الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِمَّا يَلِي قُدَيْدًا، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَزْدِ وَغَسَّانَ، يَحُجُّونَهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، فَإِذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَأَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ وَفَرَغُوا مِنْ مِنًى، لَمْ يَحْلِقُوا إِلَّا عِنْدَ مَنَاةَ، وَكَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا، وَمَنْ أَهَلَّ لَهَا لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِمَكَانِ الصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيْهِمَا: نَهِيكٍ مُجَاوِدِ الرِّيحِ، وَمُطْعِمِ الطَّيْرِ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُهِلُّونَ بِمَنَاةَ، وَكَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يُظِلَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ تَسَوَّرَ مِنْ ظَهْرِ بَيْتِهِ؛ لِأَنْ لَا يَجُنُّ رِتَاجُ الْبَابِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَهُدِمَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189] . قَالَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَغَسَّانَ مِنَ الْأَزْدِ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلَّلِ بِقُدَيْدٍ "
وَحَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، قَالَ:«كَانَتْ مَنَاةُ صَخْرَةً لِهُذَيْلٍ، وَكَانَتْ بِقُدَيْدٍ»
بَابُ مَا جَاءَ فِي اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا جَاءَ فِي بُدُوِّهِمَا كَيْفَ كَانَ
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
سَاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ مَضَى كَانَ يَقْعُدُ عَلَى صَخْرَةٍ لِثَقِيفٍ يَبِيعُ السَّمْنَ مِنَ الْحَاجِّ إِذَا مَرُّوا، فَيَلُتُّ سَوِيقَهُمْ، وَكَانَ إِذَا غَنِمَ، فَسُمِّيَتْ صَخْرَةَ اللَّاتِ، فَمَاتَ، فَلَمَّا فَقْدَهُ النَّاسُ قَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إِنَّ رَبَّكُمْ كَانَ اللَّاتَ، فَدَخَلَ فِي جَوْفِ الصَّخْرَةِ. وَكَانَ الْعُزَّى ثَلَاثَ شَجَرَاتٍ سَمُرَاتٍ بِنَخْلَةَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَتِهَا عَمْرُو بْنُ رَبِيعَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إِنَّ رَبَّكُمْ يَتَصَيَّفُ بِاللَّاتِ لِبَرْدِ الطَّائِفِ، وَيَشْتُو بِالْعُزَّى لِحَرِّ تِهَامَةَ. وَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ شَيْطَانٌ يُعْبَدُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْدَ الْفَتْحِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِيَقْطَعَهَا فَقَطَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا رَأَيْتَ فِيهِنَّ؟» قَالَ: لَا شَيْءَ. قَالَ: «مَا قَطَعْتَهُنَّ، فَارْجِعْ فَاقْطَعْ» . فَرَجَعَ فَقَطَعَ، فَوَجَدَ تَحْتَ أَصْلِهَا امْرَأَةً نَاشِرَةً شَعْرَهَا، قَائِمَةً عَلَيْهِنَّ، كَأَنَّهَا تَنُوحُ عَلَيْهِنَّ، فَرَجَعَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: «صَدَقْتَ»
حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ اتَّخَذَ الْعُزَّى بِنَخْلَةَ، فَكَانُوا إِذَا فَرَغُوا مِنْ حَجِّهِمْ وَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَأْتُوا الْعُزَّى، فَيَطُوفُونَ بِهَا، وَيَحِلُّونَ عِنْدَهَا، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهَا يَوْمًا، وَكَانَتْ لِخُزَاعَةَ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَبَنُو كِنَانَةَ كُلُّهَا يُعَظِّمُ الْعُزَّى مَعَ خُزَاعَةَ وَجَمِيعِ مُضَرَ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا الَّذِينَ يَحْجُبُونَهَا بَنُو شَيْبَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ حُلَفَاءَ بَنِي هَاشِمٍ "
وَقَالَ عُثْمَانُ: وَأَخْبَرَنَا
⦗ص: 127⦘
مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ قَالَ: كَانَتْ بَنُو نَصْرٍ وَجُشَمَ وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ وَهُمْ عَجُزُ هَوَازِنَ يَعْبُدُونَ الْعُزَّى. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْطَانَةٌ تُكَلِّمُهُمْ وَتَرَاءَا لِلسَّدَنَةِ، وَهُمُ الْحَجَبَةُ، وَذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ إِبْلِيسَ وَأَمْرِهِ "
حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَبَثَّ السَّرَايَا فِي كُلِّ جِهَةٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي فِي مِائَتَيْنِ قِبَلَ يَلَمْلَمَ، وَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي فِي ثَلَاثِمِائَةٍ قِبَلَ عُرَنَةَ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى يَهْدِمُهَا، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْعُزَّى، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهَا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَهَدَمْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:«هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ لَمْ تَهْدِمْهَا، فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَاهْدِمْهَا» . فَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُتَغَيِّظٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا جَرَّدَ سَيْفَهُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، فَجَعَلَ السَّادِنُ يَصِيحُ بِهَا. قَالَ خَالِدٌ: وَأَخَذَنِي اقْشِعْرَارٌ فِي ظَهْرِي، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِهَا وَيَقُولُ:
[البحر الكامل]
أَعُزَّى شُدِّي شَدَّةً لَا تُكَذِّبِي
…
أَعُزَّى أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمِّرِي
أَعُزَّى إِنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا
…
فَبُوئِي بِإِثْمٍ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصَّرِي
⦗ص: 128⦘
فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالسَّيْفِ إِلَيْهَا وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الرجز]
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ
…
إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ
قَالَ: فَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ، فَجَزَلَهَا بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:«نَعَمْ، تِلْكَ الْعُزَّى، قَدْ أَيِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ أَبَدًا» ثُمَّ قَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِكَ، وَأَنْقَذَنَا بِكَ مِنَ الْهَلَكَةِ، لَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَبِي يَأْتِي الْعُزَّى بِخَيْرِ مَالِهِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَيَذْبَحُهَا لِلْعُزَّى، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَيْنَا مَسْرُورًا، وَنَظَرْتُ إِلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِي، وَإِلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ الَّذِي كَانَ يُعَاشُ فِي فَضْلِهِ، وَكَيْفَ خُدِعَ حَتَّى صَارَ يَذْبَحُ لِمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ يَسَّرَهُ لِلْهُدَى تَيَسَّرَ لَهُ، وَمَنْ يَسَّرَهُ لِلضَّلَالَةِ كَانَ فِيهَا» وَكَانَ هَدَمَهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَكَانَ سَادِنُهَا أَفْلَحَ بْنَ النَّضْرِ السُّلَمِيَّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ يَعُودُهُ وَهُوَ حَزِينٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَرَاكَ حَزِينًا؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْعُزَّى مِنْ بَعْدِي. قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: فَلَا تَحْزَنْ، فَأَنَا أَقُومُ عَلَيْهَا بَعْدَكَ. فَجَعَلَ أَبُو لَهَبٍ يَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَ: إِنْ تَظْهَرِ الْعُزَّى كُنْتُ قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَهَا يَدًا بِقِيَامِي عَلَيْهَا، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعُزَّى - وَمَا أَرَاهُ يَظْهَرُ - فَابْنُ أَخِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ايْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ؛ فَإِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا. قَالَ:«قُلْ» . فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]