الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا لَمْ تَكُنْ سُعَاةٌ وَجَبَتْ بِالْحَوْلِ اتِّفَاقاً فَتُزَكَّى كَالْعَيْنِ، ومَنْ لا تَبْلُغُهُ السُّعَاةُ كَذَلِكَ ....
وهو ظاهر، وما حكاه المصنف من الاتفاق حكاه اللخمي.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُسْتَحَقّاً، فَفِي أُجْرَةِ النَّقْلِ قَوْلانِ
مذهب العتبية أن الكراء عليه. ابن عبد السلام: والقول بأنه لا يلزمه هو الظاهر؛ إذ لا يلزمه أكثر من الجزء المقدر. وقريب من هذا اختلافهم في
زكاة الحرث
في مثل هذه الصورة، هل يكلفون بنقلها من أموالهم، أو يؤدي ذلك من الخمس، أو تباع في البلد الذي وجبت فيه ويشترون بثمنها من نوعها في البلد الذي تصرف إليه.
الْحَرْثُ: وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الْمُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غَالِباً. وَفِيها: لا زَكَاةَ إِلا فِي الْعِنَبِ، والزَّيْتُونِ، والتَّمْرِ، والْحَبِّ، والْقِطْنِيِّةِ. وَقِيلَ: الْمُقْتَاتُ. وقِيلَ: الْمَخْبُوزُ مِنَ الْحُبُوبِ. وقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وكُلُّ ذِي أَصْلٍ مِنَ الثِّمَارِ، كَالرُّمَّانِ، والتُّفَّاحِ
…
هذا هو النوع الثالث من أنواع المزكى، يعني: أنه اختلف فيما تجب فيه الزكاة، فمذهب المدونة مخالف لقول الجمهور؛ لأن ما قاله في المدونة يقتضي عدم الزكاة في التين للحصر. وقال القاضي أبو محمد: يلحق بما ذكره في المدونة كل مقتات مدخر، وإن لم يكن أصلاً للعيش غالباً. اللخمي: وليس بحسن؛ لأنه لو كان كما قاله لوجبت الزكاة في الجوز واللوز لأنهما مقتاتان مدخران ولا زكاة فيهما، ولأنهما لا يدخران للعيش غالباً.
ابن راشد: وهذا القول الذي حكاه في الأصل في قوله: (وَقِيلَ: الْمُقْتَاتُ) لكنه أسقط وصف الادخار، والقاضي ذكره، ولعل الناسخ أسقطه أو أنه رأى الادخار من لوازم الاقتيات. ورأيت من حكى عن القاضي الاقتيات ولم يذكر الادخار، ولعله في الأصل عول عليه. انتهى.
وقوله: (وقِيلَ: الْمَخْبُوزُ) هذا القول لمالك في الموازية، ونصه على نقل اللخمي: وقال في كتاب محمد: كل ما كان من الحبوب يؤكل ويدخر ففيه الزكاة. انتهى. قال اللخمي: وعلى هذا القول لا تجب الزكاة في القطاني إذ لا تخبز إلا في المجاعات، وهذه طريقة اللخمي. وروى ابن بشير أن المذهب كله على نقل الجمهور، وأن هذه الأقوال تحويم على شيء واحد، وإن وقع خلاف في شيء فإنما ذلك خلاف في تحقيق العلة، أي: هل حصل فيه الوصفان أم لا؟ وقوله: (وقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ
…
) إلخ. ظاهر التصور: تجب في الخوخ والأترج وغير ذلك. وروى ابن الماجشون هذا القول عن مالك.
فَتَجِبُ فِي الْقَمْحِ، والشَّعِيرِ، والسُّلْتِ، والْعَلَسِ، والأُرْزِ، والدُّخْنِ، والذُّرَةِ، وكَذَلِكَ الْقَطَانِيُّ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وفِي التَّمْرِ، والزَّبِيبِ، والزَّيْتُونِ، والْجُلْجَلانِ
لا خلاف في وجوبها في القمح والشعير، ورأيت قولاً شاذاً أن الزكاة لا تتعلق بالسلت، وأما العلس فالصحيح تعلقها به لأنه قريب في الخلقة من البر، وقد قال الجوهري: إنه ضرب من الحنطة. وحكى ابن عبد البر عن ابن عبد الحكم أنها لا تتعلق به، وحكاه ابن زرقون عن مطرف عن مالك. والعلس: هي الإشقالية، وهو حب مستطيل يشبه البر وهو باليمين. وأشار بمقابل المعروف إلى ما أخذه اللخمي من سقوط الزكاة في القطاني من القول بقصر الزكاة على المخبوز. وعلى هذا فلو قال على المنصوص لكان أحسن. وأما التمر فلا خلاف فيه، والزبيب ملحق به، وما ذكره في الزيتون والجلجلان هو المشهور. وأسقط ابن وهب الزكاة عنهما وعن كل ما له زيت.
ابن عبد السلام: وهو الصحيح؛ لأنه ليس بمقتات. انتهى. وقد يقال أنه وإن لم يكن مقتاتاً فإن له مدخراً وهو مصلح للقوت. والجلجلان: هو السمسم. وعطف الجلجلان على القطاني يقتضي أنه ليس من القطاني، وهو المشهور.
قال في البيان: المشهور في المذهب أن الجلجلان والأرز ليسا من القطاني وإنما هما صنفان لا يضافان إلى غيرهما، ولا يضاف بعضهما إلى بعض، وكذلك الذرة والدخن، وقد روي عن مالك أن الأرز والجلجلان من القطاني، روى ذلك عنه ابن زياد. وأما الكرسنة، فمذهب ابن حبيب أنها صنف على حدة. وقال ابن وهب: لا زكاة فيها، واختاره يحيى بن عمر وهو الأظهر؛ لأنها علف وليست بطعام. انتهى.
ولا تَجِبُ فِي الْقَضْبِ والْبُقُولِ
يصح أن يقرأ بالضاد المعجمة، وهو نبت يشبه القرط وتأكله الدواب. وبالصاد المهملة هو قصب السكر، وكلاهما ذكره ابن الجلاب.
ولا فِي الْفَوَاكِهِ كَالرُّمَّانِ، وكَذَلِكَ التِّينُ عَلَى الأَشْهَرِ فِيهِمَا
مقابل الأشهر في الرمان ونحوه لابن الماجشون كما تقدم. ودليل المشهور ما قاله مالك في موطئه: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم: أنه ليس في شيء من الفواكه صدقة كالرمان، والفرسك، والتين، وما أشبه ذلك. والقول بوجوبها في التين لابن حبيب وهو الأقرب، وهو أولى من الزبيب؛ ولهذا قال ابن القصار: إنما تكلم مالك على بلده ولم يكن التين عندهم وإنما كان يجلب إليهم، وأما بالشام وغيره ففيه الزكاة.
خليل: وتصريح المصنف وغيره بأن المشهور سقوط الزكاة عن التين يبعد كلام ابن القصار، ويبعده أيضاً أنه من المعلوم أنه جاء إلى مالك من الشام والأندلس، فيبعد أن مالكاً لم يسمع أنه مقتات هنالك.
وفِي حَبِّ الْفُجْلِ والْكَتَّانِ، والْعُصْفُرِ، ثَالِثُهَا: إِنْ كَثُرَ فَكَالزَّيْتُونِ والْجُلْجَلانِ
أي: الفجل الأحمر: كذا ذكره ابن بشير، وابن شاس. وبذر الكتان معروف. وبذر العصفر: القرطم. ولا خفاء في تصور الأقوال من كلامه. ونص مالك في المدونة على وجوب الزكاة في حب الفجل. اللخمي: وقيل لا زكاة فيه.
قال ابن يونس: واختلف قول مالك في حب القرطم وبذر الكتان، قال مرة: لا زكاة في ذلك، وبه أخذ سحنون. وقال مرة: فيهما الزكاة، وبه أخذ أصبغ. وروى عنه ابن القاسم: أن في حب القرطم من زيته، ولا زكاة في بذر الكتان ولا في زيته. انتهى.
وهذه الرواية الثالثة في العتبية. وزعم في البيان أنه لم يختلف قول مالك في أن الزكاة لا تجب فيه. وحكى القول بالوجوب عن أصبغ، واختار اللخمي السقوط في بذر الكتان والقرطم؛ أي: أنهما ولو كان لهما زيت فهو كزيت اللوز. والقول الذي حكاه المصنف بالتفرقة رواه ابن حبيب. قال عنه في المجموعة: وما علمت أن في حب العصفر وبذر الكتان زكاة. قيل: إنه يعصر منه زيت كثير. قال: فقيه الزكاة إذا كثر. وألحق اللخمي ببذر الفجل بذر السلجم الذي يعمل بمصر، والجوز بخراسان.
وفِيمَا لا يُثْمِرُ، ولا يُزَبِّبُ، ولا يُخْرِجُ زَيْتاً قَوْلانِ
كبسر مصر وعنبها وزيتونها. والمشهور: وجوب الزكاة إلحاقاً بالغالب. ونص ابن وهب على السقوط في الزيتون الذي لا يخرج زيتاً.
والنِّصَابُ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ ومَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ. وَالْوَسَقُ: سِتُّونَ صَاعاً. والصَّاعُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٌ. والرَّطْلُ: مِائَةٌ وثَمَانِيَةٌ وعِشْرُونَ دِرْهَماً. والدِّرْهَمُ: سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ. والْمِثْقَالُ: اثْنَتَانِ وثَمَانُونَ حَبَّةً وثَلاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنَ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ.
اعلم أن تحرير ما ذكره كله موقف على تحرير الدرهم، وما ذكره فيه مخالف لما عليه الناس، وتبع فيه ابن شاس ابن عبد السلام، ونقله ابن شاس من كلام عبد الحق على
خلل في نقل ابن شاس- وأظنه كان في نسخته- ونقله عبد الحق من كلام ابن حزم وقد خالف فيه [141/ ب] الإجماع على ما نقله ابن القطان وغيره، بل قال جميعهم: إن جميع الدينار اثنتان وسبعون حبة، والدرهم سبعة أعشاره وهو خمسون حبة وخُمْسَا حبةٍ من الشعير. انتهى. ابن راشد: ووقع بيدي لبعض المتأخرين ما سأذكره. قال: اعلم- وفقنا الله تعالى وإياك لطاعته- أن درهم الكيل هو الذي تركب منه الأوقية، والرطل، والمد، والصاع، ولهذا سمي درهم الكيل؛ أي: الذي تحققت به المكاييل في الشرع وصح. فالنقل: أن زنته من حب الشعير خمسون حبة وخمسا حبة، تكون الحبة متوسطة غير مقشرة وقد قطع من طرفها ما امتد وخرج عن خلقها. ثم ذكر كلاماً طويلاً تركته لعدم الضرورة إليه، وانظره.
قال ابن الجلاب: فمبلغ النصاب ألف وستمائة رطل بالبغدادي وأما مبلغه كيلاً، فقال القاضي أبو محمد: خمسون ويبة، وهي ثمانية أرادب وثلث إردب. وقال ابن القاسم في المجموعة: هي عشرة أرادب.
خليل: وكأن هذا الإردب أصغر من الإردب المصري عندهم، وإلا فقد حرز النصاب في سنة سبع وأربعين أو ثمان وأربعين بمد معيرَّ على مد النبي صلى الله عليه وسلم فوجد ستة أرادب وثلث إردب وربع إردب بإردب القاهرة ومصر، وذلك بحضرة شيخنا رحمه الله. وما ذكره المصنف من أن المد رطل وثلث، قال في البيان: هو المشهور. قيل: بالماء وقيل: بالوسط من البر. وقيل: رطل ونصف. وقيل: رطلان. انتهى. وقال سند: رطل وثلث من الزبيب، أو الماء، أو العدس.
فائدة:
ذكر ابن عبد البر في الاستذكار، وابن رشد وغيرهما: أن مقدار الخمس أواقٍ التي أوجب فيها عليه الصلاة والسلام الزكاة مائتان وثمانون من دراهم الأندلس. ووقفت على تصنيف لبعض الأندلسيين أن هـ ذا الدرهم يسمى درهم الداخل؛ أي: لأنه دخل كل
أربعين من وزنهم في وزن مائة شرعية. وذكر أن المائتين وثمانين تبلغ عندهم ثمان عشرة أوقية، وطلبت تلك الأوقية فأتى لي من أثق به بأربع أواق وأخبرني أن الأوقية لم تتغير، فوزنتها فجاءت أحد وأربعين درهماً وربعاً، فكان مقدار النصاب على هذا العمل بدراهم مصر مائة وخمس وثمانين درهماً ونصف درهم وثمن درهم، ثم لم أكتف بذلك بل اعتبرت ذلك بالشعير فجاءت كذلك أو قريباً من ذلك، فاعلم هذه الفائدة، والله يجزي كلاً بحسب نيته. والله أعلم.
ولا زَكَاةَ عَلَى شَرِيكٍ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّتُهُ نِصَاباً فِي عَيْنٍ، أَوْ حَرْثٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ
هذا متفق عليه في العين والحرث. وقد تقدم خلاف ابن وهب في الماشية.
فَلَوْ نَقَصَتْ حِصَّةُ أَحَدِ الوْرَثَةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَى المَيِّتِ
يعني: إذا طابت الثمرة على ملك الوارث، فإن مات الموروث قبل طيبها فتنظر في حصة كل وارث، فإن كانت نصاباً زكاه وإلا فلا. وأما إن مات بعد طيبها اعتبر الجميع، فإن كان الجميع نصاباً زكي ولا التفات إلى ما يحصل لكل وارث، وهو معنى قوله:(مَا لَمْ تَجِبْ عَلَى المَيِّتِ).
والْمُوصَى لَهُ مُعَيَّناً بِجُزْءٍ قَبْلَ طِيبِهِ أَوْ بِزَكَاتِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ والنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وكَذَلِكَ الْمَسَاكِينُ، إِلا أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ
كما لو قال: ربع زرعي أو ثلثه لفلان قبل طيبه، أي: كانت الوصية بالجزء للمعين قبل الطيب. وقوله: (أَوْ بِزَكَاتِهِ) يحتمل أن يعود الضمير على الجزء، ويحتمل أن يعود على المزكى، والحكم فيهما واحد. وقوله:(أَوْ بِزَكَاتِهِ) أي: بمقدار زكاته؛ إذ الفرض أنه مات قبل الطيب. ولهذا قال في المدونة: ومن أوصى بزكاة زرعه الأخضر، أو بثمرة حائطه قبل طيبها، فهي وصية من الثلث غير مبدأ إن لم تلزمه، فلا تسقط هذه الوصية
عن الورثة بزكاة ما بقي له؛ لأنه كرجل استثنى عشر زرعه لنفسه وما بقي فللورثة. قوله: (كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ) أي: في صورتي الإيصاء بجزء والإيصاء بالزكاة، ولكونه كأحدهم تجب عليه نفقة جُزْءَيْهِ من سقي وعلاج. وقوله:(وكَذَلِكَ الْمَسَاكِينُ) أي: إذا أوصى لهم بجزء معين أو بالزكاة قبل الطيب، فإن كانت حصتهم خمسة أوسق فأكثر، قال في المدونة: زكاه المصق وإن لم يقع لكل مسكين إلا مد واحد، إذ ليسوا بأعيانهم وهم كمالك واحد، ولا يرجع المساكين على الورثة بما أخذ منهم المصدق. انتهى.
وقال ابن الماجشون: لا يؤخذ من المساكين زكاة لأنها ترجع إليهم. وفيه نظر، لأن مصرف الزكاة أعم منهم. وقوله:(إِلا أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) أي: في الإيصاء للمساكين. والفرق أن المعين استحقه يوم الوفاء وله النظر فيه، وأما غير المعين فلا يتأتى فيه نظر، فكان لذلك قرينة دالة على إرادة الموصي بالجزء الموصى به بعد طيبه. ابن أبي زيد: فإن زادت النفقة على الثلث أخرج محمل الثلث. وإن لم يكن للميت مال قيل للورثة أنفقوا وقاسموهم، فإن أبوا دفعوه مساقاة، فيأخذ المساقي جزءه ثم يقتسمون ما بقي. واحترز المصنف بقوله:(بجزء [142/ أ] معين) مما لو أوصى بأوسق معينة، فإن الزكاة والنفقة في مال الميت بلا إشكال.
والْمُعْتَبَرُ حَالُ كَمَالِهِ كَالرِّبَا
يعني: أن المعتبر في قدر النصاب حال كماله، إلا أن الكمال يختلف، ففي الحبوب والثمار اليبس، وفي العنب كونه يبقى زبيباً. وحاصله: أن الخارص إنما يخرص الخمسة الأوسق باعتبار ما تصير الثمرة إليه إذا يبست.
وقوله: (كَالرِّبَا) أي: كما أن المساواة المطلوبة في باب الربا إنما تعتبر إذا طاب الربوي وتناهى. وقد نص أهل المذهب على أن الثمر إنما يكال في الزكاة ويعتبر النصاب فيه إذا يبس. ووقع في السليمانية: في الزيتون أيضاً أنه يقدر نصابه بعد جمعه ويبسه، وأنكره
بعضهم وفرق بين الثمر وبينه؛ بأن الثمر لا تتم المنفعة به حالاً ومآلاً إلا إذا يبس، وأما الزيتون فالمنفعة فيه إنما هي في زيته وعصره بإثر جمعه، وقبل تجفيفه أحسن. وإنما يتأخر عصره لتعذر المعاصر وطلباً لجمع باقيه لا طلباً لزيادة وصف فيه.
ومَا لا يُثْمِرُ يُقَدَّرُ تَثْمِيرُهُ لا عَلَى حَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ
كبسر مصر. وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا كان عنده خمسة أوسق فقط. فعلى المشهور لا تجب فيه الزكاة للنقص إذا قدر تثميره، وعلى الشاذ تجب.
والْمُعْتَبَرُ مِعْيَارُ الشَّرْعِ فِيهِ
أي: والمعتبر في النصاب معيار الشرع في ذلك الشيء من كيل كالقمح، أو وزن كالزيت والعنب. وإن لم يكن للشرع معيار فبعادة محله، وهذا من قول ابن عبد السلام. يعني: أنه على القولين يعتبر فيه خمسة أوسق، فيقدر في المشهور يابساً، وفي الشاذ بسراً.
وتُضَمُّ الأَنْوَاعُ بِاتِّفَاقٍ ولا تُضَمُّ الأَجْنَاسُ، والْمُعْتَبَرُ اسْتِوَاءُ الْمَنْفَعَةِ وتَقَارُبُهَا وإِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ
…
أي: أن أنواع الثمر وغيره يضم بعضها إلى بعض باتفاق وتزكى إن كان في المجموع نصاباً. ابن عبد السلام: ولم يتعرض المصنف لنقل الاتفاق في عدم ضم الأجناس. ومنهم من يقول: تضم الأنواع والأجناس المتقاربة ولا يضم ما عداها؛ لأن هذا يرى أن القمح والشعير جنسان ولكنهما متقاربان، فلو نقل الاتفاق لأوردت عليه هذه العبارة.
وقوله: (والْمُعْتَبَرُ اسْتِوَاءُ الْمَنْفَعَةِ وتَقَارُبُهَا) أي: والمعتبر في الحكم على الشيئين بأنهما نوعان تساويهما في المنفعة كالقمح والشعير، أو تقاربهما وإن لم يتأكد التقارب كالقمح والشعير.
والْمَنْصُوصُ أَنَّ الْقَمْحَ والشَّعِيرَ والسُّلْتَ جِنْسٌ، وفِي الْعَلَسِ مَعَهُمَا قَوْلانِ
ومقابل المنصوص مخرج من قول السيوري وتلميذه عبد الحميد: أن القمح والشعير جنسان في البيوع، لكن لا أعلم أنه قاله في السلت. قال ابن حبيب: وضم العلس إليهما هو قول مالك وأصحابه إلا ابن القاسم. وعزا غيره عدم الضم لابن القاسم، وابن وهب، وأصبغ، والأقرب الضم.
والأُرْزَ، والدُّخْنَ، والذُّرَةَ أَجْنَاسُ عَلَى الْمَشْهُورِ
أي: فلا تضم. والمشهور مذهب المدونة. والقول بالضم ذكره الباجي تخريجاً على قول ابن وهب أنها صنف واحد في الربا.
وفِي الْقَطَانِيِّ: الْمَشْهُورُ الضَّمُّ- بِخِلافِ الرِّبَا- لِمَا ثَبَتَ مِنْ ضَمِّ الْعَيْنَيْنِ وإِنْ كَانَا فِي الرِّبَا جِنْسَيْنِ
…
القطاني، والعدس، والحمص، واللوبيا، والباقلاء، والترمس، والجلبان، والبسيلة، وليست البسيلة هي الكرسنة كما زعم ابن راشد، فإن البسيلة اتفق على أنها من القطاني، واختلف في الكرسنة على ما صرح به المصنف في باب البيوع.
قوله: (الْمَشْهُورُ الضَّمُّ) أي: أن المشهور في القطاني أنها جنس فتضم. ونص على الضم ولم ينص على الجنسية اتكالاً على ما قدمه أنه لا يضم إلا الأنواع قال في الجلاب: والقطاني نوع واحد يضم بعضها إلى بعض. وقال في الرسالة: والقطنية أصناف في البيوع. واختلف فيها قول مالك، ولم يختلف قوله في الزكاة أنها صنف واحد. وذكرنا عبارة الشيخين لتعلم أن قول ابن عبد السلام- يعني: أن القطاني أجناس، لكن الحكم في هذا الباب الضم- ليس بظاهر.
ابن راشد: والقول بعدم الضم أجراه القاضي أبو محمد من الخلاف في ضم بعضها إلى بعض في الربا، واختاره الباجي. انتهى. وظاهر كلام اللخمي: أن القولين منصوصان. واختلف هل هي في نفسها صنف واحد في الزكاة والبيع أو أصناف؟ فذكر القاضي أبو محمد عبد الوهاب فيها قولين: هل تجمع في الزكاة والبيع، أم لا. انتهى. وذكر ابن يونس أن ابن المواز قاله. فإن قيل: كيف تجمع القطاني في الزكاة وهي يجوز الواحد منها بالاثنين في غيره؟ قيل: والورق والذهب يجمعان في الزكاة، وقد يؤخذ في الدنانير أضعافه من الدراهم. وهذا معنى قوله:(بِخِلافِ الرِّبَا- لِمَا ثَبَتَ مِنْ ضَمِّ الْعَيْنَيْنِ) إلى آخره. وبه تعلم الجواب على إجراء عبد الوهاب.
وإِنْ كَانَ مَا يَضُمُّ بَطْنَيْنِ، فَفِي اعْتِبَارِ فَصْلِ الْوَاحِدِ فِيهِمَا أَوْ زِرَاعَةِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ حَصَادِ الآخَرِ قَوْلانِ
…
يعني بالبطنين: زراعة أرضين؛ لأن الأرض الواحدة تزرع وتحصد ثم تزرع ثاني مرة؛ لأن هذا الثاني لا اختلاف في عدم ضمه، قاله ابن عبد السلام. مع أنه أقرب إلى أن يسمى بطناً من النوع الأول؛ لأن اختلاف البطن في الولادة إنما يستعمل غالباً مع اتحاد الأم لا مع تعددها. ولكن لا يصح [142/ ب] حمل كلام المصنف عليه؛ لقوله:(زِرَاعَةِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ حَصَادِ الآخَر). ثوبه: (فَفِي اعْتِبَارِ) أي: أنه اختلف في موجب الضم هل هو زراعة أحدهما قبل حصاد الآخر، أو الاجتماع في فصل واحد من فصول السنة الأربعة؟ والأول قول ابن مسلمة، والثاني لمالك في كتاب ابن سحنون. قال اللخمي: وروى عنه ابن نافع أنه لا زكاة عليه حتى يرفع من كل واحد ما تجب فيه الزكاة، وهو أحسن. انتهى.
وعَلَى الثَّانِي لَوْ كَانَ وَسَطاً ولا يَكْمُلُ النِّصَابُ إِلا بِالثَّلاثَةِ أَوْ بِاثْنَيْنِ، فَقَوْلانِ: تُضَمُّ الثَّلاثَةُ، ويُضَمُّ الْوَسَطُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْخَلِيطِ
…
أي: وإذا فرعنا على أن الموجب زراعة أحدهما قبل حصاد الآخر، فلو حصل الزرع في ثلاثة مواضع وكان زرع الثاني قبل حصاد الأول، وزرع الثالث قبل حصاد الثاني،
قيل: تضم الثلاثة، بناء على أن خليط الخليط خليط. وقيل: بل يعتبر الوسط الأول والثاني، فإن اجتمع منهما نصاب زكاة وإلا فلا. والقولان مخرجان من الخلاف في خليط الخليط، قاله ابن راشد. فلو كان في الأول وسقان، والثالث وسقان، والوسط ثلاثة أوسق، زكى الجميع على القولين، بأنك إذا ضممت الوسط إلى الأول كانا خمسة أوسق، وإن أضفته إلى الآخر كانا خمسة أوسق، وإن كان الوسط وسقين والمسألة بحالها، وجبت الزكاة على القول بأن خليط الخليط كالخليط ولم تجب على القول الآخر، ولو كان الأول وسقاً، والثالث وسقين، والوسط ثلاثة زكى الوسط والآخر، ويختلف في الأول. والله أعلم.
ويُضَمُّ الْمُفْتَرَقُ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى كَالْمَاشِيةِ
لا خلاف فيه، قاله ابن عبد السلام.
وتَجِبُ بِالطِّيبِ والإِزْهَاءِ والإِفْرَاكِ. وقِيلَ: بِالْحَصَادِ أَوْ بِالْجُذَاذِ. وقِيلَ: بِالْخَرْصِ فِيمَا يُخْرَصُ
…
الطيب عام في جميع الثمرة، والإزهاء خاص بالتمر وهو طيب أيضاً، فهو من عطف الخاص على العام. والإفراك في الحب خاصة. وحاصل كلامه: أن في الحبوب قولين وفي الثمار ثلاثة. والأول قول مالك، قال: إذا أزهت النخل وطاب الكرم واسود الزيتون وأفرك الزرع واستغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة، وإلى هذا أشار بقوله:(وتَجِبُ بِالطِّيبِ والإِزْهَاءِ والإِفْرَاكِ) والقول الثاني: أنها لا تجب في الزرع إلا بالحصاد، ولا تجب في التمر إلا بالجذاذ. ونسبه اللخمي، وابن هارون، وابن راشد لابن مسلمة.
ابن راشد: واحتج بقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وهو معنى قوله: (وقِيلَ: بِالْحَصَادِ أَوْ بِالْجُذَاذِ) والقول الثالث خاص بالتمر أنها لا تجب إلا بالخرص، وهو للمغيرة، ورأى الخارص في ذلك كالساعي. وترتيب هذه الأشياء في الوجود: هو أن الطيب أولاً، ثم الخرص، ثم الجذاذ. وأن الإفراك أولاً، ثم الحصاد. والله أعلم.
وعَلَيْهَا لَوْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ بَاعَ أَوْ عَتَقَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ
أي: وتظهر ثمرة الخلاف في انتقال الملك بين هذه الأشياء، ولا فرق بين ما نص عليه وغيره، كالهبة، والصدقة، واستحقاق النصف بالطلاق ونحوه، ولا خلاف فيه.
ويُخْرَصُ التَّمْرُ والْعِنَبُ إِذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا بِخِلافِ غَيْرِهِمَا عَلَى الأَشْهَرِ، فَقِيلَ: لِحَاجَةِ أَهْلِهِ، وقِيلَ: لإِمْكَانِهِ وعَلَيْهِمَا فِي تَخْرِيصِ مَا لا يُخْرَصُ لِلْحَاجَةِ قَوْلانِ
أما تخريص التمر، فصح عنه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، وأما العنب فجاء فيه حديث عتاب بن أسيد رواه عنه سعيد بن المسيب ولم يذكره، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما تؤخذ زكاة النخل تمراً ولا يخرص غيرهما. قال في الموطأ: وعلى ذلك الأمر عندنا. ومقابل الأشهر إلحاق غيرهما، وصححه بعضهم في الزرع إذا لم تؤمن عليه أربابه وخيف منهم. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا خيف منهم وكَّل عليهم أمين ولم يخرص عليهم. وكذلك اختلف في الزيتون إذا لم تؤمن عليه أربابه هل يخرص أو يوكل عليهم أمين؟
واختلف في تعليل الخرص في التمر والعنب، فقال في المدونة، والموطأ: إن ذلك توسعة عليهم. أي: أن الحاجة داعية إلى أكلهما رطبين. قيل: بل لإمكان الحزر فيهما دون غيرهما. وعلى التعليلين اختلف في تخريص غيرهما إذا احتيج إليه، فيخرص على الأول دون الثاني. هكذا قال المصنف وفيه نظر؛ لأنه علل في المدونة بالأول فلو كان كما قال المصنف للزم أن يكون المشهور تخريص غيرهما إذا احتيج إليه وليس كذلك. قال في المدونة: ولا يخرص إلا العنب والتمر للحاجة إلى أكلهما رطبين. انتهى.
والذي ينبغي أن يقال: إنما اعتبر في المدونة شدة الحاجة في غالب الأوقات والأزمان، والزيتون ونحوه ليس كذلك. وفي التعليل الثاني نظر؛ لأن الزيتتون والحب يجوز بيعهما إذ ذاك، ولو لم يمكن الحزر فيهما لم يجز بيعهما. والله أعلم.
ويُخْرَصُ نَخْلَةً نَخْلَةً ويَسْقُطُ نَقْصُهُ
هذا صفة الخرص؛ أي: أن الخارص لا يخرص الحائط جملة واحدة وإنما يخرص نخلة نخلة؛ لأنه أقرب إلى الحزر. هكذا روى ابن نافع عن مالك. قاله ابن يونس والباجي. (ويَسْقُطُ نَقْصُهُ) من كل نخلة ما يظن أنه ينقص إذا جف. ووقع في بعض النسخ: (ويسقط سقطه)؛ أي: ما يرميه الهواء، وما يفسد [143/ أ]، وما يجف، وما يأكله الطير، وما يأكلونه ويعرونه. والنسخة الأولى أصح؛ لأن المشهور أنه لا يترك له شيء لا للأكل ولا للفساد. ونص عليه الباجي وابن راشد وغيرهما.
ووقع في بعض النسخ: (ويخرص جملة). وقيل: يسقط بعضه، وهي موافقة للمنقول. والقول الشاذ حكاه ابن الجلاب، ولفظه: وعنه في تجفيف الخرص وترك العرايا والثنايا روايتان؛ إحداهما: أنه يجفف خرص التمرة على أربابها ويترك لهم ما يعرونه وما يأكلونه. والرواية الأخرى: أنه يخرص عليهم التمر كله ولا يترك منه شيء.
فرع:
قال في المدونة: ويحسب على رب الحائط ما علف، أو أكل، أو تصدق بعد طيبه.
وقال في العتبية: فيما أكل الناس من زرعهم وما يستأجرون به مثل الْقَتِّ التي يعطي منها حَمْلُ الحِمْلِ بِقَتَّةٍ. قال مالك: أرى أن يحسبوا كل ما أكلوا أو استحملوا به، فيحسب عليهم في العشر. وأما ما أكلت منه البقر والدواب في الدراس إذا كانت في الدرس، فلا أرى عليهم فيه شيئاً. قال في البيان: أما ما أكل منه بعد يبسه وعلفه فلا اختلاف في أن عليه أن يحصبه. واختلف فيما تصدق به بعد اليبس إن كانت الصدقة على المساكين.
ابن يونس: قال مالك في العتبية: لا يحسب عليه ما كان بلحاً، وليس هو مثل الفريك يأكله من زرعه، ولا الفول ولا الحمص الأخضر هذا يتحراه، فإن بلغ خرصه على اليبس خمسة
أوسق زكاه وأخرج عنه حباً يابساً من ذلك الصنف. قال في الموازية: وإن شاء أخرج من ثمنه. انتهى.
ويَكْفِي الْخَارِصُ الْوَاحِدُ بِخِلافِ حَكَمَي الصَّيْدِ
الأصل فيه إرساله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة لتخريص النخل، ولأنه حاكم، وأما حكما الصيد فإنهما يخرجان عن الشيء من غير جنسه فأشبه المقومين، فإنه لابد أن يكونا اثنين. قاله الباجي.
وَلَوِ اخْتَلَفَ ثَلاثَةٌ، فَالرِّوَايَةُ: يُؤْخَذَ بِقَوْلِ الْجَمِيعِ
كما لو قال أحدهم ستة، والآخر ثمانية، والآخر عشرة، فيؤخذ ثلث ما قال كل واحد فيكون عليه زكاة ثمانية. وإن كانا اثنين أخذ من قول كل واحد النصف، وإن كانوا أربعة أخذ من كل واحد الربع، ثم كذلك. ابن عبد السلام: ومذهب المدونة في هذا الأصل العمل بقول من زاد، كما في مقوم السرقة.
خليل: وحاصله التخريج إذ لم ينص في المدونة في الزكاة على ما قال وفيه نظر؛ لأن الخارص كالحاكم فلا يلغي قوله، بخلاف التقويم فإنه شهادة والشهادة ترجح الزيادة، والمراد فيها المعرفة كالجرح والتعديل. والله أعلم.
فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَعْرَفَ، فَبِقَوْلِهِ فَقَطْ
يعني: أن الحكم المتقدم إنما هو إذا تساووا في المعرفة، وأما إن كان فيهم أعرف، فالعمل على قوله لغلبة الظن بصدقه.
ولَوْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَالْمُعْتَبَرُ مَا بَقِيَ اتِّفَاقاً
أي: لو خرص الخارص ثم أصابت الثمرة جائحة فالمعتبر ما بقي بعد الجائحة باتفاق، فإن بقي نصابُ ما زكاه، وإلا فلا زكاة على المشهور، خلافاً لابن الجهم.
ولَوْ تَبَيَّنَ خَطَأُ الْعَارِفِ، فَفِي الرُّجُوعِ إلَى َما تَبَيَّنَ قَوْلانِ، والْمَشْهُورَ: أَنَّهُمْ إِذَا تَرَكُوهُ فَالْمُعْتَبَرُ مَا وُجِدَ ..
قيد المسألة بالعارف؛ لأن غيره يرجع إلى ما تبين بالاتفاق، قاله ابن بشير. والقول بأنه يرجع لما تبين من نقص وزيادة نقله الباجي عن ابن نافع. والقول بأنه لا يرجع لما تبين وإنما يعتمد على ما قاله الخرص حكاه التونسي. وقد اختلف في فهم المدونة على القولين؛ لأن فيها: ومن خرص عليه أربعة أوسق فوجد خمسة، أحب إلى أن يؤدي زكاتها لقلة إصابة الخارص اليوم. فحمل جماعة لفظة (أحب) على ظاهرها، وحملها بعض القرويين على الوجوب. ابن يونس: وهو صواب؛ لقوله في المجموعة: يؤدي زكاة ما زاد. قال في التنبيهات: والاستحباب ظاهر الكتاب؛ لقوله: أحب. وتعليله بقلة إصابة الخارص ولو كان على الوجوب لم يلتفت إلى إصابة الخارص ولا خطئه. انتهى.
اختار التونسي، وابن يونس وغيرهما قول ابن نافع. أي: لأنه كالحاكم يحكم ثم يظهر أنه أخطأ.
وقال مالك في العتبية: يخرج عن الفضل؛ يريد: واجب عليه، وهو أصح مما في المدونة؛ لأنه قال فيها: أحب إلي؛ لأن نهاية خرص الخارص أن يُجعل كحكم الحاكم، وهذا الاختلاف إنما هو إذا خرصه عالم في زمان العدل، وأما إن خرصه جاهل أو عالم في زمان الجور، فلا يلتفت إلى ذلك ويعمل صاحب المال على ما وجد. انتهى.
ولم يجعل اللخمي الرجوع إلى الزائد في زمان الجور متفقاً عليه، بل جعل ذلك قولاً ثالثاً. وهذا- أعني كون هذا ثالثاً- هو ظاهر كلامه، وقد صرح أبو الحسن بذلك. واعلم أنالنقص إنما يتحقق مع قيام البينة، وأما مع عدمها فلا؛ لجواز أن يكون النقص لا كله أو غيره هذا ما وجدته. والمصنف شهر القول الثالث- والله أعلم من أين أخذه- ومعناه: أن أرباب الثمار إذا تركوها، فالمعتبر ما وجد من زيادة ونقص [143/ ب]. وإن
لم يتركوه، فالمعتبر ما خرصه الخارص وفيه إشكال؛ لأنه كيف يقال: إذا لم يتركوه وأكلوا منه، وزاد لا يخرج عن الزيادة، وإذا تركوه يؤخذ منهم ما زاد، والمتبادر إلى الذهن خلافه. وهذا إنما يأتي على المعنى الذي مشينا عليه كلام المصنف، وكذلك أيضاً مشاه ابن راشد، وابن عبد السلام. ويحتمل أن يكون المعنى: إذا تركوه الخراص، ويكون كقول مالك في العتبية فتأمل ذلك، وهو أقرب من الأول.
وما ذكرناه من أن قوله: (والمشهور القول ثالث) هو ظاهر هنا. وظاهر كلام ابن عبد السلام: أنه فرع آخر. وجعل ابن عبد السلام مذهب المدونة: أنه يحمل على قول الخارص أولاً. خليل: وهو يأتي على رأي من حمل المدونة علىلاستحباب. والله أعلم.
وَالْمُخْرَجُ: الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، كَالسَّيحِ، وَمَاءِ السَّمَاءِ، وَبِعُرُوقِهِ. وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ، كَالدَّوَالِيبِ، والدِّلاءِ وَغَيْرِهِمَا.
هو ظاهر.
وَلَوِ اشْتُرِيَ السَّيْحُ لَهُ، فَالْمَشْهُورُ: الْعُشْرُ
فوجه المشهور عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر". وما شهره المصنف نقله ابن أبي زمنين عن بعض أشياخه. ونقل ابن يونس مقابله عن عبد الملك بن الحسن، قال: وقال بعضهم: وهذا أعدل؛ لأن المشقة فيه كالسواني، ولا يقال أنه قياس يعود على النص بالإبطال، كما قال ابن بشير؛ لأنا نقول: إنما يلزم ذلك أن لو حكمنا بنصف العشر مطلقاً، أما إذا قلنا به في صورة فلا.
فَلَوْ أَجْرَاهُ بِنَفَقَةٍ فَالْعُشْرُ. وَقِيلَ: إِلا الأُولَى
الأول هو المشهور، والثاني للخمي. ومعنى (إِلا الأُولَى) أي: السنة الأولى، ففيه نصف العشر.
وَإِنْ سُقِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَتَسَاوَيَا، فَقَوْلانِ: يُعْتَبَرُ مَا حَيَا بِهِ، وَالْقِسْمَةُ
أي: القولان لمالك. قوله: (مَا حَيَا بِهِ) أي: الأخيرة. يشهد لذلك ما قالوه في الرجل يداين القوم في سقي زرعه ثم فلس، أنه يبدأ بآخرهم ديناً.
قوله: (وَالْقِسْمَةُ) أي: يؤخذ ثلاثة أرباع العشر. قال ابن بشير: وهو القياس.
وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَثَلاثَةٌ: الأَكْثَرُ، وَمَا حَيَا بِهِ، وَالْقِسْمَةُ
هذه كلها روايات، وبالأول أخذ ابن القاسم. قال ابن شاس: وهو المشهور. قال ابن القاسم: الأكثر الثلثان وما قاربهما، فإن زاد على النصف يسيراً خرج نصفين.
وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ اتِّفَاقاً
يعني: كيف كان طيباً كله، أو رديئاً كله، أو بعضه طيباً، وبعضه رديئاً.
خليل: وفي الاتفاق نظر؛ لأنه قال في الجلاب: وتؤخذ الزكاة من وسط الحبوب والثمار المضموم بعضها إلى بعض في الزكاة، ولا يؤخذ من أعالي ذلك ولا من أدانيه. نعم نص اللخمي وابن شاس على ما قاله المصنف.
وَفِي الثِّمَارِ، ثَالِثُهَا: الْمَشْهُورُ إِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَمِنَ الْوَسَطِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِداً فَمِنْهُ
…
أي: الأول من الثلاثة: يؤخذ الوسط مطلقاً كالماشية، وهو قول عبد الملك. ورواه ابن نافع عن مالك، وهو ظاهر الموطأ.
والثاني: أنه يؤخذ مطلقاً، وهو قول أشهب؛ لأن الأصل إخراج زكاة كل مال منه. واستثنى الشرع أخذ الرديء من الماشية، فيبقى ما عداه على الأصل.
والثالث وهو المشهور، وهو مذهب الكتاب: إن كان نوعاً واحداً أخذ منه جيداً كان أو رديئاً، وإن كان مختلفاً فمن الوسط. وهذا إذا كانت الأنواع متساوية، وإن كان أحدهما أكثر كثرة ظاهرة، فقال عيسى ابن دينار: يؤخذ منه. قال في الجواهر: وروى أشهب أنه يؤخذ من كل واحد بقسطه.
واعلم أنه في المدونة إنما ذكر أنه يؤخذ من الوسط مع الاختلاف في الثلاثة الأنواع، وأما إن اختلف النوع على صنفين، فقال في الجواهر: أخ ذ من كل صنف بقسطه ولا ينظر إلى الأكثر. وقال عيسى بن دينار: إن كان فيهما أكثر أخذ منه. وألزم الباجي ابن القاسم من قوله: في أنواع أنه يخرج من وسطها، أن يكون في الذهب والورق. كذلك إذا اجتمعت منه أنواع.
وَفِيمَا لا يَكْمُلُ ولا يُزَبِبُ مِنْ ثَمَنِهِ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: مِنْ جِنْسِهِ. وَقِيلَ: مَا شَاءَ ....
أي: فيما لا يكمل. أي: كعنب مصر وزيتونها. القول المشهور: أنه يخرج من ثمنه؛ لأنه لما كان لا يدخر ولا يأكله أربابه غالباً بل يبيعونه نزل ثمنه منزلة كمال طيبه. والقول الثاني لابن الماجشون، ورواه ابن نافع عن مالك. والثالث لابن حبيب.
وَفِي الزَّيْتُونَ وَنَحْوِهِ: الزَّيْتُ الْمَشْهُورُ. وَثَالِثُهَا: الْحَبُّ يُجْزِئُّ، وَالزَّيْتُ يُجْزِئُ
تصوره ظاهر. ونحو الزيتون الجلجلان. ابن عبد السلام: المشهور هو الأصل، ولولا الزيت ما تعلقت بهذا النوع زكاة. والقول الثاني لابن كنانة، وابن مسلمة، وابن عبد الحكم وأسقطوا العصر عن مالكه، وهذه الطريقة في النقل أحسن من طريق من أفرد الزيتون عن الخلاف وقصر الخلاف على ما عداه. انتهى. وحكى قولاً بالتفرقة، فيجب الزيت في الزيتون والحب في غيره.
وَالْوَسْقُ بِالزَّيْتُونِ اتِّفَاقاً
أي: وإذا قلنا [144/ أ] إنما تخرج من الزيت، فيعتبر في تعلق الزكاة أن يكون الزيتون ونحوه خمسة أوسق اتفاقاً؛ يعني: ولا يشترط في الزيت بلوغه نصاباً بالوزن. والباء في قوله: (بِالزَّيْتُونِ) يتعلق بمحذوف؛ أي يعتبر بالزيتون.
فَلَوْ بَاعَ زَيْتُوناً لا زَيْتَ لَهُ فَمِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لَهُ زَيْتٌ مِثْلُ ما لزمه زَيْتاً، كَمَا لَوْ بَاعَ ثَمَراً أَوْ حَبّاً يَبُسَ ..
هذا ظاهر، وإذا أراد أن يخرج الزيت يسأل المشتري عما خرج منه إن كان يوثق به، وإلا سأل أهل المعرفة. وما ذكره المصنف هو قول ابن القاسم، وحكى القاضي أبو محمد قولاً بأنه يخرج من ثمنه.
فَإِنْ أَعْدَمَ الْبَائِعُ، فَفِي الأَخْذِ مِنَ الْمُبْتَاعِ قَوْلانِ لابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ
قال في المدونة: ومن باع زرعه بعد أن أفرك أو يبس، فليأت بما لزمه حباً ولا شيء على المبتاع، فإن أعدم البائع أخذ الساعي من المبتاع من الطعام إن وجده عنده بعينه، ثم يرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك من الثمن. وقال أشهب: لا شيء على المبتاع؛ لأن البيع كان له جائزاً. قال سحنون: وهو عندي أصوب. انتهى.
ورأى ابن القاسم أن البائع كالمتعدي في البيع؛ لأن الفقراء شركاؤه في الثمرة بالعشر أو نصفه، فهو كبيع الفضولي. وعكس ابن الجلاب نسبة هذا القول لأصحابنا، فلعل لكل منهما قولين. والله أعلم.
وَلَوْ تَلِفَ جُزْءٌ مِنَ النِّصَابِ فَكَالْعَيْنِ، إِلا أَنْ يُدْخِلَ الْجَمِيعَ بَيْتَهُ، فَإِنْ عَزَلَ عُشْرَهُ فِي أَنْدَرِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ إَذْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ .....
أي: لو تلف جزء من النصاب قبل التمكن من الأداء، فالجمهور على السقوط وقال ابن الجهم: يخرج عشر الباقي أو نصف عشره، كما قال في العين.
وقوله: (إِلا أَنْ يُدْخِلَ الْجَمِيعَ بَيْتَهُ) ظاهر التصور. ولنذكر كلامه في التهذيب فإنه أتم فائدة، قال فيه: ومن جذ ثمره أوحصد زرعه وفيه ما تجب فيه الزكاة فلم يدخله بيته حتى ضاع من الأندر أو الجرين، لم يضمن زكاته. وكذلك لو عزل عشره في أندره أو جرينه ليفرقه فضاع بغير تفريط فلا شيء عليه. وإن أدخل كله بيته قبل قدوم المصدق فضاع ضمن زكاته. قال مالك: وكذلك لو عزل عشره حتى يأتيه المصدق ضمنه؛ لأنه قد أدخله بيته. وقال ابن القاسم: إذا أخرجه وأشهد عليه فتأخر عنه المصدق لم يضمن. وبلغني أن مالكاً قال في ذلك: إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن. وقال المخزومي: إذا عزله أو حبسه المصدق فتلف بغير سببه فلا شيء عليه؛ إذ ليس عليه أكثر مما صنع، وليس عليه دفعه. انتهى.
قال في التنبيهات: واختلف المتأولون والشارحون في تحقيق مذهب مالك في المسألة وصحيح قوله فيها؛ لأنه قال مرة: هو ضامن إذا أدخله منزله، ومرة قال: إذا أخرج زكاته قبل أن يأتيه المصدق فضاعت فهو ضامن. وقال في المال: إذا لم يفرط لم يضمن، ثم قال: إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن. فذهب بعض شيوخ القرويين إلا أنه يحتمل ألا يكون خلافاً، وأن الرواية المطلبة بالضمان ترد إلى المقيدة بإدخاله بيته، وأن ابن القاسم بزيادته الإشهاد غير مخالف له؛ إذ يحتمل أن يشهد ليسقط عنه الضمان ثم يأكله، وأن مقتضى قول ابن القاسم بالإشهاد سواء ضاع في الأندر أو بعد إدخاله بيته، وأن مالكاً سوى بين أن يشهد أو لم يشهد. والمخزومي يبرئه وإن لم يشهد، وإلى نحو هذا المأخذ ذهب أبو عمران. وحمله غيره من الأنلدسيين على أن قولي مالك مختلفان؛ أحدهما: على الإطلاق ومتى لم يفرط لم يضمن، أدخل ذلك منزله أم لا، أشهد أم لا كالدنانير. والآخر: يضمن متى أدخله منزله أشهد أم لا. وقول المخزومي موافق للأول. وقول ابن القاسم مخالف للقولين معاً ويشترط الإشهاد، وسواء ضاع عنده كله أو العشر لا ضمان عليه وإن أدخله
منزله، وإلى هذا نحا شيخنا أبو الوليد وتردد نظره في الساعي نفسه لو ضيع ذلك، هل يضمن إذا لم يدخله بيته للحوز أو لا يضمن كالدنانير، ولم يختلف إذا ضيع أو ف رط أنه ضامن، كما لا يختلف أنه إذا أدخله الحرز والتحصين للخوف عليه في أندره، وقد قاله التونسي. وإنما يقع الاختلاف إذا لم يتحققوا الوجه الذي أدخله له، هل يصدق بدعواه الحرز أم لا يصدق. انتهى.
وَالْمَالُ الْمُحْبَسُ إِنْ كَانَ نَبَاتاً لِمُعَيَّنِينَ، فَالْمُعْتَبَرُ الأَنْصِبَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلا فَالْمُعْتَبَرُ الْجُمْلَةُ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ فَلا زَكَاةَ
المال المحبس إن كان نباتاً أو غيره، ثم إما أن يكون على معينين كزيد وعمرو وبكر أم لا، كالفقراء والمساكين، فإن كان على معينين وجبت الزكاة فيه على كل من بلغت حصته نصاباً، هذا معنى قوله:(فَالْمُعْتَبَرُ الأَنْصِبَاءُ) أي: يعتبر نصيب كل واحد على انفراده. ومقابل المشهور لسحنون والمدنيين: أنه يعتبر جملته، فإن كانت نصاباً زكاه ولا التفات إلى ما يحصل لكل واحد. واعلم أن ما شهره المصنف نسبه في الجواهر لابن القاسم، ونسبه اللخمي [144/ ب] وغيره لابن المواز، ولم أر من صرح بمشهوريته مثل ما فعل المصنف، ولم يقع في المدونة التصريح بأحد القولين، ولفظها: وتؤدي الزكاة عن الحوائط المحبسة في سبيل الله، أو على قوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم، وفهمها صاحب المقدمات على القول الشاذ في كلام المصنف، ونسب ما شهره المصنف للموازية، نعم اقتصر التونسي، واللخمي على ما شهره المصنف. وإذا بنينا على ما قاله المصنف من أن الاعتبار الأنصباء، فقيد اللخمي ذلك بما إذا كانوا يسقون ويكون النظر لهم؛ لأنها طابت على أملاكهم، وسواء كان الحبس شائعاً أو لكل واحد نخلة بعينها، وإن كان ربها يسقي ويلي ويقسم الثمرة زكيت إذا كان من جملتها خمسة أوسق. انتهى.
وعلى هذا فالمسألة مقيدة بما ذكره اللخمي ووقع في بعض النسخ. والمال إن كان يعرفه مالكه فالمعتبر جملته، وإلا فالمعتبر الأنصباء على المشهور، وهي موافقة للخمي.
وقوله: (وَإِلا) أي: وإن لم تكن على معينين فالمعتبر الجملة؛ إن كانت نصاباً زكى، وكذلك إن كانت محبسة على مسجد أو مساجد زكيت على ملك المحبس إن كانت في مجلتها نصاباً، وإن لم ينب كل مسجد إلا وسق واحد، واستحسن اللخمي عدم الزكاة، قال: لأن المساجد غير مخاطبات بالزكاة.
وقوله: (وَقِيلَ) هو قول ابن الماجشون. يعني: أن المشهور وجوب الزكاة وان حبست علي من يستحق الزكاة كالفقير؛ لانها تزكي علي ملك ربها وهم انما يستحقونها بعد الطيب، وسواء كانوا معينين أم لا. وقال ابن الماجشون: اذا كانت محبسة علي من يستحق الزكاة فلا زكاة؛ لأنها تصرف عليهم فلا فائدة في أخذها منهم وردها عليهم، وقاله طاووس ومكحول وفيه نظر؛ لأن مصارف الزكاة أعم ممن حبست عليه. والله أعلم.
قال في المقدمات: واختلف في الحبس إذا كان علي ولد فلان، هل يحمل ذلك محمل المعينين أم لا؟ علي قولين مدونين في الوصايا وغيرها.
وَتُزَكََّى الإِبِلُ المَوْقُوفَةُ مَنَافِعُهَا وَأَوْلادُهَا اتِّفَاقاً
يريد: أنها تزكى على ملك المحبس إذا بلغت النصاب، كانت على معينين أو مجهولين. قال اللخمي: لو حبس أربعين شاة على أربعة نفر لكل واحد عشرة بأعيانها زكيت؛ لأنه إنما أعطى المنافع، والأعيان باقية على ملكه. وحكى ابن يونس الاتفاق كالمصنف، وقال: لا خلاف أن في الأمهات الزكاة؛ لأنها موقوفة لما جعلها له. قال في القسم: وإن وقفت الأنعام لتكون غلتها من لبن أو صوف ونحوها، يفرق على معينين أو غير معينين، فالزكاة في الأمهات والأولاد جميعاً وحولهما واحد؛ لأن ذلك كله موقوف.
وظاهر قوله: (وَأَوْلادُهَا) أن الأولاد موقوفة؛ لأن الأولاد معطوفة على المنافع، فيكون تقدير كلامه: الموقوف منافعها والموقوف أولادها، لكن قوله بعد ذلك:(وفي أولادها ما تقدم) لا يناسب ذلك. فالظاهر أنه إنما أراد: الإبل موقوفة لا أن يملك الموقوف عليه الأولاد. والله أعلم.
وَفِي أَوْلادِهَا مَا تَقَدَّمَ
أي: في البتات إما أن يكون على معينين أم لا. إلى آخره.
وَتُزَكََّى الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ لِلسَّلَفِ، بِخِلافِ الْمُوصَى بِهِ لِيُفَرَّقَ عَلى الْمَشْهُورِ
إذا وقف رجل دنانير أو دراهم وسمى السلف، فقال مالك: تزكى؛ لأنها باقية على ملك ربها.
خليل: وفي النفس من زكاتها شيء، ويمكن أن يخرج فيها قول مما تقدم في المال المعجوز عن إنمائه، والعين الموصى بها لتفرق فلا زكاة فيها؛ لأنها خرجت عن ملك ربها بمجرد موته، وهي فائدة لمن تصير إليه، وهذا القول في الموازية. قال في المقدمات: وهو معنى المدونة. وظاهر كلام المصنف أن مقابل المشهور منصوص، والذي ذكره صاحب المقدمات- بعد أن ذكر المشهور- أنه خرج على قولين آخرين:
أحدهما: أن الزكاة لا تجب فيها إذا كانت تفرق على غير معينين، وتجب في حظ كل واحد منهم إذا كانوا معينين، وذكر أنه خرجه على كل مذهب، ويرى في فائدة العين الزكاة بحلول الحول عليه قبل القبض.
والثاني: أنها تجب في جملتها إن كانت تفرق على غير معينين، وفي حظ كل واحد منهم إن كانوا معينين. وذكر أنه خرجه على ما في الموازية في الماشية الموقوفة لتفرق، فإنه نص فيها على أن الحكم كذلك، وذكر في الماشية قولين آخرين: أحدهما: أن الزكاة تجب في حظ
كل واحد منهم إن كانوا معينين، ولا تجب إن كانت تفرق على غير معينين. قال: وهو نص قول أشهب في الموازية، ومعناه ما في المدونة. والثاني: أنه لا زكاة فيها كانت تفرق على معينين أو غير معينين، قال: وهو أضعف الأقوال.
وَمَصْرِفُ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ..} وَلَوْ أُعْطِيَتْ لِصِنْفٍ أَجْزَأَ
…
قال الله- عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ} [التوبة: 60]. قال مالك- رحمه الله: اللام في قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ) لبيان المصرف لا للملك، نقله ابن راشد. وفي المجموعة: آية الصدقة ليس فيها قسم بل إعلام بأهلها، فلذلك لو أعطيت [145/ أ] لصنف أجزأ. وصرح ابن الجلاب بالجواز ابتداء. وقيد ابن عبد السلام هذا، فقال: ما عدا العامل وإلا فلا معنى لدفع جميعها له. انتهى. وكذلك قال ابن هارون. ولعل هذا إنما هو إذا أتى بشيء له بال، وأما إن حصلت له مشقة وجاء بالشيء اليسير، فينبغي أن يجوز إعطاء الجميع.
والْمَشْهُورُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ صِنْفَانِ، وَعَلَيْهِ فِيمَا اَخْتَلَفَا بِهِ مَشْهُورُهَا شِدَّةُ الْحَاجَةِ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَسَاكِينَ، وَقِيلَ: سُؤَالُ الْفَقِيرِ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ بِهِ
أي: والمشهور أن الفقير والمسكين صنفان كما في بقية الأصناف. وقيل: إنهما مترادفان وسوغ العطف الاهتمام بهذا الصنف، ألا ترى أن البداية به في الآية، وهو الذي حكاه في الجلاب.
خليل: وتظهر ثمرة الخلاف إذا أوصىف بشيء للفقراء لا للمساكين أو بالعكس، وعلى المشهور اختلف فيما وقع الامتياز به على ثلاثة أقوال: المشهور أنه شدة الحاجة، ثم اختلف في أي الصنفين هي؟ فالمشهور أنها في المسكين. وقيل: في الفقير. وقيل: يمتازان بأن
المسكين لا يسأل الفقير يسأل، روااه المغيرة عن مالك. وقيل: إنما يمتازان بأن المسكين لا يعلم به بخلاف الفقير. وهي أقوال متقاربة؛ لأن عدم السؤال والعلم مظنة الحاجة.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا: الإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّة اتَّفَاقاً، وَأَلَاّ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفْقَتُهُ مَلِيّاً
أي: يشترط في الفقير والمسكين ثلاثة شروط: أن يكون حراً، فإن أعطى عبداً، أو أم ولد، أو مدبراً، أو معتقاً إلى أجل، أو معتقاً بعضه لم يجزئ إذا كان عالماً؛ لأنهم في معنى الموسر؛ لأن نفقتهم على من له الرق فيهم، فإن عجز عن الإنفاق عليهم بيع هذا وعجل عتق الآخر، قاله اللخمي.
الثاني: أن يكون مسلماً. الثالث: ألا تجب نفقته على مليء وسواء كان اللزوم للمزكي أو غيره، وهذا هو المعروف. وقال ابن زرقون: أخبرني الفقيه أبو الفضل عياض- رحمه الله أن أبا خارجة عنبسة بن خارجة روى عن مالك جواز إعطاء الرجل زكاته لمن تلزمه نفقته، قال: وأظنه روى ذلك عن شيخه أبي عبد الله بن عيسى فإني رأيته بخط بعض أصحابه عنه.
ابن عبد السلام: ورأيت بخط الشيخ الصالح أبي العباس أحمد بن عجلان- رحمه الله على هذا الموضع على كلام ابن زرقون ما معناه: أنه عارض هذا النقل بما نقله عياض في "الإكمال" من أنهم أجمعوا على أنه لا يدفعها إلى والديه وولده في حال يلزمه الإنفاق عليهم، ثم جمع الشيخ أبو العباس المذكور بين نقلي عياض بحمل رواية عنبسة على أن ذلك في حال لا تلزمه نفقتهم، ويرى أن فقر الأب ومن في معناه له حالان: الحال الأول: أنه يضيق حاله ويحتاج، لكن لا يشتد عليه ذلك، فهذا يجوز إعطاؤه من الزكاة ولا تلزمه نفقته، بل تبقى ساقطة عن ابنه كما كانت قبل ضيق حاله. والحالة الثانية: أن يشتد ضيق حاله ويصل في فقره إلى الغاية، وهذا يجب على ابنه أن ينفق عليه، ولا يجوز لابنه أن يدفع زكاته إليه. والله أعلم. انتهى كلام ابن عبد السلام.
فرع:
قال اللخمي: إن ادعى أنه فقير صدق ما لم يكن ظاهره يشبه بخلاف لك، وكذلك إن ادعى أن له عيالاً للأخذ لهم، فإن كان من أهل الموضع كشف عن حاله، وإن كان معروفاً بالمال كلف ببيان ذهاب ماله، وإن كانت له صناعة فيها كفاية فادعى كسادها صدق.
قال اللخمي: وأستحسن أن يكشف عنه، وإن لم يعلم هل فيها كفاية أم لا صدق، وإن ادعى أنه من الغارمين كان عليه أن يبين إثبات الدين والعجز عنه؛ لأنه براءة الذمة من الدين. وإن ادعى أنه ابن السبيل أعطي إذا كان على هيئة صفة السفر، قاله مالك في المجموعة. وقال: أين يوجد من يعرفه؟ وقال في الذي يقيم السنة والسنتين ثم أنه يدعي أنه لم يقم إلا أنه لم يجد ماي ذهب به أيعطى على أنه ابن السبيل؟ فقال: المجتاز أبين، وإن صدق هذا أعطي. انتهى.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لا تَلْزَمُهُ وَلَكِنَّهُ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ
يعني: أنه يلحق الملتزم بالنفقة والكسوة بمن لزمته في الأصل، وسواء كان التزامه لها صريحاً أو بمقتضى الحال، كان من قرابته أم لا، قاله ابن عبد السلام. وييقع في بعض النسخ (ولكنه كف بها نفقة وكسوة) والمعنى واحد؛ لأن الضمير في (لَكِنَّهُ) في النسختين عائد على أحدهما لا بعينه؛ أي: الفقير والمسكين في نفقة الملتزم لذلك، وفي بعضها (نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ) ومعناهما واحد؛ لأن كلاً منهما محتمل المعنيين؛ أحدهما: ولكن الملتزم المنفق كف بإعطائه زكاته لمن التزم نفقته وكسوته ما كان التزمه من الإنفاق والإكساء. الثاني: ولكن المعطي للزكاة غير الملتزم كف بها نفقة الملتزم، وإنما لم يجز هنا؛ لأنه أعطاها لغني؛ إذ لو لم يعطها له لكان الملتزم لا يكف نفقته وكسوته.
فَإِنْ انْقَطَعَتْ إِحْدَاهُمَا بِأَحَدِهِمَا جَازَ
الضمير في (إِحْدَاهُمَا) عائد على النفقة والكسوة. والباء في (بِأَحَدِهِمَا) بمعنى (عن). كقوله تعالى: (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ){يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [المعارج: 1][145/ ب]. والضمير في (بأحدهما) عائد على من تلزم نفقته بالأصالة أو بالالتزام؛ أي: فإن انقطعت النفقة أو الكسوة عن أحد الشخصين، فيجوز له أن يدفع له من الزكاة ما يعذر عليه من النفقة والكسوة، ويمكن أن تكون الباء للسببية، ويكون التقدير: فإن انقطعت النفقة أو الكسوة بسبب إعدام من تلزمه النفقة أو الملتزم جاز أن يعطى. ووقع في بعض النسخ: (عرض بأحدهما فأخذها جاز) وهي واضحة. وفي بعضها: (فإن انقطعت إحداهما بأخذها لم يجز) أي: فإن انقطعت النفقة والكسوة عمن يلزمه ذلك أو التزمه بسبب أخذ الزكاة لم تُجزئ من أعطاها؛ لأنه أعطاها لغني. والله أعلم.
فَإِنْ كَانُوا قَرَابَةً لا تَلْزَمُهُ وَلَيْسُوا فِي عِيَالِهِ، فَثَلاثَةٌ: الْجَوَازُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالاسْتِحْبَابُ
الكراهة: لمالك في المدونة، قال فيها: وأما من لا تلزمه نفقته من قرابة فلا يعجبني أن يلي هذا إعطائهم، ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره، كما يعطي غيهم إن كانوا لها أهلاً. قال اللخمي: فكرهه فيها خوف أن يحمد عليها. والإباحة: رواها مطرف عنه في كتاب ابن حبيب أنه قال: لا بأس بذلك. قال: وحضرت لمالك يعطي زكاته قرابته. والاستحباب: رواه الواقدي عن مالك: قال مالك: أفضل من وضعت فيه زكاتك قرابتك الذين لا تعول وهو ظاهر؛ لما روى المازري أنها صدقة وصلة.
الباجي: ولم يختلف قول مالك في الجواز إذا ولَّى غيره إخراج زكاته.
وَفِيهَا مَنْعُ إِعْطَاءِ زوجةٍ. زَوْجَهَا، فَقِيلَ: بِظَاهِرِهِ. وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ. وَفَرَّقَ أَشْهَبُ بَيْنَ صَرْفِهِ عَلَيهَا فِيمَا يَلْزَمُهُ وَغَيْرِهِ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ صَرْفِهِ عَلَيْهَا مُطْلَقاً وَغَيْرِهِ ..
ما نسب للمدونة من المنع كذلك قال اللخمي، فإنه قال: منع ذلك في المدونة. ونقل ابن القصار عن بعض شيوخه أن ذلك على وجه الكراهة، فإن فعلت أجزأها. قال في الجواهر: وقال أشهب: أكره ذلك، فإن فعلت ولم يرد ذلك عليها فيما يلزمه من مؤنتها حبيب بين صرفه عليها مطلقاً، أي: فيما يلزمه وفيما لا يلزمه، فلا يجزئ. وبين أن يصرف ما تعطيه في مصلحته فيجزئها. ونص ما قاله اللخمي عن ابن حبيب: إن كان يستعين بما تعطيه في النفقة عليها فلا يجزئها، وإن كان في يده ما ينفق عليها وهو فقير ويصرف ما تعطيه في مصلحه وكسوته أجزأها. قال اللخمي: فإن أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي منه دينه جاز؛ لأن المنفعة في ذلك لا تعود إلى المعطي.
وَفِيهَا: لا يُعْجِبُنِي أَنْ يُحْسَبَ دَيْناً عَلَى فَقِيرٍ فِي زَكَاتِهِ
قوله (لا يُعْجِبُنِي) يحتمل المنع ويحتمل الكراهة، وإلى كُلِّ ذهب القائل، وقد صرح ابن القاسم بعدم الإجزاء؛ لأنه لا قيمة له. وقال أشهب: تجزئه؛ لأنه لو دفع إليه الزكاة جاز له أن يأخذها من دينه. انتهى. فانظر قوله: (لو دفع) هل هو مع عدم التواطؤ على ذلك أم لا وهو الظاهر. وأما على التواطؤ فلا ينبغي أن يقال بالإجزاء؛ لأنه لمن لم يعط شيئاً.
خليل: ولو فصل مفصل فإن كان لا يمكنه الأخذ أصلاً فلا يجزئه، وإن كان يأخذه بلا مشقة فيجزئه، وإن كان إنما يأخذه بمشقة فيكره له ابتداء لأجل المحمدة، ويجزئه إن وقع لما بعد. والله أعلم.
وَفِي اشْتِرَاطِ عَجْزِ التَّكَسُّبِ قَوْلانِ
المشهور: أنه لا يشترط، واشترطه يحيى بن عمر وهو أظهر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى". قال اللخمي: والصحيح على خمسة أوجه، فمن له صنعة تكفيه له ولعياله لم يعطَ، ولا فرق بين أن يكون غنياً بمال أو صنعته، فإن لم تكن فيها كفاية أعطي لتمام الكفاية، فإن كسدت فهو كالزمن، وإن لم تكن له صناعتة ولم يجد بالموضع ما يحترف به أعطى، وإن وجد بالموضع ما يحترف به لو تكلف ذلك فهو محل الخلاف، فيجوز له الأخذ بالقرآن ويمنع بالسنة. انتهى.
وَفِي اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ مِلْكِ النِّصَابِ قَوْلانِ
المشهور لا يشترط. وروى المغيرة عن مالك الاشتراط؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائهم فأردها على فقرائهم". فجعل المأخوذ منه غنياً مقابلاً للفقير الآخذ. وروي عن مالك أنه لا يجوز إعطاء من له أربعون درهماً. قال في المدونة: وقال عمر بن عبد العزيز: لا بأس أن يعطى منها من له الدار والخادم والفرس. قال مالك: يعطى من له أربعون درهماً. انتهى.
خليل: والظاهر أنه يجوز الإعطاء للفقيه الذي عنده كتب قياساً على قول عمر، وقاله أبو الحسن الصغير. قال اللخمي: واختلف في معنى قوله- عليه الصلاة والسلام: "لا تحل الصدقة لغني"ز فقيل: هو من كانت له كفاية وإن كان دون النصاب. وقيل: من كان له النصاب؛ لحديث: "أمرت أن آخذ الصدقة"، وقيل: المراد الكفاية. فمن كان له أكثر من نصاب ولا كفاية له فيه حلت له وهو ضعيف؛ لأنه تجب عليه الزكاة فلم يدخل في اسم الفقير، ولأنه لا يدري هل يعيش حتى يفرغ [146/ أ] ما بيده أم لا. ولا خلاف بين الأمة فيمن له نصاب وهو ذو عيال ولا يكفيه ما في يده أن الزكاة واجبة عليه، وهو في عدد الأغنياء. انتهى.
وَعَلَيْهِمَا اخْتُلِفَ فِي إِعْطَاءِ النِّصَابِ
أي: وعلى القول بعدم اشتراط انتفاء ملك النصاب لا يعطى نصاباً، وعلى المشهور يعطى، وفي هذا البناء نظر؛ لأنه لا يلزم على القول بانتفاء النصاب ألا يعطى الفقير المحتاج نصاباً؛ لأن الفقر قائم به هنا، بخلاف المسألة الأولى، وأشار إليه ابن راشد، وابن هارون. ويدل على صحة هذا: أن التونسي تردد فيمن أعطى نصاباً من الماشية إلا أنه لا يكفيه لجميع السنة لرخص الماشية، هل يجوز له أن يعطى بعد ذلك ما يكفيه لسنته أم لا، إذا كان لا يدخل عليه في بقية سنته شيئ؟ قال: وأما إعطاؤه في مرة واحدة ما يكفيه لجميع السنة إذا لم يدخل عليه فيها شيء، فهو خفيف ولو كان أكثر من النصاب.
وَالْعَامِلُونَ: جُبَاتُهَا ومُفَرِّقُوهَا وإِنْ كَانُوا أَغنِيَاءَ، ويَاخُذُ الْفَقِيرُ بِالْجِهَتَيْنِ
إذ لو اشترط فيهم الفقر لرجعوا إلى الصنفين المتقدمين. قوله: (ويَاخُذُ الْفَقِيرُ بِالْجِهَتَيْنِ) أي: بجهة فقره وبجهة عمله، كما يرث ابن العم إذا كان زوجاً بالجهتين.
ابن عبد السلام: وفي المذهب قول آخر: أنه إنما يأخذ بأكثر الوجهين، فإن كان الذي يستحقه بعمالته أكثر أخذه فقط. انتهى. وما ذكره المصنف من تفسير العاملين بالجباة والمفرقين هو المشهور. وروي عن مالك: أن العاملين هم سقاتها ورعاتها. وهل يجوز أن يستعمل العبد والنصراني؟ فقال محمد: لا يستعملان، إذ لا حق لهم في الزكاة، فإن استعمل استرجع منهما ما أخذاه وأعطيا أجرتهما من الفيء، وأجاز ذلك أحمد بن نصر قياساً على الغني، وعضد بما قاله ابن عبد الحكم: يعطى النصراني الجاسوس منها.
وَالْمُؤَلََّفَةُ قلوبهم- الكُفَّارُ- يُعْطَوْنَ تَرْغِيباً للإِسْلامَ. وقِيلَ: مُسْلِمُونَ ليَتَمَكَنَ إِسْلامَهُمْ. وقِيلَ: مُسْلِمُونَ لَهُمْ أَتْبَاعُ كُفَّارُ لِيَسْتَالِفُوهُمْ. والصَّحِيحُ: بَقَاءُ حُكْمِهِمْ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِمْ ....
يعني: أنه اختلف في المؤلفة قلوبهم على ثلاثة أقوال: قيل إنهم كفار يألفون بالعطاء ليدخلوا في الإسلام. وقيل: إنهم مسلمون حديثو عهد بالإسلام فيعطون ليتمكن من
قلوبهم؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليه. وقيل: إنهم مسلمون لهم أتباع كفار ليعطوا أتباعهم استئلافاً لقلوبهم لينقادوا إلى الإسلام بالإحسان. ويؤيد الأول: قول صفوان ابن أمية: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي. رواه الترمذي. قوله:(والصَّحِيحُ: بَقَاءُ حُكْمِهِمْ) أي: أن الحكم يدور مع علتهم وجوداً وعدماً. وقيل لا يعطون؛ لأنه حكم تقرر في زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه والأحكام بعد التقرر لا ترجع، وفيه نظر.
وَالرِّقَابُ: الرَّقِيقُ يُشْتَرَى ويُعْتَقَ، والْوَلاءُ لِلْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ الإِسْلامِ عَلَى الْمَشْهُورِ
ما ذكر هو المشهور، وقال مالك في المجموعة: المراد بالرقاب إعانة المكاتبين في آخر كتابتهم بما يعتقون به، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ بدليل الرقبة في الظهار وغيره، والمشهور اشتراط الإسلام؛ لأن الزكاة تقوية للمسلمين فلا يقوى بها كافر.
وفِي إِجْزَاءِ الْمَعِيبَةِ قَوْلانِ
القول بالإجزاء لابن حبيب، قال: يجزئه عتق الأعمى والمقعد. قاله أحمد بن نصر: والقول بعدم الإجزاء لأصبغ، وقاله ابن القاسم إلا في الخفيف. والأول أظهر؛ لأن المعيب أحوج إلى الإعانة.
وَفِي الْمُكَاتَبِ، والْمُدَبَّرِ والْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، ثَالِثُهَا: إِنْ كَمُلَ عِتْقُهُ أَجْزَأَ وإِلا فَلا
تصور كلامه ظاهر، وفي المدونة: لا يعجبني أن يعان بها مكاتب. وفي الموازية: ولا أن يعطى من الزكاة ما يتم به عتقه. ولم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا أحداً ممن يقتدي به فعل ذلك. يريد: ولأن الولاء لسيدهم، فيكون بمنزلة من أعتق عبداً وشرط الولاء لنفسه. ولم أر أصحابنا نصوا على الخلاف إلا في المكاتب.
وَالْمَشْهُورُ: لا يُعْطَى الأَسِيرِ لِعَدَمِ الْوَلاءِ
تصوره ظاهر. ومقابل المشهور لابن حبيب، وفيه نظر إلى المعنى.
وَلَوِ اشْتَرَى مِنْهَا وأَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُجْزِه عَلَى الْمَشْهُورِ، وعَلَى الإِجْزَاءِ الْوَلاءُ لِلْمُسْلِمِينَ
…
أي: لو اشترى من الزكاة رقبة وأعتقها عن نفسه، إن نوى الولاء لنفسه فالعتق صحيح، والمشهور لا تجزئ؛ لأنه باشتراطه لم يخرج جميع الرقبة المشتراة بمال الزكاة، وهذا قول ابن القاسم. وقال أشهب: يجزئه وولاؤه للمسلمين؛ لأنه شرط وقع في غير محله.
وَالْغَارِمين: مُدَانُو الآدَمِيِّينَ لا فِي فَسَادٍ ولا لأَخْذِ الزكَاةِ
احترز بمدان الآدميين من حقوق الله، وسيأتي. قوله:(لا فِي فَسَادٍ) احترازاً من الذي استدان في شرب الخمر وشبهه، فلا يعان في مثل ذلك بالزكاة. وكذلك ما استدين للغصب والإتلاف إذا كان على وجه العمد، وإن كانت على وجه الخطأ دخلت فيما استدين لما يجوز. وقوله:(ولا لأَخْذِ الزكَاةِ) كما لو كان عنده كفايته فيتسع في الإنفاق ويتداين لأجل الزكاة فلا يعطى، ولو تداين على هذا لا لقصد أخذ الزكاة؛ فمقتضى [146/ ب] كلامه أنه يعطى.
فَلَوْ نَزَعَ، فَقَوْلانِ
أي: فلو تاب من استدان لسفه، فقيل: لا يعطى؛ لأن ذلك الدين أصله من فساد. وقال ابن عبد الحكم: يعطى وهو الأقرب؛ لأن المنع كان لحق الله، وهو مما تؤثر فيه التوبة.
وَفِي مُدَانِ الزَّكَاةِ والْكَفَّارَةِ قَوْلانِ
ذكر اللخمي أن ابن عبد الحكم حكى هذين القولين، فمن قال بالجواز رأى أن فيه براءة للذمة مع أنها ترجع إلى الفقراء. ابن عبد السلام: والقياس المنع؛ لأنها لا تقوى كدين الآدميين بدليل أنها لا يحاص بها في الفلس. وأيضاً مدين الزكاة إنما يتصور غالباً من تفريط، وذلك يلحقه بما استدين لسفه، وغالب الكفارات أن لها بدلاً بالصوم، فلا
ضرورة في دفع الزكاة إليهم إلا أن يعرض العجز عن الصوم، لكن من أجاز له الأخذ لم يشترط هذا.\
وَفِي دَيْنِ الْمَيِّتِ قَوْلانِ
قال ابن حبيب: يقضي دينه منها. وقال ابن المواز: لا يقضي. والأول أصح، والميت أحق بالقضاء، قاله ابن راشد. وقال ابن حبيب: إنما كان امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من عليه دين قبل نزول الآية، فلما نزلت صار قضاء ذلك إلى السلطان.
وَفِي اشْتِرَاطِ نفاد مَا بيَدِهِ مِنْ عَيْنٍ وفَضْلٍ قَبْلَ إِعْطَائِهِ قَوْلانِ، وفِيهَا فِيمَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ يُسَاوِيَانِ أَلْفَيْنِ، لا يُعْطَى حَتَّى يُوَفِّيَ الأَلْفَ، وقَالَ أَشْهَبُ: يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ فِي ثمنهما فَضْلٌ عَنْ سِوَاهُمَا يُغْنِيهِ لَمْ يُعْطَ ..
القول بالاشتراك لمالك في المدونة. مثال العين: أن يكون بيده ألف وعليه ألفان، فالمشهور: لا يعطى حتى يوفى الألف. ومثال الفضل: لو كان له دار وخادم يساويان ثلاثة آلاف وعليه ألفان ويمكنه بيعهما واستبدال دار وخادم بألفين، فالمشهور: لا يعطى حتى يبيعهما ويستبدل ويؤدي الألف الفاضلة. قوله: (وفِيهَا فِيمَنْ بِيَدِهِ أَلْفُ ..) إلخ. هو ما تقدم. وإنما أعاده ليعين المشهور والقائل. وقوله: (وَإِنْ كَانَ فِي ثمنهما فَضْلُ عَنْ سِوَاهُمَا يُغْنِيهِ لَمْ يُعْطَ) ظاهر، كما لو كانت الدار والخادم والمسألة بحالها يساويان أربعة آلاف، فإنه يستبدل داراً وخادماً بألفين ويوفى ألفين في دينه.
تنبيه:
قوله: (وَفِي اشْتِرَاطِ نفاد مَا بيَدِهِ) لا يوافق المدونة؛ لأنه اشترط في المدونة أن يوفي، والنفاد أعم من الوفاء فانظره، لكن الظاهر أنه إنما أراد ما في المدونة بدليل استشهاده.
وَسَبِيلُ اللَّهِ الْجِهَادُ، فَتُصْرَفُ فِي الْمُجَاهِدِينَ وآلةِ الْحَرْبِ، وإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ عَلَى الأَصَحِّ
…
يعني: أن المراد بقوله تعالى (وفِي سَبِيلِ اللَّهِ) الجهاد لا الحج، كما ذهب إليه أحمد ابن حنبل لأن هذا اللفظ إذا أطلق تبادر الذهن إلى الغزو. وقوله:(عَلَى الأَصَحِّ) قال صاحب الطراز: هو المشهور؛ لأنا لو اشترطنا فقره لدخل في القسم الأول، ولأنه عليه الصلاة والسلام استثنى الغازي من الغني الذي تحرم عليه الصدقة. ابن عبد السلام: إلا أن مالكاً والشافعي كرها ذلك للغني، والعلة على طريق الأولى، ومقابل الأصح لعيسى ابن دينار قال: إذا كان غنياً ببلده ومعه ما ينفق في غزوه فلا يأخذ منها.
تنبيه:
لا يعطى الغازي إلا في حال تلبسه بالغزو، فإن أعطي له برسم الغزو ولم يغز استرد منه، ونص عليه اللخمي وغيره.
وَفِي إِنْشَاءٍ سُورٍ أَوْ أُسْطُولٍ قَوْلانِ
السور: هو المحيط بالبلد. والأسطول: المركب. والمشهور: المنع. وقال ابن عبد الحكم: يجعل منها نصيب للسلاح والمساحي والحبال مما يحتاج إليه في حفر الخندق، وفي المنجنيقات للحصون، وتنشأ منها المراكب للغزو، وتكرى منها النواتية وينشأ منها حصن وهو الظاهر؛ لأن السور والأسطور من آلة الحرب. والله أعلم
وَابْنُ السَّبِيلِ: الْمُسَافِرُ، وتُشْتَرَطُ حَاجَتُهُ عَلَى الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ مُسْلِفاً وَهُوَ مَلِيءُ يقلده، فَقَوْلانِ ..
هذا هو النقل الصحيح لا ما نقله ابن عبد البر من أن المشهور ما روي عن مالك: أن ابن السبيل هو الغازي، وفيه ضعف؛ لعطف أحدهما على الآخر في الآية، على أنه يمكن رد أحدهما إلى الآخر بتأويل، بأن يكون مسافراً وانقطع في الطريق.
قوله: (وتُشْتَرَطُ حَاجَتُهُ عَلَى الأَصَحِّ) الأصح ظاهر. لأن المقصود إنما هو إيصاله إلى بلده، وإن كان غنياً فلا حاجة إلى إعطائه، بخلاف المجاهد فإن المقصود فيه الإرهاب وهو اختيار ابن وهب. وروى أصبغ عن ابن القاسم في الموازية: أنه يعطى منها ابن السبيل وإن كان غنياً في موضعه ومعه ما يكفيه. واخلتف إذا وجد مسلفاً وهو مليء ببلده؛ فلمالك في المجموعة، وكتاب ابن سحنون: لا يعط. وقال ابن القاسم في الموازية: يعطى، وقاله ابن عبد الحكم. قال اللخمي: وهو أحسن. ويشترط في إعطائه ألا يكون في سفر معصية. نص عليه اللخمي.
وَفِي إِعْطَاءِ آل الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الصَّدَقَةَ، ثَالِثُهَا، يُعْطَوْنَ مِنَ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ، وَرَابعُهَا: عَكْسُهُ
…
الإعطاء مطلقاً للأبهري؛ لأنهم منعوا في زماننا حقهم من بيت المال، فلو لم يجز أخذهم للصدقة ضاع فقيرهم، والمنع مطلقاً [147/ أ] لأصبغ، ومطرف، وابن الماجشون، وابن نافع. ابن عبد السلام: وهو المشهور، وإلحاقهم به صلى الله عليه وسلم، والجواز في التطوع دون الواجب لابن القاسم، ورأى أن معنى ما رواه البخاري من قول رسول الله صلىى الله عليه وسلم:"لا تحل الصدقة لآل محمد" مقصور على الفريضة. ورأى في الرابع أن الواجب لا منة فيه بخلاف التطوع.
وَبَنُو هَاشِمٍ آلٌ، ومَا فَوْقَ غَالِبٍ غَيْرُ آلٍ، وفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلانِ
أي: حيث فرعنا على المنع فلا خلاف أن بني هاشم فما دونهم آلُ، وأما ما فوق غالب ليسوا بآل، وفي بني غالب فما دونهم إلى بني هاشم قولان، والقول بالاقتصار على بني هاشم لابن القاسم في الموازية، والآخر لأصبغ. قال التونسي: وعلى مذهب أصبغ لا
يجوز أن يأخذ الزكاة آل أبي بكر وآل عمر وآل عثمان إذ كانوا مجتمعين مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم في غالب. وعلى مذهب ابن القاسم: يجوز أن يأخذوها إذ لا يجتمعون معه عليه الصلاة والسلام في بني هاشم. انتهى. وهو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، [147/ ب] وروي هذا عنه صلى الله عليه وسلم واتفقوا على صحته، واختلف فيما سوى ذلك.
وَفِي مَوَالِيهِمْ قَوْلانِ
أي: هل يلحقوا بالأهل أم لا؟ والمشهور: جواز إعطائهم. والشاذ لمطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ. قال أصبغ: احتججت على ابن القاسم بقوله صلى الله عليه وسلم "مولى القوم منهم" فقال: قد جاء: "ابن أخت القوم منهم". وإنما تفسير ذلك في الحرمة والبر. وأخذ اللخمي بقول أصبغ؛ لحديث أبي رافع قال: بعث رسول الله عليه وسلم رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصحبني كيما تصيب منها، فقال: لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فقال:"إن الصدقة لا تحل لنا ولا لموالينا". وهو صحيح ذكره الترمذي في مسنده وفيه فائدة أخرى: أن الصدقة حلالُ لبني مرة فمن بعده إلى غالب خلاف قول أصبغ؛ لأن مخزوماً مجتمعاً معه صلى الله عليه وسلم في مرة. انتهى باختصار.
وَلا تُصْرَفُ فِي كَفَنِ مَيِّتٍ، ولا بِنَاءٍ مَسْجِدٍ، ولا لِعَبْدٍ، ولا لِكَافِرٍ
وهذا ظاهر، واختلف هل تدفع لأهل الهوى؟ فأجاز ذلك ابن القاسم، ومنعه أصبغ. وكذلك تارك الصلاة، ولعله على الخلاف في تكفيرهم.
الإِخْرَاجُ: والإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي مَحْضِ العِبَادَات. وَعَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فِيمَا تَمَحَّضَ لِغَيْرِهَا كَالدُّيُونِ، والْوَدَائِعِ، والمغصُوبِ، واخْتُلِفَ فِيمَا فِيهِ شَائِبَتَانِ كَالطَّهَارَةِ، والزَّكَاةِ، والْمَذْهَبُ: افْتِقَارُهَا مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَنْ كَفَّرَ عَنْ إِحْدَى كَفََّارَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ كَفَْرَ عَنْهَا غَلَطاً أَنََّهَا لا تُجْزِئُهُ، وأُخِذَ نَفْيُهُ مِنْ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنَ الْمُمْتَنِعِ كرهاً وتُجْزِئُهُ، ومِنَ الشَّاذِّ فِي أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ. وأَجَابَ ابْنُ الْقَصَّارِ بَأَنَّه يَعْلَمُ فَتَحْصُلُ النِّيَّةُ، وأُلْزِمَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ
…
لما ذكر الْمُخْرَجُ منه والمُخْرِجُ والمصرف ذكر كيفية الإخراج، وقدم النية لأنها أول الواجبات عند الإخراج. وحاصله: أن الفعل ثلاثة أقسام:
قسم تمحض للعبادة: كالصلاة والإجماع على وجوب النية فيه.
الثاني: مقابله كإعطاء الديون، ورد الودائع، والمغصوب فالإجماع أنه لا تجب فيه النية، أي: نية التقرب. وقلنا لا تجب فيه نية التقرب حتى لا ينتقض بما قاله ابن عبد السلام عن الشافعي: أن الحكم عندهم في رد الدين لابد فيه من نية، وأنه لو أعطى بغير نية لما برئت ذمته ولكان له أن يرجع. وقلت: لا تجب؛ لأنه لو نوى لأثيب، كما لو نوى إبراء ذمته وامتثال أمر الله وإدخال السرور على قلب صاحب الدين إلى غير ذلك، وهذا كما قالوا: إن الإمام لا تجب عليه نية الإمامة، لكن الأفضل أن ينويها ليحصل له فضلها.
الثالث: ما اشتمل على الوجهين كالطهارة والزكاة؛ لأن الزكاة معناها معقول: وهي رفق الفقراء وبقية الأصناف، ولكن كونها إنما تجب في قدر مخصوص لا يعقل معناه. وكذلك الطهارة عقل معناها: وهي النظافة، لكن كونها في أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص لا يعقل معناه. فاختلف في وجوب النية فيه، وقد بين ذلك بقوله (والْمَذْهَبُ ..) إلخ. وفي كلامه مناقشة؛ لأن قوله:(والمذهب) يقتضي أن ذلك منصوص وليس في المذهب ما يخالفه. وقوله: (مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَنْ) يقتضي أن ذلك مستقراً مما ذكره، وهذا
الاستقراء لابن القصار، قال: فإذا افتقر إلى النية في تمييز أحد الفرضين عن الآخر، فأحرى في تمييز الفرض عن النفل، وأجيب بالفرق بين المحلين؛ لأن مسألة الكفارة وجدت فيها نية منافية، وهي: القصد إلى كفارة غير الكفارة المرتبة في الذمة، ولم يقع النزاع في هذا، وإنما وقع حيث لا نية، وإنما تتفق النيتان لو كفر واحدة ثم كفَّر ولم ينو شيئاً. وأجيب بأن جواب مالك بقوله: لا تجزئة عن اليمين الثانية. يؤخذ منه الاشتراط، إذ لو لم يشترط لم يفرق بين عدم النية والنية المنافية كالدين والوديعة. وأما استقراء نفي وجوب النية من مسألة الممتنع فواضح، وكذلك استقراؤه من القول بأن الفقراء كالشركاء؛ لأن الشريك إذا أعطى شريكه نصيبه لا يفتقر إلى نية. فأجاب ابن القصار عما أخذه من قول مالك بإجزاء الزكاة إذا أخذت من الممتنع، بأن قال: هو عالم بأخذها وعلمه بذلك كالنية. ورد بأن العلم بالأخذ أعم من نية التقرب، فلا يستلزمها، وبأنه يلزمه بأن يقول بعدم الإجزاء إذا لم يعلم بالأخذ بعقد النية وما يستلزمها عنده وليس كذلك. واختار ابن العربي في الزكاة المأخوذة كرهاً أنها تجزئ ولا يحصل الثواب.
خليل: وأوضح من هذا في أخذ عدم اشتراط النية ما نص عليه مالك في المدونة في باب كفارة اليمين، أن من كفر عن أحد بعتق أو غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه، كعتق عن ميت. والله أعلم.
وَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُمْتَنِعِ كُرْهاً وإِلا قَوتلَ
أي: من امتنع من أداء [148/ أ] الزكاة تؤخذ منه كرهاً إن قدر عليه، وإن لم يقدر عليه إلا بقتال قوتل.
وَمَنْ قَدِمَ بِتِجَارَةٍ، فَقَالَ: قِرَاضٌ، أَوْ وديعة، أو بِضَاعَةً، أَوْ عَلَى دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ صُدِّقَ ولَمْ يَحْلِفْ، فَإِنْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ، فَثَالِثُهَا: يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ كَأَيْمَانِ الْمُتَّهَمِ
…
تصوره ظاهر.
وَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ طَوْعاً لا يُجْزِئُ، وكُرْهَاً يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا
تصوره ظاهر. قال في المدونة وغيرها: إنه من باب شراء الصدقة، والمشهور فيها أنه مكروه لا محرم. قال في المدونة: ولا يعطي فيما لزمه من زكاة العين عرضاً أو طعاماً، ويكره للرجل شراء صدقته، وبالجملة فإنه اضطرب في ذلك قول ابن القاسم، فقال مرة: تجزئ سواء كان طوعاً أو كرهاً، ذكره في العتبية، وشرط في الموازية الإكراه وأنه لو أعطاها طوعاً لم تجزئه. وذكر القول بالإجزاء مع التطوع في الموازية عن أشهب. وقال مرة: إذا كانوا يضعونها موضعها. وفرق مرة بين أن يخرج عن الحب عيناً فيجزئه، وبين أن يخرج عن العين حباً فلا يجزئه.
وَإِذَا كَانَ الإِمَامُ جَائِراً فِيهَا لَمْ تجز دَفْعُهَا إِلَيْهِ طَوْعاً
أي: إذا كان جائراً في تفريقها أو صرفها في غير مصارفها لم يجز دفعها إليه (طَوْعاً) لأنه من باب التعاون على الإثم، والواجب عليه حينئذ جحودها والهروب بها إن أمكن، وأما إذا كان جوره في أخذها لا تفرقتها- بمعنى: أنه يأخذ أكثر من الواجب- فينبغي أن يجزئه ذلك على كراهة دفعها إليه.
وَإِنْ أُجْبرَ أَجْزَأَتْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا إِذَا أَجْبَرَهُ الْخَوَارِجُ عَلَيْهَا
فإن كان الإمام جائراً وأجبره على أخذها، قال في الجوااهر: فإن عدل في صرفها أجزأت عنه، وإن لم يعدل ففي إجزائها عنه قولان: قيل: ومنشأ الخلاف هل أخذ الإمام
تعد على الفقراء لأنه وكيلهم فتجزئ، أو على رب المال فلا تجزئ. وعين المصنف المشهور من القولين بالإجزاء وهو بين إذا أخذها أولاً ليصرفها في مصارفها، وأما لو علم أولاً أنه إنما أخذها لنفسه فلا، وأما الخوارج فإن كانوا يعدلون في أخذها وصرفها فالأمر أخف.
فَإِنْ كَانَ عَدْلاً دَفَعَهَا إِلَيْهِ. وَفِي تَوليه لإِخْرَاجِ الْعَيْنِ قَوْلانِ، وفِيهَا: لا يَسَعُهُ إِلا أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ
…
أي: فإن كان عدلاً في أخذها وصرفها، فإنه يجب دفعها إليه وهو ظاهر. أما الماشية: فقد تقدم أن الساعي شرطاً في الوجوب، وأما غيرها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده كانوا يأخذونها من الناس فوجب التأسي بهم، وسواء العين وغيرها، وإن كان في العين قولان: هل يتولى إخراجها، أو إنما ذاك إذا لم يطلبها، وأما إن طلبها فلا يحل لأحد منعها، نص عليه في المدونة وغيرها، قاله ابن عبد السلام.
وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ آخِذُهَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بَعْدَ الاجْتِهَادِ وتَعَذَّرَ استرجاعها، فَقَوْلانِ كَالْكَفَّارَاتِ
منشأ الخلاف هل الواجب الاجتهاد أو الإصابة. ابن عبد السلام: والمشهور عدم الإجزاء. وفرق بعضهم فقال بالإجزاء في الغني وبعدمه في العبد والكافر؛ لأنه ينسب إلى تفريط فيهما؛ لأن حالهما لا يخفى غالباً، وهذا إذا كان دافعها لهؤلاء ربها. ابن راشد: وأما إن كان المتولي لدفعها الإمام، فإنها تجزئ ولا غرم عليه ولا على ربها؛ لأنه محل اجتهاد، واجتهاده نافذ. قال صاحب المعونة: وإن كان الإمام عالماً فلم أجد فيها نصاً، والقياس أن الإمام للفقراء وتجزئ ربها، ثم إن وجدت الصدقة بأيديهم انتزعت، وإن كانوا أكلوها، فقال اللخمي: يغرمونها على المستحسن من القول؛ لأنههم صانوا بها أموالهم، وإن تلفت بأمر من الله وكانوا غروه من أنفسهم غرموها، فإن لم يغروا لم يغرموها، وإن لم توجد بيد العبد وكان قد غره بالحرية، فتردد في ذلك بعض الأصحاب هل تكون جناية
في رقبته أم لا؟ قال ابن يونس: الصواب أنها جناية في رقبته؛ لأنه لم يتطوع بدفعها له، وإنما دفعها لقوله: أنا حر. قال: ولا ينبغي أن يختلف في ذلك.
وَالأَوْلَى الاسْتِنَابَةُ وقَدْ تَجِبُ
الأولى للإنسان ألا يتولى تفرقة زكاته خوفاً من المحمدة، وقد تجب الاستنابة إذا علم من نفسه محبة المحمدة ويدخله الرياء، أو لكونه لا يعلم المصارف، أو لجهله المستحق.
وَتُؤَدَّى بمَوْضِعِ الْوُجُوبِ نَاجِزاً
أما إخراجها بموضع وجوبها، فنص في الجواهر أن نقلها غير جائز. وأما كونها ناجزاً، فنص ابن بشير، وابن راشد وغيرهما على أنه إذا وجد سبب الوجوب وشرطه وانتفاء المانع وجب الإخراج على الفور.
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ فَضَلَ نُقِلَ إِلَى الأَقْرَبِ وَلا يُدْفَعُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ
فإن لم يجد في بلده من يعطيه الزكاة أو وجده لكن فضل عنهم، فإنها أو ما بقي ينقل إلى أقرب المواضع، قاله مالك في المدونة، وهذا هو الأصل. ابن عبد السلام: وربما قالوا بمقدار ما يحل حولها عند وصولها، أو إنما يرسلها عند الوجوب؟ في المذهب قولان: الأول لابن المواز، والثاني للباجي. ثم إذا أرسلها ففي أجرة النقل قولان، واختلف أيضاً في الإمام إذا احتاج إلى نقلها، فقال مالك: يستأجر عليها من الفيء. وقال ابن عبد الحكم: تباع ويبتاع مثلها في موضع الحاجة.
فَإِنْ أُدِّيَتْ بِغَيْرِهِ لِمِثْلِهِمْ فِي الْحَاجَةِ، فَقَوْلانِ
أي: فإن نقلت من موضع الوجوب إلى موضع آخر مساو له في الحاجة.
ابن عبد السلام: المشهور [148/ ب] الإجزاء. انتهى. ونسبه الباجي لابن اللباد. وقال سحنون: لا تجزئه. وجه الأول عموم الآية، ولم يخص فيها فقيراً دون فقير. ووجه الثاني حديث معاذ، وفيه:"فترد على فقرائهم".
فَإِنْ كَانُوا أَشَدَّ، فَقَالَ مَالِكٌ: تُنْقَلُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لا تُجْزِئُ
أي: وإن كان ثم بلد أشد حاجة من البلد الذي وجبت فيه الزكاة، فقال مالك في المدونة: فليعط الإمام أهل البلد الذي جيء فيهم ذلك المال ويوجه جله إلى الموضع المحتاج. فظاهره أنه لا بد من صرف شيء منه في بلد الزرع، وعلى هذا فيقرأ كلام المصنف (ينقل) بالياء المثناة من أسفل، وأما إذا قرئ بالتاء المثناة من فوق، فيقتضي أنها تنقل كلها فيصير مخالفاً للمدونة، وقول سحنون يستلزم تحريم النقل. قال ابن بشير: وأما إذا كان بأهل موضعها حاجة من غيرهم ليسو بمنزلتهم لم تجز.
تنبيه:
كلام المصنف يدل على منع النقل إذا كانت حاجة غيرهم مساوية أو أضعف الباجي: هو المشهور. وفي المجموعة: لا بأس أن يبعث الرجل ببعض زكاته إلى العراق، ثم إن هلكت في الطريق لم يضمن، وعلى رواية المنع يضمنها.
فرع:
فإذا قلنا: إنه لا يجوز نقلها من بلد إلى بلد إلا من عذر، فإنه لا بأس أن ينقل زكاته إلى ما يقرب ويكون في حكم موضع وجوبها؛ لأنه لا يلزمه أن يخص بذلك أهل بلد محلته ولا جيرانه، بل يجوز له أن يؤثر أهل الحاجة من أهل بلده، فكذلك ما قرب منها. وروى ابن نافع عن مالك: أن ذلك لمن يكون زرعه على أميال، فلا بأس أن يحمل من زكاته إلى ضعفاء عنده بالحاضرة. وقال سحنون: إذا كان مقدارُ لا تقصر فيه الصلاة، وأما ما تقصر في مثله الصلاة فلا تنقل إليهم الزكاة. انتهى.
وَلَوْ غَابَ عَنْ مَالِهِ وَلا مُخْرِجَ وَلا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فَفِي وُجُوبهَا بِمَوْضِعِهِ قَوْلانِ
يعني: إذا كان المسافر معه مال ناض زكاه، فإن كان له مال غائب عنه ببلده وليس لرب المال وكيل على إخراج الزكاة، ولا ضرورة على رب المال بإخراجها بالموضع الذي هو فيه، فهل يخرجها أم لا؟ قولان وهما لمالك، بناء على مراعاة المالك أو المال. قال صاحب تهذيب الطالب: فهذه المسألة على ثلاثة أوجه: فإن كان ماله كله ناضاً حاضراً معه فلا شك فيه، ولا اختلاف أنه يزكى بموضعه، وهو وجه. والثاني: أن يكون بعض ماله ببلده وبعضه حاضر معه فيزكيه، وأما الغائب عنه ففيه الاختلاف. والوجه الثالث: أن يكون جميع ماله غائباً عنه ببلده، فهذا يكون فيه الاختلاف من قوله: هل يزكيه بموضع هو به أو يؤخره حتى يرجع إلى بلده. وإنما ذلك إذا كان رجوعه قريباً قبل الحول كما قال أشهب. انتهى.
واحترز بقوله: (وَلا مُخْرِجَ) مما لو وكل من يخرجها عنه، فلا يؤمر حينئذ بالإخراج اتفاقاً؛ لئلا يخرج مرتين. قال اللخمي: ويلزمه إذا أراد سفراً بعيداً يعلم أنه لا يعود منه حتى يحل الحول أن يوكل من يخرج عنه.
واحترز بقوله: (وَلا ضَرُورَةَ) من أن يكون على رب المال ضرورة في إخراجها، فإنه لا يلزمه إخراجها حينئذ بالاتفاق.
وَفِي إِخْرَاجِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ قَوْلانِ، وَحُدَّ بِشَهْرٍ، وَنِصْفِ شَهْرٍ، وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَثَلاثَةٍ ..
ابن هارون: المشهور الجواز. والشاذ رواه ابن نافع عن مالك، وهو قول ابن نافع. قال: لا يجزئ قبل الحول ولو ساعة.
خليل: وقوله: المشهور الجواز. إنما نقل صاحب الجواهر والتلمساني وغيرهما الخلاف في الإجزاء وهو أقرب؛ لأنه لا شك أن المطلوب ترك ذلك ابتداء، والجواز قد يوهم خلاف
ذلك، واختلف في حد القرب، فقيل: اليوم واليومان ونحو ذلك، وهو قول ابن المواز. والثاني: أنه العشرة الأيام ونحوها، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. والثالث: الشهر ونحوه، وهو رواية عيسى عن ابن القاسم. والرابع: الشهران ونحوهما، وهو قول مالك في المبسوط، هكذا ذكر ابن رشد في البيان والمقدمات.
ابن راشد: والقول بنصف شهر لم أره معزواً. انتهى. ونقله اللخمي وصاحب التنبيهات ولم يعزواه وكان ينبغي أن يقول بنحو الشهر وبنحو الخمسة الأيام.
فرعان:
الأول: إن أخرجها قبل الحول فضاعت فإنه يضمن، قاله مالك في الموازية. قال محمد: ما لم يكن قبله باليوم واليومين، وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه لأجزأته. قال في التنبيهات: قيل معنى تجزئه ولا يلزمه غيرها بخلاف الأيام، وذهب ابن رشد إلى أنه متى هلكت قبل الحول بيسير أنه يزكي ما بقي إن كانت فيه زكاة. قال ابن رشد: يأتي عندي على جميع الأقوال، وإنما تجزئ إذا أخرجها بالرخصة والتوسعة، وأما إذا هلكت ولم تصل إلى أهلها ولا بلغت إلى محلها، فإن ضمانها ساقط عنه، ويؤدي زكاة ما بقي عند حلوله إلا ما تؤول على ما قاله ابن المواز كاليوم واليومين. انتهى كلامه في التنبيهات.
الثاني: ما ذكرناه من الإجزاء في التقديم اليسير. قال ابن العربي: هو خاص بالحيوان والعين، وأما زكاة الزرع فلا يجوز تقديمها؛ لأنه لم يملك بعد، نقله في الجواهر.
وَفِيهَا: وَلَوْ زَكَّى دَيْناً أَوْ عَرضاً قَبْلَ قَبْضِهِمَا لَمْ يُجْزِه، وثَالِثُهَا: يُجْزِئ فِي الدَّيْنِ لا فِي الْعَرْضِ ....
أي: ولو زكى عرض الاحتكار بعد الحول وقبل البيع، [149/ أ] أو ديناً بعد الحلول أو قبل القبض، فمذهب المدونة عدم الإجزاء فيهما؛ لأنه هنا قد يطول قبض الدين وبيع