المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حاصل ما قيل في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر في حديث الرؤيا - نفح العبير - جـ ٢

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌حاصل ما قيل في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر في حديث الرؤيا

‌حاصل ما قيل في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر في حديث الرؤيا

قال الحافظ في «الفتح» (7/ 38): واتفق من شرح الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى خلافته، وفيه نظر لأنه ولى سنتين وبعض سنة فلو كان المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة والذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة، ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء، وإنما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات والله أعلم، وقد ذكر الشافعي في تفسير هذا الحديث في «الأم» بعد أن ساقه قال ومعنى قوله (في نزعه ضعف) قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته. وقال الحافظ: كذلك «في نزعه ضعف» أي أنه على مهل ورفق وقوله (والله يغفر له) قال النووي: (هذا دعاء من المتكلم لا مفهوم له)، وقال غيره: (فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه، لأن سببه قصر مدته، فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه.

ص: 35

وقال الحافظ أيضًا قال البيضاوي وقوله: (يغفر الله له) إشارة إلى أن ضعفه- المراد به الرفق- غير قادح فيه أو المراد بالضعف ما وقع في أيامه من أمر الردة واختلاف الكلمة إلى أن اجتمع ذلك في آخر أيامه وتكمل في زمان عمر، وإليه الإشارة بالقوة، وقد وقع عند أحمد من حديث سمرة أن رجلًا قال:(يا رسول الله رأيت كأن دلوًا من السماء دُليت، فجاء أبو بكر فشرب شربًا ضعيفًا، ثم جاء عمر فشرب حتى تضلع) الحديث (1).

ففي هذا إشارة إلى بيان المراد بالنزع الضعيف والنزع القوي.

وقال الحافظ في كتاب «التعبير من الصحيح» (12/ 413).

قال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر، وقيل هو لخلافتهما معًا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أولًا بدفع أهل الردة وابتدأت الفتوح في زمانه، ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده، وقال غيره:(معنى عظم الدلو في يد عمر كون الفتوح كثرت في زمانه ومعنى استحالت) انقلبت عن الصغر إلى الكبر.

وقال النووي: قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل قيام وقرر قواعد الدين ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم ثم خلفه عمر فاتسع الإسلام في زمنه، فشبه أمر المسلمين بقليب الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وشبه بالمستقي لهم منها وسقيه هو قيامه بمصالحهم

(1) رواه أحمد في «مسنده» (5/ 21): حدثنا عبد الصمد وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبيه عن سمرة به مطولًا، ورواه أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا عفان به وعبد الرحمن والد الأشعث مقبول وباقي رجاله ثقات.

ص: 36

وقوله (ليريحني) إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الموت راحة من كدر الدنيا وتعبها، فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة ومعاناة أحوالهم، وقوله:(وفي نزعه ضعف) فليس فيه حطٌ من فضيلته، وإنما هو إخبار عن حالة في قصر مدة ولايته، وأما ولاية عمر فإنها لما طالت كثر انتفاع الناس بها واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح وتمصير الأمصار وتدوين الدواوين وأما قوله (والله يغفر له) فليس فيه نقص له، ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذنب، وإنما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام.

ثم ذكر الحافظ حديث سمرة المتقدم وتمامه ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عليّ فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها شيء قال:(وهذا يبين أن المراد بالنزع الضعيف والقوي الفتوح والغنائم).

وقال القسطلاني في «شرح البخاري» (6/ 97): (وفي نزعه ضعف) إشارة إلى ما كان في زمنه من الارتداد واختلاف الكلمة ولين جانبه ومدارته مع الناس ونحوه قال الطيبي في شرح «المشكاة» (10/ 395).

وقال أبو حاتم بن حبان بعد إخراج الحديث في صحيحه (15/ 324): فالذنوبان كانا خلافة أبي بكر رضي الله عنه، عنه سنتين وأيامًا.

وقال ملا على قاري في «شرح المشكاة» (10/ 395).

قوله: (وفي نزعه ضعف والله يغفر له) جملة دعائية وقعت اعتراضية مبنية أن الضعف الذي وجد في نزعه لما يقتضيه تغير الزمان وقلة الأعوان غير راجع إليه بنقيصة.

وقال البغوي في «شرح السنة» (14/ 91) قوله: (في نزعه ضعف لم يرد به نسبة التقصير إلى الصديق في القيام بالأمر فإنه جد بالأمر وتحمل من أعباء الخلافة

ص: 37

ما كانت الأمة تعجز عنه ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت العرب واشرأب النفاق ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها .. بل ذلك إشارة إلى أن الفتوح كانت في زمن عمر أكثر مما كانت في زمن الصديق لقصر مدة أيام ولايته

).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 343): (وسواء أراد قصر مدته أو أراد ضعفه عن مثل قوة عمر فلا ريب أن أبا بكر أقوى إيمانًا من عمر، وعمر أقوى عملًا، وقوى الإيمان أقوى وأكمل من قوة العمل، وصاحب الإيمان يكتب له أجر عمل غيره وما فعله عمر في سيرته مكتوب مثله لأبي بكر فإنه هو الذي استخلفه).

وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، (1/ 247)، في فتاويه:(لا مطعن فيه على أبي بكر للروافض لأن أبا بكر أكثر إيمانًا، ثم هو هو الذي ولاه، ثم قال أيضًا والله يغفر له فهذا إذا كان المراد أنه نقص). اهـ (1).

وقال سماحة الشيخ ابن باز سنة 1408 في «كتاب شرح التعبير» .

قال: ولعل الضعف ما كان فيه من اللين والرقة وعمر كان أشد رضي الله عنهما.

(1) قرئ على الشيخ رحمه الله فقال: حاموا حول الحمى

لم يأتوا بجديد.

ص: 38