الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهاد الإمام في برلين
تحت أزيز الرصاص، ومع دوي القاذفات والقذائف، وفي الأتون المشتعل لهباً ودماراً، وعجيج الحرب وضجيجها يملأ الأسماع ليل نهار، في ذاك الجو المرعب الرهيب، وقف الرجل المؤمن الصابر يدعو الجنود المغاربة الذين وقعوا أسري الألمان إلى الثورة ضد فرنسا.
لقد جنّد الاستعمار الفرنسي مئات الآلاف من أبناء شمال أفريقيا بالإرهاب والقسر في صفوف جيوشه، وساقهم سوق القطيع إلى مذابح الحرب، ودفع بهم إلى الخطوط الأولى من المعارك التي يخوضها مع ألمانيا، فوقع بالأسر عدد كبير من المغاربة، وخاصة من التونسيين والجزائريين. وكان الإمام يتصل بهم ويؤانسهم، ويحوضهم على القتال ضد فرنسا، وليس معها؛ لأن بلادهم تحتاج إليهم في هذا الموقف، ويدعوهم إلى التطوع والجهاد ضد فرنسا (1).
(1) يقول الإمام في مقال تحت عنوان: "طغيان الاستعمار وخطر الشيوعية - ما نأخذ من نظم الغرب وما ندع" - مجلة "الأزهر" - المجلد الخامس والعشرون الصادر في - غرة ربيع الثاني 1373 هـ ديسمبر كانون الأول 1952 م: "كانت هذه الرحلة في أيام الحرب الكبرى، وكنت مع الأسرى الأفريقبين، أتردد عليهم، وأعود إلى برلين، وقد زرت ألمانيا مرتين: أولاهما استغرقت تسعة أشهر، والثانية سبعة أشهر".
أقام في ألمانيا تسعة أشهر في عام 1917 م، ثم أقام فيها مرة ثانية مدة سبعة أشهر في عام 1918 م، ومن رفاقه في الجهاد: الشيخ صالح الشريف، وإسماعيل الصفايحي، وعبد العزيز جاويش، والدكتور عبد الحميد سعيد، واللواء يوسف مصطفى، وغيرهم.
شارك في نشاط (اللجنة التونسية الجزائرية) لتحرير بلاد المغرب والدفاع عن قضاياها. وله في الصحف كتابات هامة، كما ألقى المحاضرات على الجنود المغاربة الأسرى في جيوش دول الحلفاء، والعمل على إمالتهم، وضمهم إلى جانب الثورة من أجل الاستقلال والحرية لأوطانهم.
تعلم اللغة الألمانية (1) وأجادها خلال إقامته في برلين وضواحيها،
(1) ذكر شيخ الصحافة التونسية المرحوم الطيب بن عيسى صاحب جريدتي "المشير" و "الوزير" في كتابه: "من مشاهير العلماء المهاجرين - شيخي المرحوم محمد الخضر ابن الحسين، وصديقي المرحوم محمد الهاشمي المكي" طبعة تونس في جمادى الثّانية 1378 هـ - جانفي 1959 م، تحت عنوان:"الشيخ الخضر يحسن الألمانية":
"ومن إقامته ببرلين مدة قصيرة، أصبح عارفاً باللغة الألمانية، ولكنه لم يكن ليتظاهر بالمعرفة، وقد حكى لي مترجمه الأستاذ محمد فهمي عثمان التونسي، سفير الأفغان ببرلين عاصمة ألمانيا وقتئذ: أن الشيخ الخضر يعرف الأمانية، ولا يتظاهر بمعرفتها، بل يتخذ أحد المترجمين كدليل له ظاهرياً".
وتحت صورة الإمام في الكتاب أورد أبياتاً لشيخ أدباء تونس الأستاذ محمد العربي الكبادي يقول فيها:
هذا رسم مهاجر مبرور
…
رجل العلم والحجا المأثور
عاش دهراً بتونس ينشر العلـ
…
ـم وفي مصر مات بعد نثر الزهور
(كذا في الأصل) =
ودرس المجتمع الألماني وعادات الأمة وأحوالها وأخلاقها، كما درس علوم الكيمياء والطبيعة على يد البرفسور الألماني (هاردر) أحد العلماء الألمان المستشرقين (1).
وكتب عن مشاهداته في برلين (2)، وله ذكريات مبثوثة في المقالات والبحوث التي نشرها فيما بعد، وله شعر بديع قاله في مناسبات مختلفة في ألمانيا ضمن ديوانه:"خواطر الحياة".
وزار سويسرا وإيطاليا لأغراض سياسية.
أصدرت السلطات الفرنسية حكماً عليه بالإعدام غيابياً؛ لتحريضه المغاربة على الثورة ضد المستعمر، كما صدر الأمر المؤرخ في 15 جوان 1917 م والذي تضمن:(حجزت بقصد بيعها أملاك الأخضر بن الحسين المدرس السابق في الجامع الأعظم، الذي ثبت عصيانه). ونشر الأمر في "الرائد التونسي" - النسخة الفرنسية - الصادرة في 20/ 6/ 1917 م.
= بين سكانها بحزم وعزم
…
من بديع المنظوم والمنثور
رحم الله تربة قد حوته
…
وكساه الفخار يوم النشور
(1)
مجلة "مجمع اللغة العربية" - الجزء الرّابع عشر- للأستاذ محمد علي النجار.
(2)
انظر كتاب: "مشاهد برلين" للإمام محمد الخضر حسين، نشرناه في دمشق، نقلاً عن الجزأين السابع والثامن من المجلد الثامن من مجلة "المقتبس" الدمشقية. وأضفنا في المقدمة ما كتبه عن وقائع له في برلين، والشعر الذي نظمه في تلك البلاد أثناء إقامته فيها.