الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلاةُ الْكُسُوفِ
قَبْلَ الانْجِلاءِ سُنَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ لا فِي الْمُصَلَّى، وقِيلَ: والْمُصَلَّي. والْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبّةٌ، ويُؤْمَرُ بِهَا كُلُّ مُصَلٍّ حَاضِرٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ غَيْرِهمَا، وتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا ....
يقال: خسفت الشمس بفتح الخاء للفاعل، وبضمها مبنياً للمفعول، وكذلك كسفت. ويقال: مسفاً وانكسافاً، وخسفاً وانخسافاً. وقيل: الكسوف مختص بالشمس، والخسوف مختص بالقمر، وقيل: عكسه. ورد بقوله تعالى: {وَخَسفَ الْقَمَرُ} . وقيل: الكسوف للكسوف أوله، والخسوف آخره؛ إذا اشتد ذهاب الضوء. وقيل: الكسوف ذهاب الضوء بالكلية. والخسوف تغيير اللون. وقيل: هما مترادفان. وقوله: (فِي الْمَسْجِدِ) يريد: مخافة انجلائها في طريق المصلى. وقوله: (وقِيلَ: والْمُصَلَّي)؛ هو لابن وهب؛ يعني أن هذا القائل مخير بين إيقاعها في المسجد والمصلى. وفهم هذا من كلامه لإتيانه بالواو المتقضية للجمع، هذا إذا وقعت في جماعة كما هو المستحب. وأما الفذ فله أن يفعلها في بيته.
وقوله: (فِي الْمَسْجِدِ) متعلق بمحذوف؛ أي: توقع في المسجد. ولا يصح تعلقه بقوله: (سُنَّةٌ) لأنه يصير معنى كلامه، أن إيقاعها في المسجد سنة. فلا يؤخذ من كلامه حكمها، وكذلك لا يصح تعلقه بقوله:(صَلاةُ) لما يلزم عليه من الإخبار عن الاسم قبل تمامه، إذ صلة المصدر منه كالجزء؛ لأن قوله:(سُنَّةٌ) خبر عن لفظ (صَلاةُ) الذي لم تتم إلى الآن.
وقوله: (أَوْ غَيْرِهمَا) قال شيخنا رحمه الله: غيرهما أهل العمود، فإنهم ليسوا كأهل الحضر إذ لا جمعة عليهم، ولا كأهل السفر إذ لا يفطرون ولا يقصرون. قوله:(أَوْ مُسَافِرٍ) قال في المدونة: إلا أن يجد به السير.
ووَقْتُهَا كَالْعِيدَيْنِ. وقِيلَ: إِلَى الاصْفِرَارِ. وقِيلَ: إِلَى الْغُرُوبِ.
وقوله: (كَالْعِيدَيْنِ) يريد في الابتداء والانتهاء؛ فلا تصلي إذا طلعت الشمس مكسوفة، لكراهة النافلة حينئذ. نص عليه الباجي. وعبارته في المدونة تدل عليه لقوله: وتصلي من ضحوة إلى الزوال. وفيه قول رابع: تصلي ما لم تصل العصر.
وصِفَتُّهَا: رَكْعَتَانِ، فِي كَلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وقِيَامَانِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ ولا إِقَامَةٍ
هذا ظاهر. وصح أنه عليه الصلاة والسلام نادي فيها: الصلاة جامعة، قال صاحب الإكمال وغيره: وهو حسن.
فَإِنِ انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي إِتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ قَوْلانِ
القول بإتمامها على سنتها لأصبغ، والآخر لسحنون. ابن عبد السلام: ومعنى الأول- والله أعلم- إنما هو في عدد الركوع والقيام خاصة دون الإطالة. وأطلق المصنف في القولين، وكذلك فعل غيره، وحكاهما بعض الشيوخ فيما إذا انجلت بعد أن أتم ركعة بسجدتيها، وأما لو انجلت قبل ذلك فقولان: قيل: يقطع. وقيل: يتمها ركعتين على حكم النوافل.
وقِرَاءَتُهَا سِرّاً عَلَى الْمَشْهُورِ، وفِي الأُولَى بِالْفَاتِحَةِ ونَحْوِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يُرَتِّبُ الأَرْبَعَةَ ويُعِيدُ الْفَاتِحةَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي والرَّابعِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وجه السر قول ابن عباس في الحديث الذي في الموطأ، والصحيحين، وأبي داود، والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة. ولا يقال ذلك مع الجهر، وفي البيهقي من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فلم أسمع له صوتاً. وجه الجهر ما خرجه البخاري، ومسلم وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها جهراً. وقوله:(ثُمَّ يُرَتِّبُ الأَرْبَعَةَ) أي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة.
هكذا قال مالك في المختصر، نقله صاحب النوادر، وصاحب الكافي، أنه يقرأ الأربعة قال: وأي سورة قرأ في صلاة الكسوف أجزأ. والاختيار عند مالك ما وصفناه، لكن انظر هذا مع ما نقله صاحب الإكمال وغيره عن مالك أن كل ركعة دون التي قلها، فإنه قال: لا خلاف بين العلماء أن الركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر مما قبله. واختلف العلماء في القيام الأول وركوع الأول من الركعة الثانية، هل هو أقصر من القيام الثاني، والركوع الثاني من الركعة الأولى؛ وهو قول مالك أن كل ركعة دون التي قبلها، وهو مقتضى الحديث. انتهى باختصار. وعلى هذا فيمكن أن يريد بقوله:(يُرَتِّبُ الأَرْبَعَةَ)] 98/أ [الأربعة ركوعات. ووجه المشهور - من أن إعادة الفاتحة أنه من سنة كل ركوع- أن يعقب قراءة الفاتحة، ووجه الشاذ - وهو قول محمد بن مسلمة - أنها ركعتان، والركعة الواحدة لا تكرر فيها الفاتحة.
ويُطِيلُ الرُّكُوعَ قَرِيباً مِنَ الْقِيَامِ. والسُّجُودُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ
أي: والسجود مثل الركوع في الإطالة على المشهور. ومقابلة لمالك في المختصر.
ولا خُطْبَةَ، ولَكِنْ يَسْتَقْبِلُهُمْ ويُذَكِّرُهُمْ على المشهور
صح عنه عليه السلام أنه أقبل على الناس وهو محمول عند مالك على الوعظ لا على الخطبة، وإنما استحب ذلك لأن الوعظ إذ أتى عقب الآيات يرجي تأثيره.
وإِذَا أَدْرَك الرُّكُوعَ الثَّانِي فَقَدْ أَدْرَكَ الرَكْعَةَ
حاصله أن الركوع الأول سنة والثاني وهو الفرض؛ فلذلك إذا أدرك الثاني من إحدى الركعتين فقد أدرك تلك الركعة. وإذا أدرك الركوع الثاني من الركعة الأولى فقد أدرك الصلاة كلها، وإن أدرك الثاني من الثانية فقد أدرك الثانية ويقضي ركعة فيها ركوعان.
وإِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ فَرْضٍ، فَالْفَرْضُ إِنْ خِيفَ فَوَاتُهُ
لعله يريد الجنازة. وإلا لم يتأت هذا الفرع على المشهور.
واعْتُرِضَ عَلَى مَنْ قَدَّرَ اجْتِمَاعَ عِيدٍ وكُسُوفٍ بِاسْتِحَالَتِهِ عَادَةً، وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ بِتَقْدِيرِ الْوُقُوعِ، ورَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بأَِنَّ تَقْدِيرَ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَيْسَ مِنْ دَابِ الْفُقَهَاءِ
…
قال المازري: قال عبد الحق: إذا اجتمع عيد، وكسوف، واستقساء، وجمعة في يوم واحد؛ فيبدأ بالكسوف لئلا تتجلى الشمس ثم بالعيد، ثم بالجمعة، ويترك الاستسقاء ليوم آخر؛ لأن يوم العيد يوم تجمل ومباهاة، والاستسقاء ضد ذلك. ولم أزل أعجب من اغتفاله إذ لا يكون كسوف يوم عيد؛ أي: لأن العيد إنما يكون في النصف الأول، والكسوف لا يكون إلا في النصف الثاني. وقوله:(وأُجِيبَ) إلى آخره ظاهر التصور. وردُّ المازريِّ لِهَذَا يدلُّ على رسوخه في العلم، وشدة خوفه من الله الحامل على اشتغاله بالأهم مما يعنيه.
وَصَلاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَانِ كَالنَّوَافِلِ، ولا يُجْتَمَعُ لهَا عَلَى الْمَشْهُورِ
قوله: (رَكْعَتَانِ) لا يريد ركعتين فقط؛ لأن ابن الفاكهاني نقل عن مالك في شرح الرسالة أنه يصلي ركعتين ركعتين، وكذلك قال ابن عبد البر في كافيه أنه يصلي ركعتين ركعتين حتى ينجلي. وقوله:(كالنوافل) يعني: بلا تكرار ركوع، وهذا هو المشهور. وقال ابن الماجشون وعبد العزيز بن أبي مسلمة: تصلي ككسوف الشمس. ولم يجمع لها؛ لأنها تأتي ليلاً، فلو كلف الناس الجمع لأدى إلى الحرج. قال اللخمي: ولمالك في المجموعة: يفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع، ويصلون أفذاذاً، والمعروف من المذهب أن الناس يصلونها في بيوتهم، ولا يكلفون الخروج لئلا يشق ذلك عليهم. واختلف هل يمنعون من