المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فرع: وروى ابن وهب في المختصر قال: سئل مالك من أين - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٢

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: فرع: وروى ابن وهب في المختصر قال: سئل مالك من أين

فرع:

وروى ابن وهب في المختصر قال: سئل مالك من أين يقف من أراد التسليم؟ فقال: من عند الزاوية التي تلي القبلة مما يلي المنبر، ويستقبل القبلة، ولا أحب أن يمس القبر بيده. واختلف هل يدعو عند القبر؟ فلمالك في المبسوط: ولا أرى أن يقف عند النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو، ولكن يسلم ويمضي.

الباجي: وروى عنه ابن وهب أنه يدعو مستقبل القبر، ولا يدعو مستقبل القبلة وظهره للقبر.

مالك في المبسوط: وإنما يقف بالقبر الغرباء. وقال ابن القاسم: رأيت أهل المدينة يقفون إذا دخلوا المسجد أو خرجوا منه، وهو رأيي.

و‌

‌الْوِتْرُ

غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، واسْتَدَلَّ اللَّخْمِيُّ بِقَوْلِ سَحْنُونٍ: يُجَرَّحُ. وأَصْبَغُ: يُؤَدَّبُ ....

قوله: (غَيْرُ وَاجِبٍ) لا يعني حكمه؛ لأن نفي الوجوب أعم من السنية، وكأنه اتكل على ما قدمه في السنن، ومقابل المشهور هو تخريج اللخمي، ولهذا كان الأحسن أن يقول على المنصوص. واستضعف التخريج بأن التجريح بالمباح فضلاً عن غيره. والتأديب لا يستلزم الوجوب؛ لأنا نؤدب الصبي على ترك الصلاة، ولعل أصبغ إنما أدبه لاستخفافه بأمور الديانة، فإن المداومة على ترك الوتر مشعرة بذلك.

ونقل التونسي وغيره عن ابن خوي منداد أنه قال: من استدام على ترك السنن فسق، وإن تركها أهل بلد جبروا عليها، فإن امتنعوا حوربوا.

التونسي: يحتمل أن تكون مقاتلتهم لأن الآمر لهم أمر بالمعروف، وَخُيِّرَ، فكان يجب على الآمر أن يأمرهم بذلك. فلما امتنعوا بعد الأمر وجب قتالهم لتركهم الأمر بالمعروف، والآمر لهم أمر بواجب عليهم، فقتالهم على امتناعهم. وقال بعض المتقدمين: أن الأمر

ص: 101

بالمندوبات ليس بواجب على الآمر به، وإنما ذلك عليه على سبيل الندب. وقد ذكر أيضاً ابن بشير وغيره هذا الخلاف؛ أعني أن الأمر بالمندوب هل هو واجب. أو مندوب؟ لكن قال في الإكمال: لما تكلم على قوله عليه الصلاة والسلام "ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من الحطب .. " إلى قوله: "لا يشهدون الصلاة" الحديث.

اختلف في التمادي على ترك السنن، هل يقاتل عليها تاركوها إلى أن يجيبوا إلى فعلها؟ والصحيح قتالهم، وإكراههم على ذلك لأن في التمادي عليها إماتتها، بخلاف ما لا يجاهر به منها كالوتر ونحوه. وأطلق بعض شيوخنا القتال في المواطأة على ترك السنن من غير تفصيل. والأول أبين. انتهى.

وأَوَّلُهُ بَعْدَ الْعِشَاءِِ وبَعْدَ الشَّفَقِ وآخِرُهُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ

أي: أول وقتها المختار. وزاد (بَعْدَ الشَّفَقِ) احترازاً من مثل الجمع ليلة المطر.

والضَّرُورِيُّ إِلَى صَلاةِ الْفَجْرِ، وقِيلَ: لا ضَرُورِيَّ

يعني: أن وقت الوتر الضروري من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح. وظاهر قوله: (لا ضَرُورِيَّ) أن الوتر لا يصلى بعد الفجر، وهو ظاهر كلام ابن شاس.

ابن راشد: وغيرهما. ولفظ ابن شاس: ويمتد وقت الضروري إلى أن يصلي الصبح على المشهور. وقال أبو مصعب: ينتهي وقتها لطلوع الفجر، ولا وقت ضروري لها. وقال ابن عطاء الله: لا إشكال أنه لا ينبغي تأخير الوتر إلى طلوع الفجر، وأنه يصلى بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح، وإنما الخلاف بين المتأخرين وأبي مصعب هل هو بعد الفجر قضاء أو أداء في وقت ضرورة؟ انتهى. فعلى هذا [100/أ] يكون معنى قولهم أن الوقت ينتهي في قول أبي مصعب بطلوع الفجر أنها تصلي بعد ذلك على صلاة الصبح، وتكون

ص: 102

قضاء. لكن عبارة ابن بشير لا تحتمل هذا التأويل لقوله: والشاذ أنه لا يصليه بعد طلوع الفجر. وكذلك نقله ابن زرقون.

وعَلَى الْمَشْهُورِ لَوِ افْتَتَحَ الصُّبْحَ فَثَالِثُهَا: يَقْطَعُ إِنْ كَانَ فَذّاً. وراَبعُهاً: وإِمَاماً. وفِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ عَقْدِ رَكْعَةٍ قَوْلانِ، ولا يُقْضَى بَعْدَهُا ....

أي: وعلى إثبات الضروري وتصور الأقوال من كلامه واضح وحاصله خمسة. ولم يذكر في المدونة في المنفرد إلا استحباب القطع، وذكر في المأمور روايتين، واستحب له أولاً القطع، ثم أرخص له في التمادي. وصرَّح المازري وسند بأن المشهور في الفذ القطع.

اللخمي: وفي المبسوط لا يقطع الفذ. وهو أظهر لئلا يقطع الأقوى للأضعف؛ وهو قول المغيرة وغيره. قال في الاستذكار: ولم يقل أحد يقطع الصبح له إلا أبو حنيفة وابن القاسم.

والصحيح عن مالك عدم القطع. وروى مطرف عن مالك أنه يقطع كان إماماً أو مأموماً أو فذاً إلا أن يسفر جداً. وروى نحوه ابن القاسم وابن وهب. وقد علمت أن في كل من الفذ والمأموم والإمام قولين. وذكر الباجي رواية ثالثة في الإمام: التخيير في القطع وعدمه. وحكى التلمساني أيضاً في المأموم رواية بالتخيير. وهذا ما رأيته في هذه المسألة، ولم أر بقية الأقوال التي حكاها المصنف في الأمهات، لكن تبع المصنف هنا ابن بشير.

ابن راشد: وإذا قلنا يقطع الإمام فهل يقطع المأموم كما إذا ذكر الإمام صلاة؟ قولان. وحكى ابن راشد طريقة عن بعضهم أن الخلاف إنما هو إذا لم يعقد ركعة، وأما إذا عقدها فلا يقطع.

وقوله: (ولا يُقْضَى بَعْدَهُا) أي: بعد صلاة الصبح.

ص: 103

وإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ إِلا عَنْ رَكْعَةٍ فَالصُّبْحُ، فَإِنِ اتَّسَعَ لِثَانِيَةٍ فَالْوِتْرُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، ويَلْزَمُ الْقَائِلَ بالتَّاثِيمِ تَرْكُهُ

المنصوص في كلامه قد تقدم في الأوقات أنه قول أصبغ، وأن مقابله وهو مذهب المدونة، ففي كلامه نظر. ويقال- أي في متقدمي الشيوخ- كانوا إذا نقلت مسألة من غير المدونة، وهي فيها موافقة لما في غيرها عدوه خطأ، فكيف إذا كان الحكم في غيرها مخالفاً؟!

فَإِنِ اتَّسَعَ لِرَابعَةٍ فَفِي الشَّفْعِ قَوْلانِ

لاشك على مذهب المدونة في ترك الشفع. وقال أصبغ في الموازية: يوتر بثلاثة ويصلي الصبح. وقول أصبغ بصلاة الشفع هنا أبعد من قوله بصلاة الوتر في التي قبلها.

ولِخَامِسَةٍ وكَانَ قَدْ تَنَفَّلَ فَفِي تَقْدِيمِ الشَّفْعِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَوْلانِ

يعني: إذا بقي من آخر الوقت مقدار خمس ركعات فركعتان للصبح، وركعة للوتر، وهل يصلي فيما بقي ركعتي الفجر، أو ركعتي الشفع؟ إن لم يكن تنفل بعد العشاء قدم الشفع لتأكده وإن كان قد تنفل فهل يصلي الشفع أو ركعتي الفجر لأنهما من توابع الصبح، وركعتي الشفع من توابع الوتر. وإذا كان الصبح أولى من الوتر عند ضيق الوقت كان تابعه أولى. وقال أصبغ: يأتي بالشفع لأنها من الوتر عند أبي حنيفة، وهو يرى أن الوتر واجب، ولأن ركعتي الفجر تقضي عندنا.

ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ آخِرَ صَلاةِ اللَّيْلِ

لما في مسلم عن عائشة رضي الله عنها: من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر.

ص: 104

فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَنَفَّلَ جَازَ ولَمْ يُعِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ

يعني: إذا أحدثت له نية النافلة بعد أن أوتر. وأما لو أراد أولاً أن يجعل وتره في أثناء تنفله لغير موجب فذلك خلاف السنة، وأمر في المدونة من أراد النفل بعد الوتر أن يؤخر التنفل يسيراً، وهو ظاهر كلام المنصف لقوله:(ثُمّ) فأتى بحرف المهملة.

قوله: (ولَمْ يُعِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة". خرجه الترمذي، ووجه الشاذ قوله عليه الصلاة والسلام:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".

وفِي قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ والْمُعَوِّذَتَيْنِ، أَوْ مَا تَيَسَّرَ قَوْلانِ

أي: وفي الاستحباب، إذ لا خلاف في عدم الوجوب، والمشهور استحباب قل هو الله أحد والمعوذتين لما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني أن عائشة سئلت بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد، والمعوذتين. الترمذي: وهو حسن غريب. ولعل مقابل المشهور ما رواه ابن نافع عن مالك في المجموعة أنه قال: إن الناس ليلتزمون في الوتر قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين مع أم القرآن، وما هو بلازم وإني لأفعله. قال صاحب الأحوذي: الصحيح أن يقرأ في الوتر [100/ب] بقل هو الله أحد، كذلك جاء في الحديث الصحيح. قال: وهذا إذا انفرد. وأما إذا كانت له صلاة، فليجعل وتره من صلاته، وليكن ما يقرأ فيه من حزبه، ولقد انتهت الغفلة بقوم إلى أن يصلوا التراويح، فإذا صلوها أوتروا بهذه السورة، والسنة أن يكون وتره من حزبه، فتنبهوا لهذا. انتهى.

ص: 105

والشَّفْعُ قَبْلَهَا لِلْفَضِيلَةِ، وقِيلَ: لِلصِّحَّةِ. وفِي كَوْنِهِ لأَجلِهِ قَوْلانِ، ثُمَّ فِي شَرْطِ اتِّصَالِهِ قَوْلانِ

كلامه يقتضي أن المشهور كون الشفع للفضيلة. والذي في الباجي تشهير الثاني، فإنه قال: لا يكون الوتر إلا عقيب شفع. رواه ابن حبيب عن مالك؛ وهو المشهور من المذهب. وروى ابن زياد أن للمسافر أن يوتر بواحدة. وأوتر سحنون في مرضه بواحدة. وذلك يدل من قولهما أن الشفع ليس بشرط في صحة الوتر. انتهى باختصار. قال المازري: لم يختلف المذهب عندنا في كراهة الاقتصار على ركعة واحدة في حق المقيم الذي لا عذر له، واختلف في المسافر ففي المدونة: لا يوتر بواحدة. وفي كتاب ابن سحنون إجازته بواحدة. وأوتر سحنون في مرض بواحدة ورآه عذراً كالمسافر. انتهى. وفي المدونة: لا ينبغي أن يوتر بواحدة. فقوله: لا ينبغي يقتضي أنه فضيلة، وكونه لم يرخص في تركه للمسافر يقتضي أنه للصحة.

فرع:

فإن أوتر دون شفع من لا عذر له فحكى سحنون عن أشهب: يعيد وتره بإثر شفع ما لم يصل الصبح. وقال سحنون: يشفع وتره إن كان في الحضرة، وإن تباعد أجزأه. نقله الباجي.

وقوله: (وفِي كَوْنِهِ لأَجْلِهِ) أي: اختلف هل يشترط في ركعتي الشفع أن يخصهما بالنية، أو يكتفي بأي الركعتين كانا؟ وهو الظاهر، قاله اللخمي وغيره، لما خرجه مالك، والبخاري ومسلم من قوله عليه السلام:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى".

وقوله: (ثُم فِي شَرْطِ اتَّصَالِهِ قَوْلانِ) ليس هو مرتباً على أنه لأجله بل هو كما قال ابن شاس: وإذا قلنا بتقديم شفع لابد، فهل يلزم اتصاله بالوتر أو يجوز وإن فرق بينهما بالزمان الطويل؟ قولان. والقول باشتراط الاتصال لابن القاسم في العتبية، قال فيمن

ص: 106

صلى مع الإمام أشفاعاً، ثم انصرف، ثم رجع فوجد الإمام في الوتر فدخل معه، قال: لا يعتد به، وأحب إلي أن يشفعه بركعة. قيل له: فإن فعل. قال: فالوتر ليس بواحدة. وهو رواية ابن القاسم في المجموعة. والقول بعدم الاشتراط رواية ابن نافع عن مالك، ونقل أيضاً عن ابن القاسم.

وفِي قِرَاءَةِ الشَّفْعِ بسَبِّحْ وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِِرُونَ رِوَايَتَانِ

المشهور: استحباب ذلك للحديث المتقدم، والشاذ أيضاً لمالك، وهو الذي اقتصر عليه ابن الجلاب. قال القاضي عياض: وخيره ابن حبيب في ذلك، ووسع عليه في الجميع. قال: وهذا في الشفع إذا كان منفرداً عن غيره ولم يتقدم تنفل يتصل به، فأما إذا اتصل به تنفل قبله، فلا تتعين له قراءة ولا عدد جملة وللمصلي حينئذ أن يوتر بواحدة يصليها بنفله إذ الوتر عندنا بواحدة. وإلى هذا ذهب القاضي أبو الوليد الباجي وغيره من متأخري مشايخ المغاربة، وهو مبني على أصل المذهب، واحتج للصواب، وخالف في هذا بعض مشايخ القرويين. انتهى.

ولا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ ولا بَعْدَ نِصْفِ رَمَضَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ

تصور كلامه ظاهر. والشاذ لمالك أيضاً، وابن نافع، والخلاف إنما هو في نصف رمضان فقط.

فروع:

الأول: إن صلى خلف من لا يفصل بسلام، ولم يسلم عن اثنتين على المشهور خلافاً لأشهب.

الثاني: لا يصلي شفعاً بنية الوتر، ولا العكس على المشهور خلافاً لأصبغ.

ص: 107

وثالثها: لمحمد: إن أحرم بشفع لم يجزئه أن يجعله وتراً بخلاف العكس. وفي المدونة: فإن شفع وتره سجد بعد السلام. وفي المبسوط: يستأنف. وروى علي في المجموعة أنه يسجد ويستأنف الوتر استحباباً، واعترض في النكت على ما في المدونة فقال: أليس زاد في الوتر مثله، فهلا كان كمن زاد في صلاته مثلها أن يعيد؟ ثم أجاب بأن الوتر لما لم يكن إلا بعد شفع أشبه صلاة وهي ثلاث، زاد فيها ركعة.

الثالث: إن قرأ في الوتر بأم القرآن فروى ابن القاسم: لا سجود عليه. سند: وهو يقتضي ألا شيء عليه في العمد؛ لأن ما لا سجود في سهوه لا يبطل عمده، كالتسبيح.

الرابع: إذا أدرك مع الإمام ركعة من الشفع لم يسلم معه، وليصل معه الوتر. فإذا سلم منه سلم معه، ثم أوتر إلا أن يكون الإمام لا يسلم في شفعه، ففي سلام هذا مع الإمام قولان: أحدهما: أنه لا يسلم إذا سلم الإمام من وتره؛ لأنه شفع مع الإمام، وقد كان الإمام لا يسلم من شفعه، فأمر أن يفعل كفعله، وهو مذهب ابن [101/أ] القاسم. والثاني: أنه يسلم لأن المأمور به عندنا أن يسلم للشفع، وإنما أمر من دخل مع الإمام أولاً بعدم السلام حتى لا تحصل المخالفة، وهنا لا مخالفة مع الإمام، بل هو صورة الحال الموافقة، وهو مذهب مطرف وابن الماجشون. قال الشيخ أبو محمد وغيره: ومعنى قولهم: أنه يصلي الوتر معه؛ أي: يحاذي بركوعه وسجوده ركوع الإمام وسجوده، فأما أن يأتم به فلا؛ لأنه يكون محرماً قبل إمامه.

ولا تُقْضَى سُنَّةٌ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، وجَاءَ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ تُقْضَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَقِيل: مَجَازٌ ....

ظاهر كلامه أن ركعتي الفجر سنة؛ لأن قوله: (وجَاءَ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ) يجري مجرى الاستثناء من قوله: (لا تُقْضَى سُنَّةٌ) وهو موافق لما تقدم للمصنف. وقد قدمنا ما يتعلق بذلك، والقضاء هو المشهور، لما في الموطأ من حديث الوادي. قال في الجواهر:

ص: 108

وقيل: لا يصليها. ثم إذا قلنا يصليها، فهل ما يفعله قضاء أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر؟ قولان. انتهى.

وعلى هذا فهو خلاف مركب، والقول بأنه يصلي ركعتين ينوب له ثوابهما عن ركعتي الفجر، ذكر ابن شاس أن الأبهري تأوله على القول بالقضاء، وإليه أشار المصنف بقوله:(فَقِيلَ: مَجَازٌ) لكنه لو قال: وقيل: مجازاً، لكان أولى؛ لأن الفاء قد تشعر بالتفسير، فيحتمل أن يكون أراد: إذا قلنا بالقضاء على المشهور فإن ذلك مجاز، ولا يؤخذ حينئذ منه القضاء حقيقة مع أنه المشهور.

فرع:

إذا قلنا بالقضاء فنقل التونسي عن أشهب أنه يقضي بعد طلوع الشمس وحلول التحية، وبعدم الظهر وفي الليل والنهار، وعن مالك أنه قال في رواية ابن وهب: لا يقضيها بعد الزوال. وعلى القضاء فالمشهور أنه لا يقضيها بعد الصبح خلافاً لابن وهب.

ومَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وقَدْ أَصْبَحَ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقِيل: بَعْدَ التَّحِيَّةِ

المشهور: أظهر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

وركعتا الفجر تجزئ عن تحية المسجد لما تقدم، والشاذ للقابسي.

ولَوْ رَكَعَ فِي بَيْتِهِ فَفِي رُكُوعِهِ رِوَايَتَانِ، ثُمَّ فِي تَعْيينِهِمَا قَوْلانِ

يعني: لو ركع في بيته الفجر ثم أتى المسجد فهل يركع أيضاً أم لا؟ روايتان، قال في الجواهر مشهورتان. ابن راشد: وروى ابن وهب وابن القاسم الركوع، واختاره ابن عبد الحكم، وروى ابن نافع عدمه. وعن مالك: الركوع، وعدمه واسع،

ص: 109

وقد رأيت من فعله، وأحب إلي ألا يركع. وبه قال سحنون. وقال بعض شراح الرسالة: وهو المشهور. وقوله: (ثُمَّ فِي تَعْيينِهِمَا قَوْلانِ) أي: إذا قلنا يركع، فهل يركع بنية ركعتي الفجر لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر أو بنية تحية المسجد". وهو الظاهر؟ والقولان للأشياخ.

وقِرَاءَتُهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقِيلَ: وسُورَةٍ قَصِيرَةٍ. وقِيلَ: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ، وقُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا

فوجه الأول ما رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف ركعتي الفجر حتى غني لأقول قرأ فيهما بأم القرآن أم لا.

ووجه الثاني- وهو قول مالك في مختصر ما ليس في المختصر- ما رواه مسلم وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قرأ فيهما بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. ووجه الثالث ما رواه مسلم وابن أبي شيبة وغيرهما، عن ابن العباس رضي الله عنهما أنه صلى وسلم كان يقرأ في الأولى بـ {قُولُوَاءَامَنَّا بِاللهِ

} الآية. وفي الأخيرة بـ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} الآية. وروى ابن حبيب في الواضحة عن ابن معاوية المدني عن يزيد بن عياض عن عباس بن عبد الله بن سعيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر في الأولى مع أم القرآن بخاتمة سورة البقرة من أول {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} إلى آخرها، وفي الثانية مع أم القرآن بـ:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآيتين. قيل: وهو حديث منقطع ضعيف؛ لأن في سنده يزيد بن عياض بن جعدة النسائي وغيره. وهو متروك.

والضَّجْعَةُ بَعْدَهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ

أي: غير مستحبة على المشهور. وقال في المدونة: وتكره. وقال ابن حبيب: تستحب. وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى

ص: 110

أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه". الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح غريب. وخرجه أحمد، وأبو داود. لكن تكلم أحمد والبيهقي فيه وصححوا فعله للاضطجاع لأمره به. والضجعة بالفتح الفعلة الواحدة كالرمية والنوبة، وبالكسر الهيئة كالقعدة والجلسة.

فرع:

وشرط ركعتي الفجر أن ينوي لهما [101/ب] نية معينة، وأن يصليهما بعد الفجر، فإن صلى ركعة قبله وركعة بعده لم تجزئه، وإن كان متحرياً على المشهور خلافاً لعبد الملك. وإن دخل المسجد فوجد الإمام في الصبح ولم يكن صلاهما دخل مع الإمام على المشهور. وفي الجلاب أنه يخرج ويركعهما إن كان الوقت متسعاً. وفهم منه التلمساني أن المراد بالوقت وقت الصلاة. ونقل عن عبد الوهاب أنه يخرج ويصليهما إن طمع أن يدرك ركعة من الصلاة، وأما إن أقيمت عليه وهو خارج المسجد فقال مالك في المدونة أنه إن لم يخف فوات ركعة فليركعهما خارجه، وإن خاف ذلك دخل مع الإمام.

واعتبر ابن القاسم في العتبية فوات الصلاة كلها. قال الباجي: وأما إن ذكرهما الإمام فله إسكات المؤذن والإتيان بمؤكد النفل. وروى ابن القاسم عن مالك: إذا أخذ المؤذن في الإقامة، ولم يكن الإمام ركع الفجر فلا يخرج إليه ولا يسكته، وليصلِّهما قبل أن يخرج إليه. قال في السليمانية: وصلاة ركعتي الفجر، في المسجد أحب إلي منهما في البيت؛ لأنها سنة، وإظهار السنن خير من كتمانها لاقتداء الناس بعضهم ببعض؛ نقله التونسي عن ابن وهب. وفي اللخمي: أن صلاتهما في البيت مستحبة. مالك: وإن فرغ من طوافه بعد الفجر فليبدأ بركعتي الطواف قبل ركعتي الفجر.

ص: 111

وعِدَّةُ النَّوَافِلِ رَكْعَتَانِ فِي لَيْلٍ أَوَ نَهَارٍ، فَإِنْ سَهَا فِي الثَّالِثَةِ وعَقَدَهَا أَكْمَلَ رَابعَةً. وقيلَ: إِنْ كَانَتْ نَهَاراً. ويَسْجُدُ، وفِي مَحِلِّهِ قَوْلانِ

قوله: (وقِيلَ: إِنْ كَانَتْ نَهَاراً) أي: وإن كانت ليلاً رجع إن عقد الثالثة لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح: "صلاة الليل مثنى مثنى". وفسر ذلك ابن عمر بأن يسلم من كل ركعتين. والترمذي: وإن زاد في هذا الحديث صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقد قال: روى الثقات هذا الحديث، ولم يذكروا فيه صلاة النهار. انتهى. ورواه أحمد بن حنبل بزيادة النهار. والمشهور في محله قبل وقد تقدمت.

والسِّرُّ فِيهَا جَائِزٌ، وكَذَلِكَ الْوِتْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وفي كَرَاهَةِ الْجَهْرِ نَهَاراً قَوْلانِ

الأفضل في الليل الجهر إلا لضرورة؛ لتشويش المصلين بعضهم على بعض.

قوله: (وكَذَلِكَ الْوِتْرُ) يريد: مع كونه خالف الأفضل. ومقابل المشهور للإبياني قال: إن أسر فيه ناسياً يسجد قبل السلام، وإن جهل ذلك أو تعمد فعليه الإعادة. وبلغني ذلك عن يحيى بن عمر. وأما الشفع فإن شاء جهر فيه أو أسر. وما حكاه من القولين في كراهة الجهر نهاراً حكاه عبد الوهاب.

والْجَمْعُ فِيهَا فِي مَوْضِعٍ خَفِيٍّ، والْجَمَاعَةُ يَسِيرَةٌ جَائِزٌ، وإِلا فَالْكَراَهَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ

يعني: ويجوز الجمع في النافلة لحديث ابن عباس وحديث أنس بن مالك بشرطين أن يقل القوم. ابن أبي زمنين: كالرجلين والثلاثة، وأن يكون الموضع غير مشتهر.

ووجه الباجي الكراهة في الجمع الكثير، أو الموضع المشتهر خشية أن يظنها كثير من الناس من جملة الفرائض، ومن هنا تعلم أن الجمع الذي يفعل في ليلة النصف من شعبان وأول جمعة من رجب، ونحو ذلك بدعة مكروهة. وقد نص جماعة من الأصحاب على ذلك، بل لو قيل بتحريم ذلك ما بعُد. وقد تولى الشيخ أبو عبد الله بن الحاج بيان مفاسده وشناعته، فتنظره في كلامه الذي هو من نور وتأييد.

ص: 112