الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الجملة اشتملت على النهي عن رمى المسلم بالكفر أو الألفاظ التي تحمل هذا المعنى كقول القائل لأخيه المسلم: «يا عدو الله» ، فهذا التكفير أو الرمي بهذه الألفاظ يعود إلى قائله إن لم يكن المرمي بذلك أهلًا لذلك، كما هو ظاهر الحديث.
•
قواعد مهمة في وسطية أهل السنة:
القاعدة الأولى: أن أهل السنة والجماعة وسط في هذا الباب بين المكفرة وبين المرجئة، وسط بين من غلا في التكفير ومن غلا في الإرجاء، فمنهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله، فليسوا كالمكفرة الذين يكفرون بأهواء وجهل، وليسوا كالمرجئة الذين ينفون تكفير الكافر الذي كفره الله ورسوله.
بل هم وسط بين هؤلاء وهؤلاء، كما هم وسط بين المذاهب الأخرى الضالة في أمور كثيرة، قال شيخ الإسلام في الواسطية عن أهل السنة:«وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية» (1).
إذن، أهل السنة مذهبهم مذهب الاعتدال والوسط، فهم ليسوا كالحرورية الخوارج الذين يكفرون صاحب الكبيرة بمجرد ارتكابه للكبيرة.
(1) العقيدة الواسطية ص (10).
وليسوا أيضًا كالمرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ويعدون مرتكب الكبيرة كامل الإيمان.
وهذان المذهبان باطلان، والحق مذهب أهل السنة الذين كانوا وسطًا بين هؤلاء وهؤلاء، فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن ناقص الإيمان ويقولون: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
القاعدة الثانية: أن أهل السنة لا يكفرون أحدًا بمجرد ارتكابه ناقضًا من النواقض، أو بمجرد أن يفعل كفرًا أو يقول كفرًا، لا يكفرون فاعل الكفر ولا قائل الكفر حتى تقوم عليه الحجة ويبين له الحكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: «وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة» (1).
ومن الذي يقيم الحجة على من وقع في الكفر؟
الجواب: هم أهل العلم الذين يعلمون الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين لديهم القدرة على إقامة الحجة، أما آحاد العوام الذين لا علم عندهم فهؤلاء ليسوا أهلًا لإقامة الحجة.
(1) مجموع الفتاوى (12/ 466).
القاعدة الثالثة: من القواعد المهمة في هذا الباب: أنه ليس كل من فعل كفرًا حكم بكفره؛ لأنه قد يكون القول كفرًا أو الفعل كفرًا لكن لا يطلق على فاعله كافرٌ، لماذا؟
لأن من فعل ذلك قد يكون معذورًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده» .
ثم قال شيخ الإسلام: «وكنت دائمًا أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: (إذا أنا مِتُّ فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين، ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له)
…
»، إلى أن قال: «فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته
…
بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا لا يعلم ذلك» (1).
إذن قد يقع الإنسان في شيء كفري لكن لا يكفر؛ لأنه جاهل فيعذر بجهله، والأعذار كثيرة ذكر شيخ الإسلام منها ما يلي:
أولاً: أن الإنسان قد يكون حديث عهد بإسلام.
ثانيًا: ربما لا يكون حديث عهد، لكن تكون نشأته وحياته في البادية.
(1) مجموع الفتاوى (3/ 231).
ثالثًا: ربما يعيش في الحاضرة وعند المتعلمين، لكن لم يسمع ببعض النصوص التي تدل على أن بعض الأعمال كفر.
رابعًا: ربما سمع بهذه النصوص لكن لم تثبت عنده؛ لأنه يظنها ضعيفة.
القاعدة الرابعة: يجب أن يُعلم أن أهل السنة يفرقون بين التكفير المطلق والتكفير المعين، فيقولون: من فعل كذا أو قال كذا فهو كافر، فهذا هو التكفير المطلق، لكنه لا يستلزم تكفير المعين؛ لأنه قد يكون معذورًا كما سبق، يفعل كفرًا لكن لا يعلم أنه كُفْر، هذا هو الفرق بين التكفير المطلق والتكفير المعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع» (1).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: «مسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولًا يكون القول به كفرًا، فيقال: من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة» (2).
القاعدة الخامسة: ليس معنى التشديد في التكفير المعين عند أهل السنة، والاحتراز والاحتياط فيه؛ أنهم يوافقون المرجئة الذين لا يكفرون من كفره الله ورسوله، بل هم كما سبق وسط بين المكفرة وبين المرجئة، ولهذا نقل القاضي عياض إجماع السلف على تكفير من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم، كما ذكر ابن تيمية رحمه الله الإجماع على تكفير من ادعى الألوهية في علي وتكفير من لم يكفر من ادعى ذلك.
(1) مجموع الفتاوى (12/ 487).
(2)
ينظر: فتييان تتعلقان بتكفير الجهمية ص (158).ِ
القاعدة السادسة: التكفير حكم شرعي وحق لله عز وجل:
القاعدة السابعة: الأصل في المسلم العدالة:
الأصل في المسلم العدالة وبقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم والمحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالمًا منه، ففي صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» (2).
(1) منهاج السنة النبوية (5/ 244).
(2)
صحيح مسلم (1/ 79) رقم (60).
القاعدة الثامنة: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
قال ابن القيم رحمه الله: «أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛ فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أُخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له» (1).
القاعدة التاسعة: جحد الأمر المجمع عليه، ليس كجحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة:
فإن جاحد الحكم المجمع عليه إنما يكفر إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة، وأما المجمع عليه الذي ليس معلومًا من الدين بالضرورة، فلا يكفر بإنكاره، مثل:(كون بنت الابن لها السدس مع البنت) مجمع عليه، وليس معلومًا بالضرورة فلا يكفر منكره.
والذي يكفر جاحده إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الشرك والزنا ونحو ذلك.
•••
(1) طريق الهجرتين ص (414).
ولا تَكُ مُرْجيًّا لَعُوبًا بِدِينِهِ
…
ألَا إِنَّمَا المُرْجِيُّ بِالدِّينِ يَمْزَحُ
•---------------------------------•
•قوله: «ولا تَكُ مُرْجيًّا لَعُوبًا بِدِينِهِ» حينما حذر الناظم من الطائفة الأولى الخوارج أراد أن يحذر من طائفة أخرى لا تقل خطرًا على المسلمين من الطائفة الأولى وهي المرجئة، وسموا بهذا الاسم؛ لأنهم أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان، فاشتقاق المرجئة من الإرجاء وهو التأخير (1)، تأخير الأعمال عن مسمى الإيمان، فهم يقولون: الأعمال لا تدخل في الإيمان، وليس لها أي أثر فيه بمعنى أن العامل لا ينفعه عمله شيئًا ما دام قد آمن بقلبه.
ونتيجة هذا القول أن من آمن بقلبه ولم يأت بشيء من الواجبات كالصلاة والزكاة فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن المرجئة ليسوا على درجة واحدة بل هم على درجات:
- فمنهم من قال: الإيمان مجرد التصديق (2).
- ومنهم من قال: الإيمان مجرد النطق (3)، فالمنافقون عندهم مؤمنون، وإيمانهم كإيمان جبريل عليه السلام.
- ومنهم من قال الإيمان مجرد المعرفة (4) وهذا أقبح الأقوال؛ لأنه على هذا القول يدخل فرعون في الإيمان، وجاء صريحًا في القرآن أن فرعون يعرف هذه الحقيقة وذلك في قوله تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14].
(1) القاموس المحيط ص (52).
(2)
وهذا مذهب الأشعري والماتريدي.
(3)
أي قول اللسان فقط، ولو لم يعتقد بقلبه، وهو قول الكرامية.
(4)
وهؤلاء هم الغلاة وهم الجهمية.