الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدبي الرفيع المشوق، وهذا يسهل للقارئ فهم واستيعاب ما فيه من مسائل دون تعب وملل أثناء قراءتها.
13 -
حسن الترتيب والتقسيم للأبواب والمسائل التي حواها هذا النظم مما سهل للقارئ الرجوع إلى موضوعاته دون عناء أو مشقة.
14 -
لا يوجد عند أهل السنة والجماعة ولا عند غيرهم عن أصحاب المذاهب المنحرفة كتاب مثل هذا الكتاب ضخامة وموضوعًا وطريقةً. كما سيتبين عند الموازنة بينه وبين المنظومات الأخرى.
5 - منهج المؤلف في الكتاب:
تميز منهج المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب بميزات كثيرة منها:
(1)
الاعتماد الكلي على نصوص الكتاب والسنة.
وهذا دأب المؤلف رحمه الله في جميع كتبه، حتى صارت هذه الميزة سمة مصنفاته كلها. فنجده إذا قرر مسألة أو عرض معتقدًا لأهل السنة والجماعة أو ردّ على المخالفين لا يخرج عن نصوص الكتاب والسنة. وفي هذا يقول الشوكاني رحمه الله: "وليس له على غير الدليل معوّل في الغالب. وقد يميل نادرًا إلى المذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلة، كما يفعله غيره
…
"
(1)
.
وفي هذا يقول رحمه الله:
(1)
البدر الطالع 2/ 144 - 145.
إنا أبينا أن ندين بما به
…
دانوا من الآراء والبهتان
إنا عزلناها ولم نعبأ بها
…
يكفي الرسول ومحكم القرآن
من لم يكن يكفيه ذان فلا كفا
…
ه الله شرّ حوادث الأزمان
من لم يكن يشفيه ذان فلا شفا
…
ه الله في قلب ولا أبدان
من لم يكن يغنيه ذان رماه رب
…
العرش بالإعدام والحرمان
من لم يكن يهديه ذان فلا هدا
…
ه الله سبل الحقّ والإيمان
(2)
السعة والشمول:
وذلك في أمرين: في عرض اعتقاد أهل السنة والاستدلال على رأيهم بالنقل والعقل، وكذلك في الرد على المخالف واستقصاء شبهاته وتفنيدها. وهذه السمة ظاهرة في القصيدة كلها. ومن أمثلتها: إحاطته رحمه الله بمذهب الجهمية من جميع جوانبه. فذكر مذهبهم في الصفات والحكمة والمشيئة والكلام، ثم في الإيمان، ثم في العلو وغيرها. فلم يترك شاردة ولا واردة من مذهبهم إلّا عرضها وبيّنها رحمه الله. ثم ردّ عليهم بعدما أتم عرض مذهبهم، كما في الأبيات 40 - 187، ثم 837 وما بعده. فيخرج القارئ بمعلومات تامة عن كل مذهب والردّ عليه.
(3)
حسن الترتيب والتبويب.
يرتب رحمه الله المعلومات والمسائل ترتيبًا يسهّل على القارئ فهم الموضوع واستيعابه، ويسهل الرجوع إلى المسألة التي يريدها
الباحث من الكتاب. ومن أمثلته: أنه رتب أدلة العلو النقلية إلى واحد وعشرين دليلًا، ووضع كل دليل في فصل مستقل. وكذلك قسم أبواب مبحث التأويل تقسيمًا بديعًا متقنًا يستطيع القارئ بعناوينه أن يفهم محتوى ذلك المبحث أو الباب. ومن أمثلته في أول الكتاب أنه لما أراد أن يتكلم عن الطوائف ومذاهبها مهّد لها بمقدمة نافعة في التحكيم، ثم عرض آراء المذاهب مرتبة.
(4)
طول النفس في عرض الأقوال والمذاهب.
لا يلحظ القارئ أن المؤلف يقتضب أو يختصر اختصارًا مخلًّا أثناء عرضه للمسائل في المذهب الواحد. بل كل مسألة يسهب فيها، ويوضح الكلام عليها، ثم ينتقل إلى مابعدها. وهذا يدلّ على صبره وجلده رحمه الله، ولا سيما أنه يكتب نظمًا لا نثرًا، وبين كتابة النظم والنثر من الصعوبة فرق لا يخفى.
(5)
الأمانة والدقة في نسبة الأقوال والمذاهب.
إذا ذكر المؤلف مذهبًا فصّل الكلام عليه، ونسب كل جزئية من المذهب إلى قائلها. فلما تكلم على مذهب الاتحادية -على سبيل المثال- عرض المذهب بشكل عام، ثم أشار إلى كل جزئية من المذهب ومن قال بها. فذكر مسألة منه وأشار إلى أنها مذهب ابن عربي، ثم ذكر أخرى وأشار إلى أنها لابن سبعين، ثم ذكر ثالثة ونسبها إلى التلمساني، ولم يكتف بذلك بل ردّ على هذه الأقوال ردًا مفصلًا وقارن بينها. (الأبيات 265 - 288).
وهذا منهجه في نقل الأقوال والمذاهب سواء كان أصحابها من أهل السنة أو من المبتدعة والملاحدة.
(6)
الموضوعية والإنصاف.
من خصائص منهج المؤلف أنه عند عرضه لمذاهب المخالفين للكتاب والسنة لا يحمل كلام الخصم ما لا يحتمله، أو يقوّله ما لم يقله. ومن أمثلته أنه عندما عرض مذهب ابن حزم رحمه الله في القرآن فقال:
وأتى ابن حزم بعد ذاك فقال ما
…
للناس قرآن ولا اِثنانِ
بل أربع كلّ يسمّى بالقرآ
…
نِ وذاك قول بيّن البطلانِ
هذا الذي يتلى وآخر ثابت
…
في الرسم يُدعى المصحف العثماني
والثالث المحفوظ بين صدورنا
…
هذي الثلاث خليقة الرحمن
والرابع المعنى القديم كعلمه
…
كلّ يعبّر عنه بالقرآنِ
فاعتذر الناظم عنه قائلًا:
وأظنّه قد رام شيئًا لم يجد
…
عنه عبارةَ ناطقٍ ببيان
يعني أن ابن حزم قصد كذا وكذا من الحق لكنه لم يوفق للتعبير عن مراده الحق وبيانه بعبارة واضحة غير موهمة (الأبيات 748 - 756).
(7)
قوة الحجة في الردّ على المخالفين.
يتفنن الناظم رحمه الله في الردّ على مذاهب المخالفين الزائغين
عن الحق، ويسقط جميع حججهم، ويذكر من لوازم أقوالهم ما ينفر الناس عنها، بل يجعل القائلين بها أنفسهم يستحون من الانتساب إليها فضلًا عن اعتقادها. كما نراه في ردّه على مذاهب طوائف الاتحادية في كلام الرب جل جلاله. فإنه ذكر بطلانه ثم ذكر ما يلزم منه، وهو أن يكون كلام الله تعالى هو كل كلام الخلق بما فيه من سبّ وشتم وقذف ونوح وسحر وغير ذلك مما لا يجوز نسبته إلى الله تعالى (الأبيات 823 وما بعده).
وهو رحمه الله يحيط بجميع شبه الخصم، ويجيب عن جميع إيراداته، بحيث لا يبقى بعدها للخصم عذر عن قبول الحق، ومن أمثلته أنه عند ردّه على المعطلة النافين للعلو ألزمهم بأحد ثلاثة أمور:
1 -
هل الإله خلق الخلق خارج ذاته؟
2 -
أو داخل ذاته؟
3 -
أو الخلق هو الله؟
ثم ردّ ردًّا مفصلًا مفحمًا على الأمرين الثاني والثالث، وأثبت الأول، وألزمهم بأنهم إن أثبتوا غيره وقعوا في التناقض. (الأبيات 1046 وما بعده).
ثم إنه مع قوة حجته وردّه على أقوالهم لم يغفل إيراد بقية حججهم والردّ عليها، فأورد حجة أخرى لهم ثم ردّها من وجوه عدّة (الأبيات 1066 وما بعده).
(8)
العناية بالأسلوب الأدبي.
يقول الشوكاني في أسلوب ابن القيم رحمه الله: "وله من حسن
التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق مالا يقدر عليه غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب"
(1)
.
وذلك ظاهر في جميع كتب ابن القيم رحمه الله. ويبرز ذلك في هذا الكتاب أولًا في خطبته النثرية التي جمعت بين وضوح العبارة وعمق الفكرة وجاذبية الأسلوب والعناية بالأساليب البلاغية. أما في القصيدة فتتجلى هذه العناية في صور مختلفة ولكن المعاني هي التي تظلّ دائمًا مقصودة، فلا تجور عليها الصور البيانية.
ونجده رحمه الله يتفنن في تصوير الأفكار والحوادث والقصص التي يوردها، فلما تكلم على مذهب العلاف في الجنّة والنار وفناء حركات أهلهما أجاد تصوير الحال حتى كأن القارئ للأبيات يرى الأمر ويشاهده بالعيان (الأبيات 78 - 87).
وكذلك عندما ذكر فعل النصير الطوسي بالمسلمين في سقوط بغداد أحسن التصوير والوصف. فتبدو للقارئ أحداث التقتيل والبكاء والعويل ماثلة أمامه تتحرك (البيت 930 وما بعده) ولاشك أن هذا الفن التصويري يؤثر في عاطفة القارئ ويجعله يقبل الكلام ويقتنع به.
في آخر المنظومة وصف طويل للجنة، ومن فصوله فصل في صفة عرائس الجنّة وحسنهن وجمالهن
…
، يقول الشيخ خليل هراس في
(1)
البدر الطالع 2/ 144.
شرحه لهذا الفصل: "في هذا الفصل والذي بعده تظهر عبقرية المؤلف وترق حواشى شعره، وهو يصف عرائس الجنّة وخرائدها الحسان وصفًا يزري بكل ما قيل من غزل ونسيب. ويكثر في كلامه هنا التورية، وهو أراد معاني بعيدة غير التي تعطيها ظواهر الألفاظ
…
"
(1)
.
(9)
الإكثار من ضرب الأمثال.
وهذه الميزة أيضًا من ميزات أسلوبه في تقريب المعاني وتوضيحها. وقد استفاد هذه الطريقة من أسلوب القرآن الكريم، وقد بلغ من اهتمامه بالأمثال أنه أفرد كتابًا في أمثال القرآن الكريم. وقد ضرب المؤلف في هذا الكتاب أمثالًا بارعة، عشرة منها في خطبة الكتاب ضربها للمعطل والمشبه والموحد، وقال فيها:"وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطل والمشبه والموحد، ذكرتها قبل الشروع في المقصود، فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود. وقد قال تعالى -وكلامه المشتمل على أعظم الحججِ وقواطع البراهين-: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا".
والمثل الثالث من هذه الأمثال العشرة: "شجرة المعطّل شجرة الزقّوم، فالحلوق السليمة لا تبلعها. وشجرة المشبه شجرة الحنظل
(1)
شرح النونية 2/ 386.
فالنفوس المستقيمة لا تتبعها. وشجرة الموحد طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
وقد عقد المؤلف فصلًا في مثل المشرك والمعطل يشتمل على 23 بيتًا (الأبيات 4845 - 4867).
وضرب عشرة أمثال للدنيا عند أهل العلم والإيمان (الأبيات 5700 - 5714) ومنها ما ورد في الحديث ومنها ما ذكره الشعراء.
ومن أمثاله الرائعة ما ضربه للذين يتركون الكتاب والسنة ويقبلون خزعبلات فلاسفة اليونان وآراء الملحدين وأقوال المتكلمين فشبههم بمن يرى المورد العذب الصافي فلا يرده، بل يتجه إلى القلوط ويروي غليله منه، والقلوط نهر في الشام يلقى فيه القاذورات (البيتان 2334 - 2335).
(10)
الاستطراد في بعض المواضع:
ومن أمثلته: استطراده في مسألة الجمع بين قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]، وقوله تعالى:{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5]. وأصل المبحث في الدليل الرابع من أدلة العلو، وهو التصريح بالعروج (البيت 1159 وما بعده).
وهذا الاستطراد سمة بارزة في جلّ مصنفات المؤلف رحمه الله.
ولكن له فوائد عديدة منها
(1)
:
(1)
انظر ما قرره الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: ابن القيم حياته وآثاره =
أ - أنه يكسب القارئ معرفة الارتباط بين العلوم الإسلامية.
ب - أنه يزيد المبحوث لذاته وضوحًا، ويكشف عنه في كثير من جوانبه.
ج - أنه مما يذهب الملل ويشدّ القارئ إلى متابعة البحث والقراءة.
(11)
تكراره لبعض المسائل.
ولعل المؤلف رحمه الله استفاد هذا الأسلوب أيضًا من الأسلوب القرآني في تصريف الآيات. فهو يأتي ببعض الأدلة والأقوال على وجوه مختلفة لترسيخها في ذهن القارئ. وقد يكون في تكراره لبعض المسائل فائدة تظهر في موضع ولا تظهر في موضع آخر.
ومن الأمثلة الظاهرة لهذا التكرار في النونية أنه ذكر عقيدة أهل السنة في الصفات وغيرها وكذلك عقيدة المعطلة في مواضع عديدة، فمرة ذكرها في معرض الإثبات والردّ والاحتجاج والاستدلال، مفصلة تفصيلًا دقيقًا، مع ذكر الآيات والأحاديث وأقوال العلماء وغيرهم. ومرّة أخرى في فصل عقده بعنوان "فصل في جواب الرب تبارك وتعالى يوم القيامة إذا سأل المعطل والمشبه عن قول كل منهما" ذكر عقيدة المعطلة على لسانهم، ثم عقد فصلًا آخر في تحميل أهل الإثبات للمعطلين شهادة تؤدى عند رب العالمين، فقال للمعطلة أن يشهدوا
= ص 103.