الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من رجع إلى المكان الذي هاجر منه
…
فصل
المسألة الثالثة: الذي يظهر من البدو بعد ما نزل وبنى بيته ثمخرج إلى البادية، لكن على محبة الإسلام والمسلمين، وليس من نيته الرجوع، ما الذي يلحقه من الوعيد؟
الجواب: الذي هاجر من البدو وبنى بيته ثم خرج إلى البادية وليس من نيته الرجوع فهذا قد فعل كبيرة من الكبائر، وارتكب أمرا محرما، كما ذكر ذلك أهل العلم، ولا يخرجه ذلك من الملة، وله من الحقوق الإسلامية بقدر ما معه منها، فيحب ويوالي على ما التزمه من شرائع الإسلام، ويبغض ويعادى بقدر ما ارتكبه من فعل هذه الكبيرة، واستحق من الوعيد ما يستحقه فاعل الكبيرة من اللعنة، كما روى الطبراني من حديث جابر بن سمرة مرفوعا:"لعن الله من بدا بعد هجرته، إلا في الفتنة"(1) .
وما رواه النسائي عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: " لعن الله آكل الربا ومؤكله " الحديث، وفيه " والمرتد بعد هجرته أعرابيا " (2) . قال ابن الأثير في "النهاية": من رجع بعد هجرته إلى موضع من غير عذر يعدونه كالمرتد. انتهى من "الفتح".
(1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (5/254) رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم. اهـ
(2)
النسائي: (8/147) .
ومثله ما رواه البخاري عن سلمة بن الكوع أنه لما دخل على الحجاج، قال: يا ابن الأكوع ارتدتّ على عقبيك، تعربت؟ قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو (1) . انتهى.
وإذا كان المرتد بعد هجرته أعرابيا ملعونا من أجل خوف الجفا ونسيان العلم ولمصالح الإسلام والأعراب إذ ذاك أحسن حالا وأكمل عقولا؛ فكيف الحال بالأعراب الذين لم يتمكنوا من معرفة الدين ومعرفة شرائع الإسلام في هذه الأزمان؛ فهم أحق وأولى بهذه العقوبة.
وأما قول ابن الأثير: كل من رجع بعد هجرته إلى موضع من غير عذر يعدونه كالمرتد. فالمراد بهذه الردة: الردة الصغرى، التي لا تخرجه من الملة، بدليل ما تقدم من الأحاديث في الوعيد على من فعل ذلك باللعنة، وبما ذكره العماد ابن كثير في تفسيره على قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} (النساء:31) فقال: _رحمه الله_:
قال ابن أبي حاتم: ثنا احمد بن سنان، قال: ثنا أبو أحمد _يعني الزبيري_ ثنا علي بن صالح، عن عثمان بن المغيرة، عن مالك بن جرير، عن علي _رضي الله عنه_ قال:" الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والتعرب بعد
(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن من "صحيحه" _باب التعرب في الفتنة_ ومسلم في "صحيحه": (3/1486) كتاب الإمارة.
الهجرة" وذكر الحديث بتمامه (1) . انتهى. فذكر _رضي الله عنه_ أن التعرب بعد الهجرة من الكبائر.
وكلام السلف _رحمهم الله_ في هذه المسألة معروف مشهرو في كتب الحديث والتفسير، لا يخفى ذلك على من طلب الحق، ومقصوده اتباع سبيل المؤمنين، والله المستعان.
(1)"تفسير ابن كثير": (1/485) .