الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا لا يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال: إذا أنا مت فاحرقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لأن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، مع شكه في قدرة الله وإعادته، ولهذا لا يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالإسلام أو لنشأته ببادية بعيدة، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بذلك، فبطلق أن هذا القول كفر، ويكفر من قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، دون غيره، والله أعلم.
النار الكبرى:
1
وقوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 2. وقد ذكر في سورة الليل قوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى، لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} 3.
وهذا الصلي قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم –أو قال: بخطاياهم- فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر. فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة! أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية.
1-ص 194 ج 16 مجموع الفتاوى.
2-
االآية 11 سورة الأعلى.
3-
الآية 14-16 سورة الليل.
وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم فقال: ذكر عن عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب، فأتى على هذه {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون. وأما الذين ليسوا من أهل النار فإن النار تميتهم، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون، فيؤتى بهم إلى نهر يقال له الحياة، أو الحيوان، فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل ".
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الصلي لأهل النار الذين هم أهلها، وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم، وأن الله يميتهم فيها حتى يصيروا فحما، ثم يشفع فيهم فيخرجون ويؤتى بهم إلى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
وهذا المعنى مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم -بل متواتر- في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وغيرهما.
وفيها الرد على طائفتين: على الخوارج، والمعتزلة الذين يقولون "إن أهل التوحيد يخلدون فيها"، وهذه الآية حجة عليهم، وعلى من حكي عنه من غلاة المرجئة "أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد".
فإن إخباره بأهل التوحيد يخرجون منها بعد دخولها تكذيب لهؤلاء وهؤلاء.
وفيه رد على من يقول: "يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحدا النار" كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة –وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم، كالقاضي أبي بكر وغيره، فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم. والقول ب"أن أحدا لا يدخلها من أهل التوحيد، ما أعلمه ثابتا عن شخص