الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقُلْ: يُخْرِجُ اللهُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِهِ
…
مِنَ النَّارِ أجْسَادًا مِنَ الفَحْمِ تُطْرَحُ
•---------------------------------•
هذا البيت في مسألة عصاة المؤمنين وحكمهم في الآخرة، وعصاة المؤمنين كما لا يخفى هم: من كانوا موحدين لكن توحيدهم ناقص، ويشمل ذلك أهل الكبائر وغيرهم.
ومذهب أهل السنة والجماعة: أنهم تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم، بدليل قوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، فهم تحت المشيئة إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، فهم مستحقون للعذاب، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم.
والخلاصة: أن مصير هؤلاء في النهاية دخول الجنة وعدم التخليد في النار أما الكفار والمشركون والمنافقون النفاق الأكبر المخرج من الملة فيخلدون في النار.
• مسألة: ما
الطوائف التي ضلت في مسألة عصاة المؤمنين
؟
ضل في هذا طائفتان:
1) الخوارج: الذين يكفرون مرتكب الكبيرة ويخرجونه من الملة، ويقولون: هو خالد مخلد في النار كالكافر، يعني: لا فرق بين إنسان عاق لوالديه وبين الكافر.
2) المعتزلة: وهم الذين يخرجون العصاة من الإيمان ولا يدخلونهم في الكفر، ويقولون: لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين، إن مات من غير توبة فهو مخلد في النار.
وهاتان الطائفتان قد ضلتا في هذا الباب، وخالفوا بذلك القرآن، والرد عليهم في أربع كلمات من القرآن قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، فهذه الآية فيها الرد على هاتين الطائفتين.
عَلى النَّهْرِ فِي الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ
…
كَحِبِّ حَمِيلِ السَّيْلِ إذْ جَاءَ يَطْفَحُ
•---------------------------------•
وجه الرد عليهم: أن ما دون الشرك تحت المشيئة، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وهذا لا يكون في حق الكفار، بل هو في حق عصاة المؤمنين.
•قوله: «عَلى النَّهْرِ فِي الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ» أي: العصاة يعذبون على قدر معاصيهم وذنوبهم إلى أن يصيروا فحمًا وحممًا، ثم هذه الأجساد تطرح على نهر الحياة في الفردوس فتحيا بمائه كما تنبت الحبة في حميل السيل.
•قوله: «كَحِبِّ حَمِيلِ السَّيْلِ» وفي بعض النسخ: «كَحِبة حِمْل السَّيْلِ» وهما بمعنى واحد، أي: الحبة التي يحملها السيل.
والناظم في هذا البيت يشير إلى ما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الجنَّةِ ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الجنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» (1).
والمعنى أن من شاء الله تعالى تعذيبهم من عصاة الموحدين يأذن الله تعالى بالشفاعة لهم بعد ما يكونون فحمًا فيجاء بهم جماعات، فيُلْقَوْن في نهر من أنهار الجنة يعرف بنهر الحياة، فإذا وضعوا في هذا النهر أحياهم الله كما تحيا البذرة التي تكون في مجرى السيل فتنبت وتكبر بعد ذلك، وبعد ما يطرحون في نهر الحياة تحيا أجسادهم وتنبت ثم إذا نقوا دخلوا الجنة، لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة نقية.
(1) صحيح مسلم (1/ 172) رقم (185).
وإِنَّ رَسُولَ الله للخَلْقِ شَافِعٌ
…
...................................
•---------------------------------•
•قوله: «وإِنَّ رَسُولَ الله للخَلْقِ شَافِعٌ» في هذا البيت يتحدث الناظم عن الشفاعة التي تكون للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولأهمية موضوع الشفاعة، ولأن أهل البدع خالفوا أهل السنة في هذه المسألة فسأفصل فيها:
فالشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، ويطلق هذا التعريف على الشفاعة سواءٌ كانت في أمور الدنيا أو الآخرة.
والشفاعة في الدنيا: تجري بين الناس وتكون حسنة وتكون سيئة، فالشفاعة لدى الآخرين من أجل تخليص الحقوق أو درء المظالم، أو نحو ذلك من حاجات الناس المباحة سعي مشكور وعمل مبرور، بخلاف الشفاعة في إبطال الحقوق أو إقرار الباطل، أو تعطيل حد، فجهد مذموم وعمل مردود.
وقد دلت النصوص الشرعية على ما تقدم، قال الله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85].
ومن الأدلة من السنة ما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ» (1).
(1) صحيح البخاري (2/ 113) رقم (1432)، وصحيح مسلم (4/ 20266) رقم (2627).
وما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله» ، ثم قام فخطب، فقال:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحدَّ، وَايْمُ الله لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (1).
وأما الشفاعة في الآخرة:
فقد تضافرت الأدلة على إثباتها وأنها تكون على أنواع، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وأجمع على إثباتها السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
وقد ورد لفظ الشفاعة وما اشتق منه في القرآن الكريم ستًّا وعشرين مرة، من ذلك قول الله في سورة البقرة:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
وفي سورة الأنبياء قوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
وفي سورة يونس قوله تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3].
وفي سورة طه قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109].
وفي سورة النجم قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].
(1) صحيح البخاري (4/ 175) رقم (3475)، وصحيح مسلم (3/ 1315) رقم (1688).