ مِنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إحْجَاجُ الرَّجُلِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ حَمَلَ أَبُو عِمْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ رِوَايَةَ عَلِيٍّ عَلَى الْوِفَاقِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَبِهِ نَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ " ز " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَلَغَا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَطَلَ قَوْلُ الشَّخْصِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ (عَلَيَّ الْمَسِيرُ) إلَى مَكَّةَ إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا (وَالذَّهَابُ وَالرُّكُوبُ) وَالْإِتْيَانُ وَالِانْطِلَاقُ (لِمَكَّةَ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إتْيَانَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَأْتِيهَا رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، إنْ قُلْت مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهَا لَزِمَهُ وَالْمَسِيرُ وَالذَّهَابُ مُسَاوِيَانِ لَهُ فَمَا الْفَرْقُ؟ . قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا جَرَى بِلَفْظِ الْمَشْيِ وَإِنَّهُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ وَلَمْ يَرِدْ غَيْرُهُ فِيهَا.

(وَ) لَغَا (مُطْلَقُ الْمَشْيِ) أَيْ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِمَكَّةَ، وَلَا الْكَعْبَةِ بِلَفْظٍ، وَلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ (وَ) لَغَا قَوْلُهُ عَلَيَّ (مَشْيٌ لِمَسْجِدٍ) غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ لِجُلُوسٍ فِيهِ أَوْ قِرَاءَةٍ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (لِاعْتِكَافٍ) أَوْ صَلَاةٍ فِيهِ لِخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» ، وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ فَيُخَصُّ بِهَذَا. قَالَ الشَّارِحُ لَوْ قَالَ إتْيَانٌ أَيْ لَغَا إتْيَانٌ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ إتْيَانِهِ رَاكِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَمَ اللُّزُومِ فِيمَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ اللُّزُومُ وَهُوَ الْمَشْيُ، فَيُعْلَمُ عَدَمُ لُزُومِ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى.

ص: 131

إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا: فَقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا، وَمَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ، أَوْ إيلْيَاءَ: إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا، أَمْ يُسَمِّهِمَا؛ فَيَرْكَبُ. وَهَلْ إنْ كَانَ بِبَعْضِهَا، أَوْ إلَّا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلَ؟ خِلَافٌ،

ــ

[منح الجليل]

وَبِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْمَشْيِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (إلَّا) الْمَسْجِدَ (الْقَرِيبَ جِدًّا) مِنْ النَّاذِرِ بِأَنْ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ مَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِإِعْمَالِ الْمَطِيِّ وَشَدِّ الرَّحْلِ (فَقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا) الْمُدَوَّنَةِ فِي نَذْرِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ أَحَدُهُمَا لُزُومُ إتْيَانِهِ مَاشِيًا كَمَا فِي الشَّارِحِ وتت. الثَّانِي عَدَمُ لُزُومُ الْإِتْيَانِ وَيَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا نَذَرَ بِمَوْضِعِهِ كَنَاذِرِهِمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ.

(وَ) لَغَا (مَشْيٌ) وَأَوْلَى ذَهَابٌ وَمَسِيرٌ (لِلْمَدِينَةِ) عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (أَوْ) لِمَسْجِدِ (إيلْيَاءَ) فَلَا يَلْزَمُهُ ذَهَابُهُ لَهُمَا لَا مَاشِيًا، وَلَا رَاكِبًا وَهُوَ مَمْدُودٌ بِوَزْنِ كِبْرِيَاءَ مَعْنَاهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مُعَرَّبٌ، وَحُكِيَ قَصْرُهُ (إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً) فَإِنْ نَوَاهَا لَزِمَهُ إتْيَانُهُمَا وَلَوْ نَفْلًا وَإِنْ اخْتَصَّتْ الْمُضَاعَفَةُ بِالْفَرْضِ لِنِيَّتِهِ إقَامَتَهُ أَيَّامًا يَنْتَفِلُ فِيهَا فَيَتَضَمَّنُ الْفَرْضَ أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا (بِمَسْجِدَيْهِمَا) أَيْ الْمَدِينَةِ وَإِيلْيَاءَ (أَوْ يُسَمِّيهِمَا) أَيْ الْمَسْجِدَيْنِ لَا الْبَلَدَيْنِ، فَإِنْ نَوَى صَلَاةً فِيهِمَا أَوْ سَمَّاهُمَا لَزِمَهُ إتْيَانُهُمَا (فَيَرْكَبُ) إنْ شَاءَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّاهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا، أَوْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ نَفْلًا. إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْيِ لِهَذَيْنِ وَالْمَشْيِ لِمَكَّةَ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَشْيَ لِلْمَدِينَةِ مَثَلًا لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَالْمَشْيَ لِمَكَّةَ فِيهِ قُرْبَةٌ لِإِحْرَامِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَنَّهُ فِيهِ مُنَاسِبٌ لِعِبَادَةِ الْحَجِّ لِمَشْيِهِ فِي الْمَنَاسِكِ وَالصَّلَاةُ مُنَافِيَةٌ لِلْمَشْيِ.

(وَهَلْ) لُزُومُ إتْيَانِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ بِغَيْرِهَا بَلْ (وَإِنْ كَانَ) الْمُلْتَزِمُ (بِبَعْضِهَا) فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا (أَوْ) يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلَ) مِمَّا الْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْمَفْضُولِ فِيهِ (خِلَافٌ) فِي التَّشْهِيرِ. ابْنُ بَشِيرٍ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لُزُومُ إتْيَانِهِ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ أَفْضَلَ مِمَّا الْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَيْهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَوْ كَانَ

ص: 132

وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ.

ــ

[منح الجليل]

فِي أَحَدِهَا وَالْتَزَمَ الْآخَرَ لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَفْضُولًا. الْمَازِرِيُّ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ مَدَنِيٌّ أَوْ مَكِّيٌّ بِمَسْجِدِ إيلْيَاءَ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَالْعَكْسُ لَازِمٌ. وَقِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه يَلْزَمُ الْمَكِّيَّ مَا نَذَرَهُ بِمَسْجِدٍ صلى الله عليه وسلم لَا الْعَكْسُ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الْأَوْلَى إتْيَانُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. ابْنُ عَرَفَةَ مَا عَزَاهُ لِبَعْضِ شُيُوخِهِ هُوَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ.

(وَالْمَدِينَةُ) الْمُنَوَّرَةُ بِأَنْوَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَفْضَلُ) مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» نَقَلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مَكَّةُ أَفْضَلُ. ابْنُ عَرَفَةَ وَمَسْجِدُهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِ إيلْيَاءَ، وَفِي أَفْضَلِيَّةِ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْعَكْسُ الْمَشْهُورُ. وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ وَوَقَفَ الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَمَّهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَالسَّمَاءِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَيَلِيهِ الْكَعْبَةُ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا، وَبَاقِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِي مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَبَاقِي الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِي مَكَّةَ، وَلِمَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم حُكْمُ مَسْجِدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُمْ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ الْأَرْضُ أَفْضَلُ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ بِهَا.

(ثُمَّ) يَلِي الْمَدِينَةَ فِي الْفَضْلِ (مَكَّةُ) الْمُشَرَّفَةُ ثُمَّ يَلِي مَكَّةَ فِي الْفَضْلِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَنْسُوبَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَسْجِدِ قُبَاءَ وَمَسْجِدِ الْفَتْحِ وَمَسْجِدِ الْعِيدِ وَمَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.

(تَتِمَّةٌ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدِينَةِ «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَهِيدًا وَشَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَفِيهِ بُشْرَى لِلصَّابِرِ بِهَا بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

زَائِدَةٌ عَلَى شَفَاعَتِهِ وَشَهَادَتِهِ الْعَامَّتَيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ «مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ كُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَخَبَرُ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ بِهَا أَشْفَعُ لَهُ وَأَشْهَدُ لَهُ» . وَسُئِلَ عج هَلْ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ أَمْ تَرْكُهَا، وَهَلْ الْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عَدَمَ الْمُجَاوَرَةِ أَفْضَلُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه لَقَفْلٌ أَيْ الرُّجُوعُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِوَارِ، وَكَانَ الْإِمَامُ عُمَرُ رضي الله عنه يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقُفُولِ بَعْدَ الْحَجِّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا اسْتِوَاءُ دُخُولِ مَكَّةَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فِي الْفَضْلِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 134