الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداء وبيان من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية
(1)
لشمال أفريقيا: تونس، والجزائر، ومراكش صحائف يعرضها التاريخ مشرقة بالأعمال التي رفعت لواء الإسلام والعلّم والمدنية، وقد أنبتت تلك الأقطار رجالاً كبرت هممهم، واشتدت عزائمهم، وأصبحوا مُثلاً عليا في الفتح العادل، والعلّم الراسخ، والخلق الكامل، والسياسة الرشيدة، وما زالت تلك الأقطار تتمتع بحريتها، وتعتز بدينها، وتغتبط بمجد أسلافها، حتى هجم عليها بغاة الاستعمار من الفرنسيين، فغلبوها على أمرها، وعملوا على تبديل عرتها ذلة، وكرامتها مهانة، وأصبحت لا ترى منهم إِلا طغاة يسومونها سوء العذاب، ويعملون على أن يقلبوها من قوميتها العربية إلى الجنسية الفرنسية، ومن دين الاسلام إلى نصرانية محرفة، بعد أن حولوا كثيراً من مساجدها إلى كنائس وثكنات لجيوشهم، وحاربوا لغة القرآن الكريم بكل قسوة، ويبذلون ما استطاعوا في أن تعيش تلك الشعوب في جهل مظلم، وفقر مدقع، وتفرق لا يلتقي معه أخ مع أخ في تعاون على خير.
يفعلون هذا وقد كتموا أنفاسها، وجعلوا بينها وبين سائر البلاد -إِلا بلاد فرنسا- سدوداً يصعب على أبنائها أن يقتحموها، وينفذوا منها إلى
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثالث من المجلد الثامن عشر الصادر فى رمضان 1364 هـ - القاهرة.
مواطن يرفعون فيها أصواتهم بالشكوى، ويصفون تلك الكوارث التي يصبها الاحتلال الفرنسي على رؤوسهم صباحاً ومساء، ولكن أهالي تلك الأقطار، وهم يتجرعون مرارة الاحتلال الغاشم، لا يزدادون إِلا شعوراً بحقوقهم الوطنية، وطموحاً إلى حياتهم الاستقلالية، ويابون أن يعيشوا تحت راية أجنبية إباء لا يزال يدفعهم إلى السعي وراء حريتهم وسيادتهم بكل ما استطاعوا من قوة.
وقد يضيق هذا البيان عن ذكر جهادهم، وما كانوا يلاقونه من العسف منذ أنشب الاحتلال الفرنسي والإسباني مخالبه بأوطانهم، وها هم أولاء قد نهضوا اليوم للمطالبة بحقوقهم الوطنية والقومية والمالية، آخذين في مطالبتهم بالطرق المشروعة، معتمدين على قوة حقهم، والتضحية في سبيله بكل عزيز لديهم، ولا يضيع عمل من يجاهد في سعبيل الحق، ولكن فرنسا -كإسبانيا- لا تتعرف في مخاطبة الشعوب الضعيفة إِلا لغة النار والحديد، فلما رأتهم واقفين أمامها موقف المجد في جهاده، الباذل في سبيل حريته كل ما يعز عليه من نفس أو مال، لم تتريث أن أسرعت إلى ما عندها من قوة الطائرات والدبابات والمدافع في البرّ والبحر، وظلت ترسل على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان وابلاً من مقذوفاته الساحقة، لا تأخذها بهم رأفة، ولا ترعى لمناصرتهم لها على أعدائها، ومحاربتهم بجانبها عهداً.
وإن ما ارتكبته هنالك من فظائع التنكيل والتقتيل، لمما زاد الوطنيين حماسة لقضيتهم، وقوى اتجاههم إلى العمل لتحرير أوطانهم، وقد عرف صدق عزيمتهم جاليات في مصر من أبناء تلك البلاد، فأنشؤوا جبهة تدعى:"جبهة الدفاع عن أفريقية الشمالية"؛ لتكون عوناً لتلك الشعوب على بسط قضيتهم للعالم الإسلامي، وتتولى الدفاع عنها بيقظة وحزم، وتعمل لهز
العواطف النبيلة في نفوس الأمم الإسلامية؛ حتى يشدوا أزرنا في العمل لتحرير وإسعاد خمسة وعشرين مليوناً من العرب المسلمين، وإنقاذهم من الاندماج في الجنسية الفرنسية، وانقلابهم إلى الديانة النصرانية، وهما الغرضان اللذان تعمل لهما فرنسا ليلها ونهارها، كما علمت لهما إسبانيا في الأندلس من قبل.
فالفرنسيون بشمال أفريقيا -كالإسبانيين- يسيئون إلى الإنسانية والعروبة والإسلام بالاعتداء على أموال تلك الشعوب وأعراضهم ودينهم، وتقتيل عشرات الآلاف منهم، واعتقال عشرات الآلاف من الذين قاموا يطالبون بحقوقهم، ويريدون أن يختفظوا بكيانهم، ثم لا يدخر الفرنسيون وسعاً في العمل لسلخهم من العالم الإسلامي والعربي، وغمسهم في الجنسية الفرنسية.
فجبهة الدفاع عن أفريقية الشمالية بمصر تؤمل من المسلمين في كل بقاع الأرض، أن يغيثوا إخوانهم في تلك البلاد، كلٌّ بما يستطيع. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. اللهم اشهد، فإننا قد بلّغنا.
رئيس الجبهة
محمّد الخضر حسين