الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفائدةُ الخلافِ في الأخيرِ إباحةُ القراءةِ بالغسل، وثالثها فيه: إِنْ طرأتِ الجنابةُ لم يَجُزْ، وإن طرأ الحيضُ جاز.
والثاني شيئان: قراءةُ القرآنِ ظاهرًا، والتطهيرُ بفَضْلِ مائِها.
ودُخُولَ الْمَسْجِدِ، ومَسَّ الْمُصْحَفِ، والطَّوَافَ، والطَّلاقَ، ويَمْنَعُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ اتِّفَاقاً مَا لَمْ تَطْهُرْ وتَغْتَسِلْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وقِيلَ: أَوْ تَتَيَمَّمُ. وقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: يُكْرَهُ قَبْلَ الاغْتِسَالِ، ومَا فَوْقَ الإِزَارِ جَائِزٌ، لا مَا تَحْتَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وفِي قِرَاءَتِهَا قَوْلانِ
أكثرُ هذا مفهومٌ مما تقدمَ، وإنما بَقِيَ شيءٌ لم يُنبه عليه، وهو أن الشاذَّ قولُ ابن بُكَيْرٍ.
وحَدَّ ابُن القصار وابنُ الجهم ما فوقَ الإزارِ بما فوقَ السُّرَّةِ، وما تحته بما بين السرة والرُّكْبَةِ، ومُنِعَ ما تَحْتَ الإزارِ سَدّاً للذَّرِيعَةِ. ومقابلُ الْمَشْهُورِ فيما تحت الإزارِ لأصبغَ. قال المازري: واستَخَفَّهُ أصبغُ.
والخلافُ في قراءةِ الحائضِ إنما هو قَبْلَ أن تَطْهُرَ، وإلا فهي بعد النَّقَاءِ من الدمِ كالجُنُبِ.
النِّفَاسُ
الدَّمُ الْخَارِجُ لِلْوِلادَةِ، وفِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِهِ بِسِتِّينَ أَوْ بِمَا يَرَى النِّسَاءُ- وإِلَيْهِ رَجَعَ- رِوَايَتَانِ، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ
…
قولُه: (لِلْوِلادَةِ) فَصلٌ عن الحيض والاستحاضة.
ولم يَقُلْ في حَدِّ النفاسِ غيرُ زائدٍ على الستين، كما قال في الحيض: غيرُ زائدٍ على خمسة عشر يومًا؛ لأن الخمسة عشر في الحيض هي الأكثرُ على الْمَشْهُورِ. والذي رجع إليه مالكٌ في النفاسِ سؤالُ النساءِ، ولكن نصَّ ابن بَزِيزَةَ على أن الْمَشْهُورِ هنا الستُّونَ، وعليه عوَّلَ ابنُ أبي زيدٍ.
وقال ابن الماجشون: لا يُلْتَفَتُ إلى قولِ النساءِ لِقِصَرِ عُقُولهِنَّ وقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِنَّ، وقد سُئِلْنَ قديماً فَقُلْنَ: مِن الستينَ إلى السبعينَ. حكاه ابن رشد، وحكى الباجي عنه أن أقصاه ستون أو سبعون.
وفِي كَوْنِ الدَّمِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ إِلَى شَهْرَيْنِ نِفَاساً؛ فَيُضَمُّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، أَوْ حَيْضاً- قَوْلانِ .....
قال: (إِلَى شَهْرَيْنِ) لأنه إن كان بين الولادتين شهران فأكثرُ- حُكِمَ لكُلِّ مِن الولادتين بحكمٍ مستقلَّ، لكنه يَنْبَنِي على أنَّ أكثرَ النفاس معتبرٌ بالشهرين، لا بقولِ النساءِ، والقولان في المقدمات، ولفظها: وإن ولدتْ ولداً وبَقِيَ في بطنها آخرُ، ولم تَضَعْهُ إلا بعد شهرين، والدَّمُ متمادٍ- فحالُها حالُ النفساءِ، ولزوجِها [40/ ب] عليها الرجعةُ مالم تَضَعِ الْوَلَدَ الآخَرَ.
ابن يونس: وقوله: حالها كحال النفساء. يريد: في الجلوسِ عن الصلاةِ إذا تمادى بها الدمُ، فتجلسُ على قولِه الأولِ شهرين. وقوله: كحال الحامل. أي: فتجلسُ عشرين يومًا على قول ابنِ القاسم؛ لأنها قد جاوزتِ الستةَ أشهرٍ. انتهى.
وقال في التنبيهات: لا خلافَ أنها إن جلستْ للأَوَّلِ أَقْصَى ما يُمْسِك النساءَ النفاسُ على اختلافِ قول مالك، ثم ولدت الثاني أنها تجلس له ابتداءً مثلَ ذلك.
واختُلِفَ إذا ولدتِ الثانيَ قَبْلَ استيفاءِ أكثرِ النفاسِ، فقيل: تَسْتَانِفُ- وهو الأظهرُ- وإليه ذهب أبو إسحاق. وقيل: تَبْنِي على ما مَضَى للأَوَّلِ، وإليه ذهب أبو محمد والبراذِعِيُّ. انتهى.
فرع:
والنفساء لا تَسْتَظْهِرُ إذا جاوز دمُها الستين. رواه ابنُ حبيب عن مالك، نَقَلَه ابنُ يونس وغيرُه، ولعل هذا إنما هو مبنيٌّ على التحديد بالسِّتِّينَ.
وقولُه: (فَيُضَمُّ مَعَ مَا بَعْدَهُ) ثمرةُ القولِ بأنه نفاسٌ.
وأما إِنْ حَكَمْنا عليه بحُكْمِ الحيضِ فتستأنفُ النفاسَ مِنْ وَضْعِ الثاني، ومنشأُ الخلافِ تعارضُ شَائِبَتَيْ الحَمْلِ والنفاسِ بأنها بالنظرِ إلى ما وضعته نفساءُ، وبالنظرِ إلى ما بَقِيَ في بطنِها حاملٌ.
فرعان:
الأول: الدمُ الخارجُ قَبْلَ الولادةِ لأجِلها- حكى فيه عياضٌ قولين للشيوخ: أحدُهما أنه حيضٌ، والثاني أنه نِفَاسٌ.
الثاني: الماءُ الأبيضُ يَخرج مِن الحاملِ، ويعرف بالهادِي، يجتمع في وعائه يَخرجُ عند وَضْعِ الحَمْلِ أو السِّقْطِ.
قال ابن القاسم في العتبية: يَجِبُ منه الوضوءُ. قال الأبهري في شرح المختصر: لأنه بمنزلةِ البولِ. وفي العتبية عن مالك في موضعٍ آخر: ليس هو بشيءٍ، وأَرَى أَنْ تُصَلِّيَ به.
قال صاحب البيان: وهو الأحسنُ لكونه ليس بمعتادٍ.
ومَا يَجِيءُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ حَيْضٍ، وإِلا ضُمَّ وصُنِعَ فِيهِ كَالْحَيْضِ، فَإِذَا كَمُلَ فَاسْتِحَاضَةٌ، وحُكْمُهُ كَالْحَيْضِ ولا تَقْرَأُ ....
قوله: (كَالْحَيْضِ) أي: في الموانع المتقدمةِ إلا في القراءةِ، وهذا مما انفرد به، وقد صرح في المقدمات بتساوي حكمِ الحائضِ والنفساءِ في القراءة. وكأنه- والله أعلم- نَظَرَ إلى أنه لما كانتِ العِلَّةُ في قراءةِ الحائضِ خوفَ النسيانِ بسببِ تكررِهِ فلا يَنبغي أن يُلحق بها النفساءُ لِنُدُورِهِ. وفيه نظرٌ، فإن طُولَه يَقومُ مقامَ التكررِ.
الأَوْقَاتُ أَدَاءٌ وقَضَاءٌ
(الأَوْقَاتُ) جمع وقت، وهو جمع قلة. والوقت مأخوذ من التوقيت وهو التحديد، والوقت أخص من الزمان؛ لأن الزمان مدة حركة الفلك، والوقت هو ما قال المارزي: إذا اقترن خفي بجلي سمي الجلي وقتًا نحو: جاء زيد طلوع الشمس، فطلوع الشمس هو وقت المجيء إذا كان الطلوع معلومًا والمجيء خفيًا. ولو خفي طلوع الشمس بالنسبة إلى أعمى أو مجنون مثلاً لقلت له طلوع الشمس عند مجيء زيد، فيكون المجيء وقت الطلوع.
وجمع المصنف الأوقات إما لأنه جعل الأداء ينقسم ثلاثة أقسام أو أربعة والقضاء واحداً، وإما لأن كل صلاة لها وقت أداء وقضاء، فلا يقال أن زمن القضاء ليس بوقت للصلاة، فلا ينبغي أن يجعل قسمًا منه.
ولذلك حد بعضهم القضاء بأنه إيقاع العبادة خارج وقتها؛ لأنا نقول: المرادُ بالوقتِ الوقتُ الذي تفعل فيه الصلاة، ولا شك أن المكلف قد يوقعها خارجة عن وقتها المقرر لها شرعًا إما عمدًا أو سهوًا.
فَوَقْتُ الأَدَاءِ: مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بهِ أَوْلاً، والْقَضَاءُ مَا بَعْدَهُ
ابن عبد السلام: تكلم هنا بالحقيقة، وتكلم فيما قبل بالمجاز؛ لأن الوقت إنما ينقسم إلى وقت أداء ووقت قضاء، لا إلى الأداء والقضاء، فوقع الاختصار في التقسيم والبيان في التعريف، وهو حسن.
وقوله: (مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بهِ) أي وقت قيد العمل به احترز من النوافل المطلقة، فإن الشارع لم يقدر لها وقتًا فلا توصف لا بالأداء ولا بالقضاء.
قوله: (أَوْلاً) أي بخطاب أول احترازًا من القضاء، فإنه بخطاب ثان بناء على رأي الأصوليين أن القضاء بأمر جديد كوقت الذكر للناسي، وقضاء رمضان، ويحتمل أن يريد فعلاً أولاً ليخرج الإعادة كما قال الأصبهاني في شرح المختصر.
وقد حكي عن المصنف أنه قال: احترزت بقولي: (أَوْلاً) من الإعادة. وفيه نظر؛ لأنه على هذا تكون الإعادة خارجة عن الأداء، وليس كذلك، بل هي قسم منه، ولا بد من زيادة شرعًا كما فعل المصنف في الأصول ليخرج بذلك ما قيد الفعل به لا شرعًا كما إذا قيد السيد لعبده خياطة ثوب بوقت، وكتعيين الإمام لأخذ الزكاة شهرًا، لكن المصنف إنما حد من حيث هو.
ابن راشد: سؤال: الجمعة توصف بالأداء ولا توصف بالقضاء، والقاعدة العقلية أن لا يوصف بأحد الوصفين إلا ما كان قابلاً للضد الآخر، فلا يقال: هذا الحائط لا يبصر، ولا هذا الحمار لا يعقل، لعدم القابلية. ويشكل على هذه القاعدة أيضاً سلب النقائض عنه تعالى، فإنه لا يقبلها – فليت شعري – أيقبل المولى الشريط حتى يقال لا إله إلا هو. ولو أن الشرع أمر بذلك لوقف العقل عنه.
خليل: وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم لزوم وصف الشيء بشيء قبوله لضده كما في صفات الباري جل جلاله، وكقولنا النار حارة مع أنمها لا تقبل البرودة، كقولنا الحجر جامد. وإن سلم فالجمعة [41/ أ] في ذاتها قابلة بأن توصف بالقضاء. وفرق بين القبول وعدم الوجود.
والأَدَاءُ: اخْتِيَارٌ، وفَضِيلَةٌ، وضَرُورَةٌ. وقِيلَ: ومَكْرُوهٌ
أي: وقت الأداء ينقسم إلى ما ذكر، وأراد بالاختيار ما يقول الفقهاء وقت الإباحة والتوسعة، وكأن المصنف لما رأى أن هذه العبارة توهم أن العبادة إذا وقعت في ذلك الوقت تكون مباحة عدل عن ذلك، ولا يتوهم على المصنف أن الاختيار عبارة عن الأفضل كما يفعل ابن الجلاب؛ لأن جعله الفضيلة قسيمًا للاختيار ينفي ذلك، ولما كان وقت الاختيار عبارة عن زمان وقت ممتد صح وصف المجموع بالأداء وصح وصف كل جزء من أجزائه بوصف، وتلك الأجزاء هي الاختيار والفضيلة والضرورة
والمكروه. وانظر كيف جعل الفضيلة قسيمًا للاختيار، وهي جزء منه، وذلك لا ينبغي والله أعلم.
الأَوَّلُ: الْمُوَسَّعُ، فَالظُّهْرُ أَوَّلُهُ زَوَالُ الشَّمْسِ، ويُعْرَفُ بأَخْذِ الظِّلِّ فِي الزِّيَادَةِ، وآخِرُهُ أَنْ تَصِيرَ زِيَادَةُ ظِلِّ الْقَامَةِ مِثْلَهَا
…
أي: فوقت الظهر الموسع أوله زوال الشمس، ويعرف الزوال بأن يقام عود مستقيم، فإذا تناهى الظل في النقصان وشرع في الزيادة فذلك وقت الزوال. وذلك الظل الذي زالت عليه الشمس لا يعتد به لا في الظهر ولا في العصر، فإذا صار بعد ذلك الظل قدر القامة فهو آخر وقت الظهر الاختياري، وجرت عادة الفقهاء بالقامة؛ لأنها لا تتعذر، وإلا فكل قائم يشاركها في ذلك.
وهَذَا أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَكُونُ مُشْتَرِكاً، ورَوَى أَشْهَبُ الاشْتِرَاكَ فِيهَا قَبْلَ الْقَامَةِ بِمَا يَسَعُ إِحْدَاهُمَا، واخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ. وقَالَ ابْنُ حَبيبٍ: لا اشْتِرَاكَ. وأَنْكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ .....
يعني: إذا كان آخر الأولى وهو بعينه أول وقت الثانية لزم قطعًا حصول الاشتراك بين الأولى والثانية، فيحصل بينهما الاشتراك على هذا القول في أول الثانية بما يسمع إحداهما، فلو أن مصليين صلى أحدهما الظهر والآخر العصر كانا مؤديين.
وقوله: (ورَوَى أَشْهَبُ الاشْتِرَاكَ فِيهَا قَبْلَ الْقَامَةِ بِمَا يَسَعُ إِحْدَاهُمَا) أي: في آخر القامة الأولى. ومقتضى كلام المصنف أن الأول هو الْمَشْهُورِ، وكذلك شهره سند. وقال ابن عطاء الله: الْمَشْهُورِ الثاني.
ومنشأ الخلاف قوله في حديث جبريل: ((فصلى الظهر من الغد حين كان ظل كل شيء مثله)).
هل معناه: شرع أو فرغ؟ وهو أقرب إلى حقيقة اللفظ.
واستظهر في المقدمات الثاني، ولفظه: والمشهور من المذهب أن العصر مشاركة للظهر في وقت الاختيار. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا المذهب هل العصر مشاركة للظهر في آخر القامة. أو الظهر هي المشاركة للعصر في أول ابتداء القامة الثانية؟ والأظهر أن العصر هي المشاركة للظهر في آخر القامة الأولى. انتهى.
ابن راشد: وما حكاه في الأصل من رواية أشهب من أن الاشتراك فيما قبل القامة لم أقف عليه في الأمهات. والمنقول عن أشهب أنه قال في مدونته أن الظهر تشارك العصر في القامة الثانية في مقدار أربع ركعات، نعم يؤخذ من قوله في المجموعة: إذا صلى العصر قبل القامة أجزأه. انتهى.
وكلام ابن شاس مخالف لما قررناه، ولقظه: وتيمادى وقت الاختيار إلى أن تصير زيادة ظل الشخص مثله، ويدخل وقت العصر، فيكون الوقت مشتركًا بينهما، إلا أن تتجاوز زيادة الظل المثل، فيختص العصر بالوقت. ثم ذكر قول أشهب، وذكر بعضهم ما ذكره ابن شاس عن ابن القاسم.
وما قدمناه أولى؛ لأن هذا القول يقتضي أنه إنما يكون الاشتراط فيهما في جزء لطيف، وذلك لا يمكن ترتيب شيء من الأحكام عليه؛ بخلاف ما قدمناه أولاً، والله أعلم.
وفي المسألة قول آخر ذكره ابن يونس، وغيره عن ابن القصار؛ أن أول وقت العصر بعد مضي قدر أربع ركعات من الزوال، فيشترك في ذلك الوقت الظهر والعصر إلى أن يبقى قدر أربع ركعات للغروب فيختص بالعصر. قال: وكذلك تشارك العشاء المغرب بعد مضي قدر ثلاث ركعات، ثم لا تزال إلى أن يبقى قدر أربع ركعات قبل الفجر فيختص ذلك بالعشاء.
وقال ابن حبيب: لا اشتراك لما في مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر وقت العصر"، وفي رواية:"ما لم يحضر العصر"، وهو مذهب ابن المواز، واختاره اللخمي.
فإن قلت: فإذا كان هذا الحديث يدل لابن حبيب، فما وجه إنكار ابن أبي زيد؟ فالجواب أن أحاديث الاشتراك صريحة في الاشتراك، فمن ذلك ما رواه الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أتاني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صىل المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الصبح حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلى الظهر في المرة الثانية حين صار ظل كل شيء في وقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت، ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء [41/ ب] قبلك، والوقت فيما بين هذين)) قال الترمذي: أحاديث هذا الباب عن أبي يزيد، وأبي هريرة، وابن مسعود، وجابر، وعمرو ابن حزم، والبراء، وأنس.
وقد رواه النسائي وأبو داود والدارقطني، وحسنه الترمذي وصحح طريقه ابن العربي.
فلما كان هذا صريحًا في المشاركة، وأمكن حمل قوله صلى الله عليه وسلم ((ما لم تحضر العصر)) أو ((إلى أن يحضر العصر)) على أن المرد وقت العصر المختص بوجه الإنكار والله أعلم.
وآخِرُهُ إِلَى الِاصْفِرَارِ، ورُوِىَ إِلَى قَامَتَيْنِ
الأول قوله في المدونة، والثاني قوله في المختصر. ودليل الأول ما في حديث ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم:"وقت العصر ما لم تصفر الشمس" خرجه مسلم.
والْمَغْرِبُ بِغُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ دُونَ أَثَرِهَا، ورِوَايَةُ الاتِّحَادِ أَشْهَرُ، وفِيهَا: ولا بَاسَ أَنْ يَمُدَّ الْمُسَافِرُ الْمِيلَ ونَحْوَهُ. ورِوَايَةُ الامْتِدَادِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، وهُوَ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ مِنَ الْمُوَطّأِ، وهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَكُونُ مُشْتَرِكاً. وقَالَ أَشْهَبُ: الاشْتِرَاكُ فِيمَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. وآخِرُهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ. وقَالَ ابْنُ حَبيبٍ: النِّصْفُ ....
ما ذكره المصنف أنه الأشهر، قال في الاستذكار: هو الْمَشْهُورِ. وعلى الاتحاد قال صاحب التلقين، وابن شاس يقدر آخرها بالفراغ منها، وكذلك قال ابن راشد. وظاهر المذهب أنه قدر ما توقع فيه بعد الأذان والإقامة.
وبعض الشافعية يراعي مقدار الطهارة والستر. واقتصر صاحب الإرشاد على الذي نسب للشافعية فقال: بقدر فعلها بعد تحصيل شروطها.
وقال ابن عطاء الله: معنى الاتحاد – والله أعلم – بعد قدر ما يتوضأ فيه ويؤذن ويقيم. خليل: وقول من قال بالاعتبار – أعني اعتبار الطهارة – هو الظاهر لقولهم أن المغرب تقديمها أفضل مع أنهم يقولون أن وقت المغرب واحد، ولا يمكن فهمه إلا على أن معنى تقديم الشروط قبل دخول الوقت أفضل من تأخيرها بعده، والله أعلم.
وقوله: (مِنَ الْمُوَطَِّأ) متعلق برواية الامتداد. ولفظ الموطأ: فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء وخرج وقت المغرب. واستقرأه بعضهم مما ذكره المصنف عن المدونة أن المسافر له أن يمد الميل ونحوه. ورد أن التأخير للمسافر من باب الأعذار والرخص كالقصر والفطر، وهو خارج عن هذا الباب. قاله في التلقين.
واستقرأه أيضاً ابن عطاء الله من قوله في المدونة: إذا طمع المسافر في الماء قبل مغيب الشفق فإنه يؤخر المغرب إليه، وتأخير الراجي إنما هو في الوقت المختار.
ومن قوله فيها في الجمع بين المغرب والعشاء للمسافر: ويجمع بين العشاءين مقدار ما تكون المغرب في آخر وقتها قبل مغيب الشفق، والعشاء في أول وقتها بعد الشفق.
ويدل على الاتحاد ما تقدم في الحديث أنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد. لكن جاء في سنن أبي داود أنه صلاها عليه السلام في اليومين في حديث السائل عن وقت الصلاة في اليوم الأول حين غابت الشمس، وفي الثاني قبل أن يغيب الشفق. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:"وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق".
وقوله: (وهُوَ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ) هو المعروف في المذهب، وعليه أكثر أهل اللغة. وأخذ اللخمي قولاً لمالك بأنه البياض من قوله.
ابن شعبان: أكثر قوله أن الشفق الحمرة. قال المازري: ويمكن عندي أن يكون ابن شعبان أشار بهذا لما وقع في سماع ابن القاسم عن مالك: أرجو أن تكون الحمرة والبياض أبين. فيمكن أن يكون ابن شعبان لما رأى هذا فيه تردد وما سواه لا تردد فيه، أشار إلى أن أكثر أقواله أنه الحمرة دون تردد، فلا يقطع بصحة ما فهم اللخمي.
والذي نقل الباجي واللخمي عن أشهب أن الاشتراك بعد الشفق بقدر ثلاث ركعات، والمصنف نقل عنه أن الاشتراك قبل المغيب، فلعل له قولين، والله أعلم. ولم يبين المصنف بماذا يقع الاشتراك عند أشهب.
ابن هارون: والظاهر بأربع ركعات قبل الشفق كقوله في الظهر والعصر، واختلفت الأحاديث في تحديد وقتها بالثلث والنصف.
والْفَجْرُ بالْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ لا الْمُسْتَطِيلِ وهِيَ الْوُسْطَى، وآخِرُهُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. وقِيلَ: الإِسْفَارُ الأَعْلَى. وتَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الإِسْفَارَ يَرْجِعُ بِهَا إِلَى وِفَاقٍ
يعني وقت صلاة الفجر على حذف مضافين، أو تكون هذه الألفاظ منقولة عن أسماء لهذه الصلوات، فيكون في كلامه حذف مضاف واحد.
والمستطير: المنتشر الشائع، قال الله تعالى:{وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] لا المستطيل الذي هو كذنب السرحان، وهو الذئب.
وكون الصبح هي الوسطى هو المذهب، وهو مذهب ابن عباس، ونقل عن أهل المدينة.
وما من صلاة من الخميس إلا وقد قيل أنها الوسطى. وقيل: وهي صلاتان؛ العصر والصبح. وقيل الجمعة، وقيل الوتر، وقيل الخمس صلوات، وقيل: أخفيت ليجتهد في الجميع كما قيل في ليلة القدر، والساعة التي في يوم الجمعة.
ومقتضى كلام المصنف أن المشهور أن الصبح لا ضروري لها، وأن وقتها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت اختيار لتصديره به، وعطفه عليه بـ (قِيلَ)، وليس كذلك، بل ما صدر به قول ابن حبيب. ومذهب المدونة الإسفار. قال ابن عطاء الله:[42/ أ] أي الأعلى. وهو قوله في المختصر.
ابن عبد السلام: وهو المشهور. نعم يوافق كلام المصنف ما قاله ابن العربي، والصحيح عن مالك أن وقتها الاختياري ممتد إلى طلوع الشمس، ولا وقت لها ضروري، قال: وما روى عنه خلافه، وهو لايصح.
قال ابن عطاء الله بعد كلامه: إن كان ثمة وجه يلجىء إلى تأويل لفظ المدونة والمختصر أن آخر وقتها إذا أسفر يحمل على أنه الأفضل من الوقت المختار، وما بعد ذلك
حكمه أنه يجوز التأخير إليه بلا كراهة، وإلا فلا يمكن في نقل المدونة أن يقال أنه لا يصح. وفي جعل كلام ابن أبي زيد تحصيلا للاتفاق بين القولين نظر؛ لأن الذي جعله ابن أبي زيد آخر الوقت إسفارا مقيدا، وهو الإسفار البين، والإسفار المذكور في القول الثاني مقيد بالأعمال كما قال المصنف.
قال عبد الحق: قال بعض المتأخرين: قوله في المدونة: وآخر وقتها إذا أسفر؛ يريد بذلك وقتا تتراءى فيه الوجوه لا على ما قاله ابن أبي زيد أنه الذي إذا سلم منها برز حاجب الشمس.
واعلم أن في مذهبنا قولًا بأن أول وقت الاختيار وآخره سواء في الفضيلة مطلقاً تعلقا بقوله صلي الله عليه وسلم: "ما بين هذين وقت".
الثَّانِي: مَا كَانَ أَوْلَى، وَهُوَ لِلْمُنْفَرِدِ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وقِيلَ: كَالْْجَمَاعَةِ
يعني القسم الثاني: وهو وقت الفضيلة. وألحق اللخمي بالمنفرد الجماعة التي لا تنتظر غيرها، أي كأهل الزوايا. ابن العربي في القبس: والأفضل للمنفرد تقديم الفرض على النفل، ثم ينتقل بعد الصلاة. قال: وقد غلط في ذلك بعض المتأخرين. انتهى.
وينبغي أن يقيد بما إذا كانت الصلاة يجوز التنقل بعدها، وأما ما لا يجوز- كالعصر والصبح- فلا، وهو يؤخذ من قوله: وينتقل بعدها.
وقوله: (وقيل: كالجماعة) هو قول عبد الوهاب.
والأَفْضَلُ لِلْجَمَاعَةِ تأخير الظُّهْرِ إِلَى ذِرَاعٍ وَبَعْدَهُ فِي الْحَرِّ بِخِلَافِ الْجُمْعَةِ
قوله: (لِلْجَمَاعَةِ) يخرج الفذ، فإن الأفضل في حقه التقديم كما تقدم.
وقال صاحب الاستذكار: وحكى ابن القاسم عن مالك أن الظهر تصلى إذا أفاء الفيء ذراعا في الشتاء والصيف للجماعة والمنفرد كما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إلى عماله صلوا الظهر والفيء ذراعاً، أي: ولم ينكر عليه، فيكون إجماعا. قال: وقال ابن عبد الحكم وغيره من أصحابنا أن معنى ما في كتاب عمر في مساجد الجماعات، وأما المنفرد فأول الوقت له أولى، وإلى هذا مال فقهاء المالكية من البغداديين، ولم يلتفتوا إلى رواية ابن القاسم. انتهى. وفيها نسبة إلى رواية ابن القاسم نظر، وسيأتي.
وقوله: (إِلَى ذِرَاعٍ وَبَعْدَهُ) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس، وهذا مقيد بها إذا قيس بالقمامة؛ لأن قامة كل اثنين أربعة أذرع بذراعه، والمراد أن يزيد ظل كل قائم ربعه، وإنما يعبرون بالقامة والذراع لتيسيرهما بخلاف غيرهما.
وقوله: (وَبَعْدَهُ فِي الْحَرِّ) أي ويزاد على الذراع في شدة الحر، كذا صرح به غير واحد، وليس المراد مطلق الحر.
ونص على استحباب التأخير للإبراد عبد الوهاب، والتونسي، واللخمي، والمازري، وابن بشير، وابن بزيزة، والباجي.
ومعنى التأخير الذي حكاه ابن القاسم أي قوله في المدونة: أحب إلي أن يصلي في الشتاء والصيف والفيء ذراع ليس من معني الإبراد في شيء، وإنما هو لأجل اجتماع الناس. قال: فيحصل للظهر تأخيران أحدهما لأجل الجماعة، وذلك يكون في الصيف والشتاء في المساجد ومواضع الجماعات دون الرجل في خاصة نفسه، فالمستحب له تقديم الصلاة. والثاني للإبراد وهو مختص بالحر دون غيره، وتستوي فيه الجماعات والفذ. انتهى.
وما قلناه من استحباب التأخير إلى الذراع في الصيف والشتاء هو الْمَشْهُورِ. وقال ابن حبيب: تؤخر في الصيف إلى نصف الوقت وما بعده قليلا، ويستحب تعجيلها في الشتاء. كذا نقل عنه الباجي وغيره.
ونقل التونسي عن ابن حبيب أنه قال: وسط الوقت هو بلوغ الظل إلى ربع القامة.
التونسي: وإنما يجب أن يكون وسط الوقت نصف ظل القائم إلا أن يكون ذلك عند الزوال لبطء حركة الشمس. انتهى.
ونقل ابن أبي زيد مثل ما قاله التونسي أن وسط الوقت نصف القامة، وعن غيره أنه الثلث لبطء حركة الشمس عند الزوال وسرعتها بعد ذلك، فإذا قلنا بالتأخير للإبراد فما حده؟ نقل المازري عن بعض الأشياخ إلى نحو الذراعين. وقال محمد بن عبد الحكم: يؤمر بالتأخير، لكن لا يخرج عن الوقت. فأشار إلى أن الإبراد لا ينتهي إلى آخر الوقت.
قال المازري: والأصح عندي مراعاة قوة حر اليوم وحر البلد. انتهي.
وفهم المازري أن قول ابن عبد الحكم مخالف للذراعين، وكذلك فهم شيخه اللخمي، وفهم الباجي أنه مثله، فإنه قال: وقت التأخير للإبراد يصح أن يكون إلى نحو الذراعين. وقد فسر أشهب ذلك في المجموعة، وذلك لأنه قال: ويبرد في الحر بالجماعة، ولا يؤخر إلى آخر وقتها. انتهى بالمعنى.
تنبيهان:
الأول: ما ذكره المصنف من اختصاص التأخير إلى ذراع بالجماعة خلاف لما رواه ابن القاسم على ما قاله ابن عبد البر، لكن قال صاحب البيان في الجامع السادس أن ما ذكره ابن عبد البر حمله على المدونة، قال: وليس حمله بصحيح. وخص صاحب البيان الخلاف الذي في إبراد المنفرد بالصيف، ولا يبرد المنفرد في الشتاء اتفاقا.
الثاني: إذا تقرر ما قاله الباجي من أنه إنما تكلم في المدونة على التأخير لأجل الجماعة، ولم يتكلم على الإبراد، وتقرر عندك ما نص عليه الشيوخ الذين ذكرتهم من استحباب الإبراد، علمت أن قول ابن راشد وابن هارون ظاهر المدونة أنه لا يزاد على الذراع ليس بحيد؛ لأنه في المدونة لم يتكلم على الإبراد بشيء.
وَالْعَصْرِ تَقْديمُهُمَا أَفَضْلُ، وقَالَ أَشْهَبَُ: إِلَى ذِرَاعٍ بَعْدَهُ لا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
أي أن تقديم العصر أفضل في حق الجماعة كالمنفرد؛ لأنها تأتي والناس متأهبون بالطهارة.
وقوله: (بَعْدَهُ) أي بعد أول الوقت. ولو أسقك لفظة (بَعْدَهُ) لكان أولى.
وقوله: (لا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) كذا نقله صاحب النوادر، والباجي، والمازري، وابن شاس. وزعم ابن عبد السلام أن قوله:(لا سيما) مراده يزاد على الذراع، وهو خلاف الظاهر.
وَالْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ تَقْديمُهُمَا أَفَضَلُ. وفِي الْعِشَاءِ، ثَالِثُهَا: تَاخِيرُهَا إِنْ تَأَخَّرُوا، وَرَابِعُهَا: فِي الشِّتَاءِ وفِي رَمَضانَ .......
أما المغرب فلا خلاف فيها. وأما الصبح فما ذكره فهو قول جمهور أهل المذهب.
وعن ابن حبيب أن العشاء تؤخر إلى نصف الوقت في زمان الصيف لقصر الليل. ورواية ابن القاسم عن مالك في العشاء أن تقديمها عند مغيب الشفق أو بعده بقليل أفضل. قال في المدونة: وأحب إلي للقبائل تأخيرها بعد مغيب الشفق قليلا. وهو مذهب الرسالة.
وفي المدونة إنكار التأخير، قال: ومحمله على أن ذلك مما يضر بالناس. ورواية العراقيين عن مالك أن تأخيرها أفضل، والقول الثالث اختبار اللخمي، والرابع لابن حبيب. وقول ابن عبد السلام: أكثر نصوص أهل المذهب هو الثالث ليس بظاهر؛ لأن المازري وابن عطاء الله وغيرهما لم ينقلاه إلا عن اللخمي. وكذلك أشار إلى ذلك ابن شاس فإنه نقله عن بعض المتأخرين.
الثَّالِثُ: الضَّرُورِيُّ، وهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ ذُو الْعُذْرِ مُؤَدِّياً وَقِيَلَ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَِةٍِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَكْرُوهُ .......
هذا هو القسم الثالث من أقسام الأداء؛ يعني أن كونه ضروريا أن الأداء فيه يختص بصاحب العذر، وهذا الحد يقتضي أن غير أهل الأعذار إذا صلى في هذا الوقت لا يكون مؤديا. وهذا القول هو الذي ينقله بعد هذا في قوله: وأما غيرهم فقيل قاض.
وقوله: (وَقِيَلَ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَِةٍِ) يعني أنه يزاد على هذا القول في الحد من غير كرهة؛ لأن هذا القائل يري أن غير صاحب العذر كصاجيه في أن كلا منهما مؤديا، وإنما يمتاز صاحب العذر بنفي الكراهة، وهذا هو القول الذي يأتي في قوله: وقيل: مؤد وقت كراهة. ابن رشد: ويرد عليه أن اللام ظاهرة في التعليل، فيكون زيادة ذلك سببت في تحقق المكروه، وليس كذلك؛ لأنه إنما يتحقق المكروه بالدليل.
وَهُوَ مِنْ حِينِ يَضِيقُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ عَنْ صَلاتِه إِلَى مِقْدَارِ إتمْامِ رَكْعَةٍ. وقِيلَ: إِلَى الرُّكُوعِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الصُّبْحِ، وقَيْلَ الْغُرُوبِ فِي الْعَصْرِ، وَقَيْلَ الْفَجْرِ فِي الْعِشَاءِ، وفِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ والْعِشَاءَِ قَوْلَانِ سَيَأتِيَانِ .....
جعل بعضهم الضمير في (صَلاتِهِ) يعود على الوقت، أي أن ذلك الوقت ضاق عن إيقاع صلاته فيه، ويحتمل أن يعود على المكلف.
وقوله: (مِنْ حِينَ .... إلخ) يعني أن أول الوقت الضروري من حين يضيق الوقت الاختياري عن إدراك صلاته في الوقت المختار بأن لم يبق له من الوقت المختار مقدار ركعة، وأما إن أوقع ركعة في وقت الاختيار فقد أدرك وقت الاختيار قياسا على الوقت الضروري وفضل الجماعة، هكذا ظهر لي. وقاله ابن هارون. بل نقل صاحب تهذيب الطالب عن غير واحد من شيوخه أن وقت الاختيار يدرك بالإحرام فقط.
وفهم ابن راشد وابن عبد السلام من قوله (صَلاتِهِ) أن وقت الاختيار لا يدرك إلا بمقدار صلاة كلها لا بركعة، حتى إن المصلي لو أتى بثلاث ركعات من الظهر في القامة الأولي والرابعة في القامة الثانية لم يدرك الوقت الاختياري.
وقوله: (إِلَى مِقْدَارِ إتمْامِ رَكْعَةٍ) يعني أن الوقت الضروري ممتد من المبدأ المذكور إلى أن يضيق الوقت قبل طلوع الشمس عن ركعة من الصبح، وكلامه ظاهر التصور.
خليل: لكن مقتضاه أنه إذا ضاق وقت الضروري عن ركعة يخرج حينئذ وقت الضرورة، وليس بظاهر، بل وقت الضرورة ممتد إلى الغروب، ولو كان كما قال المصنف للزم ألا يدرك وقت الضرورة إلا بمقدار ركعة زائدة على ذلك، وليس كذلك، بل أدرك ركعة ليس إلا فهو مدرك لوقت الضرورة، ولا يلزم من كون الصلاة لا تدرك فيه أن يكون وقت الضرورة قد خرج؛ لأن الصلاة لا تدرك إلا بركعة. وقد صرح غير واحد بأن وقت العصر الضروري إلى الغروب، والله أعلم.
واعلم أن قوله هنا: (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يقتضي أن للصبح وقتا ضروريا، وهو خلاف ما قدمه، لكن قد تقدم أنه صدر بغير الْمَشْهُورِ.
وقوله: (وقِيلَ: إِلَى الرُّكُوعِ) أشار إلى الخلاف الواقع بين ابن القاسم وأشهب بماذا يدرك أصحاب الأعذار الصلاة، هل بالركعة كلها أو بالركوع فقط؟ والخلاف ينيني على فهم قوله صلي الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".
وقول ابن القاسم أولى لحمل اللفظ على الحقيقة، وصرح ابن بشير بمشهوريته. قال اللخمي: يعتبر قدر الإحترام وقراءة الفاتحة معتدلة والركوع والسجود، ويختلف هل تقدر الطمأنينة أم لا على الخلاف في وجوبها. ويرد على القول بأن القراءة إنما تجب في الجل هل يراعى قدرها في الإدراك؟ لأن له تقديمها في الركعة الأولى، أولا يراعى إذ لا يتعين فيها.
خليل: وينبغي على هذا أن تؤخر القراءة؛ لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.
والأَعْذَارُ الْحَيْضُ، وَالنُفَاسُ، وَالْكُفْرُ- أَصْلاً وَاِرْتِدَادَاً- وَالصِّبَا، وَالْجُنُونُ، والإِغْمَاءُ، وَالنَّوْمُ، وَالنِّسْيَانُ، بِخِلَافِ السُّكَّرِ ......
هذا بيان للعذر المذكور في قوله: [43/أ] وهو ما يكون فيه ذو العذر مؤديا.
وَفَائِدَتَهُ فِي الْجَميِعِ الأَدَاءُ عِنْدَ زَوَالِهِ، وفِي غَيْرِ النَّائِمِ وَالنَّاسِيِ السُّقُوطُ عِنْدَ حُصُولِه
الضمير في قوله: (وَفَائِدَتَهُ) عائد على العذر في قوله: ما يكون فيه ذو العذر مؤديا. وهذه الفائدة ظاهرة في السقوط، وأما في الأداء تظهر إلا على القول بأن غير أهل الأعذار إذا صلوا في الوقت الضروري لا يكونون مؤدين، نعم تظهر الفائدة أيضاً على الأداء بانتفاء العصيان والكراهة.
والحصول يتصور في الحيض والجنون والإغماء بخلاف الصبا والكفر، كذا قاله عبد الوهاب وتبعه ابن بشير، وفيها قالاه نظر. والصحيح أن الكفر مما يحصل لنفي القضاء عن المرتد عندنا، فلو ارتد لخمس ركعات قبل الغروب ولم يكن صلى الظهر والعصر ثم أسلم لسقطتا عنه.
قُلْتُ: وَاِعْتِبارُ قَدْرِ الرَّكْعَةِ لِلأَدَاء، وأَمَّا السُّقُوطُ فَبِأَقَلِّ لَحْظَةٍ، وإِنْ أَثَِم الْمُتَعَمِّدُ
حاصله أنه وافق المذهب في الطهر دون الحيض، وكأنه تخريج منه على أن الماهية إنما تتحقق عند حصول أجزائها، وتبطل عند ذهاب بعضها كما تبطل عند ذهاب الجميع، فمن أجل ذلك إذا حاضت وقد بقي قبل الغروب قدر ما توقع فيه- مثلا- تكبيرة الإحرام أن العصر تسقط عنها؛ لأن الحيض مانع لذلك الجزء المتوقف حصول الماهية عليه، ويلزم منه أن الإدراك إنما يكون بجميع الركعة، وعلى هذا فيتحصل في المسألة ثلاثة لأقول:
الْمَشْهُورِ: اعتبار ركعة كاملة في الطهر والحيض.
والشاذ: اعتبار الركوع فيهما.
وتفرقة المصنف، وما تأول على المصنف من أن مراده إذا كانت في الصلاة فحاضت قبل الغروب بعيد؛ لأن كلام المصنف لا ينبني على ذلك، ولكن تلك الصورة سيذكر المصنف فيها خلافا بين أصبغ وغيره.
وروايته في الاستذكار: قال ابن وهب: وسألت مالكا عن المرأة تنسى أو تغفل عن صلاة الظهر فتغشاها الحيضة قبل الغروب، فقال: لا أرى عليها قضاء لا للظهر ولا للعصر إلا أن تحيض بعد الغروب. فإطلاقه في هذه الرواية يؤيد ما قاله المصنف.
وقال ابن عبد السلام: سمعت من يقول ما ذكره المصنف في الاستذكار ولم أره.
وَعَنْ تَحَقُّقَ الأَدَاءِ قَالَ أَصَبْغُ: لَوْ صَلْتْ رَكْعَةً فَغَرَبَتْ فَحَاضَتْ فَلا قَضَاءَ. وَلِمُخَالَفَتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضُهَا بَعْدَهُ قَضَاءٌَ ......
اعلم أن عن موضوعة في اللغة للتجاوز، وتصح أن تبقى هنا على بابها، أي نشأ قول أصبغ عن تحقق الأداء، ويجوز أن تكون بمعنى على، كقول الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني
ويكون المعنى: ويتفرع على تحقق الأداء قول أصبغ. ويؤيد هذا أنه وقع في بعض النسخ (على) ويحتمل أن تكون هنا (عن) للتعليل كقوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود:53]، وقوله تعالى:{إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] ويكون التقدير: ولأجل أو من أجل تحقق الأداء.
وقوله: (لَوْ صَلْتْ رَكْعَةً فَغَرَبَتْ فَحَاضَتْ .....) إلى آخره، حكى التونسي والمازري في هذه المسألة قولين لأصحاب مالك:
أحدهما: أنها إذا صلت ركعة من العصر قبل الغروب ثم حاضت لا يجب قضاؤها؛ لأن من حاضت في وقت صلاة لا تقضيها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مدرك ركعة من العصر قبل الغروب مدركا للعصر. وإذا كانت هذه مدركة لم يجب القضاء.
والثاني: أن القضاء عليها واجب.
المازري: ووجهه ما نبهنا عليه من أن تعمد التأخير إلى هذا المقدار يحصل به الإثم، وأن الثلاث ركعات في حكم ما يقضى لفواته. ومن حاضت بعد الفوات وجب عليها القضاء. انتهى.
قال ابن بشير بعد ذكره القولين: ويشير هذا الاختلاف إلى الخلاف في مدرك ركعة من الوقت هل يكون مؤديا لجميع الصلاة؟ وهو مقتضى سقوط القضاء عنها، وهذا هو الذي نسبه المؤلف لأصبغ، أو مؤديا للركعة قاضيا للثلاثة، وهو مقتضى وجوب القضاء، وهذا هو الذي نسبه المؤلف لبعضهم وهو لسحنون.
لكن اعترض عليه في قوله: (ولِمُخَالَفَتِهِ) فإنه يقتضي أن هذا القائل قائل بهذا لأجل مخالفته لأصبغ أو مخالفته تحقق الأداء، وليس كذلك، بل إنما قال ذلك لأجل الدليل لا للنخالفة.
وقوله: (بَعْضُهَا) أي بعض الصلاة.
وقوله: (وبعده) أي بعد الوقت.
ابن عبد السلام: وليس عندنا خلاف في الركعة المأتي بها في الوقت أنها أداء، وإنما الخلاف في المذهب في الركعة المأتي بها خارج الوقت، والخلاف في الركعة الأولى إنما هو لبعض الشافعية.
وَأَمَا غَيْرَهُمْ، فَقَيَّلَ: قَاضٍ. وَقَالَ اِبْنُ الْقصَّارِ: مُؤَدٍّ عَاصٍ. وهُوَ بَعيدٌ، وقِيلَ: مُؤّدِّ وَقْتَِ كَرَاهَةٍ. وَرْدَّهُ اللَّخْمِيُّ بِنقَْلِ الإِجْمَاعِ عَلَى التَّأثِيمِ، ورَدَّ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ أَنْ يَرْكَعَ الْوَتْرَ وإِنْ فَاتَتْ رَكْعَةٌ مِنَ الصُّبْحِ ويَلْزَمُ أَلَا تَسَقُطَ عِمَّنَ تَحِيضُ بَعْدَ وَقْتِ الاِخْتِيَارِ إِلا مَعَ مُسْقطِ الإِثْمِ كَالنِّسْيَانِ، والْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَلَا يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ ولَا يُتْمَّ الْقَادِمُ إِلا مَعَ ذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ ....
يعني: وأما غير أهل الأعذار إذا أوقعوا الصلاة في الوقت الضروري، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه قاض. ولا أعلم قائله، لكن ابن بشير: إليه مال اللخمي. وهو مقتضى ما حكاه اللخمي وغيره عن مالك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" مختص بأرباب الأعذار.
ابن راشد: وهو الأصل.
والثاني: نسبه المصنف لابن القصار، ونقله غير عن ابن القاسم، بل نقل التونسي التفاق عليه، فإنه قال: من أخر الظهر والعصر [43/ب] إلى اصفرار الشمس فإنه يأثم، لأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين" وتكريره لذلك يدل على تأكيد النهي.
فإن قيل: فقد قال عليه الصلاة والسلام: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
قيل: هذا وقت لأصحاب الضرورات. واحتج من خالفنا بأنه إذا لم يكن قاضيا لم يكن عاصيا.
قيل: قد اتفق على أن من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس أنه مؤد لها وليس بقاض، ولا خلاف أنه عاص، فقد صح عصيانه مع كونه مؤديا. انتهى.
وظاهر كلام التونسي نفي وجود القول الذي حكاه المصنف بالقضاء. وقال في المقدمات: اتفق أصحاب مالك أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن الوقت المختار. ثم قال: فإن فعل فهو مضيع لصلاته، آثم وإن كان مؤديا.
ونقل المصنف عن ابن القصار أنه مؤدٍّ عاصٍ. والذي نقلع سند وصاحب اللبان عن ابن القصار أنه مؤد غير آثم. وكذلك نقل عبد الحق وابن يونس عن ابن القصار أنه قال: من أخر الظهر حتى يصير ظل كل شيء مثليه لا نقول فيه أنه مفرط لخفة الوعيد، بل نقول أنه مسيء لتركه الاختيار، وإن أخرها عنه حتى لم يبق إلا أربع ركعات قبل الغروب أنه يأثم.
ثم قال ابن عطاء الله: فهذا تصريح بأن إيقاع الظهر بعد دخول وقت العصر الخاص بها من غير عذر مكروه وليس بمحرم. وقوله: لتركه الاختيار أشار إلى أنه أخف وجوده الكراهية؛ لأنه ترك الأولى. انتهى.
واستبعد المصنف القول بأنه مؤد عاص؛ لأن الأداء إنما هو إيقاع العبادة في وقتها المقدر لها شرعا، وقد أوقع الصلاة فيه. فقد حصلت الموافقة للأمر فيه فينبغي العصيان.
ووجه ابن عطاء الله والقرافي باعتبار الجهتين: فالأداء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك ركعة)). والتأثيم لتفريطه.
ولا يبعد اجتماع الإثم والأداء مع اختلاف موجبها كالصلاة في الدار المغصوبة، وفيه نظر.
وقوله: (ورَدَّهُ اللَّخْمِيُّ) أي رد في التبصرة القول بأنه مؤد وقت كراهة بأن الإجماع منعقد على تأثيم غير ذوي الأعذار إذا أوقعوا الصلاة في الوقت الضروري، ولو كان مكروها لم يأثم، ولفظه: ولا أعلم خلافا بين الأمة أنها مأمورة بأن تأتي بجميع الأربع في العصر قبل الغروب، وبجميع الركعتين في الصبح قبل طلوع الشمس، وأنها إذا أخرت إحدى هاتين الصلاتين حتى يبقى لطلوع الشمس أو لغروبها مقدار ركعة أنها آثمة. انتهى.
وقريب منه ما تقدم للتونسي- لا خلاف أنه عاص وإن كان مؤديا- فإن ظاهره أنه أراد نفي الخلاف في المذهب وغيره، وعلى هذا فهمه ابن عبد السلام. وكلا النقلين لا يصح؛ لأن ابن عبد البر نقل في الاستذكار عن إسحاق بن راهويه أن آخر وقت العصر أن يدرك المصلى منها ركعة قبل غروب الشمس، قال: وهو قول داود، لكن الناسي معذور وغير معذور، صاحب ضرورة وصاحب رفاهية، إلا أن الأفضل عنده وعند إسحاق أول الوقت. انتهى.
وهذا الرد أولى مما قاله المصنف؛ لأن نقض الإجماع بالنقل أولى من نقضه بالاستقراء.
وقوله: (ورَدَّ بأَنَّ الْمَنْصُوصَ ....) إلى آخره، أي رد الإجماع بأن المنقول في المذهب أنه إذا لم يبق قبل طلوع الشمس إلا ركعتان ولم يكن صلى الوتر أنه يصلي الوتر ثم يصلي الصبح ركعة في الوقت وركعة خارجه، ولو كان الإجماع كما قال اللخمي للزم تقديم الصبح حتى لا يحصل الإثم، ويترك الوتر الذي لا إثم فيه. والعجب منه كيف قال هنا، وفي باب الوتر المنصوص، وفي المدونة: تقديم الصبح. وإنما الذي ذكره قول أصبغ.
وقوله: (والْجُمْهُورُ عَلَى خِلافِهِ) لا يريد جمهور أهل المذهب، فإنا لا نعلم في المذهب خلافا، بل كلهم قالوا إذا حاضت قبل الغروب بركعة أن العصر تسقط قطعا، وكذلك قوله:(وفِيهِ خِلافٌ) لا نعلمه في المذهب.
وَالْمُشْتَرِكَتَانِ- الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَالْمَغْرِبُ وَالْعَشَاءُِ- لا تُدْرَكَانِ معَاً إِلا بِزِيادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى مِقْدَارِ الأُولَى عِنْدَ اِبْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَعَلَى مِقْدَارِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ اِبْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاِبْنِ الْمَاجِشُونِ وَاِبْنِ مُسَلَمَةَ وسَحْنُونٍ، وَعَلَيْهِمَا الخِْلافُ إِذاَ طَهُرَتِ الْحائِضُ لِأُرَبَعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ. قَالَ أَصَبْغُ: سَأَلْتُ اِبْنَ الْقَاسِمِ آخِرَ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: أَصَبْتَ وَأَخْطَأَ اِبْنُ عَبْدِ الْحَكْمِ. وسُئِلَ سَحْنُونٌ فَعَكْسَ ....
أي: الاشتراك الضروري، ولا يظهر للخلاف أثر في الظهر والعصر لاتحاد ركعاتهما، وإنما يظهر في المغرب والعشاء، وتصور القولين ظاهر.
ونقل المارزي ما نسبه المصنف لابن القاسم عن مالك وأكثر أصحابه: ووجه قول ابن القاسم أن أول الصلاتين لما وجب تقديمها على الأخرى فعلا وجب التقدير بها.
ووجه الثاني: أن الوقت إذا ضاق حتى لم يسع إلا إحدى الصلاتين فالذي يجب عليه إنما هي الأخيرة اتفاقا بدليل أن من أدرك أربع ركعات قبل الغروب إنما يجب عليه العصر فقط اتفاقا، فإذا تزاحمت الصلاتان على آخر الوقت وثبتت الأخيرة وسقطت الأولى دل ذلك على أن آخر الوقت مستحق لآخر الصلاتين.
وَلَوْ طَهُرَتْ الْمُسَافِرَةُ لِثَلاثٍ فَقَوْلانِ عَلَى الْعَكْسِ فَلَوْ حَاضَتَا فَكُلٌّ قَائِلٌ بِسُقُوطِ مَا أَدْرَكَتْ ....
يعني: فإن قدرنا بالأولى فلا يفضل للعشاء شيء، فيكون الوقت مختصا بالعشاء فتسقط المغرب، وعلى قول ابن عبد الحكم- إذا قدرنا [44/أ] بالثانية- أدركتهما؛ لأنها ركعتان.
والضمير في (حَاضَتَا) عائد على المسافرة والحاضرة اللتين طهرتا لأربع وثلاث قبل الفجر.
وقوله: (فَكُلٍّ) أي فكل واحد من القائلين أو القولين. فعلى قول ابن القاسم تسقط الصلاتان إذا حاضت الحاضرة لأربع قبل الفجر لوجوبهما عليها إذا طهرت، وتسقط العشاء عن المسافرة إذا حاضت لثلاث. وعلى قول ابن عبد الحكم تسقط العشاء عن الحاضرة دون المغرب، وتسقط الصلاتان عن المسافرة بعكس الوجوب. وعن سحنون ما معناه الأخذ بالأحوط من مذهبي ابن القاسم وابن عبد الحكم.
َلَوْ كَانَتِ الأُولَى لِخَمْسٍ أَوْ لِثَلاثٍ، وَالثَّانِيَةَ لأَرْبَعٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ لَحَصَلَ الْاِتِّفَاقُ فِي الطُّهْرِ وَالْحِيَضِ .....
الأولى هي الحاضرة، يعنى أن طهرت لخمس أدركتهما أو لثلاث أدركت الأخيرة فقط اتفاقا، وهذا واضح. والثانية للمسافرة، يعني فإن طهرت لأربع أدركتهما أو لاثنين أدركت الأخيرة فقط اتفاقا، وهذا واضح.
وَلَوْ سَافَرَ لِثَلاثٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَسَفَرِيَّتَانِ ولِمَا دُونَهَا فَالْعَصْرُ سَفَرِيّةٌ، ولَوْ قِدِمَ لِخَمْسٍ فَحَضَرِيَّتَانِ ولِمَا دُونَهَا فَالْعَصْرُ حَضَرِيَّةٌ
مسائل النهار لا صعوبة في فهمها، ولهذا استغنى المصنف في فصل الطهر والحيض عن ذكرها. وضابط هذا الفصل أنه إن أدرك وقت صلاة في سفر صلاها سفرية، وإن أدرك وقتها في حضر صلاها حضرية.
وَلَوْ سَافَرَ لأَرْبَعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَالْعِشَاءُ سَفَرِيَّةٌ، ولِمَا دُونَهَا فَالرِّوَايَةُ أيضاً، وفِي الجَلابِ رِوَايَةٌ: حَضَرِيَّةٌ، وَلَوْ قَدِمَ لأَرْبَعٍ فَالْعِشَاءُ حَضَرِيّةٌ، وِلمَا دُونَهَا كَذَلِكَ، وَخَرَّجَهَا فِيهِ سَفَرِيّةٌ ....
وأما إذا سافر لأربع فلا خلاف أنه يصلي العشاء سفرية؛ لأن التقدير: إن كان بالأولى فضل ركعة، وإن كان بالثانية فضلت ركعتان، وكذلك لما دونها، ولا وجه لها في الجلاب. وكثيرا ما يقال إذا أريد إدخال هذا القول هل آخر الوقت لآخر الصلاتين أو لأولهما، والمعلوم أن الوقت إنما تختص به الأخيرة، أو تشاركها الأولى، أما أن يكون للأولى وليس للآخرة فيه حظ فلا. ويلزم عليه في السقوط والإدراك، ولا قائل بهما.
وَفِي اِعْتبَارِ مِقْدَارِ التَّطْهِيرِ، ثَالِثُهَا: لَابْنِ الْقَاسِمِ: إِلا الْكَافِرَ لانْتِفَاءِ عُذْرِهِ، وَرَابِعُهَا لابْنْ حَبيبِ: والْمُغْمَى عَلَيهِ؛ وَلَمْ يُخْتَلِفْ فِي الصَّبِيِّ
…
يعني: أنه اختلف هل يعتبر مقدار التطهير في حق الحائض، ومن ذكر معها على أربعة أقوال:
الأول: اعتباره في الجميع، وحكي عن سحنون وأصبغ. قال عبد الوهاب: وهو القياس.
وقيل: لا يعتبر إلا في الصبي. نقله ابن بشير، ولم يعزه ابن راشد، وعزاه بعضهم لسحنون وأصبغ. انتهى.
والمعروف عنهما هو الأول، قال بعضهم: بناء على أن الطهارة شرط في الوجوب وفي الأداء. ورد بأنها لو كانت شرطا في الوجوب لم يخاطب محدث أصلا، وهو خلاف الإجماع.
قال اللخمي وغيره: ويلزم على عدم الاعتبار أنهم إذا خافوا إن استعملوا الماء ذهب الوقت أنهم يتيممون قياسا على تيمم الحضري إذا خاف الفوات.
والقول الثالث: اعتباره في الجميع إلا في حق الكافر لانتفاء عذره. وضعفه عبد الوهاب بأن الإسلام يجب ما قبله، وصرح ابن بزيزة بمشهوريته.
والرابع: لابن حبيب يعتبر في الجميع إلا في حق الكافر والمغمى عليه. أما الكافر فكما ذكره، وأما المغمى عليه فجعله ابن حبيب كالنون بجامع أن كلا منهما يبطل الوضوء. ولآن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: يقضي ما قل وما كثر كالنائم. وقال أبو حنيفة: إن كان أغماؤه يوما وليلة فأقل وجب القضاء، وإلا فلا.
وأخرج ابن أبي زيد في النوادر الحائض عن الخلاف كما ذكر المصنف في الصبي.
وحكى المازري وغيره طريقة ثالثة بإجراء في الجميع حتى في الصبي. ونقل ابن بزيزة قولا باعتبار مقدار الطهارة وستر العورة. ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم أنه اعتبر ستر العورة واستقبال القبلة.
وجزم ابن الجلاب باعتبار مقدار التطهير في حق الحائض، وتردد فيمن عداها، وجعله محتملا.
فإن قيل: قول المصنف: (لانْتِفَاءِ عُذْرِهِ) ينافي ما قدمه في عده الكفر من الأعذار.
قيل: لا؛ لأنه عذر باعتبار الإدراك والسقوط كما في غيره من الأعذار، لكن ليس في المعذور فيه لتمكنه من زواله بأن يسلم بخلاف الأعذار الباقية، فإنه لا قدرة لصاحبها على إزالتها، والله أعلم.
فرع:
وهل يقدر لأهل الأعذار مقدار الطهارة في طرف السقوط؟ قاله اللخمي، ولم أره لغيره.
وَلَوْ تَطَهَّرَتْ فَأَحْدَثَتْ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَنَحْوَُهُ فَالْقَضَاءُ عَلَى الأَصَحِّ لِتَحَقَّقِ الْوُجُوبِ ....
يعنى: لو تطهرت الحائض مثلا فأحدثت، فظنت أنها تدرك الصلاة في الوقت بطهارة أخرى، فشرعت فلم تدرك الصلاة ولا شيئا منها في الوقت. أما لو علمت قبل الشروع في الطهارة الثانية أنها لا تدرك فإنها تتيمم على الْمَشْهُورِ.
وحكى المصنف الخلاف في مسألة الحدث تبعا للمازري وابن شاس أنهما حكيا قولا فيهما بعدم القضاء، والمنقول عن ابن القاسم في المسألة القضاء.
قال المازري: وهذا فيمن غلبها الحدث، وأما المختارة فلا يختلف في وجوب القضاء عليها.
وقال ابن بشير: [44/ب] لو حصل للحائض أو غيرها التطهير فأحدثت وكانت إن أعادت الطهر فات وقت الصلاة فالقضاء واجب عليها باتفاق؛ لأنها بعد الطهر مطلوبة بالصلاة، فإحداثها كإحداث من هو مطلوب بالصلاة، وقد تعينت عليها، فيجب عليها التطهير وقضاء الصلاة. انتهى.
وأما مسألة إن (تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَنَحْوَُهُ) أي الماء المضاف بطاهر، فقال ابن شاس: إذا اغتسلت الحائض بماء غير طاهر، فلما أخذت في الإعادة بالماء الطاهر خرج الوقت، لم يلزمها قضاء ما فات لأجل تشاغلها بالغسل المعاد؛ لأن منعها من الصلاة بالطهر الأول كمنعها من الصلاة بالحيض، ولو أعادت لكان أحوط.
وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بوجوب الإعادة. وقيل: لا تؤمر بالقضاء إذا كان الماء الأول لم يتغير؛ لأن الصلاة به تجزئ، وإنما تعاد في الوقت طلبا للكمال. ولهذا قال أشهب: لو علمت المتطهرة بهذا الماء أنها لو أخذت في إعادة الغسل غربت الشمس كانت صلاتها بذلك الغسل أولى من اشتغالها بإعادة الغسل حتى يفوت الوقت. انتهى.
والقول الذي صرح به ابن شاس هو قول ابن القاسم في الموازية والعتبية، وما صححه المصنف هو قول سحنون، وجمع المصنف بين المسألتين وذكر أن الأصح فيهما القضاء اختيارا لمذهب سحنون، والله أعلم.
وحمل ابن بشير الاختلاف على ما إذا لم يتغير أو تغير وظنت أنه من قراره، قال: ولو علمت بنجاسته وجب عليها القضاء بلا إشكال.
وحمل ابن أبي زيد وغيره الاختلاف على ما إذا لم يتغير الماء، يعني: وأما لو تغير أحد أو صافه لاعتبر الوقت بعد الغسل الثاني؛ لأن الأول كالعدم.
فإن قيل: هل يصح أن يريد المصنف بقوله: (ونَحْوُهُ) ما لو تبينت لها نجاسة الثوب أو الجسد. قيل: لا؛ لأن الحكم في تلك الصلاة. كذلك قاله مالك في النوادر.
قَالَ اِبْنُ الْقَاسِمِ: ولا يُعْتَبَرُ مِقْدَارُ مَنْسِيَّةٍ تُذْكَرُ كَحَائِضٍ طَهُرَتْ لأَرْبَعٍ فَأَدْنَى فَذَكَرَتْ فَإِنَّهَا تُصْلِّي الْمَنْسِيَّةَ ثُمَّ تَقْضِي مَا أَدْرَكَتْ وَقْتَهُ. ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لا تَقَضِي. والأَوَّلُ أَصَحُّ ....
تقديم المنسية على الوقتية وإن خرج وقت الحاضرة جاز على الْمَشْهُورِ، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في بابها إن شاء الله تعالى.
وقوله: (فَذَكَرَتْ) أي ذكرت صلاة تستغرق ما بقي من الوقت.
وصحح المصنف القضاء؛ لأن المنسية إنما قدمت للترتيب وإلا فالوقت إنما هو للحاضرة.
وقد قال ابن المواز أن القضاء أصح؛ لأن من أصل مالك أن من سافر لركعتين ناسيا للظهر والعصر أن يصلي الظهر حضرية والعصر سفرية؛ لأنه سافر في وقتها، وعلى القول الآخر ينبغي أن يصلي الظهر ركعتين والعصر أربعاً.
قال ابن يونس: لأن جعل ذلك الوقت للظهر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإنما ذلك وقتها".
وَقَالَ أيضاً: إذاً حَاضَتْ لأَرْبَعٍ فَأَدْنَى بَعْدَ أَنْ صَلّتِ الْعَصْرَ نَاسِيَةً لِلظُّهْرِ تَقَضِي الظُّهْرَ لأَنَّهَا تَخَلَّدَتْ فِي الذِّمَّةِ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا. ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا تَقْضِي لأَنَّهُ وَقْتٌ. وَغَيْرُ هَذَا خَطَأ، والأَوَّلُ أَصَحُّ
…
سبب الخلاف هل تختص العصر بأربع ركعات قبل الغروب أولا؟
فإن قلنا بالاختصاص جاء منه القول بالقضاء وإلا فلا، ولما كان المعروف من المذهب الاختصاص صحح المصنف القضاء.
وَعَلَيهِمَا لَوْ قَدِمَ لأَرْبَعٍ أَوْ سَافِرَ لاثْنَتَيْنِ وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ نَاسِياً لِلْظُهْرِ، فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ صَلَّى الظُّهْرَ قَضَاءً فِيهِمَا اتِّفَاقاً ....
يعني: فعلى القول بالاختصاص إذا قدم لأربع وقد صلى العصر ناسيا للظهر فيكون وقت الظهر قد خرج وهو مسافر فيصليها سفرية، وعلى القول بعدمه فيكون قد قدم في وقتها فيصليها حضرية، وكذلك لو سافر لركعتين والمسألة بحالها.
وقوله: (فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ ....) إلى آخره الضمير في (فِيهِمَا) عائد على الحاضر والمسافر.
ووقع في بعض النسخ تصل بالتاء المثناة من فوق، وبإلحاق تاء التأنيث بعد صلى، فيعود ذلك على المرأة؛ يعني أن المرأة إذا حاضت لأربع ولم تصل الظهر والعصر قضت الظهر؛ لأن الحيض إنما طرأ بعد خروج وقتها. وعلى هذه النسخة فيكون الضمير في (فِيهِمَا) عائدا على قولي ابن القاسم. وانظر هذا الاتفاق مع قول من قال بعدم الاختصاص، وأن الوقت مشترك بين الظهر والعصر إلى الغروب كما حكاه الباجي عن جماعة من الأصحاب، ومع مسألتي ابن الجلاب. وقد يجاب عن الأول بأن ابن رشد قال في البيان: أما النهار فلا اختلاف في أن مقدار أربع ركعات قبل الغروب وقت للعصر خاصة. فلعل
المصنف يذهب إلى هذه الطريقة. وعن رواية ابن الجلاب فإنها خارجة عن القياس، ولا يصح أن تجرى في كل شيء وإلا لزم أشياء في الحيض والطهر، ولا يقول بها أحد.
فَلَوْ قَدَّرَتْ خَمَسْاً فَأَكْثَرَ فَصَلَّتِ الظُّهْرَ فَغَرَبَتْ قَضَتِ الْعَصْرَ لِتَحَقَّقِ وُجُوبِهَا
هذا بين ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في عكسه إذا قدرت أربعا فصلت العصر وبقي من الوقت فضله فإنها تصلي الظهر.
واختلف في إعادتها للعصر والظهر وهو قوله في العتبية: عدم الإعادة. لأن ترتيب المفعولات مستجب في الوقت لا بعده، والفرض أن الوقت قد خرج، فلو علمت في الفرع الذي ذكره المصنف وهي في الظهر، فروى عيسى عن ابن القاسم: إن غربت الشمس وقد صلت منها ركعة فلتضف إليها أخرى وتسلم وتصل العصر، وكذلك لو غربت بعد [45/أ] لأن صلت ثلاث أتت برابعة وتكون نافلة وتصلي العصر.
وقال أشهب وابن حبيب: لو قطعت في الوجهين كان واسعا. قال في البيان: ويجري فيها من الخلاف ما جرى فيمن ذكر صلاة في صلاة وقد صلى منها ركعة أو ثلاثا، وسيأتي ذلك عند المصنف هذا الفرع.
وقال ابن يونس: يجري على الخلاف قيمن أقيمت عليه المغرب وهو فيها. فعلى مذهب المدونة يقطع بعد ركعة. أما لو علمت وهي تصلي الظهر قبل أن تغيب الشمس أنها إن أكملت الظهر غابت الشمس لوجب أن تقطع على أي حال كان وتصلي العصر، بلا خلاف. قاله في البيان.
وأَوْقَاتُ الْمَنْعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ بِرَكعَتَيْهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشّمْسُ وَتَرْتَفِعَ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشّمسُ ....
ما قدمه من أول الأوقات إلى هنا مختص بالفريضة الوقتية. وأخذ الآن يذكر الوقت بالنسبة إلى النوافل، وأما الفرائض فلا منع فيها؛ لأنها إن كانت وقتية فواضح، وإن كانت فائتة فتوقع في كل وقت من غير استثناء كما سيأتي.
وظاهر كلامه أن مراده بالمنع التحريم ويحتمل أن يريد به الكراهة وهو الذي رأيت من كلامهم، وقد صرح ابن عبد البر وابن بزيزة بكراهة النافلة بعد العصر والصبح.
وصرح المازري بالكراهة بعد الفجر.
ولعل المصنف تعلق بظاهر الأحاديث فإن فيها: ((ونهى عن الصلاة في هذين الوقتين))، وظاهر النهي التحريم.
وقال ابن عبد السلام: الذي حمله على ما نقله ما يأتي في آخر الفصل من قطع من ابتدأ الصلاة في وقت منع ولو كانت الكراهة على بابها لم يقطع. انتهى.
وفيه نظر، بل الظاهر القطع في المكروه كالمحرم أذ لا يتقرب إلى الله بمكروه.
والباء في (بِرَكْعَتَيْهِ) للمصاحبة، وهل النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر حماية لئلا يتطرق إلى الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها أو حقا لهذين الفرضين ليكون ما بعدهما مشغولا بما هو تبع لكل منهما من دعاء ونحوه. قولان ذكرهما المازري وابن رشد في بيانه. وحكى ابن بشير الإجماع على تحريم إيقاعها عند الطلوع وعند الغروب.
وَبَعْدَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْمُصَلَّي
يعني: أنه كره لكل مصل أن يتنفل بعد صلاة الجمعة حتى ينصرف. قال في المدونة: ولا يتنفل الإمام والمأموم بعد الجمعة في المسجد، وإن تنقل المأموم فيه فواسع. انتهى.
أما الإمام فلما في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته.
أما الإمام فلما في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته.
وأما المأموم فلظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، ولسد الذريعة في أن يفعل ذلك أهل البدع فيجعلون الجمعة أربعا وينوون بها الظهر.
قال في البيان: ويتحصل في ركوع الناس بعد الجمعة إثر صلاة الجمعة في المسجد لمالك ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا كراهة في الركوع ولا استحباب في الجلوس، فإن جلس لم يؤجر، وإن ركع كان له أجر صلاته كاملاً.
والثاني: أن الجلوس مستحب، والركوع واسع، فإن جلس ولم يصل أجر على جلوسه، وإن صلى أجر على صلاته- والله أعلم أيهما أكثر أجرا- وهو الذي يأتي على قول مالك في الصلاة الثاني من المدونة.
والثالث: أن الركوع مكروه والجلوس مستحب، فإن جلس ولم يصل أجر، وإن صلى لم يأثم، وهو الذي يأتي على ما في الصلاة الأول من المدونة، فالجلوس على هذا القول أولى من الصلاة، والصلاة على القول الأول- وهو الذي يأتي على قول مالك في العتبية- أولى من الجلوس. انتهى.
خليل: وظاهر المذهب كراهة الركوع، ولهذا اختلفوا لو كان غريبا، أو ممن لا بيت له، أو ممن كان يريد انتظار صلاة العصر، فمنهم من يقول: يخرج من باب، ويدخل من باب آخر. ومنهم من يقول: ينتقل من مكانه إلى غيره من المسجد فيركع فيه. ومنهم من يقول: إذا طال مجلسه أو حديثه مما يسوغ الكلام به فيجوز له أن يركع في موضعه من غير انتقال.
ولا تُكْرَهُ وَقْتَ الاِسْتِوَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتُسْتَثْنَى الْفَوَائِتُ عُمُوماً، وَقيامُ اللَّيْلِ لَمِنْ نَامَ عَنْ عَادَتِهِ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَصَلَاتَهِ خُصُوصاً ....
وجه الْمَشْهُورِ ما قاله مالك: أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار. ووجه مقابلة حديث الصنابحي.
وقوله: (وَتُسْتَثْنَى الْفَوَائِتُ عُمُوماً) أي فترفع في كل وقت، وتقييد قيام الليل لمن نام عن عادته هو الْمَشْهُورِ، ولا بن الجلاب يلحق به العامد.
و (مَا بَيْنَ الْفَجْرِ) منصوب على الظرفية والعامل فيه مقدر؛ أي: يصليه.
والضمير في (وصَلاتِه) عائد على المكلف؛ أي: ما بين طلوع الفجر وأن يصلي الصبح، ويجوز عود الضمير على الفجير- أي وقت صلاة الفجر- أي بالنسبة إليه.
وَفِي الْجَنَّازَةِ وَسُجُودِ التِّلاوَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الإِسْفَارِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقَبْلَ الاصْفِرارِ الْمَنْعُ لِلْمُوَطأ وَالْجَوَازُ لْلِمُدَوَّنَةِ، وَالْجَوَازُ فِي الصُّبْحِ لَابْنِ حَبيبٍ، وَأَمَّا الإِسْفَارُ وَالْاِصْفِرارُ فَمَمْنُوعٌ إِلا أَنْ يُخَشَى تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ ....
تقييده ببعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر صحيح، فقد نص المدونة على أنه يسجد للتلاوة بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح. ولفظ المنع عند قائله على الكراهة.
فوجه ما في الموطأ ما خرجه أبو داود عن ابن عمر: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس.
ووجه المدونة أن هاتين الصلاتين اختلف في وجوبهما، فكان لهما مزية على النوافل، فخصا [45/ب] بهذين الوقتين.
فإن قيل: ينقض بالوتر؛ لأنه أيضاً مختل في وجوبه.
فجوابه أن الوتر مؤقت بزمان، وقد ذهب وقته. وقول ابن حبيب مشكل؛ لأن النهي فيهما واحد.
وقيد المصنف الخلاف بقبل الإسفار والاصفرار؛ لأنه لو أسفر أو اصفرت لم يسجد اتفاقا حينئذ. فقال في المدونة: إذا أتت في قراءته سجدة فليتعدها. قال صاحب النكت وابن يونس: يويد موضوع ذكر السجود لا الآية كلها. قاله الباجي. وقيل: يتعدى الآية كلها. وقال أبو عمران: لا يتعدى أصلا ولا يخرج عن حكم التلاوة.
ومَنْ أَحَرْمَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ قِطَعِ
لأنه لا يقترب إلى الله تعالى بها نهى عنه. زاد شاس: ولا قضاء عليه.
وَنُهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ والْمَجْزَرَةِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ
(وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ) قارعتها. والنهي المشار إليه ما رواه الترمزي وابن ماجه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواضع: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، وفوق بيت الله الحرام.
والتعليل فيها مختلف. أما المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق فلأن الغالب نجاستها، ثم إن تيقن بالنجاسة أو الطهارة فواضح، فإن لم يتيقن، فالمشهور أنه يعيد في الوقت بناء على الأصل. وقال ابن حبيب: أبداً بناء على الغالب. وهذا إذا صلى في الطريق اختيارا، وأما إذا صلى فيها لضيق المسجد فإنه يجوز، نص على ذلك في المدونة، وغيرها. المازري: ورأيت فيها علق عن ابن الكاتب وابن مناس أن من صلى على قارعة الطريق لا يُعيد إلا أن تكون النجاسة فيها قائمة.
وبَطْنِ الْوَادِي
قيل أن المصنف انفرد به. وحكى الباجي لما تكلم على حديث الموطأ وأمره صلى الله عليه وسلم بالانتقال من الوادي، لأن به شيطانا، عن ابن مسلمة أنه لو تذكر صلاته في بطن واد صلاها لعدم عرفاننا بوجود الشيطان فيه.
قال الداودي: إلا أن يعلم ذلك الوادي بعينه فلا تجوز الصلاة فيه لإخباره صلى الله عليه وسلم أن به شيطانا. الباجي: ويحتمل عندي أن تجوز لعدم علمنا ببقائه. فهذا قولهم في الفائتة، فيحتمل أن يكون ذلك لوجوب المبادرة بها بخلاف الحاضرة لسعة الوقت، ورأيت بعض الشافعية علل ذلك بخوف خطر السيل.
وظَهْرِ بَيْتِ اللهِ الْحَرِامِ ومَعَاطِنِ الإِبلِ وهُوَ مُجْتَمَعُ صَدْرِهَا مِنْ الْمَنْهَلِ بِخِلَافِ مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ ....
سيأتي الكلام على ظهر بيت الله الحرام عز وجل إن شاء الله تعالى.
وأما المعاطن فهو جمع: معطن. ويجمع أيضاً على: أعطان.
وقوله: (مُجْتَمَعُ صَدْرِهَا مِنْ الْمَنْهَلِ) أي موضع اجتماعها عند صدورها من الماء.
والمعطن: هو الصدر، يقال: فلا واسع العطن أي الصدر. ومعاطن الإبل مباركها عند الماء، قاله المازري.
واختلف في التعليق:
فقيل: لأن العرب تستتر بها عند الحاجة. قاله ابن الققاسم وابن حبيب.
وقيل: لأنها خلقت من جان فتشغلهم عن الصلاة.
وقيل: لزفرة رائحتها، والصلاة منزهة عن ذلك.
وقيل: لنفورها.
وقيل: لأنها تمني.
تنبيه:
قال الشيخ ابن الكاتب: إنما النهي عن المعاطن التي عادة الإبل أن تغدو منها وتروح إليها. وأما لو باتت في بعض المناهل لجازت الصلاة فيها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام صلى على بعيره في السفر.
ويختلف على التعليل بالنجاسة لو فرش شيئا وصلى عليه. واختلف إذا وقعت الصلاة فيها، فقال ابن حبيب: إن كان عامدا أو جاهلا أعاد أبداً، وإنا كان ناسيا أعاد في الوقت. وقيل: بل في الوقت مطلقاً.
وقوله: (بِخِلَافِ مَرَابِضِ الْغَنَمِ) فيه استعمال المرابص للغنم. قال ابن دريد: ويقال ذلك لكل ذي حافر. وقال بعضهم: إنما هي للبقر، وأما الغنم فالمستعمل لها إنما هو المراح. والأصل فيها خرجه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مراح الغنم.
وَكَرِهَهَا فِي الْمَقْبَرَةِ وَفِي الْحِمَّامَ لِلْنَجَاسَةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ مَامُونَةٌ مِنْ أَجِزَاءِ الْمَوْتَى، وَالْحَمَّامُِ مِنَ النَّجَاسَةِ لَمْ تُكْرَهْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيِلَ: إِلا مَقَابِرَ الْكُفَّارِ .....
في المقبرة أقوال:
الجواز لمالك في المدونة.
والكراهة في رواية أبي مصعب.
وحمل ابن حبيب الحديث على مقبرة المشركين. قال ابن حبيب: وإن صلي فيها أعاد أبداً إلأا أن تكون دراسة فقد أخطأ، ولا يُعيد.
وقال عبد الوهاب: تكره الصلاة داخل الحمام، وفي الجديدة من مقابر المسلمين، وكذلك القديمة إن كان فيها نبش إلا أن يجعل حصيرا تحول بينه وبينها. وتكره في مقابر المشركين.
وفي الجلاب: لا بأس بها في المقبرة الجديدة، وتكره في القديمة.
وما ذكره المصنف أن الْمَشْهُورِ هو كذلك في المازري، فقال: مشهور المذهب جوازها، وإن كان القبر بين يديه للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)). وقال ابن عبد البر: هذا الحديث ناسخ لما عارضه مبيح الصلاة في كل موضع، وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام بنى مسجدا في مقبرة المشركين. ووجه الكراهة عموم النهى.
ورأى في الثالث أن مقابر الكفار حفرة من حفر النار.
واعتبر في القول الرابع هذا المعنى، وكون الميت ينجس بالموت فكرهها في الجديدة لخوف النجاسة، وكذلك القديمة إذا نبشت، وفيه نظر، فإن الجديدة لم تتحول أجزاء الموتى إلى أعلاها إلا أن يريد بالجديدة العامرة بالدفن، وبالقديمة المندرسة [46/أ] التي لم يبق لها حكم. واختار اللخمي منع الصلاة في القبور والجلوس عليها، والاتكاء إليها، لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث أنه نهى عن أتخاذ القبور مساجد.
ولما في مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا على المقابر ولا تصلوا إليه)).
وقد كره الليث الجلوس عليها، ومنعه ابن مسعود وعطاء.
ابن عات: وتأول مالك النهي على الجلوس لقضاء الحاجة، لما في الموطأ عن علي رضي الله عنه أنه كان يتوسد القبور، ويضطجع عليها.
وأما الحمام فقد أجاز الصلاة فيه في المدونة إذا كان موضعه طاهرا. وأجازها في العتبية ولم يشترط الطهارة. فقيل: تكلم في المدونة على داخلة وتكلم في العتبية على خاجه.
وقال اللخمي وعبد الوهاب: اختلف في الصلاة في الحمام وإن بسط ما يصلي عليه.
وَكَرِهَهَا فِي الْكَنَائِسِ لِلْنَجَاسَةِ وَالصُّوَرِ
أي: وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاسة أقدامهم لما يتعاطون من النجاسة؛ لأنها مكان أسس على غير التقوى، ولما فيها من الصور. زاد في المدونة كراهة النزول فيها من غير ضرورة.
وأجاز مالك الصلاة فيها للمسافر الذي يلجئه إليها المطر أو الحر أو البرد، ويبسط فيها ثوبا طاهرا. واستحب سحنون أن يُعيد وإن صلى لضرورة، كثوب النصراني.