الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز بن عبد السلام
العزُّ بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء (1)، له مواقف حكيمة كثيرة في دعوته إلى اللَّه - تعالى -، فقد أزال بإنكاره الحكيم كثيراً من المنكرات، وباشر تبطيل بعضها بنفسه، ومن ذلك: إبطاله كثيراً من البدع المنتشرة: كصلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وبدعة دق المنبر بالسيف (2)، وحكمته في بيع الملوك الأرقاء وصرف ثمنهم في بيت مال المسلمين (3)، وذوده الحكيم عن أموال المسلمين، ومن ذلك أن السلطان وعساكره - عندما دهمت التتار البلاد عقب وقعة بغداد - استشاروا الشيخ فقال: اخرجوا وأنا أضمن لكم على اللَّه النصر. فقال السلطان: إن المال في خزانتي
(1) هو: عبد العزيز بن عبد السلام، ابن أبي القاسم، الشافعي، له مصنفات حسان، جمع علوماً كثيرة، وأفاد الطلبة، وولي خطابة دمشق، ثم سافر إلى مصر ودرس بها وخطب، وحكم، وأعز الله به الإسلام والمسلمين، فلقبه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد - تلميذه - بسلطان العلماء، وسيرته رضي الله عنه مملوءة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للملوك والسلاطين، فلم تأخذه في الله لومة لائم. ولد رضي الله عنه سنة 577هـ، أو 578هـ، وتوفي رضي الله عنه في عاشر جمادى الأولى، سنة 660هـ، وحضر جنازته السلطان الظاهر وخلق كثير رحمه الله.
انظر: البداية والنهاية، 13/ 235، وطبقات الشافعية لعبد الوهاب بن تقي الدين السبكي 5/ 80 - 12، والأعلام لخير الدين الزركلي، 4/ 102.
(2)
انظر: طبقات الشافعية للسبكي، 5/ 80 - 102.
(3)
انظر: المرجع السابق، 5/ 84، وصفحات مطوية من حياة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، لسليم بن عيد الهلالي، ص31.
قليل وأنا أريد أن أقترض من التجار، فقال الشيخ عز الدين: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقداً، وفرقته في الجيش، ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا. فأحضر السلطان والعسكر ما عندهم من ذلك وامتثلوا أمره فانتصروا بإذن اللَّه - تعالى - (1).
ومن أعظم مواقفه الحكيمة التي تجلت حكمته فيها في دعوته إلى اللَّه - تعالى - موقفه مع سلطان الديار المصرية: أيوب بن الكامل (2)، فقد دخل سلطان العلماء مرة إلى هذا السلطان في يوم عيد، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذت الأمراء تُقبِّل الأرض بين يديه، والعز بن عبد السلام يرى هذا الموكب العظيم، فالتفت رحمه الله إلى السلطان وناداه: يا أيوب! ما حجتك عند اللَّه إذا قال لك: ألم أُبوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟! فقال: هل جرى هذا؟ فقال العز: نعم الخانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون.
(1) انظر: طبقات الشافعية، 5/ 83.
(2)
هو الملك الصالح أيوب، ابن السلطان الملك الكامل محمد بن العادل، ولد سنة 603 بالقاهرة، وتوفي في ليلة النصف من شعبان سنة 647هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، 23/ 187 - 192.
فقال السلطان أيوب: يا سيدي! أنا ما عملته هذا من زمان أبي. فقال العزُّ: أنت من الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} (1)، فرسم السلطان بإبطال تلك الخانة ومنع بيع الخمور. ورجع العزُّ منتصراً، مسروراً؛ لتغيير هذا المنكر، وقال له بعض تلاميذه (الباجي): يا سيدي كيف الحال؟ فقال العز بن عبد السلام: يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه؛ لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه. فقال له: يا سيدي؟ أما خفته؟ فقال: واللَّه يا بني لقد استحضرت هيبة اللَّه – تعالى – فصار السلطان قدَّامي كالقط (2)!
اللَّه أكبر، ما أحكم هذا الموقف! الذي بسببه أُزيلت أم المنكرات، وأم الخبائث، مع ما أُزيل معها من المنكرات الأخرى، وانتشار الخير بين الناس.
فرحم اللَّه العز بن عبد السلام، وجزاه اللَّه خيراً، ورفع درجته.
(1) سورة الزخرف، الآية:22.
(2)
طبقات الشافعية، 5/ 81 – 82.