الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشاهد في الحديث السابق قوله: «يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ» ، والمراد بذلك الصلاة، فهذا دليل واضح على أن أصل العمل قد قاموا به ولكنهم لم يأتوا بكمال العمل.
• مسألة:
أيهم أخطر الخوارج أم المرجئة
؟
الخوارج: أخطر من حيث الأفعال والممارسات؛ لأنهم يقاتلون ويخرجون على المسلمين من أجل مذهبهم، ويستحلون الدماء المعصومة.
أما المرجئة: فأخطر من حيث أثرهم في العقيدة؛ لأن مقتضى قولهم تضييع الدين وتمييعه، قال إبراهيم النخعي رحمه الله عنهم:«لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة» (1)، والأزارقة: هم الخوارج.
والخوارج قد تنفر منهم النفوس لاستحلالهم الدماء، أما المرجئة فإنهم يتساهلون في تصحيح مذاهب أهل الضلال، ويجعلون الفاسق كامل الإيمان، والنفوس الضعيفة تميل إلى ذلك.
لذلك توسط أهل السنة في هذا الباب بين هاتين الفئتين (2).
•••
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 313) رقم (617)، وأبو بكر الخلال في السنة (4/ 137) رقم (1360)، وابن بطة في الإبانة (2/ 885) رقم (1221).
(2)
للتوسع في الرد على المرجئة، ينظر كتاب (براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة) لمحمد بن سعيد بن عبد الله الكثيري، قدم له الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن صالح المحمود.
وَقُلْ: إنمَا الإِيمَانُ: قَوْلٌ وَنِيَّةٌ
…
وَفِعْلٌ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ
•---------------------------------•
•قوله: «وَقُلْ» أي: بلسانك معتقدًا بجنانك مذعنًا بأركانك.
•قوله: «إنمَا الإِيمَانُ» (إنما) أداة حصر، والإيمان لغةً: التصديق، واصطلاحًا: تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
•قوله: «قَوْلٌ» أي: قول باللسان، فمن لم يقر وينطق بلسانه مع القدرة لا يسمى مصدقًا.
•قوله: «وَنِيَّةٌ» أي: قَصْدٌ، إذ النية هي القصد، والمراد هنا أن الإيمان لا يصح إلا باعتقاد القلب.
•قوله: «وَفِعْلٌ» أي: فعل بالأركان.
•قوله: «عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ» أي: مصرحٌ به في قول النبي صلى الله عليه وسلم، و (مصرحٌ) صفة لفعل ويتعلق بما قبله من القول والنية.
وأيضًا كانت ألفاظ السلف مصرحة بذلك؛ حيث قال ابن حجر رحمه الله: «هو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك» (1).
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «المشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان: قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان» (2).
وقال الشافعي رحمه الله: «كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر» (3).
(1) فتح الباري (1/ 46).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 104).
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (5/ 957).
وَيَنْقُصُ طَوْرًا بِالمعَاصِي وتَارَةً
…
بِطَاعَتِهِ يَنْمِي وَفِي الْوَزْنِ يَرْجَحُ
•---------------------------------•
•قوله: «وَيَنْقُصُ طَوْرًا بِالمعَاصِي وتَارَةً
…
» أي: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ويدل على ذلك أدلة كقوله تعالى:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].
وكقوله في الأنفال: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، وفي آخر التوبة قال تعالى:{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، وغير ذلك من الآيات الكثيرة والأحاديث المتوافرة الدالة على أن الإيمان يتأثر بالأعمال زيادة ونقصًا.
•قوله: «يَرْجَحُ» أي: ترجح كفة الإيمان بسبب العمل، فهذا الذي قرره الناظم، وهو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للمرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان.
وفي هذين البيتين يشير الناظم إلى مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان وأنه مشتمل على أمور أربعة: القول باللسان، والاعتقاد بالجنان وهو اعتقاد القلب، والعمل بالأركان، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، فلا بد من هذه الأربع لتحقيق الإيمان.
والمراد باعتقاد القلب: ما يتعلق بالتصديق لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فكل الاعتقادات الواجبة داخلة في ذلك مثل: الإيمان بالله والرسل والكتب والبعث وغير ذلك.
أما عمل القلب: فهو النتيجة المترتبة على ذلك، وهي ثمرة هذا الاعتقاد كالخشية لله والتوكل عليه ونحو ذلك.
أما العمل بالأركان: فالمراد به القيام بالواجبات العملية، فهي دليل ثبوت أصل الإيمان خلافًا للمرجئة الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان.
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ
…
فَقَوْلُ رَسُولِ الله أَزْكَى وَأَشْرَحُ
•---------------------------------•
•قوله: «وَدَعْ عَنْكَ» أي: اترك، واحذر، واجتنب.
•قوله: «آرَاءَ الرِّجَالِ» ذكر الرجال هنا لا مفهوم له، فالرأي الباطل مذموم سواء كان من الرجال أو النساء، وإنما خص الرجال بالذكر هنا؛ لأنهم أصحاب الرأي في الغالب (1).
وآراء الرجال المقصود بها آراء المشايخ والكبراء والآباء والأجداد، ويشمل كل رأي يخالف كتاب الله وسنة رسوله، قال ابن القيم رحمه الله:
والله ما خوفي الذنوب فإنها
…
لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من
…
تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها
…
لا كان ذاك بمنة الرحمن
واتباع آراء الرجال في العقائد يعني أخذ أقوال أهل الكلام والاستغناء بها عن هدي القرآن والسنة، وهذا من أبطل، الباطل وقد تواردت كلمات الأئمة في ذم علم الكلام.
قال الشافعي رحمه الله: «لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك بالله خير له من النظر في الكلام، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على أشياء ما ظننته قط» (2).
(1) التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية ص (110، 111).
(2)
ينظر: الحجة في بيان المحجة (1/ 224).
(3)
ينظر: حلية الأولياء (9/ 116).
والمقصود أن كلام السلف في ذم الكلام وأهله كثير.
وأخذ آراء الرجال بدون حجة ولا برهان شرعي في العقائد أو الأحكام هو التقليد المذموم الذي ذمه السلف ونهوا عنه.
والتقليد: قَبُول القول والتزامه دون حجة ودليل من كتاب وسنة.
وقد جاء ذم التقليد في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام السلف:
قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزُّخرُف: 22]، وقال سبحانه:{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 69، 70].
قال بعض المفسرين: «لو لم يوجد في القرآن آية غير هذه الآية في ذم التقليد لكفى» (1).
والتقليد نوعان:
النوع الأول: التقليد في العقائد، وفيه تفصيل:
أولًا: مسائل أصول الإيمان وأصول العقيدة كالأركان الست، وما جاء من أمور الآخرة؛ فيجب فيه اتباع الدليل ولا يجوز الأخذ فيها بالتقليد لأحد من الناس.
ثانيًا: أما التقليد في الاستدلال فلا بأس به؛ يعني أن يعلم وجه الدليل من الحجة ويقلد العالم في الاقتناع بهذا الدليل ووجه الاستدلال منه، فلا بأس به؛ لأن المجتهد في فهم الدليل قليل في الأمة اليوم.
(1) ينظر: التفسير الكبير للرازي (26/ 338).
النوع الثاني: التقليد في الفروع:
والناس فيه على ثلاث درجات:
1 -
العلماء المجتهدون: وهؤلاء لا يجوز في حقهم التقليد، بل يجتهدون في أمور الدين.
2 -
طلبة العلم: وهؤلاء في درجة الاتباع بين الاجتهاد والتقليد، وهؤلاء لا ينبغي لهم التقليد، ولكن يهتدون بسير العلماء واستدلالاتهم وترجيحاتهم.
3 -
عامة الناس: وهؤلاء يجوز لهم التقليد؛ لأنهم لا يفهمون الأدلة والاستدلال.
وقد شاع على ألسنة كثير من طلبة العلم الحديث عن المذهبية وذمها، والأولى التفصيل فيها على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: التفقه على مذهب: وهو دراسة طالب العلم على أحد المذاهب المشهورة، وهذا ليس بمذموم، بل محمود ومطلوب، ولا سيما في ابتداء الطلب.
المرتبة الثانية: الانتساب للمذهب: وهذا لا شيء فيه، وقد انتسب كثير من الأئمة إلى المذاهب، ومن راجع كتب الطبقات وجد ذلك.
وقد انتسب إلى المذهب الحنبلي عدد من العلماء المحققين منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وغيرهم كثير.
المرتبة الثالثة: التعصب المذهبي: وهذا يعني اتباع المذهب في كل شيء والأخذ بأقواله ولو خالفت الكتاب والسنة، وهذا هو المذموم.
• وقد ظهرت في العصر الحاضر دعوتان:
الأولى: الدعوة إلى الأخذ من الكتاب والسنة مباشرة:
وهؤلاء يرون أنَّ الأخذ منهما فيه غنية عن الرجوع إلى كتب الأئمة وشروح السنة ومؤلفات الفقهاء، وقد نزع إلى ذلك بعض المتحمسين للتحرر من التقليد، فهجروا كتب المذاهب وحاربوها ورفعوا راية التحرر المطلق من المذاهب، فظهر الشذوذ والتفلت والترقيع الفقهي، ولا شك أن هذه الدعوة دعوةٌ غير صحيحة، ولا تمت إلى العلم بصلةٍ.
وقد شكى أحد العلماء من ذلك فقال: «كنا نشكو من التقليد، فأصبحنا نشكو من التفلت» .
والثانية: الدعوة إلى التعصب للأئمة وتقليدهم:
وهؤلاء أوجبوا التقليد على جميع الأمة، وشنعوا على مخالفيهم وضللوهم، وأغلقوا باب الاجتهاد، وحَجَّرُوا على الأمة، ولا شك في بطلان هذه الدعوة.
ومن أمثلة ذلك ما قاله الكرخي الحنفي: «كل آية تخالف مذهبنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث يخالف مذهبنا فهو مؤول أو منسوخ» .
وقال ناظم جوهرة التوحيد:
وواجبٌ تقليد حبر منهم
…
كذا أتى القوم بلفظٍ يُفهم
وقال أحد الحنابلة:
أنا حنبليٌّ ما حييت وإن أمت
…
فَوَصيَّتي للنَّاس أنْ يَتَحَنْبَلُوا
وقال غيره:
لئن قلَّد الناس الأئمة إنني
…
لفي مذهب الحبر ابن حنبل راغبُ
أقلد فتواه وأعشق قوله
…
وللناس فيما يعشقون مذاهبُ
ولا شك أنَّ الحق وسطٌ بين هذين الطرفين:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «الناس في الاستدلال والتقليد على طرفي نقيض: منهم من يوجب الاستدلال حتى في المسائل الدقيقة: أصولها وفروعها على كل أحد، ومنهم من يحرم الاستدلال في الدقيق على كل أحد، وهذا في الأصول والفروع، وخيار الأمور أوساطها» (1).
وهذه المسألة مبثوثة في كتب الأصول والكتب المتخصصة التي اعتنت بمسألة الاجتهاد والتقليد.
والمقصود أن الناظم يوصي في نهاية هذه الأبيات بما أوصى به في أولها وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والحذر من تقديم قول أحد على قوله، كما أمر بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31 - 32].
وفي النساء قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
(1) مجموع الفتاوى (20/ 18).
فأمر في بداية الآية بالطاعة ثم في آخرها قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فمفهوم الآية: إن لم تردوا إلى الله والرسول فلستم بمؤمنين، ثم قال {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} .
وقد أوصى علماء السلف باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قول الرجال كما جاء على لسان بعض الأئمة.
قال الإمام مالك رحمه الله: «ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» (1)، وقال:«أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد لجدل هؤلاء» (2).
وقال الشافعي رحمه الله: «إذا خالف قولي قول الرسول فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).
وقال أحمد رحمه الله: «عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]» ، ثم قال:«أتدري ما الفتنة، الفتنة الشرك؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك» (4).
(1) ينظر: البداية والنهاية (14/ 160).
(2)
أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 670)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 163)، والبيهقي في شعب الإيمان (11/ 42).
(3)
ينظر: البداية والنهاية (10/ 276).
(4)
ينظر: الصارم المسلول ص (56).
وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْا بِدِينِهِمْ
…
فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحدِيثِ وَتَقْدَحُ
إِذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ يَا صَاحِ هَذِهِ
…
فأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيتُ وتُصْبِحُ
•---------------------------------•
•قوله: «وَلَا تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْا بِدِينِهِمْ» يوصي الناظم رحمه الله بأخذ الدين والكتاب والسنة بقوة، كما قال تعالى:{يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] ويحذر من اتخاذ الدين لهوًا ولعبًا.
•قوله: «فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحدِيثِ وَتَقْدَحُ» يحذر أيضًا من الطعن في أهل الحديث المتبعين له، العاملين بهديه.
ولفظ (أهل الحديث) يطلق على اصطلاحين:
الأول: كل من اشتغل بعلم الحديث، وهذا يدخل فيه أهل السنة والجماعة وأهل البدع، فعلى هذا الاصطلاح ليس أهل الحديث طائفة معينة.
الثاني: من يعتقد عقيدة أئمة الحديث والسنة فعلى هذا لا يدخل فيهم أهل البدع، فكلام أئمة السنة في الثناء على (أهل الحديث) المقصود به من حمل عقيدة أهل السنة والجماعة، فيدخل في ذلك كل من كان على عقيدة أئمة السنة ولو لم يكن من علماء أهل الحديث (1).
ومراد المصنف بأهل الحديث هنا المعنى الثاني لا الأول، بل كل من كان على عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو متبع للحديث فهو من أهل الحديث سواء كان لغويًّا، أو فقيهًا، أو مهندسًا
…
إلخ.
فإن طائفة من أهل البدع المعاصرين قد اشتغلوا بالحديث أمثال عبد الله الحبشي، والكوثري، والغماري، وحسن السقاف، وغيرهم، فكل هؤلاء ليسوا من أهل الحديث وإن كانوا قد اشتغلوا بالحديث.
(1) ينظر: اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث ص (220).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فإن أهل الحديث هم المنتسبون إليه اعتقادًا وفقهًا وعملًا، كما أن أهل القرآن كذلك، سواء رووا الحديث أو لم يرووه» (1).
قال بعض أهل العلم: «علامة أهل البدع الطعن في أهل الحديث» .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله: «سمعت أبي يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر» (2).
وقال السفاريني رحمه الله: «ولسنا بصدد ذكر مناقب أهل الحديث فإنَّ مناقبهم شهيرة، ومآثرهم كثيرة، وفضائلهم غزيرة، فمن انتقصهم فهو خسيس ناقص» (3).
وقال ابن القيم:
الشاتمي أهل الحديث عداوة
…
للسنة العليا مع القرآن
جعلوا مسبتهم طعام حلوقهم
…
فالله يقطعها من الأذقان
كبرًا وإعجابًا وتيهًا زائدًا
…
وتجاوزًا لمراتب الإنسان (4)
وأهل الحديث قد خصهم النبي بدعوة في قوله: «نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ» (5).
(1) جامع المسائل (5/ 75).
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 200).
(3)
لوائح الأنوار (2/ 355).
(4)
الكافية الشافية ص (138).
(5)
أخرجه الترمذي (5/ 34) رقم (2657).
قال السيوطي رحمه الله:
من كان من أهل الحديث فإنه
…
ذو نضرة في وجهه نور سَطَعْ
إن النبي دعا بنضرة وجهِ مَنْ
…
أدى الحديث كما تحمل واتبعْ
وقال الإمام أحمد فيما روي عنه:
دين النبي محمد آثار
…
نعم المطية للفتى الأخبار
لا تَعْدُ عن علم الحديث وأهله
…
فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى طرق الهدى
…
والشمس ساطعة لها أنوار
وأخيرًا نختم بكلام شيخ الإسلام عن أهل الحديث، حيث قال: «وأهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال
…
فهم أكمل الناس عقلًا، وأعدلهم قياسًا، وأصوبهم رأيًا، وأسدهم كلامًا، وأصحهم نظرًا، وأهداهم استدلالًا، وأقومهم جدلًا، وأتمهم فراسةً، وأصدقهم إلهامًا، وأحدهم بصرًا ومكاشفةً، وأصوبهم سمعًا» (1)، إلى آخر ما قال عن أهل الحديث الذين نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه، وأن يمنحنا تعظيم السنة والعمل بها والدعوة إليها.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(1) مجموع الفتاوى (4/ 9).