الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يزال الخوارج يخرجون إلى زمن الدجال:
1
في مسلم2 عن عبد الله بن رافع كاتب علي رضي الله عنه أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا: لا حكم إلا الله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم –وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه، منهم رجل أسود إحدى يديه طبي شاة أو حملة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا. فنظروا فلم يجدوا شيئا. فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كُذبت –مرتين أو ثلاثا-ثم وجدوه في خربة فأتوا به وضعوه بين يديه".
وهذه العلامة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي علامة أول من يخرج منهم، ليسوا مخصوصين بأولئك القوم. فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال. وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر.
وأيضا فالصفات التي وصفها تعم غير ذلك العسكر، ولهذا كان الصحابة يروون الحديث مطلقا، مثل ما في الصحيحين، عن أبي سلمة، وعطاء بن يسار: أنهما أتيا أبا سعيد فسألاه عن الحرورية: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها؟ قال: لا أدري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج في هذه الأمة –ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم أو حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة هل علق به شيء
1- ص495 ج 28 مجموع الفتاوى.
2-
أي صحيح مسلم.
من الدم" 1 اللفظ لمسلم. في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله ذو الخويصرة التميمي –وفي رواية أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم-فقال: أعدل يا رسول الله. فقال: "ويلك! من يعدل إذا لم أعدل" قال عمر بن الخطاب: إئذن لي فأضرب عنقه. قال: "دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه –وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم" 2. وذكر ما في الحديث.
فهؤلاء أصل ضلالههم: اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم. ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا. ثم يرتبون على الكفر أحكاما ابتدعوها.
فهذه ثلاثة مقامات من الحرورية والرافضة ونحوهم، في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية، وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد:"يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة ونحوهم، فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين، لأن المرتد شر من غيره. وفي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته: "يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحليق. قال: هم شر الخلق، أو من شر الخلق، تقتلهم أدنى
1-متفق عليه واللفظ لمسلم.
2-
البخاري: كتاب الأدب/باب قول الرجل ويلك.
مسلم: كتاب الزكاة/ باب ذكر الخوارج وصفاتهم
الطائفتين إلى الحق" وهذ السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية، لأن هذا لوصف لازم لهم، وأخرجا في الصحيحين حديثهم من حديث سهل بن حنيف بهذا المعنى، ورواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر، ورواه مسلم من حديث أبي ذر، ورافع بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وغيرهم، وروى النسائي عن أبي برزة أنه قيل له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج؟ قال: نعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني، ورأيته بعيني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال فقسمه، فأعطى عن يمينه، ومن شماله، ولم يعط من وراءه شيئا، فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد! ما عدلت في القسمة –رجل أسود، مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان- فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال له: "والله لا تجدون بعدي رجلا أعدل مني" ثم قال: "يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما سمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم من الدجال. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم. هم شر الخلق والخليقة" وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بعدي من أمتي –أو سيكون بعدي من أمتي- قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة". قال بن صامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم بن عمرو الغفاري، قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا؟ فذكرت له الحديث، فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه المعاني موجودة في أولئك الذين قتلهم علي رضي الله عنه وفي غيرهم.
وإنما قولنا: إن عليا قاتل الخوارج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ما يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار، أي قاتل جنس الكفار، وإن كان الكفر أنواعا مختلفة. وكذلك الشرك أنواع مختلفة، وإن لم تكن الآلهة التي كانت العرب تعبدها هي التي يعبدها الهند والصين والترك، لكن يجمعهم لفظ الشرك ومعناه.