المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور - نفح العبير - جـ ٢

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور

‌مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

«فإن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها، ألا ترى أن أكثر الناس يعيشون بغير طبيب إلا في بعض المدن الجامعة أما أهل البدو كلهم، وأهل الكفور (1) كلهم، وعامة بني آدم فلا يحتاجون إلى طبيب، وهم أصح أبدانًا وأقوى طبيعة ممن هو متقيِّد بطبيب، ولعلَّ أعمارهم متقاربة، وقد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم، واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفًا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء، حتى إن كثيرًا من أصول الطب إنما أخذت عن عوائد الناس وعُرفهم وتجاربهم.

أما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضي الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية؛ فمبناها على الوحي المحض؛ لأن غاية ما يُقدّر في عدم الطعام والشراب موت البدن، وتعطل الروح عنه، وأمَّا ما يقدَّر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبد وشتَّان بين هذا وهلاك البدن بالموت فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والقيام به، والدعوة إليه، والصبر عليه، وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه، وليس للعالم

(1) القرى النائية عن الأمصار.

ص: 67

صلاح بدون ذلك ألبتة ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلا بالعبور على هذا الجسر (1).

«ومن المعلوم لمن تدبر الشريعة أن أحكام عامة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، وأما غالب الأفعال مفادها وأحداثها فغالب أحكامها معلومة ولله الحمد، وأعني بكلمة معلومة أن العلم بها ممكن، وهو حاصل لمن اجتهد واستدل بالأدلة الشرعية عليها، لا أعني أن العلم بها حاصل لكل أحد، بل ولا لغالب المتفقهة المقلدين لأئمتهم، بل هؤلاء غالب ما عندهم ظن أو تقليد

وهاك مثالًا فإن باب الحيض الذي هو من أشكل الفقه في كتاب الطهارة، وفيه من الفروع والنزاع ما هو معلوم، ومع هذا أكثر الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال النساء في الحيض معلومة، ومن انتصب ليفتي الناس يفتيهم بأحكام معلومة متفق عليها مئة مرة، حتى يفتيهم بالظن مرة واحدة، وإن أكثر الناس لا يعلمون أحكام الحيض وما تنازع الفقهاء فيه من أقله وأكثره وأكثر سنين الحيض وأقله، ومسائل المتحيِّرة، فهذا من أندر الموجود، ومتى توجد امرأة لا تحيض إلا يومًا؟

وإنما في ذلك حكايات قليلة جدًا، مع العلم بأنه عامة بنات آدم يحضْن، وكذلك متى توجد في العالم امرأة تحيض خمسة عشر يومًا أو تسعة عشر يومًا؟ أو امرأة مستحاضة دائمًا لا يعرف لها عادة ولا يتميز الدم في ألوانه؟ بل الاستحاضة إذا وقعت فغالب النسوة يكون تمييزها وعادتها واحدة، والحكم في ذلك بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وباتفاق الفقهاء (2).

وهذا كله حاصل لمن عقل عن الله شرعه وتدبر ما كلف به وبكَّر وجدَّ

(1)«مفتاح دار السعادة» (2/ 2).

(2)

«الاستقامة» لشيخ الإسلام (1/ 55 - 59) بتصرف.

ص: 68

واجتهد، وإلا فالأمر كما قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب، ونصف نحوي، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان (1).

وإذا كان الحافظ الذهبي يقول على رأس السبعمائة: (قلّ من يعتني بالآثار ومعرفتها في هذا الوقت في مشارق الأرض ومغاربها أما المشرق وأقاليمه فغلق الباب وانقطع الخطاب، وأما المغرب وما بقي من جزيرة الأندلس فندر من يعتني بالرواية، كما ينبغي فضلًا عن الدراية).

فكيف يكون حال أهل عصرنا ولكِنْ إن لم يصبها وابل فطلّ، ومكرهٌ أخاك لا بطل (2).

هذا وقد رأيت جمع جزء في ختان النساء للكشف عن الأخبار في هذا الباب، وفصل النزاع في هذا الخطاب ولم أرد التطويل، والله أسأل النفع به في دار القرار وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأطهار.

(1) الحموية: «مجموع الفتاوى» (5/ 118 - 119) وقيل لسماحة شيخنا ابن باز عند قراءة الحموية فنصف محدث؟ قال: لا؛ الظاهر أنه ينتفع به وتبسم الشيخ.

(2)

«فهارس الكتاني» (1/ 56).

ص: 69