الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منزه عن الحلول والجهه
…
والاتصال الانفصال والسفه
ثم المعاني سبعة للرائي
…
أي علمه المحيط بالأشياء
حياته وقدرة إراده
…
وكل شيء كائن أراده
وإن يكن بضده قد أمرا
…
فالقصد غير الأمر فاطرح المرا
فقد علمت أربعًا أقسامًا
…
في الكائنات فأحفظ المقاما
كلامه والسمع والأبصار
…
فهو الإله الفاعل المختار
3 - الموازنة بين النونية وغيرها من المنظومات:
قد سبق تقرير ما تحظى به النونية من قدر عظيم، ومكانة عالية، وما تشمله من مادة علمية واسعة تجعلها مرجعًا مهمًا في أبواب الاعتقاد والرد على أهل الزيغ والضلال، بنظم محبب للنفوس ومشوق للأذهان، فكانت فريدة في هذا الباب، لها سبق ظاهر على غيرها من المنظومات في سعة التفصيل والبيان.
وحين نوازن بين نونية الإمام ابن القيم وغيرها من المنظومات فإن تميزها يظهر في أمور منها:
1 -
كثرة الأبيات، حيث تقرب من ستة آلاف بيت، ولا تكاد تجد منظومة في موضوعها تقرب من هذا العدد، فضلًا عن أن تساويه.
2 -
التوسع في تقرير المسائل الاعتقادية التي تبحثها، والتفصيل في بيانها، وجمع الأدلة الشرعية والعقلية لها، وخاصة فيما يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله.
3 -
كثرة المصادر والنقول عن الأئمة.
4 -
عرض أقوال المخالفين، وإيراد حججهم وتفنيدها.
5 -
التكرار في بعض المباحث زيادة في تقريرها.
فهذه ملامح ظاهرة تتجلى لكل من يقرأ هذه المنظومة، ويقارنها بغيرها من المنظومات الموجودة.
ولضرب المثال في ذلك نستعرض في هذا المبحث منظومتين مشهورتين ونعرف بناظميهما، ونجمل مباحثهما، ثم نذكر نتائج الموازنة بينهما وبين النونية، وهما:
1 -
الدرة المضية للشيخ محمد السفاريني.
2 -
سلم الوصول للشيخ حافظ الحكمي.
أولًا: الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، للعلامة الشيخ محمد السفاريني:
التعريف بالناظم
(1)
:
هو محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الشهرة
(1)
انظر ترجمته في: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لأبي الفضل محمد المرادي 4/ 31، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لمحمد بن عبد الله بن حميد، تحقيق، د. بكر أبو زيد ود. عبد الرحمن العثيمين 2/ 839.
والمولد النابلسي الحنبلي أبو العون شمس الدين، ولد سنة 1114 هـ بقرية سفارين من قرى نابلس ونشأ بها وتلا القرآن العظيم، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ بها عن الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي وأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين المجلد وغيرهم.
وحصل له من العلم في الزمن اليسير ما لم يحصل لغيره في الزمن الكثير، ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس واشتهر بالفضل والذكاء، ودرس وأفتى وصنف التصانيف العديدة منها: شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، وشرح نونية الصرصري سماها (معارج الأنوار في سيرة النبي المختار)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب لابن عبد القوي، والبحور الزاخرة في أمور الآخرة، وهذه المنظومة "الدرة المضيّة) وقد شرحها شرحًا مطولًا سماه:(لوامع الأنوار البهية وسواطع الآثار الأثرية بشرح الدرة المضية .. )، وله رحمه الله من الأشعار الشيء الكثير، وكانت وفاته في شوال سنة 1188 هـ بنابلس رحمه الله تعالى.
مطلعها:
الحمد لله القديم الباقي
…
مسبب الأسباب والأرزاق
عدد أبياتها: 304 بيت.
مباحثها:
وهي مرتبة كالتالي
(1)
:
- حمد الله تعالى وتمجيده، والصلاة والسلام على الرسول وآله وصحبه.
- أهمية علم التوحيد.
- الإشارة إلى أن هذا العقد نظمه على اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
- الإشارة إلى حديث الافتراق، وأن النجاة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وهذا هو منهج أهل الأثر.
- إثبات نصوص الصفات وإمرارها كما جاءت، وعدم ردها بالعقول والآراء.
- ذم التأويل في الصفات.
- اختلاف أهل النظر في التأويل، ونجاة أهل الأثر من مغبته.
- أول واجب على العبيد معرفة الله تعالى.
- وحدانية الله تعالى.
- صفات الله تعالى قديمة كذاته.
(1)
يأتي التعليق في نتائج الموازنة على بعض المباحث التي قرر فيها الناظم رحمه الله ما يخالف منهج أهل السنة.
- الأسماء الحسنى توقيفية.
- ذكر الصفات السبع العقلية التي يثبتها الأشاعرة.
- ذكر كلام الله تعالى وأنه قديم.
- نفي الجوهرية والعرضية والجسمية عن الله تعالى.
- إثبات الاستواء.
- نفي الحد عن الله تعالى.
- لزوم الصفات لله تعالى، وعدم الإحاطة علمًا بذاته.
- ثبوت كل ما جاء في الدليل من غير تمثيل.
- تنزيه الله تعالى عن النقائص.
- النهي عن التقليد في مسائل الأصول.
- جواز الجزم من عوام الناس بالتقليد.
- إثبات أن كل شيء سوى الله تعالى مخلوق، وأن الله تعالى خلقه لحكمة.
- خلق أفعال العباد.
- إثبات الكسب.
- جواز تعذيب الله تعالى للورى من غير ذنب ولا جرم.
- الكلام على الرزق، وأنه كل ما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان.
- المقتول ميت بأجله المقدر له.
- وجوب عبادة الله تعالى وطاعته.
- وقوع كل مقدر.
- وجوب الرضا بالقضاء، دون المقضي.
- تفسيق صاحب الكبيرة، وعدم تكفيره، ووجوب التوبة عليه.
- من مات على خطايا دون الكفر فهو تحت المشيئة.
- عدم قبول إسلام الزنديق ونحوه ما لم يستبن نصحه للدين.
- الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
- الاستثناء في الإيمان من غير شك.
- متابعة أهل الأثر.
- لا يقال للإيمان مخلوق ولا غير مخلوق.
- الإيمان بالكرام الكاتبين.
- الإيمان بالبرزخ وفتنة القبر.
- أرواح العباد مخلوقة، وأنها لا تعدم.
- الإيمان بأشراط الساعة، وذكرها منها:
1 -
المهدي.
2 -
نزول عيسى عليه السلام.
3 -
خروج الدجال، وقتل عيسى عليه السلام له.
4 -
خروج يأجوج ومأجوج.
5 -
هدم الكعبة.
6 -
الدخان.
7 -
ذهاب القرآن.
8 -
طلوع الشمس من مغربها.
9 -
الدابة.
10 -
النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر.
- الإيمان بالنفخ في الصور، والبعث والنشور.
- الإيمان بالحساب والصحف والميزان والصراط والحوض والكوثر.
- إثبات الشفاعة.
- الإيمان بالجنة والنار.
- عدم خلود من يدخل النار من أهل الكبائر فيها.
- وجود الجنة والنار، وعدم فنائهما.
- إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.
- إرسال الرسل من أعظم نعم الله على عباده ورحمته بهم.
- شروط النبوة.
- النبوة اصطفاء واختيار.
- ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
- بعض خصائصه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم: القرآن، المعراج، انشقاق القمر.
- فضله على سائر العالمين، وبعده أولو العزم ثم سائر الرسل ثم الأنبياء.
- عصمة الأنبياء.
- بشريتهم وحاجتهم للطعام والشراب ونحوهما.
- ذكر الصحابة وفضلهم، وأن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة.
- فضل خديجة وعائشة رضي الله عنهما.
- فضل الصحابة عمومًا.
- ذكر بعض فضائلهم.
- السكوت عما جرى بينهم، وأنهم مجتهدون في ذلك.
- التابعون أفضل الأمة بعد الصحابة.
- إثبات كرامات الأولياء.
- تفضيل صالحي البشر على الملائكة.
- الكلام على الإمامة وشروطها، وما للإمام وما عليه.
- وجوب طاعة الإمام في غير معصية.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودرجاتهما، وفرضيتهما فرض كفاية.
- البدء بالنفس في الأمر والنهي.
- خاتمة تتضمن الكلام على مدارك العلوم.
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.
- الثناء على أئمة الدين كالأئمة الأربعة وغيرهم.
- نتائج الموازنة:
1 -
الفارق في عدد الأبيات.
2 -
التزام النونية لمنهج السلف في جميع مباحثها، في حين أن الدرة المضية وقع فيها تقرير بعض المسائل المخالفة لمنهج السلف، في أكثرها جرى كلام الناظم على منهج الأشاعرة، وذلك مبني على إدخاله للأشاعرة والماتريدية في أهل السنة والجماعة، كما قرره في شرحه للمنظومة
(1)
.
(1)
لوامع الأنوار 1/ 73.
وسأستعرض فيما يلي ما وقع في هذه المنظومة من مسائل مخالفة لمنهج السلف، مع ذكر ما يردّها ويبين وجه الحق فيها من الكافية الشافية:
1 -
قوله في نصوص الصفات:
فكل ما جاء من الآيات
…
أو صح في الأخبار عن ثقات
من الأحاديث نُمِرُّه كما
…
قد جاء فاسمع من نظامي واعلما
(1)
وحين نتأمل هذين البيتين فلا نلحظ المخالفة فيهما ظاهرة، إذ إطلاق مثل هذا معهود عن سلف الأمة.
ولكن المأخذ يتضح عند شرح الناظم نفسه لهذين البيتين، حيث قرر ما يذهب إليه أهل التفويض، فقال: "فكل ما جاء عن الله تعالى في القرآن من الآيات القرآنية، أوصح مجيئه في الأخبار، بالأسانيد الثابتة المرضية عن رواة ثقات في النقل، وهم العدول الضابطون المرضيون عند أهل الفن العارفين بالجرح والتعديل، من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة مما يوهم تشبيهًا أو تمثيلًا فهو من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، نؤمن به وبأنه من عند الله تعالى كما جاء
…
- إلى أن قال: وكل ما أوجب نقصًا أو حدوثًا فالله تعالى منزه عنه حقيقة، فإنه تعالى مستحق الكمال الذي لا غاية فوقه، ومذهب السلف عدم الخوض في مثل هذا، والسكوت عنه، وتفويض علمه إلى
(1)
لوامع الأنوار 1/ 93.
الله"
(1)
.
وهذا تفويض مخالف لمنهج السلف، فإنهم يثبتون كل ما جاء من صفاته تعالى وأفعاله مع العلم بمعانيها ويكلون العلم بالكيف إلى ربهم تبارك وتعالى.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تقرير ذلك (2757، 2758):
واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الـ
…
أسماء والأوصاف للديان
وكذلك الأحكام أحكام الصفا
…
ت وهذه الأركان للإيمان
ب - قوله في الصفات أيضًا:
صفاته كذاته قديمة
…
أسماؤه ثابتة عظيمة
(2)
وهذا الكلام مجمل لا بد من التفصيل فيه ليفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال.
ومراد الناظم في هذا البيت عدم التفريق بين أي نوع من أنواع الصفات، فقد قال في الشرح: "صفاته سبحانه وتعالى الذاتية والفعلية والخبرية كذاته عز شأنه، قديمة لا ابتداء لوجودها، إذ لو كانت حادثة
(1)
لوامع الأنوار 1/ 95 - 97.
(2)
لوامع الأنوار 1/ 112، ويلحق به قوله (1/ 220).
فسائر الصفات والأفعال
…
قديمة لله ذي الجلال
لاحتاجت إلى محدث، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق"
(1)
.
فقوله: (قديمة) لفظ مجمل، نفى به أهل الكلام صفات الله تعالى الفعلية، حيث ظنوا أن تعلقها بالإرادة والمشيئة يجعلها خلفا حادثًا يحل في ذات الله تبارك وتعالى فقادهم هذا الظن الكاذب إلى نفي آحادها وجعلها قديمة كقدم الذات.
والحق هو التفريق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، فالذاتية أزلية مطلقا، أما الفعلية فهي أزلية النوع حادثة الآحاد، بمعنى أنها تتعلق بإرادة الله تعالى ومشيئته.
يقول الإمام ابن القيم في تقرير هذا التفريق (3396 - 3398):
فهما إذًا نوعان أوصاف وأفـ
…
ـعال فهذي قسمة التبيان
فالوصف بالأفعال يستدعي قيا
…
م الفعل بالموصوف بالبرهان
كالوصف بالمعنى سوى الأفعال ما
…
إن بين ذينك قط من فرقان
ج - تقريره في بداية النظم للصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة دون غيرها من الصفات يوهم الاقتصار عليها، أو أن لها شأنًا في الإثبات دون غيرها.
وقد ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- أن الدافع لابتدائه بهذه
(1)
لوامع الأنوار 1/ 116.
الصفات هو الاتفاق عليها. فقال: "ولما كانت صفاته تعالى منها ما اتفق عليه كالصفات السبع، ومنها ما اختلف فيه كصفات فعله تعالى ورحمته وغضبه ونحوها، بدأ بما اتفق عليه فيها، وهي السبع صفات الثبوتية .. "
(1)
.
ولا يُفهم من هذا أن الناظم لا يثبت غيرها، ولكن المأخذ أنه جعل مخالفة أهل الكلام لأهل السنة فيما يثبتونه من الصفات معتبرة.
أما في نونية ابن القيم فلا اعتبار لأي مخالفة لأهل الكلام في صفات البارئ تبارك وتعالى، ونرى ذكر الصفات فيها مفصلًا كما هو منهج القرآن الكريم في تقريرها.
وقد عقد الإمام ابن القيم في النونية فصلًا كاملًا ذى فيه كثيرًا من أسماء الله تعالى وصفاته، وتكلم عن معانيها
(2)
.
د - قوله في كلام الله تعالى:
وأن ما جاء مع جبريل
…
من محكم القرآن والتنزيل
كلامه سبحانه قديم
…
أعيا الورى بالنص يا عليم
(3)
فقوله "قديم" مبني على اعتقاد أزلية صفات الأفعال: نوعها
(1)
لوامع الأنوار 1/ 130.
(2)
البيت رقم 3223 وما بعده.
(3)
لوامع الأنوار 1/ 130. ويلحق به قوله (1/ 439):
ففعلنا نحو الركوع محدث
…
وكل قرآن قديم فابحثوا
وآحادها. وقد سبق بيان الحق في ذلك بأنها أزلية النوع دون الآحاد.
ومن تأمل كلام الناظم رحمه الله في صفة الكلام يلحظ فيه بعض التردد والاختلاف.
فقد رد في الشرح على المعتزلة في قولهم بخلق القرآن
(1)
. ورد على الأشاعرة في قولهم بالكلام النفسي، ونقل نصوصًا في إبطال ذلك
(2)
. وأورد نقولًا في تقرير مذهب السلف من أن كلامه سبحانه وتعالى منه بدأ وإليه يعود، وأنه بحرف وصوت، وأنه داخل تحت إرادة الله تعالى ومشيئته فالله تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء
(3)
.
ثم إنه قال في تحرير مذهب السلف في ذلك: "وتحرير مذهب السلف أن الله تعالى متكلم كما مرّ، وأن كلامه قديم، وأن القرآن كلام الله، وأنه قديم حروفه ومعانيه"
(4)
.
وقال أيضًا: "بل هذا القرآن هو كلام الله، وهو مثبت في المصاحف، وهو كلام الله مبلغًا عنه مسموعًا من القراء ليس هو مسموعًا منه تعالى، فكلامه قديم، وصوت العبد مخلوق"
(5)
.
فظاهر كلامه في النظم موافقة القائلين بالكلام النفسي، إلا أنه
(1)
لوامع الأنوار 1/ 133.
(2)
لوامع الأنوار 1/ 165.
(3)
لوامع الأنوار 1/ 134.
(4)
لوامع الأنوار 1/ 137.
(5)
لوامع الأنوار 1/ 138.
خالف ذلك في الشرح، واختار أن يكون كلام الله تعالى حروفًا وأصواتًا مسموعة، وأنه قديم أيضًا حروفه ومعانيه.
أما في نونية الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- فإن هذه المسألة قد قررت على منهج السلف رضوان الله عليهم بأوضح بيان وأجلى حجة، ورُدّت أقوال المخالفين فيها، ودحضت حججهم.
يقول الإمام ابن القيم في تقرير منهج السلف في هذه المسألة (2739 - 2741):
واشهَدْ عليهم أنّه سبحانه
…
متكلمٌ بالوحي والقرآنِ
سمع الأمينُ كلامَه منه وأدّ
…
اه إلى المبعوث بالفرقان
هو قولُ ربِّ العالمينَ حقيقةً
…
لفظًا ومعنى ليس يفترقان
هـ - ذكره لبعض الألفاظ المحدثة في الصفات، وفي ذلك يقول:
وليس ربنا بجوهر ولا
…
عرض ولا جسم تعالى ذو العلا
سبحانه قد استوى كما ورد
…
من غير كيف قد تعالى أن يُحَد
(1)
والأصل في هذه الألفاظ الاستغناء عنها بما في الكتاب والسنة، وأن لا يتكلم فيها لا نفيًا ولا إثباتًا، وحين تذكر -لضرورة تقوم لذلك- فإنه لا بد من التفصيل فيها.
وقد عقد الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في النونية فصلًا في
(1)
لوامع الأنوار 1/ 181.
أن أصل بلاءً أهل التعطيل هو الألفاظ المحدثة المشتملة على حق وباطل، وقبولهم لها بلا تفصيل ولا بيان
(1)
.
و- إثباته للكسب في قوله:
أفعالنا مخلوقة لله
…
لكنّها كسبٌ لنا يا لاهي
وكل ما يفعله العبادُ
…
مِن طاعةِ أو ضدِّها مرادُ
لِربِّنا من غيرِ ما اضطرارِ
…
منه لنا فافهَمْ ولا تُمارِ
وظاهر كلام الناظم -رحمه الله تعالى- تقرير مذهب الأشاعرة في أفعال العباد، حيث قال في تعريف الكسب:"والكسب في اصطلاح المتكلمين ما وقع من الفاعل مقارنًا لقدرة محدثة واختيار، وقيل: هو ما وجد في قدرة محدثة في المكتسب"
(2)
، ثم نقل نقولًا في تعريفه.
ثم إنه قرر أن لقدرة العبد تأثيرًا في إيجاد الفعل منه فقال: "فلقدرة العبد تأثير في إيجاد فعله لا بالاستقلال والاستبداد، بل بالإعانة والإذن والتمكين من الفاعل المختار الجواد"
(3)
.
وإثبات هذا التأثير لقدرة العبد مخالف لمعنى الكسب المقرر عند الأشاعرة فحصل في كلامه رحمه الله تعالى بعض الاختلاف؛ لذلك حين حكى قول المخالفين في هذا الباب وردّ عليهم ذكر أنهم الجبرية
(1)
انظر البيت رقم (3694) وما بعده.
(2)
لوامع الأنوار 1/ 291.
(3)
لوامع الأنوار 1/ 296.
الغلاة من جهة، والقدرية (المعتزلة) من جهة أخرى، أما أهل السنة فهم الوسط في ذلك وحكى لهم قولين، وجعل قول الأشاعرة أحد القولين، فقال:"وأما المتوسطون فهم أهل السنة والجماعة، فلم يفرطوا تفريط القدرية النفاة، ولم يفرطوا إفراط الجبرية المحتجين بالقدر على معاصي الله، وهؤلاء على مذهبين، مذهب الأشعري ومن وافقه من الخلف، ومذهب سلف الأمة، وأئمة السنة .. "- إلى أن قال: "ثم إن الأشعري ومن وافقه منهم أثبت للعبد كسبًا ومعناه أنه قادر على فعله وإن كانت قدرته لا تأثير لها في ذلك"
(1)
.
أما في النونية فقد حكى الإمام ابن القيم قولًا واحدًا لأهل السنة في هذه المسألة، وهو أن أفعال العباد داخلة تحت إرادة الله تعالى ومشيئته، وأنها منسوبة إليهم على أنهم فاعلوها حقيقة.
وفي ذلك يقول -رحمه الله تعالى- عن أهل السنة (2787 - 2788):
واشهد عليهم أنهم هم فاعلو
…
نَ حقيقةَ الطاعات والعصيانِ
والجبر عندهُمُ مُحالٌ هكذا
…
نفيُ القضاءِ فبئست الرأيان
ز - قوله في نفي تعليل أفعال الله تعالى:
وجاز للمولى يعذبُ الورى
…
من غيرِ ما ذنبٍ ولا جُرمٍ جرى
(1)
لوامع الأنوار 1/ 311.
فكلّ ما منه تعالى يجمُلُ
…
لأنّه عن فعله لا يُسْأَل
(1)
وهذا الكلام مبني على نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، فلا فرق في فعله أن يثيب المطيعين ويضاعف لهم إحسانهم، أو أن يعذبهم على تلك الطاعات وذلك الإحسان. فالظلم منه ليس له حقيقة يمكن وجودها، بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها، فلا يجوز أن يكون مقدورًا له، ولا أن يقال إنه تارك له باختياره ومشيئته
(2)
.
وعلى هذا فلا يكون لنفي الظلم عنه فائدة، إذ إنه ليس متصورًا إذا كان تعذيبه العباد بجرم أو بغير جرم سواء.
والحق أنه سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم، وهذا منه سبحانه على نفسه، فلا أحد يوجب عليه شيئًا، أو يحرم. وتعذيب العباد من غير جرم ولا استحقاق للعذاب ظلم نفاه عن نفسه عز وجل كما قال:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فصلت: 46] وقال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]
(3)
.
والناظم -رحمه الله تعالى- قد قرر في أبيات قبل هذه إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى حيث قال:
(1)
لوامع الأنوار 1/ 320.
(2)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 18/ 138 وما بعدها.
(3)
انظر تعليقًا منسوبًا للشيخ عبد الله أبا بطين على هذه المسألة في حاشية لوامع الأنوار 1/ 320.
وربُّنا يخلُقُ باختيار
…
مِن غير حاجة ولا اضطرار
لكنه لا يخلُق الخلقَ سدى
…
كما أتى في النصِّ فاتْبَعِ الهدى
(1)
ثم حكى في الشرح قول من يقول بنفي العلة في أفعال الله تعالى وأبان أنه قول مرجوح، ورجّح قول من أثبت الحكمة، ونقل عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم نقولًا في ذلك.
وكان مما قاله الناظم في هذا: "والحاصل أن شيخ الإسلام وجمعًا من تلامذته أثبتوا الحكمة والعلة في أفعال الباري جل وعلا، وأقاموا على ذلك من البراهين ما لعله لا يبقي في مخيلة الفطين السالم من ربقة تقليد الأساطين أدنى اختلاج وأقل تخمين"
(2)
.
وحين حكى قول المعتزلة في إيجاب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وقولَ الأشاعرة في تجويز ما ينافي حكمة الله تعالى وعدله، أثنى على الفرقة الوسط بين ذلك وهم أهل السنة فقال: "الفرقة الثالثة: هم الوسط بين هاتين الفرقتين، فإن الفرقة الأولى أوجبت على الله شريعة بعقولها وحرّمت عليه وأوجبت ما لم يحرمه على نفسه ولم يوجبه على نفسه. والفرقة الثانية جوّزت عليه ما يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته حكمته وكماله. والفرقة الوسط أثبتت له ما أثبته لنفسه من الإيجاب والتحريم الذي هو مقتضى أسمائه وصفاته الذي لا يليق به نسبته إلى ضدّه؛ لأنه موجب كماله وحكمته وعدله، ولم تدخله تحت
(1)
لوامع الأنوار 1/ 276.
(2)
لوامع الأنوار 1/ 286.
شريعة وضعتها بعقولها كما فعلت الفرقة الأولى، ولم تجوّز عليه ما نزّه نفسه عنه كما فعلت الفرقة الثانية"
(1)
.
فمن تأمل كلامه -رحمه الله تعالى- في الموضعين يلحظ الاختلاف الذي فيه.
أما في النونية فقد ردّ الإمام ابن القيم رحمه الله قول من لا ينفي الظلم عن الله لامتناعه أصلًا إذ هو عنده كالجمع بين النقيضين، فقال في معرض حكايته لمذهب الجهمية (57 - 58):
والظلم عندهم المحال لذاته
…
أنّى ينزه عنه ذو السلطان
ويكون مدحًا ذلك التنزيه ما
…
هذا بمعقول لدى الأذهان
3 -
اشتمال النونية على أكثر مباحث الدرة المضية، وتميزها عنها بزيادة التفصيل والبيان، ولم تنفرد الدرة إلا في مسائل معدودة وهي:
أ - ذكر أشراط الساعة الكبرى.
ب - الكلام في عصمة الأنبياء.
جـ - الكلام على كرامات الأولياء.
د - مسألة التفضيل بين الملائكة وصالحي البشر.
هـ - الإمامة، وما للإمام وما عليه.
و- المسائل المنطقية التي تضمنتها الخاتمة.
(1)
لوامع الأنوار 1/ 288.
ثانيًا: سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي:
التعريف بالناظم:
هو الشيخ العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، من أعلام منطقة الجنوب (تهامة)، ولد في رمضان سنة 1342 هـ، ونشأ في كنف والديه نشأة صالحة طيبة، وكان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم. وقد بدأ بالطلب في من مبكرة، وتتلمذ على الشيخ عبد الله القرعاوي، حتى تفوق على أقرانه، وكان الشيخ عبد الله القرعاوي حريصًا عليه ويوليه كبير الاهتمام، وكان يكلفه ببعض الدروس، والتنقل في منطقة الجنوب للدعوة والتعليم.
وكان للشيخ حافظ اهتمام بالتصنيف، فقد صنف في التوحيد، ومصطلح الحديث، وفي الفقه وأصوله، والسيرة، والفرائض، والوصايا والآداب، وغير ذلك نظمًا ونثرًا.
ومن أعماله أن عينه الشيخ عبد الله القرعاوي مديرًا لمدرسة سامطة السلفية، وفي عام 1373 هـ عُيّن مديرًا لأول ثانوية تفتح في جازان، ثم عين مديرًا لمعهد سامطة العلمي ولم يزل مديرًا للمعهد حتى وافته المنية بعد أدائه لمناسك الحج في الثامن عشر من شهر ذي الحجة عام 1377 هـ
(1)
.
(1)
الترجمة مستفادة من ابنه أحمد في مقدمة معارج القبول.
التعريف بالمنظومة:
هي أرجوزة في التوحيد، نظمها الشيخ تلبية لطلب شيخه الشيخ عبد الله القرعاوي
(1)
، وهي مطبوعة متداولة بين طلاب العلم، وقد شرحها الشيخ نفسه شرحا وافيًا أسماه:(معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول).
مطلعها:
أبدأ باسم الله مستعينًا
…
راضٍ به مدبِّرًا معينًا
عدد أبياتها: 290 بيتًا.
مباحثها وهي مرتبة كالتالي:
- الحمد لله والصلاة على رسول الله.
- شهادة الحق أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
- الحكمة من خلق الخلق وهي عبادة الله تعالى.
- أخذ العهد علي بني آدم وهم في ظهور آبائهم أمثال الذر.
- إرسال الرسل مبشرين ومنذرين.
- أول واجب على العبيد: التوحيد.
- نوعا التوحيد:
(1)
انظر ترجمة ابنه له في المصدر السابق 1/ 14.
النوع الأول: الإثبات والمعرفة.
- ذكر بعض الأسماء والصفات:
1 -
الرب الخالق البارئ المصور.
2 -
الأول والآخر.
3 -
الأحد الفرد القدير الأزلي الصمد البر المهيمن العلي.
4 -
إثبات العلو بأنواعه.
5 -
إثبات المعية والقرب، وأنهما لا تنافيان العلو.
6 -
الحي القيوم.
7 -
يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
8 -
إثبات الحكمة.
9 -
رؤيته تعالى لكل شيء.
10 -
علمه تعالى بكل شيء.
11 -
وسع سمعه تعالى الأصوات.
12 -
الغني.
13 -
الرزاق.
14 -
افتقار العبيد كلهم إليه.
15 -
صفة الكلام.
16 -
صفة النزول.
17 -
مجيئه يوم القيام لفصل القضاء.
18 -
رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.
- التسليم والقبول لكل ما ثبت في النص من الصفات.
- إمرار نصوص الصفات كما جاءت مع الاعتقاد لمقتضاها.
- إثباتها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
- النوع الثاني من أنواع التوحيد: توحيد الألوهية.
- حقيقة هذا التوحيد وأنه أصل دعوة الرسل.
- معنى الشهادة.
- شروطها.
- تعريف العبادة وأن منها الدعاء.
- الشرك ونوعاه: الأكبر والأصغر.
- الكلام على التمائم والودع ونحوهما.
- شرعية الرقية من العين والحمة.
- النهي عن الرقى المجهولة المعاني.
- الاختلاف في التمائم المعلقة من القرآن.
- بعض أعمال أهل الشرك.
- أقسام زيارة القبور:
1 -
شرعية.
2 -
بدعية.
3 -
شركية.
- النهي عن إيقاد السرج على المقابر، واتخاذها مساجد.
- الأمر بتسوية كل قبر مشرف.
- تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته من إطرائه.
- عاقبة مخالفة ذلك، وكيف أفضى إلى الشرك.
- السحر، وأن له حقيقة.
- تكفير الساحر، وأن حده القتل.
- النهي عن تصديق الكاهن والمنجم.
- حقيقة الإيمان وأنه نية وقول وعمل.
- تفاضل أهل الإيمان فيه.
- مراتب الدين ثلاثة:
1 -
الإسلام وأركانه.
2 -
الإيمان وأركانه.
3 -
الإحسان وتعريفه.
- زيادة الإيمان ونقصانه.
- عدم تكفير صاحب الكبيرة.
- قبول التوبة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها.
- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بلغ الرسالة وأدّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده.
- ختم النبوة به، وفضله على سائر العالمين.
- تفضيل الخلفاء الراشدين على سائر الأمة، وأن ترتيبهم في الفضل ترتيبهم في الخلافة.
- ثم بعدهم بقية العشرة، ثم سائر الصحابة وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
- خاتمة في الأمر بالتمسك بالكتاب والسنة.
- شرطا القبول: الإخلاص والمتابعة.
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.
نتائج الموازنة:
1 -
الفارق في عدد الأبيات، والاختصار في عرض المسائل.
ومن الأمثلة التي توضح ذلك مسألة العلو، فتقريرها في سلم الوصول لم يبلغ عشرة أبيات، بينما في النونية قد تكلم عليها الإمام ابن القيم في موضع واحد بما يزيد على ستمائة بيت، إضافة إلى ما يذكره في ثنايا فصول القصيدة.
ومرجع هذا إلى طبيعة المنظومتين، فالنونية نهج فيها الناظم التفصيل والتوسع في المباحث، أما سلم الوصول فقد بناها الناظم على الاختصار تسهيلًا لحفظها واستيعاب جميع مباحثها.
2 -
أكثر مباحث النونية عرضًا بالنسبة إلى عدد أبياتها هو توحيد الإثبات والمعرفة، أما في سلم الوصول فأكثر المباحث عرضًا بالنسبة لعدد الأبيات هو توحيد الألوهية، فقد زاد ذلك على الكلام على توحيد الإثبات والمعرفة وغيره من المباحث.
3 -
لم تأت منظومة (سلم الوصول) على كثير من تفصيلات المباحث التي تعرضت لها النونية، بينما شملت النونية أكثر مباحث السلم، ولم ينفرد عنها إلا ببعض المسائل وهي:
أ - أخذ العهد علي بني آدم وهم في ظهور آبائهم.
ب - الكلام على التمائم والودع ونحوهما.
ج - الكلام على السحر والكهانة.
د - التنصيص على الشروط السبعة لشهادة التوحيد (لا إله إلا الله)، وإن كان الإمام ابن القيم قد قررها معنىً وإن لم ينص عليها.