الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
-
منذ نهاية القرن الرابع الهجري بدأت عوامل الضعف والانحلال تدب في كيان الأمة الإسلامية، وتوالت عليهم المحن والنكبات، فتعرضوا لموجات التتار من الشرق، والحروب الصليبية من الغرب، وبقيت بلاد الشام حوالي قرنين من الزمان تحت حكم الأوربيين، فاحتل الصليبيون دمشق وما جاورها سنة 491هـ، وبيت المقدس سنة 492هـ، وظلت الحرب مستمرة بين المسلمين والإفرنج مدة طويلة، ثم احتل الإفرنج مدينة دمياط بمصر، وخرج التتار من أطراف الصين، فاحتلوا بلاد تركستان، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر، مثل سمرقند، وبخارى، وغيرهما، ثم عبرت طائفة منهم إلى خراسان، وإلى حد العراق، ثم تمكن التتار عام 657هـأو 656هـمن احتلال بغداد، وبذلك سقطت هيبة الخلافة الإسلامية، وانتهت الخلافة العباسية، وبعد ذلك احتل التتار بلاد الشام، ثم جاء بعد ذلك دور المماليك في القيادة الإسلامية (1).
ومن هذا يعلم أن شيخ الإسلام (2) ظهر في عصر قد اضطربت
(1) انظر: البداية والنهاية، 10/ 317، و11/ 98، 12/ 155، 12/ 156 - 332، 13/ 1 - 227، 14/ 2 - 173، والتاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، 6/ 5 - 345، 7/ 11 - 321، وشيخ الإسلام أحمد تقي الدين: جهاده ودعوته، للشيخ أحمد القطان ومحمد الزين، ص8.
(2)
هو شيخ الإسلام وحافظ الدنيا المجتهد في الأحكام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي، ولد بحران يوم الاثنين 10/ 3/661هـ، وتوفي رضي الله عنه ليلة الاثنين 20 من ذي القعدة 728هـ، انظر: الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص14، والبداية والنهاية، 14/ 135.
فيه السياسة والحكم، وظهرت فيه انحرافات في العادات والتقاليد والسلوك والحياة، واشتدت فيه غربة الإسلام، وتفرقت كلمة المسلمين، وظهرت الفرق المخالفة لما كان عليه السلف الصالح في العقائد والفروع، وخيَّم الجمود الفكري والتقليد الأعمى، فأثر في الجو العلمي، وظهرت فرق الشيعة، والصوفية المنحرفة، والقبورية، ونفاة الصفات: كالجهمية، والمعتزلة، والقدرية، وطغى علم الكلام والفلسفة حتى حلَاّ محل الكتاب والسنة لدى الأكثرية من المتعلمين في الاستدلال، هذا كله في داخل المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، مع تكالب أعدائه من الخارج، فحصل من البلاء ما اللَّه به عليم (1).
في هذا الجو المعتم عاش شيخ الإسلام، فكيف يعمل حتى يصلح هذه المفاسد ويظهر النور في هذه الظلمات؟ ما هو الموقف الحكيم الذي سلكه حتى أنار اللَّه به الطريق لهذا المجتمع وألزمهم بالكتاب والسنة والإجماع وعقيدة السلف الصالح الصافية النقية؟
وبالنظر في ذلك نجد أن الشيخ ‘ وقف مواقف حكيمة لإظهار علم الكتاب والسنة، وقمع أهل البدع والأهواء.
(1) انظر: من مشاهير المجددين في الإسلام للدكتور صالح بن فوزان، ص52.