الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: مع التأويل في سورة يوسف
قلنا إنّ التأويل ورد في سورة يوسف ثماني مرات من عدد مرات وروده السبع عشرة مرة في القرآن. أي: نصف مرات ورود التأويل في القرآن تقريبا كان في سورة يوسف.
ولعلّ الحكمة اللطيفة في هذا أنّ، سورة يوسف ذكرت قصة يوسف عليه الصلاة والسلام من بدايتها إلي نهايتها. حيث بدأت بالحديث عن رؤيا رآها يوسف عليه الصلاة والسلام في المنام وهو صغير، ثم تتابعت أحدث قصته عشرات السنين، مرّ فيها يوسف عليه السلام بكثير من العقبات والمفاجآت والتطورات، وختمت قصته في آخر آيات السورة، بتحقيق الرؤيا التي رآها وهو صغير، ووجودها في عالم الواقع! ثم إنّ الله خصّ يوسف عليه الصلاة والسلام بعلم «تأويل الأحاديث» ، وتعبير الرؤيا، وعرضت السورة أمثلة لرؤي وأحاديث أوّلها يوسف عليه السلام.
واللطيف في الأمر أن آيات سورة يوسف ذكرت لنا ثلاث رؤي منامية، وذكرت لنا تأويلها:
الرؤيا الأولي: رؤيا يوسف وهو صغير سجود الكواكب له.
الرؤيا الثانية: رؤيا كلّ من الشخصين السجينين، اللذين كانا مع يوسف عليه السلام، وتأويله لرؤيا كلّ منهما.
الرؤيا الثالثة: رؤيا الملك للبقرات السمان والعجاف، وتأويل يوسف لها.
فالسورة كلها تقوم علي تأويل الأحاديث، وتعبير الرؤي والمنامات، وتظهر علم يوسف الخاصّ بهذا التأويل.
نص الآيات:
1 -
لما رأي يوسف رؤياه وهو صغير، وأخبر أباه بها، طلب أبوه منه عدم إخبار أحد بها.
قال تعالى: وكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (1).
2 -
دخل يوسف عليه الصلاة والسلام مرحلة جديدة من أحداث قصته، حيث اشتراه عزيز مصر، وطلب من امرأته إكرام يوسف، وهذا تمهيد لإظهار علمه بتأويل الأحاديث.
قال تعالى: وكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ، ولِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، واللَّهُ غالِبٌ عَلي أَمْرِهِ، ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (2).
3 -
عند ما أدخل يوسف عليه السلام السجن ظلما، دخل معه السجن سجينان، ولما كانا في السجن، رأي كلّ منهما رؤيا، فطلبا من يوسف تأويلها:
قال تعالى: ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ، قالَ أَحَدُهُما: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً، وقالَ الْآخَرُ: إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً، تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ، نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ، إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (3).
4 -
أظهر يوسف عليه السلام للسجينين علمه بتأويل الاحاديث، واستشراف المستقبل، وأخبرهما أن الله علمه ذلك.
قال تعالى: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ، إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما، ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (4).
(1) سورة يوسف: 6.
(2)
سورة يوسف: 21.
(3)
سورة يوسف: 36.
(4)
سورة يوسف: 37.
5 -
بينما كان يوسف سجينا، رأي ملك مصر رؤيا مزعجة، فطلب من خبرائه ومستشاريه تعبيرها وتأويلها، فأخبروه أنها أضغاث أحلام، ولا علم لهم بتأويلها.
قال تعالى: وقالَ الْمَلِكُ: إِنِّي أَري سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ، يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ، وسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ، وأُخَرَ يابِساتٍ. يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ. قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (1).
6 -
لما رأي الشخص الخارج من السجن- وهو أحد حاشية الملك- عجز الملأ عن تعبير رؤيا الملك، تذكّر علم يوسف بتأويل الرؤيا، وطلب إرساله إلي يوسف، فأخبره بها، وأوّلها يوسف له.
قال تعالى: وقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما، وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ: أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ، وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ، وأُخَرَ يابِساتٍ (2).
7 -
في المشاهد الأخيرة من قصة يوسف عليه السلام، تحققت رؤياه التي رآها وهو صغير، وتأوّلت عمليا. فهو الآن عزيز مصر، وقد دخل عليه أبواه وإخوته الأحد عشر، وسجدوا كلهم له.
قال تعالى: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلي يُوسُفَ آوي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ، وقالَ: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ. ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً، وقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ. قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا (3).
8 -
ختم يوسف عليه الصلاة والسلام قصته التي تقوم علي علمه بتأويل الأحاديث، بشكره لله الذي علمه ذلك، وطلبه منه أن يميته علي الإسلام.
(1) سورة يوسف: 43 - 44.
(2)
سورة يوسف: 45 - 46.
(3)
سورة يوسف: 99 - 100.
قال تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ، وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً، وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (1).
خلاصة ذكر التأويل في سورة يوسف، أنّ المرات الثمانية التي ذكرت فيها مقسمة علي الرؤي الثلاثة:
رؤيا يوسف عليه السلام وعلمه بتأويل الأحاديث: أربع مرات.
رؤيا السجينين، وتأويل يوسف لها: مرتان.
رؤيا الملك، وتأويل يوسف لها: مرتان.
وننظر في هذه الرؤي الثلاثة، وتأويل يوسف لها، كلّ واحدة علي حدة، لنعرف المراد بالتأويل في هذه الرؤي.
تأويل رؤيا يوسف:
أراد الله إكرام يوسف عليه السلام وهو صغير، فأراه رؤيا ذات دلالة، رأي في منامه سجود أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له، ولم يفهم يوسف عليه السلام عن مغزي رؤياه شيئا لصغر سنه، ولكنّ والده يعقوب عليه السلام علم مغزي الرؤيا، وإشارتها إلي مستقبل إيماني زاهر ليوسف، فلفت نظره إلي هذا المستقبل، ودعاه إلي استشرافه.
قال تعالى: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلي إِخْوَتِكَ، فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً. إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ، ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وعَلي آلِ يَعْقُوبَ، كَما أَتَمَّها عَلي أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وإِسْحاقَ. إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (2).
(1) سورة يوسف: 101.
(2)
سورة يوسف: 4 - 6.
لقد استشف يعقوب النبيّ عليه السلام، من الرؤيا التي أراها الله لابنه الصغير، أنها دالة علي تخصيص الله ليوسف بعلم تعبير الرؤي، وتأويل الأحاديث.
والمراد بالأحاديث في قوله: ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ الرؤي التي يراها الراءون في منامهم، ولا أقول الأحلام التي يحلم بها النائمون، لأنّ الأحلام قد لا تكون صادقة، فقد تكون أضغاث أحلام، قائمة علي الكوابيس والهلوسات. أما الرؤي فهي إشارات من الله، لها إيحاءات ودلالات، ولها أبعاد واقعية حقيقية.
وسميت هذه الرؤي «أحاديث» لأنّ فيها معنى الحدوث.
قال الإمام الراغب في المفردات: «الحدوث: كون الشيء بعد أن لم يكن، عرضا كان ذلك أو جوهرا
…
ويقال لكلّ ما قرب عهده محدث، فعلا كان أو مقالا
…
والحديث: كلّ كلام يبلغ الإنسان ويصل إليه، من جهة السمع أو الوحي، في يقظته أو منامه
…
ومعنى قوله: وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: ما يحدّث به الإنسان في نومه
…
» (1).
وهذه الأحاديث المنامية التي تحدث للنائم أثناء نومه، ويحدّث هو بها تحتاج إلي تعبير وتأويل.
وتعبير الرؤيا هو تأويلها، أي: بيان بعدها الواقعي، وصورتها المادية الحسية في عالم الواقع.
وسمي تفسير الرؤيا تعبيرا. قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (2).
قال الراغب في معنى التعبير هنا: «أصل العبر: تجاوز من حال إلي
(1) المفردات: 222 - 223. باختصار.
(2)
سورة يوسف: 43.
حال. فأما العبور فيختص بتجاوز الماء.
والتعبير مختصّ بتعبير الرؤيا، وهو العابر من ظاهرها إلي باطنها: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ.
والتعبير أخصّ من التأويل. لأنّ التعبير لا يطلق إلا علي تعبير الرؤيا.
أما التأويل فيستعمل في تعبير الرؤيا وتأويلها، ويستعمل في غيرها» (1).
إنّ الذي يؤوّل الرؤيا ويعبرها، كأنه يعبر من ظاهرها الذي يراه النائم أثناء نومه، إلي باطنها، وهو صورتها الفعلية الواقعية، التي ستتحقّق لها في ما بعده في الواقع.
وهذا عبور وتجاوز منه، من ظاهرها المنامي، إلي باطنها الحقيقي الواقعي.
تعبير الرؤيا: عبور بها من الظاهر المنامي إلي الباطن الواقعي.
وتأويل الرؤيا: ردّ صورتها الظاهرية المنامية، إلي حقيقتها المادية الواقعية، ورجوع بها الي حقيقتها، وانتهاء بها إلي نهايتها الحسية، وبيان انطباقها علي الواقع، وذكر مآلها ومصيرها.
النائم في منامه يري رؤيا، وهذه الرؤيا وعد أو وعيد من الله، أو إشارة وتنبيه وإرشاد منه.
وهذا الوعد أو الوعيد نظري، ولا بد أن يكون له غاية مرادة منه، وواقع يتحقّق فيه، ونهاية فعلية ينتهي إليها.
فالمؤوّل عند ما يؤوّل الرؤيا يفهم إشارتها، ويعلم المراد منها، وعند ذلك يردّها إلي هذه الغاية الفعلية، ويذكر لصاحبها ما سيحدث له في المستقبل.
وتأويله النظري لها، وذكره لما ستكون عليه في المستقبل، وعد عد أو وعيد بما سيقع لصاحبها من أحداث.
(1) المفردات: 543
وبعد ذلك: تقع الأحداث حسب ما رأي الرائي في منامه، وحسب ما عبرها له المعبّر، وأوّلها له المأوّل. ويكون وقوع الأحداث فعلا هو تأويل لها، أو هو ردّ عمليّ للرؤيا من صورتها النظرية المنامية إلي غايتها المادية العملية.
كيف أوّلت رؤيا يوسف؟
فهم يعقوب عليه السلام إيحاء وإشارة رؤيا ابنه، وعبّرها له بأنّ الله سيجتبيه، ويعلمه تأويل الأحاديث وتعبير الرؤي، وردّ هذه الرؤي المنامية إلي غايتها المادية الواقعية الحقيقية.
لكن كيف سيكون ذلك؟ ومتي سيكون ذلك؟ وأين سيتمّ تأويل رؤيا يوسف؟ وما حقيقة سجود الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له؟
لم يقل يعقوب عليه السلام لابنه عن ذلك شيئا، ولعله لم يكن هو يعلم من تفاصيل ذلك شيئا، كما يبدو من تتابع مشاهد ولقطات قصة يوسف!! الله وحده هو الذي يعلم ذلك، وهو الذي يقدر الأشياء، ويرتب الأحداث، ويسوق الحوادث، لتصبّ في هذا الميدان، ويتحقّق بذلك مراده سبحانه.
سيسجد ليوسف عليه السلام أبواه وإخوته الأحد عشر! لذلك قدّر الله أن يتآمر عليه إخوته، وأن يلقوه في البئر، وأن تأتي القافلة إليه، وأن تحمله معها إلي مصر، وأن يشتريه عزيز مصر، وأن يعتبره فتي ورقيقا عنده، وأن يوصي به امرأته. وأن تراوده تلك المرأة عن نفسه، وأن يستعصم يوسف عليه السلام. وأن يتآمر عليه رجال الدولة. وأن يسجنوه مظلوما بضع سنين.
قدر الله أن يكون معه سجينان في السجن، وأراهما الله رؤيا، وعلم
يوسف تأويلها. وقدّر الله أن ينجو أحدهما، وأن يعود إلي حاشية الملك.
وقدّر الله أن يعجز رجال الملك عن تعبير وتأويل رؤياه، وعلم يوسف تعبيرها، وقذف الله في قلب الملك الإعجاب بيوسف، ومكّن له عند الملك، وسلمه الملك خزائن الأرض بقدر الله، وحكم يوسف مصر السنوات الخصبة والسنوات العجاف! وقدّر الله أن يأتي إخوته إليه- وهم لا يعلمون أنه يوسف- طالبين منه الطعام، وكاد الله ليوسف، ورتب مع إخوته ترتيبات خاصة، أدّت بهم إلي معرفته في النهاية، وأنّ عزيز مصر الذي يقفون أمامه الآن بذلة ومسكنة، هو أخوهم الصغير الذي وضعوه في البئر قبل عشرات السنين!!.
رتّب الله هذه الأحداث، وساق هذه الحوادث، بحكمته وقدره سبحانه، وأدّت في النهاية إلي تأويل رؤيا يوسف، التي رآها قبل عشرات السنين.
وجاء الله بإخوته وأبويه من بدو فلسطين إلي مقره في عاصمة مصر، ودخلوا عليه.
سجد ليوسف إخوته الأحد عشر، وسجد له أبوه وأمه.
وبذلك تمّ تأويل رؤيا يوسف: فالأحد عشر كوكبا الذين سجدوا له في المنام هم إخوته الأحد عشر، والشمس والقمر اللذان سجدا له في المنام هما أبوه وأمّه.
لقد كان سجود أبويه وإخوته له، بعد عشرات السنين من رؤياه تأويلا لتلك الرؤيا.
أي: كان تحقيقا عمليا للوعد الذي ساقه الله عن طريق تلك الرؤيا، وكان السجود الفعلي الواقعي بيانا لنهاية ومرجع ومآل تلك الرؤيا، وإظهارا لصورتها الفعلية الواقعية التي انتهت إليها، واستقرت عليها.
أليس هذا هو معنى التأويل الذي ذكرناه؟ ألم ينطبق علي هذا قول الراغب الأصفهاني في تعريفه للتأويل: «هو ردّ الشيء إلي غايته المرادة
منه، علما كان أو فعلا؟».
لذلك أعلن يوسف لأبيه عليهما السلام، عند ما سجدوا له فعلا، أنّ هذا هو تأويل رؤياه: وقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ، قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا، وقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ، وجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ، مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إِخْوَتِي. إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ، إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. (1).
هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ: هذا وقت بيان العاقبة والمآل والنهاية لرؤياي التي رأيتها قبل عشرات السنين. الآن تمّ تأويلها، عند ما تحققت صورتها العملية المادية! قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا: قد حقق لي ربي ما وعدني به في تلك الرؤيا، فقد وعدني فيها بإسجاد أبوي وإخوتي لي، ووعد الله نافذ، وخبر الله واقع محقق، فالآن حققه الله لي، ورأيت الصورة الفعلية النهائية لذلك الخبر النظري!!
يوسف يؤول رؤيا السجينين:
لما سجن يوسف عليه السلام ظلما، دخل معه السجن رجلان من حاشية الملك، غضب عليهما الملك فسجنهما، وهناك في السجن أنسا بيوسف وأعجبا به، ورأي كلّ منهما رؤيا، وطلبا من يوسف تأويلهما، فقدّم لهما عقيدته، وعرّفهما علي دينه وإيمانه، ثم قام بتأويل لكل واحد منهما رؤياه، وتحققت رؤياهما في عالم الواقع، كما أولهما لهما.
قال تعالى: ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ، قالَ أَحَدُهُما: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً. وقالَ الْآخَرُ: إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ، نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ، إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قالَ: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ
(1) سورة يوسف: 100.
إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما، ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي، إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (1).
وقال تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً، وأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ، فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ. وقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ. فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ. (2).
كانت رؤيا أحد السجينين: أنه رأي نفسه وهو يعصر خمرا.
وكانت رؤيا الآخر: أنه رأي نفسه يحمل خبزا فوق رأسه، وأن الطير تأتي تأكل منه، وهو علي رأسه.
وكان تأويل رؤيا السجين الأول: أنّ الملك سيفرج عنه، وسيخرجه من السجن، وسيعيده إلي خدمته، وسيعصر خمرا فعلا. ثم يسقيه الملك:
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً.
وكان تأويل رؤيا السجين الآخر: أن الملك سيغضب عليه، ولن يعفو عنه، بل سيأمر بقتله وإعدامه، وسيقتل فعلا، ويصلب، وتأتي الطير فتأكل من لحم رأسه: وأَمَّا الْآخَرُ: فَيُصْلَبُ، فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.
وقد وردت كلمة «تأويل» مرتين في هذه الآيات:
فبعد أن أخبره السجينان برؤياهما قالا له: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ، إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.
وردّ عليهما بالإشارة إلي علمه بالتأويل، فقال: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما، ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.
وفي قولهما له: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ ورد التعبير بالضمير المذكّر «الهاء»
(1) سورة يوسف: 36 - 37.
(2)
سورة يوسف: 41 - 42.
فقالا: «بتأويله» وليس: بتأويلها. مع أنّ الكلام عن الرؤيا، ويكون الضمير العائد علي الرؤيا مؤنثا.
والمراد: نبئنا بتأويل المنام، أو: نبئنا بتأويل الكلام الذي ذكرناه لك.
وتأويل الرؤيا هنا: هو ردّ الرؤيا المنامية إلي حقيقتها الواقعية، وبيان مصيرها ومآلها المادي، وذكر ما تنتهي إليه هذه الرؤيا، وتستقر عليه، في مستقبل حياة السجينين، وتحديد مدلولها العملي.
ولما ردّ عليهما يوسف عليه السلام أخبرهما بعلمه بتأويل الرؤيا، وطمأنهما إلي قيامه بذلك في أسرع وقت، ولكنه أراد أن يقدّم لهما دعوته، وأن يعرّفهما علي دينه، وأن يذكر لهما كفر قومهما، وأن يجعل هذا كله تمهيدا لتأويل الرؤيا.
فقال لهما: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما، ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.
ليس الكلام عن تأويل أصناف الطعام- كما فهم كثير من المفسرين- فأن يتوقع أصنافا معينة للطعام، ثم تأتي الأصناف كما توقعه وحدّده، ليس تأويلا للطعام، لأنّ المؤول، هو الذي يأتي بالطعام فعلا، وليس الذي توقعه، إنّ الذي يقدّمه ويأتي به هو الذي يحقق صورته المادية الحقيقية.
إنما أراد يوسف عليه السلام أن يطمئنهما علي تأويله لرؤياهما، وأن يؤكد لهما ذلك، فأخبرهما أنه سيقوم به بأقرب وقت، لكنه يريد أن يحدثهما قبل تأويل الرؤيا عن الإيمان والتوحيد والشرك.
قال لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه، ولا تصلكما وجبة الطعام القادمة المحددة، إلا أكون قد نبأتكما بتأويل المنام والكلام والخبر، قبل وصول ذلك الطعام إليكما.
والضمير في «بتأويله» يعود علي ما عاد عليه الضمير نفسه في قولهما له: «نبئنا بتأويله» . أي: نبأتكما بتأويل المنام والخبر والكلام، قبل أن يأتيكما ذلك الطعام.
هذا هو المعني، والله أعلم.
يوسف يؤول رؤيا الملك:
الرؤيا الثالثة في سورة يوسف، التي قام يوسف بتأويلها هي رؤيا الملك. فقد رأي الملك رؤيا، ثم طلب من الذين حوله تعبيرها، ولكنهم عجزوا عن ذلك، فتذكّر أحد رجال حاشية الملك، الذي كان سجينا مع يوسف، علم يوسف بتأويل الرؤيا، لأنه أوّل له رؤياه، فتحققت كما أوّلها، فطلب منهم إرساله إلي يوسف لتأويلها، ولما أخبره بها، قام يوسف بتأويلها.
قال تعالى: وقالَ الْمَلِكُ: إِنِّي أَري سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ، يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ، وسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ، وأُخَرَ يابِساتٍ، يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ. قالُوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ. وقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما، وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ: أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ، يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ، وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ، وأُخَرَ يابِساتٍ، لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَي النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ. قالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً، فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ، إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ، فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ، وفِيهِ يَعْصِرُونَ (1).
أراد الملك تأويل رؤياه. فقد رأي في منامه رؤيا، وهذه الرؤيا تشير
(1) سورة يوسف: 43 - 49.
إلي أحداث عملية فعلية ستحدث له ولقومه في المستقبل، فما هي هذه الأحداث؟، ومن سيقدر علي بيان انطباق المناظر المنامية التي رآها الملك علي الواقع؟ ومن سيقدر علي ردّ هذه المناظر إلي صورتها المادية الفعلية النهائية؟.
وهذا هو معنى التأويل، الذي يتحقق في ردّ الأمور النظرية إلي نهاياتها الواقعية، وتحديد مآلها ومصيرها الفعلي.
عجز رجال الملك وكهنته وسحرته عن تأويل رؤياه. وقالوا له:
أضغاث أحلام. وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
والأضغاث: جمع «ضغث» . وهي الأمور المختلطة المتشابكة المتداخلة.
ومعنى قولهم للملك: أضغاث أحلام: أنّ ما رأيته من تلك المناظر المنامية، إنما هي صور مختلطة، ولقطات متداخلة، وهي متشابكة في خيوطها وخطوطها وألوانها، بحيث يستحيل تحليلها وفصلها و «فرزها» وتفريغها، وتحديد كلّ صورة منها وتمييزها عن أخواتها.
ونظرا لما بين هذه الأحلام من تشابك واختلاط، فنحن لا نقدر علي فصلها، ولا علم لنا بتأويلها.
ومعنى قولهم: وما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ: أننا عاجزون عن بيان حقيقة هذه الأحلام، وعن تحديد مدلولها العملي، وعن ردّ مدلولها النظري إلي نهايته العملية، ومآله الواقعي.
إننا عالمون بتعبير الأحلام، ونقدر علي تحديد بعدها الفعلي، عند ما تكون أحلاما بسيطة، صورها ومناظرها منفصلة. أما عند ما تكون أضغاث أحلام متداخلة مختلطة متشابكة، فعلمنا عاجز عن تفريقها وفرزها وتفكيكها!!
ولما أقرّ الكهنة بعجزهم عن تأويل رؤيا الملك، تذكّر ذلك الرجل يوسف، وتذكّر علمه بتأويل الرؤيا، ذلك العلم الذي علمه إياه ربّه ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي، وهذا معناه أنه لن يعجز عن تأويل رؤيا الملك، وأنّ علمه الرباني سيقدر علي إزالة تداخلها، والقضاء علي اختلاطها، وفرزها وتفكيكها، وإدراك حقيقتها الفعلية، وردّها إلي نهايتها العملية، وتحديد بعدها المادي الحسي! لهذا خاطب قومه قائلا: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ.
وذهب إلي يوسف في سجنه، وقصّ عليه رؤيا الملك، وقدر يوسف علي إدراك حقيقة الرؤيا، وأزال ما فيها من ضغث وتداخل وتشابك واختلاط. وتمكّن من فرزها وتفكيكها.
عند ذلك تمكّن يوسف من ردّ هذه المناظر إلي حقيقتها المادية، وتحديد نهايتها الفعلية: إنها سبع سنوات غيث ورخاء وزرع وإنتاج، تعقبها سبع سنوات من القحط والمحل وانحباس الأمطار وهلاك الزروع. وبعد ذلك تأتي سنة خصب وغيث، وهي السنة الخامسة عشر من هذا الزمن!.
يوسف عالم بتأويل الأحاديث:
بعد ما عرفنا تأويل يوسف للرؤي الثلاثة: رؤياه، ورؤيا السجينين، ورؤيا الملك، نقف علي الحكمة من تكرار تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ثلاث مرات في سورة يوسف.
قال له أبوه يعقوب عن رؤياه: وكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ، ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (1).
وبعد ما استقر يوسف في بيت العزيز في مصر، قال الله:
(1) سورة يوسف: 6.
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ، ولِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، واللَّهُ غالِبٌ عَلي أَمْرِهِ، ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (1).
ولما تحققت رؤيا يوسف بعد عشرات السنين، وصار عزيز مصر، واجتمع شمله مع اخوته، جاءت خاتمة قصته بتوجهه إلي ربه بالشكر:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ، وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (2).
لماذا كررت تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ثلاث مرات في السورة؟
لقد عاش يوسف في منطقتين: في البدو من أرض فلسطين. ثم في مصر.
وسيكون انتقاله القسري إلي مصر تمهيدا لتدرّجه في مكانته في مصر، وسيبقي يرتقي بالتدريج، حتى يصل إلي أعلي مركز، وهو «العزيز» .
وبهذا تختم حياته عليه الصلاة والسلام.
قول يعقوب له: ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وعد نظري من الله- عن طريق أبيه عليه السلام وعد بتحقيق شيء في المستقبل، كأنه قال له: وسوف يعلمك ربّك من تأويل الأحاديث.
وكانت الخطوة الأولي من تحقيق هذا الوعد الرباني، أنّ الله قدّر أن يجري له ما جري، حتى يصير عبدا مملوكا في بيت عزيز مصر، وهناك يوصي به العزيز امرأته، ويقول لها أَكْرِمِي مَثْواهُ، عَسي أَنْ يَنْفَعَنا، أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً.
إن الله هو الذي ألهم عزيز مصر الاهتمام الخاصّ، بهذا العبد الفتي
(1) سورة يوسف: 21.
(2)
سورة يوسف: 101.
الرقيق الخاص! لماذا ألهم الله العزيز بذلك؟ ولماذا مكّن الله ليوسف في بيت العزيز؟
لتتحقق المرحلة الأولي، في الطريق التي سيقطعها يوسف، من خلال تأويل الأحاديث، وليتحقق وعد الله له بذلك في النهاية: وكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ، ولِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ.
واللام في «لنعلمه» للتعليل، أي: لبيان حكمة الله في تقدير ما جري ليوسف، حتى استقر في بيت العزيز! وكلمة «لنعلمه» وعد من الله بتعليم يوسف تأويل الأحاديث، هذا التأويل الذي سيصل به يوسف إلي أعلي مركز، وهو «عزيز مصر» .
وفعلا علم الله يوسف الرؤيا، وقام بتأويل رؤيا السجينين، الذي أوصله إلي تأويل رؤيا الملك، الذي قاده إلي مركز العزيز، حيث أدّي ذلك- بعد أحداث متتالية ومفاجآت مثيرة- إلي قدوم أهله إليه، وسجودهم بين يديه، وبذلك تحقق وعد الله، وتمّ تأويل رؤياه: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ، قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا.
وفي آخر الأمر، أعلن يوسف عليه السلام فضل الله عليه، واعترف بتعليم الله له، وصرّح بعلمه بتأويل الأحاديث: وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. ولهذا كانت معجزة يوسف عليه الصلاة والسلام تقوم علي علمه بتأويل الأحاديث، وتعبير الرؤي.
يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: وعد سيتحقق في المستقبل.
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: خطوة أولي علي طريق تحقيق الوعد.
وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: اعتراف صريح بتحقيق ذلك الوعد.
وحقق الله ليوسف ما وعد به، لأن الله لا يختلف الميعاد: واللَّهُ غالِبٌ عَلي أَمْرِهِ، ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.