الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
في انشقاق الفجر
ورقة نسيم وتغريد الطير في الشجر
وصياح الديك وإيذانه الصباح
الفجر أول ضوء تراه من الصباح ويقال له ابن ذكاء وذكاء من أسماء الشمس.
قال الراجز
وردته قبل انبلاج الفجر
…
وابن ذكاء كامن في كفر
والكفر ما غطاه يعني به الليل والفجر مأخوذ من انفجار الماء لأنه ينفجر كالماء شيئا بعد شيء وهما فجران الأول منهما ذنب السرحان تشبيها له بذلك وهو الذي لا يحرم الطعام على الصائم ويسمى الفجر الكاذب لأنه يلوح ثم يخفى والثاني هو الفجر الصادق وهو الذي يحرم الطعام على الصائم والذي يلي الفجر من الليل هو السحر يقال أتيته بسحر وبسحرة وبالسحر الأعلى لآخر السحر وسحيرا لأوله والسدفة ظلمة يخالطها ضوء يكون من أول الليل ومن آخره يذهب إلى بقايا الشفق لأن الشفق في أول الليل كالفجر في آخره ويقال انبلج الصبح انبلاجا فهو أبلج وتبلج يتبلج وساح يسيح وانساح ينساح أنسياحا وانفسح ينفسح وانصاح ينصاح أنصياحا كل ذلك إذا اتسع وانبسط وتنفس يتنفس وفي التنزيل العزيز (والصبح إذا تنفس) وصاح يصيح إذا علا وظهر.
وقال الفرزدق
والشيب ينهض في النهار كأنه
…
ليل يصيح بجانبيه نهار
لما علا وظهر شبهه بالصائح الذي دل على نفسه بصياحه فإذا علا بعد ذلك بشيء فعرفت المار وإن كان منك بعيدا قلت أسفر الصبح وفي التنزيل
العزيز (حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط الأسود من الفجر) والعرب تشبه رقة البياض البادي من الفجر أولا ورقة السواد الحاف به بخطين أبيض وأسود على جهة الاستعارة والتمثيل.
قال أبو داود
فلما بصرن به غدوة
…
ولاح من الفجر خيط أنارا
والكتاب العزيز نزل على ما تفهمه العرب في لغتها وتأليفه في عرفها، ونزل الخيط
الأبيض من الخيط الأسود ولم يكن فيها من الفجر ومضى على ذلك عام فجاء عدي بن حاتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جعلت تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار. فقال له رسول الله إني جعلت تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو سواد الليل وبياض النهار، فأستدل بهذا القول على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى ذلك العمل في الصوم والصلاة والإيمان وغير ذلك من جميع ما يناط به حكم شرعي، وأما على ظاهر اللغة فاختلف فيه فروى أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء أن النهار محسوب من طلوع الشمس إلى غروبها والليل من غروب الشمس حتى طلوعها ولا يعد شيء قبل طلوعها من النهار ولا شيء قبل غروبها من الليل، وقال الزجاج في كتاب الأنواء أيضا: أول النهار ذرور الشمس، ومن أهل اللغة من جعل وقت النهار من الأسفار إذا أتسع الضوء وانبسط وهو موافق لمن قال بالذرور واعتبر في ذلك التسمية اللفظية وقال النهار مأخوذ من أتساع الضوء واتضاح نوره وانشد:
ملكت بها كفي فانهرت فتقها
…
يرى قائما من دونها ما وراءها
والحكم عند عامة الفقهاء في النهار ما ورد في الحديث وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما تحديد تبين الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر وهو الذي بسببه تجب الأعمال فقد أختلف فيه ووقع العمل على أنه الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة فبطلوع لأوله في الأفق يجب الإمساك عن الأكل للصيام لما خرجه مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الفجر الذي يقول هكذا) وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض (ولكن الذي يقول هكذا) ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه، وروى عن ابن عباس غيره أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطريق وعلى رؤوس الجبال وعن علي عليه السلام أنه صلى بالناس الصبح وقال: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإنما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن أخره غروبها فكذلك أوله طلوعها وذكر عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر واستدل بقوله وأقم الصلاة طرفي النهار وهذا من أهل اللغة موافق الحديث ومن أكل وهو يشك في طلوع الفجر فعليه عند مالك القضاء. ومما نقل من كتاب
ديوان المعاني للعسكري من أجود ما قيل في الصباح قال الأصمعي: نزلت بقوم من غنى قد جاوروا قبائل العرب من بني صعصعة فحضرت ناديهم وشيخ طويل الصمت عالم بالشعر يأتونه الناس من كل ناحية ينشدونه أشعارهم فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض بلحجته فينفذ حكمه على من حضر منهم بشاة إن كان ذا غنم أو ابن مخاض إن كان ذا إيل فتذبح أو تنحر لأهل النادي قال فحضرته يوما وأنشده بعضهم يصف ليلا:
كأن سميط الصبح في أخرياته
…
ملاء ينفى من طيالسة خضر
تخال بقائاه التي سار الدجى
…
قد وشيعا فوق أردية الفجر
فقام الشيخ كالمجنون مصلتا سيفه حتى خالط البرك فجعل يضرب يمينا وشمالا ويقول:
لا تفرغن في أذني بعدها
…
ما يستفز فاريك فقدها
أنى إذا السيف تولى مدها
…
لا أستطيع بعد ذال ردها
قال العسكري: وهذا دليل على أن على الشعر وتميزه جيده من رديئه عزيز عند أهل البوادي وهم أصوله ومعدنه واستفزاز هذا الشعر لهذا الشيخ قريب مما روي عن الأمير إني لأطرب على جيد الشعر كما أطرب على حسن الغناء قال ومن غريب ما قيل في الصبح قول ذي الرمة:
وقد لاح للساري الذي كمل السرى
…
على أخريات الليل فتق مشهر
كلون الحصان الأنبط قائما
…
تمايل عند الحل واللون أشقر
الأنبط الأبيض البطن شبه بياض الصبح تحت حمرته ببياض بطن الفرس الأشقر أخذه ابن المعتز فقال:
وما راعنا إلا الصباح كأنه
…
جلال قباطي على فرس ورد
ولغيره
بدا والصبح تحت الليل باد
…
كمهر أشقر مرخي الجلال
ومن أغرب ما قيل في قول ابن المعتز:
وقد رفع الفجر الظلام كأنه
…
ظليم على بيض تكشف جانبه
وله
قد أغتدي والليل في جلبابه
…
كالحبشي فر من أصحابه
والصبح قد كشف عن أنيابه
…
كأنما يضحك من ذهابه
ولأبي هلال
ياكرتها والخير في بكوري
…
والصبح بالليل ملوث النور
كما خلطت المسك بالكافور
وله
وقد باشر الليل النهار كأنه
…
بقية كحل في حماليق أزرق
وله
إلى أن طوينا الليل إلا بقية
…
تزل ضياء الشمس عنها فتزلق
وخلل وجه الشرق برد ممسك
…
وقابله للغرب برد ممشق
فلاح لنا من مشرق الشمس مغرب
…
وبان لنا من مغرب الشمس مشرق
ومد علينا الليل ثوبا منمقا
…
وأشعل فيه الفجر فهو يحرق
وصبحنا صبح كأن ضياءه
…
تعلم منا كيف يبهى ويشرق
ابن المعتز
والليل قد رق وأصغى نجمه
…
واستوفز الصبح ولما ينتصب
معترضا بفجره في ليلة
…
كفرس دهماء بيضاء اللبب
العلوي الصبهاني
إلى أن تجلى الصبح من خلل الدجى
…
كما انخرط السيف اليماني من الغمد
ابن المعتز في النجم في خمرة الفجر
قد أغتدي على الجياد الضمر
…
والصبح قد أسفر أو لم يسفر
حتى بدا في ثوبه المعصفر
…
ونجمه مثل السراج الأزهر
كأنه غرة مهر أشقر
الشمردل بن شريك
ولاح ضوء الصبح فاستمينا
…
كما رأيت المفرق الدهينا
التنوخي
أسامره والليل أسود وأزرق
…
إلى أن جلا الإصباح عن أشقر ورد
تبسم محمرا خلال سواده
…
تبسم ورد الخد في الصدغ الجعد
ابن المعتز في الشفق
ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم
…
حتى نوقد في جنح الدجى الشفق
وله في الصبح
والصبح يتلو المشتري فكأنه
…
عريان يمشي في الدجى بسراج
الصنوبري
وليلة كالرفرف المعلم
…
محقوقة الظلماء بالأنجم
تعلق الفجر بأرجائها
…
تعلق الأشقر بالأدهم
ابن المعتز
لما تعدى أفق الضياء
…
مثل ابتسام الشقة اللمياء
التنوخي
كأن سواد الليل والفجر ضاحك
…
بلوح ويخفي أسود يتبسم
شاعر
والفجر في روض الدجى جدول
…
ساح ليسقي زهر الأنجم
ابن بابك
كم صحبنا الظلام وهو غلام
…
قد تبدى عذاره المختط
وسحبنا ذيوله وكان الصبح
…
جيب على الظلام يعط
أدرعناه والثريا وشاح
…
وخلعنا سواده وهي قرط
السري الموصلي
انظر إلى الليل كيف يصدعه
…
راية صبح مبيضة العذب
كراهب حن للهوى طربا
…
فشق جلبابه من الطرب
الأمير تميم
شربنا على نوح المطوقة الورق
…
وأردية الروض المفوفة البلق
معتقة أفنى الزمان وجودها
…
فجاءت كفوت اللحظ أو رنة العشق
كأن السحاب الغر أصبحن أكؤسا
…
لنا وكان الراح فيها سنا البرق
إلى أن رأيت النجم وهو مغرب
…
وأقبل رايات الصباح من الشرق
كأن سواد الليل والفجر طالع
…
بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق
الأرجاني
والليل سيف الفجر في فرقه
…
يقتله والديك بنعاه
أبو العلاء المعري
تخيلت الصباح معين ماء
…
فما صدقت ولا كذب العيان
تكاد الفجر تشربه المطايا
…
وتملأ منه أسقية شنان
ظافر الحداد
وصبيحة باكرتها في فتية
…
أضحوا لكل نفيسة كالأنفس
والليل قد ولى بعبة راحل
…
والصبح قد وافى ببشر معرس
والفجر قد أخفى النجوم كأنه
…
سيل يفيض على حديقة نرجس
شرف الدين التيفاشي المصنف
نبه نديمك أن الديك قد صخبا
…
والليل قوض من تخييمه الطنبا
والفجر في كبد الليل السقيم حكى
…
سر المتيم عن أجفانه غلبا
كأنه بظلام الليل ممتزجا
…
سمراء تفتر أبدت مبسما شنبا
كأنما الفجر زند قادح شررا
…
في فحمة الليل لاقى الفحم والتهبا
كأن أول فجر فارس حملت
…
راياته البيض في أثر الدجى فكما
كأن ثاني فجر غرة وضحت
…
تل في وجه طرف أدهم ونبأ
أبو علي بن رشيق
كأنما الصبح الذي تفرا
…
ضم إلى الشرق النجوم الزهرا
فاختلطت فيه فصارت فجرا
شاعر من العرب وأبدع فيه
فأدبر الليل مشمطا ذوائبه
…
وأقبل الصبح موشيا أكارعه
جعل ذوائب الليل شمطا من ممازحة الصبح وجعل أكارع الصبح موشية من ممازحة الليل وجعل أخذ الليل من آخره وهو المتصل بأول الصبح وأخذ الصبح من مقادمه وهو المتصل
بآخر الليل وأصاب في التشبيه كأنه أومأ إلى الصبح فجعله كالثور الوحشي والثيران الوحشية كلها بيض وأكارعها خاصة موشية وهو معنى لم يقع لغيره.
عبد الله بن محمد الأزدي
يا رب كأس مدامة باكرتها
…
والصبح من جبين المشرق
والليل يعثر بالكواكب كلما
…
طردته رايات الصباح المشرق
ابن المعتز
يا رب ليل سحر كله
…
مفتضح البدر عليل النسيم
يلتقط الأنفاس برد الندى
…
فيه فيهديه بحر الهموم
أخذه من أبي تمام
أيامنا مصقولة أطرافها
…
بك والليالي كلها أسحار
ابن الرومي
كأن نسيمها أرج الخزامي
…
ولاها بعد وسمي ولي
بقية شمال هبت بليل
…
لا فنان الغصون بها نجي
إذا أنفاسها نسمت سحيرا
…
تنفس كالشجي بها الخلي
شاعر
والفجر كالسيف الخفي الرونق
…
أو بدء شيب في سواد مفرق
والديك قد صاح بهذا المشرق
…
في سدف مثل الرداء المخلق
حتى بدأ في ثوبه الممزق
…
كالكمري بارزا في يلمق
قاطع زري طوقه المشقشق
…
أو تمد من بارد مصفق
صافي شعاعي السنا معتق
…
في قريات بابل أو جلق
شاعر من أفريقيا
وكم ليلة هانت علي ذنوبها
…
بما يأت يروني من الريق والخمر
أقبل منه الورد في غير حينه
…
وألثم بدر التم في غيبة الدر
إلى أن بدأ نور التبلج في الدجى
…
كنور جبين لاح في ظلمة الشعر
ابن الرومي
حيتك عنا شمال طاف ريقها
…
بجنة فحوت روحا وريحانا
هبت سحيرا فناجى الغصن صاحبه
…
سرا بها وتداعى الطير إعلانا
زرق تغني على غصن تهدله
…
يسمو بها وتمس الأرض أحيانا
تخال طائرها نشوان من طرب
…
والغصن من هزه عطفيه سكرانا
شاعر
جنة من قرقف جدولها
…
وهدير الورق منها في أرتفاع
لا تلم أغصانها إن سكرت
…
فهي ما بين شراب وسماع
آخر
زارنا سحرة نسيم عليل
…
مبطئ الخطو طيب الأنفاس
فكأن السرى على البعد أعيا
…
هـ وفي جفنه بقايا النعاس
ثمل من سلافة الطل في الزهر
…
وناهيك حسنها من كأس
ابن الرومي
وأنفاس كأنفاس الخزامي
…
قبيل الصبح بللها السماء
تنفس نشرها سحرا فجاءت
…
به سحرية السرى رخاء
وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن ينظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر وفي حديث أخر كان يعجبه النظر إلى الأترج وإلى الحمام والطير جماعة مؤنثة واحدها طائر وجمع الطائر أطيار وطيور وقبل جمع الطائر طوائر كفارس وفوارس وجاء تذكير الطير وهو قليل والتأنيث أكثر وأفصح وفي التنزيل العزيز (والطير محشورة)، (والطير صافات) وأما التذكير فعلى قول الشاعر:
لقد تركت فؤادك مستجنا
…
مطوقة على فتن تغنى
يميل بها ويرفع بلحن
…
إذا ما عز للمحزون أنا
فلا يحزنك أيام تولى
…
تذكرها ولا طير أرنا
وكل طائر يهدل ويرجع كالقمري والفاختة والورشان واليمامة واليعقوب وما أشبه ذلك، فالعرب تسمية حماما والحمام عند العرب القماري والدباسي وهي وما أشبه ذلك فالعرب تسميه حماما والحمام عند العرب القماري والدباسي وهي التي يصفون بكاءها في بلادهم
والفاختة جنس من القماري إلا أنه هجين لا عتق له.
مجهك بن خلف
تذكرت ليلى إذ رميت حمامة
…
وإني بليلى والفؤاد قريح
يمانية أمست بنجران دارها
…
وأنت عراقي هواك نزوح
فإن شعبت ورقاء في رونق الضحى
…
على الأيك حماء العلاط صدوح
مطوقة طوقا من الريش لا ترى
…
لنائحة طوقا سواء يبوح
وأسعدنها بالنوح من كل جانب
…
صواحب في أعلى الأراك تصيح
فها أنا صب بالفراق مروع
…
بصوت يعل القلب وهو صحيح
وكدت في الشوق المبرح إذ بكت
…
بأسرار ليلى في الفؤاد أبوح
عدي بن الرقاع
ومما شجاني أنني كنت نائما
…
أعلل من فرط الحوى بالتبسم
إلى أن بكت ورقاء في روفق الضحى
…
تردو مبكاها بحسن الترنم
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة
…
لسعدي شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكى
…
بكاها فقلت الفصل للمتقدم
هذه رواية أهل المغرب ورواية أهل المشرق هو قول الشاعر:
وقد كدت يوم الحزن لما ترنمت
…
هتوف الضحى محزونة بالترنم
أموت لمبكاها أسى أن لوعتي
…
ووجدي لسعدى قاتل لي فاعلم
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة (البيتان)
ذكر أن مجنون بني عامر نام تحت شجرة فغرد طائر فانتبه فقال:
لقد هتفت في جنح ليل حمامة
…
على فنن تدعو وإني لنائم
فقلت اعتذارا عند ذال وأنني
…
لنفسي فيما قد رأيت للائم
أأزعم أني عاشق ذو صبابة
…
بليلى ولا أبكي وتبكي البهائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا
…
لما سبقتني بالبكاء الحمائم
شقيق بن سليك
ولم أبك حتى هيجتني حمامه
…
تغني حمام الورق فاستخرجت وجدي
وقد هيجت مني حمامة أبكة
…
من الوجد شوقا كنت أكتمه جهدي
تنادي هديلا فوق أخضر ناعم
…
لوقت ربيع باكر في ثرى جعد
فقلت تعالي نبك من ذكر ما خلا
…
ونذكر منه ما نسر وما نبدي
فإن تسعديني نبك دمعتنا معا
…
وإلا فإني سوف اسفحها وحدي
قال أئمة النظم والنثر هذا كله في باب المحبة ناقص وأنقص منه قول جحدر ابن الفقعسي:
وكنت قد اندملت فهاج شوقي
…
بكاء حمامتين تجاوبان
تجاوبتا بلحن أعجمي
…
على غصنين من غرب وبان
فكان البان إن بانت سليمى
…
وفي الغرب اغتراب غير دافي
قالوا فإذا سلى عمن يهواه ولم يبق في قلبه أثر من حبه يكون نوح الحمام أقوى سبب في رد قلبه إلى أحبابه ولكن الذي قال أبو صخر الهذلي قول لا يعاب قائله ولا من انتخبه وهو:
وليس المعنى بالذي لا يهيجه
…
على الشوق إلا الهاتفات السواجع
ولا بالذي إن صد يوما خليله
…
يقول ويبدي الصبر إني لجازع
ولكنه سقم الجوى ومطاله
…
وموت الجفا ثم الشؤون الدوامع
رشاشا وتهتانا ووبلا وديمة
…
كذلك يبدي ما نحن الأضالع
آخر
ألا يا حمامات اللوى عدن عودة
…
فإني إلى أصواتكم حزين
فعدن فلمان عدن كدن يمتنني
…
وكدت بأسراري لهن أبين
فلم تر عيني مثلهن حمائما
…
بكين ولم تدمع لهن عيون
آخر
يا طائرين على غصن أنا لكما
…
من أنصح الناس ولا أبغي به ثمنا
طيرا إذا طرتما زوجا فإنكما
…
لا تعدمان إذا أفردتما حزنا
هذا أنا لا على غيري أدلكما
…
فارقت ألفي فما أن أعرف الوسنا
الهذلي
ألا يا حمام الأيك ألفك حاضر
…
وغصنك مياد ففيم تنوح
أفق لا تنح من غير شيء فإنني
…
بكيت زمانا والفؤاد صحيح
ولوعا فشطت غاربة دار زينب
…
فها أنا أبكي والفؤاد قريح
آخر
دعاني الهوى والشوق لما ترنمت
…
على الأيك من بين الغصون طروب
تجاوبها ورق أرعن لصوتها
…
فكل لكل مسعد ومحب
ألا يا حمام الأيك ما لك باكيا
…
أفارقت إلفا أم جفاك حبيب
آخر
ألام على فيض الدموع وأني
…
بفيض الدموع الجاريات جدير
أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه
…
وأحبس دمعي أنني لصبور
آخر
لقد هيجت شوقا وما كنت ساكنا
…
وما كنت لو رمت اصطبار لأصبرا
حمائم واد هجن كم بعد هجعة
…
حمائم ورق مسعدا أو معذرا
كأن حمام الواديين ودومة
…
نوائح قامت في دجى الليل حسرا
محلاة طوق ليس يخشى انصامه
…
إذا هم أن يبلى تبدل آخرا
دعت فوق ساق دعوة لو تناولت
…
بها صخرا على يذبل لتحدرا
قال مصنف كتاب الزهرة: هذه الأبيات من نفيس الكلام ألا ترى إلى احترازي من أن يتوهم أن الحمام أعاد له الشوق بعد سكونه ولق أحسن القائل:
وقبلي أبكي كل من كان ذا هوى
…
هتوف البواكي والديار البلاقع
وهن على الأخلال من كل جانب
…
نوائح ما تخضل منها المدامع
مزبرجة الأعناق نمر ظهورها
…
مخطمة بالدر خضر روائع
ومن قطع الياقوت صبغت عيونها
…
خواضب بالحناء منها الأصابع
قال عبد الله محمد بن المكرم مختار هذا الكتاب عفا الله عنه ولقد عمل محي الدين عبد الله بن الشيخ رشيد الدين عبد الطاهر كاتب الإنشاء بعد موت هذا المصنف في هذا المعنى شيئا ظريفا اخترت إيراده هنا وهو:
نسب الناس للحمامة شحوا
…
وأراها في الشجو ليست هنالك
خضت كفها وكحلت العين
…
وغنت وما الحزين كذلك
حميد بن ثور
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة
…
دعت ساق حر ترحة وترنما
بكت شجو ثكلى قد أصيبت حميمها
…
مخافة بين يترك الحبل أجذما
فلم أر مثلي شاقة صوت مثلها
…
ولا عربيا شاقه صوت أعجما
آخر
رويدك يا قمري لست بمضر
…
من الشوق إلا دون ما أنا مضمر
ليكفك أن القلب منذ تنكرت
…
أمامة عن معروفها متنكر
سقى الله أياما خلت لامامة
…
فلم يبق إلا عهدها والتذكر
لئن كانت الدنيا أتت بإساءة
…
لما أحسنت في سالف الدهر أكثر
المنازي البندبيجي الشاعر وبندبيج قصر بالرافقان بين بغداد وحلوان وقد اجتاز بسوق باب الطاق ببغداد حيث يباع الطير فسمع حمامة تلحن في قفص فاشتراها وأرسلها وقال:
ناحت مطوقة بباب الطاق
…
فجرى سوابق دمعي المهراق
حنت إلى أرض الحجاز بحرقة
…
تشجي فؤاد الهائم المشتاق
إن الحمائم لم تزل بحنينها
…
قدما تبكي أعين العشاق
كانت تفرخ في الأراك وربما
…
كانت تفرخ في فروع الساق
تعس الفراق وجذ حبل وتيه
…
وسقاه من سم الأوساد ساقي
يا ويحه ما باله قمرية
…
لم تدر ما بغداد في الأفاق
فأتى الفراق بها العراق فأصبحت
…
بعد الأراك تنوح في الأسواق
فشريتها لما سمعت حنينها
…
وعلى الحمامة عدت بالإطلاق
بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي
…
من فك أسرك أن يحل وثاقي
أبو تمام
اتسعسعت عبرات عينك أن دعت
…
ورقاء حين تشعشع الإظلام
لا تنشحن لها فإن بكاءها
…
ضحك وإن بكاءك استغرام
هن الحمام فإن كسرت عيافة
…
من حانهن حمام
ابن المعتز
وبكيت من حزن لنوح حمامة
…
دعت الهديل فظل غير مجيبها
ناحت ونحنا غير أن بكاءنا
…
بعيوننا وبكاءها بقلوبها
محمد بن يزيد بن مسلمة
أشاقك برق أم شجتك حمامة
…
لها فوق أطراف الأراك رنيم
أطاف إليها الهم فقدان آلف
…
وليل يسد الخافقين بهيم
تداعت على ساق بليل فرجعت
…
وبالوجد منها مقعد ومقيم
تميل إذا ما الغصن حارت متونه
…
كما مال من ري المدام نديم
فباتت تناديه وأنى يجيبها
…
منوط بأطراف الجناح رميم
أتيح له رام بصفراء نبعة
…
على عجسها ماضي الشباة صميم
رماها فأصمها فطارت ولم تطر
…
فظل لها ما ظل عليه تحوم
وظلت بأجراع الغوير نهارها
…
مولهة كل المرام تروم
قرينة ألف لم تفارقه عن قلى
…
غداة غد يوم عليه مشوم
وراحت بهم لو تضمن مثله
…
حشى آدمي ما استطاع بريم
فللبرق إيماض وللدفع واكف
…
وللريح من نحو العراق نسيم
فطورا أشيم البرق وابن مصابه
…
وطورا إلى أعوال تلك أهيم
غناء يروع المنصتين وتارة
…
بكاء كما يبكي الحميم حميم
ومن هاهنا أخذ المنازي قوله
شجا قلب الخلي فقال غنى
…
وبروح بالشجي فقال ناحا
إذا ما استهلت بالغناء تطلعت
…
وأصغي لها طب بذاك عليم
فمن دون ذا المشتاق من كان ذا هوى
…
ويعرب عنه الحلم وهو حليم
شاعر
وآلفة التغريد قاسمتها الهوى
…
فكان عليها النوح والدمع من عندي
وعارضتها بالنوح حتى تشبهت
…
بألفي بلبس الطوق في موضع العقد
سليمان بن حيان
وهتوف ورقاء أرقت العين
…
وزادت خبل الفؤاد خبالا
ذات طوق من الزبر جد يحكي
…
صفو عيش عنا تولى فزالا
أيقظتني والصبح قد خالط
…
الليل كما طرق الصدود وصالا
وتراها كأنما خضبوها
…
بدموعي أو خاضت الجمر آلا
المعتمد بن عباد وهو معتقل بأغمات
بكت أن رأت الفين ضمهما وكر
…
مساء وقد أخنى على إلفها الدهر
وناحت وباحت فاستراحت بسرها
…
وما نطقت حرفا يبوح به سر
فما لي لا أبكي أم القلب صخرة
…
وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر
بكت واحدا لم يشجها فقد غيره
…
وأبكت لآلاف عديدهم مثر
أحمد بن عبد ربه
ويهتاج قلبي كلما كان ساكنا
…
دعاء حمام لم تبت بوكون
وإن ارتاحي من بكاء حمامة
…
كذي شجن داويته بشجون
كأن حمام الأبيك لما تجاوبت
…
حزين بكى من رحمة لحزين
في الهزار
وخرساء إلا في الربيع فإنها
…
نظيرة قس في الغصون الذواهب
أنت تمدح النوار فوق غصونها
…
كما يمدح العشاق حسن الحبائب
تبدل إلحانا إذا قيل بدلي
…
كما بدلت ضربا أكف الضوارب
ابن قرمان
ومما شجاني هاتف يبعث الأسى
…
يهيج من قلبي ومن خفقانه
يكاد القضيب اللدن يعشق شدوه
…
فيشغله بالميس عن طيرانه
عبد الكريم النهشلي
أواجدة وجدي حمائم أيكة
…
تميل بها ميل النزيف غصونها
نشاوى وما مالت بخمر رقابها
…
بواك وما فاضت بدمع عيونها
أفيقي حمامات اللوى إن عندنا
…
لشجوك أمثالا يعود حنينها
وكل غريب الدار يدعو همومه
…
غرائب محسودا عليها شجونها
الحصري
يا هل بكيت كما بكت
…
ورق الحمائم في الغصون
هتفت سحيرا والربى
…
للقطر رافعة في الغصون
فكأنما صاغت على
…
شجوي شجى تلك اللحون
ذكرني عهدا مضى
…
للأنس منقطع القرين
فتصرمت أيامه
…
وكأنها رجع الجفون
قال عوف بن محلم الشيباني عاد عبد الله بن طاهر إلى خراسان فدخلنا الري في السحر فإذا قمرية تغرد فقال عبد الله بن طاهر: أحسن أبو بكر حيث يقول:
ألا يا حمام البيك الفك حاضر
…
وغصنك مياد ففيم تنوح
ثم قال: يا عوف أجز فقلت: أعزك الله شيخ غريب حملته على البديهة ولا سيما في معارضة أبي بكر ثم قلت:
أفي كل عام غربة ونزوح
…
أما للنوى من أوية فتريح
لقد طلح البين المشت أحبتي
…
فهل أرين البين وهو طليح
وأرقني بالري صوت حمامة
…
فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
على إنها ناحت ولم تذر دمعة
…
ونحت أسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما
…
ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى
…
فنلقى عصى التطواف وهي طريح
فإن الغني يدني الفتى من صديقه
…
وبعد الغنى للمقترين طروح
فأذن لي من ساعتي ووصلتي بمائة ألف درهم وردني إلى منزلي.
حدث رجل من قريش قال: حججنا وعدنا فأتينا في بعض المنازل امرأة في خبائها فاستأذنا عليها فقالت: يا هؤلاء أفيكم من أهل البصرة؟ قلنا: نعم، قالت: هاهنا رجل لما به يريد أن يوصي إلى بعضكم وتشهدوا وفاته. فقمنا إليه وإذا رجل مدنف فكلمناه وإذا طائر سقط على شجرة وصوت فنظر إليه وبكى وأنشد:
يا بعيد الدار عن وطنه
…
مفردا يبكي على شحنه
ولقد زاد الفؤاد شجى
…
هاتف يبكي على سكنه
ثم أغمي عليه فقلنا نحبه ثم فتح عينه والطائر يصوت على حاله فقال:
كلما خد البكاء به
…
زاد الأسقام في بدنه
شفه ما شفني فبكى
…
كلنا يبكي على سكنه
ثم تنفس وأغمى عليه فظنناها كالأولى وإذا هو قد مات فسألنا المرأة عنه فقالت: هذا العباس بن الأحنف. فغلناه ودفناه.
قال يوسف بن هارون: بكرت ولابن هذيل إلى باب أبي المطرف بن مثنى بقرطبة وهو أميرها فلقبت يحيى بن بكر قد بكر قبلي فقال لي: ما عندك. فقلت: ليس عندي كبير معنى ولكن ما عندك أنت فأخرج قصيدة منها:
ومرنة والدجن ينسج فوقها
…
بردين من حلك ونوه باكي
مالت على طي الجناح كأنما
…
جعلت أربكتها قضيب أراك
وترنمت لحنين قد خلتهما
…
كغناء مسمعة وأنه شاكي
ففقدت من نفسي لفرط صبابتي
…
نفس الحياة وقلت من أبكاك
فأنشدينها وأنا أعد محاسنها فلما أكملها قال: انصرف إلى المكتب وتأدب حتى تحكم مثل هذا. فحركني كلامه ولم يخرج أبو المطرف ذلك اليوم فبكرت إليه وأنشدت:
أحمامة فوق الأراكة بيني
…
بحياة من أبكاكح ما أبكاك
أما أنا فبكيت من حرق الهوى
…
وفراق من أهوى فأنت كذاك
فلما سمعها ابن هذيل قال لي: عارضتني. قلت: لا إنما ناقضتك. فقال: أذهب فقد أخرجتك من المكتب. عارض هاتين القصيدتين أبو مروان المعروف بالبلينة فقال:
أحمامة بكت الهديك وغنما
…
طربت فغنت فوق غصن أراك
معشوقة التثويب ذات قلائد
…
غنيت جواهرها عن الأسلاك
ناحت على فتنم وكل شج بكى
…
يوما بلا دمع فليس بباكي
لو كنت صادقة وكنت شجية
…
جادت دموعك حين جد بكاك
علي بن حصن كاتب المعتمد
وما هاجني إلا ورقاء هاتف
…
على فتن بين الجزيرة والنهر
مفستق طوق لازوردي كلكل
…
موشى الطلا أحوزى القوادم والظهر
أدار على الياقوت أجفان فضة
…
وصاغ من العقيان طوقا على الشفر
حديد شبا المنقار داج كأنه
…
شبا قلم من فضة مد في حبر
توسد من فرع الأراك أريكة
…
ومال على طي الجناح مع النحر
ولما رأى دمعي تؤاما أرابه
…
بكائي فاستولى على الغصن النضر
وحث جناحه وصفق طائرا
…
وطار بقلبي على الغصن النضر
وحث جناحيه وصفق طائرا
…
وطار بقلبي حيث طار ولا أدري
في وصف الحمام
سجعت هاتفه الور
…
ق غناها شحط بين
ذات طوق مثل خط
…
النون أقنى الطرفين
وترى ناظرها يل
…
مع في ياقوتتين
تخرج الأنفاس من
…
ثقبين كاللؤلؤتين
كشاجم يرثى قمريا
وفجعت بالقمري فجعة تأكل
…
وفقدت منه أمتع السمار
لون الغمامة والعمامة لونه
…
ومناسب الأقلام بالمنقار
ومطوق من صنع خلقة ربه
…
طوقين خلتهما من النوار
ولطالما استغنيت في غلس الدجى
…
بهديله عن مطرب الأوتار
مرح الأصائل يستحث كؤوسنا
…
ويقيمنا للفرض في الأسحار
لهفي على القمري يبقى دائما
…
يكوي الحشا بجوى كلذع النار
ولقد هجرت الصبر بعد فراقه
…
ولقد مزحت دما بدمع جاري
ما كنت في الأطيار إلا واحدا
…
هبهات أودى سيد الأطيار
أبو إسحاق الصابي في الببغاء
أنعتها صبيحة مليحة
…
ناطقة باللغة الفصيحة
عدت من الأطيار واللسان
…
يوهمنا بأنها إنسان
تنهي إلى صاحبها الأخبارا
…
وتهتك الأسرار والأستارا
صماء إلا أنها سميعه
…
تعيد ما تسمعه طبيعه
وربما لقنت العضيهه
…
فتغتدي بذية سفيهه
زارتك من بلادها البعيده
…
واستوطنت عندك كالقعيدة
ضيف قراء الجوز والإوز
…
والضيف في أبياتها يعز
تراه في منقارها الخلوقي
…
كلؤلؤ يلقط بالعقيق
تنظر من عينين كالمقصين
…
في النور والظلماء بصاصين
تميس في حلتها الخضراء
…
مثل الفتاة الغادة العذراء
خريدة خدروها الأقفاص
…
ليس لها من حبسها خلاص
نحبسها وما ها من ذنب
…
وإنما نحبسها للحب
تلك التي قلبي بها مشغوف
…
كنيت عنها واسمها معروف
عبد الواحد بن فتوج الوراق في الحمام الداجن
يجتاب أودية السحاب بخافق
…
كالبرق أومض في السحاب فأبرقا
لو سابق الريح الجنوب لغاية
…
يوما لجاءك مثلها أو أسبقا
يستقرب الأرض البسيطة مذهبا
…
والأفق والسقف الرفيعة مرتقى
ويظل يسترق السماع مخافة
…
في الجو تحسبه الشهاب المحرقا
يبدو فيعجب من رآه لحسنه
…
وتكاد آية عنقه أن تنطفا
مترقرق من حيث درت كأنما
…
لبس الزجاجة أو تجلبب زئبقا
أبو العلاء المعري في الخطاف
ولاية من حندس الليل ظلمة
…
مفرجةعن صدرها تشبه القبا
برأس تحاكي شاه بلوط أعجم
…
تغني بصوت معجم ليس معربا
لقد أتقن الصباغ جرى سوادها
…
وقد طوسوا منها قذالا ومنكبا
تراها إذا ما أقبل الصبح ضاحكا
…
وولى الدجى عنها هزيما مقطبا
تصفق لا أدري أحزنا على الدجى
…
وأما إلى ضوء الصباح تطربا
إذا أقبلت في دار قوم تباشروا
…
وقالوا لها أهلا وسهلا ومرحبا
الصابي
وهندية الأوطان زنجية الخلق
…
ومسودة الألوان محمرة الحدق
كأن بها حزنا وقد لبست له
…
حدادا وأذرت من مدامعها علق
تصيف إلينا ثم تشتو بأرضها
…
وفي كل عام ناتقي ثم نفترق
أبو الشيص في الهدهد
لا تأمنين على سري وسركم
…
غيري وغيرك أو طي القراطيس
أو طائر ساجليه وابعثه لنا
…
ما زال صاحب تبيين وتأسيس
سود ترائبه ميل ذوائبه
…
صفر حماليقه في الحبر مغموس
وكان هم سليمان ليذبحه
…
لولا سياسته مع ملك بلقيس
روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الدواب أربع لا يقتلن النحلة والنملة والصرد والهدهد) ومن أعاجيب الخفاش أنه طائر وهو مع أنه شديد الطيران كثير التكفي في الهواء سريع التقلب فيه ولا يجوز أن يكون طعمه إلا من البعوض وقوته إلا من الفراش وأشباه الفراش ثم لا يصيده إلا في وقت طيرانه في الهواء وقت سلطانه لأن البعوض إنما يتسلط في الليل فلا يجوز أن يبلغ ذلك إلا بسرعة اختطاف واختلاس وشدة طيران ولين أعطاف وحسن تأت ورفق بالصيد وهو ليس بذي ريش وإنما هو لحم وجلد وطيرانه بلا ريش عجب من أعاجيبه إنه لا يطير في ضوء ولا ظلمة وهو قليل شعاع العين ولذلك لا يظهر في الظلمة لأنها تكون غامرة لضياء بصره غالبة لمقدار شعاع ناظره ولا يظهر نهارا لأن ضعف ناظره يلمع في شدة بياض النهار ولأن الشيء المتلألئ ضار لعيون من يوصف بحدة البصر ولأن شعاع الشمس - لمخالفة مخرج أصوله ومذاهبه - يكون رادعا لشعاع ناظره ومفرقا له فهو لا يبصر ليلا ولا نهارا فلما علم ذلك واحتاج إلى الكسب والطعم التمس الوقت الذي لا يكون فيه من الظلام ما يكون قاهرا غالبا ولا من الضياء ما يكون معيشا مانعا والتمس ذلك في وقت غروب الشمس وبقية الشفق لأنه وقت هيجان البعوض وهو وقت ارتفاعها في الهواء وانتشارها وطلب أرزاقها فالبعوض خرج للطعم وطعمه دماء الحيوان والخفافيش تخرج للطعم فيقع طالب رزق على طالب رزق وزعموا أن النسل له آذان والمسموحة من جميع الحيوان أنها تبيض بيضا وكل أشرف له آذان ولا يلد ولا يبيض ولا يدري على ذلك ولآذان الخفافيش حجم ظاهر وهي
وإن كانت من الطير فإن هذا وهي تحبل وتلد وتحيض وترضع وزعم صاحب المنطق أن ذوات الأربع كلها تحيض على اختلاف في القلة والكثرة والزمان والخضرة والصفرة والغلط
والرقة وليس في سائر الطير ما يحيض ولا يبيض إلا الخفافيش وبلغ من ضن الخفافيش يولدها وخوفها عليه أنها تحمله تحت جناحها وربما قبضت عليه بفمها قبضا رقيقا وربما أرضعته وهي تطير وتقوى من ذلك ويقوى ولدها على ما لا يقوى عليه الحمام وسباع الطير وربما أتأمت الخفاش أنه من الطير وليس له منقار مخروط وله فم فيما بين مناسر السباع وأفواه البوم وفيه أسنان حداد صلاب مرصوفة من أطراف الحنك إلى أصول الفك إلى ما كان في نفس الخطم وقد عرفت درب أسنانها ومن أعاجيبها تركها البراري والقفار وقصدها منازل الناس وأرفع مكان وأحصنه من البيوت فتتوطنه وأنها طويلة العمر حتى تجوز حد العقاب والورشان إلى النسر وتجور حد الفيلة والأسد وحمير الوحش إلى أعمار الحيات وإن أبصارها تصلح على طول العمر فيقال أن التي يطرن في القمر من المسنات المعمرات وإن أولادهن إذا بلغن لم تقو أبصارهم على ضياء النور وإنها تصبر على فقد الطعام وأنها تضخم وتجسم وتقبل اللحم على الكبر والسن والنساء وأشباه النساء يزعمون أن الخفاش إذا عض إنسانا فلا يدع سنه من لحمه حتى يسمع نهيق حمار وحش. قال: فما أنى فزعي من مس الخفافيش ووحشتي من قربها إلى أن بلغت والذي لا يبصر بالليل من الناس تسميه الفرس سكون وتأويله أعمى ليل وليس له في لغة العرب أسم أكبر من أنه يقال للذي يبصر بالليل من الناس به هذيل وأما الأغطش فإنه سيئ البصر بالليل والنهار وإذا كانت المرأة رديئة البصر بالنهار قيل لها
جهراء وقيل الجهراء التي لا تبصر في الشمس وقالوا السحاة مقصور أسم الخفاش والجمع سحا وأنشدوا لغزا في الخفاش:
أبى شعراء الناس أن يخبروني
…
وقد ذهبوا في الشعر في كل مذهب
بجلدة إنسان وصورة طائر
…
وأظفار يربوع وأنياب ثعلب
وعن عبد الله بن عمر أنه قال: لا تقتلوا الضفادع فإن نعيقهن تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه إذا خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم وفي رواية لا تقتلوا الخفاش فإنه استأذن البحر أن يأخذ من مائة فيطفئ بيت المقدس حين حرق وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الوطواط وأمر بقتل الوزاغ والخفاش يأتي الرمانة في شجرتها فينقب عنها فيأكل كل شئ حتى لا يدع إلا القشر وحده فهم يحفظون الرمان من الخفافيش بكل حيلة ولحوم الخفافيش موافقة للشواهين والصقور ولكثير من جوارح الطير
وتسمن عليها وتصبح أبدانها ولها في ذلك عمل بين الأثر.
وللعسكري في الخطاف
وزائرة في كل عام تزورنا
…
فيخبر عن طيب الزمان مزارها
تخبر أن الجو رق قميصه
…
وأن الرياض قد توشى إزارها
وأن وجوه الغرب راق بياضها
…
وأن وجوه الأرض راع اخضرارها
نحن إلينا وهي من غير شكلنا
…
فتدنو على بعد من الشكل دارها
أغار على ضوء الصباح قميصها
…
وفات بألوان الليالي خمارها
تصيح كما صرت مع العرائس
…
تمشت إلينا هندها ونوارها
(عاد الحديث إلى الحمام) العرب تقول أن نوحا أرسل الغراب والحمام من السفينة لما استقرت على الجودي فلم يرجع الغراب فدعى عليه ورجعت الحمامة فدعى لها فتزينت بالطوق عن سائر الطيور قال جهم بن خلف:
وقد شاني نوح قمرية
…
طروب العشي هتوف الضحى
مطوقة كسيت زينة
…
بدعوة نوح لها إذا دعا
فلم أر باكية مثلها
…
تبكي ودمعتها لا ترى
عبد الله بن أبي بكر الصديق
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها
…
ولا مثلها في غير جرم تطلق
أعاتك لا أنساك ما هبت الصبا
…
وما ناح قمري الحمام المطوق
ومن كتاب الطير للجاحظ قال: كل طائر يعرف بالصوت الحسن والدعاء والهدير والترجيع فهو حمام وإن خالف بعضه بعضا في بعض الصور واللون والقد ولحن الهديل كما تختلف الإبل والبقر والمعز والدجاج في أنواعها وأشكالها ولا يخرجها ذلك عن أن تكون إبلا وبقرا أو معزا أو دجاجا والقمري والفاختة والورشان والشفنين واليام واليعقوب وضروب أخر كلها حمام وزعم أفليمون صاحب الفراسة أن الحمام تتخذ لضروب منها ما يتخذ للأنس ومنها ما يتخذ الفراخ ومنها ما يتخذ للطيران والتهلي بذلك ومنها ما يتخذ للترحل والسباق ومن مناقب الحمام حبه للناس وأنس الناس به وهو أن جميع طبقات الأمم تحبه وتتخذه ثم ذكر قمط الحمام فقال يبتدئ الذكر بالدعاء والطرد وتبتدئ الأنثى بالتأني والاستدعاء ثم
تزيف وتتشكل ثم تمكن وتمنع وتجيب وتصدف بوجهها ثم يتعاشقان ويتطاوعان ويحدث لهما من الغزل والقبل والمص والرشف والغنج والخيلاء ومن إعطاء التقبيل حقه كله وإدخال الفم في جوف الفم وذلك هو التطاعم هذا مع إرسالها جناحيها وكتفيها على الأرض وهو مع تدريجها وتنقيلها ومع تنفجه وتنفخه مع ما يعتريه من الحكة والتفلى والتنفش ثم الذي يرى من كشحه بذنبه وارتفاعه بصدره وضربه بجناحه وفرحه ومرحه بعد قمطه والفراغ من شهوته، ثم أنه يعتريه ذلك في الوقت الذي يفتر فيه أنشط الناس وتلك خصلة يفوق
بها الحيوان من الإنسان فمن دمنه ومن عجيب فطن الحمام أنه في كل حين يقلب بيضه حتى يصير ما كان يلي الأرض منه يلي بدن الحمام من بطنه وباطن جناحيه حتى يعطي جميع البيض نصيبها من الحضن ومما أشبه فيه الحمام الناس أن ساعات الحضن على البيض أكثرها على الأنثى وإنما يحضن الذكر في صدر النهار يسيرا كالمرأة التي تكفل الصبي فتطعمه وتمرخه وتتعاهد بالتمهيد والتحريك حتى إذا ذهب الحضن وصار البيض فراخا وصار في البيت عيال وما يحتاجون إليه من الطعام والشراب صار أكثر ساعات الزق على الذكر كما أن أكثر ساعات الحضن على الأنثى. قال مثنى بن زهر وهو أمام في التبصر بالحمام لم أر شيئا في الرجل والمرأة إلا رأيت مثله في الذكر والأنثى من الحمام رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها كالمرأة التي لا تريد إلا زوجها وسيدها ورأيت حمامة لا تمنه شيئا من الذكور ورأيت امرأة لا تدفع يد لامس ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد طرد كثير وشدة طلب ورأيتها تزيف لأول ذكر يريدها ساعة يصل إليها، ورأيت الحمامة لها زوج وهي تمكن ذكرا آخر لا تعدوه ورأيت مثل ذلك في النساء، ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها ورأيتها لا تفعل ذلك إلا وذكرها يطير أو يحضن، ورأيت الحمامة تقمط الحمامة ورأيت الحمام الذكر يقمط الحمام الذكر، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ويقمطها افناث ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ولا تدع أنثى تقمطها، ورأيت ذكرا يقمط الذكر ويقمطه الذكر ورأيت ذكرا يقمط الذكور ولا يدع ذكرا يقمطه، ورأيت أنثى تزيف للذكور ولا تدع ذكرا منها يقمطها، ورأيت هذه الأصناف كلها في السحاقات من المذكرات والمؤنثات وفي الرجال الخلقيين واللوطيين ورأيت من النساء من تزني أبدا ولا تتزوج ومن الرجال من يلوط ولا يزني أبدا ولا يتزوج ورأيت حماما يقمط ما لقي ولا
يتزوج ورأيت حمامة تمكن كل حمام أرادها
ذكرا وأنثى وتسفد الذكور والإناث ولا تتزوج ورأيتها تزاوج ولا تبيض وتبيض فيفسد بيضها كالمرأة وهي عاقر وكالمرأة تلد وتكون خرقاء ويعترض لها العقوق والطلة على أولادها كما يعتري ذلك العقاب قال الجاحظ: ورأيت الجفاء بالأولاد شائعا في اللواتي يحملن من الحرام ولربما ولدت من زوجها فيكون عطفها وتحنتها وبين ذلك الولد رحم وكأنها لم تلده، والحمام والفواخت والأطرغلة والحمام البري يبيض مرتين في السنة والحمام الأهلي يبيض عشر مرات وإذا باض الطير لم يخرج البيضة من جهة التحديد والتلطيف لبل يكون الذي يبدأ بالخروج الجانب الأعظم وكان الظن يسرع على أن الراس المحددة هي التي تخرج أولا والبيضة عند خروجها لينة القشرة غير يابسة ولا جامدة والبيضة في بطن الطائر مستوية الطرفين فإذا خرجت فهي لينة وبرز نصفها أنضم الرحم عليها بطبعه فيحدد النصف الباقي لمكان لينها وكلما انسلتت منم الرحم زاد التحديد ويقولون أن البيض يكون من أربعة أشياء يكون من التراب ومن السماد ومن نسيم يصل إلى أجوافها في بعض الزمان ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة فإن الأنثى ربما كانت على سفالة الريح التي تهب من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضا قال الجاحظ ولا شك في أن النخلة المطعمة تكون بقرب الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريح وتكتفي بذلك قال ويكون بيض الريح من الدجاج والحمام والطاووس والإوز قال وبيض الصيف المضون أسرع خروجا منه من الشتاء وكذلك تحضن الدجاجة في الصيف ثمان عشرة ليلة وربما عرض غيم في الهواء ورعد في وقت حضن طائر فيفسد البيض وفساده في الصيف أكثر وفي هبوب الجنائب وكان ابن الجهم لا يطلب من نسائه الولد إلا
والريح شمال والرعد إذا أشتد لم يبق طائر على وجه الأرض واقفا إلا غدا فزعا، وإن كان يطير إلا رمى بنفسه إلى الأرض وكذلك الرعد تلقي له الحمامة بيضها، وليس التقبيل إلا للحمام والإنسان، ولا يدع ذكر الحمام ذلك إلا بعد الهرم. والفرخ يخلق من البياض ويتغذى بالصفرة ويتم خلقه لعشرة أيام والرأس وحده أكبر من سائر الجسد، ويبلغ من تعظيم الحمام لحرمة البيت أن أهل مكة عن أخرهم لم يروا فالحمام قط سقط على ظهر الكعبة إلا من على عرضت له فإن كانت هذه المعرفة اكتسابا فالحمام فوق جميع الطير وكل ذي أربع وأن كان إنما هم من طريق الإلهام ملك صاحبه
وكان المطلوب أكثر مالا وأشجع رجالا وأخصب بلادا وكان بينهما مسافة بعيدة فخافه الطالب على ملكه، فأستشار وزراءه فأشاروا عليه بآراء منها مصاهرة الملك والخطبة إليه ليستكفي بذلك شره فأظهر الملك خطبته وأرسل رسولا إليه وهدايا وأمر رسله أن يصانعوا جميع من يصلون إليه ودس رجالا من ثقاته وأمرهم باتخاذ الحمام ببلاده وتوطينهم واتخذ أيضا عند نفسه مثلهن فيرفعوهن من غاية إلى غاية إلى أن بلغ الغرض وجعل هؤلاء يرسلون من بلاد الملك والآخرون يرسلون من بلاد الملك الآخر، وأمرهم بمكاتبته بالخبر كل يوم وتعليق الكتب في أصول أجنحة الحمام فصار لا يخفى عليه شيء من أمر عدوه فأطعمه عدوه في التزويج وطاوله ليطلب غرته، ودس لحرسه رجالا فلاطفوهم حتى صاروا يبيتون بأبوابه، فلما وجدوا منه غرة كتبوا إليه بغرته فأتاه الخير من يومه فسار إليه بجند أنتخبهم بجامع الطرق ووثب أصحابه من داخل وهو وجنده من خارج ففتحوا الأبواب وقتلوا الملك وغلب على تملك المملكة فعظمته الملوك وهابوه وطار صيته بالحزم والكيد وأطاعوه وكان ذلك بسبب الحمام، قال الجاحظ
وللحمام من الفضيلة والفخر أن الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار ولم يبلغ ذلك باز ولا شاهين ولا صقر ولا عقاب ولا طاووس ولا بعير ولا بغل وذلك معروف في البصرة وبغداد، الحمام إذا جاء من الغابة بيع الفرخ الذكر من فراخه بعشرين دينارا وأكثر وبيعت الأنثى بعشرة دنانير وأكثر وبيعت البيضة بخمسة دنانير وأكثر فيقوم الزوج منها في الغلة مقام الصنعة الفاخرة حتى يبيض بمونة العيال ويقضي الدين ويبني من غلاته وأثمان رقابه الدور الجياد ويبتاع الحوانيت المغلة وهو في ذلك ملهى عجيب ومعتبر لم تذكر. وللحمام حسن الاهتداء وجودة الاستدلال وثبات الحفظ والذكر وقوة النزاع إلى أربابه والألف لوطنه وكفاك اهتداء ونزاعا أن الحفظ والذكر وقوة النزاع إلى أربابه والألف لوطنه وكفاك اهتداء ونزاعا أن يكون طائرا من بهائم الطير يجيء من خرشته ومن أفلوة وهما بدرب الروم إلى بغداد والبصرة، ثم الدليل على أنه إنما يستد بالعقل والمعرفة والعيافة أنه إنما يجيء من الغابة بالتدريج والتدريب وعلى ترتيب والدليل على علم أربابه بأن تلك المقدمات قد تجعن فيه وعملن في طباعه إنه إذا بلغ الحد المطلوب طيروه إلى الدرب وما فوق الدرب من بلاد الروم، ولو كان الحمام مما يرسل بالليل لكان ممل يستدل بالنجوم لأنا رأيناه يلزم بطن الفرات أو بطن الأودية
التي قد مر بها وهو يرى ويبصر ويفهم انحدار الماء ويعلم بعد طول الجولان إذا هو أشرف على الفرات أو دجلة أن طريقه وطريق الماء واحد وأنه ينبغي أن ينحدر معه وما أكثر ما يستدل على الجولان في الطرق إذا أعيته بطون الأودية فغن لم يدر أمصعد هو أو منحدر تعرف ذلك بالريح ومواضع الشمس في السماء وإنما يحتاج إلى ذلك كله إذا لم يكن وقع بعد على رسم يعمل عليه وربما كسر حين يرحل شمالا وجنوبا وصبا ودبورا. وللحمام نسب اشتملت عليه دواوين أصحاب الحمام أكثر من كتب الإنسان التي تضاف على الكلبي
وغيره من النسابين، وقال صاحب الحمام ليس في الأرض جنس يعتريه الإنضاج والشتات ويكون فيها المصمت وأسود مصمت وأحمر مصمت وأبيض مصمت وضروب كلها مصمتة الألوان إلا أن الهداية للخضر والنمر فإذا أبيض الحمام كالنقيع فمثله من الناس الصقالية فإن الصقلي فطير خام لم تنضجه الأرحام لأنها كانت في البلاد التي شمسها أضعف من غيرها، وإذا أسود الحمام فإنما ذلك احتراق مجاورة لحد النضج ومثله من الناس الزنج فن أرحامهن جازت حد الإنضاج إلى الاحتراق وشيطت الشمس شعورهم فتقصفت والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد فإن زدته تفلفل فإن ردته أحترق فكما أن عقول سودان الناس وحمراتهم دون عقول السمر فكذلك بيض الحمام وسودها دون الخضر في المعرفة والهداية، والنقيع من الخيل لا ينجب وليس فيه إلا حسن بياضه لمن اشتهى ذلك لا غير، والحمام طائر ألوف مألوف محبب موصوف بالنظافة حتى أن زرقة لا يعاب ولا نتن له كسلح الدجاج والديكة وقد يعالج بزرقه صاحب الحصاة، وللفلاحين فيه منافع والخباز يلقي الشيء منه في الخبز لينفخ العجين ويعظم الرغيف ثم لا يبين ذلك فيه ولزرقها غلاب وليس طائر له أطواق إلا الحمام. وفي ذم الحمام روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد أن يذبح الحمام وقال: لولا أنها أمة من الأمم لأمرت بذبحها ولكن قصوهن فدل بقوله قصوهن على إنها إنما تذبح لكثرة من يتخذهن ويلعب بهن من الفتيان والشطار وأصحاب المراهنة والقمار والذين يشرفون على حرم الجيران ويخدعون بفراخ الحمام أولاد الناس ويرمون الجلاهق وما أكثر من فقأ عينا وهشم أنفا وهتم فما وهو لا يدري ما صنع ثم تذهب جنايته جبارا ويعود ذلك الدم مطولا إذ كان صاحبه مجهولا وكان عمر رضي الله عنه أمر بذبح
الديكة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وروى أن عثمان بن
عفان رضي الله عنه شكوا إليه الحمام فقال: من أخذ منهن شيئا فهو له قال الجاحظ: وقد علمنا أن اللفظ وإن كان وقع على شكاية الحمام أن المعنى إنما هم في شكاية أصحاب الحمام لأنه ليس للحمام معنى يدعو إلى شكايته، وسئل الحسن عن الحمام الذي يصطاده الناس، فقال: لا تأكله فإنه أموال الناس فجعله مالا ونهى عن اصطياده بغير إذن أهله وكلما كان مالا فبيعه حسن وابتياعه حسن فكيف يجوز لشيء هذه صفته أن يذبح إلا أن يكون ذلك على سبيل العقاب والزجر لمن أتخذه لما لا يحل ونهى عثمان رضي الله عنه عن لعب الحمام وعن رمي الجلاهق قال الجاحظ: شهد أبو أحمد صاحب حمام يوم مجيء حمامه من واسط وكانت واسط يومئذ هي الغاية فرآه كلما جاء طائر من حمامه نعر ورقص وقال له: أني أرى مكنك عجبا أراك تفرح بمجيء حمامك من واسط وهو ذاك الذي كان وهو الذي جاء وجاء ولم يجيء معه بشيء فما سبب الفرح؟ فقال: فرحي أني أرجو بيعه بخمسين دينارا قال: ومن يشتريه منك بخمسين دينارا؟ قال: فلان وفلان، فمضى إليها فقال: زعم فلان أنك تشتري حماما جاء له من واسط بخمسين دينارا، فقال: صدق فقال: لم تشتريه بخمسين دينارا، قال: لأنه جاء من واسط قال: وإذا جاء من واسط لم تشتريه بخمسين دينارا، قال لأني أبيع الفرخ منه بثلاثة دنانير والبيضة بدينارين قال: ومن يشتريه منك قال: مثل فلان وفلان ومضى إليها فقال: زعم فلان أنك تشتري منه فرخا جاء أبوه من واسط بثلاثة دنانير والبيضة بدينارين قال: صدق قال: فلم تشتريها بذلك قال: أن أباه جاء من واسط قال: وإذا جاء أبوه من واسط فهو ماذا قال: لأني أرجو أن يجيء هو من واسط قال: فإذا جاء من واسط قال: أبيعه بخمسين دينارا قال: ومن يشتريه منك بخمسين دينارا قال: فلان وفلان فمضى إليهما فقال: زعم فلان
أن فرخا من أفراخه إذا جاء من واسط تشتريه منه بخمسين دينارا، قال: صدق قال: ولم تشتريه إذا جاء من واسط بخمسين دينارا فأعاد عليه مثلما قال له الأول بعينه فقال: لا رزق الله من يشتري حماما جاء من واسط بخمسين دينارا رزقا.
ومما جاء في صراخ الديك وآذانه بالصباح قال عبد الله بن عبد الله بن عتبة: صرخ ديك عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبه بعض أصحابه فقال (لا تسبوه فأنه يدعو إلى الصلاة) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مما خلق الله عز وجل لديكا عرفه
تحت العرش ورجلاه في الأرض السفلى وجناحه في الهواء فإذا ذهب ثلثا الليل وبقي ثلث ضرب بجناحه ثم قال سبحان الملك القدوس سبوح قدوس ربي لا شريك له فعند ذلك تضرب الطير بأجنحتها وتصيح الديكة) وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور) وكان صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت وزعم أهل التجربة أن كثيرا ما يرون الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لا يزال ينكب في أهله والديك يسمى العنزفان. قال عدي بن زيد يصف الحمر:
ثلاثة أحوال وشهر تجرما
…
يضيء كعين العنزفان المحارب
سمله بالمحارب كما سماه بالعنزفان قال المصنف وأنا أرى انه لم يسميه بالمحارب وإنما وصفه بذلك لأن غير الديك المحارب اشد حمرة واحد وأحد نظرا من غير المحارب فيكون مبالغة في وصف حمرة العين وبصيصها ويكون كقوله المحارب في البيت موقع حسن مع البديع يسمى التتميم كقول امرئ القيس:
كأن عيون الوحش حول خبائنا
…
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
فقوله لم يثقب أتم في التشبيه، وفي الديك الصيصة وهي طرف عرفه الحاد وهي سلاحه الذي يقاتل به وبها سمي الثور صيصه وسمية آطام
المدينة للامتناع بها صياصي وفي التنزيل العزيز (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم) ويقال لصوت الديك الدعاء والزقاء والهناف والصياح والصراخ والصقاع وهو يهتف ويصقع ويصيح ويزقو ويصرخ ويقال للهام أيضا يزقو قال الراجز:
ومنهل طامسه أعلامه
…
يعوي به الذئب ويزقو هامه
ثوبة بن الحمير
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت
…
علي وفوقي جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا
…
إليها صدى من جانب القبر صائح
السري الرفاء
كشف الصباح قناعه وتألقا
…
وسطا على الليل البهيم فأطرقا
وعلا فلاح على الجدار موشح
…
بالوشي توج بالعقيق وطوقا
مرح فضول التاج من لباته
…
ومشمر وشيا عليه منمقا
شاعر
غدوت بشرية من ذات عرف
…
أبا الدهماء من حلب العصير
وأخرى بالعقنقل ثم سرنا
…
نرى العصفور أعظم من بعير
كأن الديك ديك بني نمير
…
أمير المؤمنين على السرير
كأن دجاجهم في الدار رقطا
…
وفود الروم في قمص الحرير
فبت أرى الكواكب دانيات
…
ينلن أنامل الرجل القصير
أدافعهن بالكفين عني
…
وأمسح جانب القمر المنير
عبد السلام ديك الجن يرثى ديكا لأبي عمرو عمير بن جعفر كان له
عنده مدة فذبحه وعمل عليه دعوة وبها ديك الجن
دعانا أبو عمرو عمير بن جعفر
…
على لحم ديك دعوة بعد موعد
فقدم ديكا عند دهرا مدملجا
…
مبرنس أبيات مؤذن مسجد
يحدثنا عن قوم هود وصالح
…
وأغرب من لاقاه عمرو بن مرثد
وقال لقد سبحت دهرا مهللا
…
وأسهرت بالتأذين أعين هجد
أيذبح بين المسلمين مؤذن
…
مقيم على دين محمد
فقلت له يا ديك أنك صادق
…
وإنك فيما قلت غير مفند
ولا ذنب للأضياف إن نالك الردى
…
فإن المنايا للديوك بمرصد
العسكري
متوج بعقيق
…
مقرط باللجين
يزهى بتاج وطوق
…
كأنه دور عين
ابن معمعة الحمصي
يا ابن اقيال وائل الكرام الصيد
…
من تغلب قروم القروم
والمير الذي عليه إمارا
…
ت المعالي من حادث وقديم
قد مدحت الأمير بالأمس منثورا
…
وجئت الغداة بالمنظوم
فاستمع قصتي وفرج بإحسانك
…
ما بي منم طارقات الهموم
لي ديك حضنه وهو في البيضة
…
من منصب كريم الخيم
ثم ربيته كتربية الطفل
…
رضيعا وعند حال الفطيم
يأكل العفو كيف ما شاء من ما
…
لي أكل الولي مال اليتيم
هو عندي بصورة الوالد البر
…
وفي صورة الصديق الحميم
أبيض اللون أفرق العرف نظار
…
بعين كأنها عين ريم
وعلى نحره وشاحان من شذر
…
بديع ولؤلؤ منظوم
رافع راية من الذنب المشرف
…
يسعى بها كسعي الظليم
وإذا ما مشى تبختر مشي الطرب
…
المنتشي من الخرطوم
وسم الأرض وسم طين كتاب
…
بخواتيم كاتب مختوم
وله خنجران في قصب الساقين
…
قد ركبا لحفظ الحريم
وعليه من ريشه طيلسان
…
صيغ من صيغه اللطيف الحكيم
وجميع الديوك تشهد في حمص
…
له بالحلال والتعظيم
يتجاوبن بالصياح مشيرات
…
إليه في ذاك بالتسليم
وإذا ما رأيته بين خمس
…
من دجاجاته كبار الجسوم
قلت ملك يخدمنه فتيات
…
يتهادين بين زنج وروم
وترى عرفه فتحسبه التاج
…
على رأس كسروي كريم
ثاقب العلم بالمواقيت ليلا
…
ونهارا وحاذق بالنجوم
ويحث الجيران حولي علي البر
…
كحث المدير كأس النديم
وله أيها الأمير علي العهد في
…
سالف الزمان القديم
إنه آمن من الشر عندي
…
غير يوم المشيئة المحتوم
وقد احتجت أن أضحي في العيد
…
به حاجة الأديب العديم
وبناتي يقلن يا أبتانا
…
أنت في ذاك بين عذر ولوم
وتراهن حوله يتباكين
…
بدمع سيدي بذبح عظيم
تبق في ذال سنة لك يبقى
…
ذكرها ذكر كبش إبراهيم
اجتمع الأمير أبو الفضل الميكالي ليلة بحبيب له فلما كان في السحر صرخ الديك فقام محبوبه وقال أصبحنا وخرج فقال يهجو الديك:
قام بلا عقل ولا دين
…
يخلط تصفيقا بتأذين
فنبه الأحباب من نومهم
…
ليخرجوا في غير ما حين
كأنما غص بها حلقه
…
أغصه الله بسكين
شاعر
ما عذرنا في حبسنا الأكوابا
…
سقط الندى وصفا النسيم وطابا
ودعى بحي على الصبوح مغردا
…
ديك الصباح فهيج الأطرابا
آبو بكر الخوارزمي
لما بدت روح الضياء
…
تدب في جسم الظلام
وغدت نحو الليل وهي
…
تغر من حدق الأنام
والديك يتلو دائما
…
هجو النيام على القيام
قال المؤذن ما أراد
…
وقلت من حسن الكلام
هو قال حي على الصلاة
…
وقلت حي على المدام
قال عبد الله بن محمد مختار هذا الكتاب لم يقل أبو بكر الخوارزمي بيت المؤذن على هذه الصورة وإنما قاله على صورة يستقبحها من يتمسك بيسير من الأدب مع الدين قال:
ناقضت ما قال المؤذن بالفعال وبالكلام
فغيرته ولا أستحسن أراده كما قاله:
كشاجم
مطرب الصبح هيج الطربا
…
لما قضى الليل نحبه نحبا
مغرد تابع الصياح فما
…
ندري رضى كان ذلك أم غضبا
ما شكر الطير أنه ملك
…
لها فبالتاج راح معتصبا
مد ليمتد صوته عنقا
…
منه وهز الجناح واضطربا
طوى الظلام البنود منصرفا
…
حين رأى الفجر ينشر العذبا
والليل من فتكة الصباح به
…
كراهب شق جيبه طربا
فباكر الخمرة التي تركت
…
بنان كف المدير مختصبا
فليس نار الهموم خامدة
…
إلا بنور الكؤوس ملتهبا
الصابي
كوكب الإصباح لاحا
…
طالعا والديك صاحا
فاسقينها قهوة تأسو
…
من الهم جراحا
ذات نشر كنسيم الروض
…
غب القطر فاحا
حرم الماء وأبعده
…
وإن كان مباحا
أقراح أنا حتى
…
أشرب الماء القراحا
شاعر
هتف الديك بالدجى فاسقنيها
…
قهوة تترك الحليم سفيها
لست أدري لرقة وصفاء
…
هي في كأسها أم الكأس فيها
قال إسحاق الموصلي: أنشدت أم الهيثم الأعرابية قول الشاعر
وخمر سلاف يحلف الديك أنها
…
لدى المزح من عينه أصفى وأحسن
فقالت: لقد بلغني أن الديك من صالحي طيوركم وأعرفها بأوقات الصلوات وما أحسبه يحلف كاذبا.
النقاش الحلبي
وليل باتت الأوتار فيه
…
تجاوبنا بألسنة فصاح
جعلنا فرشنا تحت الدوالي
…
بها غض البنفسج والأقاحي
وباتت جوزة تجلو دجانا
…
بأوجهها الصباح إلى الصباح
فيا لنجاح وقت وافقتنا
…
عليه بشدوها ذات الجناح
طردنا ديكه فاقتص منا
…
مؤذنه بحي على الفلاح
ابن التعاويذي الكاتب
أذر الكأس المدام علي صرفا
…
ولا تفد كؤوسك بالمزاج
فقد خان الصباح وحن قلبي
…
إلى عذراء ترقص في الزجاج
وهذا الديك من طرب يغني
…
ويخطر بين أكليل وتاج
ودعني من إقامة كل فرض
…
فليس على خراب من خراج
محمد بن علي الدينوري