الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: نور التقوى وثمراتها
المطلب الأول: مفهوم التقوى
التقوى لغة: الحذر، يقال: اتقيت الشيء، وتَقَيْتُهُ أتقيه تُقَى، وتِقيَّةً، وتِقاءً: حذرتُه. وقوله عز وجل: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (1)، أي هو أهلٌ أن يُتّقى عقابه، وأهل أن يُعمل بما يُؤدّي إلى مغفرته (2).
وأصل التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقايةً تقيه منه، فتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه: من غضبه وسخطه، وعقابه وقايةً من ذلك. وهو فعل طاعته واجتناب معصيته (3)، فظهر من ذلك أن حقيقة التقوى كما قال طلق بن حبيب رحمه الله:((التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله)) (4).
ويدخل في التقوى الكاملة: فعل الواجبات، وترك المحرّمات، والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات، وترك المكروهات، وهو أعلى درجات التقوى (5)، وقد عرّف التقوى الكاملة
(1) سورة المدثر، الآية:56.
(2)
انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الياء، فصل الواو، مادة ((وقي))، 15/ 402، والقاموس المحيط، باب الياء، فصل الواو، مادة ((وقى))، ص1731.
(3)
جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 1/ 398، وانظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير، 2/ 181.
(4)
جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 1/ 400.
(5)
المرجع السابق، 1/ 399.
الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في تفسيره لقول الله عز وجل: {اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ} (1)، فقال:((أن يُطاع فلا يُعصَى، ويُذكر فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفر)) (2)، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:((وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات، ومعنى ذكره فلا يُنسى: ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته، وسكناته، وكلماته: فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها)) (3).
وذكر الإمام القرطبي رحمه الله: ((أن قول الله عز وجل: {اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ} بَيَّنه قوله تعالى: {فاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (4)، وأن المعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، وبيّن أن هذا أصوب من القول بالنسخ؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن فهو أولى)) (5).
وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرّمات، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسُئل عن التقوى؟ فقال: ((هل أخذت طريقاً ذا شوكٍ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوكَ عدلتُ عنه، أو جاوزتُه، أو قصرتُ عنه، قال: ذاك التقوى، وأخذ هذا المعنى ابن المعتز، فقال:
خلِّ الذنوب صغيرَها
…
وكبيرَها فهو التقى
(1) سورة آل عمران، الآية:102.
(2)
أخرجه الطبراني، في المعجم الكبير، 9/ 92، برقم 8502، والحاكم في المستدرك، 2/ 294، وابن جرير في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 7/ 65، وذكر طرقاً كثيرة من رقم 7536 إلى رقم 7551.
(3)
جامع العلوم والحكم، 1/ 401.
(4)
سورة التغابن، الآية:16.
(5)
انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 4/ 166.