الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ قُرَيْشًا وَجَدَتْ فِي الرُّكْنِ كِتَابًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ حَتَّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. قَالَ: فَإِذَا هُوَ: «أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، خَلَقْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَصَوَّرْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، لَا تَزُولُ حَتَّى تَزُولَ أَخْشَابُهَا، مُبَارَكٌ لِأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللَّبَنِ»
حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: زَعَمَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا حَجَرًا فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِينَ حِجَّةً، وَذَلِكَ عَامَ الْفِيلِ إِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ لِي حَقًّا:«مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا يَحْصُدْ غِبْطَةً، وَمَنْ يَزْرَعْ شَرًّا يَحْصُدْ نَدَامَةً، تَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ وَتُجْزَوْنَ الْحَسَنَاتِ، أَجَلْ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوْكِ الْعِنَبُ»
ذِكْرُ وِلَايَةِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام الْكَعْبَةَ بَعْدَهُ، وَأَمْرِ جُرْهُمٍ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي الْمَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه قَالَ لِقُرَيْشٍ:«إِنَّهُ كَانَ وُلَاةَ هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَكُمْ طَسْمٌ، فَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ؛ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ وَلِيَتْهُ بَعْدَهُمْ جُرْهُمٌ، فَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ؛ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، فَلَا تَهَاوَنُوا بِهِ، وَعَظِّمُوا حُرْمَتَهُ»
حَدَّثَنِي جَدِّي
⦗ص: 81⦘
، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: " وُلِدَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَأُمُّهُمُ السَّيِّدَةُ بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيِّ، فَوَلَدَتْ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: نَابِتَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَوَاصِلَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَمَيَاسُ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَآزَرَ وَطِيمَا بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَيَطُورَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَنَبْشُ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وقيدما بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَكَانَ عُمْرُ إِسْمَاعِيلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، فَمِنْ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ نَشَرَ اللَّهُ الْعَرَبَ، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ قِيدَارُ وَنَابِتٌ ابْنَا إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْهُمَا نَشَرَ اللَّهُ الْعَرَبَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ وَبَنِي إِسْمَاعِيلَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ مَعَ أُمِّهِ فِي الْحِجْرِ. وَزَعَمُوا أَنَّ فِيهِ دُفِنَتْ حِينَ مَاتَتْ، فَوَلِيَ الْبَيْتَ نَابِتُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلِيَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ نَابِتُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، فَوَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ، وَهُوَ جَدُّ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَبُو أُمِّهِ، وَضَمَّ بَنِي نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَبَنِي إِسْمَاعِيلَ إِلَيْهِ، فَصَارُوا مَعَ جَدِّهِمْ أَبِي أُمِّهِمْ مُضَاضِ
⦗ص: 82⦘
بْنِ عَمْرٍو، وَمَعَ أَخْوَالِهِمْ مِنْ جُرْهُمٍ، وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَا يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ، وَعَلَى جُرْهُمٍ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَعَلَى قَطُورَا رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ السَّمَيْدَعُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَا حِينَ ظَعَنَا مِنَ الْيَمَنِ أَقْبَلَا سَيَّارَةً، وَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يَلِي أَمَرَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَا مَكَّةَ رَأَيَا بَلَدًا طَيِّبًا، وَإِذَا مَاءٌ وَشَجَرٌ، فَأَعْجَبَهُمَا، فَنَزَلَا بِهِ، فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ أَعْلَى مَكَّةَ وَقُعَيْقِعَانَ، فَحَازَ ذَلِكَ، وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ أَجْيَادِينَ وَأَسْفَلَ مَكَّةَ، فَمَا حَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا وَمِنْ كُدَى، وَكُلٌّ فِي قَوْمِهِ عَلَى حِيَالِهِ، لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي مُلْكِهِ، ثُمَّ إِنَّ جُرْهُمًا وَقَطُورَا بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا، وَاقْتَتَلُوا بِهَا حَتَّى نَشِبَتِ الْحَرْبُ أَوْ شَبَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمُلْكِ، وَوُلَاةُ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ مَعَ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو بَنُو نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَبَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السَّمَيْدَعِ، فَلَمْ يَزَلْ بَيْنَهُمُ الْبَغْيُ حَتَّى سَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إِلَى السَّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدَّتُهَا مِنَ الرِّمَاحِ وَالدَّرَقِ وَالسُّيُوفِ وَالْجِعَابِ تُقَعْقِعُ بِذَلِكَ مَعَهُ، وَيُقَالُ: مَا سُمِّيَتْ قُعَيْقِعَانَ إِلَّا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ السَّمَيْدَعُ بِقَطُورَا مِنْ أَجْيَادٍ، مَعَهُ الْخَيْلُ وَالرِّجَالُ، وَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجْيَادًا إِلَّا لِخُرُوجِ الْخَيْلِ الْجِيَادِ مِنْهُ مَعَ السَّمَيْدَعِ، حَتَّى الْتَقَوْا بِفَاضِحٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ السَّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَا، وَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ فَاضِحٌ فَاضِحًا إِلَّا بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
⦗ص: 83⦘
تَدَاعَوْا لِلصُّلْحِ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ شِعْبًا بِأَعْلَى مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ شِعْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَاصْطَلَحُوا بِهَذَا الشِّعْبِ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إِلَى مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيِّ، فَلَمَّا جُمِعَ إِلَيْهِ أَمْرُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ دُونَ السَّمَيْدَعِ، نَحَرَ لِلنَّاسِ وَأَطْعَمَهُمْ، فَأَطْبَخَ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، فَأَكَلُوا، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَتِ الْمَطَابِخُ مَطَابِخَ إِلَّا بِذَلِكَ. قَالَ: فَكَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو وَالسَّمَيْدَعِ أَوَّلُ بَغْيٍ كَانَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَقَالَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ: هِيَ تِلْكَ الْحَرْبُ، يَذْكُرُ السَّمَيْدَعَ وَقَتْلَهُ، وَبَغْيَهُ، وَالْتِمَاسَهُ مَا لَيْسَ لَهُ:
[البحر الطويل]
وَنَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْحَيِّ عَنْوَةً فَأَصْبَحَ فِيهَا وَهْوَ حَيْرَانُ مُوجَعُ
وَمَا كَانَ يَبْغِي أَنْ يَكُونَ سَوَاءَنَا بِهَا مَلِكٌ حَتَّى أَتَانَا السَّمَيْدَعُ
فَذَاقَ وَبَالًا حِينَ حَاوَلَ مُلْكَنَا وَعَالَجَ مِنَّا غُصَّةً تُتَجَرَّعُ
فَنَحْنُ عَمَرْنَا الْبَيْتَ كُنَّا وُلَاتَهُ نُحَامِي عَنْهُ مَنْ أَتَانَا وَنَدْفَعُ
وَمَا كَانَ يَبْغِي أَنْ يَلِيَ ذَاكَ غَيْرُنَا وَلَمْ يَكُ حَيٌّ قَبْلَنَا ثُمَّ يُمْنَعُ
وَكُنَّا مُلُوكًا فِي الدُّهُورِ الَّتِي مَضَتْ وَرِثْنَا مُلُوكًا لَا تُرَامُ فَتُوضَعُ
⦗ص: 84⦘
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّمَا سُمِّيَتِ الْمَطَابِخَ؛ لِمَا كَانَ تُبَّعٌ نَحَرَ بِهَا وَأَطْعَمَ بِهَا، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ. قَالَ: ثُمَّ نَشَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ مِنْ جُرْهُمٍ إِذْ ذَاكَ الْحُكَّامُ بِمَكَّةَ، وَوُلَاةُ الْبَيْتِ، كَانُوا كَذَلِكَ بَعْدَ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ مَكَّةُ وَانْتَشَرُوا بِهَا انْبَسَطُوا فِي الْأَرْضِ، وَابْتَغَوُا الْمَعَاشَ وَالتَّفَسُّحَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَأْتُونَ قَوْمًا، وَلَا يَنْزِلُونَ بَلَدًا إِلَّا أَظْهَرَهُمُ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ، فَوَطَئُوهُمْ وَغَلَبُوهُمْ عَلَيْهَا حَتَّى مَلَكُوا الْبِلَادَ، وَنَفَوْا عَنْهَا الْعَمَالِيقَ وَمَنْ كَانَ سَاكِنًا بِلَادَهُمُ الَّتِي كَانُوا اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجُرْهُمٌ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَّةَ وُلَاةُ الْبَيْتِ، لَا يُنَازِعُهُمْ إِيَّاهُ بَنُو إِسْمَاعِيلَ لِخُؤُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ وَإِعْظَامِ الْحَرَمِ أَنْ يَكُونَ بِهِ بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ "
حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: " كَانَتِ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ وُلَاةُ الْحُكْمِ بِمَكَّةَ فَضَيَّعُوا حُرْمَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَاسْتَحَلُّوا فِيهِ أُمُورًا عِظَامًا، وَنَالُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَنَالُونَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَمُوقٌ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَبْقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ مَنْ هَلَكَ مِنْ صَدْرِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ قَوْمَ هُودٍ، وَصَالِحٍ، وَشُعَيْبٍ، فَلَا تَفْعَلُوا وَتَوَاصَلُوا فَلَا تَسْتَخِفُّوا بِحَرَمِ اللَّهِ وَمَوْضِعِ بَيْتِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ وَالْإِلْحَادَ فِيهِ، فَإِنَّهُ مَا سَكَنَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَظَلَمَ فِيهِ وَأَلْحَدَ إِلَّا قَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُمْ، وَاسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ، وَبَدَّلَ أَرْضَهَا
غَيْرَهُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ بَاقِيَةٌ. فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَتَمَادَوْا فِي هَلَكَةِ أَنْفُسِهِمْ. قَالُوا: ثُمَّ إِنَّ جُرْهُمًا وَقَطُورَا خَرَجُوا سَيَّارَةً مِنَ الْيَمَنِ، وَأَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ عَلَيْهِمْ، فَسَارُوا بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَقَالُوا: نَطْلُبُ مَكَانًا فِيهَا وَمَرْعًى تَسْمَنُ فِيهِ مَاشِيَتُنَا، وَإِنْ أَعْجَبَنَا أَقَمْنَا فِيهِ، فَإِنَّ كُلَّ بِلَادٍ يَنْزِلُهَا أَحَدٌ وَمَعَهُ ذُرِّيَّتُهُ وَمَالُهُ فَهِيَ وَطَنُهُ، وَإِلَّا رَجَعْنَا إِلَى بَلَدِنَا. فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَجَدُوا فِيهَا مَاءً طَيِّبًا، وَعِضَاهًا مُلْتَفَّةً مِنْ سَلَمٍ وَسَمُرٍ، وَنَبَاتًا يُسْمِنُ مَوَاشِيَهُمْ، وَسَعَةً مِنَ الْبِلَادِ، وَدِفْئًا مِنَ الْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَجْمَعُ لَنَا مَا نُرِيدُ. فَأَقَامُوا مَعَ الْعَمَالِيقِ، وَكَانَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ قَوْمٌ إِلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِيهِمْ وَلَوْ كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، فَكَانَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مَلِكً جُرْهُمٍ وَالْمُطَاعَ فِيهِمْ، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ مَلِكَ قَطُورَا، فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو أَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ حَوْزُهُمْ وَجْهَ الْكَعْبَةِ وَالرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالْمَقَامَ وَمَوْضِعَ زَمْزَمَ مُصْعِدًا يَمِينًا وَشِمَالًا وَقُعَيْقِعَانَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي، وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَأَجْيَادِينَ، وَكَانَ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكَانَ حَوْزُهُمُ الْمَسْفَلَةَ ظَهْرَ الْكَعْبَةِ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْغَرْبِيَّ وَأَجْيَادِينَ وَالثَّنِيَّةَ إِلَى الرَّمْضَةِ، فَبَنَيَا فِيهَا الْبُيُوتَ وَاتَّسَعَا فِي الْمَنَازِلِ، وَكَثُرُوا عَلَى الْعَمَالِيقِ، فَنَازَعَتْهُمُ
الْعَمَالِيقُ، فَمَنَعَتْهُمْ جُرْهُمٌ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْحَرَمِ كُلِّهِ، فَكَانُوا فِي أَطْرَافِهِ لَا يَدْخُلُونَهُ، فَقَالَ لَهُمْ صَاحِبُهُمْ عَمُوقٌ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَا تَسْتَخِفُّوا بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، فَغَلَبْتُمُونِي. فَجَعَلَ مُضَاضٌ وَالسَّمَيْدَعُ يُقْطِعَانِ الْمَنَازِلَ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِمَا مِنْ قَوْمِهِمَا، وَكَثُرُوا وَرَبَلُوا، وَأَعْجَبَتْهُمُ الْبِلَادُ، وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا، وَكَانَ اللِّسَانُ عَرَبِيًّا، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عليه السلام يَزُورُ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام، فَلَمَّا سَمِعَ لِسَانَهُمْ وَإِعْرَابَهُمْ سَمِعَ لَهُمْ كَلَامًا حَسَنًا، وَرَأَى قَوْمًا عَرَبًا، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ قَدْ أَخَذَ بِلِسَانِهِمْ، أَمَرَ إِسْمَاعِيلَ أَنْ يَنْكِحَ فِيهِمْ، فَخَطَبَ إِلَى مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو ابْنَتَهُ رِعْلَةَ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ عَشَرَةُ ذُكُورٍ، وَهِيَ أُمُّ الْبَيْتِ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ الَّتِي غَسَلَتْ رَأْسَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمَقَامِ. قَالُوا: وَتُوُفِّيَ إِسْمَاعِيلُ وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ قَدْ دُفِنَتْ فِي الْحِجْرِ أَيْضًا، وَتَرَكَ وَلَدًا مِنْ رِعْلَةَ ابْنَةِ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيِّ، فَقَامَ مُضَاضٌ بِأَمْرِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَكَفَلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَنُو ابْنَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ جُرْهُمٍ يَعْظُمُ بِمَكَّةَ وَيَسْتَفْحِلُ حَتَّى وَلُوا الْبَيْتَ، فَكَانُوا وُلَاتَهُ وَحُجَّابَهُ وَوُلَاةَ الْأَحْكَامِ بِمَكَّةَ، فَجَاءَ سَيْلٌ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَانْهَدَمَ، فَأَعَادَتْهُ جُرْهُمٌ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَكَانَ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَانَ الَّذِي بَنَى الْبَيْتَ لِجُرْهُمٍ أَبُو الْجَدَرَةِ، فَسُمِّيَ عَمْرٌو الْجَادِرَ، وَسُمُّوا بَنِي الْجَدَرَةِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ جُرْهُمًا اسْتَخَفُّوا بِأَمْرِ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ، وَارْتَكَبُوا أُمُورًا عِظَامًا، وَأَحْدَثُوا فِيهَا أَحْدَاثًا لَمْ تَكُنْ، فَقَامَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فِيهِمْ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، احْذَرُوا الْبَغْيَ، فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لِأَهْلِهِ، قَدْ رَأَيْتُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعَمَالِيقِ، اسْتَخَفُّوا بِالْحَرَمِ
فَلَمْ يُعَظِّمُوهُ، وَتَنَازَعُوا بَيْنَهُمْ وَاخْتَلَفُوا حَتَّى سَلَّطَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجْتُمُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا تَسْتَخِفُّوا بِحَقِّ الْحَرَمِ وَحُرْمَةِ بَيْتِ اللَّهِ، وَلَا تَظْلِمُوا مَنْ دَخَلَهُ وَجَاءَهُ مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، أَوْ آخَرَ جَاءَ بَايِعًا لِسِلْعَتِهِ أَوْ مُرْتَغِبًا فِي جِوَارِكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تَخَوَّفْتُ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْهُ خُرُوجَ ذُلٍّ وَصَغَارٍ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَرَمِ، لَا إِلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ الَّذِي لَكُمْ حِرْزٌ وَأَمْنٌ، وَالطَّيْرُ يَأْمَنُ فِيهِ. قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُجَدَّعٌ: مَنِ الَّذِي يُخْرِجُنَا مِنْهُ؟ أَلَسْنَا أَعَزَّ الْعَرَبِ وَأَكْثَرَهُمْ رِجَالًا وَسِلَاحًا؟ فَقَالَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو: إِذَا جَاءَ الْأَمْرُ بَطَلَ مَا تَقُولُونَ. فَلَمْ يُقْصِرُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ، وَكَانَ لِلْبَيْتِ خِزَانَةُ بِئْرٍ فِي بَطْنِهِ يُلْقَى فِيهَا الْحُلِيُّ وَالْمَتَاعُ الَّذِي يُهْدَى لَهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَا سَقْفَ لَهُ، فَتَوَاعَدَ لَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنْ جُرْهُمٍ أَنْ يَسْرِقُوا مَا فِيهِ، فَقَامَ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَاقْتَحَمَ الْخَامِسُ، فَجَعَلَ اللَّهُ عز وجل أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَسَقَطَ مُنَكَّسًا فَهَلَكَ، وَفَرَّ الْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مُسِحَتِ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ بَلَغَنَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ مَسَحَ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ كُلَّهَا أَيْضًا، وَبَلَغَنَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ آدَمَ مَسَحَ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَاوَلُوا سَرِقَةَ مَا فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ مَا كَانَ بَعَثَ اللَّهُ حَيَّةً سَوْدَاءَ الظَّهْرِ، بَيْضَاءَ الْبَطْنِ، رَأْسُهَا مِثْلُ رَأْسِ الْجَدْيِ، فَحَرَسَتِ الْبَيْتَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، لَا يَقْرَبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَرُومَ سَرِقَةَ
مَا كَانَ فِي الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْشٌ بِنَاءَ الْبَيْتِ مَنَعَتْهُمُ الْحَيَّةُ هَدْمَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اعْتَزَلُوا عِنْدَ الْمَقَامِ، ثُمَّ دَعَوُا اللَّهَ تَعَالَى، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا إِنَّمَا أَرَدْنَا عِمَارَةَ بَيْتِكَ. فَجَاءَ طَيْرٌ أَسْوَدُ الظَّهْرِ، أَبْيَضُ الْبَطْنِ، أَصْفَرُ الرِّجْلَيْنِ، فَأَخَذَهَا فَاحْتَمَلَهَا حَتَّى أَدْخَلَهَا أَجْيَادًا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ جُرْهُمًا لَمَّا طَغَتْ فِي الْحَرَمِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَةُ الْبَيْتَ، فَفَجَرَا فِيهِ، فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ، فَأُخْرِجَا مِنَ الْكَعْبَةِ، فَنُصِبَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَعْتَبِرَ بِهِمَا مَنْ رَآهُمَا، وَلِيَزْدَجِرَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ مَا ارْتَكَبَا، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمَا يَدْرُسُ وَيَتَقَادَمُ حَتَّى صَارَا صَنَمَيْنِ يُعْبَدَانِ " وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ دَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَتِهِمَا، وَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنَّمَا نُصِبَا هَاهُنَا أَنَّ آبَاءَكُمْ وَمَنْ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمَا. وَإِنَّمَا أَلْقَاهُ إِبْلِيسُ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فِيهَا شَرِيفًا سَيِّدًا مُطَاعًا، مَا قَالَ لَهُمْ فَهُوَ دِينٌ مُتَّبَعٌ. قَالَ: ثُمَّ حَوَّلَهُمَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَضَعَهُمَا يُذْبَحُ عِنْدَهُمَا وِجَاهَ الْكَعْبَةِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِي نَسَبِهِمَا، فَقَالَ قَائِلٌ: إِسَافُ بْنُ بَغَا، وَنَائِلَةُ بِنْتُ ذِئْبٍ. فَالَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ عَمَّنْ نَثِقُ بِهِ مِنْهُمْ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، كَانَ يَقُولُ: هُوَ إِسَافُ بْنُ سُهَيْلٍ، وَنَائِلَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ذِيبٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهُ لَمْ يَفْجُرْ بِهَا فِي الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا قَبَّلَهَا. قَالُوا: فَلَمْ يَزَالَا يُعْبَدَانِ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ، فَكُسِّرَا، وَكَانَتْ مَكَّةُ لَا يَقَرُّ فِيهَا ظَالِمٌ وَلَا بَاغٍ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا نُفِيَ مِنْهَا، وَكَانَ نَزَلَهَا بِعَهْدِ الْعَمَالِيقِ وَجُرْهُمٍ جَبَابِرَةٌ، فَكُلُّ مَنْ أَرَادَ الْبَيْتَ بِسُوءٍ أَهْلَكَهُ اللَّهُ، فَكَانَتْ تُسَمَّى بِذَلِكَ الْبَاسَّةَ "
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ:«سُمِّيَتْ بَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ»
وَحَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ أَنْ يَسْطُوا عَلَيْهِ»
وَرُوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ:«إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ لِقِدَمِهِ»
حَدَّثَنِي جَدِّي، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ:«كَانَ بِمَكَّةَ حَيٌّ يُقَالُ لَهُمُ الْعَمَالِيقُ، فَأَحْدَثُوا فِيهَا أَحْدَاثًا، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُودُهُمْ بِالْغَيْثِ، وَيَسُوقُهُمْ بِالسَّنَةِ، يَضَعُ الْغَيْثَ أَمَامَهُمْ، فَيَذْهَبُونَ لِيَرْجِعُوا، فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَتَّبِعُونَ الْغَيْثَ، حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِمَسَاقِطِ رُؤُوسِ آبَائِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ حِمْيَرٍ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ» قَالَ أَبُو خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ: فَقُلْتُ لِابْنِ خَيْثَمٍ: وَمَا الطُّوفَانُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ
حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ حَيٌّ يُقَالُ لَهُمُ الْعَمَالِيقُ، فَكَانُوا فِي عِزَّةٍ وَكَثْرَةٍ وَثَرْوَةٍ، وَكَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ مِنْ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَمَاشِيَةٍ، وَكَانَتْ تَرْعَى بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ مُرٍّ وَنَعْمَانَ وَمَا حَوْلَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْخُرَفُ عَلَيْهِمْ مُظِلَّةً، وَالْأَرْبِعَةُ مُغْدِقَةً، وَالْأَوْدِيَةُ نِجَالًا، وَالْعِضَاهُ مُلْتَفَّةً، وَالْأَرْضُ مُبْقِلَةً، وَكَانُوا فِي عَيْشٍ رَخِيٍّ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمُ الْبَغْيُ وَالْإِسْرَافُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْإِلْحَادُ بِالظُّلْمِ، وَإِظْهَارُ الْمَعَاصِي، وَالِاضْطِهَادُ لِمَنْ قَارَبَهُمْ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مَا أُوتُوا بِشُكْرِ