الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى أن يقول: كما لو شك هل أحرم بإفراد أو عمرة؟ كما قاله غيره، فيحرم بالحج لاحتمال أن يكون أولاً أحرم بعمرة، وإلى نية الحج هنا، وفي المسألة المتقدمة أشار بقوله:(وَيَنْوِي الْحَجِّ فيهِمَا) وقوله: (يَطُوفُ وَيَسْعَى) ليس هو لأجل الأحوطية؛ إذ هما يشتركان فيهما الحج والعمرة، ولذلك كان الأولى ألا يقول هذا؛ إذ به يحصل تشويش في فهم المسألة، ولا يحلق لجواز الحج، فيكون قد حلق قبل جمرة العقبة. اللخمي: ويهدي لتأخير الحلاق. ومن ذهب إلى حمل كلام ابن ميسر على الخلاف. ابن راشد: لقوله بعد كلام المصنف: قال مالك في الموازية: إذا نسي ما أحرم به فهو قارن، وقاله أشهب. وقال غيره: يحرم بالحج ويعمل حينئذ على القران وهذا هوا لذي ذكره في الأصل انتهى. وأشار اللخمي إلى أن جواب أشهب إنما هو في حق أهل المدينة الذين يعرفون العمرة. وأما أهل المغرب فإنما يحرمون بالحج ولا يعرفون غيره.
فرع:
فإن شك هل أفرد أو قرن تمادي على نية القران وحده قاله اللخمي.
وَ
سَنَنُ الإحرام
الْغُسْلُ تَنْظِيفاً، وَلِذَلِكَ سُنَّ لِلْحائِضِ
بريد: سواء كان الإحرام بحج أو عمرة. ابن حبيب: ومن اعتمر من التنعيم فأحب إلى أن يغتسل.
ابن عبد السلام: واستدلال المصنف على أنه للنظافة لا للتعبد بأنه مسنون للحائض لايتم إلا على تقدير ألا يُشْرَع لتنظيف الجسد، وذلك لا يقول به أحد فيما تعلم. ولا امتناع في تعبد الحائض والنفساء به. ويلزم على مذهبه أيضاً أن لا يفتقر إلى نية.
خليل: وقد يقال: معنى التنظيف كونه يندلك فيه ويتنظف بخلاف ما بعده من الاغتسالات فإنه يقتصر فيه على إمرار اليد.
سند: وإذا عدم الماء فلا يتمم له كغُسل الجمعة خلافاً للشافعي.
ابن اللواز: وليس في تركه عمداً ولا نسياناً دم. سحنون: وقد أساء.
ابن الكاتب: واختلف علماؤنا إذا أحرم بغير اغتسال هل يغتسل بعد إحرامه أم لا لأن الاغتسال قبل الإحرام وقد فات؟
فرع:
ولو رجت الحائض الطهر فقال مالك: لا تُؤَّخِر الإحرام عن ذي الحجة.
وَفِيهَا: وَلَوِ اغْتَسَلَ بِالْمَدِينَةِ لِلإِحْرَامِ ثُمَّ مَضَى مِنْ فَوْرِهِ أَجْزَأَهُ بِخِلافِ مَنِ اِغْتَسَلَ غُدْوَةً ثُمَّ رَاحَ عَشِيَّةً ....
قوله فيها: (أَجْزَأَهُ) ليس فيه دليل على كراهة هذا أو جوازه ابتداءً، وإن كان بعضهم قال: ظاهره الكراهة. وحكى بعضهم قولين: الجواز من غير ترجيح. والثاني: لعبد الملك وسحنون [182/ب] استحباب الغسل بالمدينة على شرط الخروج في الحال إلى ذي الحليفة، ومال إليه ابن حبيب. عياض: وهو ظاهر المذهب وجعل بعضهم استحباب ابن الماجشون خلاف الكتاب. انتهى.
واحتج ابن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلى الظهر بالمدينة والعصر بذي الحليفة وبها بات وبها أمر أسماء أن تغتسل". قال مالك: ولا بأس لمن اغتسل بالمدينة أن يلبس ثيابه إلى ذي الحليفة فينزعها إذا أحرم. وفي الموازية: إذا اغتسل بكرة وتأخر خروجه إلى الظهر كرهته وهذا طويل. قال بعضهم: وظاهره أنه يجتزئ به. قال: وهو خلاف المدونة. وكأنهم راعوا هنا الاتصال كغسل الجمعة.
فائدة:
قال ابن بشير: استحب بعض أهل المذهب أن يقلم أظافره ويزيل ما على بدنه من الشعر الذي يؤمر بإزالته لا شعر رأسه فإن الأفضل له إبقاؤه طلباً للشعث في الحج. وإن ليده بصمغ أو غاسول فهو أفضل ليقتل دوابه انتهى.
وظاهر كلام مالك في الموازية وكلام غيره إباحة التلبيد لا استحبابه؛ لقولهم: لا بأس.
قال مالك في المجموعة: وللرجل أن يكتحل قبل إحرامه. قال في المدونة: وأن يدهن بالزيت والبان غير المطيب وبالزئبق غير المطيب. قال مالك في الموازية: ولا بأس أن تمتشط المرأة رأسها قبل الإحرام بالحناء وبما لا طيب فيه ثم تحرم. وكذلك لها أن تختضب.
ابن المواز: وإذا انتفض شعرها فلا بأس أن تعقده.
وسئل مالك عن صاحب الإِبْرِيَةُ تكون برأسه يريد أن يجعل الخل فيها قبل أن يحرم، قال: لا يعجبني ذلك، وأخاف أن يقتل القمل. قيل: به ضرورة، أيجعله ويفتدي؟ قال: لا يفعله ويصبر حتى يحل أحب إلي، قاله في المجموعة والعتبية. وفي العتبية: في امرأة جعلت في رأسها زاووقاً في المدينة ثم أحرمت في ذلك اليوم، قال: أرى أن تفتدي مخافة أن يكون الزاووق قد قتل قملاً بعد الإحرام وثبت ذل في رأسها اليوم واليومين.
وَهُوَ ثَلاثَةً للإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ لِغَيْرِ الْحَائِضِ بِذِي طُوىً، وَلِوُقُوفِ عَرَفَةَ
أي: والغسل ثلاثة:
الأول: للإحرام وقد تقدم.
والثاني: لدخول مكة. الباجي: والغسل في الحقيقة للطواف بديل عدم أمر الحائض به مع كونها تدخل مكة. وروي عن مالك: الحائض والنفساء يغتسلان لدخول مكة.
والثالث: الغسل لوقوف عرفة. ويستحب تقديمه على الصلاة والوقوف.
مالك: وغسل الإحرام آكد. وظاهر المذهب الاقتصار على هذه الثلاثة.
وفي الجلاب: يغتسل لأركان الحج كلها، فعلى قوله يغتسل لطواف الإفاضة.
وفي النوادر عن أشهب: لولا أنه لم يؤمر بالغسل لزيارة القبر ولرمي الجمار لأحببت ذلك، ولكن أخاف ذريعة استنانه أو إيجابه، ولو فعله أحد في خاصة نفسه رجوت له خيراً.
وقوله: (بذِي طُوىً) أي: ليتصل غسله بدخوله. ومن لم يأت على ذي طوى اغتسل من نحوها. والمعروف من المذهب في غسل دخول مكة غسل عرفة غسل الجسد والرأي.
وعن ابن حبيب: أنه يغسل جسده دون رأسه.
وذي طوى: قيل هو ربط من أرباط مكة. وهو بفتح الطاء مقصور. قاله الأصمعي، قال: والذي بطريق الطائف ممدود. وضبطه بعضهم بكسر الطاء وبعضهم بضمها.
وَخُصُوصِيَّتُهُ لُبْسَ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ لِلرِّجَالِ
أي: السّنَّةُ الثانية لبس إزار ورداء ونعلين، ومقتضى كلامه أن هذا اللباس هو السُنَّة. وكلام ابن شاس وصاحب الذخيرة مثله. وفي البيان: الاختيار للمحرم أن يحرم في ثوبين يَتَّزر بأحدهما ويضطبع بالآخر، وهو أن يشتمله ويخرج منكبه الأيمن ويأخذ طرف الثوب من تحت إبطه اليمن ويخرج طرفه الأيسر من تحت إبطه الأيسر فيلقبه على منكبه الأيمن، فإن كان قصيراً لا يثبت إلا بعقده في قفاه اتَّزَر به.
وَيُصَلِّي رَكَّعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنِ اتَّفَقَ فَرْضٌ أَجْزَأَ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ نَهْيٍ انْتُظِرَ إِنْ أَمْكَنَ
السُنَّةُ الثالثة أن يحرم إثر صلاة. والمستحب أن تكون نافلة؛ ليكون للإحرام صلاة تخصه. ويدل على الاستحباب قوله: (فَإِنِ اتَّفَقَ فَرْضٌ أَجْزَأَ) وفي المذهب قولٌ أنه لا رجحان للنافلة.
ابن يونس: وإنما قلنا بالإجزاء إذا أحرم عقب فريضة؛ لأنه اختلف في إحرامه عليه الصلاة والسلام هل كنا عقب فريضة أو نافلة؟ فإن أحرم بغير صلاة فلا دم عليه.
وَيُحْرِمُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِذاَ رَكِبَ أَوْ تَوَجَّهَ وَيُقَلِّدُ هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يُحْرِمُ عَقِيبُهُ ....
يعني: أنه لا يُحْرِمُ من المسجد بل إذا خرج منه، وهذا إذا كان ثَمَّ مسجد وإلا يفحرم بعد أن يركع. ولا يتوقف الإحرام على مشي راحلته على المشهور، بل بمجرد الاستواء خلافاً لابن [183/أ] حبيب. وكذلك الماشي يحرم من حين يخرج من المسجد متوجهاً للذهاب، ولا ينتظر أن يخرج إلى البيداء، قاله مالك فيا لمدونة. فإن قلت: فَلِمَ قال فيها إن الماشي لا يُحْرِمُ حتى يَشْرَعَ في المشي بخلاف الراكب فإنه يحرم بمجرد ركوبه؟ قيل: قال أبو عمر: إن الفرق بينهما أن الراكب لا يركب دابته إلا للسير، والراجل قد يقوم بحوائجه، فشروعه في المشي كاستوائه على دابته.
عياض: ويهل مستقبل القبلة؛ لأنها إجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام؛ ولا تُجِبْ أحداً مولياً ظهرك عنه، قال مالك في العتبية والموازية: ويجبر الكري أن ينيخ بالمكتري بباب مسجد ذي الحليفة حتى يصلي ثم يركب. وليس له أن يقول: اذهب فصلّ ثم ارجع إليَّ. يريد لان العرف كان جارياً بذلك.
قوله: (وَيُقَلِّدُ هَدْياً) يريد قبل أن يركع؛ ليتصل إحرامه بركوعه، وهذا هو مذهب المدونة. ولمالك في المبسوط تأخير التقليد والإشعار عن الركوع. وهذا في هدي التطوع. وأما هدي التمتع فقد تقدم أنه إنما يجب بإحرام الحج.
ثُمَّ يُلَبِّي عِنْدَ الأَخْذِ فِي السِّيْرِ رَاكِباً أَوْ مَاشِياً رَافِعاً صَوُتَّهُ غَيْرَ مُسْرِفٍ إِلا النِّسَاءَ
يعني: وبعد أن يحرم يلبي عند الأخذ في السير رافعاً صوته غير مسرف. أي غير معلٍ لصوته جداً لئلا يعقر حلقه. والمشهور أنه يرفع صوته بها في المسجد الحرام ومسجد
منى فقط. قيل: لأنهما بنيا للحج. وقيل: للأمن فيهما من الرياء. وعن مالك أنه يرفع في المساجد التي بين مكة والمدينة.
وقوله: (إِلا النِّسَاءَ) مستثنى من قوله: (رَافِعاً صَوْتَّهُ) ابن عبد البر: أجمعوا أن السُنَّة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تُسْمِعَ نفسها.
وَيُجَدِّدُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَسَمَاعِ مُلَبٍّ إِلَى رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ، وَقِيلَ إِلَى الْحَرَمِ، وَإِنْ لَبَّى فَهُوَ فِي سَعَةٍ .....
قال في الجواهر: السُنَّةُ الرابعة أن يجدد التلبية. وقوله: (وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ) ويريد الفرض والنفل، قاله ابن المواز وابن حبيب وغيرهما. وتلبي الحائض والجنب. وفي تلبية من رجع لشيء نسيه في رجوعه روايتان.
وقوله: (إِلَى رُؤْيَةِ الْبَيْتِ
…
إلخ) هذا في حق المحرم بحج. وأما العمرة فسيأتي. ومقتضى كلامه أن المشهور أنه يلبي إلى رؤية البيت. وحكى ابن بشير أن المشهور قطعها إذا دخل بيوت مكة.
خليل: وما شهره ابن بشير هو مذهب الرسالة لقوله فيها: فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية. ومذهب المدونة خلاف ما شهره المصنف وابن بشير؛ لقوله فيها: ويقطع التلبية حين يبتدئ الطواف. وروى ابن المواز: إن كان أهَلَّ من الميقات قطع التلبية أوائل الحرم. وقوله: (فَإِنْ لَبَّى فَهُوَ في سَعَةٍ) أي: فإن لبى بعد مقتضى كل قول فهو في سعة.
ثُمَّ يُعَاوِدُهَا بَعْدَ السَّعْيِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إِلَى رَوَاحِ الْمُصَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى رَوَاحِ الْمَوْقِفِ أَوْ إِلَى الزَّوالِ لَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَمُحَمَّدٍ، وَاِسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ .....
كلامه صريح في أنه لا يلبي في السعي وهي رواية ابن المواز عن مالك. وروى أشهب يعاودها إذا فرغ من الطواف.
وقوله: (فِي الْمَسْجدِ) أي: الحرام. وقوله: (إِلَى رضوَاحِ الْمُصَلِّي،،،إلخ) يعني: وفي محل قطع التلبية ثلاث روايات:
الأولى لابن القاسم في المدونة: إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة وهي التي رجع إليها مالك. قال في المدونة: وثبت مالك على هذا وعَلِمنا أنه رأيه. قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر ويكبر بين ظهراني خطبته. ابن الجلاب متمماً لهذه الرواية: إلا أن يكون أحرم بالحج من عرفة فيلبي حتى يرمي جمرة العقبة انتهى.
ابن المواز: والعبد يعتق بعرفة فيُحْرِم ويلبي لأنه لا يكون إحرام إلا بتلبية، ثم يقطع التلبية مكانه. وكذلك النصراني يسلم. وذكر الباجي ما ذكره ابن المواز عن مالك. وذكر ابن الماجشون أن العبد والحر إذا أحرما من عرفة يلبيان لجمرة العقبة.
الثانية لأشهب: إذا راح إلى الموقف واختاره سحنون. ثم الغالب في زماننا نداخل هاتين الروايتين لأنهم يصلون في موضع الوقوف ويتركون السُنَّة وهي الصلاة بمسجد عرفة.
الثالثة لمحمد بن المواز: يقطعونها إذا زالت الشمس. قد علمت من كلامنا أن الأولى من الروايات راجعة إلى الأول من الرواة، والثانية إلى الثاني، ووجه في البيان الأولى فقال: وإلى عرفة غاية التلبية؛ لأن منها دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الناس، ومن حكم المدعو أن يجيب الداعي حتى يصل إليه، ولا وجه لإجابته إياه إذا انصرف عنه.
قال بعضهم: وعليه إجماع أهل المدينة. ابن محرز: وكان أبو علي بن خلدون يذهب إلى أن الروايات الثلاثة ترجع إلى قول واحد ويقول: إن رواحه إلى المسجد ورواحه إلى الموقف لا يكون إلا بعد الزوال. والصواب: أنها ترجع إلى قولين؛ لأن رواح الناس إلى الموقف بعد الصلاة في المسجد انتهى.
وحكى القاضي في إشرافه رواية أخرى أنه يلبي حتى يرمي جمرة العقبة. وإليه [183/ب] مال اللخمي لما في مسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمي جمرة العقبة".
وَالْمُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ يُلَبِّي فِي الْمَسْجِدِ أَيْضاً
هو ظاهر التصور.
وَالْمُعْتَمِرُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِلَى رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنَ الْقُرْبِ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ أَوْ إِلَى الْمَسْجِدِ
…
يعني: أن من فاته الحج يعتمر ويكون حكمه في عمرته حكم من أحرم بها من الميقات. وما ذكره المصنف عكس ما نص عليه الجميع، فإنهم يقولون إن المحرم بالعمرة من المواقيت يقطع التلبية إذا دخل المحرم؛ لأن زمانه قد طال في التلبية. وقال في المدونة: وكذلك من فاته الحج أو أحصر بمرض حتى فاته الحج فإنه يقطع التلبية إذا دخل أوائل الحرم. وإن اعتمر من التنعيم أو الجعرانة فلا يقطع حتى يدخل بيوت مكة. وقال في الجلاب: إن احرم بها من الميقات قطع إذا دخل المحرم. وإن أحرم بها من الجعرانة، قطع إذا دخل بيوت مكة. وإن أحرم بها من التنعيم قطع إذا رأى البيت لتسويته فيها بين المحرم من الجعرانة والتنعيم.
اللخمي: ورد مالك في المختصر المعتمر إلى الحج فقال: إن لبى حتى يدخل في المسجد فواسع.
ابن بشير: وإنما تكلم مالك على إسقاط الحرج في ذلك لا على ما يؤمر به ابتداءً.
وَلا يُلِحُّ وَلا يَسْكُتُ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
يعني: لا يلح في التلبية حتى يعقر حلقه ولا يسكت حتى تفوت الشعيرة.
وَلَوْ أَفْسَدَهَ بَقِيَ عَلَى تَلْبيَتِهِ كَغَيْرِهِ
أي: كغير المفسد لوجوب التمادي فيه.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ مِنْ ثِنْيَّةِ كَدَاءٍ - مَوْضِعٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ- يَنْزِلُ مِنْهَا إِلَى الأَبْطَحِ، وَالْمَقْبَرَةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدىً- مَوْضِعٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ - وَالنَّهَار أَفْضَل، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَيَسْعَى
(كَدَاءٍ) الأول مفتوح الكاف ممدود ومهموز غير منصرف لأنه علم. والثاني مضموم الكاف منون مقصور. ابن عبد السلام: هكذا ضبطه الجمهور وهو الصحيح. وقال بعضهم بالعكس انتهى. وضبط ابن شاس وابن راشد الثاني بضم الكاف، وفتح الدال وتشديد الياء على التصغير. وقال ابن الفاكهاني: لم أسمع الأول إلا بالمد والتنوين. وقال ابن دقيق العيد في شرح العمدة: المعروف في الثاني ضم الكاف والقصر. وثم موضع آخر يقال له: الكُدَيّ بضم الكاف وفتح الدال، وتشديد الياء وليس هو الثنية السفلى انتهى.
والأصل في استحباب ما ذكره فعله عليه الصلاة والسلام.
وقوله: (وَالْمَقْبَرَةُ عَنْ يَسَارِه) لعله في الزمان المتقدم. وأما اليوم فبعضها عن يساره، وبعضها عن اليمين.
وقوله: (وَالنَّهَار أَفْضَل) لما رواه البخاري من حيث ابن عمر رضي الله عنه: "بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة" قال في المدونة وغيرها: وواسع أن يدخل ليلاً. اللخمي: قال محمد إن قدم بعد العصر أقام بذي طوى حتى يمسي ليصل بين طوافه وركوعه، وإن دخل فلا بأس بتأخير الطواف، فإن طاف أخر الركوع والسعي حتى تغرب الشمس، فيركع ويسعى إن كان بطهر واحد. فإن
انتقض وضوؤه توضأ وأعاد الطواف. ويقدم المغرب على ركعتي الطواف، فإن دخل قبل طلوع الشمس فالمذهب أنه لا يطوف، فإن طاف فلا يركع حتى تطلع الشمس. وجوز مطرف الركوع للطواف بعد الصبح. فعلى قوله يدخل فيطوف. انتهى.
واستحب مالك للمرأة إذا قدمت نهاراً أن تؤخر الطواف إلى الليل.
مالك: وما سمعت رفع اليدين عند رؤية البيت وعند الركن.
واستحب ابن حبيب إذا رأى البيت أن يرفع يديه ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيينا ربنا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً ومهابة وتكريماً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيماً.
وَهُمَا وَاجِبَانِ قَبْلَ عَرَفَاتٍ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ غَيْرَ مُرَاهِقٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَاضِرٌ أَوْ غَيْرُهُ ....
الضمير في: (هُمَا) عائد على الطواف والسعي، واحترز بقوله:(أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ) ممن أحرم من الحرم، فإنه لا طواف قدوم عليه لكونه ليس بقادم. وبقوله:(غَيْرَ مُرَاهقٍ) من المراهق فإنه يخرج لعرفات ولا دم عليه. قوله: (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ) أي: أنهما يجيبان على القادم ولو كان مكياً وخرج إلى الميقات.
ومقتضى ما نقلوه عن أشهب أن طواف القدوم ليس بواجب؛ لأنه أسقط الدم عمن تركه عامداً، وحكى ابن عبد البر قولاً في المذهب بركنيته كطواف الإفاضة.
وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ لا يَسْعَى بَعْدَهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ كَالْْمُرَاهِقِ، وَأَمَرَ مَالِكٌ أَهْلَ مَكَّةَ وَكُلَّ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ بِذَلِكَ ....
سقط طواف القدوم في حق من أحرم بالحج من الحرم أو أردف فيه قبل عرفة لكونه ليس بقادم، ولما كان السعي مشروطاً بتقديم أحد طوافي الحج، وسقط طواف القدوم في حق من أحرم من الحرم تعيين تأخير السعي بعد طواف الإفاضة.
قوله: (وَلِذَلِكَ لا يَسْعَى بَعْدَهُ) أي: لو أوقع طوافاً فلا يسعى [184/أ] بعده لكونه ليس أحد طوافي الحج. وقوله: (وَأَمَرَ مَالِكٌ
…
إلخ). الإشارة بذلك إلى تأخير السعي ليوقع بعد طواف الإفاضة.
وَلَوْ سَعَى وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ مُقْتَصِراً أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ
يعني: لو سعى المحرم بالحج من الحرم أو المردف فيه بعد طواف أوقعه فإنه يؤمر بأن يعيده بعد طواف الإفاضة، فإن لم يعده واقتصر على سعيه الأول ورجع إلى بلده قال في المدونة: أجزأه سعيه الأول وعليه دم وذلك أيسر شأنه، وأما المراهق إذا قدم الطواف والسعي وأدرك فلا شيء عليه؛ لأنه أتى بما هو أصل في حقه.
وَيَتْرُكُهُ الْمُرَاهِقُ وَالْحائِضُ، فَإِنْ كَانَ إِحْرَامُهُمَا بِعُمْرَةٍ أَرْدَفَا الْحَجَّ، وَصَارَا قَارِنَيْنِ، وَإِلا فَعَلَى مَا كَانَا
…
يعني: أن المراهق والحائض يتركان طواف القدوم، ولا يسعيان إلا بعد طواف الإفاضة، فإن كانا أحرما بعمرة أردفا الحج ويصيران قارنين.
وقوله: (وَإِلا فَعَلَى) أي: وإن لم يكونا أحرما بعمرة فإنهما يمضيان على ما كانا من إفراد أو قران. الباجي: ومتى يكون الحاج مراهقاً؟ قال أشهب: إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير طوافه، وإن قدم يوم التروية أحببت تعجيله، وله في التأخير سعة، رواه أبو محمد في المختصر عن مالك، وإن قدم يوم عرفة فليؤخر إن شاء، وإن شاء طاف وسعى، وإن قدم يوم التروية ومعه أهله فليؤخر إن شاء، وإن لم يكن معه أهله فليطف ولْيَسْعَ، ومعنى ذلك أن الاشتغال يوم عرفة بالتوجه إلى عرفة أولى، وأما يوم التروية فمن كان معه أهله كان في شغل مما لابد للمسافر بالأهل منه والله أعلم.
فائدتان:
الأولى: قال في البيان: لا خلاف عن مالك وأصحابه أن مكة فتحت عنوة، إلا أنهم اختلفوا هل مَنَّ على أهلها بها فلم تقسم كما لم يُسب أهلها لما عظم الله من حرمتها أو هل أقرت للمسلمين؟ وعلى هذا جاء الاختلاف في كراء بيوتها. فعن مالك في ذلك ثلاث روايات: أحدها المنع. والثاني الإباحة. والثالث الكراهة في أيام المواسم خاصة انتهى.
الثانية: في النوادر قال ابن حبيب: ويستحب أن تكثر من شرب ماء زمزم والوضوء به ما أقمت. قال ابن عباس: وليقل إذا شربه: اللهم إني أسألك علماً نافعاً وشفاء من كل داء.
وقال وهب بن منبه: هي شراب الأبرار، طعام وطعم وشفاء من كل سقم. قال ابن عباس: هو لما شرب له، وقد جعله الله لإسماعيل ولأمه هاجر طعاماً وشراباً انتهى. ابن حبيب: ويستحب نقله إلى البلدان.
وَوَاجِبَاتُهُ خَمْسَةٌ: الأَوَّلُ شُرُوطُ الصَّلاةِ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ إِلا الْكَلامَ، فَلَوْ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَعَادَ
…
أي: وواجبات الطواف، ولأجل أن الطواف كالصلاة في الستر كره مالك للطائف أن يعري عن منكبيه، وأن يطوف مغطياً الفم، والمرأة منتقبة.
وقوله: (إِلا الْكَلامَ) هذا الاستثناء يحتمل الانقطاع ويحتمل الاتصال بناءً على ما قدمه في الصلاة أن ترك الكلام من شروطها، وإن كان في التحقيق إنما هو مانع. لأن الكلام مطلوب عدمه. أي: فيجوز للحاجة، ويكره إذا كان بغير ذكر ولا حاجة. مالك: وليقل الكلام في الطواف، وتركه في الواجب أحب إلي. وهل تكره القراءة فيه أو لا؟ روايتان. مذهب المدونة الكراهة. وروي تجوز إذا أخفاها في نفسه. وخصص ابن بشير الخلاف في القراءة الكثيرة. وأما اليسيرة فلا بأس بها. وإذا كرهت القراءة فالشعر أولى.
اللخمي: ولا ينشد في الطواف الشعر ويستخف البيتان والثلاثة إذا تضمن وعظاً أو تحريضاً على طاعة. قال في الجلاب: ولا يأكل ولا يشرب.
اللخمي: إلا أن يضطره ظمأ. وكره مالك في المدونة أن يلبي فيه. وأجازه في كتاب محمد. واشترطت الطهارة لفعله عليه الصلاة والسلام، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"الطواف بالبيت صلاة" وهذا هو المشهور. اللخمي: إلا أن يضطره ظمأ. وكره مالك في المدونة أن يلبي فيه. وأجازه في كتاب محمد. واشترطت الطهارة لفعله عليه الصلاة والسلام، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"الطواف بالبيت صلاة" وهذا هو المشهور. اللخمي وغيره: وقال المغيرة: إذا طاف متوضئ يعد طوافه ما دام بمكة، فإذا خرج إلى بلده وأصاب النساء أجزأه ولا شيء عليه. ونقل عنه في الذخيرة أن الطهارة سُنَّة. وأنه إن طاف محدثاً فعليه شاة، أو جنباً فعليه بدنة.
وَإِنْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ رَجَعَ لِلرُّكْنَي إِلا أنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعاً فَيُجْزِئُهُ، وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ .....
يعني: فإن طاف غر متطهر ولم يعده ورجع إلى بلده، فإنه - يرجع إليه إذا كان ركناً وهو طواف الإفاضة في الحج. وطواف العمرة. فأما طواف القدوم إذا طافه من غير وضوء وأوقع السعي بعده ول يعده فإنما يرجع للسعي. وما ذكره من الرجوع جار على المشهور من اشتراط الطهارة. وأما على قول المغيرة فليهد ولا شيء عليه.
قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ طَافَ) هو كقوله في المدونة: ومن طاف للإفاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده فيطوف للإفاضة إلا أن يكون قد طاف بعده تطوعاً يجزئه عن طواف الإفاضة. اللخمي: قال ابن عبد الحكم: لا يجزئه. وأصل المذهب أنه لا يجزئ التطوع عن الواجب، كمن تطوع بركعتين ثم ذكر أن صلاة الفجر، أو يصوم يوماً ثم ذكر أن عليه يوماً انتهى. ابن عبد السالم: وحمل بعضهم المشهور على أنه إنما كان ذلك نسياناً بخلاف العمد. وظاهر كلام غيره [184/ب] ولو كان على سبيل العمد. ويقرب من المشهور من قاله عبد الملك فيمن تطوع بالرمي وقد نسي جمرة العقبة، أن ذلك يجزئه. وهي
أشد من الطواف؛ لأن التقرب بالطواف مشروع على الإطلاق بخلاف الرمي، فإنه يتقرب به على وجه ما، في زمن ما. لا سيما وابن الماجشون يرى أن جمرة العقبة ركن انتهى.
وقوله: (وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ) ظاهر المدونة سقوطه. وقد صرح ابن يونس بذلك فقال عبد الكلام الذي حكيناه عن المدونة: يريد ولا دم عليه. ويمكن أن يقال بوجوب الدم للخلل الحاصل بعدم نية الوجوب. ولعل المصنف لما تعارض عنده ظاهر المدونة والخلل المذكور قال: (وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ).
فرع:
وهل يجزئ طواف القدوم عن طواف الإفاضة؟ ظاهر المذهب عدم الإجزاء وهو مذهب ابن القاسم وغيره. وذكر ابن عبد البر في الكافي عن ابن عبد الحكم انه قال: إن طاف الذي أحرم من مكة وسعى قبل خروجه إلى منى، أعاد الطواف قبل أن يصدرن فإن صدر ولم يطف بالبيت فليهرق دماً. قال أبو عمر: فإن كان طواف الذي يحرم بالحج من مكة وسعيه في حين خروجه من مكة إلى منى ينوب عنده مع الدم عن طواف الإفاضة فيما ذكره ابن عبد الحكم عن مالك وكذلك ذكر أبو الفرج عنه، كان طواف القادم من الحل وسعيه أولى بذلك؛ لأنه وضع الطواف موضعه انتهى.
وَيَرْجِعُ حَلَالاً إِلا مِنَ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ؛ لأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ بِمِنًى حَتَّى يَطُوفَ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي، وَقَيِلَ لا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَطَأَ، وَجلُّ النَّاسِ لا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَلا حَلْقَ؛ لأَنَّهُ حَلْقٌ بِمِنًى
…
قال في المدونة: والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما يدخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف الموقف ثم رجع إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الإفاضة على غير وضوء ولم يسع حتى رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد والطيب ولبس الثياب - فليرجع لابساً للثياب حلالاً إلا من النساء
والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى ثم يعتمر ويهدي، وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي لأنه قد حلق بمنى، ولا شيء عليه في لبس الثياب لأنه لما رمى جمرة العقبة حل له اللباس، بخلاف المعتمر؛ لأن المعتمر لا يحل له اللباس حتى يفرغ من السعي، ولا شيء عليه في الطيب؛ لأنه بعد رمي جمرة العقبة فهو خفيف، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء، ولا دم عليه لتأخير الطواف الذي طافه حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفاً؛ لأنه لم يتعمد ذلك وهو كالمراهق، والعمرة مع الهدي تجزئه من ذلك كله، وجل الناس يقولون لا عمرة عليه انتهى.
وعلى هذا ففي كلام المصنف نظر؛ لأنه جعل هذه المسألة مفرعة على تلك، وكأنه يقول: إذا طاف طواف الإفاضة على غير وضوء فإما أن يكون قد طاف بعده أو لا؟ فإن طاف بعده أجزأه وفي الدم نظر. وإن لم يطف بعده رجع.
قوله: (وَيَرْجِعُ حَلالاً إلا منَ النِّسَاءِ
…
) وما ذكر إلى آخره وهو في المدونة قد جعل كل مسألة مستقلة، ولم يذكر أنه يرجع حلالاً إلا من النساء والصيد والطيب إلى آخره، إلا في مسألة الراجع للسعي، لا في حق من طاف للإفاضة بغير وضوء. ولم يحسن المصنف سياقة المسألتين كما هما في المدونة، وقد قدمنا لفظ مالك في المدونة في المسألة السابقة، وذكرنا لفظه في هذه المسألة، ويبين لك ذلك أن قول المصنف في الأولى:(وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ) يدل على أنه لا عمرة عليه.
ابن عبد السلام: وكذلك هو الحكم، ولم يتعرض أحد ممن تكلم على المسألة فيما علمت على العمرة انتهى. وههنا لم يختلف في طلب العمرة على الجملة وإنما اختلف هل يؤمر بها على الإطلاق أو بشرط أن يطأ؟ وقد يجاب على هذه بأن المصنف إنما ذكر الخلاف في طلب العمرة إذا لم يطف بعده تطوعاً وإنما قال:(وَفِي الدَّمِ نَظَرٌ) إذا طاف بعده تطوعاً. والمصنف لم ينقل قوله: (وَيَرْجِعُ حَلالاً إِلا مِنَ النِّسَاء
…
إلخ) عن المدونة. والظاهر أنه
لا فرق بين ما إذا طاف للإفاضة بغير وضوء، أو طاف للقدوم بغير وضوء ثم سعى بعده. وقد ظهر لك أن قوله:(ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي) وقيل: لا عمرة عليه إلا أن يطأ، وهو مثل لفظ المدونة. والظاهر قول جل الناس: لأن العمرة إنما كانت عليه لأجل الخلل الواقع في الطواف بتقديم الوطء عليه فأمر أن يأتي بطواف صحيح لا وطأ قبله وهوحاصل في العمرة، بخلاف ما إذا لم يطأ.
وقوله: (وَلا حَلْقَ) يوهم أيضاً أنه من قول جل الناس، وليس كذلك بل هو المذهب، وإنما جاء هذا من تأخيرها عن حلها، ولو أتى بها في محلها كما فعل في المدونة لم يأت هذا.
تنبيه:
عارض التونسي قوله في المدونة: ولا دم عليه لتأخير الطواف الذي طافه بقوله: فيمن نسي الطواف أن عليه الدم، فإن كان قال هنا الدم خفيف وقد نص في المدونة على وجوب الدم على الذي طاف وسعى وفعل أفعال الحج كلها جُنُباً، فقال: يغتسل ويعيد الطواف والسعي وعليه الدم. أبو إسحاق: ولعمري هو الأشبه ولا فرق بين من نسي الطواف جملة أو طاف بلا وضوء لأنه كالعدم. وفرق أبو عمران بينهما بأن من طاف بلا وضوء أتى بصورة الطواف فكان أخف، لا سيما وأبو حنيفة لا يشترط الطهارة [185/أ]، ولأن صلاة المأموم بصلاة الإمام الناسي للجنابة صحيحة.
وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْقُدُومِ إِذَا كَانَ السَّعْيُ بَعْدَهُ إِلا أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى، وَنِسْيَانُ بَعْضِهِ كَجَمِيعِهِ، إِلا أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ ....
أي: وكذلك أيضاً يرجع إذا أوقع السعي بعد طواف القدوم بغير وضوء وقد تقدم أنه في الحقيقة إنما يرجع للسعي.
وقوله: (إلا أن يَطُوفِ ويَسْعى) أي: لأن من شرط السعي أن يتقدمه طواف.
وقوله: (وَنِسْيَانُ بَعْضِهِ) أي: بعض الطواف الركني؛ أي: في وجوب الرجوع، وهذا هو ظاهر المذهب، وإليه رجع ابن القاسم بعدما كان يخفف الشوط والشوطين وكذلك إن شك في ذلك فليرجع.
وقوله: (إِلا أَنَّهُ يَبْنِي) يعني على ما فعله إذا كان قريباً فإن تذكر في سعيه فإنه يقطع السعي ويكمل طوافه ويعيد الركعتين ثم يأتي بالسعي، فإن ذكر بعد إكمال سعيه فسيقول المصنف أنه يبتدئ الطواف على المشهور، وفي المدونة: إذا ن قريباً بنى وركع وأعاد السعي، وإن طال ذلك وانتقض وضوءه أو ذكر ذلك في طريقه او ببلده رجع فابتدأ الطواف، وإن كنا قد جامع فليرجع ويفعل كما وصفنا أي: فيمن طاف على غير وضوء قاله ابن يونس. وقد ذكر بعضهم أن الحكم في تفريق المتعمد كما في الناسي، فيفرق بين اليسير منه والكثير، فإن قيل: هل يصح أن يعود الضمير في قوله: (وَنِسْيَانُ بَعْضِهِ) على السعي؟ قيل: السياق يبعده؛ لأن الكلام الآن إنما هو في الطواف.
أَمَّا طَوَافُ عُمَرَتِهِ فَيَرْجِعُ لَهُ مُحْرِماً كَمَا كَانَ فَيَحْلِقُ وَيَفْتَدِي مِنَ الْحَلْقِ الْمُتَقَدِّمِ إِلا أَنْ يَكَوُنَ مُعْتَمِراً وَقَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعِيِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَارناً
يعني: أنه إذا تذكر أنه طاف في عمرته بغير وضوء أو نسيه أو شوطاً منه بعد أن حلق فإنه يرجع محرماً؛ لأنه لم يتحلل، ويحلق؛ لأنه حلق أولاً في غير محله ويفتدي من الحلق المتقدم؛ لأنه أوقفه وهو محرم، إلا أن يكون أحرم بالحج بعد سعيه فإنه يصير قارناً؛ لأنه أردف الحج على العمرة قبل صحة طوافها، ويجب عليه دم القران والله أعلم.
وَلَوِ انْتَقَضَ فِي أَثْنَائِهِ تَطَهَّرَ وَاِسْتَانَفَ، وَلَوْ بَنَى كَانَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ خِلافاً لابْنِ حَبيبٍ .....
إنما كان إذا بنى بمنزلة من لم يطف لفقدان الشرط - وهو الطهارة- كالصلاة. وظاهر كلامه أنا خلاف ابن حبيب بعد الوقوع لا ابتداءً، وأنه هو الذي قال ذلك. والذي قاله ابن يونس أن ابن حبيب روى عن مالك أنه إذا أحدث في الطواف فليتوضأ ويبني. وظاهره أن له أن يفعل ذلك ابتداءً. ووجْهُهُ انحطاط رتبته عن الصلاة. ونقل صاحب النوادر والباجي عن ابن حبيب أنه قال: إن انتقض وضوءه قبل الركعتين ابتدأ الطواف إذا كان واجباً، وهو مخير في التطوع.
فرع:
فإن رعف وهو في الطواف بنى كما في الصلاة، قاله ابن حبيب.
وَلَوْ طَافَ بِنَجَاسَةٍ طَرَحَهَا مَتَى ذَكَرَ وَبَنَى، فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فَفِي اسْتِحْبَابِ إِعَادَتِهِمَا قَوْلانِ، بَنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَهُمَا بَاقٍ أَوْ مُنْتَقِضٌ بِفَرَاغِهِمَا
قوله: (طَافَ) أي: شرع في الطواف؛ لقوله: طرحها متى ما ذكر، وقوله:(طَرَحَهَا مَتَى ذكَرَ) يؤخذ منه خفة أمر الطواف بالنسبة إلى الصلاة؛ لأن المذهب في الصلاة القطع. قال أشهب هنا بقطع إن كانت النجاسة كثيرة كالصلاة. قال في البيان: وهو القياس أِهب: وإن لم يعلم إلا بعد الإكمال أعاد الطواف والسعي فيما قرب إن كان واجباً، وإن تباعد فلا شيء عليه ويهدي وليس بواجب، وإن كان متعمداً أعاد وإن بَعُدْ.
عبد الحق: وقول أشهب: "إن كان كثيراً" إنما يصح في الدم خاصة. وقال ابن القاسم: إذا لم يذكر إلا بعد الفراغ منه فلا يعيد بمنزلة من صلى بنجاسة ثم رءاها بعد خروج الوقت. ويقلع الثوب ويصلي الركعتين بثوب طاهر.
قوله: (وَإنْ ذَكَر بَعْدَ رَكْعَتَي الطَّوَافِ فَفِي اسْتِحْبَابِ إِعَادَتِهِمَا
…
إلخ) واستحباب إعادتهما لابن القاسم. وابن المواز قال يعيدهما فقط دون الطواف إن كان قريباً ولم ينتقض وضوءه. فإن انتقض أو طال ذلك فلا شيء عليه كزوال الوقت. ونفي الإعادة لأصبغ، ورأي أن وقتهما قد خرج بالسلام.
ابن يونس: والقياس عندي قول أصبغ. والاستحسان أني عيد ذلك بالقرب ما لم ينتقض وضوءه.
ابن عبد السلام: وهذا الخلاف يشبه الخلاف في مصلي الفائتة بثوب نجس.
اللخمي: وإن صلَّى الركعتين بثوب نجس لم يُعد على أصل ابن القاسم في عدم إعادة الطواف، وأنه بالفراغ منه بمنزلة ما خرج وقته. وفي كتاب محمد يعيد ما دام بمكة. فإن خرج إلى بلده أجزأه ولم يعدهما، ويبعث بهدي. وليس هو بالبين، وأرى أن يعيد ما دام بمكة، ما لم تخرج أيام الرمي لأنه في ذلك مؤد غير قاضٍ. ويختلف إذا خرجت أيام الرمي ولم يخرج ذي الحجة هل يعيد أم لا؟ فإن خرج ذو الحجة لم يعد لأن الركعتين تابعة للطواف.
الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ كَالطَّهَارَةِ
أي: الواجب الثاني أن يجعل البيت عن يساره. وهو معنى قولهم: لا يطوف منكوساً. وقوله: (وَهُوَ كَالطَّهَارَةِ) أي: فيرجع للركني من بلده إن نكس. وهذا هو المعروف. ابن شاس وغيره: وقيل إذا رجع إلى بلده لا تلزمه إعادة. ولعل قائل ذلك لم يره شرطاً في الصحة وهو بعيد.
وَيَبْتَدِئُ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ
لفعله صلى الله عليه وسلم.
ابن المواز: ولو [185/ب] بدأ في طوافه من الركن اليماني فليلغ ذلك ويتم إلى الركن الأسود. وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده أجزأه ويبعث بهدي، وكذلك إن بدأ بالطواف
من باب البيت إلى الركن الأسود. قيل: فلو ابتدأ الطواف من بين الحجر الأسود والباب، قال: هذا يسير يجزئه ولا شيء عليه.
سند: والبداية عند مالك من الحجر الأسود سُنَّة، فلو بدأ بالركن اليماني تمادى إلى الحجر الأسود، فإن خرج من مكة أجزأه وعليه الهدي لقوله تعالى:(وليطوفوا بالبيت العتيق) وهو قد طاف.
وَفِيهَا: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فِي اِبْتِدَاءِ الطّوَافِ إِلا فِي الْوَاجِبِ، وَحُمِلَ عَلَى التَّأَكُّدِ
…
يعني: أن مفهوم قوله: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَلِمَ
…
إِلا في الْوَاجِبِ) أن عليه ذلك في الواجب، فحمل الأشياخ هذا المفهوم على أنه يتأكد في الواجب أكثر من غيره، وإلا فالاستلام مطلقاً غير واجب، زاد في المدونة بعدما حكاه المصنف عنها: إلا أن يشاء، وهذه الزيادة إن عادت إلى غير الواجب فظاهر، وإن عادت إلى الواجب فهي مما يبين أنه ليس المراد وجوب الاستلام في أول الطواف. وفي الموطأ: أنه عليه الصلاة والسلام قال لعبد الرحمن بن عوف: "كيف صنعت في استلام الركن الأسود؟ " فقال: استلمت وتركت. فقال: "أصبت".
الثَّالِثُ أَنْ يَطُوفَ خَارِجَهُ لا فِي مُحَوَّطِ الْحَجَرِ وَلا شَاذَرْوَانِهِ
أي: فإن طاف في الحجر لم يجزه لكونه قد طاف ببعض البيت. والشاذوران: ما انبسط من أساس البيت ولم يرفع على استقامة. ولأجل أنهم جعلوا الشاذوران من البيت قال بعضهم: إذا قبل الحجر فليثبت رجليه ثم يرجع قائماً كما كان، ولا يجوز أن يقبله ثم يمشي مطأطئ الرأس؛ لئلا يحصل بعض الطواف وليس جميع بدنه خارج عن البيت. وأشار اللخمي إلى أنه لو تسور على آخر الحجر لأجزأه لأنه ليس من البيت. يريد لأن القدر الذي من البيت مقدار ستة أدرع.
دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لا مِنْ وَرَائِهِ وَلا مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَشِبْهِهِ عَلَى الأَشْهَرِ إِلا مِنْ زِحَامٍ
سند: ويستحب الدنو من البيت كالصف الأول.
الباجي: وسنة النساء أن يكن وراء الرجال كالصالة. قال في المدونة: ومن طاف وراء زمزم أو في سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس به، وإن طاف في سقائف المسجد لغير زحام من حر يجده أو غيره أعاد الطواف. قال ابن أبي زيد: يريد ولا يرجع له من بلده. وقال ابن شبلون: يرجع.
الباجي: وقول ابن أبي زيد أقيس، ولا دم عليه. وقال سحنون: لا يمكن أن ينتهي الزحام إلى السقائف، وإنما فرق في المدونة بين الزحام وغيره؛ لأن اتصال الزحام يُصَيِّرُ الجميع متصلاً بالبيت كاتصال الزحام بالطرقات يوم الجمعة. وقال أشهب: لا يجزئ من طاف في السقائف. وهو كالطائف خارج المسجد وخارج الحرم.
ولابن القاسم نحوهما. وألزمهما اللخمي عدم الإجزاء في زمزم وقال: لأنه يحول بينه وبين البيت كما تحول اسطوانات البيت. وفرق القرافي بأن زمزم في بعض الجهات فلا يؤثر كالمقام أو حفير في الطواف. وفي الجواهر لا يطوف من وراء زمزم ولا من وراء السقائف، فلو فعل مختاراً أعاد ما دام بمكة، فإن رجع إلى بلده فهل يجزئه الهدي أم يلزم الرجوع؟ للمتأخرين قولان. انتهى.
ونحوه لابن بشير وشبه زمزم قبة الشراب. وعلى هذا فقوله: (عَلَى الأَشْهَرِ) يحمل على ما ذكر قبل ذلك لا على الابتداء، وإن كان ذلك ظاهر كلامه.
تنبيهات
الأول: ابن هارون: لا خلاف أنه إذا طاف خارج المسجد في نفي الإجزاء. وعلى هذا فقوله: (عَلَى الأَشْهَرِ) عائد على زمزم وشبهه.
الثاني: لم يتكلم المصنف على ما إذا طاف في السقائف. وانظر كيف شهر المصنف الإجزاء في زمزم وشبهه. والخلاف فيه على نقل ابن شاس وغيره للمتأخرين. ولكون ابن القاسم وأشهب لم يتكلما على زمزم خرجها اللخمي على قولهما في السقائف كما تقدم.
الثالث: قد تقدم أن الباجي قال بعد تصويب تأويل ابن أبي زيد بعدم الرجوع: ولا دم عليه، وهو مخالف لما حكاه ابن شاس من أحد القولين أنه يلزمه الدم؛ لأنه إذا لم يلزمه الدم مع طوافه في السقائف فلأن لا يلزمه ذلك إذا طاف وراء زمزم من باب أولى.
الرَّابِعُ أَنْ يَطُوفَ سَبْعاً وَيُوَالِيَ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي سَعْيِهِ أَنَّهُ نَسِيَ بَعْضَهُ قَطَعَهُ وَكَمَّلَ طَوَافَهُ وَأَعَادَ الرَّكْعَتَيْنِ وَسَعَى، فَإِنْ كَمَّلَ سَعْيَهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ عَلَى الْمَشْهُورِ
أما وجوب السبع ابتداءً فظاهر. ويرجع لشوط على المعروف كما تقدم. وقوله: (قَطَعَهُ وَكمََّلَ طَوَافَهُ وَأَعَادَ الرَّكْعَتَيْنِ) تقدم. وقوله: (فَإنْ كَمَّلَ سَعَْهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ عَلَ الْمشْهُورِ) فيه نظر؛ لأنه يقتضي أن المشهور إذا ذكر بمجرد الفراغ من سعيه أنه يبتدئ والذي في المدونة أنه إنما يبتدئ إذا طال أمره بعد إكمال سعيه أو انتقض وضوءه. والقول بالبناء وإن فرغ السعي، ذكره بعضهم، ولعله يرى ذلك قريباً.
فرع:
قال مالك: وإن شك في الطواف بنى على الأقل كالصلاة.
فَإِنْ أُقِيمَتْ فَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ ثُمَّ يَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهُ
ظاهر قوله: (فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ) أنه مخير. وكلامه يقتضي وجوب القطع، كقول الأبهري في تعليل البناء إذا قطع للفريضة: لأن الطواف بالبيت [186/أ] صلاة، ولا يجوز لمن في المسجد أن يصلي بغير صلاة الإمام المؤتم به إذا كان يصلي المكتوبة؛ لأن في ذلك خلاف عليه. وكذلك علل صاحب البيان وهو مقتضى كلام العتبية وهكذا أشار ابن عبد السلام وابن راشد إلى أن ظاهر نصوصهم وجوب القطع.
قال في الموازية: وإن بقي له طواف أو طوافان فلا بأس أن يتمه قبل أن تعتدل الصفوف، وأما المبتدئ فأخاف أن يكثر.
قوله: (ثُمَّ يَبْنِيَ) ظاهر المدونة والموازية من حيث قطع. واستحب ابن حبيب أن يبتدئ ذلك الشوط، ولهذا كان المستحب أن يخرج على كمال الشوط قاله في الذخيرة.
بِخِلافِ قِطَعِهِ لِجَنَازَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِخِلافِ نِسْيَانِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ
أي: الخلاف في البناء لا في القطع؛ لأنه لا يقطع للجنازة ابتداءً ولم أرَ في ذلك خلافاً. ومن النوادر قال مالك: ولا يصلي الطائف على جنازة.
ابن القاسم: وإن فعل فليبتدئ. وقال أشهب: بل يبني. انتهى. وكذلك قال الباجي وغيره. وعلى هذا فالمشهور قول ابن القاسم. ووجهه أنها لما سقطت عنه بفعل الغير وعارضها وجوب الموالاة في طوافه صار كالقاطع من غير عذر. ولعل أشهب قاسها على الفريضة. وأخذ التونسي من التفرقة في المشهور بين الفريضة وصلاة الجنازة أنها ليست فرضاً لقوله فيها: ولا يخرج لشيء إلا لصلاة الفريضة. قال: إلا أن يريد فريضة تتعين عليه في نفسه، وفيه نظر.
تنبيه:
أجاز مالك في العتبية إذا كان في طواف التطوع أن يقطع ويصلي ركعتي الفجر. قال في البيان: خفف قطع الطواف النافلة كما استخف ترك الطواف الواجب لصلاة الفريضة. وقوله: (بخِلافِ نِسْيَانِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ) أي: من المدونة وغيرها. قال في المدونة: ومن طاف بعض طوافه ثم خرج فصلى على جنازة أو خرج لنفقة نسيها فليبتدئ الطواف ولا يبني ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة. مالك: ثم يبني.
ابن بشير: وأجراه اللخمي على القول في الجنازة وجعله أعذر في نسيان النفقة، ويمكن أن يفرق بينهما بأن صلاة الجنازة تشارك الطواف في كونها صلاة. وأشار ابن عبد السلام إلى أنه لا يرد تخريج اللخمي لحصول المشقة الناشئة عن فقد المال، ولهذا يقطع الصلاة لذلك. قال: لكون اللخمي لم يلاحظ هذا، وإنما لاحظ القياس على صلاة الجنازة.
انتهى. وفيه نظر؛ لأن جعل اللخمي كونه أعذر يدل على مراعاة المشقة المذكورة فتأمله. وقد علمت أن مذهب المدونة عدم الخروج للنفقة لقوله: ولا يخرج إلا لصلاة الفريضة. وأن القول بالبناء فيها مخرج على قول أشهب.
خليل: ولو قيل بجواز الخروج للنفقة كان أظهر. كما أجازوا قطع الصلاة لمن أخذ له مال له بال وهي أشد حرمة. وجعل ابن عبد السلام الخلاف في القطع وليس بظاهر.
الْخامِسُ رَكْعَتَانِ عَقِيبَهُ وَفِي وُجُوبَهُمَا - ثَالِثُهَا حُكْمُ الطَّوَافِ
لا خلاف في مشروعيتهما ولا في عدم ركنيتهما وإنما الخلاف هل هما واجبان مطلقاً، وهو اختيار الباجي، أو هما سنة مطلقاً وهو قول عبد الوهاب؟ وقال الأبهري وابن رشد: حكمهما حكم الطواف في الوجوب والندب.
الباجي وغيره: والأفضل أن يركعهما في المقام.
ابن عبد البر: وإن لم يمكنه فحيث تيسر من المسجد ما خلا الحجر. زاد غيره: والبيت وظهره. قال جماعة: ويقرأ فيها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وإن قرأ بغيرهما فلا حرج. ونقله ابن يونس عن ابن حبيب.
وَلا يَجْمَعُ أَسَابِيعَ ثُمَّ يُصَلِّي لَهَا
لأن الركعتين كالجزء من الطواف، فلا يبتدئ طوافاً قبل كمال الأول، وإن شرع في ثان قبل أن يركع للأول قطع ما لم يكمله.
وَلِذَلِكَ لا يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِلا أُسْبُوعاً، وَيُؤَخِّرُهُمَا إِلَى حِلِّ النَّافِلَةِ فَيَصْلُيهُمَا أَيْنَ كَانَ، وَلَوْ فِي الْحِلِّ ....
يعني: ولأجل الركعتين بعد الطواف لكونهما كالجزء لا يطوف بعد الصبح وبعد العصر إلا أسبوعاً واحداً، وحاصله أنه لا يجمع بين أسبوعين فأكثر، كان في وقت
تحل فيه النافلة أم لا، لكنه إذا طاف في وقت تكره فيه النافلة يؤخر ركعتيه لوقت الإباحة فيصليهما بعد طلوع الشمس بعد الغروب بشرط أن لا ينتقض وضوءه، وسينبه المصنف على ذلك.
واستحب مالك أن يركعهما بعد المغرب، وعن مالك أنه مخير.
ابن رشد: والأظهر تعجيل الركعتين لاتصالهما، وأمرهما خفيف. وعن مطرف وابن الماجشون: من طاف بعد الصبح وهو في غلس فلا بأس أن يركع لطوافه حينئذ، وقد فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ابن عبد السلام: وأظنهما لا يقولان بذلك بعد العصر، وهو قريب من تفرقة ابن حبيب في سجود التلاوة بين الوقتين، قال في الموازية: ومن صلى العصر-يعني في منزله - ثم أتى المسجد فطاف قبل أن يصلي الإمام فلا يركع حتى تغرب الشمس، وإن كان يعيد مع الإمام. وقيل فيمن جاء مكة وعلم أنه لا يدرك الطواف إلا بعد العصر أحب إليَّ أن يقيم بذي طوى حتى يمسي. وقال أيضاً فيمن أفاض من منى فوجد الناس قد صلوا العصر: فإن خاف فوات [186/ب] الصلاة بدأ بالطواف ويركع ويصلي العصر. وفي هذا الفرع الأخير نظر. انتهى.
وقوله: (حيث كان) لا يفهم منه أنه مخير بين أن يجلس أو يخرج، بل المستحب أن يركعهما في المسجد قاله الباجي. وفي الموازية: إن حانت الصلاة وهو في منزله أرجو أن يجزئه إن صلاها في منزله. ووقع في الموازية في موضع آخر: قال مالك: وإن طاف للإفاضة بعد الصبح فأصبح إلينا ألا ينصرف حتى يركع الركعتين في المسجد بمكة.
وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَهُمَا
أي: فيفعلهما أين كان ما لم ينتقض وضوءه.
مَا لَمْ يُنْتَقَضُ وَضُوءُهُ، فَإِنِ اِنْتُقِضَ وَبَلَغَ بَلَدَهُ وَتَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ رَكَعَهُمَا وَأَهْدَى مُطْلَقاً وَطِئَ أَم لَمْ يَطَا، فَإِنْ لَمْ يَتَبَاعَدْ رَجَعَ فَطَافَ وَرَكَعَ وَسَعَى ....
أفاد بهذا أن ما ذكره مشروط ببقاء وضوئه. وحاصل كلامه أنه إن أخَّر الركعتين لأجل الوقت أو نسيهما، فإن لم تنتقض طهارته فالحكم أن يركعهما حيث كان ولو في الحل وإن انتقض وضوؤه فصورتان:
الأولى: أن ينضم إلى ذلك التباعد من مكة أو بلوغ البلد والحكم أنه يركعهما ويهدي مطلقاً، سواء وطئ أو لم يطأ.
والصورة الثانية: ألا يحصل أحدهما، فالحكم فيها أنه إن كان الطواف واجباً أنه يبتدئ الطواف بالبيت ويركع ويسعى، ولو كان قد سعى بعد ذلك.
ابن حبيب: وهو مخير في التطوع. وفهم من كلام المصنف الوجوب من قوله: (وَسَعَى) فإن التطوع ليس بعده سعي. وما ذكره المصنف هو ما في المدونة، ولفظها: ومن طاف من غير إبان الصلاة أخر الركعتين، فإن خرج إلى الحل ركعهما فيه، وتجزئانه ما لم ينتقض وضوءه فإن انتقض قبل أن يركع وكان طوافه ذلك واجباً رجع فابتدأ الطواف بالبيت وركع؛ لأن الركعتين من الطواف توصلان به، فإن تباعد فليركعهما ويهدي ولا يرجع.
أبو محمد: يريد وقد سعى؛ يعني: وإن لم يسعَ رجع لأجل السعي، ثم قال فيها: ومن دخل مكة حاجاً أو معتمراً فطاف وسعى ونسي ركعتي الطواف وقضى جميع حجه أو عمرته ثم ذكر ذلك بمكة أو قريباً منها رجع فطاف وركع وسعى. انتهى.
عبد الحق: وقوله: (رَجَعَ فَطَافَ وَرَكَعَ وَسَعَى) يريد وقد انتقض وضوءه فإن لم ينتقض ركع فقط، كمن نسي شوطاً واحداً. فقول المصنف:(رجع وركع وسعى) موافق لما في المدونة.
ونقل ابن المواز قولاً آخر أنه يركعهما ويعيد السعي ولا يعيد الطواف.
وقد تبين لك أن قوله: (انْتُقِضَ) لابد منه. وقول ابن عبد السلام: لا حاجة له، ليس بظاهر. وأن قوله:(وَبَلغَ بَلَدَهُ وتَبَاعَدَ) معناه: أن أحدهما لا على التعيين شرط، وبه تعلم أن ما وقع في بعض النسخ (أو بلغ بلده أو تباعد) لا يصح. بل لا يصح قوله:(بلغ بلده) إلا بالعطف بالواو، وقد ذكر اللخمي عن المغيرة أنه قال: إذا لم يركعهما حتى رجع إلى بلده أنه يرجع ويركعهما.
تنبيه:
وقد علمت من كلامه في المدونة أن كلام المصنف مقيد بالطواف الواجب وأما إن كانت الركعتان من طواف الوداع فليركعهما ولا هدي عليه. رواه ابن حبيب عن مالك.
فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِراً فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ فَيَفْتَدِي
أي: فإن كان هذا الذي لم يتباعد ورجع وركع وسعى معتمراً فلا شيء عليه لعدم موجب الدم عليه، إلا أن يكون أحدث ما يوجب الفدية، كما لو لبس أو تطيب لوقوع ذلك منه قبل التحلل. قال في المدونة: ولو ذكر الركعتين بعد أن بلغ بلده أو تباعد من مكة فلا تبالي من أي طواف كانتا من طواف حجة أو عمرة قبل وقوف عرفه أو بعده، فليركعهما حيث بلغ ويهدي.
وَإِنْ كَانَ حَاجّاً وَقَدْ قَضَى جَمِيعَ حَجِّهِ وَالرَّكْعَتَانِ مِنْ طَوَافِ السَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ - فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِلا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ ....
يعني: أن الحاج إذا ذكر ركعتين من طواف القدوم بعد أن فرغ من حجه فعليه الهدي جبراناً. واحترز بقوله: (وَقَدْ قَضَى جَميعَ حَجِّهِ) مما لو ذكر قبل يوم التروية، فإنه يعيد الطواف ويركع ويسعى ولا دم عليه.
اللخمي: وإذا ذكر يوم التروية أو يوم عرفة كان كالمراهق يخرج ولا يطوف، ويستحب له إذا كان يوم التروية أن يطوف قبل أن يخرج. فإن خرج قبل أن يطوف فذكر وهو بعرفة أو بعد الوقوف فإنه إذا طاف طواف الإفاضة أضاف إليه السعي.
واختلف في الدم هل يسقط ويكون كالمراهق أو ايسقط لأن النسيان فيه ضرب من التفريط؟ انتهى.
قوله: (وَإِلا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ) أي: فإن لم يكونا من طواف القدوم، بل كانا من طواف الإفاضة فلا شيء عليه. وإطلاقه (لا شَيْءَ عَلَيْهِ) ليس بجيد بل ذلك مقيد بما إذا لم يخرج الشهر. وأما لو خرج لواجب عليه الدم. ويختلف إذا خرجت أيام الرمي، وهذا كله إنما هو إذا كان مقيماً بمكة. وأما لو تباعد ورجع إلى بلده فقد تقدم انه يركعهما حيث كان ويهدي. وهكذا قال اللخمي، وهو قريب منه للتونسي.
وَكَذَلِكَ لَوْ انْتَقَضَ بَعْدَهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلاهُمَا وَلَمْ يُعِدِ الطّوَافَ جَهِلاً
أي: وكناسيهما من انتقض وضوءه بعد [187/أ] الطواف فتوضأ وفعلهما ولم يعد الطواف جهلاً.
نَعَمْ لَوْ أَكْمَلَ أُسْبُوعاً ثَانِياً نَاسِياً رَكَعَ لَهُمَا لِلاخْتِلافِ فِيهِ
هذا راجع إلى قوله: (ولا يجمع أسابيع ثم يصلي لها) أي: فلو خالف ما أُمر به وأكمل أسبوعاً ثانياً لركع لهما. يريد سواء كان عامداً أو ناسياً قاله الباجي واللخمي وسند وابن عبد السلام. وكذلك لو أكمل ثالثاً ورابعاً.
وقوله: (لِلاخْتِلافِ فِيهِ) الخلاف خارج المذهب. واحترز بقوله: (أَكْمَلَ) مما لو شرع ولم يكمل فنه يقطع. قاله في المدونة. وقوله: (رَكَعَ لَهُمَا) الباجي: وهو المشهور، قاله ابن كنانة. وروى عيسى عن ابن القاسم: يصلي ركعتين فقط. ووجهه أنه لما كان من
حكم كل أسبوع أن تتعقبه ركعتان وحال بين الأسبوع الأول وركعتيه الأسبوع الثاني بطل حكمه، فيصلي ركعتين للأسبوع الثاني. انتهى.
تنبيه:
وقع هنا في بعض النسخ: (إلا أن يكون وطئ) وهي راجعة إلى قوله: (والركعتان من طواف السعي قبل عرفة، وإلا فلا شيء عليه) أي: لا شيء عليه إلا أن يكون وطئ فيكون عليه الهدي. ولم يتعرض المصنف للعمرة. وهي ساقطة إن بَعُدَ أو بلغ بلده، وإن كان بمكة أو بالقرب منها فهي عليه. وكذلك في كل طواف، نقله صاحب تهذيب الطالب وغيره عن ابن المواز. ويقع في بعض النسخ قوله:(إلا أن يكون وطئ) متصلاً بالكلام الأول وهو أظهر.
وَسُنَنُهُ أَرَبْعٌ: الْمَشْيُ فَلَوْ رَكِبَ قَادِراً فَثَلاثَةٌ: الإِجْزَاءُ وَنَفْيُهُ وَالْمَشْهُورُ يُعِيدُ، فَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ ....
احترز بقوله: (قَادراً) مما لو ركب لعجز فإنه يجوز. الباجي: ولا خلاف فيه، ولا يشترط فيه عدم القدرة بالكلية بل يكفي المرض الذي يشق معه المشي.
والإجزاء لعبد الوهاب في إشرافه. والقول بعدم الإجزاء لمالك في الموازية. والمشهور مذهب المدونة. وتأوَّل الباجي ما في الموازية عليه.
وقوله: (وَالْمَشْهُورُ يُعِيدُ) معناه إن كان قريباً، قاله في المدونة وغيره.
انظر كيف جعل هذه الأقوال مرتبة على السنية، وهو قد قدم أن المسنونات لا دم فيها. ويحتمل أن يقال: لعل من يرى وجوب الدم يرى انه واجب ويكون المصنف تكلم على ما هو أعم من فرض المسألة.
الثَّانِيَةُ اِسْتِلامُ الْحَجَرِ بِفِيهِ وَلَمْسُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِ بِيَدِهِ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ بِغَيْرِ تَقْبِيلٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَوْطٍ فِيهِمَا، وَيُكَبِّرُ بِخِلَافِ الرُّكْنَيْنِ الْلَذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ
الاستلام: افتعال من السَّلام بالفتح كأنه حيَّاه. وقيل: بل من السَّلام بالكسر وهي الحجارة. عياض: والأول أبين لاستعماله في الركن وغيره. والأصل فيه ما أخرجه مسلم وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "لم أرَ النبي صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين".
قال في المدونة: وليزاحم على استلام الحجر ما لم يكن آذى، ولا بأس باستلامه بغير طواف. انتهى. وزاد في المختصر: وليس الاستلام بغير طواف من شأن الناس، ولكن لا بأس به. الباجي: ومن سنة استلام الركن الطهارة. انتهى. ووجهه أنه كالجزء من الطواف، والطواف لا يفعل إلا بطهارة.
وقوله: (ولَمْسُ الرُّكْنِ الْيَمَانيِ بيَدِهِ، وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ بغَيْرِ تَقْبيلٍ) هو المشهور. وفي الموازية يقبل يده. وقوله: (وَيُكَبِّرُ) ظاهر أنه يجمع بين الاستلام والتكبير. والذي في المدونة: إذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر بفيه إن قدر وإلا لمسه بيده، ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يصل كبَّر إذا حاذاه، ثم يمضي يطوف ولا يقف، وكل ما مر به إن شاء استلم أو ترك، ولا يقبل بفيه الركن اليماني، ولكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يستطع لزحام كبَّر ومضى. انتهى.
وقوله: (فِي أَوَّلِ كُلِّ شَوْطِ) ظاهره أن الاستلام في أول كل شوط سُنَّة. ومقتضى المدونة وغيرها أن الاستلام المسنون إنما هو في أول شوط فقط؛ لقوله فيما بعده: إن شاء استلم أو ترك. وصرح صاحب الجواهر وغيره باستحبابه فيما بعد الأول. وقوله: (بخِلافِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ) أي: للحديث المتقدم. وعلل غير واحد ذلك بأنهما ليسا على قواعد إبراهيم.
القابسي: ولو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الركنان على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسالم لقبلا. قال في المدونة: ولا يكبر إذا حاذاهما.
فرع:
قال ابن وضاح وغيره: ويكون تقبيل الحجر من غير صوت. والصوت إنما يكون في قبلة الاستمتاع. وقال أبو عمران: هذا ضيق. وأشار إلى أنه لا فرق في ذلك بين الصوت وغيره.
وَمَنْ مَرَّ بِالرُّكْنِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْتَلِمَهُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ فَقَطْ، فَإِنْ زُوحِمَ لَمَسَ الْحَجَرَ بِيدِهِ أَوْ بِعُودٍ وَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ. وَفِي تَقْبِيلِهِ روايتان، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ كَبَّرَ وَمَضَى فِيهِمَا، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ وَضْعَ الْخَدِّيْنِ عَلَيْهِ
قوله: (وَمَنْ مَرَّ بالرُكْنِ) أي اليماني. وقوله: (يُكَبِّرُ فَقَطْ) لأنه إنما لم يقبله بعود. ومنشأ الخلاف في تقبيل اليد أو العود هل يتنزل ذلك بمنزلة الحجر أولا؟ ومذهب المدونة عدم التقبيل. والتقبيل في كتاب محمد. اللخمي: وهو حسن؛ لما خرجه مسلم عن أبي الطفيل، قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه ولم يطوف بالبيت راكباً ويستلم الركن [187/ب] بمحجن ويُقبِّل المحجن" وما ذكره المصنف هو المعروف. وفي الاستذكار: من لم يقدر على استلام الحجر الأسود وضع يده على فيه ثم وضعها عليه ورفعها إلى فيه. انتهى. قيل: وهو غريب.
وقوله: (فَإِنْ لَمْ يُصَلْ) أي: إلى التقبيل بفيه لمسه بيده أو بعود وكبر ومضى. أي: ولا يرفع يده. وما ذكره من إنكار وضع الخدين هو مذهب المدونة، وزاد انه بدعة. وروي عن ابن عباس أنه سجد عليه وقبله ثلاث مرات، وذكره ابن حبيب عن ابن عمر، وقال: من فعله في خاصة نفسه فذلك له. وتأوَّل إنكار مالك خيفة أن يعتقد وجوبه. قال بعض الشيوخ: وقوله مخالف لقول مالك.
الثَّالِثَةُ الدُّعَاءُ وَلَيْسَ بِمَحْدُودٍ. اِبْنُ حَبيبٍ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إِيمَاناً بِكَ وَتَصْدِيقاً بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ لِلْعَمَلِ، وَفِي كَرَاهَةِ التَّلْبيَةِ قَوْلانِ .....
تصوره واضح. ولا يختص بالدعاء كما هو ظاهر كلامه بل وكذلك الذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر المصنف عن ابن حبيب: وتصديقاً بكتابك. والذي له في الواضحة والنوادر وتصديقاً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ابن حبيب: وإن قلت: لا إله إلا الله والله أكبر فحسن. قال: ومما يستحب فيه. أي: في الطواف أن يقول: ربنا أتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم بسطت إليك يدي، وفيما لديك عظمت رغبتي، فاقبل مسألتي، وأقل عثرتي. وتقدم أن المشهور كراهة التلبية.
الرّابعَةُ الرَّمَلُ وَلا دَمَ عَلَى الأَشْهَرِ لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ فِي الثَّلاثَةِ الأُوَلِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَكَانَ يَقُولُ: إِنْ قُرُبَ أَعَادَ ثُمَّ خَفَّفَهُ ....
خرج مالك وغيره عن جابر بن عبد الله أنه قال: "رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم رَمَلَ من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أشواط" قال مالك في الموطأ: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.
الجوهري: والرَّمَل أن يثب في مشيه وثباً خفيفاً يهز منكبيه وليس بالثوب الشديد، ولا دم في تركه على الأشهر. قال في المدونة: وكان مالك يقول: عليه الدم، ثم رجع وقال: لا دم عليه. وكان يقول في تارك الرَّمَل: إن قرب أعاد، وإن بعد فلا شيء عليه. ثم خففه ولم يرَ أنه بعيد. انتهى.
وقوله: (لِلرِّجَالِ لا لِلنِّسَاءِ) ابن عبد البر: أجمعوا على أ، هـ لا رَمَل على النساء في طوافهن، ولا هرولة في سعيهن.
فرع:
قال مالك في المدونة: ومن ذكر في الشوط الرابع أنه لم يرمل في الثلاثة الأشواط مضى ولا شيء عليه. ابن يونس: وينبني على قوله: (إِنْ قَرُبَ أَعَادَ) أن يبتدئه ويلغي ما مضى، وكذلك نص عليه في الموازية، وإن رمل في الأشواط السبعة فلا شيء عليه.
وَأَمَّا طَوَافُ الإِفَاضَةِ لِلْمُرَاهِقِ وَنَحْوَهِ، وَطَوَافُ الْمُحْرِمِ مِنَ التَّنْعِيمِ وَشِبْهِهِ- فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ: مَشْرُوعٌ دونَهُ
…
يعني: أن طواف الإفاضة في حق المراهق ونحوه هو الطواف الأول. وقوله: (وَنَحْوِهِ) أي: الناسي أو من يحرم بالحج من مكة مكياً كان أو آفاقياً، أو أحرم بالحج من التنعيم (وَشبْهِهِ) أي: الجعرانة، فثلاثة أقوال:
الأول: أنهم يؤمرون به كما يؤمرون بذلك في طواف القدوم، وهو لمالك في المدونة وبه قال ابن كنانة، وابن نافع.
والقول الثاني: قال ابن عبد السلام: لم أعلمه بعد أن بحثت عنه في المذهب، وإنما حكاه ابن المواز عن ابن عمر رضي الله عنهما. انتهى. ومثله في الموطأ أن ابن عمر كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة. قال ابن المواز بعد حكايته لهذا: والرَّمَل أحب إلينا. قال الباجي: فتأوله على المخالفة. ويحتمل أن يريد أنه كان لا يرمل في طوافه الذي يتطوع به قبل الخروج إلى عرفة.
والقول الثالث: هو مذهب المدونة قال فيها: ويستحب لمن اعتمر من الجعرانة أو التنعيم أن يرمل إذا طاف بالبيت، وليس وجوبه عليه كوجوبه على من حج أو اعتمر من المواقيت. وهذا معنى قوله:(مَشْرُوعً دُونَهُ) أي: دون مشروعيته في طواف القدوم. ولعل
منشأ الخلاف هل يتنزل هذا منزلة طواف القدوم لكونه أول طوافه أو لا؟ واختلف في المعتمر، فنقل الباجي عن مالك في المختصر أن المعتمر يرمل مكياً أو غيره؛ لأنه قادم. قال في البيان: الخبب في طواف القدوم في الحج والعمرة لمن أحرم من الميقات باتفاق، ولمن أحرم من التنعيم أو الجعرانة باختلاف. وظاهر كلام اللخمي أن الخلاف في العمرة مخرج من قوله: أما العمرة فيرمل في الطواف بها إذا أحرم من الميقات، ويختلف إذا أحرم من التنعيم أو غيره من المواضع القريبة. وعلى هذا فينبغي أن يحمل قول المصنف:(الْمُحْرِمِ مِنَ التَّنْعِيمِ) على المحرم بحج أو عمرة. قيل: والرمل باتفاق بالنسبة إلى الطائفين على ثلاثة أقسام:
قسم يرملون باتفاق وهم المحرمون من المواقيت. وقسم لا يرملون باتفاق وهم المتطوعون بالطواف والطائفون للوداع. وقم اختلف في رملهم وهم المراهقون والمحرمون من الجعرانة أو التنعيم والصبي والمريض والمحرم من مكة. انتهى.
وَفِي الرَّمَلِ بِالْمَرِيضِ وَالصَّبِيِّ قَوْلانِ
يريد إذا طيف بهما محمولين. ومذهب المدونة أنه يرمل بالصبي ويخب به في السعي، وقاله أصبغ. وروي عن ابن القاسم: لا يرمل به. والمنقول في الموازية في المريض أنه يرمل به. اللخمي: وعلى قول ابن القاسم في الصبي لا يرمل به وهو أحسن، وعلى هذا فالقول بعدم الرمل بالمريض إنما هو تخريج. ونسب ابن راشد لابن القاسم عدم الرمل بالمريض.
خليل: ولو قيل يرمل الصبي دون المريض لأنه يتأذى بذلك غالباً لما بعد، وحكم من طاف عن غيره كحكمه، فإن كان عن رجل رمل، وإن كان عن امرأة فلا، قاله ابن عبد السلام.
وَمَتَى زُوحِمَ تُرِكَ
أي: عن الرمل، قال في المدونة: وإذا زوحم عن الرمل ولم يجد مسلكاً رمل بقدر طاقته.
ابن بشير: قال الأشياخ: وهذا إذا أمكنه المشي. وأما إذا كان واقفاً فلا يرمل؛ لأن الرمل حينئذ تحريك الأعضاء وليس هو المشروع.
وَالطَّائِفُ بِصَبِيٍّ عَنْهُمَا ثَالِثُهَا: الْمَشْهُورُ لا يُجَزِئُ عَنْهُمَا، وَيُجَزِّئُ السَّعِيُ عَنْهُمَا اتِّفَاقاً وَلَوْ حَمَلَ صَبِّيَيْنِ فِيهِمَا أَجْزَأَ ....
أي: إذا طاف شخص بصبي ونوى بطوافه أن يكون عنه وعن الصبي. وهذا معنى قوله: (عَنْهُمَا) قال المصنف: فالمشهور أنه لا يجزئ عنه ولا عن الصبي.
اللخمي وغيره: وهو قول مالك عند ابن شعبان. وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال أخر:
الأول: قول عبد الملك أنه يجزئ عن الرجل ولا يجزئ عن الصبي.
والثاني: لابن القاسم أنه يجزئ عن الصبي ولا يجزئ عن حامله، وقاله أصبغ، إلا أنه قال: إن أعاد عن الصبي فهو أحب إلي.
والثالث: لابن القاسم أيضاً أنه يجزئ عنهما واستحب أن يعيد الحامل عن نفسه. فيحتمل أن يكون مراد المصنف بالقولين الآخرين اللذين لم يبينهما القولين اللذين ذكرهما أولاً، ويجوز أن يكون أراد أحدهما مع الرابع وفيه بعد؛ لأنه حينئذ لا يعلم مراده بالقول الثاني.
تنبيه:
لم أرَ من شهر القول بعدم الإجزاء كما ذكر المصنف. والذي نسبه ابن راشد للمدونة أنه يجزئ عن الصبي وحده، قال: وهو جارِ على قول مالك فيمن حج عن فريضته ونذره أنه يعيد الفريضة. خليل: وفيه نظر. ولا يؤخذ من المدونة حكم المسألة بعد الوقوع، وإنما يؤخذ منها المنع من ذلك ابتداءً ولا يطوف به. أي: بالصغير إلا من قد طاف عن نفسه
لئلا يُدخل في طواف واحد طوافين، والطواف بالبيت كالصلاة. انتهى. وإنما أجزأ السعي عن الصبي والحامل بالاتفاق لخفة أمر السعي؛ إذ لا تشترط فيه الطهارة، ولأن الطواف بمنزلة الصلاة فلا يصح الاشتراك فيه. وقال التونسي: ما كان ينبغي أن يكون بين الطواف والسعي فرق ظاهر؛ لأنهما واجبان. انتهى. وقوله: (وَلَوْ حَمَلَ صَبِّيَيْنِ) فطاف بهما وسعى بهما أجزأ عن الصبيين في الطواف والسعي.
فَلَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ الطَّوَافَ بِالنَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ بِخِلافِ دُخُولِ الْبَيْتِ وَرقي مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْحِجَرِ كَالطَّوَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ .....
أي: أن مالكاً رأى للبيت ومنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة حرمة على المسجد الحرام فأجاز الطواف بالخفين والنعلين، وكره أن يدخل البيت أو يرقى المنبر بهما. وأجاز في المدونة دخول الحِجْرِ بهما كالطواف. وكره ذلك أِهب قال: وكراهتي لذلك في البيت أشد. حمديس: وهو الجاري على أصل مالك في كونه يراه من البيت. وكره مالك أن يجعل نعليه ي البيت إذا جلس يدعو، قال: وليجعلهما في حجره. قيل لمالك: الصعود بالنعلين إلى الكعبة؟ قال: إن بعض الحجية ممن قدم علينا يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطلع على الكعبة بالنعلين. ونقل التونسي عن مالك أنه كره الصعود بهما.
فرع:
قال سند: استحب دخول البيت لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك. انتهى.
مطرف: ويستحب إذا فرغ أن يقف بالملتزم للدعاء. مالك: وذلك واسع.
والملتزم ما بين الركن والباب، ويقال له: المتعوذ أيضاً، ولا بأس أن يعتنق ويلح بالدعاء عنده ويتعوذ به، ولا يتعلق بأستار الكعبة، ولا يولي ظهره للبيت إذا عاد ويستقبله.
خليل: وليحذر مما يفعله بعض الجهلة من جبذ الحِلَقِ التي في الشاذوران. وربما يقول بعضهم: هي العروة الوثقى، وعماي فعله بعضهم من جبذ الحلق التي بباب الكعبة وضربها على الباب، والله أعلم.
فإِذَا فَرِغَ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَرَاحَ إِلَى السَّعْيِِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهَا حَتَّى يَبْدُوَ له الْبَيْتُ إِنْ قَدَرَ، وَالْمَرْأَةُ إِِنْ خَلا، فَيَدْعُوَ، وَفِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَاغِباً أَوْ رَاهِباً قَوْلانِ، وَتَرْكَ الرَّفْعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْهِ غَيْرَ اِبْتِداءِ الصَّلاةِ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الْمَرْوَةِ وَيَرْقَى عَلَيْهَا وَيَدْعُو اللهَ تعالى
…
قال مالك: لا يخرج إلى الصفا والمروة حتى يستلم الحَجَرْ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه. قال في المدونة: ولم يَجُدَّ مالك من أي باب يخرج. سند: والناس يستحبون الخروج من باب الصفا لكونه أقرب. وعلى هذا فقوله: (وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا) من باب الإرشاد لما هو أقرب لا لأنه مستحب.
قوله: (فَرَقَى عَلَيْهَا) قال في المدونة: ويستحب أن يصعد منه ومن المروة أعلاها. ولا يعجبني أن يدعو قاعداً عليهما إلا مِنْ علة، ويقف النساء إلا من بها ضعف أو علة، ويقفن أسفلهما وليس عليهن أن [188/ب] يصعدن إلا أن يخلو الموضع فيصعدن، فذلك أفضل لهن. ولم يحدَّ مالك في الدعاء، وإن رفع يديه عليهما وفي وقوف عرفة فرفعاً خفيفاً. وترك الرفع في كل شيء أحب إلى مالك إلا في ابتداء الصلاة. انتهى. والقول بالرفع لابن حبيب، وعدمه لابن القاسم.
ابن حبيب: ويرفعهما وبطونهما إلى الأرض وهو صفة الرهب. وقال الباجي: إن دعاء التضرع والطلب إنما هو برفع اليدين وبطونهما إلى السماء وهو صفة الراغب. فقول المصنف: (وَفِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ
…
إلخ) يقتضي أنه يرفع واختلف في صفة الرفع.
وقوله: (وترك الرفع
…
إلخ) يقتضي عدم الرفع. فيؤخذ منه الفرعان والله أعلم.
وثبت أن صلى الله عليه وسلم رقى على الصفا حتى رأى البيت فاستقبل الكعبة، فقال:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". ثم دعا مثل ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا. رواه مسلم وغيره.
وَيُسْرِعُ الرِّجَالُ لا النِّسَاءُ فَوْقَ الرَّمَلِ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ كَذَلِكَ إِلَى الصَّفَا سَبْعاً يُكْمِلُ بَِرابِعَةِ الْمَرْوَةَ .....
تصوره ظاهر. وما ذكره من أن الخبب في السعي فوق الرمل نص عليه غيره. وقال في المدونة: ومن رمل في جميع سعيه بين الصفا والمروة أجزأه، وقد أساء، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه.
وَلَوْ ابتَدَأَ بِالْمَرْوَةِ أَلْغَاَهُ
لفعله صلى الله عليه وسلم، وفعله إذا كان بياناً للواجب محمول على الوجوب اتفاقاً.
* * *
انتهى المجلد الثاني
من كتاب التوضيح
للشيخ خليل بن إسحاق الجندي
ويليه المجلد الثالث وأوله
وَهَيْئَتُهُ مِنْ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ، وَالتَّرَقِّي، وَالدُّعَاءُ وَالإِسْرَاعُ