الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو جعفر: قال الله: (ألا إنها قُرْبة لهم)، يقول تعالى ذكره: ألا إنّ صلوات الرسول قربة لهم من الله.
وقد يحتمل أن يكون معناه: ألا إنّ نفقته التي ينفقها كذلك، قربةٌ لهم عند الله = (سيدخلهم الله في رحمته)، يقول: سيدخلهم الله فيمن رحمه فأدخله برحمته الجنة = (إن الله غفورٌ) ، لما اجترموا = (رحيم) ، بهم مع توبتهم وإصلاحهم أن يعذبهم. (1)
* * *
(1) انظر تفسير " غفور " و " رحيم " فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) ، (رحم) .
القول في تأويل قوله: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله = (من المهاجرين) ، الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم (1) = (والأنصار) ، الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله (2) = (والذين اتبعوهم بإحسان)، يقول: والذين سَلَكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلبَ رضا الله (3) = (رضي الله عنهم ورضوا عنه) .
(1) انظر تفسير " الهجرة " فيما سلف ص: 173، تعليق: 4، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير " الأنصار " فيما سلف 10: 481، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير " الإحسان " فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (والسابقون الأوّلون) .
فقال بعضهم: هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، أو أدْركوا.
* ذكر من قال ذلك:
17099-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن إسماعيل، عن عامر:(والسابقون الأوّلون)، قال: من أدرك بيعة الرضوان.
17100-
...... قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عامر قال:(المهاجرون الأوّلون) ، من أدرك البيعة تحت الشجرة.
17101-
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال:(المهاجرون الأولون) ، الذين شهدوا بيعة الرضوان.
17102-
حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان عن مطرف، عن الشعبي قال:"المهاجرون الأولون"، من كان قبل البيعة إلى البيعة، فهم المهاجرون الأوّلون، ومن كان بعد البيعة، فليس من المهاجرين الأولين.
17103-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل ومطرف، عن الشعبي قال:(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) ، هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
17104-
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن داود، عن عامر قال: فَصْل ما بين الهجرتين بيعة الرضوان، وهي بيعة الحديبية.
17105-
حدثني المثني قال، أخبرنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ومطرف، عن الشعبي قال: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
17106-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبثر
أبو زبيد، عن مطرف، عن الشعبي قال: المهاجرون الأولون، من أدرك بيعة الرضوان. (1)
* * *
وقال آخرون: بل هم الذين صلوا القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
17107-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن عثمان الثقفي، عن مولى لأبي موسى، عن أبي موسى قال: المهاجرون الأولون، من صلى القبلتين مع النبيّ صلى الله عليه وسلم.
17108-
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن مولى لأبي موسى قال: سألت أبا موسى الأشعري عن قوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا.
17109-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي هلال، عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: لم سُمُّوا "المهاجرين الأولين"؟ قال: من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم القبلتين جميعًا، فهو من المهاجرين الأولين.
17110-
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: المهاجرون الأولون، الذين صلوا القبلتين.
17111-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قوله:(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا.
17112-
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عباس بن الوليد قال، حدثنا
(1) الأثر: 17106 - " عبثر، أبو زبيد "، هو " عبثر بن القاسم الزبيدي، أبو زبيد "، مضى برقم: 12402، وغيرها.
يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله.
17113-
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب = وعن أشعث، عن ابن سيرين = في قوله:(والسابقون الأولون)، قال: هم الذين صلوا القبلتين.
17114-
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، قال: المهاجرون الأولون: الذين صلوا القبلتين.
17115-
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)، قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعًا.
* * *
وأما الذين اتبعوا المهاجرون الأولين والأنصار بإحسان، فهم الذين أسلموا لله إسلامَهم، وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير. كما: -
17116-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب قال: مرّ عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)، قال: من أقرأك هذه الآية؟ (1) قال: أقرأنيها أبيّ بن كعب. قال: لا تفارقْني حتى أذهب بك إليه! فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال: نعم! قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: [نعم!] . (2) لقد كنتُ أرانا رُفِعنا رَفْعَةً لا يبلُغها أحدٌ بعدنا! فقال أبيّ: تصديق ذلك في أول الآية التي في أول الجمعة، (3)
(1) استفهام عمر، كما سيظهر في رقم: 17118، عن قراءة الآية بخفض " الأنصار " بالواو في " والذين "، وقراءته هو، رفع " الأنصار " وبغير واو في قوله " الذين اتبعوهم ".
(2)
الزيادة بين القوسين لا بد منها، وليست في المخطوطة ولا المطبوعة، ونقلتها من تفسير ابن كثير 4:229.
(3)
في المطبوعة والمخطوطة: " قال: وتصديق ذلك في أول الآية ". وهو غير مستقيم صوابه من تفسير ابن كثير 4: 229، وانظر الأثر التالي.
وأوسط الحشر، وآخر الأنفال. أما أول الجمعة:(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) ،، [سورة الجمعة: 3] ، وأوسط الحشر:(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ)، [سورة الحشر: 10] ، وأما آخر الأنفال:(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ)، [سورة الأنفال: 75] .
17117-
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا الحسن بن عطية قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: مرّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار)، حتى بلغ:(ورضوا عنه)، قال: وأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب! فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم! قال: أنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم! قال: لقد كنت أظن أنّا رُفِعنا رَفْعة لا يبلغها أحدٌ بعدنا! فقال أبيّ: بلى، تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة:(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)، إلى:(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وفي سورة الحشر:(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ)، وفي الأنفال:(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ) ، إلى آخر الآية.
* * *
وروي عن عمر في ذلك ما:
17118-
حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن حبيب بن الشهيد، وعن ابن عامر الأنصاري: أن عمر بن الخطاب قرأ: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) ، فرفع "الأنصار" ولم يلحق الواو في "الذين"، فقال له زيد بن ثابت "والذين اتبعوهم بإحسان"، فقال عمر:"الذين اتبعوهم بإحسان"، فقال زيد:
أمير المؤمنين أعلم! فقال عمر: ائتوني بأبيّ بن كعب. فأتاه، فسأله عن ذلك، فقال أبي:(والذين اتبعوهم بإحسان)، فقال عمر: إذًا نتابع أبَيًّا.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة على خفض "الأنصار"، عطفًا بهم على "المهاجرين".
* * *
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ: (الأنْصَارُ) ، بالرفع، عطفًا بهم على "السابقين".
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها، الخفضُ في (الأنْصَارِ) ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، وأن السابق كان من الفريقين جميعًا، من المهاجرين والأنصار، وإنما قصد الخبر عن السابق من الفريقين، دون الخبر عن الجميع = وإلحاق "الواو" في "الذين اتبعوهم بإحسان"، (1) لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين جميعًا، على أن "التابعين بإحسان"، غير "المهاجرين والأنصار"، وأما "السابقون"، فإنهم مرفوعون بالعائد من ذكرهم في قوله:(رضي الله عنهم ورضوا عنه) .
* * *
ومعنى الكلام: رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه، وأجابوا نبيّه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه = ورضي عنه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه، وإيمانهم به وبنبيه عليه السلام = (وأعد لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار) ، يدخلونها = (خالدين فيها) ، لابثين فيها (2) = (أبدًا) ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها (3) = (ذلك الفوز العظيم) . (4)
* * *
(1) قوله: " وإلحاق الواو " معطوف على قوله: " والقراءة التي لا أستجيز غيرها، الخفض. . . ".
(2)
انظر تفسير " الخلد " فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .
(3)
انظر تفسير " أبدًا " فيما سلف ص: 175، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(4)
انظر تفسير " الفوز " فيما سلف ص: 415، تعليق: 8، والمراجع هناك.