المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجية التميُّز

- ‌نظم الحائية

- ‌ترجمة موجزة للناظم

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده ونشأته:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌مؤلفاته

- ‌ وفاته:

- ‌نبذة مختصرة عن المنظومة

- ‌ إثبات نسبة الحائية للناظم:

- ‌ أسماؤها:

- ‌ عدد أبياتها:

- ‌ شروحها:

- ‌ قيمتها العلمية ومكانتها عند العلماء:

- ‌ ما المراد بحبل الله

- ‌ أنواع الهداية

- ‌ حقيقة البدعة:

- ‌ قواعد نافعة في باب البدع

- ‌ هل يصح تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

- ‌ لماذا عُدَّت الواقفة أخبث من الجهمية

- ‌ أيهم أشد خطرًا على المسلمين اليهود أم المنافقون

- ‌ هل يقال إن لله تعالى يدًا أخرى وهي الشمال أو لا يقال بذلك

- ‌ هل القدر هو القضاء أو بينهما فرق

- ‌ مراتب القدر

- ‌ هل الأخذ بالأسباب ينافي الإيمان بالقدر

- ‌ إشكالات وشبه حول القدر:

- ‌ حِكَم الله في خلق إبليس:

- ‌ الحكمة من إنظار الله إبليس

- ‌ هل يجب الرضا بكل ما قدره الله

- ‌ هل الإنسان مسير أو مخير

- ‌ أخطاءٌ في باب القدر:

- ‌ الطوائف التي ضلت في باب القدر

- ‌ الفرق بين القدرية والجبرية

- ‌ الطوائف التي ضلت في مسألة عصاة المؤمنين

- ‌ الفرق بين ذكر الشفاعة في القرآن وذكرها في السنة

- ‌ أنواع شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ هل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب الحصول على شفاعته

- ‌ مذهب الخوارج والمعتزلة في الشفاعة:

- ‌ حجة المعتزلة والخوارج في إنكار الشفاعة لأهل الكبائر:

- ‌ عذاب القبر ونعيمه يلحق مَنْ قُبِر ومنْ لم يقبر:

- ‌ قواعد مهمة في وسطية أهل السنة:

- ‌ موقف أهل السنة من المرجئة:

- ‌ أيهم أخطر الخوارج أم المرجئة

- ‌مناقشة على الشرح

الفصل: ‌ أنواع الهداية

فهل يمكن لأحد أن يقوم بالعبادات ويعرف تفاصيلها باتباع القرآن دون السنة؟

الجواب: لا يمكن؛ لأن القرآن أمر باتباع السنة، ولا يمكن أحدًا أن يدخل الجنة إلا باتباع القرآن والسنة، ولهذا ضَلَّت طائفة معاصرة في هذا الباب، حيث اكتفت بالقرآن دون السنة، يُسمون أنفسهم بـ (القرآنيين) ويَدَّعون العمل بالقرآن، وهم أبعد الناس عنه، وهذه الطائفة موجودة الآن ومنتشرة في بعض الدول.

•قوله: «وَاتَّبِعِ الْهُدَى» أي: هدى الحق، والهداية في نصوص القرآن والسنة تأتي على عدة أنواع، ذكرها ابن القيم، فقال رحمه الله: «اعلم أن‌

‌ أنواع الهداية

أربعة:

أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق: المذكورة في قوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال، وهذه هداية الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، وهداية الجماد المسخر لما خلق له، فله هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك كل عضو له هداية تليق به، فهدى الرِّجْلين للمشي، واليدين للبطش والعمل، واللسان للكلام، والأذن للاستماع، والعين لكشف المرئيات، وكل عضو لما خلق له.

وهدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، وهدى الولد إلى التقام الثدي عند وضعه وطلبه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو، فتبارك الله رب العالمين.

ص: 20

وهدى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا، ومن الشجر ومن الأبنية ثم تسلك سبل ربها مذللة لها لا تستعصي عليها، ثم تأوي إلى بيوتها، وهداها إلى طاعة يعسوبها واتباعه والائتمام به أين توجه بها، ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصنعة المحكمة البناء.

ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد له بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وانتقل من معرفة هذه الهداية إلى إثبات النبوة بأيسر نظر، وأول وهلة، وأحسن طريق، وأخصرها وأبعدها من كل شبهة، فإنه لم يهمل هذه الحيوانات سدى ولم يتركها معطلة بل هداها إلى هذه الهداية التي تعجز عقول العقلاء عنها، كيف يليق به أن يترك النوع الإنساني الذي هو خلاصة الوجود الذي كرمه وفضله على كثير من خلقه مهملًا وسدًى معطلًا لا يهديه إلى أقصى كمالاته وأفضل غاياته، بل يتركه معطلًا لا يأمره ولا ينهاه ولا يثيبه ولا يعاقبه، وهل هذا إلا مناف لحكمته ونسبته له مما لا يليق بجلاله.

ولهذا أنكر ذلك على من زعمه ونزه نفسه عنه، وبين أنه يستحيل نسبة ذلك إليه، وأنه يتعالى عنه، فقال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115، 116]، فنزه نفسه عن هذا الحسبان، فدل على أنه مستقر بطلانه في الفطر السليمة والعقول المستقيمة، وهذا أحد ما يدل على إثبات المعاد بالعقل، وأنه مما تظاهر عليه العقل والشرع وكما هو أصح الطريقين في ذلك.

ص: 21

ومن فهم هذا فهم سِرَّ اقتران قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]

بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 37]، وكيف جاء ذلك في معرض جوابهم عن هذا السؤال والإشارة به إلى إثبات النبوة، وأن من لم يهمل أمر كل دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه بل جعلها أممًا وهداها إلى غاياتها ومصالحها، كيف لا يهديكم إلى كمالكم ومصالحكم، فهذه أحد أنواع الهداية وأعمها. النوع الثاني: هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدي الخير والشر، وطريقي النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب؛ ولهذا ينتفي الهدى معها، كقوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17]، أي: بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام: وهي الهداية المستلزمة للاهتداء فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله:{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8].

وفي قوله: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» (1)، وفي قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56].

فنفى عنه هذه الهداية، وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

(1) أخرجه مسلم (2/ 593) رقم (867)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 22