الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أبي الشبل البغدادي
ما أسود في حضنه أبيض
…
وأبيض في حضنه أسود
ما افترقا قط ولا استجمعا
…
كلاهما من ضده يولد
أعرابي في الليل والنهار
والليل يطرده النهار ولن ترى
…
كالليل يطرده النهار طريدا
فتراه مثل البيت زال بناؤه
…
هتك المقوض ستره الممدودا
والمولون يشبهون الليل والنهار بالزنجي والرومي والحبشي والتركي فمن ذلك قول أبي العلاء المعري:
ودانت لك الأيام بالرغم وانضرت
…
إليك الليالي فارم من شئت تقصد
فسبع أماء من زغاوة زوجت
…
من الروم في نعماك سبعة أعبد
أبو بكر بن اللبانة
يجري النهار إلى رضاك وليلة
…
وكلاهما متعاقب لا يسأم
فكأنما الإصباح تحتك أشقر
…
وكأنما الإظلام تحتك أدهم
أسعد بن إبراهيم المعري
وقد ذاب كحل الليل في دمع فجره
…
إلى أن تبدي الصبح كاللمة الشمطا
كأن الدجى جيش من الزنج نافر
…
وقد أرسل الإصباح في أثره القبطا
أحمد بن دراج القسطلي
وليل كريعان الشباب قطعته
…
بجهد السرى حتى استشبت ذوائبه
وصلت به يوما أغر صحبتهئ
…
غلاما إلى أن طرا بالليل شاربه
الباب الثاني
في أوصاف الليل
وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح
في التنزيل العزيز (ومن شر غاسق إذا وقب) غسق الليل شدة ظلمته ووقب أي دخل قال العسكري: من أتم أوصاف الظلمة الذي ليس في كلام الكثير مثله قوله عز وجل (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (جنبوا صبيانكم فحمة العشاء) وفحمة الليل أشد ظلمته، ومن أسماء الليل الدجى والدجن والدجية. والكافر سمي كافرا لأنه يستر الأشخاص والكفر بفتح الكاف الستر ومنه اشتق اسم الكافر لأنه يجحد نعمة الله عز وجل ويسترها والكفور القرى النائية عن حواضر المدن لأن ساكنها يغيب عن جمهور الناس ويستر عنهم وفي الحديث:(لا تسكنوا الكفور فإن ساكني الكفور كساكني القبور) وقال الأصمعي: كل ظلماء من الليل حندس والليلة الليلاء الشديدة الظلمة وكذلك الليل الأليل وعسعس الليل اشتدت ظلمته وكذلك أكفهر وأدلهم وليل مكفهر ومدلهم وغيهب وغيهب كل ذلك شديد السواد. سال هشام ابن عبد الله خالد بن صفوان: كيف كان سيرك؟ فقال: (قتلت أرضا عالمها وقتلت أرض جاهلها بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها أطبق سماؤها، وبق سحابها، وتغلق ربانها، فبقيت محر نجما كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، لا أسمع لواطئ همسا، ولا لنابح جرسا، تدلت علي غيومها، وتوارت عني نجومها، فلا أهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، أقطع محجة، وأهبط بحجة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، فاليرح تخطفني، والشوك يخبطني، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشني أكامها، وقطعني سلامها، فبينا أنا كذلك قد ضاقت علي معارجي، وسدت مخارجي، إذ بدا نجم لائح، وبياض واضح، عرجت إلى أكام محر ذيله فإذا أنا بمصابيح هذه فقرت العين، وانكشف الرين)
فقال هشام: (لله درك! ما أحسن وصفك) ومن أحسن ما جاء في الليل قول ذي الرمة:
وليل كجلباب العروس أدرعته
…
بأربعة والشخص في العين واحد
أخذه ابن المعتز فقال: وليل كجلباب الشباب قول العسكري: جلباب العروس أطرب من
جلباب الشباب، وقال العلوي:
ورب ليل بانت عساكره
…
تحمل في الجو سود رايات
لامعة فوقها أسنتها
…
مثل الأزاهير وسط روضات
ومن حسن الاستعارات في الليل قول عبد الصمد بن المعذل:
أقول وجنح الدجى ملبد
…
ولليل في كل فج يد
ونحن ضجيعان في مجسد
…
فلله ما ضمن المجسد
أيا ليلة الوصل لا تنفدي
…
كما ليلة الهجر لا تنفد
ويا غد إن كنت لي راحما
…
فلا تدن من ليلتي يا غذ
قال العسكري: وأجود ما قيل في طول الليل من الشعر القديم قول امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
…
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
…
وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
…
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
كأن الثريا علقت في مضائها
…
بأمراس كتان إلى صم جندل
قال العسكري: هذا من فصيح الكلام وأبدعه شبه الليل بالبحر وترادف ظلماته بالموج واستعار له سدولا وهي الستور وأحدهما سدل لما يحول منه بين البصر وبين أدراك المبصرات وقوله وما الإصباح منك بأمثل معناه
أن صبحك إذا كان فيك راحة كأنه يريد به طلوع الفجر المتقدم بين يدي ضوء النهار وقيل معناه أن ليله كنهاره في البث وأنه لا يجد في النهار راحة كما لا يجدها في الليل فجعل الليل والنهار سواء فيما يكابده من الوجد والحب. قال الشيخ المصنف: كنت وقفت لشاعر بعد امرئ القيس على هذا وفيه زيادة مطبوعة وذهبت عني فنظمت في معناه:
لا أظلم الليل الطويل واشتكي
…
منه وما لي في الصباح رجاء
من كان يطمع في الصباح راحة
…
ويسره إن لاح منه ضياء
فحواي متصل الظلام بضوئه
…
الليل عندي والنهار سواء
وهذا هو معنى بيت امرئ القيس ثم ذكرت البيت الذي كنت أحفظه وهو للطرماح.
ألا أيها الليل الطويل ألا اصبح
…
ببم وما الإصباح منك بأروح
ولكن للعينين في الصبح راحة
…
بطرحهما لحظيهما كل مطرح
بم اسم مدينة كرمان بباء موحدة تحتها ويروى:
أليلتنا في بم كرمان أصبحي
…
بخير وما الإصباح منك بأروح
وهذا معنى امرء القيس واستدرك فقال: على أن للعينين في الصبح راحة فحاء بما لا يشك فيه إلا أن لفظه لا يقع من لفظ امرئ القيس موقعا والتكلف في قوله بطرحهما طرفيهما كل مطرح بين الكراهة فيه ظاهرة ونحوه قول أبي الدمنة:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
…
ويجمعني والهم بالليل جامع
وأنشد العسكري لنفسه
وازداو في جنح الظلام صبابة
…
ولا صعب إلا وهو بالليل أصعب
إسحاق الموصلي في معنى النابغة
إن في الصبح راحة لمحب
…
ومع الليل ناشئات الهموم
هذا مأخوذ من ناشئة الليل وتمني بعض المثقلين بالدين دوام الليل فقال:
ألا ليت النهار يعود ليلا
…
فإن الصبح يأتي بالهموم
دواع لا نطيق لها قضاء
…
ولا ردا وروعات الغريم
قوله ولا ردا من التتميم الحسن وقول امرئ القيس فيا لك من ليل كأن نجومه إلى آخر الأبيات قالوا إن البيت الأخير مكرر فضل لا معنى له ولا فائدة فيه لأن الثريا في جملة النجوم وقد اكتفى بذكرها في البيت الأول فيا لك من ليل كأن نجومه ولم أجد لأحد من علماء البديع من وجه وجها لامرئ القيس في ذلك قال الشيخ والوجه عندي أن من عادة العرب إذا ذكرت جملة أن يستثنى أشرفها منها ويفرد بالذكر عنها ليدل على شرفه وفضله ومثله في القرآن العزيز (وفيهما فاكهة ونخل ورمان) والنخل والرمان من جملة الفاكهة فلما ذكر امرؤ القيس النجوم استثنى الثريا وأفراها ليدل على شرفها وفضلها
القاضي التنوخي
وليلة كأنها يوم أمل
…
ظلامها كالدهر ما فيه خلل
كأنما الإصباح فيها باطل
…
أزهقه الله بحق فبطل
ساعاتها أطول من يوم النوى
…
وليلة الهجر وساعات العدل
مؤصدة على الورى أبوابها
…
كالنار لا يخرج منها من دخل
وهذا مستملح وإن لم يكن مختارا من التشبيه لأن إخراج المحسوس إلى ما ليس بالمحسوس في التشبيه به خفاء.
ابن المعتز
كأن نجوم الليل في حجراتها
…
دراهم زيف لم تحرر على النقد
يريد أن نجومه واقفة ليست تسير كأنها دراهم زيف ليست بنقد فتصرف.
ولبعض المحدثين
عهدي بنا ورداء الليل منسدل
…
والليل أطوله كاللمح بالبصر
فالآن ليلي إذ بانوا فديتهم
…
ليل الضرير فصبحي غير منتظر
قال وهذا أبلغ معنى من قول امرئ القيس إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه والمعنى أن ليله ممدود لا انقضاء له كليلة الضرير والدهر كله عند الضرير، ولآخر في معنى قول امرئ القيس:
يا ليل ليلك سرمدا أبدا
…
ما في الصباح لعاشق فرج
وأجود ما قيل في وصف الليل:
وليل تعول الناس في ظلمته
…
سواء بصيرات العيون وعورها
كأن لنا منه بيوتا حصينة
…
موج أعاليها وساج كسورها
هذا أبدع تشبيه في الليل فانه شبه أعلاه بمسح شعر لتكاثف ظلمته وأسفله بسياج وهو الطيلسان الأخضر لما يشوب ما بين يدي الناظر فيه من يسير الضياء وكسور البيت أسافله المرخاة منه، ولآخر:
وليل ذي عياطل من حجون
…
رميت بنجمه غرض الأقول
يرد الطرف حندسه كليلا
…
ويملأ هوله صدر الدليل
وآخر
وليل فيه تحسب كل نجم
…
بدا لك من خصاصه طيلسان
وصف الليل بشدة السواد وكأن النجوم تظهر من خروق طيلسان وشبه سواد الليل بالطيلسان لخضرته وشدة الخضرة راجعة إلى السواد ومنه قوله تعالى مدهامتان من شدة
الخضرة من الثرى والمدهام الأسود ومنه سمى سواد العراق سوادا لنخيله وجنانه وكثرة مائه وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود ولذلك شبه أمرؤ القيس الليل
بالبحر ويقال لليل إذا أسود أخضر قال الراجز يخاطب ناقته: (وعارضي الليل إذا ما أخضرا) وقال الشماخ:
وليل كلون الساج أسود مظلم
…
قليل الوغى داج ولون الأرندج
أي قليل الأصوات والأندج الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده وجمع الساج سيجان ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعرا خفيف الروح مقبولا عند خلفاء بني العباس، وكان ماجنا منهمكا على الخمر فحظر عليه الخليفة شربها وأمر الشرطي متى وجده سكرانا أن يخرق طيلسانه ويحبس في بيت الدجاج، فأخذ سكرانا فحبس فلما أصبح كتب إلى الرشيد.
أمير المؤمنين فدتك نفسي
…
علام حبستني وخرقت ساجي
أقاد إلى السجون بغير ذنب
…
كأني بعض عمال الخراج
ولو معهم حبست لهان ذاكم
…
ولكني حبست مع الدجاج
دجاجات يطيف بهن ديك
…
تناجي بالصياح إذا يناجي
فضحك منه الرشيد وأطلقه وفي شعر ذي الرمة الزويري:
وليل كأبناء الزويري جبته
…
بأربعة والشخص في العين واحد
قال: الزويري الطيلسان وهي الأكيسة الخضر الزويرية قال المصنف: وكذلك أثبت في
كتاب الأنواء لأبي حنيفة الدينوري.
لغز في السنة
أربعة وهي ثلث واحدة
…
كثيرة العد وهي ثنتان
دائمة السير لا يدان لها
…
تقطع أرضا ولا جناحان
أراد بالأربعة الفصول وهي ثلث واحدة أراد أن الأربعة ثلث السنة وكثيرة العد أراد الأيام وهي ثنتان أي أنها أي أنها في الغالب شتاء وصيف كما قال عز وجل رحلة الشتاء والصيف والبيت الثاني ظاهر لأنها تسير وتتصرم وليس لها عضو تتحرك به.
أبو القاسم الزاهي
الريح تعصف والأغصان تعتنق
…
والمزن باكية والزهر مغتبق
كأنما الليل جفن والبروق له
…
عين من الشمس تبدو ثم تنطبق
العطوي
ورب ليل باتت عساكره
…
تحمل في الجو منه رايات
في كل أفق من السماء له
…
كمين جيش من الدجنات
ترد عنه العيون خاشية
…
مرتبكات ذوات خيرات
ومن المبالغة في وصف الليل قول عبد العزيز بن خلوف الجروي من أفريقية:
ومن دونها طود من السمر شامخ
…
إلى النجم أو بحر من البيض متأق
وأسود لا تبدو به النار حالك
…
وبيداء لا يجتازها الريح سملق
قوله لا تبدو به النار من أعجب المبالغة مع اختصار لفظ وجزالة معنى وذكر ابن رشيق في نموذج الشعراء بإفريقية أن عبد العزيز بن خلوف أحد هذا المعنى من محمد بن إبراهيم وذكر له حكاية لطيفة قال: كان محمد بن إبراهيم هذا محبوب فماحكه فيه أسود أسمه خلف فقطعه عنه، فماحكه فيه عبد آخر اسمه فرج فعمل أبياتا مشهورة بالقيروان أولها:
أي الهموم عليه اليوم لم أعج
…
وأي باب عن الأحزان لم ألج
تأملوا ما دهاني تبصروا قصصا
…
ظلامها ليس يمسي فيه بالسرج
هذا موضع الاستشهاد
ما نالني الخلف إلا وهو من خلف
…
وعاقني الضيق إلا وهو من فرج
حتى لقد صار كافور المشيب هوى
…
أشهى لنفسي من مسك الصبا الأرج
النابغة الذبياني غي طول الليل
كليني لهم يا أميمة ناصب
…
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تقاعس حتى قلت ليس بمنجل
…
وليس الذي يرعى النجوم بآيب
الذي النجوم الصبح استعار له أسم الراعي لكونه يأتي معقبا وراء النجوم.
شاعر
ألا هل على الليل الطويل معين
…
إذا نزحت دار وحن حزين
أكابد هذا الليل حتى كأنما
…
على نجمه أن لا يغور يمين
آخر
ما لنجوم الليل لا تغرب
…
كأنها من خلفها تجذب
رواكد ما غاب في غربها
…
ولا بدا من شرقها كوكب
آخر
كأن يهيم الليل أعمى مقيد
…
تحير في تيه من الأرض مجهل
كأن الظلام حين أرخى سدوله
…
يبيت على ليل بليل موصول
ابن الرقاع
وكأن ليلي حين تغرب شمه
…
بسواد آخر مثله موصول
أرعى النجوم إذا تغيب كوكب
…
أبصرت آخر كالسراج يجول
أصرم بن حميد
وليل طويل الجانبين قطعته
…
على كمد والدمع تجري سواكبه
كواكبه حسرى عليه كأنها
…
مقيدة دون المسير كواكبه
وذكر عمر بن شيبة أن الأصل في ذكر الليل الطويل بيت الحرث بن خالد وهو:
تعالوا أعينوني على الليل أنه
…
على كل عين لا تنام طويل
ثم تبعه الناس.
بشار بن برد
خليلي ما بال الدجى ليس يبرح
…
وما لعمود الصبح لا يتوضح
أضل النهار المستنير طريقه
…
أم الدهر ليل كله ليس يبرح
لطال علي الليل حتى كأنني
…
بليلين موصولين لا يتزحزح
أظن الدجى طالت وما طالت الدجى
…
ولكن أطال الليل هم مبرح
وله
كأن جفونه سلمت بشوك
…
فليس لنومه فيها قرار
جفت عيني من التغميض حتى
…
كأن جفونها عنها قصار
أقول وليلتي تزداد طولا
…
أما الليل بعدهم نهار
شاعر
صباحي ما لضوئك لا ينير
…
وليلى ما لنجمك لا يغور
أقيد كل نجم كان يجري
…
أما الظلماء حائرة تدور
أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي
يا ليل هلا انجليت عن قلق
…
طلت ولا صبر لي على الأرق
جفت لحافظي التغميض فيك فما
…
تطبق أجفانها على الحدق
كأنها صورة ممثلة
…
ناظرها الدهر غير متطبق
التنوخي
وليلة مشتاق كأن نجومها
…
قد اغتصبت عيني الكرى فهي نوم
كأن عيون السامرين لطولها
…
إذا شخصت للأنجم الزهر أنجم
جحظة البرمكي
وليل في كواكبه حران
…
فليس لطول مدتها أنتهاء
عدمت تبلج الإصباح فيه
…
كأن الصبح جود أو وفاء
جعفر بن محمد
رب ليل كالبحر هولا وكالدهر
…
امتدادا وكالمداد سوادا
خضته والنجوم توقدن حتى
…
أطفأ الفجر ذلك الإيقادا
سعيد بن حميد
يا ليل بل يا أبد
…
أنائم عنك غد
يا ليل لو تلقى الذي
…
ألقى بها أو تجد
قصر من طولك أو
…
ضوعف منك الجلد
العباس بن الأحنف
أيها الراقدون حولي أعينوني
…
على الليل حسبه وانتصارا
خبروني عن النهار حديثا
…
وصفوه فقد نسيت النهارا
وله
رقدت ولم ترث للساهر
…
وليل المحب بلا آخر
ولم تدر بعد ذهاب الرقاد
…
ما فعل الدمع بالناظر
علي بن الخليل
لا أظلم الليل ولا أدعى
…
أن نجوم الليل ليست تزول
ليلي كما شاءت قصير إذا
…
جادت وإن صدت فليلي طويل
أخذه ابن بسام فقال:
لا أظلم الليل ولا أدعى
…
أن نجوم الليل ليست تغور
ليلي كما شاءت فإن لم تجد
…
طال وإن جادت فليلي قصير
وذكر الفرزدق العلة في طول الليل فقال:
يقولون طال الليل والليل لم يطل
…
ولكن من يهوى من الوجد يسهر
شاعر
أخو الهوى يستطيل الليل من سهر
…
والليل من طوله جار على قدره
ليل الهوى سنة في الهجر مدنه
…
لكنه سنة في الوصل من قصره
الوليد بن يزيد
لا أسأل الله تغييرا لما صنعت
…
سعدي وإن أسهرت عيني عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها
…
والليل أقصر شيء حين ألقاها
شاعر
ليل طويل كمثل أحرفه
…
أوله في الهجاء آخره
وذكر آخر سروره بالسهر فقال:
يا نسيم الروض في السحر
…
وشبيه الشمس والقمر
إن من أسهرت ناظره
…
لقرير العين بالسهر
ومما يطرب قول محمد بن عبد الملك الزيات:
كتب على فص لخاتمها
…
من مل من أحبابه رقدا
فكتبت في فصي ليبلغها
…
من نام لم يشعر بمن سهدا
إبراهيم بن خفاجة
يا ليل وجدي بنجد
…
أما لطيفك مسرى
وما لدمعي طليق
…
وأنجم الجو أسرى
وقد طما بحر ليل
…
لم يعقب المد جزرا
لا يعبر الطرف فيه
…
غير المجرة جسرا
ابن الرومي
يحول الحول في الوصل
…
ويبقى لي تذكاره
ويوم الهجر والبين
…
كيوم كان مقداره
مؤيد الدولة الطغراي
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما
…
حتى لقد صيراني في الهوى مثلا
يجود بالطول ليلي كما بخلت
…
بالوصل ليلى وإن جادت به بخلا
علي بن أبي غالب من أفريقية
كأن نجوم الليل بدل سيرها
…
فصارت إلى نحو المشارق تقصد
الخفاجي الحلبي
من كان يحمد ليلا في تقاصره
…
فإن ليلى لا يدرى له سحر
لا تسألوني إلا عن أوائله
…
فآخر الليل ما عندي له خبر
العسكري
بانوا فلم أدر ما ألاقي
…
مس من الوجد أم جنون
ليلي لا يبتغي براحا
…
كأنه أدهم حرون
أجيل في صحفيته عينا
…
ما يتلاقى لها جفون
شاعر في طيبة الأيام
يا رب يوم لي كظلك
…
أو كظنك أو يقارب
رقت حواشيه وغضت
…
عين واشيه المراقب
قصرت لنا أطرافه
…
قصر القناع عن الترائب
وتبرجت لذاته
…
للخاطبين وللخواطب
الأسفرايني
ألا هاتها وردية عنبية
…
فقد شوشت ريح الصبا طرة الورد
شاعر
يوم كأن نسيمه من عنبر
…
وتخال أن أديمه من جوهر
لو باعت الأيام آخر مثله
…
بالعمر أجمع كنت أول مشتري
ابن رشيق
أيها الليل طل بغير جناح
…
ليس للعين راحة في الصباح
كيف لا أبغض الصباح وفيه
…
غاب عني أولو الوجوه الصباح
يحيى بن أحمد التيفاشي عم النصف
ائتني وقلب البرق يخفق غيرة
…
عليها وعين النجم تنظرها شزرا
وقد هجعت عين الوشاة وأسبلت
…
علينا الدياجي من حنادسها سترا
فبتنا إلى وجه الصباح كأننا
…
قضيبان لا صدا نخاف ولا هجرا
فيا ليلة قد قصر الوصل طيبها
…
تعد إذا أحصى الفتى دهره عمرا
العلوي الأصبهاني في قصر اليوم
يوم دجن ذي ضمير متهم
…
مثل سرور شابه عارض هم
صحو وغيرهم وضياء وظلم
…
كأنه مستعبر قد ابتسم
مازلت فيه عاكفاً على صنم
…
مهفهف الكشح لذيذ الملتثم
تفاحة وقف على لثم وشم
…
ونابه وقف على هصر وضم
يا طيبه يوماً تولى وانصرم
…
وجوده من قصر مثل العدم
قال الأصمعي: قرأت على خلف الأحمر شعراً لجرير فلما بلغت إلى قوله:
ويوم كإبهام القطاة محبب
…
إلى هواه غالب لي باطله
فيا لك يوما خيره قبل شره
…
تغيب واشيه وأقصر عاذله
قال: ويله وما ينفعه خير يؤول إلى شر. فقلت: كذا قرأته على أبي عمرو قال: صدقت كذا قال جرير وكان قليل التنقيح مشرد الألفاظ وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع قلت: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود إن كان قال (فيا لك يوما خيره دون شره) فأروه هكذا فقد كانت الرواة تصلح من أشعار القدماء. فقلت: لا أرويه بعدها إلا هكذا.
ابن طباطبا
بأبي من نعمت منه بيوم
…
لم يكن للسرور فيه نمو
يوم لهو قد التقى طرفاه
…
فكأن العشي فيه غدو
علي بن جبلة العكوك
وليلة كأنها نهار
…
غراء لا تغشى بها الأبصار
مشرقة من حسنها الأقطار
…
لا يمكن البدر بها استتار
طالت لنا ساعتها القصار
…
ولم يكن لفجرها انفجار
كانت سواء هي والأسفار
محمد بن أحمد الحسيني المعروف بابن طباطبا
وتنوفة مد الضمير قطعتها
…
والليل فوق آكامها يتربع
ليل يمد دجاه دون صاحبه
…
آمال ذي الحرص الذي لا يقنع
باتت كواكبه تحوط بقاءه
…
في كل أفق منه نجم يلمع
زهر يثير على الصباح طلائعا
…
حول السماء فهن حسرى ضلع
متيقظا في المسير كأنها
…
باتت تناجي بالذي يتوقع
والصبح يرقب من دجاه غرة
…
متضائل من سحقه يتطلع
متنفساً فيه جناناً واهنا
…
في كل لحظة ساعة يتشجع
حتى انزوى الليل البهيم لضوئه
…
وقد استجاب ظلامه يتقشع
وبدت كواكبه حيارى فيه لا
…
تدري بوشل ريالها ما تصنع
متهادلات النور في آفاقها
…
مستعبرات في الدجى تسترجع
وكواكب الجوزاء تبسط باعها
…
لتعانق الظلماء وهي تودع
وكأنها في الجو نعش أخي ولا
…
يبكي ويوقف تارة ويشيع
وكأنما الشعرى العبور وراءها
…
ثكلى لها دمع غزير يهمع
وبنات نعش قد برزن حواسرا
…
قدامها أخواتهن الأربع
عبرى هتكن قناعهن على الدجى
…
جزعا وآلت بعد لا تتقنع
وكأن أفقا من تلألأ نجمه
…
عند افتقاد الليل عيني تدمع
والفجر في صفو الهواء مورد
…
مثل المدامة في الزجاج تشعشع
يا ليل ما لك لا تغيب كواكبا
…
زفراتها وجدا عليل تقطع
لو أن لي بضياء صبحك طاقة
…
يا ليل كنت أوده لا يسطع
حذرا صبح هاك شبيبتي فافتك بها
…
ودع الدجى بسواده يتمتع
أفقدتني أنسي بأنجمها التي
…
أصبحت من فقدي لها أتوجع
هذا الذي أبدع فيه وخالف الشعراء في أنسه بالليل والكواكب وبكائه عليها وتوجعه لفقدها وجميع الشعراء مهيعهم شكوى الليل وطوله والتوجع لرعى النجوم ووصف الليل والنجوم كما أنفرد ابن طباطبا بالإجادة فيه كأبي نواس في الخمر وابن المعتز في التشبيه والصنوبري في صفات الربيع والبحتري في طيف الخيال وأبي تمام في البديع والرثاء وابن حازم في القناعة وأبي العتاهية في الزهد وابن الرومي في الهجو ومحمود الوراق في الحكم والمتنبي في المدح والأمثال والحمدوي في طيلسان ابن حرب والمعري في الدرع وعمر بن أبي ربيعة في النسب وكشاجم في الأوصاف النادرة ومحمد بن هالي في وصف الحرب وأدواتها والسري الموصلي في وصف شعره وأبي العباس الخازن في الاعتذار والاستعطاف وطياب في الخمار وابن الحجاج في المجون وأبي حكيمة راشد بن عبد القدوس في رثاء ذكره ومن المتقدمين أمرؤ القيس في وصف الخيل والنابغة في الاعتذار والأعشى في الخمر وزهير في المدح والشماخ في وصف الإعسار وذو الرمة في وصف الفلوات والهواجر وهذيل في القسي والنبل والفرزدق في الفخر فهؤلاء الشعراء وقف لغيره وذكر هاهنا طبقات الشعراء فقال: الشعراء خمس طبقات الجاهلية ورأسها أمرؤ القيس والمخضرمون ورأسهم حسان والإسلامية ورأسها جرير والمحدثون ورأسهم أحمد بن العباس الرومي وهذه الأسماء واقعة على من جاء بعد هذه الطبقة إلى يوم القيامة وشعراء الأندلس طبقة واحدة ورأسها أحمد بن عبد ربه والعرب تقول الليل أخفى ومنه قول الشاعر:
الليل للويل أخفى
…
والدمع للوجد أشفى
ما يعرف الليل إلا
…
ألف يعانق ألفا
وتقول فلان أنم من الصبح وأقود من الليل ومنه أخذ ابن المعتز قوله:
لا تلق إلا بليل من تواعده
…
فالشمس غامة والليل قواد
كم من محب أتى والليل يستره
…
لاقى الأحبة والواشون رقاد
وقد أحسن أبو الطيب هذا المعنى وأزال عنه هجنة لفظتي نمام وقواد:
فقال
أزورهم وظلام الليل يشفع لي
…
وأنثني وبياض الصبح يغري بي
فصار أحق بالمعنى ممن أخذه منه وقال العلماء فيه أخذ عباءه وأعطى ديباجة اجتمع بغرناطة محمد بن غالب الرصافي الشاعر ومحمد بن عبد الرحمن الكندي الشاعر وغيرهما من الفضلاء الرؤساء فأخذوا أن يخرجوا إلى نجد وحور المؤمل وهما من أشرف متنزهات غرناطة وكان الرصافي قد أظهر الزهد وترك الخلاعة فقالوا: ما لنا غنى عن أبي جعفر بن سعيد، فكتبوا إليه:
بعثنا إلى رب السماحة والمجد
…
ومن ما له في ملة الظرف من ند
ليعدنا عند الصبيحة من غد
…
بسعي إلى حور المؤمل أو نجد
لتشرح منا أنفس من شجونها
…
ثوت في سجون هن شر من اللحد
ونظفر من بخل الزمان بساعة
…
ألذ من العليا وأشهى من الحمد
على جدول ما بين الفاف دوحة
…
يهز الصبا فيها بنودا من الرند
ومن كان ذا شرب يخلى لشأنه
…
ومن كان ذا زهد تركناه للزهد
وما طرفه يأبى الحديث على الطلا
…
ولا أن يديل الهزل حينا من الجد
وما نغص العيش المهنا غير أن
…
يمازحه تكليف ما ليس بالود
نظمنا من الخلان عقد فرائد
…
ولما نجد إلاك واسطة العقد
فماذا تراه لا عدمناك ساعة
…
فنحن بما نبديه في جنة الخلد
فكان جوابه لهم
هو القول منظوما أم الدر في العقد
…
هو الزهر تفاح الصفا أم أشد الورد
أتاني وفكري في عقال من الأسى
…
فحل بنفث السحر ما حل من عقد
فيا من بهم تزهى المعالي ومن لهم
…
قياد المعاني ما سوى قصدكم قصدي
فسمعنا وطوعا للذي قد أشرتم
…
به لا أرى عنه مدى الدهر من يد
وعندي ما يختار كل مؤمل
…
من الراح والمعشوق والكتب والرند
فقوموا على أسم الله نحو حديقة
…
مقلدة الأجياد موشية البرد
وكل ما شاءه لست ناويا
…
عتابا له أني المساعد بالود
ولست خليا من تأنس قينة
…
إذا ما شدت ضل الخلي عن الرشد
لها ولد في حجرها لا تزيله
…
أوان غناء ثم ترميه بالبعد
فيا ليتني قد كنت منها مكانه
…
تقلبني ما بين خصر إلى نهد
ضمنت لمن قال أني زاهد
…
إذا حل عندي أن يحول عن الزهد
فإن كان يرجوا جنة الخلد آخلا
…
فعندي له في عاجل حبة الخلد
فركبوا واجتمعوا ومن لهم أحسن يوم وما زالوا بالرصافي إلى أن شرب معهم
فقال الكندي
غلبناك عما رمته يا بن غالب
…
براح وريحان وشدو وكاعب
فقال أبو جعفر
بدا زهده مثل الخضاب فلم يزل
…
به ناصلا حتى بدا زهد كاذب
ثم غربت الشمس فقالوا ما رأينا أقصر من هذا اليوم وما ينبغي أن تترك وصفه فقال أبو جعفر أنا له ثم قال وهو من عجائبه المعجزة:
لله يوم مسرة
…
أضوى وأقصر من ذباله
طار النهار به كمر
…
تاع وأجفلت الغزالة
فكأننا من بعده
…
بعنا الهداية بالضلالة
النهار ذكر الحباري وإليه أشار بقوله طار النهار والغزالة الشمس فتم له المعنى فسلم له الجميع تسليم السامع المطبع.
ولأبي جعفر في الغزالة أيضا
بدا ذنب السرحان ينبئ أنه
…
تقدم سبقا والغزالة خلفه
ولم تر عيني مثلها من متابع
…
لمن لا يزال الدهر يطلب حتفه
قال المصنف: جرت في قصر النهار نادرة أنشدني سليمان بن إسماعيل المارديني المسيحي لنفسه فيما زعم من قصر النهار:
ويوم حواشيه ملمومة
…
ظنناه من قصر مدعبا
قنصت غزالته والتفت أريد
…
أختها فاحتمت بالدجى
فأثبت البيتين عندي فاخبرني بعد ذلك أبو الحسن بن سعيد أنه وقف في تاريخ أربل لابن المستوفي لأبي عبد الله محمد بن أبي الوفاء القنيصي:
ويوم حواشيه ملمومة
…
علينا نحاذر أن يفرجا
قنصت غزالته والتفت أريد
…
أختها فاحتمت بالدجى
قال ابن المستوفي: ثم ورد علينا أبو الحسن على بن يوسف الصفار فنسبهما لنفسه قال ولعلهما ليسا له ولا لابن القنيصي قال المصنف فقيدت هذا على هذه الصورة ثم جرى بعد ذلك مذاكرة في هذه الأبيات وتحادث من تحادثها من الشعراء فقال بعض من حضر هذه الأبيات عندي في تعليق لغز من ذكر فرغبنا إليه في الكشف عنها فأحضر التعليق فإذا فيه:
خرج المنتجب العاني - منسوب إلى عانة جزيرة بالفرات - مع الملك الزاهر ابن صلاح الدين صاحب البيرة للصيد فأثاروا ظبية في آخر النهار فاستطرت لهم فلم يدركها السلطان إلا عند غروب الشمس فأمسكها ونظر إلى الشمس وهي تغرب فاستظرف هذا الاتفاق وقال لشاعر قل في ذلك شيئا فقال:
ويوم حواشيه ملمومة
…
علينا نحاذر أن تفرجا
قنصت غزالته والتفت إلى
…
أختها فاحتمت بالدجى
قال المصنف: فصح عندي أن هذا هو قائلها على الخصوص وأن الجميع لصوص، قال: وقد قرأت كتاب اللصوص للجاحظ فلم أسمع فيه بأن ثلاثة لصوص اجتمعوا بالاتفاق الظريف على بيت واحد.
إبراهيم بن محمد القانوني الدمشقي
يوم تقاصر حتى خلته حلما
…
فليس يبصره إنسان إنسان
ما تطلع الشمس إلا وهي غاربة
…
كأنما شمسه في الأفق شمسان
للشيخ شرف ابن المصنف
ويوم سرقناه من الدهر خلسة
…
بل الدهر أهداه لنا متفضلا
أشبهه بين الضلامين غرة
…
لحسناء لاحت بين فرعين أرسلا
والحكماء يمدحون الليل والاشتغال فيه قال بعضهم لأبنه: يا بني اجعل نظرك في العلم ليلا فإن القلب في الصدر كالطير ينتشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل فهو في الليل ساكن
ما ألقيت إليه من شيء وعاه، وقال بعضهم في الليل يجم الأذهان وتنقطع الأشغال ويصح النظر ويؤلف الحكمة ويدر الخواطر ويتسع مجال القلب والليل أخرى في مذهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على صدقة السر، وأصح لتلاوة الذكر، وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس، وساسة التقدير
في دفع الملم، وإمضاء المهم، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهيأ بالشراب، وتكمل الأظراب وتغيب الرقاب، وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالأستتار، وكان ابن المعتز لا يشرب إلا ليلا ويقول: الليل أمتع لا يطرقك فيه خبر قاطع، ولا شغل مانع، والنهار أبرص لا يتم فيه سرور ونظم ذلك كشاجم فقال:
اتخذ الليل حمل
…
ما حمل الليل حمل
آمن فيه طارقا
…
يشغلني عن الشعل
كان يحيى بن خالد ولي أبنه الفضل خراسان فبلغه عنه إقبال على القصف وإهمال الرعية وتفقد أعماله فوجدها مختلفة فكتب إليه: بلغني إقبال على القصف وإهمال لأمورك وقد يهفو ذو الفطنة ويزل الحليم ثم يرجع إلى ما هو أولى به حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك وقد كتبت إليك بأبيات إن أنت أخلفتها ولم تمتثلها هجرتك حولا وعزلتك على سخط وكتب إليه:
انصب نهارا في طلاب العلا
…
وأصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل دنا مقبلا
…
وانحسرت فيه عيون الرقب
فأخل مع الليل بما تشتهي
…
فإنما الليل نهارا الأريب
كم فاتك تحسبه ناسكا
…
يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أثوابه
…
فبات في امن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة
…
يسعى بها كل عدو رقيب
قال فآلى أن لا يشرب نهارا.
أبو بكر بن دريد
وليلة سامرت عيني كواكبها
…
نادمت فيها الصبا والنوم مطرود
يستنبط الراح ما تخفي النفوس وقد
…
جادت بما منعته الكاعب الرود
والراح يفتر عن در وعن ذهب
…
فالتبر منسبك والدر معقود
يا ليل لا تبح الإصباح حورتنا
…
وليحم جانبه أعطافك السود
بشار بن برد
قد نام واش وغاب ذو حسد
…
فاشرب هنيئا خلا لك الجو
آخر
ولم أر مثل الليل جنة فاتك
…
إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك
ابن المعتز
سقتني في ليل شبيه بشعرها
…
شبية خديها بغير رقيب
فأمسيت في ليلين للشعر والدجى
…
وصبحين من كأس ووجه حبيب
شاعر
وليلة قصف ليلة العرس دزنها
…
أنارت بها الظلماء والليل لائل
وسكرانة سكرى دلال وقهوة
…
إذا هي قامت لم تخنها المفاصل
تثنت كغصن ذابل عند سكرها
…
وذا عجب غصن من الري ذابل
البحتري
يا ليلي بالسفح من نطباس
…
ومعرسي باقصر بل أعراسي
باتت تبرد من جواي وغلتي
…
أنفاس ظبي طيب الأنفاس
هيف الجوانح منه هاض جوانحي
…
ونعاس مقلته أطار نعاسي
يدنو إلى بخمره وبريفه
…
فيعلني بالكأس بعد الكاس
آخر
وليلة بات يجلو الراح من يده
…
أحوى أغن غضيض الطرف جدلان
والليل ترمقنا شزرا كواكبه
…
كأنه من دنوي من غيران
كأنها نقد بالدو نفرها
…
لما بدا ذنب السرحان سرحان
آخر
وليل قد سهرت ونام فيه
…
ندامى صرعوا حولي رقودا
أنادم فيه قرقرة القناني
…
ومزمارا يحدثني وعودا
وكأن الليل يرجمني بنجم
…
وقال أراه شيطانا مريدا
آخر
أشرب الراح واسقني بظلام
…
واترك النوم للئام النيام
لا أحب اللذات إلا مع الليل
…
إذا ما هدت عيون الأنام
القائد علي
يا رب ليل شربنا فيه صافية
…
حمراء في لونها تنفي التباريحا
ترى الفراش على الأكواس ساقطة
…
كأنما أبصرت منها مصابيحا
عبد الله بن محمد المعروف بابن البغدادي من أفريقية كان أبوه ظريفا لبقا فلقب بالبغدادي لذلك:
أزرى شاذن ذو قرطق
…
يسقي العقار ويعقد الزنارا
ولقد شكوت إليه بعض صبابتي
…
فحنا وقال أرى بقلبك نارا
في ليلة حلفت علي بطيبها
…
لأقاطعنك إن شربت نهارا
ولأسترن البدر عنك بظلمتي
…
فيكون في ليل التمام سرارا
ابن المعتز يذم الصبوح
على الصبوح لعنة الرحمن
…
فاسمع أخبرك ببعض الشان
إذا أردت الشرب عند الفجر
…
والنجم في لجة ليل يسري
وكان برد والنديم يرتعد
…
وريقه على الثنايا قد جمد
وللغلام ضجرة وهمهمه
…
وشيمة في صدره محمحمة
يمشي بلا رجل من النعاس
…
ويدفق الكأس على الجلاس
فإن يكن لليوم ساق يعشق
…
فجفنه بجفنه مدنق
ورأسه كمثل فرو قد مطر
…
وصدغه كصولجان منكسر
ما في فضل للصبوح يعرف
…
على الغبوق والظلام مسدف
وله
لا تدعني لصبوح
…
إن الغبوق حبيبي
فالليل لون شبابي
…
والصبح لون مشيي
ناقضه ابن حجاج فقال
الصبح مثل البصير نورا
…
والليل في صورة الصرير
فليت شعري بأي رأي
…
يختار أعمى على بصير
ظافر الحداد
وعشية أهدت لعينك منظرا
…
قدم السرور به لقلبك رائدا
روض كمخضر العذار وجدول
…
نقشت عليه يد النسيم مباردا
والنخل كالهيف الحسان تزينت
…
فلقيت من أثمارهن قلائدا
ابن المعتز
لا تذكرن لي الصبوح وعاطني
…
كأس المدامة عند كل مساء
في ليل شغل الرقاد رقيبها
…
عن عاشقين تواعدا للقاء
عقدا عناقا طول ليلهما معا
…
قد الصقا الأحشاء بالأحشاء
حتى إذا طلع الصباح تفرقا
…
بتنفس وتلهب وبكاء
ما راعنا تحت الدجى شيء سوى
…
شبه النجوم بأعين الرقباء
قال وشعراء المغرب حازوا قصب السباق في وصف الاغتباق فمن ذلك قول عبد الكريم بن إبراهيم الهشلي مصنف كتاب الممتع في علم الشعر وعمله يصف غبوقا اغتبقه مع المعز بن باديس:
يا رب فتيان صدق رحت بينهم
…
والشمس كالذهب المشعوب في الأفق
مرضى أصائلها حسرى شمائلها
…
تروج الورق الممطور في الورق
معاطيا شمس إبريق إذا مزجت
…
تقلدت عرق مرجان من البرق
عن ما جل طافح بالماء معتلج
…
كأن بغيته صيغت من الحدق
تضمه الريح أحيانا وتفرقه
…
فالماء ما بين محبوس ومنطلق
من أخضر ناضر في الماء يلحفه
…
وأبيض تحت قبطي الضحى يقق
تهزه الريح أحيانا فيمسحها
…
للزجر خفق فؤاد العاشق القلق
كأن حافاته نطقن من زبد
…
مناطقا رصعت من لؤلؤ نسق
كأن قيته من سندس نمط
…
حسناء محلوة اللبات والعنق
إذا تبلج نجم فوق زرقته
…
حسنته فرسا دهماء في بلق
أو لازودا جرى في متنه ذهب
…
فلاح في شارق من مائه شرق
عشية كلمت حسنا وساعدها
…
ليل يمدد أطنانا على الأفق
تجلى بغرة وضاح الجبين له
…
ما شئت من كرم دان ومن خلق
ولأبي عبد الله محمد بن إدريس الجزيري من جزيرة شقر وهو المعروف بمرج كحل
عرج بمنعرج الكثيب الأعفر
…
بين الفرات وبين شاطي الكوثر
وعشية قد بت أرقب وقتها
…
سمحت بها الأيام بعد تعذر
نلنا بها آمالنا في روضة
…
يهدي لناشقها نسيم العنبر
والدهر من ندم يسفه رأيه
…
فيما صفا من عيشه المتكدر
والورق تشدو والاراكة تنثني
…
والزهر بين مدرهم ومدنر
والنهر مصقول الأباطح والربى
…
بمصندل من زهره ومعصفر
وكأنما ذاك الحباب فرنده
…
مهما صفا في صفحة كالجوهر
وكأنه وكأن خضرة بسطه
…
سيف يسل على بساط أخضر
وكأنما وجناته محفوفة
…
بالآس والنعمان خد معذر
روض يهيم بحسنهن لم يهم
…
ويجيد فيه الشعر من لم يشعر
ما اصفر وجه الشمس عند غروبها
…
إلا لفرقة حسن ذاك المنظر
وللحسن بن علي ببجاية يصف اغتباقه مع أمير بجاية
ولما نزلنا ساحة القصر راقنا
…
بكل جمال مبهج الطرف مونق
بما شئت من ظل يرف وجدول
…
وروض متى يلمم به الريح يعبق
وشاز معاني الشعر في نغماته
…
بطارحه شدود الحمام المطوق
إذا ما رقصنا بالرؤوس لشدوه
…
رمونا بكاسات الرحيق المعتق
فيا حسن ذاك القصر لا زال آهلا
…
ويا طيب ربى نشره المتنشق
وتعنا به في روضة الأنس بعدما
…
هصرنا بغصن للمسرة مونق
ويضحكنا طيب الوصال وربما
…
يمر على الأوهام ذكر التفرق
فتضحى مصونات الدموع مذالة
…
ينحن على طرف من الدهر أبلق
فلله ساعات مضين صوالحا
…
عليهن من زي الصبا أي رونق
خلعنا عليها النسك إلا اقله
…
وإن عاودت نخلع عليها الذي بقي
علي بن أحمد من شعراء بلنسية
قم اسقني والرياض لابسة
…
وشيا من النور حاكه الزهر
والشمس مصفرة غلالها
…
والروض تبدو ثيابه الخضر
في مجلس كالسماء لاح به
…
من وجه من قد هويته بدر
والنهر مثل المجر حف به
…
من الندامى كواكب زهر
أبو الفضل بن الأعلم
وعشية كالسيف إلا حده
…
بسط الربيع بها لتعلى خده
عاطيت كأس الأنس فيها واحدا
…
ما ضره إن كان جمعا وحده
إبراهيم بن خفاجه
وعشي أنس أضجعني نشوة
…
فيه تمهد مضجعي وتدمث
خلعت علي يد الأراكة ظلها
…
والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة
…
والرعد يرقى والغمامة تنفث
الرصافي
وعشي رائق منظره
…
قد قصرناه على صرف الشمول
وكأن الشمس في أثنائه
…
ألصقت بالأرض خدا للنزول
والصبا يرفع أذيال الربى
…
ومحيى الجو كالسيف الصقيل
حبذا منزلنا مغتبقا
…
حيث لا تنظرنا عين الهزيل
طائر شاد وغصن منثن
…
والدجى يسرب صهباء الأصيل
أبو الحسن بن عبد الكريم
أقول لخلي والمدامة تختلي
…
كلمع بروق في سجوف غمام
ألا فاسقني وقت الأصيل ولا ترع
…
فؤادي يا خل الهوى بملام
فقد نعست عين الغزالة للكرى
…
وقد رققت أجفانها بمنام
ألم ترافق الغرب كيف تغرني
…
وتشرب شمسا مثل شمس مدام
الرصافي
وكنت أراني في الكرى وكأنني
…
أناول كالديار من ذهب الدنيا
فلما انقضى ذاك الوصال وطيبه
…
على ساعة من أنسنا صحت الرؤيا
ابن أفلج يصف غبوقا من المغرب إلى شروق الشمس
ولرب مغتبق خلعت منشطا
…
فيه العذار لفاتر لم تنشط
وسروج لهوى في ظهور خلاعتي
…
مذ شدها داعي الصبا لم تحطط
ناديت حي على الغبوق وفي يدي
…
نار متى صافحتها لم تغلط
صفراء كالذهب السبيك ترى لها
…
في بزلها سور الذبال المسلط
يبدي المذلة طعمها فإذا سرت
…
فعلت كفعل الغادر المتسلط
تعطي الجبان شجاعة عرضية
…
والنكس تيه الماجد المتحمط
ما خامرت عقل امرئ إلا غدا
…
متبسطا سكرا وإن لم يبسط
يسعى بها صلف الشمائل أهيف
…
لدن كغصن البانة المتخوط
سيان فعل مدامهولحاظه
…
ورباضه للخابر المستنبط
ما بين جام بالمدام مكلل
…
فيا وكأس بالحباب مقرط
وعلى الهضاب من النهار ملاءة
…
سحق الحواشي أن تحط بتمغط
والشمس خافضة الجناح مسفة
…
في الغرب تنساب انسياب الأرقط
أو كالعروس بدت فأسدل دونها
…
جنبات ستر كالجياد مخطط
وأتى الظلام على الضياء كما أتى
…
أجل على أمل فلم يتأبط
واستلأمت منه السماء بنثرة
…
حصداء شرط فترها لم يمغط
والزهر يغمض في المجرة عوما
…
عوم المها في جدول متعطمط
والنجم يرقى في السماء محلقا
…
كنزو طفل في المهاد مقمط
واللهو قد سلب الجفون رقادها
…
منا اغتباطا بالسرور المفرط
حتى تبدى الفجر في ذل الدجى
…
يحكي نصول خضاب شعر أشمط
وتلاه مبيض الصباح كأنه
…
عمل لمجتهد زكا لم يحبط
والتاج قرن الشمس عند ذروره
…
كالتاج فوق جبين كسرى المقسط
هذاك آخر ما عهدت وطاح بي
…
برق رعشت به ارتعاش مبرقط
وتحكمت فينا الشمول فلم تدع
…
فينا صحيح تصور لم تخلط
أبو الحسن علي بن عطية البليسي المعروف بابن الدقاق
وعشية لبست رداء شقيق
…
تزهى بلون للخدود أنيق
أبقت بها الشمس المنيرة مثلما
…
أبقى الحياء بوجنة المعشوق
لو أستطيع شربتها كلفا بها
…
وعدلت فيها عن كؤوس رحيق
أبو العلاء المعري
والبدر قد مد عماد نوره
…
والليل مثل الأدهم المقفر
المقفر الذي بلغ تحجيله إلى ركبتيه ومن أوقات الشرب وقتان غير الاصطباح والاغتباق وهما الجاشرية وهي شرب نصف النهار والفحمة وهي شرب نصف الليل ولم يعتن الشعراء بوصف الشرب فيهما لكراهة استعمال الشراب فيهما لأنهما وقتا الهدو والمنام واجمام النفس وراحة الجسم لاستمراء الشراب والطعام.
القاضي السعيد بن سنا الملك في ذم الشمس
لا كانت الشمس فكم أصدأت
…
صفحة خد كالحسام الصقيل
وكم وكم صدت بوادي الكرى
…
طيف خيال جاءني من خليل
وأعدمتني من نجوم الدجى
…
ومنه روضا بين ظل ظليل
تكذب في الوعد وبرهانه
…
إن سراب الفقر منها سليل
وتحسب النهر حساما فتر
…
تاع ويخطي فيه قلب الدليل
إن صدا الطرف فما صقله
…
إلا التملي بمحيى جميل
وهي إذا أبصرها مبصر
…
حديد طرف راح عنها كليل
يا علة المهموم يا جلدة
…
المحموم يا زفرة حب نحيل
يا قرحة المشرق وقت الضحى
…
يا سلحة المغرب وقت الأصيل
أنت عجوز لم تبرجت لي
…
وقد بدا منك لعاب يسيل
وأنت بالشيطان قرنانة
…
فكيف تهدينا سواء السبيل
الشيخ شرف ابن المصنف
في خلقه الشمس وأخلاقها
…
مثنى عيوب جمة تذكر
رمداء عمشاء إذا أصبحت
…
عمياء عند الليل لا تبصر
وهي رقيب في الهوى كاشح
…
تنم بالإلفين لا تستر