الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحلف بالعهد هل يكون يمينًا
؟
قال البخاري في صحيحه (11/ 544) فتح باب عهد الله عز وجل، ثم أسند ما رواه أبو وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديقه {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
…
} [آل عمران: 77]. وقال الحافظ: (قوله باب عهد الله عز وجل أي قول القائل: عليّ عهد الله لأفعلن كذا. قال الراغب: العهد حظ (1) الشيء مراعاته، ومن ثم قيل للوثيقة عهدة ويطلق عهد الله على ما فطر عليه عباده من الإيمان به عند أخذ الميثاق، ويراد به أيضًا ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدًا وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر، قلت: وللعهد معان أخرى غير هذه كالأمان والوفاء، والوصية واليمين ورعاية الحرمة والمعرفة واللِّقاء عن قرب، والزمان والذمة، وبعضها قد يتداخل، وقال ابن المنذر: من حلف بالعهد فحنث لزمه الكفارة سواء نوى أم لا عند مالك والأوزاعي والكوفيين، وبه قال الحسن والشعبي وطاووس وغيرهم قلت: وقال به أحمد، وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: لا تكون يمينًا إلا أن نوى
…
وقال ابن التين هذا لفظ يستعمل على خمسة أوجه: الأول: علىَّ عهد الله والثاني: وعهد الله، والثالث: عهد الله، والرابع: أعاهد الله، والخامس: عليَّ العهد، وقد طرد بعضهم ذلك في الجميع وبعضهم فصَّل فقال: لا شيء في ذلك إلا إن قال عليَّ عهد الله ونحوها، وإلا فليست بيمين نوى أو لم ينو. اهـ.
وقال أبو محمد في «المغني» (13/ 463) مسألة قال (وبالعهد) وجملته أنه إذا
(1) كذا بالأصل ولعلها حفظ.
حلف بالعهد أو قال وعهد الله، وكفالته فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها، وبهذا فقال الحسن وطاووس والشعبي، والحارث العُكْلي وقتادة والحكم والأوزاعي، ومالك، وحلفت عائشة رضي الله عنها، بالعهد ألا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة، وكانت إذا ذكرته تبكي وتقول: واعهداه (1) وقال أحمد: (العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله){وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وقال الشافعي:(لا يكون يمينًا إلا إن نوى)، وقال أبو حنيفة:(ليس بيمين) اهـ.
وقال ابن هاني في «مسائله» (2/ 73) سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول عليَّ عهد الله إن كلمت أخي؟ قال: يعتق رقبة ويكلمه.
قال: وسألته (2/ 97) عمن قال: عليَّ العهد وميثاقه إن فعلت كذا وكذا؟ قال: يمين كفارة.
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (14/ 371): (واختلفوا فيمن حلف بحق الله وبعهد الله وميثاقه). فقال مالك: (هي أيمان كلها وفيها كفارة) اهـ.
ونقل ابن قاسم في «حاشية الروض» (7/ 466) عن ابن عبد البر في قول وعهد الله قال ابن عبد البر: (لا خلاف في أنها يمين إلا عمن لا يعتد بقوله).
وقال في شرح السنة (10/ 5): (ولو قال عليَّ عهد الله وميثاقه فليس يمينًا إلا أن يريد به اليمين) ومثله في «الروضة» .
وفي فتاوى قاضيخان الهندية (2/ 4) ولو قال وعهد الله وذمة الله يكون يمينًا.
(1) رواه البخاري.
وقال في «بدائع الصنائع» (3/ 8) للكاساني، ولو قال: علىَّ عهد الله أو ذمة الله أو ميثاقه فهو يمين، ألا ترى إلى قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} ثم قال سبحانه: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]. وجعل العهد يمينًا.
وقال السرخسي في «المبسوط» (7/ 23): لو قال عهد الله تعالى عليَّ فالعهد يمين قال تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]، وقال ابن حزم في «المحلي» (8/ 32) مسألة: الحلف بالأمانة وبعهد الله وميثاقه
…
فكل هذا ليس يمينًا، واليمين بها معصية ليس فيها إلا التوبة والاستغفار لأنه كله غير الله ولا يجوز الحلف إلا بالله.
وقال ابن المنذر في «الإقناع» (1/ 276) وإذا قال عليه عهد الله وميثاقه وأراد اليمين فهي يمين.
وقد أطال شيخ الإسلام الكلام على المسألة في كتابه النفيس «نظرية العقد» استخلصت منه ما دلَّ على المراد.
وقال رحمه الله (ص 66): وقد يقول أحدهم علينا عهد الله وميثاقه. أو يقول: نعاهد الله على هذا، ومنه قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [الأحزاب: 15]، وهذا نذر.
وكذلك قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]، وكان هذا نذرًا لله، وهو معاهدة لله، ومعاهدة الله من أعظم الإيمان، فاليمين والمعاهدة ونحو ذلك: ألفاظ متقاربة المعنى أو متفقة المعنى فإذا قال: أعاهد الله أني أحج هذا العام هذا نذر وعهد، وهو يمين، وإذا قال أعاهد الله ألا أكلم زيدًا فهو عهد، لكن ليس نذرًا، فالأيمان اسم جنس إن
تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة يلزمه الوفاء بها لكونها نذرًا وهنا هي عقد لله وعهد لله ومعاهدة لله.
وقال ص [95] والمعاهدة هي المعاقدة وهي ثلاثة أنواع:
1 -
المعاقدة بين الناس كالمعاهدة بين المسلمين والكفار في الهدنة
…
إلخ.
2 -
معاهدة الله على ما يتقرب به إليه فهذا من النذر والحلف على المنذور فإذا كان على فعل واجب أو ترك محرم كان يمينًا ونذرًا كذلك، وإن كان على مستحب كان نذرًا له مؤكدًا باليمين بمعاهدة الله.
3 -
معاهدة الله بمعنى اليمين المحضة، إذا كان مقصودها الحض والمنع فهذه يمين، لكنها مؤكدة.
وأطال الكلام على تفصيل ذلك، هذا ما تسير جمعه مع ضيق الوقت وكثرة الشواغل (1).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(1) حررته ليلة الأربعاء 20/ 5/1417هـ.