المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة تبين أن حرائق الأموي كلها (إلا الأخير منها) إنما امتدت - الجامع الأموي في دمشق

[علي الطنطاوي]

الفصل: ‌ ‌خاتمة تبين أن حرائق الأموي كلها (إلا الأخير منها) إنما امتدت

‌خاتمة

تبين أن حرائق الأموي كلها (إلا الأخير منها) إنما امتدت إليه من البيوت الملاصقة له، التي تستر جماله، وتخفي عظمته، وتشوّه منظره، وتعرّضه للخطر، مع أنه لا يتصل به الآن من جهة الحرم إلا دكاكين واطية من الخشب واللَّبِن، لا تكلّف إزالتها إلا القليل، هي دكاكين الحذائين في السوق الضيق (1)، ودكاكين (القباقبية) التي توقد فيها النار طول النهار، فإذا أُزيلت انكشف سور الحرم كله، وظهر الباب القبلي القديم، وهذا الاقتراح الأول.

الثاني - أن لكل باب من الأبواب دهليزاً، وأكبرها ما كان من جهة النوفرة، وقد كشف من سنين بالمصادفة أن درج النوفرة لم يُبّن على أرض حرة، بل إن تحته قاعة مبنية، فلو حول الطريق بعد إزالة دكاكين القباقبية، حتى امتد موازياً للجدار القبلي، وأُزيلت أدراج النوفرة وأُظهرت هذه القاعة، وجُعل لها باب ليزورها السياح والناس، لكان منها منفعة للدارس ومورد للدولة.

ولقد كان من الشائع أن تحت الأموي معبداً للصابئة، ذكر ذلك ابن تيمية في بعض كتبه، والصابئة قد تُطلق على طوائف من الوثنيين كأصحاب المعبد الأول، فإذا امتد الحفر من تحت الدرج، ظهر المعبد، كما ظهر بالمصادفة، من سنين، أن تحت جامع بيروت جامعاً آخر وأن تحت كل عمود عموداً آخر.

الثالث - وهذا طلب بعيد الإجابة، هو أن دمشق أقدم المدن المسكونة

(1) كلمة السوق مؤنثة ويجوز تذكيرها، والدرج جمع درجة فهي مؤنثة ولكني اتبعت الاستعمال الشائع.

ص: 98

اليوم على ظهر الأرض، لا خلاف في هذا، وكلما حفر أرضها للبناء أو للمجاري ظهرت آثار مطمورة، من أحدث ما ظهر منها الأعمدة التي كشف عنها في طريق الباب الشرقي، وأخطأت دائرة الآثار فرفعتها فجعلتها فوق الأرض، مع أن الواجب تركها على العمق الذي ظهرت فيه ليتبيّن ما طرأ على أرض المدينة من ارتفاع.

إذا كانت الحفريات قد أظهرت في مدينة بابل ثلاث مدن بعضها فوق بعض (رأيت ذلك بعيني)، فإن دمشق إن اقتطعت منطقة منها كالمنطقة التي بين نهاية ما فتح من شارع معاوية والباب الشرقي والسور الجنوبي وأُخليت وأُجريت فيها حفريات لظهرت ست مدن بعضها فوق بعض، ولتغيّرت دراسة التاريخ القديم، ولكان من ذلك أعظم منطقة أثرية في العالم، وكان لنا منه مورد مالي لا ينقطع، ولوجدنا تُحَفاً وكنوزاً لا تقدّر قيمتها.

وليبدأ الحفر من الخراب، ومعلوم أن هذه البقعة سميت بـ (الخراب) لأنها تخرّبت على عهد تيمورلنك لا جزاه الله خيراً، وأنها تظهر صحون الدور القديمة وبركها بأقل حفر يكون فيها.

وتحت ذلك طبقات إسلامية، ثم طبقة رومانية، ثم طبقات، الله أعلم بها.

والرابعة - أن يُفتح من باب الأموي شارع مستقيم إلى ظاهر البلد، وأقرب وسيلة إلى ذلك هي شق الطريق من باب العمارة إلى شارع بغداد، وأكثره مفتوح، والبيوت الباقية في طريقه من البيوت الرخيصة، وفي فتحه نفع لتلك الأحياء، وما يؤخذ من المالكين من (رسم الشرفية) يقوم بنفقات الفتح ويُعطى أرباب البيوت المهدومة بدلاً منها في المساكن الشعبية، كما كان عند فتح شارع البحصة.

ص: 99

وأنا أشكر الأستاذ عبد الرحمن الطباع الأمين العام لوزارة الأوقاف أن أشار بتأليف هذا الكتاب، وللأستاذ ظهير الكزبري مفتشها العام أن أشرف على إخراجه.

وأشكر الأستاذين عبد القادر العاني وحمدي الحلبي على ما أمداني به من أخبار المسجد في عهده الأخير التي لم يدوّنها التاريخ.

وأشكر الأستاذين صلاح الدين المنجد ومحمد أحمد دهمان على ما استفدته من مباحثهما ومنشوراتهما.

وأشكر الأستاذين عبد القادر الريحاوي مفتش الآثار، وأبا الفرج العش على نظرهما في الكتاب، وعلى ما أبدياه من ملاحظات.

وأشكر كل من يتفضل فيدلّني على نقص فيه، أو يرشدني إلى خطأ لا سيما في الأرقام التي لا آمن عليها التحريف عند الطبع.

والحمد لله من قبل ومن بعد.

(1)

(1) حاشية: وقف الدكتور صلاح الدين المنجد على (ضبط التحقيق) في حريق الأموي سنة 740 محفوظ في جامعة لبدن، قدم لها مقدمة قيّمة ونشرها في مجلة المجمع العلمي الجزء (1) المجلد (31) ثم أفردها برسالة على حدة فليطلع عليها من شاء الوقوف على أسرارها.

ص: 100