الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الباب
الحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «أشمي ولا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل» .
رواه أبو داود «عون» (14/ 183) ومن طريق البيهقي (8/ 324)، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن إبراهيم الأشجعي عن مروان عن محمد بن حسان عن عبد الوهاب الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية أن امرأة كانت تختتن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ..
وقد وقع في إسناده اضطراب واختلاف كثير، فرواه البيهقي في «السنن والمعرفة» (13/ 62) من وجه آخر عن عبيد الله بن عمرو الرقي حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس قال: كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم عطية ..» . .
ومن طريق محمد بن حسان رواه ابن عدي في «الكامل» (6/ 2223) عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية
…
دون ذكر عبد الوهاب ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/ 525) من طريق عبيد الله به وسمى الرجل المبهم زيد بن أبي أنيسة، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب «العيال». (2/ 780) من طريق عبيد الله بن عمرو عن عطية القرظي قال: كان بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية وهذا اختلاف شديد واضطراب.
قال الحافظ في «التلخيص» (4/ 83): واختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل
عنه عن الضحَّاك بن قيس: كان بالمدينة امرأة
…
وقيل عنه عن عطية القرظي رواه أبو نعيم في «المعرفة» ، وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في «السنن» وأعله بمحمد بن حسان فقال: مجهول ضعيف .. اهـ.
وطريق الحاكم المذكورة لا تصلح للمتابعة فإنها من طريق هلال بن العلاء عن أبيه عن عمرو به، والعلاء ضعفه أبو حاتم بقوله: منكر الحديث ضعيف، وكذلك حصل في إسناده اختلاف آخر هل سمعه عبد الملك بن عمير من أم عطية أم بينهما واسطة، فقد قال الحافظ في «الإصابة» في ترجمة الضحَّاك وذكر بعض طرق هذا الحديث قال: وظهر من هذا أن عبد الملك دلسه على أم عطية والواسطة بينهما الضحَّاك بن قيس، والضحَّاك هذا قال يحيى لما سأله المفضل الغلابي عنه قال: الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري وعبد الملك بن عمير قال عنه أحمد كما في «بحر الدم» (279): مضطرب الحديث جدًا، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها وهو مع ذلك مدلس قال الحافظ:(مشهور بالتدليس وصفه بذلك الدارقطني وابن حبان، وذكر ذلك عنه الذهبي والعلائي والمقدسي والحلبي).
قلت: وتغيَّر حفظه فإنه كبر وشاخ فالحديث ضعيف ومضطرب؟
حديث آخر:
روى الخطيب في «تاريخه» (12/ 291) من طريق عوف بن محمد أبو غسان حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي قال: (كانت خفاضة بالمدينة فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي، فإنه أحسن للوجه وأرضى للزوج» . رواه في «ترجمة عوف» هذا وقال عنه: حدث عن يوسف بن عبده، وعنه عمرو بن علي وبندار قاله ابن منده. اهـ.
وأبو البختري لم يسمع من علي شيئًا قال ابن سعد في «الطبقات» (6/ 293):
كان أبو البختري كثير الحديث يرسل حديثه ويروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع من كبير أحد فما كان من حديثه سماعًا فهو حسن وما كان عن فهو ضعيف. اهـ. وأبو تغلب لا يُدرى ما حاله فالحديث لا يصح.
حديث آخر:
روى البيهقي (8/ 324) وابن أبي الدنيا (2/ 779) والطبراني في «الصغير» (1/ 92)، و «الأوسط» (7/ 195)، وابن عدي في «الكامل» (3/ 1083) والخطيب في «تاريخه» (5/ 327)، كلهم من طريق زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج» . وزائدة منكر الحديث كما قال البخاري والنسائي، قال ابن عدي: له أحاديث أفرادات وفي بعض حديثه ما ينكر.
حديث آخر:
روى أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (1/ 245)، حدثنا أبو محمد بن حيان حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس حدثنا إسماعيل بن أبي أمية حدثنا أبو هلال الراسبي سمعت الحسن حدثنا أنس قال: كانت ختانة بالمدينة يقال لها أم أيمن فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خفضت فأضجعي يدك، ولا تنهكيه، فإنه أسنى للوجه وأحظى للزوج» .
وإسماعيل بن أبي أمية غالب ظني أنه الذي ذكره الدارقطني في «سننه» (3/ 32، 34) و (4/ 20) فإنه من هذه الطبقة قال الدارقطني: ضعيف متروك الحديث، وقال مرة: يضع الحديث فإن يكنه فالحديث باطل، وأبو هلال ليِّن الحديث.
حديث آخر:
روى أحمد في «مسنده» (5/ 75) وابن أبي الدنيا (2/ 776) في كتاب «العيال» ،
وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/ 317)، والبيهقي (8/ 325)، والطبراني في «الكبير» (7/ 329)، من طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الختان سنة للرجال، ومكرمة للنساء» .
عند أحمد والبيهقي دون ذكر شداد.
حديث آخر:
روى البيهقي (8/ 325) وابن عساكر في «تبيين الامتنان بالأمر بالختان» (ح26) من طريق حجاج بن عن مكحول عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره بمثل الذي قبله).
قال أبو حاتم في «علله» (2/ 247): سألت أبي عن حديث رواه حفص ابن غياث عن حجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء» ، ورواه عبد الواحد بن زياد عن حجاج عن مكحول عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبي: (الذي عن حجاج عن مكحول خطأ وإنما أراد حديث حجاج ما قد رواه مكحول عن أبي الشمال عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس من سنن المرسلين ..» . الحديث فترك أبا الشمال فلا أدري هذا من الحجاج أم من عبد الواحد وقد رواه النعمان بن المنذر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. اهـ. يعني مرسلًا.
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (21/ 59) بعد ذكر حديث شداد: واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبي المليح هذا وهو يدور على حجاج بن أرطأة وليس ممن يحتج بما انفرد به، والذي أجمع عليه المسلمون الختان في الرجال على ما وصفنا. اهـ.
ومقال البيهقي عقب حديث شداد: الحجاج بن أرطأة، لا يحتج به وقيل عنه عن مكحول عن أبي أيوب، وهذا منقطع ثم أسنده عن حجاج به، قلت: لأن
مكحولًا لم يسمع من أبي أيوب.
وقال الحافظ في «التلخيص» (4/ 82): والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه فتارة يرويه كذا (يعني عن أبي المليح عن أبيه) وتارة بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح ثم ذكر ما تقدم من كلام الأئمة، فالحديث ضعيف مضطرب.
حديث آخر:
روى البيهقي (8/ 325)، والطبراني (11/ 233) من طريق الوليد حدثنا ابن ثوبان عن محمد بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الختان سنة للرجال، ومكرمة للنساء» وضعفه البيهقي بقوله هذا إسناد ضعيف والمحفوظ موقوف وقال في «المعرفة» : لا يصح رفعه، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسًا، كذا في «التلخيص» .
قلت: الوليد بن الوليد قال أبو حاتم: صدوق وقال الدارقطني: متروك. اهـ من «الميزان» ووقع في تعيينه اختلاف كما في «اللسان» وقال ابن حبان في «المجروحين» (3/ 81): الوليد بن الوليد يروي عن ابن ثوبان وثابت بن يزيد العجائب، وشيخه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان متكلم فيه.
ثم رواه البيهقي في «سننه» من طريق إبراهيم بن مجشر ثنا وكيع عن سعيد بن بشير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس من قوله، ورواه ابن عدي في «الكامل» (1/ 272) من طريق إبراهيم به، ثم قال: وإبراهيم له أحاديث منكرة من جهة الإسناد غير محفوظة، وترجمه في «اللسان» ، وذكره حديث الترجمة من منكراته، وذكر جرحه عن جماعة، وسعيد ضعيف، ورواه الطبراني في «الكبير» (12/ 182) من طريق سعيد به.
ورواه الطبراني في «الكبير» من وجه آخر (11/ 359).
حدثنا الحسن بن علي الفسوي ثنا خلف بن عبد الحميد ثنا عبد الغفور عن أبي هاشم عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: فذكره موقوفًا وعبد الغفور متروك ترجمة في «المجروحين» و «الميزان» و «ضعفاء العقيلي» وغيرها.
حديث آخر:
روى البزار في «مسنده» (1/ 669)«مختصر الزوائد» لابن حجر من طريق مندل بن علي عن ابن جريح عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم نسوة من الأنصار فقال: «يا نساء الأنصار، اختضبن غمسًا، واخفضن ولا تنهكن، فإنه أحظى عند أزواجكن، وإياكن وكفر المنعمين» . قال مندل: يعني الزوج، ومندل ضعيف، ورواه ابن عدي (3/ 901) من طريق خالد بن عمرو القرشي عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وخالد بن عمرو متروك الحديث بل كذَّبه يحي بن معين ونسبه إلى الوضع جماعة كصالح جزرة وابن عدي وغيرهم.
الجزء الثالث
روى البخاري في «الأدب المفرد» (1245).
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثتنا عجوز من أهل الكوفة - جدة علي بن غراب - حدثني أم المهاجر قالت: سُبيت في جواري من الروم فعرض علينا عثمان الإسلام فلم يسلم منَّا غيري وغير أخرى، فقال عثمان:(اذهبوا فاخفضوهما وطهِّروهما).
والعجوز هذه اسمها طلحة (1) تكنى بأم غراب لا يعرف حالها وأم المهاجر الرومية مقبولة.
(1) انظر: «تهذيب الكمال» (35/ 241).
أثر آخر:
روى البخاري في «الأدب المفرد» .
حدثنا أصبغ أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرًا حدثه أن أم علقمة أخبرته أن بنات أخي عائشة رضي الله عنهن خُتنّ فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من يلهيهن
…
أصبغ بن الفرج ورَّاق عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث وبكير بن الأشج لا يُسأل عنهم، وأما أم علقمة هذه خرَّج لها البخاري في «الآداب» كما هنا وعلق لها في الحيض من صحيحه (1)، قال العجلي: مدنية تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في «الثقات» وفي «التقريب»: مقبولة (2) واسمها مرجانة.
أثر آخر:
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (2/ 553).
حدثنا موسى حدثنا حماد عبيد الله بن أبي المليح عن أبي المليح أن ختانة خفضت جارية فماتت فرفعت إلى عمر فقال: كيف خفضتيها؟ قالت: كما كنت أخفض قال: لو ما أبقيت، فضمنها.
قلت: موسى هو ابن إسماعيل المنقري، وحماد هو ابن سلمة وعبيد الله بن أبي حمُيد هكذا صوابه لا ابن أبي المليح فهذا تحريف وليس لأبي المليح ابن اسمه عبيد الله، ثم لو كان كذا لقيل عن أبيه، كما هو الجادَّة، وعبيد الله هذا أبو الخطاب ضعيف منكر الحديث يروي عن أبي المليح عجائب كما قال الأئمة.
(1) كذا قال الحافظ في «اللسان» والذي رأيت في «الصحيح» في باب الصيام في الحجامة والقيء للصائم وانظر: «تحفة الأشراف» (12/ 433). وأظن أنه لم يصرح بها في الحيض بل أبهمت.
(2)
والأقرب أنها فوق ذلك، وأنها لا بأس بها.
وأبو المليح لا أظن أنه أدرك عمر.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار في ختان المرأة وهي كما ترى معلولة، وظاهر ما نقله الخلَّال عن أحمد رحمه الله حينما احتج بحديث «إذا التقى الختانان» الذي رواه مسلم وغيره، أقول ظاهره: أنه لم يعوِّل على هذه الأخبار ولم تصح عنده وإلا لذكر ذلك، وأما استدلال بعضهم بحديث (خمس من الفطرة) أخرجاه. أقول: الفرق ظاهر بين الجنسين شرعًا وحسًا.
فالختان في حق الرجل تعود مصلحته إلى شرط من شروط الصلاة وهو الطهارة لاجتماع بقايا البول في القلفة وهو أيضًا ميزة للمسلمين يتميزون بها عن الكفارة، حيث كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بهذا وغايته في المرأة أن يعدِّل شهوتها ويقلل من غلمتها (1) ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم:«أشمي ولا تنهكي .....» . لو صح يفيد أن المرأة لها ثلاثة أحوال (2).
الحالة الأولى: أن لا تختتن، وبهاء الوجه والحظوة عند الزوج حاصلة لها مع وفور الشهوة، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:«فإنه أحظى عند الزوج وأبهى للوجه» راجع إلى قوله: «ولا تنهكي» لا إلى قوله: «أشمي» .
الحالة الثانية: أن تختتن من غير مبالغة، وهذا تعتدل شهوتها، والحظوة عند الزوج، وبهاء الوجه حاصل لبقاء شيء من موضع الختان، وهذه الحال الفضلي.
الحالة الثالثة: أن تختتن فتبالغ جدًا ولا تبقي شيئًا فهذه تذهب شهوتها أو تكاد، فتذهب حظوتها عند زوجها.
(1) فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/ 117).
(2)
وانظر كلام شيخ الإسلام أول البحث.
وخلاصة الكلام أن ختان المرأة لم يصح بالأمر به شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دائر بين الإباحة والاستحباب (1) - فإن مجموع ما ذكر يفيد هذا إن شاء الله - أما الوجوب فلا والله. فواعجبًا للشافعية كيف يقولون به (2).
والله أسأل صلاح قلوبنا وأعمالنا، كما أسأله أن يجنبنا الفرقة والاختلاف وأن يرزقنا الاجتماع والائتلاف على الحق الذي يرضاه والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
غرة صفر /1416هـ
(1) وتقدم كلام ابن القيم وقوله: لا خلاف في استحبابه، فإن أراد الإجماع فتسقط مرتبة الإباحة إن صح وقوع الإجماع، وإلا فالمسألة بحالها وكلامه ليس صريحًا في الإجماع، وتقدم قولٌ بالكراهة.
(2)
وبعد كتابة هذا الجزء بأزيد من سنة تأملت ما رواه البخاري في كتاب «المغازي» باب قتل حمزة بن عبد المطلب سدد خطاكم، وأسند عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي .. فذكر قصة قتله لحمزة وفيه فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور
…
قال الحافظ: قال ابن اسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء. اهـ. المقصود، وإنما يستقيم الاستدلال به على مشروعية الختان إذا جرى العمل به في الإسلام، وحمزة وإن عيَّر سباعًا به لكنه لا يكذب فالصحابة كلهم عدول ثقات، وقد جرى العمل بذلك وأثر عائشة يدل عليه، والله أعلم.