المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌صرخة المغرب (1) يصرخ المغربُ غيظاً واحتراقاً … صرخة الناهض للموت - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٩/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(16)«جَبْهةُ الدِّفَاعِ عن إفْرِيقيَا الشَّمَالِيَّة»

- ‌المقدمة

- ‌الحرية في الإسلام

- ‌في معتقل جمال السفاح بدمشق

- ‌جهاد الإمام في برلين

- ‌جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية

- ‌جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

- ‌ هيئة المكتب

- ‌الأعضاء

- ‌مفوضين

- ‌مستشارين

- ‌الإمام محمد الخضر حسين والرئيس الحبيب بورقيبة

- ‌جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

- ‌مع رئيس جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا لحضرة الأستاذ مندوب مجلة مصر الفتاة

- ‌نداء وبيان من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

- ‌مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى مؤتمر جامعة الدول العربية

- ‌إلى هيئة الأمم المتحدة

- ‌المستعمرين هم أعداء الحرية

- ‌أساليب الاستعمار الفرنسي في شمال إفريقيا

- ‌مذكرة مرفوعة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود عند زيارته مصر

- ‌مصير شمال إفريقيا إلى الحرية والاستقلال

- ‌الجهاد لإفريقيا الشمالية

- ‌مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى الجامعة العربية

- ‌ألف قتيل مراكشي في الدار البيضاء تجريد الجنود المراكشيين والشرطة من سلاحهم

- ‌لائحة المؤتمر الوطني التونسي

- ‌سياسة فرنسا في تونس من نشرة أصدرتها جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

- ‌صرخة المغرب

- ‌الإمام محمد الخضر حسين قدوة الأفاضل من التونسيين

- ‌خطبة الأستاذ محمد الخضر حسين في دار جمعية الهداية الإسلامية في الاجتماع الذي عقد لذكرى مرور عام على الظهير البربري

- ‌قانون جمعية تعاون جاليات إفريقيا الشمالية: طرابلس، وتونس، والجزائر، ومراكش

الفصل: ‌ ‌صرخة المغرب (1) يصرخ المغربُ غيظاً واحتراقاً … صرخة الناهض للموت

‌صرخة المغرب

(1)

يصرخ المغربُ غيظاً واحتراقاً

صرخة الناهض للموت اشتياقا

لا تلوموه إذا خاض الوغى

ورأيتم دمه الغضَّ مراقا

هو يلتذُّ الردى إذ يسكب الضيـ

ـم في أكؤسه، ماء زُعاقا (2)

* * *

أوفد الشرق رجالاً طبقوا

أرضه رشداً وعلماً ووفاقا

فانبرى يسمو بجنب الشرق في

همم تستشرف (3) السبع الطِّباقا

شاد بالعرفان والعدل علاً

عقدت من أدب الدين نِطاقا

واقتنى للذود عن ساحتها

مرهفات البيض والخيل العِتاقا

وجرى الإصلاح في آفاقه

نازفاً (4) أسقامه حتى أفاقا (5)

(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزآن الأول والثاني من المجلد التاسع عشر الصادر في رجب وشعبان 1365 هـ - القاهرة.

(2)

مر لا يطاق شربه.

(3)

استشرف الشيء: رفع رأسه ينظر إليه.

(4)

مزيلاً، من نزف ماء البئر: إذا نزحه كله.

(5)

أفاق من مرضه، ورجعت الصحة له.

ص: 83

يحسب الوافد بدءاً أنه

جاء أرض الشام، أو وافى العراقا

أمةٌ أودعت التاريخ ما

بهر الأحفاد من فخر وراقا

وصل الأحفاد مجداً تالداً

بطريف فازدهى المجد اتساقا

راعهم جند غريحب حلَّ في

أرضهم يخترق البيض الرقاقا

حسب البغي عليهم خمرة

فتعاطاه اصطباحاً واغتباقا

ذكروا عهد العلا، والحر من

يذكر العهد حفاظاً وصداقا

نهضوا نهض أسودِ الغاب لا

يعرفون الدهر للذعر مذاقا

ظلت الحرب سِجالاً حقبةً

لم ينم فيها الفريقان فُواقا (1)

أي حرب وضعت أوزارها

أيّ أمن مد في الأرض رُواقا

بين أيد أمعنت في عسفها

وقلوب ملئت منها حناقا (2)

* * *

يسفك الباغي دماءً ذنبها

أنها تغلي إذا شد الخناقا

وطغى في الأرض حتى إنه

همَّ بالدين خسوفاً أو محاقا

ينصب الأشراك كي يصرف عن

حكمة الله قلوباً وحِداقا

لاذ بالتجنيس (3) والقوم أبوا

خوف أن يصلوا به النار الحراقا (4)

وبنو المغرب عرب شيماً

ولساناً لا ادعاءً واختلاقا

(1) الفترة بين الحلبتين.

(2)

جمع حنق، وهو الغيظ الشديد.

(3)

فتح باب التجنس بالجنسية الفرنسية.

(4)

التي لا تبقي على شيء.

ص: 84

شاد دون الشرق سداً فغدا

وصل ما بين الشقيقين افتراقا

يلدع الأكباد بالمرِّ وقد

يلمس الآذان بالحلو نفاقا

أمة أعهدها تحنو على

سانح الآراء تبغيه عتاقا (1)

فاسألوا أقلامها ما خطبها

تتمشى في القراطيس رقاقا (2)

أيها الدائب في تثبيطها

وشعوب دونها حازوا السباقا

قوض السد الذي شيدته

قبل أن يجتابه (3) القوم اختراقا

خذ إلى صدرك كفيك ودع

خيلها تعدو إلى المجد انطلاقا

وقل الفصل إذا حدثتها

فالرياء اليوم لا يلقى نَفاقا

أنت تبغيها خمولاً اذا

أهبت للصيت (4) ضاعفت الوثاقا

من عذيري إن أنا مجدتها

يوم تجتاح قيوداً ورياقا (5)

محمد الخصر حسين

(1) تطلب له الحرية.

(2)

جمع رقيق: ضد الحر.

(3)

يقطعه.

(4)

أهبت: أخذت الأُهبة. والصيت: الذكر الحسن

(5)

جمع ريق، هو الحبل فيه عدة عرى يشد به البهم.

ص: 85

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

في يوم 12 مايو 1948 م يكون قد مرّ على احتلال فرنسا للبلاد التونسية 67 عاماً. ولقد رأينا لهذه المناسبة والذكرى المؤلمة التي تعيد لأذهاننا تلك الظروف السوداء التي فقدنا فيها استقلالنا كدولة، وحريتنا وكرامتنا كأمة، أن نقدم للعالم صورة مصغرة للاستعمار الفرنسي في هذه البلاد، التي فرضت عليها فرنسا حمايتها بالقوة المسلحة، وقضت على استقلالها بالحديد والنار، وانتزعت من الشعب التونسي وحكومته كل سلطة له في بلاده، ومنصب للحكم، ومصدر للنفوذ، كما اغتصبت منه موارد الثروة، وأقفلت في وجهه سبل الحضارة والرقي، ومنعته من الاستنارة بنور العلم والمدنية، وأسلمته للفقر والمرض والجهل والجوع، وقرنت حياته كلها بالعسف والنكال، وتلك هي رسالة الاستعمار في العالم منذ نشأ وإلى الآن، كيفما كان مأتاه وجنس القائمين عليه، وإذا اختلف، فإنما يختلف في الوسيلة والأسلوب، لا في الغاية التي يدفع إليها بالمستضعفين.

فلونٌ من الاستعمار يرمي إلى الإبقاء على عبيده واستغلالهم، واستثمار

(1) نثرت هذه المذكرة كمقدمة في رسالة صغيرة الحجم تحت عنوان: "تونس 67 عاماً تحت الاحتلال الفرنساوي" 1881 - 1948 م ". صدرت عن مكتب الدعاية والنشر للجبهة - المركز العام: شارع مجلس النواب 29 القاهرة.

ص: 86

أوطانهم بواسطتهم، والانتفاع بخيراتهم دونهم، ولون آخر يريد بعد كل ذلك إفناء المستعبدين فيه، وإبادتهم كجنس قائم بذاته له مكانه في هذا الوجود، وهذا ما تعانيه أفريقيا الشمالية من الاستعمار اللاتيني القاسي الذي يبيد الأمم، ويقضي على معنوياتها ومشخصاتها، حتى تمتزج بجنسه، وتذوب فيه، وعندها يأمن أن لا تعود إلى الوجود، فتطالب بوطنها الذي ألحق بوطنه، وصيّره إلى الأبد من ضمن أملاكه.

فالأمم التي تعاني الاستعمار الفرنسي وأمثاله، إنما تواجه سياسة فناء وإبادة، وخطر انقراض وزوال، سياسة تحارب الأمم في لغتها وعقيدتها وتقاليدها وأخلاقها، وفي سلطانها ومصادر ثروتها، تحاربها بكل الوسائل، وفي كل الجهات، وعلى توالي السنين بدون هوادة ولا انقطاع. والاستعمار منذ وجد لم يكن إِلا حرابة: إجراماً، وسلسلة من الآثام تلطخت بها الكرامة الإنسانية، وحملت تبعاتها البشرية، ولم يعد لأنصار الاستعمار بعد أن امتلأت صفحات تاريخه بدماء ضحاياه ودموع مظلوميه أن يقولوا: إنه وسيلة تمدينية، وقد أثار في ما بين المستعمرين أنفسهم حروباً دمرت مدنية أجيال، وحطمت نتاج العقل الإنساني، ومعالم الحضارة التي اشتركت في بنائها الأمم منذ أحقاب، ومع ذلك، فإن الكمال الإنساني لم يصل بعد إلى درجة التضامن لإزالة هذا الإجرام العام، وتحويل الذين يبنون سعادتهم من شقاء الغير إلى الارتزاق من طرق مشروعة، وأوفر شرفاً من استرقاق البشر، وتسخيره، واغتصاب ممتلكاته لبناء العظمة المادية، وتكوين الثروة، وجمع القوة وتوجيهها للشر المحض بدلاً من أن توجه لرفع المستوى الإنساني إلى أرقى معارج الكمال.

ص: 87

إننا نضع هذه الحقائق أمام العالم المتمدن، عسى أن ينتبه ضميره، ويشعر بمسؤوليته، خصوصاً الدول التي قطعت على نفسها وعوداً بذلك، وقالت عن الحرب الأولى والثّانية: إنها حرب الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، واشترك فيها -بناء على ذلك- المستضعفون بأوفر قسط من التضحيات، تضحيات الأرواح والأموال والجهود التي ضمنت النصر، وأنقذت الموقف في كثير من الفترات الحرجة، هذه الأمم تتطلب إنجاز الوعود التي قطعت لها أثناء حربين، والالتزامات التي أمضيت من طرف أنصار الحرية ورجال الديمقراطية بإزالة نظام الرق الاستعماري الفظيع؛ فإن العالم يوشك أن يصلى نار حرب ثالثة، ينادي هؤلاء المستضعفون لخوض غمارها باسم الحرية وحقوق الانسان، فلا يستجيبون، فإنهم إذا لم تعط لهم حقوقهم من الآن، وترد إليهم حريتهم، ويصبحون وبأيديهم حق يدافعون عنه، وكرامة إنسانية يفدونها بالمهج والأرواح، ويذودون عنها، ومثل عليا تهون عليهم في سبيلها التضحيات، إنهم إذا لم يعط لهم ذلك، لا يمكن أن يثقوا بوعود قطعت لهم مرتين، والتزامات وثقوا بها أثناء حربين، ثم هم لم يخرجوا من حرب الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان إِلا إلى العبودية والعسف والامتهان.

إن العالم لا يخلو من رسل الخير، ومثل الإنسانية الكاملة، وإنا نتوجه إلى هؤلاء بالنداء في كل أمة، ليتعاونوا على إزالة الشر، ومحاربة الظلم، والقضاء على جريمة الاستعمار، وإراحة العالم من أخطارها الوبيلة، وتبعاتها الملوثة للشرف الإنساني، المحطمة للمثل الأخلاقية العليا، التي يتجه العالم إليها اليوم لإخراج أمة موحدة، وعالم مجتمع في الخير والسعادة والسلام.

ص: 88