الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نجد _ولله الحمد والمنة_ أحد إلا وقد دخل في الدين وأسلموا بعدما كانوا كفارا مشركين، فمن زعم أنهم بعد إسلامهم ودخولهم في هذا الدين لم يزالوا على الحالة الأولى من الكفر بالله والإشراك به وأنهم لم يسلموا، فهو أضل من حمار أهله.
وذكرنا أحوال أهل نجد من وقت الدرعية إلى وقتنا هذا في شأن البادية وغيرهم على التفصيل الذي ذكرناه فيها، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع فراجعه فيها.
عبارات الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في كفر البوادي هل ينطبق على من في زماننا
…
المسألة الثانية: فيما ذكره سليمان بن عبد الوهاب بأن البادية التي نحن نزعم إسلامهم أولا أنهم كفار، وكذا علماء أهل المجمعة وغيرهم هل هذا الكفر الذي أوقعه هذا الشيخ _رحمه الله_ ومن تبعه على بوادي زمانه يوقع على بوادي زماننا، ويطلق عليهم الكفر أم فيهم وفيهم أم لا؟
وماذا يقال فيهم؟ إلى آخر المسألة.
فالجواب: أن نقول ما ذكره الشيخ سليمان وعلماء أهل المجمعة وغيرهم من الكفر الذي أوقعه الشيخ على بوادي زمانه لا يوقع على بوادي أهل زماننا الذين التزموا بشرائع الإسلام الظاهرة وقاموا بها، فلا يطلق الكفر على جميعهم؛ لأن فيهم من قام به وصف الكفر الذي يخرجه من الملة، بل من قال به هذا الوصف فهو كافر، ومن لم يقم به هذا الوصف المخرج من الملة لا يكون كافرا، كما فصلنا ذلك وبيناه في المسألة الأولى التي أجبنا عنها أولا.
وأما قولك: وهل تكون حال العالم الذي لا يقول بكفرهم اليوم
كحال العلماء الذين اعترضوا على الشيخ محمد _رحمه الله_ أم لا؟
فنقول: لا تكون حال العالم اليوم الذي لا يقول بكفر من ظاهرة الإسلام من بوادي أهل نجد كحال من اعترض على الشيخ محمد _رحمه الله_ علمائهم وباديتهم ليس معهم من الإسلام شيء، بخلاف بوادي أهل زماننا، فإن فيهم المسلم، وفيهم من قام به وصف الكفر، فلا يجوز إطلاق الكفر على جميعهم، لما سنبينه _إن شاء الله تعالى_.
فإذا تحققت هذا وعرفته فاعلم أن مشايخ أهل الإسلام وإخوانهم من طلبة العلم الذين هم على طريقتهم هم الذين ساروا على منهاج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأخذوا بجميع أقواله في حاضرة أهل نجد وبواديهم، الذين كانوا في زمانه، فأخذوا بقوله في الموضع السادس الذي نقله من السيرة في بوادي أهل نجد، حيث قال بهم الوصف المكفر لهم بعد دعوتهم إلى توحيد الله وإقامة الحجة عليهم والإعذار والإنذار منهم، وأخذوا بقوله في الرسالة التي كتبها للشريف لما سأله عما يكفّر به الناس ويقاتلهم عليه وكذلك ما ذكره في رسالته إلى السويدي وأنه لا يكفر الناس بالعموم، وكذلك ما ذكره أولاده بعده في هذه المسائل، ونحن نسوق ما ذكروه.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشريف بعد أن ذكر ما يكفر الناس به، ويقاتلهم عليه مما هو معلوم عنه مشهور قال:"
وأما الكذب والبهتان مثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، و (1) نوجب الهجرة إلينا على من قدر أن يظهر دينه في بلده، وأنّا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل، وأمثال هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي (2) يصدون الناس به عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر أحمد البدوي، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ولم يقاتل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله، إلى آخر كلامه.
وهذا بخلاف ما عليه هؤلاء الجهال، فإنهم يكفرون الناس بالعموم، ويكفرون من لم يهاجر، كما هو معلوم مشهور عنهم لا ينكره إلا من هو مباهت في الحسيات، مكابر في الضروريات".
قال _رحمه الله_ في رسالته للسويدي البغدادي: "وما ذكرت أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، فيا عجبا! كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ وهل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟! إلى أن قال: وأما التكفير؛ فأنا أكفر من عرف التوحيد ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، وأكثر الأمة _ولله الحمد_ ليسوا كذلك". انتهى.
(1) في الأصل"أو" والتصحيح من"مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: ص43.
(2)
في الأصل"والذين" والمثبت من المصدر السابق.
فانظر _رحمك الله_ إلى ما قاله الشيخ _رحمه الله_ ثم انظر إلى ما يقوله هؤلاء الجهال، وهل كانوا على ما قاله الشيخ أم لا؟ يتبين لك أنهم يقولون بأهوائهم، ويفتون بآرائهم لا بما قاله أهل العلم.
وقال الشيخ حسين بن محمد بن عبد الوهاب وأخوه الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لما سئلا عن مسائل عديدة فأجابا عنها. ثم قالا:
"وأما المسألة الثامنة عشرة في أهل بلد بلغتهم هذه الدعوة، وأن بعضهم يقول: هذا الأمر حق، ولا غيّر منكرا، ولا أمر بالمعروف، ولا عادى ولا والى، ولا أقر أنه قبل هذه الدعوة على ضلال، وينكر على الموحدين إذا قالوا: تبرأنا من دين الآباء والأجداد، وبعضهم يكفر المسلمين جهارا، أو يسب هذا الدين ويقول: هو دين مسيلمة، والذي يقول: هذا أمر زين لا يمكنه يقوله جهارا. فما تقولون في هذه البلدة على هذه الحال مسلمين أم كفار؟ وما معنى قول الشيخ وغيره: إنا لا نكفر بالعموم؟ وما معنى العموم و (1) الخصوص؟ إلى آخره.
الجواب: أن أهل هذه البلد المذكورين إذا كانوا قد قاتت عليهم الحجة التي يكفر من خالفها حكمهم حكم الكفار، والمسلم الذي بين أظهرهم ولا يمكنه إظهار دينه تجب عليه الهجرة، إذا لم يكن ممن عذر الله، فإن لم يهاجر فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال".
(1) في الأصل:"عن" والمثبت من"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية": (1/43) .
والسامعون (1) كلام الشيخ في قوله: "إنا لا نكفر بالعموم". فالفرق بين العموم والخصوص ظاهر، فالتكفير بالعموم أن يكفر الناس كلهم عالمهم وجاهلهم ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه، وأما التكفير بالخصوص فهو أن لا يكفر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها.
وقد يحكم بأن أهل هذه القرية كفار، حكمهم حكم الكفار، ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه؛ لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذور في ترك الهجرة، أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون، كما قال تعالى في أهل مكة (في حال كفرهم) (2) :{وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الفتح: من الآية25) الآية، وقال تعالى:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} (النساء: من الآية75) .
وفي الصحيح عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: "كنت أنا وأمي من المستضعفين". انتهى.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين _رحمه الله_ بعد أن ذكر اختلاف العلماء وتنازعهم في التكفير، وقد سئل عن هذه المسألة فقال في آخر الجواب:
(1) في الأصل:"السامعين" والمثبت من"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية": (1/44) .
(2)
ما بين القوسين من"مجموعة الرسائل".
"وبالجملة فيجب على من نصح نفسه أن لا يتكلم في هذه المسألة، إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله فيه من أعظم أمور الدين، وقد كفينا بيان هذه المسألة كغيرها، بل حكمها في الجملة أظهر أحكام الدين، فالجواب علينا الاتباع وترك الابتداع، كما قال ابن مسعود _رضي الله عنه_: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".
وأيضا: فما تنازع العلماء في كونه كفرا فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفّروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم.
ومن العجب أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع ونحوهما لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله، بل يبحث عن كلام العلماء، ويفتي بما قالوه، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشدها خطرا على مجرد فهمه واستحسانه؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين، ويا محنته من تينك البليتين، ونسألك اللهم أن تهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".انتهى.
فانظر _رحمك الله تعالى_ إلى ما قاله هذا الإمام الذي هو من أجل علماء أهل الإسلام في وقته حيث قال:"وبالجملة فيجب على من نصح