الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع رئيس جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا لحضرة الأستاذ مندوب مجلة مصر الفتاة
(1)
أقامت جبهة الدفاع عن شمال أفريقيا التي يرأسها فضيلة الأستاذ محمد الخضر حسين مأدبة شاي في دار (الهداية الإسلامية)، وقد حضر الحفل كثير من حضرات إخواننا العرب المهتمين بالشؤون العربية، كما حضره الصحفيون، ويعض أعضاء مجلس النواب، وقد خطب في هذا الحفل حضرات الأساتذة: رئيس الجبهة، وأحمد السعدي، والفضيل الورتلاني، وأحمد الحصري "نائباً عن الأستاذ أحمد حسين رئيس مصر الفتاة)، والنائب المحترم محمد حنفي الشريف.
وقد دار الحديث بين فضيلة رئيس الجبهة ومندوينا عما يهم قضية شمال أفريقة ملخصاً في هذا الحديث:
س - يقول كثير من المتتبعين لشؤون السياسة: إن شمال إفريقيا خلق للاستعمار، فهو للآن لم يتخذ لنفسه خطة الدول التي تريد الحرية، ويضربون المثل لما حدث بعد هذه الحرب من انقيادهم لفرنسا رغم ضعفها، فما رأيكم؟
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الثّامن عشر الصادر في شعبان 1364 هـ - القاهرة.
ج - إذا صح أن يكون في الشعوب من خُلق للاستعمار، فإن شمال إفريقيا خلق غير هذا الخلق، وأول بلاد في شمال أفريقيا امتدت إليها يد الاستعمار بلاد الجزائر، وقد قام أهل الجزائر بما في أيديهم من سلاح، واستمروا في دفاع فرنسا نحو سبع عشرة سنة، إلى أن نفد ما عندهم من وسائل الدفاع، ولم يجدوا من غير أنفسهم مناصراً، فاضطروا لذلك الحين إلى ترك القتال، ولكنهم لم يستقروا على مسالمتها، أو يسكتوا عما تحاوله من إدماجهم في جنسيتها، بل كانت ثوراتهم عليها بالسلاح متواصلة، ولم تنقطع هذه الثورات، على شدة ما تقابلها به فرنسا من القتل والنفي والسجن، وآخرها هذه الثورة التي لا تزال أنباؤها تقرع الأسماع، وتشغل جانباً من الصحف الغربية والشرقية.
واحتلت فرنسا بعد الجزائر البلاد التونسية بمعاهدة أكرهت سمو الباي على توقيعها، وسمتها حماية، وعلى الرغم من أن الحكومة التونسية، وما تحت يدها من الجنود، لم يدخلوا في حزب فرنسا، قامت بعض المدن والقبائل في وجه الاحتلال بما لديهم من السلاح، واشتبكوا مع فرنسا في مواقع أعربوا بها عن عدم رضاهم بسلطان الأجنبي، وأشهدوا التاريخ على بطولتهم واستهانتهم بالموت في سبيل كرامتهم، ولم يترك التونسيون مقاومة الاستعمار، والسعي وراء استرداد حقوقهم المسلوبة، وكم لاقى زعماء تلك الحركات من سجن واعتقال، وعزل من الوظائف، ونفي في أقصى القطر وخارجه!.
واحتلت فرنسا بعد هذا المغرب الأقصى (مراكش) بمعاهدة أمضاها السلطان عبد الحفيظ، وسميت هذه المعاهدة: حماية، ولكن الأمة المراكشية لم تسكن لهذا الاحتلال، وقام فيها زعماء وأحزاب بجهاد، تعرضوا به للعسف
والتنكيل، وما زال الاحتلال الأجنبي يلاقي منهم الثورات والمجابهة بطلب الاستقلال إلى هذا العهد الأخير.
ونحن لا ندري متى بقيت فرنسا الضعيفة وحدها في شمال أفريقيا، والواقع أنها عندما انهزمت في أوائل الحرب، وقفت بجانبها في شمال أفريقيا ألمانيا، وعندما انهزمت ألمانيا، وقفت بجانبها الدول المتحالفة.
س - هل تنوون أن ترسلوا وفداً إلى أمريكا ولندن وموسكو يتكلم باسم جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية؟
ج - تود الجبهة لو أنها تتمكن من إرسال وفد إلى تلك العواصم، ولكن ظروفها المالية لا تساعدها على القيام بهذا العمل الذي يرجى نفعه، والحواجز - التي تقيمها حكومة الاحتلال حول شمال أفريقيا - تمنع من أن يصل إلى الجبهة مدد من تلك الشعوب، وإن كانوا يتلقون ما تقوم به الجبهة من جهاد في سبيل قضيتهم بارتياح ونشاط.
س - إلى الآن لم تحاولوا أن تبرزوا أي نشاط إِلا نشاطكم في إرسال البرقيات لرئيس الوزارة في مصر ولندن.
ج - نشأت الجبهة منذ تسعة أشهر، وقامت بأعمال هي أقصى ما يمكن لجماعة تأخذ بالحزم، وتسير إلى هدفها في يقظة، أن تقوم به. ذلك أنها نبهت الجالية العربية، وكان كثير منهم في غفلة عن حقوق أوطانهم، وجمعت شملهم على المطالبة، ثم حررت مذكرات في أحوال تلك الأقطار الثّلاثة: تونس، والجزائر، ومراكش، أشارت فيها إلى ما تقاسيه من اضطهاد وعدوان، وأخذت تتصل برؤساء الحكومات العربية، وفي مقدمتهم الحكومة المصرية، وتشرح لهم قضية شمال أفريقيا، ولم تدع فرصة تمر حتى تظهر فيها بخدمة
القضية، وبرقياتها الكثيرة التي أشرتم إليها في سؤالكم، ويعمل رجال الجبهة على الاتصال بكل الشخصيات الذين تبهمهم قضايا العالم الإسلامي والعربي؛ كبعض زعماء الأحؤاب في مصر وغيرها.
س - هل تعلقون على الجامعة العربية أملاً في حل قضية الشمال أفريقيا؟
ج - في جامعة الدول العربية رجال التقينا بهم، وعرفنا فيهم العناية بشؤون الشعوب العربية، والحرص على استقلالها سياسة وثقافة واقتصاداً، ووجدنا فيهم عطفاً على قضية شمال أفريقيا، وهم مقتنعون -فيما نفهم- بأن جامعة الدول العربية لا يتم تكوينها التكوين الذي يكسبها القوة والمهابة المنشودتين، حتى نرى الشعوب العربية في شمال أفريقيا متصلة بها اتصال الكف بالمعصم، ومساعدة لها مساعدة الجناح في الطيران للجناح.
فما عرفناه في رجال الجامعة، وما اشتمل عليه ميثاقها من أنها ستعنى بشؤون العرب قاطبة، بعثا في نفوسنا شيئاً غير قليل من الأمل في أن الجامعة ستجعل نصيباً من مجهوداتها لشعوب شمال أفريقيا، التي تنظر أن ترى من الجامعة اتجاهاً خاصاً يزيدهم نشاطاً في حركاتهم الوطنية، وسعيهم في تأكيد الصلة بينهم وبين سائر الشعوب العربية.
أحمد الحصري