الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَبْعٌ حُمْرٌ طُولُهُنَّ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أُصْبُعًا، وَبَيْنَ جِدَارِ الدَّرَجَةِ وَبَيْنَ الرُّخَامِ الْأَخْضَرِ ثَلَاثُ رُخَامَاتٍ مِنْهَا اثْنَتَانِ بَيْضَاوَانِ وَوَاحِدَةٌ حَمْرَاءُ طُولُ كُلِّ رُخَامَةٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَسِتَّ عَشْرَةَ رُخَامَةً ثَمَانٍ بِيضٌ وَثَمَانٍ حُمْرٌ طُولُ كُلِّ رُخَامَةٍ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَتِسْعُ أَصَابِعَ وَأَطْرَافُهُنَّ فِي حَدِّ الرُّخَامِ الْأَخْضَرِ الَّذِي بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَالْجَدْرَيْنِ ، وَأَطْرَافُهُنَّ فِي الْجَدْرِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ بَابَ الْكَعْبَةِ مِنْهَا رُخَامَةٌ بَيْضَاءُ عَرْضُهَا ذِرَاعَانِ وَأُصْبُعَانِ، ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَوْضِعِهَا وَهِيَ الثَّالِثَةُ مِنَ الرُّخَامِ الْبِيضِ مِنْ حَدِّ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَطَرَفُهَا فِي الْأُسْطُوَانَةِ الْأُولَى مِنْ حِيَالِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَعِنْدَ عَتَبَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ رُخَامَتَانِ خَضْرَاءُ وَحَمْرَاءُ مَفْرُوشَتَانِ
ذِكْرُ مَا غُيِّرَ مِنْ فَرْشِ أَرْضِ الْكَعْبَةِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَذَلِكَ إِلَى آخِرِ شُهُورِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمَّدُ الْمُنْتَصِرُ بِاللَّهِ وَلِيُّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَلِي أَمْرَ مَكَّةَ وَالْحِجَازِ وَغَيْرِهِمَا، فَكَتَبَ وَالِي مَكَّةَ إِلَيْهِ أَنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ فَرَأَيْتُ الرُّخَامَ الْمَفْرُوشَ بِهِ أَرْضُهَا قَدْ تَكَسَّرَ وَصَارَ قِطَعًا صِغَارًا وَرَأَيْتُ
مَا عَلَى جُدُرَاتِهَا مِنَ الرُّخَامِ قَدْ تَزَايَلَ تَهَنْدُمُهُ وَوَهَى عَنْ مَوَاضِعِهِ وَأَحْضَرْتُ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ
وَصُلَحَائِهِمْ جَمَاعَةً وَشَاوَرْتُهُمْ فِي ذَلِكَ فَأَجْمَعَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ مَا عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْكِسْوَةِ قَدْ أَثْقَلَهَا وَوَهَّنَهَا وَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ أَضَرَّ بِجُدُرَاتِهَا، وَأَنَّهَا لَوْ جُرِّدَتْ أَوْ خُفِّفَ عَنْهَا بَعْضُ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْكِسْوَةِ كَانَ أَصْلَحَ وَأَوْثَقَ لَهَا، فَأَنْهَيْتُ ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَرَى رَأْيَهُ الْمَيْمُونَ فيه، وَيَأْمُرَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُوَفِّقُهُ اللَّهُ عز وجل وَيُسَدِّدُهُ لَهُ، وَكَانَ فَرْشُ أَرْضِ الْكَعْبَةِ قَدِ انْثَلَمَ مِنْهُ شَيءٌ كَثِيرٌ شَائِنٌ. وَكَتَبَ صَاحِبُ الْبَرِيدِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا كَتَبَ بِهِ الْعَامِلُ بِمَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ وَتَوَاتَرْتُ كُتُبُهُمَا بِهِ وَتَمَالَيَا فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَا فِي بَعْضِ كُتُبِهِمَا أَنَّ أَمْطَارَ الْخَرِيفِ قَدْ كَثُرَتْ، وَتَوَاتَرَتْ بِمَكَّةَ وَمِنًى فِي هَذَا الْعَامِ فَهَدَّمَتْ مَنَازِلَ كَثِيرَةً، وَأَنَّ السَّيْلَ حَمَلَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِبْرَاهِيمَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَعْرُوفِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَهَدَمَ سُقُوفَهَ وَعَامَّةَ جُدُرَاتِهِ وَذَهَبَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَأَعْرَاهُ، وَهَدَمَ مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ بِمِنًى وَمَا فِيهَا مِنَ الْحَجَرِ جُدُرَاتٍ وَعِدَّةَ أَبْيَاتٍ، وَهَدَمَ الْعَقَبَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبِرْكَةَ الْيَاقُوتَةِ وَبِرَكَ الْمَأْزِمَيْنِ وَالْحِيَاضَ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا، وَبِرْكَةَ الْعَيْرَةِ وَأَنَّ الْعَمَلَ فِي
ذَلِكَ إِنْ لَمْ يُتَدَارَكْ وَيُبَادَرْ بِإِصْلَاحِهِ كَانَ عَلَى سَيْلِ زِيَادَةٍ وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَا يُفْرَغُ مِنْهُ إِلَّا فِي أَشْهُرٍ كَثِيرَةٍ، وَرَفَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَجَبَةِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ رُقْعَةً ذَكَرُوا فِيهَا أَنَّ مَا كَتَبَ بِهِ الْعَامِلُ بِمَكَّةَ مِنْ ذِكْرِ الرُّخَامِ الْمُتَكَسِّرِ فِي أَرْضِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وَطْءِ مَنْ يَدْخُلُ الْكَعْبَةَ مِنَ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهُ لَا يَرْزَأَهَا وَلَا يَضُرُّهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي جُدُرَاتِهَا مِنَ الرُّخَامِ الْمُتَزَايِلِ، وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنَ الْكِسْوَةِ مَا يُخَافُ بِسَبَبِهِ وَهَنٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَأَنَّ زَاوِيَتَيْنِ مِنْ زَوَايَا الْكَعْبَةِ مِنْ دَاخِلِهَا مُلَبَّسٌ ذَهَبًا وَزَاوِيَتَيْنِ فِضَّةً وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَهَبًا كُلَّهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَزْيَنَ، وَأَنَّ قِطْعَةَ فِضَّةٍ مُرَكَّبَةٍ عَلَى بَعْضِ جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ شِبْهُ الْمِنْطَقَةِ فَوْقَ الْإِزَارِ الثَّانِي مِنَ الرُّخَامِ تَحْتَ الْإِزَارِ الْأَعْلَى مِنَ الرُّخَامِ الْمَنْقُوشِ الْمُذَهَّبِ فِي زِيقٍ فِي الْوَسَطِ فِيهِ الْجَزْعَةُ الَّتِي تَسْتَقْبِلُ مَنْ تَوَخَّى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتِلْكَ الْقِطْعَةُ فِي الزِّيقِ مُبْتَدَا مِنْطَقَةٍ كَانَتْ عُمِلَتْ فِي خِلَافَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّشِيدِ عَمِلَهَا سَالِمُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَيَّامَ عَمِلَ الذَّهَبَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ جَاءَ خَلْعُ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ فَوَقَفَ عَنْ عَمَلِهَا، وَلَوْ كَانَ بَدَّلَ تِلْكَ الْقِطْعَةَ مِنْطَقَةً فِضَّةً مُرَكَّبَةً فِي أَعْلَى إِزَارِ الْكَعْبَةِ فِي تَرْبِيعِهَا كَانَ أَبْهَى وَأَحْسَنَ، وَأَنَّ الْكُرْسِيَّ الْمَنْصُوبَ الْمُقْعَدَ فِيهِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مُلَبَّسٌ صَفَايِحَ مِنْ رَصَاصٍ، وَلَوْ عُمِلَ مَكَانَ الرَّصَاصِ فِضَّةٌ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ وَأَحْسَنَ وَأَوْثَقَ لَهُ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِ ذَلِكَ أَجْمَعَ، فَوَجَّهَ رَجُلًا مِنْ صُنَّاعِهِ يُقَالُ لَهُ: إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ الصَّائِغُ شَيْخٌ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالصِّنَاعَاتِ وَرِفْقٌ وَتَجَارِبٌ، وَوَجَّهَ مَعَهُ مِنَ الصُّنَّاعِ مَنْ تَخَيَّرَهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ مِنْ صِنَاعَاتٍ شَتَّى مِنَ الصُّوَّغِ وَالرُّخَامِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصُّنَّاعِ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَمِنَ الرُّخَامِ الْأَلْوَاحِ الثِّخَانِ لِيُشَقَّ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا بِمَكَّةَ لَوْحَيْنِ، وَمِائَةَ لَوْحٍ، وَوَجَّهُ مَعَهُ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَآلَاتٍ لِشِقِّ الرُّخَامِ وَلِعَمَلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَرَفَعَ الْحَجَبَةُ أَيْضًا رُقْعَةً إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَذْكُرُونَ لَهُ أَنَّ الْعَامِلَ بِمَكَّةَ إِنْ تَسَلَّطَ عَلَى أَمْرِ الْكَعْبَةِ أَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَ إِسْحَاقَ بْنِ سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ يَدٌ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَعْمِدَ إِلَى مَا كَانَ صَحِيحًا أَوْ يَتَعَلَّلَ فِيهِ فَيُخَرِّبَهُ أَوْ يَهْدِمَهُ، وَيُحْدِثُ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ لَا تُؤْمَنُ عَوَاقِبُهَا ، يَطْلُبُ بِذَلِكَ ضِرَارَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِكِتَابٍ إِلَى الْعَامِلِ بِمَكَّةَ فِي جَوَابِ مَا كَانَ هُوَ وَصَاحِبُ الْبَرِيدِ كَتَبَا بِهِ، أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَ بِتَوْجِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ سَلَمَةَ الصَّايِغَ لِلْوُقُوفِ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَرَدَّ الْأَمْرَ فِيهَا إِلَى إِسْحَاقَ لَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ الصَّلَاحُ وَالْإِحْكَامُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدِمَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ الصَّائِغُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الصُّنَّاعِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرُّخَامِ وَالْآلَاتِ، مَكَّةَ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَعَهُ كِتَابٌ مَنْشُورٌ مَخْتُومٌ فِي أَسْفَلِهِ بِخَاتَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْعَامِلِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُمَّالِ
بِمَعَاوَنَةِ إِسْحَاقَ بْنِ سَلَمَةَ وَمُكَانَفَتِهِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَرْوِيحِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ وَأَنْ لَا تَجْعَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي مُخَالَفَةِ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ سَبِيلًا. فَدَخَلَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ الْكَعْبَةَ فِي شَعْبَانَ، بَعْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ بِأَيَّامٍ، وَدَخَلَ مَعَهُ الْعَامِلُ بِمَكَّةَ وَصَاحِبُ الْبَرِيدِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحَجَبَةِ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ صُلَحَائِهِمْ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ قَدِمَ بِهِمْ مَعَهُ وَأَحْضَرَ مَنْجَنِيقًا طَوِيلَ الصُّقَّةِ إِلَى جَانِبِ الْجَدْرِ الَّذِي يُقَابِلُ مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَصَعِدَ عَلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ وَمَعَهُ خَيْطٌ وَسَابُورَةٌ، فَأَرْسَلَ الْخَيْطَ مِنْ أَعْلَى الْمَنْجَنِيقِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَزَلَ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِجُدُرَاتِهَا الْأَرْبَعَةِ فَوَجَدَهَا كَأَصَحِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبِنَاءِ وَأَحْكَمِهِ فَسَأَلَ الْحَجَبَةَ هَلْ يَجُوزُ التَّكْبِيرُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَقَالُوا: نَعَمْ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ مَنْ حَضَرَهُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَكَبَّرَ النَّاسُ مِمَّنْ فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ خَارِجِهَا، وَخَرَّ مَنْ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ جَمِيعًا سُجَّدًا لِلَّهِ وَشُكْرًا، وَقَامَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ بَيْنَ بَابَيِ الْكَعْبَةِ، فَأَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ احْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عِمَارَةِ بَيْتِهِ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِيهِ مِنَ الْحَدَثِ مِمَّا كُتِبَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا، بَلْ وَجَدْنَا الْكَعْبَةَ وَجُدُرَاتِهَا وَإِحْكَامِ بِنَائِهَا وَإِتْقَانِهَا عَلَى أَتْقَنِ مَا يَكُونُ، وَابْتَدَأَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ عَمَلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرُّخَامِ فِي الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِخَالِصَةٍ فِي دَارِ الْخِزَانَةِ عِنْدَ الْخَيَّاطِينَ، وَصَارَ إِلَى مِنًى، فَأَمَرَ بِعَمَلِ ضَفِيرَةٍ تُتَّخَذُ لِيَرُدَّ سَيْلَ الْجَبَلِ
عَنِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْإِمَارَةِ، فَاتَّخَذَ هُنَاكَ ضَفِيرَةً عَرِيضَةً مُرْتَفِعَةَ السُّمْكِ وَأَحْكَمَهَا بِالْحِجَارَةِ وَالنَّوْرَةِ وَالرَّمَادِ، فَصَارَ مَا يَنْحَدِرُ مِنَ السَّيْلِ يَتَسَرَّبُ فِي أَصْلِ الضَّفِيرَةِ مِنْ خَارِجِهَا وَيَخْرُجُ إِلَى الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ بِمِنًى، وَلَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَلَا دَارَ الْإِمَارَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَصَارَ مَا بَيْنَ الضَّفِيرَةِ وَالْمَسْجِدِ، وَهُوَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ رِفْقًا لِلْمَسْجِدِ وَزِيَادَةً فِي سَعَتِهِ، ثُمَّ هَدَمَ الْمَسْجِدَ وَمَا كَانَ مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ مُسْتَهْدَمًا وَأَعَادَ بِنَاءَهُ، وَرَمَّ مَا كَانَ مُسْتَرَمًّا، وَأَحْكَمَ الْعَقَبَةَ وَجُدُرَاتِهَا، وَأَصْلَحَ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مِنًى إِلَى الشِّعْبِ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: شِعْبُ الْأَنْصَارِ، الَّذِي أَخَذَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْعَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ قَدْ عَفَتْ وَدَرَسَتْ، فَكَانَتِ الْجَمْرَةُ زَايِلَةً عَنْ مَوْضِعِهَا، أَزَالَهَا جُهَّالُ النَّاسِ بِرَمْيِهِمُ الْحَصَى، وَغُفِلَ عَنْهَا حَتَّى أُزِيحَتْ عَنْ مَوْضِعَهَا شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَرَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي لَمْ تَزَلْ عَلَيْهِ، وَبَنَى مِنْ وَرَائِهَا جِدَارًا أَعْلَاهُ، وَمَسْجِدًا مُتَّصِلًا بِذَلِكَ الْجِدَارِ لِئَلَّا يَصِلَ إِلَيْهَا مَنْ يُرِيدُ الرَّمْيَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الرَّمْيَ أَنْ يَقِفَ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، فَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْمِي كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَفَرَغَ مِنَ الْبِرَكِ وَأَحْكَمَ عَمَلَهَا، وَعَمِلَ الْفِضَّةَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمَقَامِ مَكَانَ الرَّصَاصِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَاتَّخَذَ لَهُ قُبَّةً مِنْ خَشَبِ السَّاجِ
مَقْبُوَّةَ الرَّأْسِ بِضِبَابٍ لَهَا مِنْ حَدِيدٍ مُلَبَّسَةَ الدَّاخِلِ بِالْأَدَمِ، وَكَانَتِ الْقُبَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ مُسَطَّحَةً، وَكَانَ الْعَامِلُ بِمَكَّةَ قَدْ أَمَرَ بِكِتَابٍ يُقْرَأُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَجَلَسَ خَلْفَ الْمَقَامِ وَأَقَامَ كَاتِبَهَ قَائِمًا عَلَى الصُّنْدُوقِ، فَقَرَأَ الْكِتَابَ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ إِعْظَامًا شَدِيدًا وَأَنْكَرُوهُ أَشَدَّ النُّكْرَةِ، وَخَافَ الْحَجَبَةُ أَنْ يَعُودَ لِمِثْلِهَا، فَرَفَعُوا فِي ذَلِكَ رُقْعَةً إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذَ كُرْسِيًّا يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْكُتُبَ، وَأَنْ يُنَزَّهَ الْمَقَامُ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَظَّمَ، وَعَمِلَ إِسْحَاقُ الذَّهَبَ عَلَى زَاوِيَتَيِ الْكَعْبَةِ مِنْ دَاخِلِهَا مَكَانَ مَا كَانَ هُنَالِكَ مِنَ الْفِضَّةِ مُلَبَّسًا، وَكَسَّرَ الذَّهَبَ الَّذِي كَانَ عَلَى الزَّاوِيَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَأَعَادَ عَمَلَهُ، فَصَارَ ذَلِكَ أَجْمَعُ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ مَنْقُوشَةً مُؤَلَّفَةً نَاتِئَةً، وَعَمِلَ مِنْطَقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَرَكَّبَهَا فَوْقَ إِزَارِ الْكَعْبَةِ فِي تَرْبِيعِهَا كُلِّهَا، مَنْقُوشَةً مُؤَلَّفَةً جَلِيلَةً نَاتِئَةً، يَكُونُ عَرْضُ الْمِنْطَقَةِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، وَعَمِلَ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ مَنْقُوشٍ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْمِنْطَقَةِ، فَرَكَّبَهُ حَوْلَ الْجَزْعَةِ الَّتِي تُقَابِلُ مَنْ دَخَلَ مِنْ بَابِ الْكَعْبَةِ فَوْقَ الطَّوْقِ الذَّهَبِ الْقَدِيمِ الَّذِي كَانَ مُرَكَّبًا حَوْلَهَا مِنْ عَمَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَرِهَ أَنْ يَقْلَعَ ذَلِكَ الطَّوْقَ الْأَوَّلَ لِسَبَبِ تَكَسُّرٍ خَفِيٍّ فِي الْجَزْعَةِ، فَتَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لِئَلَّا يَحْدُثَ فِي الْجَزْعَةِ حَادِثٌ، وَقَلَعَ الرُّخَامَ الْمُتَزَايِلَ مِنْ جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يَسِيرًا رُخَامَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَأَعَادَ نَصْبَهَ كُلَّهُ بِجِصٍّ صَنْعَانِيٍّ كَانَ كَتَبَ فِيهِ إِلَى عَامِلِ صَنْعَاءَ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ مِنْهُ جِصٌّ مَطْبُوخٌ صَحِيحٌ غَيْرُ مَدْقُوقٍ اثْنَا عَشَرَ حِمْلًا، فَدَقَّهُ وَنَخَلَهُ وَخَلَطَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَنَصَبَ بِهِ هَذَا الرُّخَامَ، وَفِي أَعْلَى
هَذَا الْمِنْطَقَةِ الْفِضَّةِ رُخَامٌ مَنْقُوشٌ مَحْفُورٌ، فَأَلْبَسَ ذَلِكَ الرُّخَامَ ذَهَبًا رَقِيقًا مِنَ الذَّهَبِ الَّذِي يُتَّخَذَ لِلسُّقُوفِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ سَبِيكَةٌ مَضْرُوبَةٌ عَلَيْهِ إِلَى مَوْضِعِ الْفُسَيْفِسَاءِ الَّتِي تَحْتَ سَقْفِ الْكَعْبَةِ، وَغَسَلَ الْفُسَيْفِسَاءَ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَحُمَاضِ الْأُتْرُجِّ، وَنَقَضَ مَا كَانَ مِنَ الْأَصْبَاغِ الْمُزْخَرَفَةِ عَلَى السَّقْفِ وَعَلَى الْإِزَارِ الَّذِي دُونَ السَّقْفِ فَوْقَ الْفُسَيْفِسَاءِ، ثُمَّ أَلْبَسَهَا ثِيَابَ قَبَاطِيٍّ أَخْرَجَهَا إِلَيْهِ الْحَجَبَةُ مِمَّا عِنْدَهُمْ فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ، وَأَلْبَسَ تِلْكَ الثِّيَابَ ذَهَبًا رَقِيقًا وَزَخْرَفَهُ بِالْأَصْبَاغِ، وَكَانَتْ عَتَبَةُ بَابِ الْكَعْبَةِ السُّفْلَى قِطْعَتَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ قَدْ رَثَّتَا وَنَخِرَتَا مِنْ طُولِ الزَّمَانِ عَلَيْهِما، فَأَخْرَجَهُمَا وَصَيَّرَ مَكَانَهَا قِطْعَةً مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، وَأَلْبَسَهَا صَفَايِحَ فِضَّةٍ مِنَ الْفِضَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الزَّاوِيَتَيْنِ الَّتِي صَيَّرَ مَكَانَهُمَا ذَهَبًا وَلَمْ يَقْلَعْ فِي ذَلِكَ بَابَ الْكَعْبَةِ، وَحُرِّفَا فَأُزِيلَا شَيْئًا يَسِيرًا، وَهُمَا قَائِمَانِ مَنْصُوبَانِ، وَكَانَ فِي الْجَدْرِ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْبَابِ يَمْنَةَ مَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ رَزَّةٌ وَكُلَّابٌ مِنْ صُفْرٍ يُشَدُّ بِهِ الْبَابُ إِذَا فُتِحَ بِذَلِكَ الْكُلَّابِ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَقَلَعَ ذَلِكَ الصُّفْرَ، وَصَيَّرَ مَكَانَهُ فِضَّةً، وَأَلْبَسَ مَا حَوْلَ بَابِ الدَّرَجَةِ فِضَّةً مَضْرُوبَةً، وَكَانَ الرُّخَامُ الَّذِي قَدِمَ بِهِ مَعَهُ إِسْحَاقُ رُخَامًا يُسَمَّى الْمُسَيَّرَ، غَيْرَ مُشَاكِلٍ لِمَا كَانَ عَلَى جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ مِنَ الرُّخَامِ، فَشَقَّهُ وَسَوَّاهُ وَقَلَعَ
مَا كَانَ عَلَى جُدُرَاتِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي ظَهْرِ الصَّنَادِيقِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا طِيبُ الْكَعْبَةِ وَكِسْوَتُهَا مِنَ الرُّخَامِ، وَقَلَعَ الرُّخَامَ الَّذِي كَانَ عَلَى جَدْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَ بَابِ الصَّفَا وَبَيْنَ بَابِ السَّمَّانِينَ، وَاسْمُ ذَلِكَ الرُّخَامِ الْبَذِنْجِنَا، وَنَصَبَ الرُّخَامَ الْمُسَيَّرَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مَكَانَهُ عَلَى جُدُرَاتِ الْمَسْجِدِ، وَأَنْزَلَ الْمَعَالِيقَ الْمُعَلَّقَةَ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَنَفَضَهَا مِنَ الْغُبَارِ، وَغَسَلَهَا وَجَلَّاهَا، وَأَلْبَسَ عُمُدَهَا الْحَدِيدَ الْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ ذَهَبًا مِنَ الذَّهَبِ الرَّقِيقِ، وَأَعَادَ تَعْلِيقَهَا فِي مَوَاضِعِهَا عَلَى التَّأْلِيفِ، وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَمِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي بِمِنًى، يَوْمَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَحْضَرَ الْحَجَبَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَجْزَاءَ الْقُرْآنِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ فَتَفَرَّقُوهَا بَيْنَهُمْ وَإِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ مَعَهُمْ حَتَّى خَتَمُوا الْقُرْآنَ، وَأَحْضَرُوا مَاءَ وَرْدٍ وَمِسْكًا وَعُودًا وَسُكًّا مَسْحُوقًا، فَطَيَّبُوا بِهِ جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ وَأَرْضَهَا، وَأَجَافُوا بَابَهَا عَلَيْهِمْ عِنْدَ فَرَاغِهِمْ مِنَ الْخَتْمَةِ، فَدَعَوْا، وَدَعَا مَنْ حَضَرَ الطَّوَافَ، وَضَجُّوا بِالتَّضَرُّعِ وَالْبُكَاءِ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَدَعَوْا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِوُلَاةِ عُهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنْفُسِهِمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَوْمُهُمْ ذَلِكَ يَوْمًا شَرِيفًا حَسَنًا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ الصَّائِغُ أَنَّ مَبْلَغَ مَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِ الزَّوَايَا مِنَ الذَّهَبِ وَالطَّوْقِ الَّذِي حَوْلَ الْجَزْعَةِ، نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ، وَأَنَّ مَا فِي مِنْطَقَةِ الْفِضَّةِ وَمَا كَانَ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ السُّفْلَى مِنَ الصَّفَايِحِ وَعَلَى كُرْسِيِّ الْمَقَامِ مِنَ الْفِضَّةِ، نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمَا رُكِّبَ مِنَ الذَّهَبِ الرَّقِيقِ عَلَى جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ وَسُقُفِهَا، نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ حُقٍّ يَكُونُ فِي كُلِّ حُقٍّ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ، وَخَلَطَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ مَا بَقِيَ قِبَلَهُ مَعَ هَذَا الْجِصِّ الصَّنْعَانِيِّ، وَمَا قُلِعَ مِنْ أَرْضِ الْكَعْبَةِ مِنَ الرُّخَامِ الْمُتَكَسِّرِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ إِعَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَمَلِ، وَثَلَاثَةِ حِقَاقٍ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ الرَّقِيقِ، وَجِرَابٍ فِيهِ تُرَابٌ مِمَّا قَشِّرَ مِنْ جُدُرَاتِ الْكَعْبَةِ، وَمَسَامِيرَ فِضَّةٍ صِغَارٍ قِبَلَ الْحَجَبَةِ، لِمَا عَسَى