الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبر المباين للإيمان لا يدخل صاحبه الجنة:
1
سئل رحمه الله عن معنى قوله صلى اله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر" هل هذا الحديث مخصوص بالمؤمنين، أم بالكفار؟ فإن قلنا مخصوص بالمؤمنين فقولنا ليس بشيء، لأن المؤمنين يدخلون الجنة بالإيمان. وإن قلنا مخصوص بالكافرين فما فائدة الحديث.
فأجاب:
لفظ الحديث في الصحيح: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان" فالكبر المباين للإيمان لا يدخل صاحبه الجنة كما في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} 2 ومن هذا كبر إبليس، وكبر فرعون وغيرهما ممن كان كبره منافيا للإيمان، وكذلك كبر اليهود والذين أخبر الله عنهم بقوله:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} 3.
والكبر كله مباين للإيمان الواجب، فمن في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يفعل ما أوجب الله عليه ويترك ما حرم عليه، بل كبره يوجب له جحد الحق، واحتقار الخلق، وهذا هو الكبر، الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم حيث سئل في تمام الحديث، فقيل يا رسول الله! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، فمن الكبر ذاك؟ فقال: "لا إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر
1-ص 677 ج 7 مجموع الفتاوى.
2-
الآية 60 غافر.
3-
الآية 87 البقرة.
الحق، وغمط الناس" 1 وبطر الحق جحده ودفعه، وغمط الناس ازدراؤهم واحتقارهم فمن في قلبه مثقال ذرة من هذا يوجب له أن يجحد الحق الذي يجب عليه أن يقربه، وأن يحتقر الناس، فيكون ظالما لهم متعديا عليهم، فمن كان مضيعا للحق الواجب، ظالما للخلق، لم يكن من أهل الجنة، ولا مستحقا لها، بل يكون من أهل الوعيد.
فقوله: "لا يدخل الجنة" متضمن لكونه ليس من أهلها، ولا مستحقا لها لكن إذا تاب، أو كانت له حسنات ماحية لذنبه، أو ابتلاه الله بمصائب كفر بها خطاياه، ونحو ذلك، زال ثمرة هذا الكبر المانع له من الجنة، فيدخلها، أو غفر الله له بفضل رحمته من ذلك الكبر نفسه، فلا يدخلها ومعه شيء من الكبر، ولهذا قال: من قال في هذا الحديث وغيره: إن المنفي هو الدخول المطلق الذي لا يكون معه عذاب، لا الدخول المقيد الذي يحصل لمن دخل النار ثم دخل الجنة، فإنه إذا أطلق في الحديث فلان في الجنة، أو فلان من أهل الجنة، كان المفهوم أنه يدخل الجنة ولا يدخل النار.
فإذا تبين هذا كان معناه أن من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ليس هو من أهل الجنة، ولا يدخلها بلا عذاب، بل هو مستحق للعذاب لكبره، كما يستحقها غيره من أهل الكبائر، ولكن قد يعذب في النار ما شاء الله، فإنه لا يخلد في النار احد من أهل التوحيد، وهذا كقوله:"لا يدخل الجنة قاطع رحم" 2
1-مسلم: كتاب الإيمان/ باب تحريم الكبر وبيانه.
أحمد: (17/288 الفتح الرباني) .
الترمذي: كتاب البر والصلة/ باب ما جاء من الكبر وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (وفيه: الكبر بطر الحق وغمص الناس) .
2-
البخاري: كتاب الأدب/ باب إثم القاطع.
مسلم: كتاب ابر والصلة/ باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ولكن بدون لفظ (رحم) .
وقوله "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم" 1 وأمثال هذا من أحاديث الوعيد، وعلى هذا فالحديث عام في الكفار وفي المسلمين.
وقول القائل: إن المسلمين يدخلون الجنة بالإسلام، فيقال له: ليس كل المسلمين يدخلون الجنة بلا عذاب، بل أهل الوعيد يدخلون النار، ويمكثون فيها ما شاء الله، مع كونهم ليسوا كفارا، فالرجل الذي معه شيء من الإيمان، وله كبائر قد يدخل إلى النار، ثم يخرج منها: إما بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإما بغير ذلك: كما قال صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" 2 وكما في الصحيح أنه قال: "أخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان" 3 وهكذا الوعيد في قاتل النفس والزاني وشارب الخمر وآكل مال اليتيم ومشاهد الزور، وغير هؤلاء من أهل الكبائر، فإن هؤلاء –وإن لم يكونوا كفارا- لكنهم ليسوا من المستحقين للجنة الموعودين بها بلا عقاب.
ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الفساق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار كما قالت الخوارج والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعة، بل لهم حسنات وسيئات يستحقون بهذا العقاب وبهذا الثواب.
1-أخرجه مسلم: كتاب الإيمان/ باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون..... من حديث أبي هريرة.
2-
أبو داوود: كتاب السنة/ باب في الشفاعة.
الترمذي: كتاب صفة القيامة/ باب مات جاء في الشفاعة. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
ابن حبان: كتاب البعث/ باب جامع في البعث والشفاعة.
ابن ماجة: كتاب الزهد/ باب ذكر الشفاعة.
3-
البخاري: كتاب الإيمان/ باب تفاضل أهل الإيمان.
مسلم: كتاب الإيمان/ باب إثبات الشفاعة.