الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون البعض، فبظل النفي والوقف العام.
الظلم المطلق يتناول الكفر وما دونه:
1
إن الظلم المطلق يتناول الكفر، ولا يختص بالكفر، بل يتناول ما دونه أيضا، وكل بحسبه كلفظ "الذنب" و"الخطيئة" و"المعصية" فإن هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان، كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت ثم أي؟ قال: "ثم أن تزاني بحليلة جارك" 2، فأنزل الله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} 3.
فهذا الوعيد بتمامه على الثلاثة، ولكل عمل قسط منه، فلو أشرك ولم يقتل ولم يزن، كان عذابه دون ذلك، ولو زنى وقتل ولم يشرك، كان له من هذا العذاب نصيب، كما في قوله:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} 4. ولم يذكر: "أبدا".
1- ص 72 ج 7 مجموع الفتاوى.
2-
البخاري: كتاب الأدب/ باب قتل الولد خشية أن يأكل معه.
مسلم: كتاب الإيمان/باب كون الشرك أقبح الذنوب.
3-
الآيات 68-71 الفرقان.
4-
الآية 93 النساء.
وقد قيل: إن لفظ "التأبيد" لم يجيء إلا مع الكفر، وقال الله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} 1. فلا ريب أن هذا يتناول الكافر الذي لم يؤمن بالرسول. وسبب نزول الآية كان في ذلك، فإن الظلم المطلق يتناول ذلك ويتناول ما دونه بحسبه.
فمن خال مخلوقا في خلاف أمر الله ورسوله، كان له من هذا الوعيد نصيب، كما قال تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} 2، وقال تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَاب} 3. قال الفضيل بن عياض: حدثنا الليث عن مجاهد: هي المودات التي كانت بينهم لغير الله، فإن المخالة تحاب وتواد، ولهذا قال: "المرء على دين خليله" ، فإن المتحابين يحب أحدهما ما يجب الآخر بحسب الحب، فإن اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله، نقص من دينهما بحسب ذلك إلى أن ينتهي إلى الشرك الأكبر، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} 4.
والذين قدموا محبة المال الذي كنزوه، والمخلوق الذي اتبعوه، على محبة الله ورسوله، كان فيهم من الظلم والشرك بحسب ذلك. فلهذا ألزمهم محبوبهم كما في الحديث، يقول الله تعالى: " أليس عدلا مني أن أولي كل رجل منكم ماكان
1- الآيات 27-29 الفرقان.
2-
الآية 67 الزخرف.
3-
الآية 166 البقرة.
4-
الآية 165 البقرة.
يتولاه في الدنيا". وقد ثبت في "الصحيح" يقول: "ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فمن كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت، ويمثل للنصارى المسيح، ولليهود عزير، فيتبع كل قوم ما كانوا يعبدون وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها" فهؤلاء " أهل الشرك الأكبر".
وأما "عبيد المال" الذين كنزوه، وعبيد الرجل الذين أطاعوهم في معاصي الله فأولئك يعذبون عذابا دون عذاب أولئك المشركين، إما في عرصات القيامة، وإما في جهنم، ومن أحب شيئا دون الله عذب به. وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 1. فالكفر المطلق هو الظلم المطلق، ولهذا لا شفيع لأهله يوم القيامة كما نفى الشفاعة في هذه الآية، وفي قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} 2. وقال: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ، قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ،تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ، فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3.
1- الآية 254 البقرة.
2-
الآيات 17-19 غافر.
3-
الآيات 94-102 الشعراء.