المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تلخيص مناظرة في الحمد والشكر - أحكام عصاة المؤمنين من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - كجك

[مروان كجك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌‌‌الوعد والوعيد

- ‌الوعد والوعيد

- ‌قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة

- ‌تكفيرهم وتخليدهم:

- ‌النار الكبرى:

- ‌أصناف بعيدة عن الحق:

- ‌الرد على الوعيدية والواقفية:

- ‌توبة قاتل النفس:

- ‌الجمع بين نصوص الوعيد:

- ‌نصوص الوعيد عامة:

- ‌هل إخلاف الوعيد جائز:

- ‌الوعيد المطلق:

- ‌اللعن

- ‌النهي عن لعن من يحب الله ورسوله:

- ‌لا يجوز لعن المعين:

- ‌تعزيز من لعن أحدا من المسلمين

- ‌‌‌التكفير والتفسيق

- ‌التكفير والتفسيق

- ‌لا يكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة:

- ‌لا أساس لتقسيم المسائل إلى أصول وفروع:

- ‌لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله:

- ‌الكبر المباين للإيمان لا يدخل صاحبه الجنة:

- ‌في الكفر أغلظ، وفي الإيمان أفضل:

- ‌حد الكبيرة والصغيرة:

- ‌الحسنات يذهبن السيئات:

- ‌حكم تارك المأمور به:

- ‌حكم تارك مباني الإسلام:

- ‌تلخيص مناضرة في الحمد والشكر

- ‌تلخيص مناظرة في الحمد والشكر

- ‌هجر أهل البدع:

- ‌التوبة من الذنوب:

- ‌التوبة من بعض الذنوب:

- ‌التخليد في النار

- ‌من إيمان أهل السنة:

- ‌الظلم المطلق يتناول الكفر وما دونه:

- ‌فساق أهل الملة:

- ‌لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس

- ‌لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان:

- ‌بدعتا الخوارج والشيعة:

- ‌أول البدع ظهورا في الإسلام:

- ‌لا يزال الخوارج يخرجون إلى زمن الدجال:

- ‌الصحابة لم يكفروا الخوارج:

- ‌النزاع في تكفيرهم وتخليدهم:

- ‌بين الخوارج والقدرية والمعتزلة:

- ‌أصول المعتزلة الخمسة:

الفصل: ‌تلخيص مناظرة في الحمد والشكر

‌تلخيص مناضرة في الحمد والشكر

‌تلخيص مناظرة في الحمد والشكر

"تلخيص المناظرة في "الحمد والشكر"1

بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وبين ابن المرحل

كان الكلام في الحمد والشكر، وأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، والحمد لا يكون إلا باللسان.

فقال ابن المرحل: قد نقل بعض المصنفين –وسماه-: أن مذهب أهل السنة والجماعة: أ، الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد. ومذهب الخوارج: أنه يكون بالاعتقاد والقول والعمل، وبنوا على هذا، من ترك الأعمال يكون كافرا، لأن الكفر نقيض الشكر، فإذا لم يكن شاكرا كان كافرا.

قال الشيخ تقي الدين: هذا المذهب المحكي عن أهل السنة خطأ والنقل عن أهل السنة خطأ. فإن مذهب أهل السنة: أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل. قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} 2 وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له:"أتفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا".

قال ابن المرحل: أنا لا أتكلم في الدليل، وأسلم ضعف هذا القول، لكن أنا أنقل أنه مذهب أهل السنة.

قال الشيخ تقي الدين: نسبة هذا إلى أهل السنة خطأ، فإن القول إذا ثبت ضعفه، كيف ينسب إلى أهل الحق؟

1- ص135 ج 11 مجموع الفتاوى.

2-

الآية 13 سبأ.

ص: 77

ثم قد صرح من شاء من العلماء المعروفين بالسنة أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة.

قلت: وباب سجود الشكر في الفقه أشهر من أن يذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سجدة سورة (ص)"سجدها داوود توبة، ونحن نسجدها شكرا"1. ثم من الذي قال من أئمة السنة: إن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد؟.

قال ابن المرحل: هذا قد نقل، والنقل لا يمنع، لكن لا يستشكل. ويقال: هذا مذهب مشكل.

قال شيخ تقي الدين ابن تيمية: النقل نوعان: أحدهما: أن ينقل ما سمع أو رأى. والثاني: ما ينقل باجتهاد واستنباط. وقول القائل: مذهب فلان كذا، أو مذهب أهل السنة كذا، قد يكون نسبه إليه لاعتقاده أن هذا مقتضى أصوله، وإن لم يكن فلانا قال ذلك. ومثل هذا يدخله الخطأ كثيرا. ألا ترى أن كثيرا من المصنفين يقولون: مذهب الشافعي وغيره كذا، ويكون منصوصه بخلافه؟ وعذرهم في ذلك: أنهم رأوا أن أصوله تقتضي ذلك القول، فنسبوه إلى مذهبه من أجل الاستنباط، والخوارج يكفرون بالمعاصي. ثم رأى المصنف الكفر ضد الشكر-: اعتقد أنا إذا جعلنا الأعمال شكرا لزم انتفاؤها، ومتى انتفى الشكر خلفه الكفر، ولهذا قال إنهم بنوا على ذلك التكفير بالذنوب. فلهذا أعزي إلى أهل السنة إخراج الأعمال عن الشكر.

قلت: كما أن كثيرا من المتكلمين أخرج الأعمال عن الإيمان لهذه العلة.

1-لأخرجه النسائي: كتاب الصلاة/ باب سجود القرآن. وقال الحافظ في التلخيص (2/8) : أخرجه الشافعي والدارقطني والبيهقي. وإسناده صحيح.

ص: 78

قال: وهذا خطأ، لأن التكفير نوعان: أحدهما: كفر النعمة. والثاني: الكفر بالله. والكفر الذي هو ضد الشكر: إنما هو كفر النعمة لا الكفر بالله، فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة، لا الكفر بالله.

قلت: على أنه لو كان ضد الكفر بالله، فمن ترك الأعمال شاكرا بقلبه ولسانه فقد أتى ببعض الشكر وأصله، والكفر إنما يثبت إذا عدم الشكر بالكلية، كما قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرا، حتى يترك أصل الإيمان. وهو الاعتقاد. ولا يلزم من زوال فروع الحقيقة –التي هي ذات عشب وأجزاء- زوال اسمها كالإنسان، إذا قطعت يده، أو الشجرة، إذا قطع بعض فروعها.

قال الصدر ابن المرحل: فإن أصحابك قد خالفوا الحسن البصري في تسمية الفاسق كافر النعمة، كما خالفوا الخوارج في جعله كافرا بالله.

قال الشيخ تقي الدين: أصحابي لم يخالفوا الحسن في هذا، فعمن تنتقل من أصحابي هذا؟ بل يجوز عندهم أن يسمى الفاسق كافر النعمة، حيث أطلقته الشريعة.

قال ابن المرحل: إني أنا ظننت أن أصحابك قد قالوا هذا، لكن أصحابي قد خالفوا الحسن في هذا.

قال الشيخ تقي الدين: -ولا أصحابك خالفوه، فإن أصحابك قد تأولوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي أطلق فيها الكفر على بعض الفسوق- مثل تارك الصلاة، وقتال المسلمين –على أن المراد به كمفر النعمة، فعلم أنهم يطلقون على المعاصي في الجملة أنها كفر النعمة، فعلم أنهم موافقون الحسن، لا مخالفوه.

ص: 79

ثم عاد ابن المرحل فقال: أنا أنقل هذا عن المصنف، والنقل ما يمنع لكن يستشكل.

قال الشيخ تقي الدين: إذا دار الأمر بين أن ينسب إلى أهل السنة مذهب باطل، أو ينسب الناقل عنهم إلى تصرفه في النقل كان نسبة الناقل إلى التصرف أولى من نسبة الباطل إلى طائفة أهل الحق، مع أنهم صرحوا في غير موضع أن الشكر يكون بالقول، والعمل، والاعتقاد، وهذا أظهر من أن ينقل عن واحد بعينه.

ثم إنا نعلم بالاضطرار أنه ليس من أصول أهل الحق إخراج الأعمال أن تكون شكرا لله. بل قد نص الفقهاء أن الزكاة شكر نعمة المال. وشواهد هذا أكثر من أن نحتاج إلى نقل.

وتفسير الشكر بأنه يكون بالقول والعمل في الكتب التي يتكلم فيها على لفظ "الحمد" و "الشكر"مثل كتب التفسير واللغة، وشروح الحديث، يعرفه آحاد الناس، والكتاب والسنة قد دلا على ذلك.

فخرج ابن المرحل إلى شيء غير هذا، فقال: الحسن البصري يسمى الفاسق منافقا، وأصحابك لا يسمونه منافقا.

قال الشيخ تقي الدين له: بل يسمى منافقا النفاق الأصغر، لا النفاق الأكبر، والنفاق يطلق على النفاق الأكبر الذي هو إضمار الكفر، وعلى النفاق الأصغر الذي هو اختلاف السر والعلانية في الواجبات.

قال له ابن المرحل: ومن أين قلت: إن الاسم يطلق على هذا على هذا؟.

قال الشيخ تقي الدين: -هذا مشهور عند العلماء. وبذلك فسروا قول

ص: 80

النبي صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" وذكر ذلك الترمذي وغيره. وحكوه عن العلماء.

وقال غير واحد من السلف "كفر دون كفر، نفاق دون نفاق، وشرك دون شرك".

وإذا كان النفاق جنسا تحته نوعان، فالفاسق داخل في أحد نوعيه.

قال ابن المرحل: كيف تجعل النفاق اسم الجنس، وقد جعلته لفظا مشتركا، وإذا كان اسم جنس كانت متواطئا، والأسماء المتواطئة غير المشتركة، فكيف تجعله مشتركا متواطئا؟.

قال الشيخ تقي الدين: أنا لم أذكر أنه مشترك، وإنما قلت يطلق على هذا وعلى هذا، والإطلاق أعم.

ثم لو قلت: إنه مشترك لكان الكلام صحيحا. فإن اللفظ الواحد قد يطلق على شيئين بطريق التواطؤ، وبطريق الاشتراك. فأطلقت لفظ النفاق على إبطان الكفر، وإبطان المعصية، تارة بطريق الاشتراك وتارة بطريق التواطؤ، كما أن لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن، عند قوم باعتبار الاشتراك، وعند قوم باعتبار التواطؤ، ولهذا سمي مشككا.

قال ابن المرحل: كيف يكون هذا؟ وأخذ في كلام لا يحسن ذكره.

قال له الشيخ تقي الدين: المعاني الدقيقة تحتاج إلى إصغاء واستماع وتدبر، وذلك أن الماهيتين إذا كان بينهما قدر مشترك وقدر مميز، واللفظ يطلق على كل منهما، فقد يطلق عليها باعتبار ما به تمتاز كل ماهية عن الأخرى. فيكون مشتركا كالاشتراك اللفظي وقد يكون مطلقا باعتبار القدر المشترك بين الماهيتين. فيكون لفظا متواطئا.

ص: 81

قلت: ثم إنه في اللغة يكون موضوعا للقدر المشترك، ثم يغلب عرف الاستعمال على استعماله: في هذا تارة، وفي هذا تارة، فيبقى دالا بعرف الاستعمال على ما به الاشتراك والامتياز. وقد يكون قرينه، مثل لام التعريف، أو الاضافة، تكون هي الدالة على ما به من الامتياز.

مثل ذلك: "اسم الجنس" إذا غلب في العرف على بعض أنواعه كلفظ الدابة، إذا غلب على الفرس، قد نطلقه على الفرس باعتبار القدر المشترك بينها وبين سائر الدواب، فيكون متواطئا. وقد نطلقه باعتبار خصوصية الفرس، فيكون مشتركا بين خصوص الفرس وعموم سائر الدواب، ويصير استعماله في الفرس: تارة بطريق التواطؤ، وتارة بطريق الاشتراك. وهكذا اسم الجنس إذا غلب على بعض الأشخاص وصار علما بالغلبة: مثل ابن عمر، والنجم، فقد نطلقه عليه باعتبار القدر المشترك بينه وبين سائر النجوم وسائر بني عمر. فيكون إطلاقه عليه بطريق التواطؤ، وقد نطلقه عليه باعتبار ما به يمتاز عن غيره من النجوم، ومن بني عمر. فيكون بطريق الاشتراك بين هذا المعنى الشخصي وبين المعنى النوعي. وهكذا كل اسم عام غلب على بعض أفراده، يصح استعماله في ذلك الفرد بالوضع الأول العام، فيكون بطريق التواطؤ، بالوضع الثاني، فيصير بطريق الاشتراك.

ولفظ "النفاق" من هذا الباب، فإنه في الشرع إظهار الدين وإبطان خلافه، وهذا المعنى الشرعي أخص من مسمى النفاق في اللغة، فإنه في اللغة أعم من إظهار الدين.

ثم إبطان ما يخالف الدين، إما أن يكون كفرا أو فسقا. فإذا أظهر أنه مؤمن وأبطن التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر الذي أوعد صاحبه بأنه في الدرك الأسفل من النار، وإن أظهر أنه صادق أو موف، أو أمين، وأبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك، فهذا النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقا.

ص: 82

فإطلاق النفاق عليهما في الأصل بطريق التواطؤ.

وعلى هذا فالنفاق اسم جنس تحته نوعان. ثم إنه قد يراد به النفاق في أصل الدين، مثل قوله {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 1 و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2 والمنافق هنا: الكافر.

وقد يراد به النفاق في فروعه. مثل قوله صلى الله عليه وسلم "آية المنافق الثلاث" 3 وقوله "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا" 4 وقول ابن عمر: فيمن يتحدث عند الأمراء بحديث، ثم يخرج فيقول بخلافه "كنا نعد هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نفاقا"5.

فإذا أردت به أحد النوعين. فإما أن يكون تخصيصه لقرينة لفظية مثل لم العهد، والإضافة. فهذا لا يخرجه عن أن يكون متواطئا كما إذا قال الرجل: جاء القاضي، وعنى به قاضي بلده. لكون اللام للعهد، كما قال سبحانه:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 6 أن اللام هي أوجبت قصر الرسول على موسى، لا نفس لفظ "رسول". وإما أن يكون لغلبة الاستعمال عليه، فيصير مشتركا بين اللفظ العام والمعنى الخاص. فذلك قوله:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فإن تخصيص هذا اللفظ بالكافر إما أن يكون لدخول اللام التي تفيد العهد، والمنافق المعهود: هو

1-الآية 145 النساء.

2-

الآية 1 المنافقون.

3-

البخاري: كتاب الإيمان/ باب علامة المنافق.

مسلم: كتاب الإيمان/ باب خصال المنافق.

4-

انظر الحديث السابق ولكن من حديث ابن عمر.

5-

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من قصة سؤال عروة لابن عمر عن دخولهم على الأئمة وتركهم يقولون خلاف الحق.

6-

الآية 16 المز مل.

ص: 83

الكافر. أو تكون لغلبة هذا الاسم في الشرع على نفاق الكفر، وقوله صلى الله عليه وسلم "ثلاث من كن فيه كان منافقا" يعني به منافقا بالمعنى العام، وهو إظهاره من الدين خلاف ما يبطن.

فإطلاق لفظ "النفاق" على الكافر وعلى الفاسق إن أطلقته باعتبار ما يمتاز به عن الفاسق. كان إطلاقه عليها وعلى الفاسق باعتبار الاشتراك. وكذلك يجوز أن يراد به الكافر خاصة، ويكون متواطئا إذا كان الدال على الخصوصية غير لفظ "منافق" بل لم التعريف.

وهذا البحث الشريف جار في كل لفظ عام استعمل في بعض أنواعه، إما لغلبة الاستعمال، أو لدلالة لفظية خصته بذلك النوع، مثل تعريف الإضافة، أو تعريف اللام، فإن كان لغلبة الاستعمال صح أن يقال مشترك، وإن كان لدلالة لفظية كان اللفظ كان باقيا على مواطأته.

فلهذا صح أن يقال "النفاق" اسم جنس تحته نوعان، لكون اللفظ في الأصل عاما متواطئا.

وصح أن يقال: هو مشترك بين النفاق في أصل الدين، وبين مطلق النفاق في الدين، لكونه في عرف الاستعمال الشرعي غلب على نفاق الكفر.

لا تكفير ولا تفسيق إلا إذا قامت الحجة:1

إني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية.

1- ص 229 ج 3 مجموع الفتاوى.

ص: 84

وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية كما أنكر شريح قراءة من قرأ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} 1 وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك ابراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه. كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ {بَلْ عَجِبْتَ} .

وكما نازعت عائشة وغيرها من الصحابة في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم رؤية ربه، وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. ومع هذا لا نقول لابن عباس ونحوه من المنازعين لها، إنه مفتر على الله وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي، وفي تعذيب الميت ببكاء أهله، وغير ذلك.

وقد آل الشر بين السلف الاقتتال، مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعا مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم، لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق.

وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة "الوعيد" فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقه كقوله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} الآية، وكذلك سائر ما ورد: من فعل كذا فله كذا. فإن هذه مطلقة عامة.

وهي بمنزلة قول من قال من السلف من كذا: فهو كذا. ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه، بتوبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة.

1-الآية 12 الصافات.

ص: 85