الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
...............
…
وقُلْ في عَذابِ القَبْرِ حَقٌّ مُوَضَّحُ
•---------------------------------•
•قوله: «وقُلْ في عَذابِ القَبْرِ حَقٌّ مُوَضَّحُ» أي: قل بلسانك واعتقد بجنانك أن عذاب القبر حق لا ريب فيه ولا شك.
وسبق الكلام عن عذاب القبر في شرح اللامية، ونضيف هنا بعض المسائل التي لم تذكر هناك.
•
عذاب القبر ونعيمه يلحق مَنْ قُبِر ومنْ لم يقبر:
عذاب القبر ونعيمه ينالان كل من مات، ولو لم يدفن؛ فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100]، وسمي عذاب القبر باعتبار غالب الخلق؛ فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قِسْطُه الذى تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما.
فحتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح لأصاب جسدَه من عذاب البرزخ حظُّه ونصيبه، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسدَه من نعيم البرزخ ورَوْحه نصيبُه وحظه فيجعل الله النار على هذا بردًا وسلامًا والهواء على ذلك نارًا وسمومًا.
فغير ممتنع أن ترد الروح إلى المصلوب والغريق والمحرق ونحن لا نشعر بها؛ لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود؛ فهذا المغمى عليه والسكير والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم، ومن تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على من هو على كل شيء قدير أن يجعل للروح اتصالًا بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم أو اللذة (1).
(1) ينظر: كتاب الروح ص (73)، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص (276، 277).
ولَا تُكْفِرَنْ أَهلَ الصَّلاةِ وإِنْ عَصَوْا
…
فَكُلُّهُمُ يَعْصِي وذُو العَرْشِ يَصْفَحُ
•---------------------------------•
•قوله: «ولَا تُكْفِرَنْ أَهلَ الصَّلاةِ وإِنْ عَصَوْا» أي: لا تعتقد تكفير أهل الصلاة، وإن عصوا بارتكاب الذنوب كبيرها وصغيرها.
•قوله: «فَكُلُّهُمُ يَعْصِي وذُو العَرْشِ يَصْفَحُ» أي: كل العباد يقعون في المعاصي إلا من عصمه الله من المرسلين والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والله سبحانه وتعالى يصفح ويعفو ويتجاوز عن ذنوب عباده تكرمًا منه وتفضلًا.
وأراد الناظم بهذا البيت الرد على من ضل في عصاة الموحدين: وهم الخوارج الذين كفروا فاعل الكبيرة، ويشاركهم في ذلك المعتزلة، وإن كان المعتزلة لا يصرحون بلفظ التكفير لكن يوافقونهم في المصير الأخروي، وسبق معنا أن النصوص تدل على أن عصاة الموحدين تحت المشيئة، قال تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة: هو المذهب الوسط الحق، حيث لا يكفرون صاحب الكبيرة، كما أنهم أيضًا لا يقولون عنه كامل الإيمان كما يقوله المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية.
• ماذا يقول أهل السنة عن مرتكب الكبيرة؟
يقولون: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ويقولون أيضًا: هو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.
وبهذا يكون أهل السنة قد أعملوا جميع الأدلة التي تتعلق بالخوف والرجاء، خلافًا للخوارج والمعتزلة الذين أعملوا أدلة الخوف وأهملوا أدلة الرجاء، وخلافًا للمرجئة الذين أعملوا أدلة الرجاء وأهملوا أدلة الخوف.
ولَا تَعْتَقِدْ رَأْيَ الخوَارِجِ إِنَّهُ
…
مَقَالٌ لَمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِي ويَفْضَحُ
•---------------------------------•
•قوله: «ولَا تَعْتَقِدْ رَأْيَ الخوَارِجِ إِنَّهُ» في هذا البيت صرح الناظم رحمه الله بالتحذير من منهج الخوارج الذين خرجوا عن جادة الحق، وكان أول ظهور لهم في عهد علي بن أبي طالب حيث خرجوا عليه بدعوى أنه حَكَّم الرجال والله يقول:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، وقد ناظرهم حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ورد عليهم هذه الشبهة من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الله حَكَّم الرجال في الواجب على المحرم إذا صاد صيدًا، وهذا في قوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].
الوجه الثاني: أن الله حَكَّم الرجال في مسألة النشوز، وهذا في قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35].
ففي هاتين الآيتين حَكَّم الله الرجال للوصول إلى الحق، وهكذا فعل علي رضي الله عنه؛ ولهذا رجع من هؤلاء الخوارج أكثر من النصف بعد رد هذه الشبهة من ابن عباس رضي الله عنه.
ومذهب الخوارج من أقسى المذاهب على المسلمين، قال شيخ الإسلام:«وقد اتفق أهل العلم أن أعظم السيوف التي سلت على أهل القبلة إنما هو من المنتسبين إليه، وأعظم الفساد الذي جرى على المسلمين ممن ينتسب إلى أهل القبلة» (1).
وجاء الوعيد على التساهل في التكفير في الصحيحين من حديث أبي ذر: «وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ الله، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا حَارَ عَلَيْهِ» (2).
(1) مجموع الفتاوى (28/ 479).
(2)
صحيح البخاري (8/ 15) رقم (6045)، وصحيح مسلم (1/ 79) رقم (61).