الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في معتقل جمال السفاح بدمشق
صفحة أخرى من صفحات الجهاد الإسلامي التي نقرؤها في سجل حياة الإمام محمد الخضر حسين، حين وجد نفسه بين يدي السفاح التركي جمال باشا في مدينة دمشق. واعتقل في شهر رمضان سنة 1334 هـ (15 أوت آب 1916 م) حتى 4 ربيع الثاني 1355 هـ (29 جانفي كانون الثاني 1917 م)، وجرت محاكمته أمام المجلس العرفي العسكري، برئاسة فخري باشا، وطلب المدعي العام من هيئة المحكمة إنزال عقوبة الإعدام بالإمام بحجة "أني حضرت مجلساً أخذ فيه بعض المحامين يخوض في سياسة الدولة بعبارات جافية، حتى استفتى في نكث العهد من طاعتها، فأخذت أكافحه بالحجة، وأقاومه بالموعظة وضرب المثل، كما شهد بذلك الشيخ صالح الرافعي"(1). وقد سعى المحامي إلى تأسيس جمعية تدعو إلى الانفصال عن الدولة العثمانية، والخروج عنها، ثم إن إدارة البوليس "رأتني مسؤولاً
(1) جريدة "لسان الشعب" التونسية - العدد 113 الصادر بتاريخ 16 صفر 1342 هـ الموافق 26 سبتمبر أيلول 1923 م. من رسالة بعث بها الإمام إلى صديق له في تونس، رداً على ما ورد في مجلة (البدر) التونسية - العدد الأول من المجلد الثالث، يستشف منه انحياز الإمام لخدمة الدعوة العربية دون الجامعة الإسلامية. كما نشرت الرسالة في كتاب (من أوراق ومذكرات الإمام محمد الخضر حسين - رسائل الخضر" الذي جمعت فيه بعض رسائل الإمام.
عن عدم إبلاغ ما صدر من ذلك المحامي للحكومة في حينه، وأذنت باعتقالي حتى يرى المجلس العرفي رأيه" (1).
ودام الاعتقال ستة أشهر وأربعة عشر يوماً في (خان مردم بك)(2) بمدينة دمشق، وهو مكان مخصص لاعتقال رجال السياسة في عهد جمال باشا. ومن رفاقه في السجن: الرئيس: شكري القوتلي الذي شغل منصب رئيس الجمهورية السورية، وفارس الخوري الذي أصبح رئيساً للوزراء، وسعدي بك ملا (3) الذي أصبح رئيساً للوزراء في لبنان، وكان سكرتيراً لشكري الأيوبي وقت الاعتقال.
وحكم المجلس العرفي بالبراءة (4). وقرر المجلس العرفي ما قدم له المدعي العمومي من مخاطبة جمال باشا بطلب مكافأة "ولكني لم أتشبث بهذ القرار، وقنعت بما ظهر للدولة والأمة من طهارة ذمتي، وعدم تسرعي إلى النفخ في لهيب الفتنة على غير هدى"(5).
(1) المرجع السابق.
(2)
هو الآن سوق تجاري معروف بمدينة دمشق.
(3)
كان الأستاذ سعدي بك الملا رفيق الإمام في زنزانة واحدة، ومن روائع شعر الإمام في المعتقل "ديوان خواطر الحياة":
جرى سمر يوم اعتقلنا بفندق
…
ضحانا به ليل وسامرنا رمس
فقال رفيقي في شقا الحبس: إن في الـ
…
ـحضارة أنساً لا يقاس به أنس
فقلت له: فضل البداواة راجح
…
وحسبك أن البدو ليس به حبس
(4)
للإمام في مذكراته المخطوطة أفكار مستفيضة عن فترة اعتقاله وأخباره فيها.
(5)
كتاب "من أوراق ومذكرات الإمام محمد الخضر حسين - رسائل الخضر".
ومن شعر الإمام في السجن:
غلّ ذا الحبس يدي عن قلم
…
كان لا يصحو عن الطرس فناما
هل يذود الغمض عن مقلته
…
أو يلاقي بعده الموت الزؤاما
أنا لولا همة تحدو إلى
…
خدمة الإسلام آثرت الحِماما
ليست الدنيا وما يقسم من
…
زهرها إِلا سراباً أو جَهاما
ومن شعره في السجن أيضاً:
ولقد ذكرتك في الدجى والجند قد
…
ضربوا على دار القضاء نِطاقا (1)
وقضاة حرب أرهفوا أسماعهم
…
وصدورهم تغلي عليَّ حناقا (2)
والمدعي يغري القضاة بمصرعي
…
ويرى معاناتي الدفاع سياقا (3)
أتروع أهوال المنون متيماً
…
جرّعْته بعد الوصال فراقا
(1) دار القضاء: المجلس العرفي العسكري بدمشق الذي حاكم الإمام.
(2)
قضاة حرب: الحكام العسكريون الذين حاكموه.
(3)
المدعي: ممثل النيابة العامة، أو المدعي العمومي الذي طلب إنزال عقوبة الإعدام بالإمام. السياق: نزع الروح.