المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مكث الجنب في المسجد إذا توضأ - نفح العبير - جـ ٢

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌مكث الجنب في المسجد إذا توضأ

‌مكث الجنب في المسجد إذا توضأ

قال ابن أبي شيبة رحمه الله (1/ 135) حدثنا وكيع عن هشام بن سعدي عن زيد بن أسلم قال: كان الرجل منهم يجنب ثم يدخل المسجد فيتحدث فيه.

وروى حنبل بن إسحاق- صاحب أحمد- قال حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ، ثم يدخل المسجد، فيتحدث فيه.

وروى سعيد بن منصور في «سننه» : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد، وهم مجنبون إذا توضأوا وضوء الصلاة.

ومدار هذا الخبر على هشام وقد ضعفه أحمد وابن معين وقال مرة صالح وضعفه النسائي وقال ابن المديني صالح وليس بالقوي وقال أبو حاتم لم يكن بالحافظ وقال العجلي جائز الحديث حسن الحديث وقال أبو زرعة محلة الصدق وهو أحب إليَّ من إسحاق وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الآجري عن أبي داود هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم. وقال ابن عدي وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن سعد كان كثير الحديث يستضعف وقال الساجي صدوق، وذكره ابن عبد البر ممن نسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه.

قال الموفق رحمه الله في «المغني» (1/ 202): فصل: إذا توضأ الجنب فله اللبث

ص: 17

في المسجد في قول أصحابنا وإسحاق وقال أكثر أهل العلم لا يجوز للآية والخبر واحتج أصحابنا بما وري عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(الأثر). وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعًا يخص به العموم، لأنه إذا توضأ خف حكم الحدث، فأشبه التيمم عند عدم الماء، ودليل خفته أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب به إذا أراد النوم واستحبابه لمن أراد الأكل ومعاودة الوطء.

قلت: ومراده بالآية قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. وقد اختلف في تأويلها على القولين:

1 -

إن المراد لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين للماء فتيمموا وصلوا، وقيل:

2 -

إن المراد لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد وأنتم جنب إلا مجتازين وهذا القول اختاره ابن جرير.

قال ابن كثير وهذا الذي نصراه ابن جرير هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية:

ومراد الموفق في قوله واحتجوا بالخبر حديث عائشة في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم «ولا أحِلَّ المسجد لحائض ولا جنب» وهو حديث ضعيف.

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 391) موضحًا عموم الآية «وإنما الوجه في ذلك أن تكون الآية عامة في قربان الصلاة ومواضعها واستثنى من ذلك عبور السبيل وإنما يكون في مواضعها خاصة وهذا إنما فيه حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وذلك جائز عندنا على الصحيح، وعلى هذا فتكون الآية الدالة

ص: 18

على منع اللبث أو تكون الصلاة هي الأفعال ويكون قوله: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] استثناءً منقطعًا، ويدل ذلك على منع اللبث لأن تخصيص العبور بالذكر يوجب اختصاصه بالحكم ولأنه مستثنى من كلام في حكم النفي كأنه قال لا تقربوا الصلاة ولا مواضعها إلا عابري سبيل، وإذا توضأ الجنب جاز له اللبث (وذكر الأثر المتقدم) ثم قال: وهذا لأن الوضوء يرفع الحدثين عن أعضاء الوضوء ويرفع حكم الحدث الأصغر عن سائر البدن فيقارب من عليه الحدث الأصغر فقط ولهذا أمر الجنب إذا أراد النوم والأكل بالوضوء ولولا ذلك لكان مجرد عبث. وقال في موضع آخر (208) وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتحدثون في المسجد إذا توضأوا وهم جنب ولولا أن الجنابة تُنقض بالوضوء لم يكن في ذلك فائدة وإنما تنتقض إذا صح تبعيضها ..» ..

قلت: يشير إلى عدم الموالاة في غسل الجنابة وهو الحق.

وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (إذا أجنب أحدكم فأراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف الجنابة).

وقال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (2/ 369) في معرض نقل الصحابة لتقريرات النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضأوا.

والخلاصة أن أثر زيد لا بأس به وليس في الباب ما يدفعه ولهذا احتج به الإمام أحمد رحمه الله وهذا القول من مفرداته وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم، واختاره ابن المنذر حيث قال:(ولا نعلم حجة تمنع الجنب من دخول المسجد) وظاهره دون قيد الوضوء وكذا ابن حزم في «المحلي» ، والتقليل بخفة الحدث يعضده قال أبو العباس في «مجموع الفتاوى» (26/ 179): (فإذا توضأ ذهبت

ص: 19

الجنابة عن أعضاء الوضوء فلا تبقي جنابته تامة، وإن كان بقي عليه بعض الحدث، وإن كان حدثه فوق الحدث الأصغر فهو دون الجنب فلهذا ينام ويلبث في المسجد).

وقال أيضًا (21/ 345) وقد تنازع العلماء في- دخول الكافر المسجد- والمسلمون خير من الكفار ولو كانوا جنبًا فإنه قد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة «إن المؤمن لا ينجس» وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].

فلبث المؤمن الجنب إذا توضأ في المسجد أولى من لبث الكافر فيه عند من يجوز ذلك، ومن منع الكافر لم يجب أن يمنع المؤمن المتوضئ، كما نقل عن الصحابة. اهـ.

قلت: والكفار لا تنفكون عن جنابة وقد دخلوا المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم، للحاجة والوضوء أو الغسل لا يصح منهم ولو فعلوه، فدخول المسلم الجنب المسجد أولى وأحرى بالجواز سيما إذا توضأ والله أعلم.

ص: 20