الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهب أحمد وغيره، وهو ضعيف والأول أجود وهؤلاء يقولون: سقط الحد لكونه رجع عن الإقرار، ويقولون رجوعه عن الإقرار مقبول، وهو ضعيف، بل فرق بين من أقر تائبا ومن أقر غير تائب، فإسقاط العقوبة بالتوبة –كما دلت عليها النصوص- أولى من إسقاطها بالرجوع عن الإقرار، والإقرار شهادة منه على نفسه، ولو قبل الرجوع لما قام حد بإقرار، فإذا لم تقبل التوبة بعد الإقرار مع أنه قد يكون صادقا فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى.
آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
الجمع بين نصوص الوعيد:
1
وسئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار، لا يرين الجنة، ولا يشممن رائحتها، وقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة"2.
فأجاب: قد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ورجال معهم سياط مثقل أذناب البقر، يضربون بها عباد الله" 3 ومن زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح بما فيه من الوعيد الشديد، فإنه جاهل ضال عن الشرع يستحق العقوبة التي تردعه، وأمثاله من الجهال الذين يتعرضون على الأحاديث
1-ص 646 ج 11 مجموع الفتاوى.
2-
متفق عليه. البخاري كتاب اللباس/باب الثياب البيض. وفي مسلم كتاب الإيمان /باب من مات لا يشرك بالله شيئا يدخل الجنة.
3-
مسلم كتابي اللباس/ باب النساء الكاسيات العاريات ولفظه: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط
…
الحديث". (17/302 الفتح الرابني) .
الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث الصحيحة في "الوعيد" كثيرة مثل قوله: "من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة أربعين خريفا" 1 ومثل قوله الذي في الصحيح: "لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر، قيل: يا رسول الله الرجل يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، أفمن الكبر ذاك؟ فقال: لا، الكبر بطر الحق، وغمط الناس"2. و"بطر الحق" جحده، و"غمط الناس" احتقارهم وازدراؤهم. ومثل قوله في الحديث الصحيح: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وفقير محتال"3.
وفي القرآن من آيات الوعيد ما شاء الله، كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} 4 وكما في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} 5 وقوله في الفرائض: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. وَمَنْ
1-البخاري كتاب الديات/ باب إثم من قتل ذميا بغير جرم وكذلك أخرجه النسائي وابن ماجة وغيرهم.
2-
مسلم كتاب الإيمان/ باب تحريم الكبر وبيانه.
أحمد (17/2 الفتح الرباني) .
الترمذي كتاب البر والصلة/ باب ما جاء في الكبر وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب (وفيه الكبر بطر الحق وغمط الناس) .
3-
مسلم من حديث أبي هريرة كتاب الإيمان/ باب بيان غلظ إسبال الإزار
…
وفيه (وعائل مستكبر) .
وأخرجه الطبراني في الكبير وفيه (وفقير محتال يزهد) .
4-
الآية 10 النساء.
5-
الآية 29-30 النساء.
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 1.
وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين، أن الوعيد في الكتاب والسنة لأهل الكبائر موجود، ولكن الوعيد الموجود في الكتاب والسنة قد بين الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه سلم، أنه لا يلحق التائب بقوله:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا} 2 أي لمن تاب. وقال في الآية الأخرى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3 فهذا في حق من لم يتب، فالشرك لا يغفر، وما دون الشرك إن شاء الله غفره، وإن شاء عاقب عليه.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" ولهذا لما نزل قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} 4 قال أبو بكر: يا رسول الله قد جاءت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل السوءا؟ فقال: "يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به" فالمصائب في الدنيا يكفر الله بها من خطايا المؤمن ما به يكفر، وكذلك الحسنات التي يفعلها. قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} 5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان،
1- الآية 13-14 النساء.
2-
الآية 53 الزمر.
3-
الآية 48 النساء.
4-
الآية 123 النساء.
5-
الآية 114 هود.