الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسجد الحرام، وغير ذلك من مصالح عباده = (حكيم) ، في تدبيره إياهم، وتدبير جميع خلقه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
(29) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم: (قاتلوا) ، أيها المؤمنون، القومَ = (الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)، يقول: ولا يصدّقون بجنة ولا نار (2) = (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق)، يقول: ولا يطيعون الله طاعة الحقِّ، يعني: أنهم لا يطيعون طاعةَ أهل الإسلام (3) = (من الذين أوتوا الكتاب) ، وهم اليهود والنصارَى.
* * *
وكل مطيع ملكًا وذا سلطانٍ، فهو دائنٌ له. يقال منه: دان فلان لفلان فهو يدين له، دينًا"، قال زهير:
لَئِنَ حَلَلْتَ بِجَوٍّ فِي بَنِي أَسَدٍ
…
فِي دِينِ عَمْرٍو وَحَالَتْ بَيْنَنا فَدَكُ (4)
(1) انظر تفسير " عليم " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .
(2)
انظر تفسير " اليوم الآخر " فيما سلف من فهارس اللغة (أخر) .
(3)
انظر تفسير " الدين " فيما سلف 1: 155 /3: 571 / 9: 522.
(4)
ديوانه: 183، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 286، من قصيدة من جيد الكلام، أنذر بها الحارث بن ورقاء الصيداوي، من بني أسد، وكان أغار على بني عبد الله بن غطفان، فغنم، واستاق إبل زهير، وراعيه يسارا: يا حَارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ
…
لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ
فَارْدُدْ يَسَارًا، وَلا تَعْنُفْ عَلَيَّ وَلا
…
تَمْعَكْ بِعِرْضِكَ إِن الغَادِرَ المَعِكَ
وَلا تَكُونَنْ كَأَقْوَامٍ عَلِمْتَهُمُ
…
يَلْوُونَ مَا عَنْدَهُمْ حَتَّى إذَا نَهِكُوا
طَابْتْ نُفُوسُهُمُ عَنْ حَقِّ خَصْمِهِمْ
…
مَخَافَهُ الشَّرِّ، فَارْتَدُّوا لِمَا تَرَكُوا
تَعَلَّمَنْ: هَا، لَعَمْرُ اللهِ ذَا ; قَسَمًا
…
فَاقْصِدْ بِذَرْعِكَ، وانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكَ
لَئِنْ حَلَلْتَ. . . . . .. . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَيَأتِيَنَّكَ مِنِّي مَنْطِقٌ قَذَعٌ
…
بَاقٍ، كَمَا دَنَّسَ القُبْطِيَّةَ الوَدَكُ
و" جو " اسم لمواضع كثيرة في الجزيرة، وهذا " الجو " هنا في ديار بني أسد. و " عمرو "، هو:" عمرو بن هند بن المنذر بن ماء السماء "، و " فدك " قرية مشهورة بالحجاز، لها ذكر في السير كثير.
وقوله: (من الذين أوتوا الكتاب)، يعني: الذين أعطوا كتاب الله، (1) وهم أهل التوراة والإنجيل = (حتى يعطوا الجزية) .
* * *
و"الجزية": الفِعْلة من: "جزى فلان فلانًا ما عليه"، إذا قضاه، "يجزيه"، و"الجِزْية" مثل "القِعْدة" و"الجِلْسة".
* * *
ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها.
* * *
وأما قوله: (عن يد)، فإنه يعني: من يده إلى يد من يدفعه إليه.
* * *
وكذلك تقول العرب لكل معطٍ قاهرًا له، شيئًا طائعًا له أو كارهًا:"أعطاه عن يده، وعن يد". وذلك نظير قولهم: "كلمته فمًا لفمٍ"، و"لقيته كَفَّةً
(1) انظر تفسير " الإيتاء " فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .
لكَفَّةٍ، (1) وكذلك:"أعطيته عن يدٍ ليد".
* * *
وأما قوله: (وهم صاغرون)، فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون.
* * *
يقال للذليل الحقير: "صاغر". (2)
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بحرب الروم، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها غزوة تبوك.
* ذكر من قال ذلك:
16616-
حدثني محمد بن عروة قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، حين أمر محمدٌ وأصحابه بغزوة تبوك.
16617-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى "الصغار"، الذي عناه الله في هذا الموضع.
فقال بعضهم: أن يعطيها وهو قائمٌ، والآخذ جالسٌ.
* ذكر من قال ذلك:
16618-
حدثني عبد الرحمن بن بشر النيسابوري قال، حدثنا سفيان، عن أبي سعد، عن عكرمة:(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، قال:
(1) يقال: " لقيته كفة كفة "(بفتح الكاف، ونصب التاء) ، إذا استقبلته مواجهته، كأن كل واحد منهما قد كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره ومنعه. وانظر تفصيل ذلك في مادته في لسان العرب (كفف) .
(2)
انظر تفسير " الصغار " فيما سلف 13: 22، تعليق: 2، والمراجع هناك.