المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل تشرع الإشارة بين السجدتين - نفح العبير - جـ ٢

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌هل تشرع الإشارة بين السجدتين

‌هل تشرع الإشارة بين السجدتين

؟

أحدهما: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، الذي رواه مسلم من طريق معمر عن نافع عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، (كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها

) الحديث.

فأخذوا بعموم قوله: (إذا جلس في الصلاة) وقالوا هذا يشمل الجلوس بين السجدتين كذلك.

والجواب عن هذا أن يُقال: إن المراد بقوله: (جلس في الصلاة) التشهد ولنا في ذلك دليلان:

أحدهما: أن حديث ابن عمر المذكور قد رواه مسلم بلفظ آخر يبيِّن المراد فرواه من طريق أيوب عن نافع بلفظ: (كان إذا قعد في التشهد

).

وهو كذلك عند أحمد في مسنده (2/ 131) والبيهقي (2/ 130)، ولفظه عنده (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قعد يتشهد)، ولفظه عند الدارمي من طريق أيوب أيضًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا قعد في آخر الصلاة

).

وله طريق أخرى عند مسلم من حديث ابن عمر بلفظ: (إذا جلس في الصلاة

).

ورواه مالك وأحمد والنسائي وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان.

ص: 39

ودليلنا الثاني: أن جميع من أخرج حديث ابن عمر بطريقيه ذكره في أبواب التشهد، ولم يذكره في أبواب الجلوس بين السجدتين. قال النسائي على الحديث المذكور: باب موضع البصر في التشهد، وبوَّب الدارمي: باب الإشارة في التشهد، ومثله أبو داود.

وقال ابن خزيمة: باب وضع اليدين على الركبتين في التشهد الأول والثاني والإشارة بالسبابة من اليد اليمنى، ونحوه لابن حبان فأصبحت لفظة في الصلاة، مجملة بيَّنتها الروايات الأخرى والمجمل يوضحه المبين، وهذا ما فهمه أئمة الحديث وأهل الشأن.

ودليلهم الثاني (1): ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (2/ 68) وعنه أحمد في «المسند» (4/ 317)، والطبراني في «الكبير» (22/ 34)، من طريق الشورى عن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع يده حين كبَّر (وفيه) ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى وذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسببابته ووضع الإبهام على الوسطى وحلق بها، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه.

وقد روى الحديث عن الثوري ثلاث أنفس هذا لفظ عبد الرزاق، ورواه محمد بن يوسف الفريابي عن الثوري به كما عند النسائي ولفظه:(أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، جلس في الصلاة فافترش رجله اليسري ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها) فلم يذكر السجدة بعد الإشارة، والفريابي ثبت في الثوري فهو من الملازمين له ونصّ جماعة على أنه مقدم على عبد الرزاق في الثوري كابن عدين ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان به كما عند أحمد (4/ 318)،

(1) يعني دليل من قال بالإشارة في السجدتين.

ص: 40

ولفظه عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، حين كبر رفع يديه حذاء أذنيه (وفيه) فلما جلس حلق الوسطى والإبهام، وأشار بالسبابة ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى).

ولا يقال هذه زيادة ثقة.

فقد أخرج الحديث النسائي من طريق ابن عتيبة عن عاصم به وأحمد (4/ 319)، وابن خزيمة (697)، كلاهما عن شعبة والطحاوي (1/ 152)، عن أبي الأحوص وكذلك الطبراني (22/ 34)، كلهم عن عاصم به وصرحوا بأن الإشارة في التشهد، فلفظ أحمد (فلما قعد يتشهد) ولفظ ابن خزيمة (وأشار بأصبعه السبابة) يعني في الجلوس في التشهد ولفظ الطحاوي (فلما قعد في التشهد

) ومثله للطبراني.

وعبد الرزاق رحمه الله، وإن كان من الأئمة الحفاظ إلَّا أن له ألفاظًا ينفرد بها لا يتابع عليها وهذا منها.

فالمحفوظ بلا ريب الإشارة في التشهد، فهو مما استفاضت به الأحاديث وعليه تبويب الأئمة رحمهم الله.

فائدة: سئل شيخنا ابن باز سنة 1413هـ في جمادى الثانية في السادس عشر منه في أثناء قراءة الدارمي عن تحريك الإصبع بين السجدتين؟ فأجاب: (شاذة والأولى البسط ومثّلَهُ بيده) كتبته عنه بحروفه رحمه الله، والله أعلم.

ص: 41