الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلعل الله أن يغفر لهم! فقال الله، من شدة غضبه عليهم:(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[سورة المنافقون: 6] .
17031-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، فقال نبي الله: قد خيَّرني ربي، فلأزيدنهم على سبعين! فأنزل الله (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) ، الآية.
17032-
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لما نزلت: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأزيدنّ على سبعين! فقال الله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
(81) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح الذين خلَّفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه = (بمقعدهم خلاف رسول الله)، يقول: بجلوسهم في منازلهم (1) = (خلاف رسول الله)، يقول: على الخلاف لرسول الله في جلوسه
(1) انظر تفسير "القعود" فيما سلف 9: 85 \ 14: 277.
ومقعده. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله، فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم.
* * *
وقوله: (خِلاف)، مصدر من قول القائل:"خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا"، فلذلك جاء مصدره على تقدير "فِعال"، كما يقال:"قاتله فهو يقاتله قتالا"، ولو كان مصدرًا من "خَلَفه" لكانت القراءة:"بمقعدهم خَلْفَ رسول الله"، لأن مصدر:"خلفه"، "خلفٌ" لا "خِلاف"، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر:"خالف"، فقرئ:(خلاف رسول الله) ، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار، وهي الصواب عندنا.
* * *
وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: "بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، (1) واستشهد على ذلك بقول الشاعر:(2)
عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا
…
بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا (3)
(1) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 264.
(2)
هو الحارث بن خالد المخزومي.
(3)
الأغاني 3: 336 (دار الكتب) 15: 128 (ساسي)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 264، واللسان (عقب) ، (خلف) ، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا، وتصريحًا ببسرة جاريتها، يقول قبله: يَا رَبْع بُسرَةَ إن أضَرَّ بِكَ البِلَى
…
فَلَقد عَهِدتُكَ آهلا مَعْمورًا
ورواية أبي الفرج " عقب الرذاذ "، و " الرذاذ " صغار المطر. وأما " الربيع "، فهو المطر الذي يكون في الربيع. قال أبو الفرج الأصبهاني:" وقوله: عقب الرذاذ، يقول: جاء الرذاذ بعده. ومنه يقال: عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه: إذا قام بعده مقامه. وعواقب الأمور، مأخوذة منه، واحدتها عاقبة. . . والشواطب: النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف، يعملن منه الحصر. ومنه السيف المشطب، والشطبية: الشعبة من الشيء. ويقال: بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا، أي: قطعة ". قلت: وإنما وصف آثار الغيث في الديار، فشبه أرضها بالحصر المنمقة، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر.
وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا، لأنهم قعدوا بعده على الخلافِ له.
* * *
وقوله: (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)، يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلفون أن يغزُوا الكفار بأموالهم وأنفسهم (1) = (في سبيل الله)، يعني: في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه، (2) ميلا إلى الدعة والخفض، وإيثارًا للراحة على التعب والمشقة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله.
* * *
= (وقالوا لا تنفروا في الحر) ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك، في حرّ شديدٍ، (3) فقال المنافقون بعضهم لبعض:"لا تنفروا في الحر"، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(قل) لهم، يا محمد = (نار جهنم) ، التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله = (أشد حرًّا)، من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الذي هو أشد حرًا، أحرى أن يُحذر ويُتَّقى من الذي هو أقلهما أذًى = (لو كانوا يفقهون)، يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظَه، ويتدبَّرون آي كتابه، (4) ولكنهم لا يفقهون عن الله، فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروهًا وأخفَّه أذًى، ويواقعون أشدَّه مكروهًا (5) وأعظمه على من يصلاه بلاءً.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص: 358، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير " سبيل الله " فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3)
انظر تفسير " النفر " فيما سلف 58: 536 \ 14: 251، 254.
(4)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف ص: 51، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(5)
في المطبوعة والمخطوطة: " ويوافقون أشده مكروهًا "، وهو خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت.
17033-
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله)، إلى قوله:(يفقهون) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ الناس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله، الحرُّ شديدٌ، ولا نستطيع الخروجَ، فلا تنفر في الحرّ! فقال الله:(قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) ، فأمره الله بالخروج.
17034-
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتاده في قوله:(بمقعدهم خلاف رسول الله)، قال: هي غزوة تبوك. (1)
17035-
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك، فقال رجل من بني سَلِمة: لا تنفروا في الحرّ! فأنزل الله: (قل نار جهنم) ، الآية.
17036-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:[ثم] ذكر قول بعضهم لبعض، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وأجمع السير إلى تبوك، على شدّة الحرّ وجدب البلاد. يقول الله جل ثناؤه:(وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًّا) . (2)
* * *
(1) في المطبوعة: "من عزوة تبوك"، والصواب ما في المخطوطة.
(2)
الأثر: 17036 - سيرة ابن هشام 4: 196، وهو تابع الأثر السالف رقم:17012. والزيادة بين القوسين منه.